أولبرايت تكتب مذكرة الى الرئيس المنتخب لاستعادة رأس المال السياسي الأميركي المُبدد

يحي الشاعر

كبير المؤرخين العسكريين
عضو مميز
إنضم
2 فبراير 2008
المشاركات
1,560
التفاعل
98 0 0
حلقات = أولبرايت تكتب مذكرة الى الرئيس المنتخب لاستعادة رأس المال السياسي الأميركي المُبدد 12-4-2008
Date: Sat, 12 Apr 2008 22:59:08 +0200​

تقارير الصحافة العربية و الاجنبية


أولبرايت تكتب مذكرة الى الرئيس المنتخب لاستعادة رأس المال السياسي الأميركي المُبدد (1 من 5)


نقل المذكرة الى العربية عمر سعيد الأيوبي
المصدر : اخبار فلسطين عن جريدة الحياة

التاريخ :12/4/2008


الخطأ المأسوي في العراق... وأميركا تواجه 4 أخطار أولها الارهاب وازدياد عداء العرب والمسلمين


«مذكرة الى الرئيس المنتخب» تقرير سياسي دولي شامل وضعته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت في تصرف الرئيس الأميركي المقبل الذي سيتسلم مهماته في البيت الأبيض في 21 كانون الثاني (يناير) 2009. ومع أن أولبرايت محسوبة على فريق المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون فإنها لا تخصّها أو تخص مرشحاً آخر من الحزب الديموقراطي بهذا التقرير، وهي إذ لا تخفي انحيازها الى سياسات الديموقراطي بيل كلينتون، وتبدي غضبها واستياءها من سياسات الرئيس جورج بوش، توجه المذكرة الى أي رئيس سينتخب شارحةً رؤيتها لموقع الولايات المتحدة ودورها في الأزمات والعلاقات الدولية وللمهمات الملقاة على عاتق الرئيس في تحسين صورة بلاده وجعلها تستعيد احترامها وثقتها بنفسها.

وتعتبر أولبرايت أن «رأس المال السياسي الأميركي» الذي تراكم في زمن كلينتون «بُدد للأسف (...) منذ اليوم الأول (لوصول بوش) حصل الأشخاص غير المناسبين على المناصب العليا (...) وقُدِّم الامتثال للإيديولوجيا على المهنية وسُمح للأكاذيب بالتنكر في لبوس الحقيقة».

وتضيف ان الخطأ المأسوي يبرز بجلاء في العراق «لكن ثمة أخطاء أخرى، إهمال الحلفاء والإفراط في الاعتماد على القوة العسكرية والسماح لأمثال ديك تشيني ودونالد رامسفيلد بأن يكونوا وجه أميركا».

وتمضي أولبرايت ناصحةً الرئيس المقبل بالعمل «لاستعادة ما فقد والمضي قدماً من هناك، وأن تبدأ بإدراك أن حقنا في القيادة لم يعد مقبولاً. فقدنا شرعيتنا الأخلاقية واذا لم نفهم ذلك فلن نعرف كيف نصوغ استراتيجية ناجحة». وحددت الوزير السابقة والمُحاضرة في جامعة جورج تاون أربعة أخطار تواجه اميركا هي:

1 – الإرهاب وتصاعد معاداة اميركا في العالمين العربي والإسلامي.
2 – تراجع الإجماع الدولي في شأن الانتشار النووي.
3 – تنامي الشكوك في شأن قيمة الديموقراطية.
4 – تماسك رد الفعل المادي للعولمة بسبب اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء.

وتختم أولبرايت مخاطبة الرئيس الأميركي الـ44: «كن طموحاً لكن تواضع في كلماتك ما استطعت... أنت توشك ان ترث الكثير من المشاكل من دون أن تكون لديك سلطة في السماء فيما لديك القليل منها على الأرض».

«مذكرة الى الرئيس المنتخب» نشرتها أولبرايت مطلع السنة وستصدرها قريباً مترجمة الى اللغة العربية «الدار العربية للعلوم»، وتبدأ «الحياة» ابتداء من اليوم بنشر خمسة فصول مختارة منها:
< الفصل الأول: تفويض بالقيادة
مذكّرة (شخصية وسرية)
إلى: الرئيس المنتخب
من: مادلين ك. أولبرايت
التاريخ: ليلة الانتخابات، 2008

أهنّئك على نجاحك. أحسنت صنيعاً! حقّقت فوزاً عظيماً. لكن ذلك النصر يستتبع مسؤولية قيادة أمة منقسمة في عالم يمزّقه النـزاع وانعدام المساواة، وتجرِّحه الكراهية، ويحيّره التغيير، ويقلقه تجدّد مشهد المعركة النووية الفاصلة. في الأيام التالية، سيطمئنك قادة لم تسمع بهم قطّ، من بلدان لا تكاد تعرف موقعها، إلى صداقتهم وسيعرضون المساعدة. نصيحتي لك أن تقبلها لأنّك بحاجة إليها. إنّنا معشر الأميركيين نحبّ أن نعتبر أنفسنا نموذجاً للكرم والفضيلة، لكنّ العديد من الشعوب في كثير من الأماكن يعتبرون أنّنا أنانيون ومتآمرون وعنيفون. والناخبون يريدونك أن تغيّر هذا المفهوم وان تحمينا في الوقت ذاته. أن تهزم أعداءنا وتؤمّن لنا المستقبل الاقتصادي. بعبارة أخرى، أن تفعل ما وعدت به في حملتك الانتخابية.


دورية أميركية في بغداد


جرت مقارنة الرئيس الأميركي بحاكم الكون، ومدير الدفّة في سفينة شراعية عظيمة، وبو - با العظيم في الأوبرا الكوميدية «ميكادو»، والشخصية المنفردة الغارقة في «البؤس الرائع» (وصف جيفرسون)، و «التجسيد الشخصي... لكرامة الشعب الأميركي وعظمته» (وصف ويليام هوارد تافت). وحدّد دارسو المنصب مجموعة من الأدوار الرئاسية: القائد الأعلى، والديبلوماسي المعلّم، والمتحدّث الوطني، وكبير المديرين، والمشرّع الأول، وقائد الحزب، وراعي الفنون، ومقدّم التهاني للفرق الرياضية، والوالد البديل. ويريدك مستشاروك أن تركّز على النشاطات التي تحافظ على أرقام مرتفعة من التأييد في استطلاعات الرأي وتعيد انتخابك. وأحضك على التركيز على الواجبات التي تعيد سمعة بلدنا وتحفظ سلامتنا.

