حـرب الأيام الستة ... أربع دوائر لعملية تصفية سلاح الطيران المصري جزء 3 - من 3

يحي الشاعر

كبير المؤرخين العسكريين
عضو مميز
إنضم
2 فبراير 2008
المشاركات
1,560
التفاعل
98 0 0
حـرب الأيام الستة ... أربع دوائر لعملية تصفية سلاح الطيران المصري جزء 3 - من 3

حرب الأيام الستة من الأسطورة إلى الواقع

- الحلقة الثالثة -

أربع دوائر لعملية تصفية سلاح الطيران المصري

جزء 3 - من 3

حـرب الأيام الستة
...
بقلم الكاتب الفرنسي بيير رازو
أربع دوائر لعملية تصفية سلاح الطيران المصري




تكملة للموضوع أدناه الذي يدونه الكاتب الفرنسي ، عن حرب 1967 وخلفيات نكستها ، لا يجب أن يخفي عن بالنا ، أن نكسة حرب 1967 ، تتميز بما يلي ولا تتميز به أي حرب أخري في العالم ....

وأعيد سطور المقدمة ، مرة أخري ، لأحتمال قراءة البعض لجزء معين قبل الجزء الأخر
وبعدما تطرق الكاتب إلي تأييد أمريكا .. وموضوع المفاعل الذري في ديمونه ... وبعدما قمت بلفت النظر إلي بداية إستعداد إسرائيل للحرب .. وإلي بداية حرب اليمن ... وتورط مصر فيها ... والأخبار التي أذاعتنها مخابرات إسرائيل عن توريط إسرائيل لمصر في حرب اليمن ، تمهيدا لحرب 1967 ..... أنشر فيما يلي ن ألجزء الأخير من الموضوع القيم الذي كتبه الباحث الفرنسي ، وتكمن أهمية هذا الجزء ، في التفاصيل التي تتعلق بتصفية "سلاح وقوة الطيران المصري" ...

ويمكن مشابهة الضربة الأولي هنا ، بالضربة الأولي التي قامت بها مصر ، يوم 6 أكتوبر 1973 ... مع ملاحظة ، أن حدود مصر التقنية والتدعيم الخارجي لها عند قيامها بالضربة الأولي يوم 6 أكتوبر 1973 ، لا يمكن مقارنته إطلاقا بما كان يتوفر لأسرائيل يوم 5 يونيو 1967 ، وخاصة ما يتعلق بالمعلومات الأستخبارية التجسسية والنفوذ الأمريكي القوي والعسكري والدولي ... والوقت الذي كان متاح لهم ... لتحديد ... يوم ولحظة ومكان الضربة الأولي الجوية التي قصمت ظهر القوات الجوية المصرية ... وبالتالي كشفت السماء فوق ميادين القتال والمعارك في سيناء ، مما إنعكس علي سير الأحداث خلال الأيام الستة التالية


1 - كانت هناك خطط عسكرية "مصرية" موضوعة ... للهجوم والدفاع

2 - نفذت الحرب ، تبعا للخطط الأسرائيلية ... ولم تحظي الخطط المصرية باي فرصة لأثبات فعاليتها

3 - جميع ما يوجد من خرائط مصرية عن تخطيط هذه الحرب ، لا يتفق مع الواقع علي أرض المعركة

4 - يحتفظ العدو ... "الجيش الأسرائيلي" ... بخرائط تبين سير المعارك .. تبعا لخطته وتنفيذ الحرب ... بينما تتميز الخرائط المصرية حتي وقوع الحرب ، بعدم تمثيلهم للواقع

5 - تتسم المعلومات التي تنشر عن سير معارك هذا الحرب بصفة عالية من "الدقة" ... عند مقارنتها ، بمعلومات الطمس الدعائي الذي تميزت به أجهزة الأعلام العربي

6 - تتسم المعلومات المنشورة ذلك الوقت ، بالتخبط ومحاولات التقليل من أهمية ما حدث ... بل وتضليل "الشعب" ...

7 - ينشر الأسرائيليين والدول الغربية العديد من أحداث معارك ومقاومة بطولية ، قامت بها كتائب من الجيش المصري في سيناء ، وما زالت الأجهزة الأعلامية المصرية ، والعربية تسبو في نوم عميق ولا تنشر تلك المعلومات للشعب من أجل المعرفة

8 - عدم الشجاعة والجرأة في مناقشة أخطائنا ، بشكل موضوعي بعيد عن الغوغائية والديماجوية والعاطفية ، مما يزيز في طمس الحقائق وزيادة "الشك" فيما ينشر علي الصعيد العربي

9 - تمتليء العديد من الكتب الغربية التي نشرت عن هذه الحرب ، بإحتوائهم علي العديد من المعلومات والخرائط والصور ... بينما تمتليء الكتب العربية القليلة جدا ، والتي نشرت عن هذه الحرب ، بمحاولات "بائسة" لطنس الأحداث واللجوء إلي "التعبيرات" الفارغة ... دفاعا عن أشخاص ... بينما يتناسون هدف توضيح الأحداث ... بنشر الحقائق ... "المؤلمة" حقا

10 ما زالت أحداث هذه الحرب تستدعي البحث المتوسع .... وتوسيع النشر للقاريء العربي ... حتي نتعلم من الأخطاء وإحتمال تكرارهم

لذلك ، سأواصل النشر للقاريء العربي ن واضع أمامه كافة ما أحصل عليه من معلومات وخرائط وأحداث ، وأتمني أن يبتعد البعض عن العاطفية .. ويلجئوا للموضوعية في المناقشة


فيما يلي ، ما يدونه الكاتب الفرنسي بيير رازو ، عن حرب الأيام الستة



د. يحي الشاعر




حرب الأيام الستة من الأسطورة إلى الواقع

- الحلقة الثالثة -

أربع دوائر لعملية تصفية سلاح الطيران المصري

جزء 3 - من 3

حـرب الأيام الستة
...
بقلم الكاتب الفرنسي بيير رازو
أربع دوائر لعملية تصفية سلاح الطيران المصري




حرب الأيام الستة من الأسطورة إلى الواقع (3)

- الحلقة الثالثة -

أربع دوائر لعملية تصفية سلاح الطيران المصري

تأليف :بيير رازو

يجد القارئ نفسه هنا على موعد مع أهم ملامح حرب يونيو 1967، وهي المتعلقة بالضربة التي وجهتها إسرائيل بهدف إنهاء دور الطيران العربي في الحرب، حيث نتبين سريعاً أن هذه الضربة تم التخطيط لها في واقع الأمر منذ أوائل الستينات، وأنها استمدت إلهامها من العمليات المناظرة
التي جرت خلال الحرب العالمية الثانية والعدوان الثلاثي على مصر، ورغم دخان الحرب وضبابها فإنه تتبدى لنا بطولات الطيارين العرب، رغم الظروف الموضوعية المستحيلة التي وجدوا أنفسهم فيها.



كان الإستراتيجيون الإسرائيليون، وعلى رأسهم مردخاي هود، قد خططوا للقيام بهجوم جوي واسع يرمي إلى إنهاء الطيران العربي الأقوى «نظريا» مما تمتلكه القوات الجوية الإسرائيلية. وكان قد جرى تدريب الطيارين الإسرائيليين على تلك الخطط بكل تفاصيلها لفترة طويلة من الزمن قبل
الخامس من يونيو 1967،

وإذا كان الإسرائيليون قد نجحوا في تنفيذ خططهم، فإن مؤلف هذا الكتاب يؤكد قوله: «أظهر الطيارون العرب من جهتهم شجاعة وتصميما كبيرا، إذ حاولوا أن يزيلوا بالاعتماد على صفاتهم الشخصية أشكال الفاقة التي أوجدتها مؤسسة ثقيلة ومصابة بالتصلب غالبا».

بدأت الملامح الأولى لفرضية القيام بهجوم جوي إسرائيلي يستهدف أولا بأول الطيران المصري ترتسم منذ مطلع سنوات الستينات. ذلك أن هذا الطيران بقاذفاته الثقيلة وطائراته المطاردة الحديثة كان يشكل في الواقع التهديد الأكبر بالنسبة للدولة العبرية. ومنذ البداية أيضا لم يكن مرتقبا القيام بهجوم على الطيران السوري والعراقي إلا في مرحلة ثانية، أي بعد أن يكون قد جرى إخراج الطيران
المصري من المعركة.