في 20 كانون الثاني (يناير) 2009، ستضع يدك على الكتاب المقدّس ويحلّفك رئيس المحكمة العليا روبرتس، أمام 300 مليون أميركي، وستة بلايين شخص في أنحاء العالم، على «الحفاظ على دستور الولايات المتحدة وصيانته وحمايته». وستحذو حذو جورج واشنطن وتضيف الدعاء النابع من القلب، «ليكن الرب في عوني». وبعد أداء اليمين، ستصبح أقوى شخص في العالم. ولن يعود من قبيل المصادفة أن تعزف لك الفرقة الموسيقية» أهلاً بالرئيس» عندما تدخل قاعة ما. فقد وصلت إلى أعلى منصب في بلدنا؛ والسؤال الذي تنبغي الإجابة عنه، هل لديك ما يلزم لتؤدّي عملك بامتياز؟

قبل ثماني سنوات، فيما كانت الألفية الثانية تقترب، بدا مستقبل أميركا مشرقاً جداً. كان العالم ينعم بالسلام، والاقتصاد العالمي يرفل بالعافية، والولايات المتحدة تتمتّع بموقع لا نظير له. كان البرنامج الذي ترشّح بموجبه جورج دبليو بوش عام 2000 يشير إلى الحقبة بأنّها «زمن رائع في حياة أمتنا». وأبلغ كولن باول، وزير الخارجية المقبل في ذلك الوقت، الكونغرس بأن «علينا العمل جيداً معاً لأنّنا نواجه تحدياً كبيراً أمامنا. لكنّه ليس تحدياً للبقاء، بل إنّه تحدٍّ للقيادة. فنحن لا نواجه عدواً إيديولوجياً مظلماً وخطيراً، بل القوة الكاسحة لملايين البشر الذين ذاقوا طعم الحرية. إنّنا نواجه نجاحنا المدهش».

على غرار كل ميراث، يمكن أن يستثمر النجاح الرائع في شكل منتج أو غير منتج. لكنّ رأس المال السياسي الأميركي بُدِّد للأسف. وعندما قارنت السجلات مع أعضاء الحكومات السابقة - الديموقراطية والجمهورية على السواء - شاهدت أناساً يهزّون رؤوسهم وهم لا يصدّقون الطريقة التي أسيء فيها استخدام السلطة الرئاسية. والسؤال الذي يجمع عليه: بماذا كانوا يفكّرون؟ منذ اليوم الأول حصل الأشخاص غير المناسبين على المناصب العليا. وشوِهت عملية اتخاذ القرار أو تم تجاوزها. وقُدّم الامتثال للإيديولوجيا على المهنية، وسُمح للأكاذيب بالتنكّر في لبوس الحقيقة. وأُعلن أنّ المبادئ المركزية في الهوية الأميركية عفا عليها الزمن. ونُحِّيت أدوات الأمن المهمة، بما فيها الديبلوماسية جانباً. كنت آمل بأن ينقذ الرئيس بوش إدارته في سنواته الأخيرة، لكنّ المكاسب التي تحقّقت جاءت متأخّرة وهامشية. ومن المؤسف القول إنّك ستتولّى منصبك واحترام القيادة الأميركية أدنى مما كان عليه في ذاكرة أي شخص على قيد الحياة(...).

يبرز الخطأ المأسوي في العراق بجلاء، لكن ثمة أخطاء أخرى؛ إهمال الحلفاء، وفرط الاعتماد على القوة العسكرية، والسماح لأمثال ديك تشيني ودونالد رامسفيلد بأن يكونوا وجه أميركا. نعم لدينا عذر: العالم مختلف الآن، لكن ذلك سبب يدفعنا أكثر إلى التنبّه لمواطن القوة المثبتة. لقد أحدثت هجمات 11/9 الإرهابية صدمة لنا، لكنّنا عشنا طوال عقود من الزمن ونحن نعرف أنّ الموت يمكن أن يصل الينا عبر البحر. كانت الهجمات سبباً للحزن والغضب، ولإعادة التأكيد على مؤسساتنا واستراتيجياتنا، ولم تكن سبباً وجيهاً للذعر أو التخلّي عن مبادئنا عندما كنّا في أشدّ الحاجة إليها.

في أعقاب 11/9، بدأت إدارة بوش في شكل جيد لكنها سرعان ما نسيت مَن هم أشدّ أعداء بلدنا خطراً علينا. كان كثيرون من الأميركيين مقتنعين بأنّنا غزونا العراق لأنّ صدام حسين مسؤول عن 11/9 بالتالي شعرت الغالبية بأنّ مواجهة صدام ستوجّه ضربة إلى «القاعدة». ووافق كثيرون مع الرئيس على أنّه يمكن تقسيم العالم إلى مَن هم منحازون إلى الولايات المتحدة وأولئك الذين يهلّلون للإرهابيين. وأعجب كثيرون بيقين الرئيس؛ حتى عندما ساورتنا الشكوك حيال ما هو أكثر الأمور يقيناً لديه.

إنّني من المتفائلين الذين يقلقون كثيراً. فالأسباب التي تدعو إلى القلق تحيط بنا، بعضها مستتر، وبعضها الآخر يشاهد يومياً على الـ «سي أن أن» و «فوكس نيوز» و «الجزيرة». ربما يبدو الاضطراب والنقد اللاذع غامريْن. فالسم منتشر في الهواء. مع ذلك فإنّ رسالتي الرئيسية إليك فيما تهيّئ نفسك لتسلّم الرئاسة أن تثق بمن نحن وما الذي نؤمن به، فقد واجهنا أخطاراً أشدّ، وحافظنا على رباطة جأشنا، وتغلّبنا عليها.

يمكن أن نفترض أنّه لو كتبت مذكّرة كهذه قبل نصف قرن، لكان بامكاننا أن نرسم صورة لأميركا آمنة وقوية. فقد كان أسامة بن لادن طفلاً في ذلك الوقت، ولم تكن «القاعدة» موجودة، ولم يكن الإرهاب الدولي مصدر قلق كبير. كانت الولايات المتحدة قائدة العالم الحرّ من دون منازع، وكان العالم نفسه أقل تعقيداً وأبطأ حركة. مع ذلك كتب جورج كينان في الخمسينات إنّ «الإحساس بعدم الأمن يسيطر على وعينا القومي». وكان والتر ليبمان يخشى من أنّنا «نعيش في عصر الاضطراب والفوضى. ومع أنّ الولايات المتحدة أصبحت غنية وقوية، نعرف في قرارة أنفسنا أنّنا أصبحنا... غير آمنين وقلقين... إذ إنّنا غير واثقين مما إذا كانت مسؤولياتنا أكبر من حكمتنا». بل إنّ نصي المفضل في الكلية خلص إلى نتيجة كئيبة فحواها أنّ «الأشدّ عناداً وبلادة فحسب هو الذي يغامر بالتوقّعات المتفائلة عن المستقبل... فالخوف يستحوذ على البشر في كل مكان... وتجاوزت معرفة الإنسان وقدرته التقنية قدرته الأخلاقية».