من الواضح أن الإستراتيجيين العسكريين الإسرائيليين قد استلهموا في عمليتهم الجوية من الهجومات الكبرى التي شهدتها الحرب العالمية الثانية. ثم كانت هناك العمليات التي جرت أثناء حرب السويس 1956 عندما قامت القوات الجوية الفرنسية والبريطانية بهجوم جوي كبير استهدف
إنهاء دور الطيران المصري،

وهذا ما تمّ التوصل إليه عمليا خلال ثلاثة أيام. ويشير المؤلف إلى أنه منذ حملة السويس انكبّ العديد من المتدربين الإسرائيليين على الدراسة في المدارس العسكرية ولدى قيادات الأركان في فرنسا وإنجلترا لاستخلاص أقصى كمية ممكنة من دروس حملة السويس.

ويشير المؤلف إلى أن الإستراتيجيين العسكريين الإسرائيليين قد حددوا أربع دوائر لعمليتهم انطلاقا من إسرائيل باتجاه مصر. شملت الدائرة الأولى القواعد الجوية المصرية الموجودة في شبه جزيرة سيناء وضمّت الثانية القواعد الموجودة في منطقة قناة السويس والثالثة خصّت منطقة الدلتا وشكّلت منطقة مصر العليا موضوع الدائرة الرابعة.

كان مفترضا أن يتم الهجوم على كل قاعدة جوية مصرية بواسطة أربع طائرات بفوارق زمنية منتظمة بحيث يبقى الضغط على أكبر مستوى على الطيران المصري. وجرى تصميم الخطة
بحيث تقوم الطائرات الإسرائيلية أولا بضرب المدارج لمنع إقلاع الطائرات المصرية ثم محاولة تدمير أكبر عدد ممكن من طائرات الميج-21، باعتبارها الطائرة المعترضة الوحيدة التي يمكن أن تنافس طائرة ميراج-3 الإسرائيلية. وقد استثني من تلك الخطة مطار العريش من أجل إمكانية استخدامه من قبل الطائرات الإسرائيلية نفسها بعد السيطرة على مدرّجه. بل كان الإسرائيليون قد أقاموا مطارا على
شاكلة المطارات المصرية في صحراء النقب «من أجل التدرب على الشروط الأكثر واقعية ممكنة».



ملامح الخطة

كانت الضربة الإسرائيلية الجوية الأولى مدروسة بأدق التفاصيل، ثم جرت الضربات التالية بناء على درجة التدمير الذي حققته الأولى. هكذا جرى تكليف طائرات «الميراج» و«فوتور» ذات المدى الأكبر بضرب الأهداف المصرية الأكثر بعدا. وكان الإسرائيليون قد زجّوا بجميع طائراتهم تقريبا في الضربة الأولى، وكانت القيادات العسكرية الإسرائيلية تتوقع إمكانية أن تصل خسائرها فيها إلى حوالي 30 بالمئة.


كانت قيادة سلاح الطيران الإسرائيلي قد أكثرت خلال الأسابيع التي سبقت اندلاع الحرب من مهمات الاستطلاع على ارتفاع منخفض فوق سيناء ومنطقة دلتا النيل من أجل اختبار ردود أفعال السلاح المصري المضاد للطيران. وقد سمحت تلك المهمات للإسرائيليين بتحديد مناطق التحليق الأقل
اكتظاظا بالسكان والمحاور الأكثر أمانا، مما كان يعني التقليل من خطر الكشف من قبل أجهزة الرادار.

وكان العديد من المهمات يرمي إلى إقناع المصريين بأنه في حالة الهجوم سيقوم الإسرائيليون به عبر البحر الأحمر، بينما كانوا قد خططوا في الواقع للقيام به عبر المتوسط.

وأخيرا، سمحت تلك المهمات الاستطلاعية للإسرائيليين بتحديد مواقع انتشار الوحدات المصرية والمواقع التي سيستهدفونها في المطارات المصرية.

جرت حسابات دقيقة ساعة إقلاع الطائرات الإسرائيلية المشاركة في الضربة الأولى عند الساعة الثامنة و45 دقيقة من صباح الخامس من يونيو. وكانت تلك الساعة هي التي تسمح بأفضل مجال للرؤية بالنسبة للطيارين فقبلها قد يكون هناك بعض الغبار وبعدها تكون انعكاسات أشعة الشمس قوية جدا.

ثم إن اختيار مثل هذه الساعة، غير المعتادة بالنسبة لهجوم مباغت، عاد إلى أن الطائرات المصرية تكون قد حطّت بعد أول دورية لها في النهار، وبالتالي تكون مسمّرة في الأرض من أجل الرقابة التقنية وإعادة تزويدها بالوقود.

وتتناظر الساعة المختارة مع ساعة افتتاح المكاتب، وهي ساعة الازدحام الكبير في القاهرة والذي لا بد أن يعيق ضباط القيادة المتوجهين إلى مقرّات عملهم. وبالتالي لن يكون بإمكانهم التحرك بسرعة.

تركز الهجوم الجوي الإسرائيلي على القواعد الجوية ثم منشآت الرادار المصرية ومواقع الصواريخ أرض ـ جو ثم منشآت الاتصال التابعة للقيادات. وكانت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية قد جمعت معلومات عن الهوية الدقيقة للعديد من الطيارين المصريين بحيث إنه يوم اندلاع الحرب قامت أجهزة الدعاية الإسرائيلية ببث رسائل لهم على تردد الموجة المعتادة للعمل، وزودتهم بمعلومات خاطئة، وثبطت من عزيمتهم، وحاولت إقناعهم أنه لا جدوى من المقاومة.

بل ويشير مؤلف هذا الكتاب إلى أن طيارا مصريا تلقى الأوامر المضللة بقطع مهمته وإلقاء قنابله في البحر الأبيض المتوسط. وكان الإسرائيليون قد حصلوا بعملية استخباراتية على طائرة ميج-21، أي رأس حربة الطيران العربي، بواسطة طيار عراقي فرّ بها إلى إسرائيل بتاريخ 16 أغسطس 1966، أي قبل عدة أشهر من اندلاع حرب 1967.

في فجر الخامس من يونيو 1967 قامت عدة أسراب من الطائرات المصرية بدورياتها المعتادة بالقرب من الحدود، كما كانت تفعل كل يوم منذ بداية الأزمة العسكرية والدبلوماسية مع إسرائيل. كان الوضع متوترا جدا وكانت السلطات العسكرية المصرية تأخذ إجراءات وقائية ضد أي تحرش جوي إسرائيلي، إذ من المعروف أن الهجومات الجوية تقوم غالبا عند الفجر.

وعندما حطّ الطيارون المصريون بطائراتهم عند ساعة الإفطار، لم يكن يخطر لهم أبدا أن أحداثا ستجري في الدقائق التالية ستحطم قوتهم الجوية المهمة. ولم تتم أبدا ملاحظة أي نشاط جوي خاص من قبل الإسرائيليين.

وبعد الساعة الثامنة من صباح يوم 5 يونيو شاءت الصدف أن تنطلق ثلاث طائرات نقل على متن الأولى وزير الحربية المصري ورئيس الأركان وعدد من كبار الضباط؛ وكانت الطائرتان الأخريان تقلاّن نائب الرئيس المصري ورئيس الوزراء العراقي برفقة عدد من الصحافيين. وكان من المفروض أن يقوم هؤلاء المسؤولون الكبار بزيارة تفتيشية في منطقة قناة السويس.

ولذلك كانت وسائل الدفاع الجوي المصرية قد تلقّت الأوامر بعد إطلاق النيران بين الساعة الثامنة والساعة التاسعة صباحا خشية إصابة إحدى تلك الطائرات الثلاث عن طريق الخطأ. وعندما حطّت تلك في مطار فايد، كانت الطائرات الإسرائيلية بدأت قصفها للقواعد والمطارات المصرية.



بداية الهجوم الجوي

مع اللحظات الأولى من صبيحة 5 يونيو 1967، تعاقبت عدة تشكيلات مؤلفة من أربع طائرات بالانطلاق لضرب أهداف مصرية، كان قد جرى تحديدها بدقة سابقا. وكان الطيارون الإسرائيليون قد تلقوا أوامر بعدم تعطيل إمكانية الإقلاع، وإذا صادف أية صعوبات في الإقلاع فعليه أن يفعل
كل ما يكفل عدم إعاقة إقلاع الطيارين الآخرين.

وكانت الأوامر هي أن تطير الطائرات الإسرائيلية المتجهة نحو أهدافها على ارتفاع منخفض جدا قد يقل أحيانا عن 15 مترا فوق سطح الأرض. كان الإسرائيليون يخشون كثيرا أن تكشفهم الرادارات السوفييتية الموجودة في البحر الأبيض المتوسط، إذ كان على الطائرات المكلفة بالضربة الأولى أن
تطير فوق المتوسط قبل أن تغير وجهتها جنوبا كي تفاجئ المصريين، الذين لم يكونوا ينتظرون أبدا أن يأتي الإسرائيليون من هذه الوجهة.

عند الساعة الثامنة و50 دقيقة من صباح 5 يونيو 1967 كانت أول طائرة إسرائيلية مهاجمة فوق هدفها، أي المطار الدولي غرب القاهرة الذي كان يضم عددا من الطائرات المقاتلة المعترضة والقاذفات الثقيلة من طراز تي يو-16 التابعة للكتيبة الجوية المصرية الخامسة والستين.


كانت تلك القاذفات بمثابة التهديد الأكثر أهمية على إسرائيل وقد قامت ثلاث تشكيلات من السرب المهاجم بضرب أهدافها بفارق 15 دقيقة بين كل ضربة والتي تليها. كان الهدف الأول هو مدارج إقلاع الطائرات التي قصفها الإسرائيليون بقنابل زنتها 500 كيلوغرام وبقذائف خاصة معدة للمدرجات ثم قصفوا الطائرات الجاثمة ودمّروا منها في الضربة الأولى 13 طائرة من طراز تي يو-16 وثلاث طائرات ميج-21 وطائرة اليوشن-28.

وهاجمت الطائرات الإسرائيلية أيضا في الضربة الأولى مطار بني سويف حيث كانت توجد كذلك طائرات تي. يو-16 ومطار بير تمادة حيث كانت توجد طائرات ميج-17 وطائرات سوخوي-7
التابعة للسرب 55 من الكتيبة الأولى، والتي كانت الوحدة الوحيدة التي تملك مثل تلك الطائرات الجديدة. وقد تمّ تدمير جميع تلك الطائرات حيث كانت على الأرض، بينما لم يخسر الإسرائيليون أية طائرة.

وتعرّضت أيضا جميع القواعد والمطارات المصرية، وخاصة القريبة من القاهرة وفي دلتا النيل للضرب وجرى تدمير 13 طائرة ميج-21 في قاعدة انشاص الجوية وحدها، وسبع طائرات من الطراز نفسه في قاعدة كبريت و17 طائرة ميج مطار فايد.

وينقل المؤلف في هذا السياق عن المقدّم المصري سمير عزيز ميخائيل قوله: «كنّا قد عدنا للتو من دوريتنا النهارية الأولى. وكنت أغتسل عندما سمعت أصوات الانفجارات. ولم أكن أستطيع تصور إن الإسرائيليين يهاجموننا.

عندما خرجنا رأينا طائرات الاستطلاع الأربع تحترق، بينما كانت طائرة مهاجمة إسرائيلية تتابع الهجوم عليها. ارتدينا بسرعة زي الطيران ووضعنا خوذنا على رؤوسنا ثم حاولنا الانطلاق إلى حيث توجد طائرات أخرى في الطرف الآخر للمدرج، لكن قبل أن نصل إليها كان الإسرائيليون قد دمروها أيضا.

فاتجهنا بسرعة صوب طائرة ميج-15 ذات مقعدين للتدريب ومزودة بمدفع، لكن محركها لم يدر. رأيت عندها طائرة ميستير تنقض نحونا على ارتفاع منخفض. فأخرجت مسدسي من نوع بريتا 9 مللميتر وأفرغت ما فيه صوبها، من دون نتيجة.

أمرنا رؤساؤنا عند ذلك باللجوء إلى القرية المجاورة».

وعلى الرغم من قسوة الضربة الأولى وما ألحقته من خسائر فادحة، دخلت وسائل الدفاع الجوي المصرية في المعركة بسرعة، وأسقطت عدة طائرات إسرائيلية وسقط عدد من الطيارين الإسرائيليين بين قتيل وأسير. وأظهر بعض الطيارين المصريين شجاعة كبيرة، هكذا استطاعت طائرات ميج-21 تابعة لدورية الإقلاع أثناء المعارك من مطار ابوصوير واشتبكت بمعركة جوية مع طائرات ميستير الإسرائيلية.

وينقل المؤلف عن المقدّم عواد حمدي رئيس الدورية المصرية قوله: «عندما أصبحت في الجو رأيت أربع طائرات إسرائيلية تترك تشكيلها من أجل الانتقال إلى الهجوم. سددت على إحداها وقلت لنفسي إنني لن أخطئها. لكن طيارا آخر من دوريتي أطلق قبلي صاروخ اتول عليها، ولكن بما أننا كنا
نطير على ارتفاع منخفض ارتطم الصاروخ بالأرض.

ولم تكن طائرة الميج-21 التي أقودها مزودة بمدافع وإنما فقط بصاروخين جو-جو فقمت بالتسديد من جديد وأطلقت صاروخ اتول انفجر بالقرب من طائرة الميستير الإسرائيلية. وعندما كنت أستعد لإطلاق الصاروخ الثاني تركت الطائرات الإسرائيلية ساحة المعركة وعادت باتجاه قاعدتها».



الموجة الثانية

أثارت الموجة الأولى من الضربات الجوية الإسرائيلية حالة من الهلع والتشوش لدى مسؤولي القوات الجوية المصرية فيما ينبغي عمله. فهل كان ينبغي تنظيم عملية الرد بما بقي من إمكانيات أم كان من الأفضل محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه وتوزيع الطائرات المصرية السليمة على مواقع ثانوية أو على مطارات مصر العليا كما حدث في شهر نوفمبر من عام 1956 أثناء الهجوم الثلاثي على السويس؟

لكن لم يكن هناك الكثير من الوقت لطرح العديد من الأسئلة إذ أن الإسرائيليين أطلقوا موجة ثانية من الضربات الجوية وقصفوا مطار القاهرة الدولي ثم القواعد الجوية في بلبيس وحلوان والمنيا ومطار غرب القاهرة من جديد. هنا أيضا أبدى الطيارون المصريون شجاعة كبيرة.

وينقل المؤلف عن الطيّار نبيل شكري الذي أسقط بطائرته الميج-21 طائرة ميراج إسرائيلية قوله: «كان قد جرى تدمير أغلبية طائراتنا المعترضة منذ سلسلة الضربات الأولى.

واستطعنا مع ذلك الاحتفاظ ببعض طائرات الميج-21. لقد أقلعنا عند الساعة الحادية عشرة صباحا من قاعدتنا في انشاص من مدرج يبلغ طوله 900 متر فقط. كنت متأكدا أن ذلك كان طوله إذ كنت قد قمت أنا نفسي بقياسه في السيارة قبل عدة دقائق من الإقلاع».

«وعندما وصلنا إلى ارتفاع 5000 متر أخبرنا المراقبون الأرضيون بأن الإسرائيليين يهاجمون قاعدتنا فاتجهنا نحو انشاص. وقد شاهدت طائرتي ميراج تتقاطعان معنا من جهة اليسار وقد كنّا قريبين من بعضنا إلى درجة أنني لمحت طرف خوذة الطيار الإسرائيلي. قمت بالمناورة مباشرة كي أضع طائرته أمام طائرتي. وكنت قريبا جدا إلى درجة أنني لم أستطع استخدام الصواريخ، وطائرة الميج-21 ليست مزودة للأسف بمدافع.

حاولت طائرات الميراج الإسرائيلية المناورة على المستوى الأفقي من دون نجاح ثم على المستوى الشاقولي مما أعطاني فرصة. كانت طائرتنا الميج-21 تمتلك محركا أقوى من طائرة العدو مما أعطانا ميزة حقيقية في الطيران الشاقولي. وهكذا استطعت أن أضع طائرتي بسرعة خلف الطائرة
الإسرائيلية وبمسافة تسمح بالرمي.

أطلقت صاروخاً تول الأول الذي انفجر بالقرب من الطائرة المعادية وانبثق منها دخان أسود كثيف. اقتربت أكثر ثم أطلقت الصاروخ الثاني. فانفجرت طائرة الميراج بينما استطاع قائدها أن يقذف نفسه بالمظلة». كان اسم طيارها الكابتن نيومان، وعندما وصل إلى الأرض أجهز عليه الأهالي المحليون.