لا يرجع هذا التشاؤم إلى إخفاقات البشر، وإنّما إلى إبداعاتهم. إذ كان التقدّم من القنبلة التقليدية إلى النووية ذا حجم أكبر من أي شيء منذ تناول أول رجل سريع الغضب قطعة من الخشب وحوّلها إلى هراوة. فبعد هيروشيما أصبح احتمال الفناء الجماعي الفوري جزءاً من حياتنا. إنّنا نخشى أن تنتشر معرفة صنع الأسلحة النووية بسرعة، ويشعر بعضهم بأنّ ذلك علامة من الله على أنّ نهاية العالم أصبحت وشيكة(...).

توالت العقود، وصاغ الرؤساء من الحزبين دوراً واضحاً لأميركا كزعيمة للنظام الدولي؛ وكمدافعة عن القانون، وبانية للمؤسسات العالمية، وكبلد تشعر بنفوذه كل الأقاليم وتُحترم آراؤه على نطاق واسع. وعلى رغم أنّهم لم يكونوا من غير نقائص، فقد كان سجلّهم مليئاً بالإنجازات. فالأسلحة النووية التي طالما خشيناها لم تستخدم ثانية، وتوقّف عدد القوى النووية المعلنة عند خمس. وانتهى انقسام أوروبا. وأصبح الأعداء القدامى أصدقاء. وبدت الحضارة نفسها كأنّها ترتقي السلّم درجتين درجتين.

مع ذلك، في السنوات التي تلت الحرب الباردة مباشرة، فاجأت طلابي بأنّني أعتقد بأنّ العالم سيصبح أكثر خطورة. أصبحنا معتادين على أخطار عداوة القوة الكبرى، وطوّرنا بدأب وسائل احتوائها. وستثبت الحقبة الجديدة أيضاً أنّها أقل قابلية لتوقّعها على رغم أنّها أكثر حرية. لقد أعادت الأمم والناس تعريف مصالحهم؛ وعادت المظالم القديمة إلى الظهور. وعلينا أن نبذل جهداً كبيراً للحؤول دون الانـزلاق إلى الماضي.
وهكذا أحضر بيل كلينتون في التسعينات، على غرار كنيدي، الحماسة معه إلى مهمة الحكم في زمن التغيّر؛ فوسّع حلف شمال الأطلسي وأصلحه، ودعم خفض ديون البلدان الأشدّ فقراً، وعزّز الديمقراطية من دون محاولة فرضها، وسعى وراء السلام، وفعل ما لم يفعله أي قائد آخر لحشد العالم ضدّ الإرهاب الدولي.

عشية تدخّل حلف شمال الأطلسي لمنع القتل الجماعي في كوسوفو، اتصل بي كلينتون في الوقت الذي اعتاد عليه، منتصف الليل، فهو نادراً ما ينام ولا يعتقد بأنّ الآخرين بحاجة الى النوم. راجعنا معاً الخطوات التي اتخذناها لإيجاد حل ديبلوماسي للأزمة. وقبل القتال، ضغط علينا كلينتون للحصول على كل جزء من المعلومات. كان يجلس خلف مكتبه محاولاً التخلص من الصداع بضغط علبة كولا لايت على جبينه، متسائلاً عن كل شيء: التاريخ، والشخصيات، والعوامل الاجتماعية والثقافية، والأخطار على قواتنا، والتكلفة التي يحتمل أن يتكبّدها المدنيون، وإذا كانت خططنا بعد الصراع واقعية. كان مصمّماً على إنجاز المهمة بطريقة صحيحة لأنّه يعرف أنّه قد يخطئ. كان دقيقاً، وذلك شأنه في كوسوفو وفي كل مسألة مهمة.

كان نهج كلينتون بالنسبة إلى وزيرة خارجيته ميزة ثمينة. لم يكن صعباً عليّ إقناع الناس في الخارج بأنّ الولايات المتحدة تدرك وتهتمّ. فهم يعرفون ذلك بالفعل، لأنّهم يستمعون منذ سنوات إلى الرئيس الذي أخذ وقته ليتعلّم عنهم، وأظهر أنّه مهتمّ بمستقبلهم، ويريد المساعدة إذا أمكنه ذلك.

في خطاب تنصيبه الثاني، أشار بيل كلينتون إلى بلدنا بأنّه «البلد الذي لا يستغنى عنه». أعجبتني العبارة جداً فاستعرتها إلى أن ارتبطت بي. اعتقد بعضهم بأنّ المصطلح متعجرف، ولكن ليس هذا ما قصدته، بل شعرت بأنّه يعبّر عن واقع ان معظم المبادرات الواسعة النطاق يحتاج إلى بعض المداخلات، على الأقل من أميركا. وكنت أرجو أيضاً أن ينشئ هذا المصطلح إحساساً بالفخر لدى الأميركيين، بحيث نكون أكثر استعداداً للاستثمار في المشاريع الخارجية، وأقل تردّداً في قبول المهمات الصعبة.

على رغم أنّ بلدنا يشترك في الكثير مع البلدان الأخرى، لا يوجد حالياً أي منافس له في القوة وطول الباع. وهذا يخلق الفرص وكذلك الإغراءات. والأفعال الأميركية مثال يحتذى في خيرها وشرّها. فإذا حاولنا تنحية القانون جانباً، فإنّنا ندعو الآخرين إلى فعل الشيء ذاته(...).

اليوم، فيما تستعدّ لتولي الرئاسة، لا يزال بروز القوة الأميركية بين الحقائق الكبرى للحياة في القرن الواحد والعشرين، لكن قدرتنا على استخدام تلك القوة تراجعت. وتلك أيضاً من الوقائع الكبرى للحياة في القرن الواحد والعشرين.