بعد موجتين من الضربات الجوية في الفترة الصباحية من 5 يونيو 1967، بدأت موجة ثالثة ثم رابعة منذ مطلع بعد ظهر ذلك اليوم نفسه وحتى حلول الظلام، ولكن بإيقاع أقل من الصباح. وكانت القواعد الجوية والمطارات المصرية هي المستهدفة أيضا

ولكن هوجمت أيضا، القوى الجوية العربية الأخرى، وخاصة قواعد عمّان في الأردن و«ت-4» في سوريا. كما قصفت الطائرات الإسرائيلية محطة رادار جبل عجلون في الأردن.

كما هوجمت قواعد أخرى من بينها مطار الضمير والمزّة العسكريين السوريين.

وفي ليلة 5 إلى 6 يونيو 1967 قام المصريون بجهود هائلة بعد يوم من الغارات المتواصلة. وقد تركّزت جهودهم على إعادة ترميم مدارج المطارات المدمرة. وقد فقد العشرات منهم حياتهم ذلك أن القنابل التي استخدمها الإسرائيليون كانت مزودة بجهاز لتفجيرها بوقت لاحق مما أدّى إلى انفجارات خلال الليل حيث كانت فرق الترميم تقوم بعملها.



المحصلة

في محصلة اليوم الأول لحرب 5 يونيو كانت الخسائر من الجانبين، كما يقدمها مؤلف هذا الكتاب، بالنسبة للطيران هي خسارة 272 طائرة مقاتلة عربية وهي على الأرض، من بينها 122 طائرة ميج-21 و86 طائرة ميج-17 و21 هنتر و12 ميج-19 و12 سوخوي-7 و2 فامبير.

وكان عدد الطائرة القاذفة المدمّرة هو 59 قاذفة عربية من بينها 30 من طراز تو-16 و29 من طراز اليوشن-28. هذا بالإضافة إلى 35 طائرة نقل و19 طائرة عمودية (هيلوكبتر).


أما أثناء المعارك فقد خسر العرب 29 طائرة مقاتلة من بينها 12 طائرة ميراج-21 و7 ميج-17 و7 هنتر و3 ميج-19 وطائرة قاذفة اليوشن-28 وطائرتي نقل.

أما على الجانب الإسرائيلي فقد كانت الخسائر هي إسقاط 5 طائرات ميراج-3 و5 طائرات ميستير-4 و5 طائرات أوراغان و4 طائرات اس.ام.بي-2 و3 طائرات فوتور و3 طائرات ماجستر، أي ما مجموعه 25 طائرة. هذا بالإضافة إلى إصابات كبيرة لحقت ب4 طائرات ميراج-3 وأربع طائرات ميستير 4 و3 طائرات أوراغان وطائرتين اس.ام.بي-2 وطائرتين من طراز فوتور واثنتين ماجستر.

وما يؤكده مؤلف هذا الكتاب هو أنه على الرغم من التفوق الجوي الكبير للإسرائيليين أثبت العشرات من الطيارين العرب كفاءة وجسارة عاليتين ولم يترددوا في التحليق فوق أرض المعركة بحثا عن أهداف معادية.



وفي فجر يوم 6 يونيو رصدت القوات المصرية موقعا متقدما لقيادة الجنرال الإسرائيلي جافيتش، قائد الجبهة الجنوبية، فأرسلت أربع طائرات ميج-17 لقصفه وجرى تدميره بعد أن كان الإسرائيليون قد خرجوا منه في اللحظة الأخيرة.

وفي صبيحة ذلك اليوم استطاعت قاذفتان عراقيتان من طراز تو-16 التغلغل داخل المجال الجوي الإسرائيلي وقصف منطقة ناتانيا ثم قصف قاعدة رامات دافيد. وفعلت طائرتا سوخوي-7 مصريتان نفس الشيء وقصفتا مواقع إسرائيلية. وتتم الإشارة في هذا الإطار إلى الشجاعة والمهارة اللتين أظهرهما الطيار المصري فتحي سليم في سماء سيناء.

ووصلت في اليوم نفسه ست طائرات ميج-21 جزائرية إلى قاعدة العريش المصرية. لكن أغلبية هذه الطائرات استحوذ عليها الإسرائيليون سليمة إذ كانوا قد استولوا على ذلك المطار قبل فترة وجيزة. وفي صبيحة 7 يونيو قام تشكيل إسرائيلي من 4 طائرات «فوتور» قاذفة ترافقها 4 طائرات ميراج-3
مقاتلة بهجوم على قاعدة «ه-3» العراقية.

كان ذلك هو الهجوم الجوي الثالث على تلك القاعدة. رصدت القوات العراقية الطائرات المهاجمة وأسقطوا طائرة ميراج وطائرتين فوتور وأسرت أحد الطيارين بينما قُتل طياران إسرائيليان آخران. وينقل المؤلف عن طيار إحدى طائرات الميراج الإسرائيلية «جدعون درور» شهادته عن تلك العملية
الفاشلة

وجاء فيها: «لقد خسرنا في الواقع امتيازنا، وعند اقترابنا من الهدف ارتفعنا بطائراتنا أكثر وأيقظنا بذلك كل رادارات المنطقة.هكذا فقدنا عنصر المفاجأة. لقد كانوا بانتظارنا وفتحت وسائل الدفاع الجوي النار علينا؛ كما كانت هناك طائرات مقاتلة في الجو (...). لقد أصيبت طائرتي وقذفت نفسي بالمظلة لتتحطم بعد أربع ثواني عند اصطدامها بالأرض».


قبل سكوت المدافع

خلال الأيام الثلاثة الأخيرة قامت الطائرات الإسرائيلية بتكثيف هجماتها ضد القوات المصرية لمتراجعة في شبه جزيرة سيناء. وركزت تلك الهجومات على ممري الجدي ومتلا، أي نقطتي المرور الرئيستين للوصول إلى مشارف قناة السويس. كانت الصور التي تم توزيعها لهياكل العربات
المحترقة رهيبة.

ورغم كل شيء قام الطيران المصري في تلك الليلة بأربعين مهمة ضد القوات الإسرائيلية التي كانت تتقدم. وينقل المؤلف عن العقيد تحسين زكي الذي شارك في إحدى تلك المهمات قوله: «عندما كنت أحضّر مهمتي أخبرني رئيسي بالهاتف أن جميع القوات المصرية قد أصبحت موجودة غرب ممر
متلا وأن الوحدات شرقه هي إذن إسرائيلية. أقلعت عند الفجر بطائرتي الميج-21 مع طيار آخر باتجاه مضيق المتلا.


وهناك لاحظنا أنه لا تزال توجد قوات مصرية شرقه كانت مهددة أيضا من قبل رتل من دبابات السنتوريون الإسرائيلية فأفرغنا عليها كل صواريخنا جو-أرض من عيار 57 ملمترا، بدا أن بعضها قد أصابت الهدف ولكن لم تتحطم أية دبابة إسرائيلية مما وضّح بجلاء ضعف فعالية الذخائر التي زودنا السوفييت بها».

في يوم 9 يونيو 1967 كان ثقل المعارك قد انتقل إلى الجبهة الشمالية حيث أراد الإسرائيليون تحطيم معنويات القوات السورية المتمركزة في أعالي هضبة الجولان.

في الوقت نفسه كان النشاط الجوي للقوات العربية قد تضاءل كثيرا وأصبح من النادر وجود طائرة مقاتلة سورية أو عراقية في أجواء المعركة. لكن وسائل الدفاع الجوي السورية نجحت يومذاك في إسقاط طائرة ميراج إسرائيلية، قذف قائدها بالمظلة واسترجعه الإسرائيليون بواسطة طائرة هيلوكبتر.

لقد تابعت الطائرات الإسرائيلية قصفها للقوات السورية، خاصة في هضبة الجولان، ويوم 10 يونيو، اليوم الأخير من العمليات، دعم الطيران الإسرائيلي أيضا تقدم القوات الإسرائيلية وبقي موجوداً باستمرار في الأجواء. وفي ذلك اليوم أسقطت المدفعية السورية طائرة «أوراغان» إسرائيلية، قبل أن تتوقف المعارك.


-----------------------

تأليف: بيير رازو


عرض ومناقشة د. محمد مخلوف
 
حتي تستكمل المعلومت ويستفيد القاريء ، فيما يلي موضوع نشرته عن الضربة الجوية الإسرائيلية الشاملة 5 ـ يونيه 1967 ".. نكسة حرب 1967 ...حرب الأيام الستة والضربة الجوية الإسرائيلية الشاملة 5 ـ يونيه 1967 "..نكسة حرب 1967 ...حرب الأيام الستة


الضربة الجوية الإسرائيلية الشاملة 5 ـ يونيه 1967 "...

العمليات الجوية:

الضربة الجوية الإسرائيلية الشاملة: (الخريطة الرقم 7)
عندما سئل الجنرال "موردخاي هود" قائد القوات الجوية الإسرائيلية، كيف حقق هذا النصر؟ كان رده لقد أنفقنا عصارة ستة عشر عاما من الإعداد والتخطيط، وفى هذه السنوات كنا نعيش مع الخطة وننام مع الخطة، ونتغذى بالخطة التي هضمناها تماما. وكانت معلومات مخابراتنا عن تحركات طيران العدو ونشاطه، وعن أماكـن قواعده وعن التفاصيل الدقيقة حولها، وعن أماكن وجود طائراته وأجهزة الرادار والصواريخ، وكانت كل هذه المعلومات على درجة عالية من الامتياز .. وكانت إدارة العمليات بكفاءة وتطعيم الخطة بكل ما هو جديد وإبلاغ الطيار في الجو عن وجود أهداف جديدة، كل هذا لعب دورا حيويا في نجاح الخطة. كما كانت طريقة تنفيذ الطيارين للتعليمات هي الشرط الأساسي للنجاح .. وقد تدرب الطيارون على هذا النوع من الهجوم في صحراء النقب لمدة عدة أعوام طويلة… وأنه في الساعة 8.45 من صباح الاثنين 5 يونيه، كانت كفاءة الطيران الإسرائيلي هي 99%".

تحديد توقيت بدء الضربة الجوية "من وجهة نظر إسرائيلية":
تم حساب التوقيت في رئاسة الأركان الإسرائيلية بحيث تحقق أقصى قدر من المفاجأة .. وكانت الحسابات نتيجة لرصد الروتين اليومي للقوات المصرية والإلمام التام بأسلوب الاستعداد القتالي، وفكر القادة المصريين، وقد كانت هناك أربعة أسباب رئيسية وراء اختيار إسرائيل للساعة السابعة والدقيقة 45 بتوقيت إسرائيل كموعد لبدء الهجوم "الثامنة وخمسة وأربعون دقيقة بتوقيت مصر":
أولا:
كانت حالة الاستعداد المصرية قد بلغت الذروة. وكان من الصواب الافتراض بأن المصريين كانت لديهم منذ أن بدءوا في حشد قواتهم في سيناء عدة طائرات من طراز "ميج-21" تقف على أهبة الاستعداد في نهاية الممر في فجر كل صباح بحيث تكون على استعداد للتحليق في الجو في مدى خمس دقائق، كما كان من المحتمل أيضا أن لديهم دوريات تحلق في الجو وتتألف من طائرة أو طائرتين من طراز "ميج-21" في هذه الفترة من اليوم - وهي الفترة التي من المرجح فيها على الأغلب أن يقع هجوم العدو.
غير أنه رؤى أنه ليس من المرجح، إلى حد كبير، أن يستمر المصريون في هذه الحالة من الاستعداد إلى فترة غير محدودة، وبما أنه لم يقع أي هجوم خلال ساعتين أو ثلاث ساعات بعد الفجر، فمن المرجح أن المصريين كانوا يخففون من حالة استعدادهم ويطفئون بعض أجهزة الرادار لدواعي الصيانة. وقد شعر الإسرائيليون أنه من الصـواب الافتراض بأن المصريين كانوا يقللون من درجة استعدادهم في الساعة 0730 (0830 بتوقيت القاهرة).

ثانياً:
أن الهجمات الجوية تقع في أغلب الأحيان في الفجر، ولذلك كان لابـد على الطيارين أن يكونوا داخل طائراتهم قبل ثلاث ساعات على الأقل من تحليقهم في الجو، ومعنى هذا أنه كان لا بد عليهم أن يستيقظوا في حوالي منتصف الليل، أو لا يناموا على الإطلاق في تلك الليلة. وبتحديد الساعة 0745 لتوجيه الضربة الأولى، أصبح في استطاعـة الطيارين الإسرائيليين أن يناموا حتى الساعة 0400 صباحا أو نحوها..

ثالثا:
في هذا الوقت من العام يوجد ضباب في الصباح فوق مناطق واسعة من النيل والدلتا وقناة السويس. وفي الساعة 0730 يكون هذا الضباب على وشك أن ينقشع. وفي حوالي الساعة 0800 يكون الجو عادة صافيا لأقصى درجة، وتكون الرؤية واضحة إلى أقصى حد بسبب زاوية الشمس، ويكون الجو ساكنا إلى حد كبير، وهذه العوامل تعتبر على جانب كبير من الأهمية في حالة إلقاء القنابل وتصويبها بدقة على ممرات الطائرات.

رابعا:
الساعة 0745 (بتوقيت إسرائيل) تقابل الساعة 0845 بتوقيت مصر. فلماذا حدد الموعد في هذه الساعة، ولم يحدد في الساعة الثامنة أو الساعة الثامنة والربع؟.. إن المصريين يذهبون إلى مكاتبهم في الساعة التاسعة. وتوجيه الضربة قبل هذا الموعد بخمس عشرة دقيقة معناه مفاجأة كبار الضباط وقادة السلاح الجوي وهم في طريقهم إلى مكاتبهم، ومفاجأة الطيارين وأفراد القوات الجوية وهم في طريقهم إلى أداء تدريباتهم وغير ذلك من الأعمال الأخرى.

وقد كان الجنرال "موردخاي هود"، قائد السلاح الجوي الإسرائيلي، في مركز قيادته عندما قامت آخر دورية من الدوريات التي كانت الطائرات المصرية تقوم بها في الساعات الأولى من الصباح بالتحليق في الجو، وأخذت تظهر على شاشات الرادار الإسرائيلية، ثم ضغط على ساعته الميقاتية، وكان يعرف بالضبط المدة التي يمكن للطائرة الميج أن تبقى أثناءها في الجو. وفي الساعة 0745 تكون الدورية قد استنفذت وقودها تقريبا وفي طريقها إلى الهبوط..
وكانت الأهداف الأولية هي جعل الممرات غير صالحة، وتدمير أكبر عدد ممكن من طائرات "الميج-21"، وطائرات "الميج-19" هي الطائرات المصرية التي كان باستطاعتها أن تمنع بطريقة فعالة السلاح الجوي الإسرائيلي من تحقيق هدفه الرئيسي، وهو تدمير قاذفات القنابل المصرية البعيدة المدى والتي تشكل تهديدا كبيرا للسكان المدنيين في إسرائيل. وقد تم تدمير ثمانية تشكيلات من طائرات "الميج-21" عندما كانت تربض في نهاية الممرات..
وقبل نشوب الحرب بيومين تمكن الإسرائيليون من أن يُحملوا المصريين على نقل 20 طائرة من طائرات الخطوط الأمامية (12 طائرة من طراز ميج-21، و8 طائرات من طراز ميج-19) من المنطقة المحيطة بالقاهرة والقناة، حيث تتمركز القواعد الجوية المصرية إلى الغردقة في الجنوب، حيث كانت بالفعل بعيدة عن الاشتراك في القتال. وقد حقق الإسرائيليون ذلك بأن أرسلوا عدة دوريات استطلاع جوية كثيفة إلى الجنوب فوق خليج العقبة مما حمل المصريين على الاعتقاد بأن الإسرائيليين ربما يدبرون شن هجوم من اليسار حول الطرف الجنوبي لشبه جزيرة سيناء بدلا من الهجوم من اليمين من حول البحر المتوسط - مثلما حدث بالفعل.
وقد كانت هذه الطائرات، وهي في الغردقة بعيدة بالفعل عن المنطقة الرئيسية للنشاط الجوي الإسرائيلي. وقد توجهت هذه الطائرات الميج العشرون بعد وقوع الهجوم الإسرائيلي شمالا إلى القواعد القريبة من القناة حيث لم تجد أمامها أية ممرات للهبوط، ووقعت فريسة للسلاح الجوي الإسرائيلي. وكانت من الضحايا الجديدة للخديعة الإسرائيلية..