الأسباب معروفة جداً. أحدثنا فوضى في محاربة الإرهاب؛ افتقرنا إلى استراتيجية متسقة، وفشلنا في إقامة ارتباط واضح بين الخطوات التي نتخذها والنتائج المرجوة. تسبّب تعزيزنا للديمقراطية في القلق حتى بين من يدعون إلى الإصلاحات الديموقراطية في بلدانهم. لأنّنا حين نتحدّث عن الديموقراطية، يفكّر كثيرون في العراق؛ النموذج الذي لا يرغب أحد فيه. وركّزنا اهتمامنا على الخليج، فافتقرنا إلى السياسات الفعّالة تجاه التحديات الفائقة، مثل الطاقة والبيئة. واستجبنا ببطء وتردّد للمشاكل الناشئة في آسيا وأميركا اللاتينية وإفريقيا. كنّا ذات يوم أسياداً في ممارسة الديبلوماسية العالمية، فأصبحنا هواة.

بل يبدو أنّ اللبنات الأساسية للقوة الأميركية تشظّت وبليت. إذ اتسع انتشار عسكريينا حتى بلغ نقطة الإعياء، بما في ذلك الحرس الوطني والقوات الاحتياط. وتضرّرت قيادتنا الاقتصادية الدولية بالنهج غير المتسق تجاه التجارة وسياسات الموازنات التي حوّلت ذهب الفوائض إلى سجل قياسي في العجز. ووهنت تحالفاتنا في أوروبا والمحيط الهادئ الآسيوي. ويعتقد بأنّنا ننافق في ما يتعلّق بالأسلحة النووية وحقوق الإنسان وحكم القانون.

يجب أن تعمل كرئيس على استعادة ما فقِد، والمضي من هناك. ويجب أن تبدأ بإدراك أنّ حقّنا في القيادة لم يعد مقبولاً. فقدنا شرعيتنا الأخلاقية، وإذا لم نفهم ذلك، فلن نعرف كيف نصوغ استراتيجية ناجحة. سنكون مثل محامٍ يفترض أنّ هيئة المحلّفين في جيبه بسبب انتصاراته السابقة، في حين أنّها ليست كذلك لأنّ الهيئة ترفض أن تعتبر الأمر مسلّما به(...).

لم يعد بامكاننا افتراض أنّ هناك من يقاسمنا فهمنا تاريخنا على نطاق واسع. فالقلائل نسبياً يسمعون كلمة «أميركا» ويفكّرون أولاً في معركة لكزنغتون أو النزول على شاطئ أوماها. بالنسبة إلى مَن هم دون العشرين - وهم الغالبية في العديد من البلدان - لا تعني المواجهة في الحرب الباردة بين الحرية والشيوعية سوى القليل(...).

وسط دوّامة الأحداث في السنوات الخمس عشرة الماضية، تشكّل أربعة اتجاهات خطراً واضحاً وراهناً على المصالح الأميركية. أولاً، الإرهاب وتصاعد معاداة أميركا في العالمين العربي والإسلامي؛ ثانياً، تراجع الإجماع الدولي في شأن الانتشار النووي؛ ثالثاً، تنامي الشكوك في شأن قيمة الديموقراطية؛ رابعاً، تماسك ردّ الفعل المعادي للعولمة بسبب اتساع الهوّة بين الأغنياء والفقراء.

ثمة خطر خامس محتمل يمكن أن يفاقم تلك الأخطار الأربعة. كانت أميركا تردّ تاريخياً على فترات التدخّل الشديد في الخارج بمحاولة الانعزال. حدث ذلك في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وبعد فيتنام، وبعد الحرب الباردة أيضاً. وكوزيرة للخارجية خصصت الكثير من الوقت والجهد في محاولة إقناع الأميركيين بأنّ التاريخ لم ينتهِ عندما انهار جدار برلين. وخلافاً للمفاهيم السائدة حالياً في الخارج، فإنّ الشعب الأميركي يفضّل التركيز على المشكلات في الداخل أكثر من الإلقاء بثقلنا في الشؤون الدولية. وبعد العراق، سيكون الأميركيون متردّدين في ركوب الأخطار. ويجب علينا ذلك، ولكن لا ينبغي أن نكون متردّدين جداً فنسمح بنموّ التهديدات الجديدة.

إنّنا في مزاج سيئ. وذكّرنا إعصار كاترينا بأنّ مكافحة الفقر والظلم في مجتمعنا لا تزال غير مكتملة. ونشعر بالقلق من تصدير أعمالنا وتجاوز حدودنا، وهناك أمور كثيرة تجري في العالم لا نفهمها، ويتزايد شعورنا بعدم الميل إلى محاولة فهمها. إذ وجد استطلاع حديث للآراء أنّ 42 في المئة من الأميركيين يقولون إنّ على الولايات المتحدة «أن تهتمّ بشؤونها في العالم وتدع للآخرين المضي قدماً بأفضل ما يستطيعون». الاهتمام بالشؤون الشخصية فضيلة في أميركا، ولا ينتظر الكثير من الغرباء على أي حال. فلماذا لا نفضّ الاشتباك؟ لماذا لا ندع الآخرين يتولّون القيادة؟

ستكون مسؤوليّتك كرئيس الإجابة عن هذين السؤالين. ومن الضروري أن تعيد صوغ الحجة التي تدعو إلى القيادة الأميركية وتعيد تحديد مضمونها. لسنا في سنة 1808 أو 1908. إذا سُمِح بأن تصدأ أدوات القوة الأميركية، فستملأ قوى أخرى الفراغ. بعضها سيلحق الضرر، وبعضها الآخر لن يكون أداؤه جيداً. وسيأتي الوقت الذي علينا فيه الاستيقاظ ثانية، وثمة خطر بأن يأتي بعد فوات الأوان. من الأفضل بكثير أن نبقى يقظين. فلدينا قدرات فريدة، وعلينا استخدامها للأغراض الصحيحة.

يجب أن نطمئن لأنّ النظرة إلى الشعب الأميركي مواتية أكثر من النظرة إلى سياساتنا، ولأنّ العديد من الغاضبين من بعض ما نفعله يريدوننا أن ننجح عموماً. واستطلاعات الآراء نفسها التي تظهر تراجعاً في شعبيّتنا توحي أيضاً بأنّ العالم غير متلهّف إلى بروز قوة عظمى مناوئة؛ إذ ينظر إلى الطموحات العسكرية الصينية بارتياب؛ ولا يوثق بالقادة الروس؛ والرئيس الإيراني مكروه. ترتفع خيبة الأمل لدينا عندما يعتقد بأنّنا نتصرّف من دون مراعاة مصالح الآخرين ومخاوفهم: عندما نرفض مثلاً الاستماع إلى نصيحة العرب والأتراك قبل غزو بلد إلى جوارهم؛ أو عندما نعارض معاهدة في شأن تغيّر المناخ أو محكمة جنائية دولية، بدلاً من العمل مع الآخرين لتحسين تلك الترتيبات؛ أو عندما نجعل سياسة الهجرة كرة قدم سياسية في حين نطلب من المكسيك أن تعطي الأولوية لمكافحة المخدّرات.