الضربة الجوية الإسرائيلية في اتجاه الجبهة المصرية : (الخريطة الرقم 8)
شملت الضربة الجوية على هجمتين رئيسيتين، وهجمات جوية منفصلة، واستهدفت المطارات والقواعد الجوية ومحطات الرادار وقواعد الصواريخ، والدفاع الجوي وأهداف أخرى. وقد استخدمت إسرائيل في تلك الضربة … لأول مرة في الشرق الأوسط - الإعاقة الإلكترونية على شبكات الرادار واللاسلكي المصريتين اعتبارا من الساعة 45ر8، قبل وصول الطائرات الإسرائيلية لأهدافها مباشرة.. ولم تستخدمها قبل ذلك، حتى لا تكون هناك إجراءات مصرية مضادة يتم بسببها اكتشاف الضربة الجوية الإسرائيلية.

الهجمة الجوية الإسرائيلية الأولى: (الشكل الرقم 1)
بدأت بإقلاع 183 طائرة إسرائيلية من قواعدها داخل إسرائيل (عكير - رامات دفيد - حاتسور - حتسريم) اعتبارا من الساعة 14ر8 صباحا.. واشترك في هذه الهجمة أفضل الطيارين الإسرائيليين والمتطوعين اليهود من الطيارين الذين انضموا إلى الجيش الإسرائيلي قبل الحرب. وقد تشكلت أسراب هذه الهجمة في خمسة موجات متتالية، كل موجة (الأربعة الأولى بالذات) تتكون من 40 طائرة، تهاجم 10 مطارات مصرية في وقت واحد وهي:

4 مطارات في سيناء:
العريش ـ السر ـ تمادا ـ المليز (على أن لا تقصف ممرات مطار العريش، والذي خطط لاستخدامه بعد الاستيلاء عليه من القوات البرية).

3 مطارات في منطقة القناة:
أبو صوير - فايد - كبريت.
3 مطارات في وسط الدلتا والوادي :
أنشاص - غرب القاهرة - بني سويف.
وبذلك فقد خصص لمهاجمة كل مطار أربعة طائرات، حددت توقيتات عملها بكل دقة (الوصول للهدف "5ر22 دقيقة" - التحليق فوق الهدف 3-4 دورة "5ر7 دقيقة" - زمن العودة "20 دقيقة" - زمن الهبوط "5ر7 دقيقة" -الإجمالي "5ر57دقيقة". كما حسبت توقيتات تتابع الموجات بحيث يضرب الهدف 4-5 مرة، وتستمر الطائرات فوقه لمدة 40-50 دقيقة تقريبا (بما يعني أن الموجة تستمر فوق الهدف 7 دقيقة ثم تخلي الهدف لمدة 3 دقيقة لتبدأ الموجة الثانية عملها اعتبارا من "س+10 دقيقة" والموجة الثالثة تبدأ عملها من س+20، والرابعة س+30، والخامسة س+40) .. وهكذا.
وتحدد خط سير الضربة، بأن تتجه الطائرات غربا ثم شمالا وتطير على ارتفاع منخفض جدا فوق سطح البحر "30 قدما"، وتحافظ على اتجاهات سيرها بواسطة منارات لاسلكية على سفن في عرض البحر.. وفي نقط محددة تتجه مجموعات الطائرات كل في اتجاه عملها.. على أن تحافظ على صمت اللاسلكي أثناء الطيران، وخصوصا الموجات الأولى. وقد وصلت جميع الطائرات إلى أهدافها فيما بين الساعة 42ر08 - 45ر08 لمطارات سيناء وفيما بين الساعة 48ر08 - 50ر08 لمطارات القناة، وفيما بين الساعة 55ر08 - 10ر9 لمطارات الوادي.

الهجمة الجوية الإسرائيلية الثانية: (الشكل الرقم 1)
بدأت مباشرة بعد انتهاء الهجمة الأولى بدون فاصل زمني، بحيث وصلت طائرات الموجة الأولى إلى أهدافها الساعة 34ر9 … وتمت بنفس النظام السابق في تنفيذ الطلعات والموجات… وكانت قيادة الطيران الإسرائيلي من المرونـة بحيث تمكنت من تعديل أهداف هذه الهجمة طبقا للنتائج التي تحققت في الهجمة الأولى. ولم تكن هناك حاجة لصمت اللاسلكي نظرا لأن المفاجأة قد تحققت فعلا، وأن حجم التدمير في القوات الجوية المصرية كان كبيرا بحيث لا يشكل الباقي تهديدا للطيران الإسرائيلي. وقد اشتركت في هذه الهجمة 164 طائرة قامت باستكمال تدمير المطارات والطائرات المصرية بها .. وتدمير 13 محطة رادار، علاوة على الأهداف الأخرى.
وبالحساب الزمني للضربة الجوية يتضح أنها استمرت لمدة أكثر من ساعتين بشكل متواصل فوق المطارات والأهداف المصرية.

الهجمات الجوية المنفصلة: (الشكل الرقم 1)
خططت بهدف استكمال تدمير باقي المطارات المصرية، والتدخل لمنع إصلاح المطارات المدمرة، وقصف محطات الرادار.. وقد استمرت هذه الهجمات طوال اليوم ومن خلال هجمات ليلية بهدف منع إصلاح المطارات، واستمرار تعطيلها.

الخسائر المصرية نتيجة الضربة الجوية:
عندما توجه الفريق أول "صدقي محمود" حوالي الساعة الحادية عشرة صباح الخامس من يونيه إلى مركز قيادته في "الجيوشي" (بعد عودة طائرة المشير).. كان أول بلاغ أمامه هو "أن معظم القواعد والمطارات قد هوجمت، أو انتهى تدميرها والطائرات على الأرض، كما علم أنه فقد 80 % من قواته الجوية، ولم تبقى لديه سوى 30 مقاتلة "ميج 17، 21" وأن جميع القاذفات الثقيلة والخفيفة قد دمرت … وكان هذا هو البلاغ المبدئي الذي يحدد الخسائر المصرية بعد أقل من ثلاث ساعات من بدء الحرب.

الضربة الجوية الإسرائيلية على الجبهتين الأردنية والسورية: (الشكل الرقم 2)
أعطى الأردن الذريعة لإسرائيل لكي تنفذ خطتها المأمولة ضده، فمع تصاعد أعمال القتال على الجبهة المصرية بدأت إذاعة الأردن في بث بيانات حماسية، حيث أذاع الملك حسين الساعة 27ر9 "أن ساعة الانتقام قد حانت" ثم بيان رئيس الوزراء "إننا نعيش اليوم أكثر ساعات حياتنا قدسية، ونخوض الآن سويا مع الجيوش العربية، معركة الشرف والبطولة ضد العدو المشترك، إن هذه الحرب التي انتظرناها سنين طوال ستغسل العار"… وقد سبق هذا البيان بيانان الأول الساعة 11ر9 "أن الأردن تعرض لهجوم العدو" والثاني نداء إلى الطيارين "نسور الأردن الأبطال .. انشروا أجنحتكم .. إن نهاية إسرائيل بين أيديكم .. اضربوا في كل مكان حتى النصر…".
وطبقا لمعاهدات الدفاع المشترك بين مصر، وكل من سوريا، والأردن… فقد جرت اتصالات لمحاولة تنفيذ خطط القصف الجوي على مطارات إسرائيل الشمالية .. ولكن هذا الطلب لم ينفذ .. بينمـا قامت الطائرات الأردنية منفردة بقصف مطار "ناثانيا" في إسرائيل وقاعدة الصواريخ الجوية الإسرائيلية في "كيفارسيكين".
وفي الساعة الثانية عشرة والنصف وجهت إسرائيل ضربتها الجوية ضد مطارات الأردن "المفرق - ومطار عمـان العسكري" ـ وجميع مطارات سوريا (5 مطارات) ـ وقاعدة الحبانية العراقية ويقول الجنرال "موردخاي هود" "أن الطيران الإسرائيلي قضى على الطيران الأردني والسوري في ظرف 25 دقيقة فقط".
وعندما انتصف النهار كانت الدول العربية الثلاث (مصر والأردن وسوريا) قد خسرت الجانب الأكبر من قوتها الجوية، وأصبحت سماءها مكشوفة أمام الطيران الإسرائيلي الذي يمكن من إحراز السيادة الجوية المطلقة، وأهدى النصر المبكر لأي قوات برية في ميدان القتال.
وبحساب الطلعات الجوية التي نفذتها إسرائيل من 5 - 10 يونيه 1967: (الشكل الرقم 3)
الإجمالي 4338 طلعة جوية خصص منها 3260 طلعة في اتجاه الجبهة المصرية بنسبة 75.1% وقد قسمت هذه الطلعات على أيام القتال المختلفة كالآتي:
يوم 5 يونيه:
الإجمالي 918 طلعة على الجبهة المصرية منها 695 طلعة بنسبة 75.5%
يوم 6 يونيه:
الإجمالي 790 طلعة على الجبهة المصرية منها 650 طلعة بنسبة 82.2%.
يوم 7يونيه:
الإجمالي 750 طلعة .. على الجبهة المصرية منها 470 طلعة بنسبة 62.6%.
يوم 8 يونيه:
الإجمالي 585 طلعة .. على الجبهة المصرية منها 530 طلعة بنسبة 90.6%.
يوم 9 يونيه:
الإجمالي 705 طلعة .. على الجبهة المصرية منها 475 طلعة بنسبة 64.8%
يوم 10 يونيه:
الإجمالي 610 طلعة .. على الجبهة المصرية منها 190 طلعة بنسبة 31.1%

أسلوب الطائرات الإسرائيلية في قصف الأهداف:
كان للسلبية المطلقة في مجابهة الطيران الإسرائيلي أن أعطى الفرصة لتحقيق مهمته بحرية تامة والتحليق فوق المطارات واختيار أهدافه، لدرجة استخدامه للرشاشات في تدمير الطائرات العربية الرابضة في المطار "وهذا الأمر لا يتحقق إلا عندما لا تتواجد أي مقاومة على الإطلاق.. ويذكر "عيزرا وايزمان" في هذا المجال "إن هناك مثلا أمريكـا يقول (لو قمت بدورة واحدة حول الهدف فهذا شيء رائع) .. ولكن طيارينا لم يذهبوا في مهمتهم لأداء ذلك فقط، فقد قام الطيارون الإسرائيليون بعدة دورات حول أهدافهم لتحقيق قدر أكبر من الدقة، ومن إنزال قدر أكبر من الخسـائر في السلاح الجوي للعدو. وقد استخدموا طريقة الانقضاض في إلقاء القنابل إلى حد كبير وبفاعلية شديدة، وهذا هو السبب في أننا لم نستخدم قاذفات استراتيجية، فلم نكن نهتم بقذف المدنيين بالقنابل، وبالنسبة لتدمـير الممرات والطائرات كانت المقاتلات أكثر فاعلية" في نفس الوقت، استخدمت إسرائيل قنابل تدمير الممرات.. التي ذكر الملك حسين عنها : "إن الحفر التي نجمت عن قذف هذه القنابل كان عمقها يصل إلى متر أو مترين، وأن القنابل التي تنفجر في زمن لاحق لوقت إلقائها جعلت عملية إصلاح الممرات مستحيلة. وقد انتظرنا حتى يهدأ الموقف، ولكـن الطائرات الإسرائيلية كانت تتابع في أمواج متعاقبة، وقد كنا نظن أن الليل سيسمح لنا بالتحرك فوق الأرض ولكنهم كانوا يشعلون الحرائق ويحولون الظلام إلى نهار".

هل كانت هناك محاولات ـ ولو فردية ـ لاعتراض الطائرات الإسرائيلية:
في مطار السر في سيناء، تمكن الرائد طيار خيري حسنين من الإقلاع بطائرته أثناء قصف العدو، واشتبك مع الطائرات الإسرائيلية في معركة خاسرة.
وفي مطار أبو صوير صعدت ستة طائرات ميج-21 واعترضت الموجة الثانية لطائرات العدو - وأسقطت طائرتين معاديتين.
في مطار الغردقة نفذت القوات الجوية إجراءات التصدي لموجات هجوم العدو، وتم إسقاط ثلاث طائرات للعدو.
كما قامت بعض الطائرات التي تم إصلاحها أو التي لم تدمر بالعديد من الطلعات في سيناء لتدمير قوات العدو ومساندة قواتنا (ولكن هذه المعاونة كانت قليلة ولا تتناسب مع حجم الطائرات وإمكانياتها في مواجهة سلاح الجو الإسرائيلي).
وفي الأردن قامت الطائرات الأردنية باعتراض طائرات العدو المغيرة، ولكن فارق القوتين كان كبيرا.

خسائر الطيران "من وجهة نظر إسرائيلية":
عقد الجنرال "موردخاي" هود قائد سلاح الطيران الإسرائيلي مؤتمرا صحفيا في الساعة الواحدة بعد منتصف ليلة 5/6 يونيه (بعد 15 ساعة من الضربة الجوية) ليعلن نتيجة الضربة الجوية، ومدى النصر الذي أحرزته إسرائيل، وحدد "لقد دمرنا 411 طائرة على الأرض وبعضها خلال المعارك الجـوية، منها 309 طائرة مصرية، 60 طائرة سورية، 29 طائرة أردنية، 12 طائرة عراقية، وطائرة لبنانية واحدة من طراز هنتر، كما قمنا بتدمير 19 مطارا، 25 محطة رادار مصرية.. أما خسائر إسرائيل في 5 يونيه فكانت 19 طائرة (4 أورجان، 4 ميستير، 2 سوبر ميستير، 2 ميراج، طائرة فوتور، 4 فوجا ماستر) .. وخسائر الطيارين 19 طيارا، منهم 8 قتلى، 11 مفقود".
(وقد يكون الجنرال هود مبالغا بالنسبة للخسائر على الجبهة المصرية .. ولكن ماذا تفيد المبالغة مع حقيقة الموقف الذي أصبحت عليه فعلا القوات الجوية المصرية).

ولماذا كل هذه الخسائر في ذلك الوقت المحدود:
يرجع المحللون أن نجاح الضربة الجوية الإسرائيلية بهذا الحجم يتوقف بنفس القدر إلى قصور في الجانب العربي .. بدءا من اللامبالاة في مسئوليات القيادة التي جعلت القيادات المصرية بالكامل خارج مراكز قيادتها في توقيت بدء الضربـة، وتقييد نيران الدفاع الجوي ومنع وجود مقاتلات في الجـو بسبب زيارة المشير للجبهة في هذا التوقيت القاتل. ويرجع إلى شلل فكر القيادة نتيجة للمفاجأة التي حققتها إسرائيل، كذلك استخدام وسائل الحرب الإلكترونية الحديثة في الشوشرة على شبكات الرادار واللاسلكي، وهو نوع جديد من الوسائل لم تتعود القوات العربية عليه من قبل ويـرجـع إلى فقدان التنسيق بين الجبهات العربية، ولنا أن نعيد التصور الذي سبق أن طرحه "اسحق رابين" فيما لو قام الطيران السوري والأردني بضرب مطارات إسرائيل، وطائراتها تهاجم مصر؟ ونضيف عليه ولو قام الطيران المصري في نفس الوقت باعتراض الطائرات الإسرائيلية بجدية وحسم..؟ أعتقد أن الحرب كانت ستنقلب رأسا على عقب، ويحدث لإسرائيل ما حدث لنا بالضبط .. بل أكثر لأن ذلك كان سيهدد وجودها من الأساس.