أنت تنصّب للمرّة الأولى مرّة واحدة فقط، فحاول تحقيق أقصى ما يمكن فيها. وعندما تبدأ الخطاب، سيتغيّر صوت أميركا. فالآذان التي صُمّت في كل أنحاء العالم ستفتح لحظة واحدة على الأقل، وكذلك العقول. تأكّد من العبارة المميّزة التي تريدها. فقد كانت تلك العبارة «كل ما تخافونه هو الخوف نفسه» مع فرانكلين د. روزفلت. وكانت مع جون ف. كنيدي «لا تسأل»، ومع جورج هـ. دبليو بوش شيئاً مثل «النسيم العليل». وتحدّث كلينتون عن التغيير («نحن نفرض الربيع») وتعهّد رئيسنا الثالث والأربعون - أتذكر؟ - أن «تُظهر أميركا هدفها من دون تكبّر».

كُن طموحاً، ولكن تواضع في كلماتك ما استطعت. فمن عادة المرشّحين الرئاسيين أن يرسموا صورة وردية لما سيكون عليه العالم إذا انتخبوا، كما لو أنّ السماء ستفتح بحيث يتدفّق العدل الحقّ. لا تنتظر مثل هذه الهدية. فأنت توشك أن ترث كثيراً من المشاكل من دون أن تكون لديك سلطة في السماء، فيما لديك القليل منها على الأرض.

أولبرايت تكتب «مذكرة الى الرئيس المنتخب» لاستعادة رأس المال السياسي الأميركي المُبدد (1 من 5) ... الخطأ المأسوي في العراق... وأميركا تواجه 4 أخطار أولها الارهاب وازدياد عداء العرب والمسلمين

 
التعديل الأخير:
حلقات = أولبرايت تكتب مذكرة الى الرئيس المنتخب لاستعادة رأس المال السياسي الأميركي المُبدد 12-4-2008
Date: Sat, 12 Apr 2008 22:59:08 +0200


دولة فلسطين
State Of Palestine
منظمة التحرير الفلسطينية
Palestine Liberation Organization
وزارة الخارجية
Ministry Of Foreign Affairs
الدائرة السياسية
Political Department



أولبرايت تكتب «مذكرة الى الرئيس المنتخب» لاستعادة رأس المال السياسي الأميركي المبدد (2 من 5)



اليابان وجهتك الأولى في شرق آسيا والصين ستشيخ قبل أن تُصبح ثرية




تمتلك أوروبا حلف شمال الأطلسي، ويمتلك نصف الكرة الغربي منظمة الدول الأميركية، غير أنّ البلدان الرائدة في شرق آسيا لم تتجمّع معاً بالطريقة ذاتها. فالنزاعات السابقة لا تزال تلازم هذه البلدان، ما يتركها من دون رؤية مشتركة للمستقبل، ويعقّد علاقاتنا مع المنطقة. عليك التقدّم بعناية إذ تكون الحساسيات شديدة دائماً حيث يتنافس التقليد والحداثة. فلأميركا مصلحة في تأمين موقعها كقوة في المحيط الهادئ، وفي ما يمكن أن يدعى القرن الآسيوي. غير أنّ الطريق إلى النجاح لا يمرّ عبر محاولة إصدار الأوامر - وهو ما سيفشل بالتأكيد - بل بالعمل كنوع من الحَكَم الودّي. ومن مزايا مثل هذه السياسة أنّها تضعنا في موقع مراقبة جميع الفاعلين عن كثب.

عندما تزور شرق آسيا، يرجّح أن ترد الصين في ذهنك في المقام الأول، غير أنّ طوكيو يجب أن تكون وجهتك الأولى. فالحليف الموالي يستحقّ الأولوية(...)

في السنوات الاثنتي عشرة التي سبقت عام 2001، توالى عشرة رؤساء حكومات على حكم اليابان، ثم جاء جونيشيرو كويزومي إلى السلطة. وفي حين أطلق على أحد أسلافه لقب «البيتزا الباردة»، فإنّه كان مليئاً بالحيوية وذا أفكار غير تقليدية (وشعر رائع). فأدخل النشاط على اقتصاد ساكن، بقلب سياسات حزبه والتحدّث صراحة عن الحاجة إلى الإصلاحات وصعوبة التكيّف معها. كان كويزومي بليغاً وعصرياً، خلافاً للسياسيين اليابانيين الذين يثيرون الملل، على رغم ثقافتهم، إلى حدّ أنّ أحد الديبلوماسيين الأميركيين شكا من أنّه لا يستطيع البقاء يقظاً أثناء موائد العشاء إلاّ بالجلوس على شوكته.

كانت خصوصية كويزومي الفردية شهيرة في اليابان ولكن ليس بالمقدار ذاته لدى الآسيويين الآخرين. وعندما انتهت ولاية رئيس الوزراء التي استمرّت خمس سنوات، لم يكن الصينيون ولا الكوريون الجنوبيون على علاقات ودية جداً معه(...)

حاول آبي شينزو، خليفة كويزومي، إصلاح العلاقات بتبادل الزيارات مع قادة بكين وسيول. ثم أثار الغضب بالمعاندة في إنكار الأدلّة على إكراه الآسيويات على تقديم خدمات جنسية للجنود اليابانيين في أثناء الحرب. وأثار آبي أيضاً الشكوك في نواياه عندما وقّع اتفاقاً أمنياً مع أستراليا، ورفع مكانة هيئة الدفاع في بلده، وتحدّث بإيجابية عن إعادة كتابة «الدستور السلمي» لليابان بعد الحرب، لتقليل القيود على العسكريين. وفي عهد كويزومي، خطت اليابان نحو موقف عسكري أشدّ متانة بالمشاركة في الدفاع الصاروخي عن ميدان القتال، ونشر مدمّرات عالية التقنية في المحيط الهندي، وإرسال قوات غير مقاتلة إلى العراق، والموافقة على إنشاء قيادة مشتركة مع الولايات المتحدة في قاعدة يوكوتا الجوية.