الموقف في القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية يوم 5 يونيه 1967:
يعطي الفريق أول "محمد فوزي" رئيس أركان حرب القوات المسلحة في هذه المرحلة الصورة الحقيقية لما جرى في القيادة العامة صباح الخامس من يونيه، واستمر بعد ذلك لفترة ليست بالقصيرة.
"وصل المشير ومعه الفريق أول "صدقي محمود" قائد القوات الجوية والدفاع الجوي والفريق "أنور القاضي"، إلى مقر القيادة العامة بضاحية مدينة نصر حوالي الساعة 30ر10 صباح يوم 5 يونيه حيث غادر الفريق "صدقي محمود القيادة" العامة إلى قيادته فورا. أصدر المشـير الأوامر إليه بتنفيذ الخطة الجوية "فهد" وهي الخطة التي جهزت عقب التصديق على الخطة "قاهر" الدفاعية منذ 1966. ولكن، لم يتم تنفيذ هذا الأمر لعدم وجود أداة التنفيذ.
وفي حوالي الساعة 11 صباحا كلفني المشير بالاتصال بالقيادة السورية لإخطارها بالموقف، ومحاولة تنفيذ خطط القصف الجوي على مطـارات إسرائيل الشمالية، وهي جزء من الخطط التي كنت قد نسقتها مع رئيس أركان الجيش السوري "اللواء أحمد سويدان".
اتصلت به لاسلكيا، وطلبت منه تنفيذ الخطـة التعرضية "رشيد" لكنني لم أحصل على رد إيجابي، وكان كل ما نطق به هو جملة واحدة "نحاول سيدي" ثم علمت بعد ذلك أنه لم تصدر أية أوامر من الجانب السوري باتخاذ أي موقف مضاد أو تعرضي أو حتى تدخل في أي علميات إطلاقا ضد إسرائيل.
كما كان الفريق عبدالمنعم رياض في عمان قد طلب من القيادة السورية نفس طلبي قبل ساعة أو أكثر. إلا أن تصرف القيادة السورية كان سلبيا أيضا.
بعد ظهر نفس اليوم حضر الرئيس "جمال عبدالناصر"، كما حضر أعضاء مجلس قيادة الثورة السابقون والفريق أول "علي علي عامر"، إلى مقر القيادة العامة، حيث جلس أعضاء مجلس قيـادة الثـورة صـامتين فـي غـرفـة المشير يستمعون إلى البلاغات التي كان يحولها المقدم "علي شفيق صفوت" مدير مكتب المشير مـن غرفة عمليات قيادة القوات الجوية والدفاع الجوي إلى وسائل الإعلام المختلفة، وكانت كل البلاغات عن إسقاط أعداد كبيرة من طائرات العدو، وكلها بيانات كاذبة.
أما الرئيس "عبدالناصر" فقد جلس بجوار المشير الذي كان يدير المعركة ويتصل بالقادة سواء الموجودين في الميدان، أو في مركز عمليات القوات الجوية والدفاع الجوي والذي كان يبلغه شخصيا بعدد الطائرات الإسرائيلية التي دمرت. ولم تكن الأعداد بالطبع صحيحة.
كانت الاتصالات في ذلك اليوم مركزة مع قائد الجيش الميداني، الفريق "صلاح محسن" وقائد الجبهة الفريق أول "عبدالمحسن مرتجي" وقائد المحور الشمالي الذي كان العدو قد بدء يخترقه، وكان المتكلم من العريش دائما هو اللواء "نصر الديب" قائد المنطقة الإدارية.
حتى تلك اللحظة لم يكن قد ظهر شيء في الموقف العام بالنسبة للقوات البرية ونية العدو الحقيقية، فيما عدا قوات المحور الشمالي "شمال العريش" وقوات الفرقة السابعة مشاة ببروز رفح، "واللواء 11 مشاة".
كان التأثر باديا فقط على ضياع قواتنا الجوية، وكانت لغة التشجيع بالدفاع والتمسك بالأرض، هي الشعور السائد حتى الساعة السادسة مساءا. في تلك اللحظة غادر الرئيس "جمال عبدالناصر" مبنى القيادة، مشيرا إلى الجالسين بأفضلية ترك المشير يتفرغ لعمله، وإدارة المعركة، خاصة وأن الجالسين كلهم، لا يؤدون أي عمل أو مساعدة فعلية.
خلال الاتصالات التي تمت مع المشير من قوات سيناء تردد طلب واحد مشترك من الجميع وهو طلب المعاونة الجوية والغطـاء الجوي. كما علم المشير من الفريق "صلاح محسن" أنه ينوي دفع اللواء 14 المدرع ولواء مشاة، لوقف تقدم قوات العدو المتجهة إلى العريش، فأمر المشير الفريق أول "صدقي" بمحاولة جمع أعداد من الطيارين للاشتراك في معاونة قوات النطاق الدفاعي الأول صباح 6/6/1967. وقد اعتزل المشير في غرفته ليلا في ذلك اليوم. ولم ينم أحد من الموجودين في مبنى القيادة العامة في تلك الليلة.
بدأت الاتصالات تقل من سيناء نتيجة خلل المواصلات، حيث تم قطع الخط المحوري الرئيسي مساء يوم 5/6/1967. كما أن التداخل والتشويش على المحطات اللاسلكية الرئيسية تم صباح نفس اليوم كما ذكرت سابقا. استمر الاتصـال بالعريش وكان المتكلم دائما هو اللواء "نصر الديب" قائد المنطقة الإدارية الذي حفظ الجميع اسمه من كثرة ما تردد أمامهم.
عاد الرئيس "عبدالناصر" إلى القيادة ومعه "شمس بدران"، ودخل على المشير في غرفته ثم خرج بعد حوالي 20 دقيقة فقط من دخوله حيث وجد المشير في حالة عصبية، بدت في احمرار وجهه بشدة، وقمت أنا بتوصيـل الرئيس إلى الباب الخارجي حيث قال لي: "إن حالة المشير لم تسمح حتى بالكلام أو المناقشة. كما أشار إلى أن الأخبار الواردة من الإذاعات الخارجية مزعجة".
ويلخص الرئيس "السادات" هذا الموقف أيضا "عندما ذهبت للقيادة العامة صباح ذلك اليوم رأيت "عبدالناصر" يخرج من الصالون، ثم بدأ عامر يلقي اللوم كله على الأمريكان قائلا.. إن سلاح الطيران الأمريكي هو الذي ضربنا وليس إسرائيل، ورد عبدالناصر .. أنا لست مستعدا لتصديق هذا الكلام ولا لإصدار بيان رسمي بأن أمريكا هي التي اعتدت علينا.. إلا إذا أتيت لي بجناح طائرة واحدة عليها العلامة الأمريكية .. ولكنه بعد ذلك أدرك مدى الكارثة .. حيث تراجع وأصدر بيانا يتهم فيه أمريكا بالعدوان علينا.. وكان هدفه من ذلك تغطية الموقف سياسيا أمام الشعب. ومن الأمور العجيبة التي حدثت يوم 5 يونيه المشئوم، أنه بمجرد هبوط طائرة عامر (بعد عودته للقاهرة) وإدراكه ما حدث.. أرسل في طلب السفير السوفيتي لكي يطلب منه وقف إطلاق النار بعد بدء الحرب بساعة واحدة.. وكان هذا هو سر وجود السفير السوفيتي في القيادة العامة صباح هذا اليوم".
ويمس السيد "عبداللطيف البغدادي" نفس الموقف من وجهة نظره ويقول "ذهبنا إلى مبنى القيادة العامة للجيش، وتقابلنا مـع عبدالحكيم عامر، وسألناه عن الموقف، وكانت الساعة الواحدة بعد الظهر، فأخبرنا أننا أسقطنا للعدو حتى الآن 73 طائرة، وسألناه عن خسائرنا في الطائرات فلم يحدد لنا العدد، وإنما قال: أننا خسرنا أغلـب طـائـراتنـا .. وأثناء وجودنا معه، لاحظنا أن "صدقي محمود" قائد القوات الجوية كثير الاتصال به، وقال أن استمرار موجات غارات العدو على مطاراتنا يؤكد انه لابد وأن يكون هناك طائرات أخرى أمريكية وإنجليزية تقوم بمساعـدة الطائرات الإسرائيلية، لأن العدو لا يملك هذا العدد من الطائرات.. فيطلب منه المشير "عبدالحكيم عامر" إحضار ما يثبت له ذلك.
وطلب "عبدالحكيم" تليفونيا "جمال عبدالناصر"، وأخبره أن عدد الطائرات المغيرة كثير جدا، وأكثر مما يملك العدو، وأن هناك طائرات أمريكية تغير على مطار الأقصر..
ثم سأل "جمال .. عبدالحكيم" عن خسائرنا في الطائرات، لكن عبدالحكيم تهرب من الإجابة عليه، بحجة أن بيان الخسائر لم يصله بعد.. وبعد إلحاح من جمال نظر عبدالحكيم إلى كشف أمامه على المكتب وقال: المتبقي لدينا 47 طائرة منها 35 صالحة للاستعمال، والباقي في الإصلاح، ويمكن استخدامها بعد أن يتم تجهيزها".


يحى الشاعر


map07ir5.jpg

tmp4808fn0.jpg

map04qc4.jpg

f04by7.jpg

f03gt9.jpg

f02qf7.jpg

f01oq9.jpg

tmp2114cz0.jpg

tmp2435ms7.jpg

tmp1705he1.jpg
 
عودة
أعلى