من الأسئلة المطروحة عليك: هل تشجّع اليابان على أن تصبح شريكاً عسكرياً أكثر قدرة وظهوراً؟ شرح مخطّطونا الدفاعيون ان اليابان تمتلك المهارة كي تصبح حليفاً قوياً في الحفاظ على الاستقرار في شرق آسيا. ويضغط اليابانيون، أو بعضهم على الأقل، للتحرّر من قيود ما بعد الحرب. وأجبر جدّ شينزو، وكان رئيساً للوزراء أيضاً، على الاستقالة لأنّه اقترح أن تصبح اليابان شريكاً أمنياً كاملاً للولايات المتحدة.

لماذا يجب ألاّ نؤيد فكرة الدستور الجديد، وألاّ نرحّب بتطوير قوة عسكرية حديثة لليابان؟

ثمة أسباب عديدة. فنادراً ما ناقش أحد، حتى الصينيون، الوجود العسكري الأميركي في المحيط الهادئ. ويرجع ذلك إلى أنّ الفضل في كبح اليابان يعود إلى قواتنا، على رغم وجودها في آسيا لحماية اليابان. ومن المرجّح أن يشجع رفع القيود عن الجيش في ذلك البلد، الصين على البناء السريع لقوتها العسكرية، ويدفع الكوريتين إلى علاقة أوثق مع بكين. كما أنّنا لا يمكن أن نفترض أنّ الجيش الياباني المستقلّ سيكون متجاوباً دائماً مع المصالح الأميركية. إذ كانت النقطة الرئيسة لتسويق وضع دستور جديد تستند إلى الوطنية أكثر من استنادها إلى التحالف، فالدستور الجديد (لليابان) كما أكّد سيحلّ محلّ الدستور الذي فرضه الاحتلال الأميركي على البلاد.

إنّ رغبة آبي في أن تصبح اليابان أكثر حزماً على الصعيد الدولي تتوافق مع ضحالة مهاراته السياسية في الداخل. وفي أيلول (سبتمبر) 2007، أجبر على الاستقالة بسبب عجز حكومته وهزيمة حزبه الكارثية في انتخابات منتصف المدّة. لذا عندما تصل إلى اليابان، سيستقبلك ياسو فوكودا، وهو قائد ياباني من الطراز القديم، ذو صلة قوية بالسياسة ونهج أكثر احتراماً للصين. ثمة توقّع على نطاق واسع بأن ترتدّ اليابان في حقبة ما بعد كويزومي إلى عاداتها في حقبة ما قبل كويزومي، ما يعني تعاقب القادة الذين يرضون رغبات الفئات النافذة بدلاً من التعامل مع المشاكل الاقتصادية الهيكلية. مع ذلك يمكنك أن تتوقّع ترحيباً حاراً في اليابان، ومحادثات شديدة التنوّع مع رئيس الوزراء وقادة كبار على درجة عالية من الذكاء. احرص على رسم ابتسامة على وجهك عندما تصل، واحمل هدية في يدك، وشوكة في جيبك.

لم تنتهِ الحرب الباردة بعد في شبه الجزيرة الكورية. فمركز القتال والشريط الشائك ما زالا يفصلان بين الشمال والجنوب، على طول خط العرض الثامن والثلاثين. إنّنا نودّ أن تتحوّل كوريا الشمالية - اسمها الرسمي جمهورية كوريا الشعبية الديموقراطية - إلى عضو بنّاء في مجموعة آسيا والمحيط الهادئ، لكنّنا نفتقر القدرة على فرض تلك النتيجة، في غياب المخاطرة بسفك دماء غزيرة. وهكذا، على صانعي السياسة في واشنطن وسيول التمسّك بمهمّة السياسة الخارجية الكلاسيكية الصعبة التي تقضي بالتوفيق بين الأهداف والقدرات. وأفضل ما يمكننا أن نأمل به في المستقبل القريب، هو كوريا شمالية لا تهدّدنا أو تهدّد جيرانها. وذلك يجب أن يكون هدفك الرئيسي.

منذ البداية، يحمل التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية زواجاً قائماً على المصلحة أكثر من العواطف. فالموقف الأميركي التقليدي هو أنّ كوريا الجنوبية يجب أن تكون ممتنّة لنا لإنقاذها من الشمال. بعضهم ممتنّون. يتذكّر بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، أنّ الجنود الأميركيين أعطوه بسكويتاً وشوكولا وعلكة، ويضيف أنّ «أميركا كانت تقدّم لنا كل ملابسنا». وقتل أكثر من ستة وثلاثين ألف عسكري وعسكرية أثناء الحرب الكورية، ونُشر عشرات الآلاف هناك منذ ذلك الوقت، ساعين الى تجنّب النزاع(...)

يفخر الكوريون الجنوبيون اليوم بأنّهم بنوا الاقتصاد الحادي عشر في العالم وينوون التوقّف هناك، وهم عازمون على تأكيد هوية قومية منفصلة عن الولايات المتحدة والبلدان الآسيوية. وهم لا يزالون يقدّرون تحالفهم مع واشنطن لكنّهم لا يرغبون في أن يخضعوا للرعاية. في السنوات الأولى من عهد بوش خصوصاً، أثارت الخلافات على التكتيكات في التعامل مع الشمال مشاعر معادية لأميركا، حيث خلص كثيرون في الجنوب إلى أنّ الولايات المتحدة أشدّ خطراً على السلام من بيونغيانغ. وهكذا فإنّ الرئيس رو مو هيون اعتبر أنّ من المفيد في حملته الانتخابية عام 2002 القول أنّه لم يزر الولايات المتحدة قطّ، وقال: «ليست لديّ أي مشاعر معادية لأميركا، لكنّني لن أخضع للأميركيين»(...).

الرؤية الرسمية في الجنوب هي أنّ الشمال سيبقى خطراً على الأرجح إذا شعر بأنّه مهدّد، والمرجّح أن يصبح بلداً أكثر التزاماً بالقانون إذا عومل على أنّه كذلك. وهكذا انتهج الجنوب، في العقد الماضي ما يدعوه «سياسة الشمس المشرقة» تجاه الشمال التي تميّزت بالمشاريع الصناعية التعاونية والسياحية، ولمّ شمل الأسر والشراكات الأولمبية، وتميزت أيضاً باجتماعي قمة ودّيين.

رحّبت إدارة كلينتون بـ «سياسة الشمس المشرقة» لأنّنا نؤمن أيضاً بأنّه يجب التعامل مع بيونغيانغ، إذ إنّ كيم يونغ إيل ليس على وشك التقاعد أو الاختفاء. وفي عهد كلينتون، أقنعنا كوريا الجنوبية بتجميد برنامج أسلحتها النووية وتعليق تجاربها على الصواريخ البعيدة المدى. وقد قمت بتجربة زيارة العاصمة الكورية الشمالية عام 2000، على أمل تحقيق تقدّم إضافي. ونظراً لاحتمال أن تتوجّه إلى هناك بنفسك - في مرحلة ما من رئاستك - دعني أتوقّف دقيقة عند ما وجدته هناك.

بيونغيانغ مدينة النُصُب التي تكرّم أسوأ حكومة على وجه الأرض. استادات رياضية وتماثيل وأبراج تستخدم في الاحتفال بكيم يونغ إيل، القائد المحبوب كما يدعي، ووالده المتوفّى، كيم إيل سونغ، مؤسّس جمهورية كوريا الشعبية الديموقراطية. تشهد المدينة قليلاً من الحياة التجارية وفيها القليل من السيارات أو الدراجات النارية الخفيفة، بل إنّ الدراجات النادرة تبدو في حالة مزرية. لا كلاب أو قطط في الشوارع، أو حتى طيور مغرّدة على الأشجار، إذ لم أسمع شدوها البتة. في البحيرة الموجودة خارج منزل الضيافة الذي أقمت فيه، كانت هناك بطة واحدة. وفي غياب إنارة الشوارع، كان موكب سياراتي يوجّه نحو الطريق الصحيح بزوج من العصي الفلورية يلوّح بهما شرطي لا يظهر جسمه في الظلمة. إنه مكان غامض وكئيب، تصفّق فيه الحشود كأنّها روبوت في الاحتفالات المعدّة، بل يرقص الصغار في سنّ الخامسة في تناغم تامّ(...).

في اجتماعاتنا في بيونغيانغ، وجدت كيم يونغ إيل عقلانياً وذكياً وواسع الاطلاع. إنّه رجل قصير مكتنز إلى حدّ ما، يسعى إلى إعطاء انطباع بأنّه أطول قامة بارتداء أحذية خاصة ونفش شعره. وعلى غرار شخصية الأمير هال في مسرحيات شكسبير، كان لعوباً في شبابه ومعروفاً بشرهه ومقايضة الجنس بالأدوار كمنتج سينمائي. وخلافاً لوالده، يفتقر كيم إلى مؤهّلات العسكري البطل. إذ ورث السلطة على رغم العقيدة الشيوعية التي تدين تقديس الشخصيات والقيادة الوراثية. وللحفاظ على بقائه اضطر إلى التلاعب بالقوات المسلّحة والنظام الحزبي، بحيث يقاتل المنافسون المحتملون بعضهم بعضاً، فيما يحتفظون بولائهم له، أو يخشون تحديه. ولأنّه ابن شخصية جُعلت أكبر من الحياة، تشوّهت حياته، ما تركه غافلاً عن معاناة الشعب الكوري الجنوبي. وكشخص، يمكن أن يكون شهماً، كما عرفت أثناء عشاء رسمي عندما أمر السقاة بالكف عن صب الخمر في كأسي، بالتالي وقاني من عادة التنافس في الشرب في كوريا الشمالية.

عندما غادرت منصبي، كنت أتوقّع أن تتابع إدارة بوش من حيث انتهيت، كما أشار وزير الخارجية الجديد كولن باول. لكن الرئيس بوش رفض أن يفعل ما فعله كلينتون، لا لسبب إلا لأنّ كلينتون فعله. كان ذلك الموقف الأساسي، كل شيء إلا كلينتون. وبدلاً من التفاوض مع كوريا الشمالية، تقاتلت الفئات داخل فريق بوش. في البداية رفضوا تماماً التحدّث مع الشمال، ثم أرسلوا ديبلوماسيين منعوا من قول أي شيء سوى «انزعوا سلاحكم وإلاّ». ردّت كوريا الشمالية بطرد مفتّشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإخراج البلوتونيوم من ثمانية آلاف قضيب وقود مستنفد، وبناء رؤوس نووية، وأجرت تجربة نووية في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2006.

هزّت هذه الحادثة الإدارة وجعلتها تتبع نهجاً ديبلوماسياً جدياً مع كوريا الشمالية. وكانت النتيجة اتفاقاً تجمّد بموجبه كوريا الشمالية برامجها النووية وتسمح للمفتشين بالعودة، مقابل المساعدة في تلبية حاجاتها من الطاقة. وأعاد ذلك الوضعَ إلى حيث تركته إدارة كلينتون، باستثناء إتاحة الفرصة للشمال لتخصيب يورانيوم يكفي لصنع ثماني أو تسع رؤوس نووية إضافية. وتتواصل المساعي للحصول على ضمانات في شأن الأسلحة النووية لكوريا الشمالية وتفكيك قدرتها على إنتاج المزيد. وتقع المهمّة الصعبة للتعامل مع كيم يونغ إيل على عاتقك الآن (...).

على رغم أنّ نيكسون توجّه إلى الصين، فإنّ العلاقات الديبلوماسية الرسمية لم تقم إلاّ في عهد إدارة كارتر. كان العداء الصيني - السوفياتي في أوجه، لذا كانت سياسة الحرب الباردة الشغل الشاغل في ذلك الوقت. غير أنّ العولمة كانت المعنى الضمني. عندما أصبح دنغ شياو بنغ أول زعيم صيني شيوعي يزور واشنطن في 1979، أبلغ كارتر خططه الخاصة بانفتاح اقتصاد البلاد. وألقى تبعة تخلّف الصين على قرار أسلافه بإغلاق أبوابهم في وجه الغرب. وعمد دنغ، وهو ممن لا يتمسّكون بالتقاليد القديمة، إلى تفكيك «البيت الذي بناه ماو» في شكل منهجي، وتخلّى عن التشدّد الشيوعي مدخِلاً ما سماه «اشتراكية السوق».

زرت جمهورية الصين الشعبية العام الماضي، وكنت زرتها من قبل برفقة وفد من مجلس الشيوخ الأميركي برئاسة إدموند موسكي، رئيسي السابق. في ذلك الوقت، كانت بكين مدينة الدرّاجين السريعين والمشاة الرشيقين. أما اليوم، وكدليل على التقدّم، فإنّ طرقاتها تختنق بالسيارات المتوقّفة تقريباً. إذ نما الاقتصاد الصيني منذ ثبات الأسواق التنافسية بمعدّل مستقر لم يجارِه أي بلد في التاريخ. وتراجع الفقر المدقع في شكل حادّ، واتسعت الطبقة الوسطى، وأصبحت المراكز الصناعية الصينية تجتذب المستثمرين الأجانب. لا يرجع نجاح الصين إلى كثرة العمال ذوي الأجر المتدنّي، فالصين «تنتج» أعداداً متزايدة من العلماء والمهندسين، في 2003، أصبحت ثالث بلد يطلق إنساناً إلى الفضاء، وموازنتها للبحوث تنمو باضطراد، وتجري تجارب على تصميمات جديدة في مجالات مثل التكنولوجيا البيئية، والطاقة النووية المدنية، والهندسة البيولوجية.

بدّل هذا التحوّل الاقتصادي النظرة السياسية الصينية. فالنموّ بحاجة إلى وقود، والصينيون يجوبون السوق الدولية للحصول على النفط والخشب والمعادن. وأقاموا علاقات توريد في كل قارة، وبين شركائهم حكومات إيران والسودان وبورما وفنـزويلا، ليس رباعياً مستساغاً. كما تسعى الصين إلى إثبات حضورها الديبلوماسي. فقد سافر الرئيس هو جينتاو على نطاق واسع، وغالباً ما لقي استقبالاً أكثر حفاوة من استقبال الرئيس بوش. وكي تبرز الصين استقلاليتها، بدأت تساعد في عقد اجتماعات إقليمية تستبعد عنها الولايات المتحدة: قمة إفريقية، ومؤتمر لشرق آسيا، ومنظمة شانغهاي للتعاون، وهي هيئة تنسّق سياسة الطاقة وتجري تمارين عسكرية، تضمّ روسيا، وطالبت بسحب القوات الأميركية من آسيا الوسطى. يؤكّد الزعماء الصينيون بذكاء على هوية مزدوجة، فعندما تطرح قضايا مثل التجارة الحرة أو تغيّر المناخ، يصرّ الصينيون على أن يعاملوا معاملة خاصة لأنّهم لا يزالون بلداً نامياً. وعندما تكون القضايا سياسية، يطالبون بإشراك الصين في صوغ القوانين العالمية، بما يليق بقوّة كبرى. وذلك ليس ادعاء غير معقول، فالصين بلد نامٍ، بكل المقاييس، وبلد كبير.

سترحّب كرئيس بدمج اقتصاد الصين، فيما سيطغى قلقك من تأثير صعودها في نهاية المطاف على السلام والديموقراطية، وعلى قيادتنا(...)

ستحلّ الذكرى العشرون لمجزرة ساحة تيانانمين في حزيران (يونيو) في السنة الأولى من عهدك، ولكن ما أهميّتها؟ تجاهل الزعماء الصينيون المصمّمون على منع تجدّد الانتفاضة الديمقراطية الالتماسات المتكرّرة، داخلياً ودولياً، بالسماح بنظام سياسي أكثر تراخياً وتنافسية. فدروس تيانانمين واضحة بالنسبة إليهم: الاستقرار هو الخير المطلق، والحركات المعارضة ستسحق. ولن يسمح للانتقادات الخارجية بتعريض النظام الداخلي للخطر.

لا شكّ في أنّ انفتاح البلد الاقتصادي أدّى إلى مزيد من التوسّع في التعليقات الاجتماعية والسياسية في غرف الدردشة على الإنترنت وفي الصحافة. وشعرت القيادة بالحاجة إلى اعتماد لغة الديموقراطية بمساواتها بالنظام الصيني الراهن. ثمة تنافس كبير داخل الحزب الشيوعي، بما في ذلك تحديد الولايات والانتخابات، لكنّ المعارضين يُعتقلون أيضاً، والحرية الدينية مقيّدة، والتنظيمات السياسية محظورة، وشبكة الإنترنت خاضعة للرقابة(...).

القيادة في الصين متعدّدة الرؤوس. أصبح هو جينتاو الأمين العام للحزب الشيوعي في عام 2002، ورئيساً للصين في السنة التالية، ورئيساً للجنة العسكرية الصينية في 2004. ومع أنّه لم يُظهر بعد رؤية دنغ كسياو بنغ، لكنّه أثبت براعة في ارتقاء سلّم السلطة والحفاظ على القمة. ولم يكن تقدّمه متصلاً بما فعله بمقدار اتصاله بما لم يفعله: الدعوة إلى أفكار جديدة أو إثارة استياء الفئات القوية مثل الجيش. بل إنّه الآن، بعد مرور سنوات على تولّيه منصبه، يبدو فنياً أكثر مما هو منظّر أيديولوجي، وخطاباته تنهل من شعارات أسلافه. وهو يدعو البلد إلى بناء مجتمع منسجم، محاكياً كونفوشيوس وكارل ماركس والدكتور فيل. ولعل حذره نابع من مأزقه: الصين كبيرة وتتحرّك بسرعة كبيرة، بحيث تستحوذ القيادة على كل الوقت والاهتمام اللذين يمكن أن يقدّمهما المرء.

ليس هناك قانون بأنّ النموّ الاقتصادي – لا سيما عندما يكون سريعاً ومتفاوتاً - سيؤدّي إلى الرضا الاجتماعي. وعلى رغم أنّ الفجوة المتوسّعة بين الأغنياء والفقراء مشكلة عامة، فإنّها في الصين تصطدم بحدّة مع القيم الاجتماعية التي تشدّد على المساواة. ثمة انقسام كبير بين المناطق الحضرية التي ازدهرت، والمناطق الريفية التي لم تزدهر. وعدم المساواة ينتج الاستياء، خصوصاً عندما يشتبه الناس في أنّ الأغنياء لم يحصلوا على ثرواتهم بالجدّ والإبداع، بل عبر الفساد الرسمي. ويشعر الناس بالغضب أيضاً من التلوّث، وبالمرارة من المشاريع الصناعية التي تدفعهم إلى الخروج من أراضيهم، وبالخوف من انتشار الأمراض الخارجة عن السيطرة.

الأهم أنّ الصين تتّجه إلى أنّ تصبح منطقة «عدم طيران ديموغرافي». فمنذ سنوات تتراجع لدى شعبها نسبة المواليد، في حين أنّهم يعمّرون، ما يؤدي إلى زيادة مضطردة في متوسّط الأعمار. وبعد عقد أو اثنين من الآن، قد يجد العامل المثالي - وهو الابن الوحيد - أنّ عليه إعالة أطفاله ووالديه وجديه. ويمكن طمأنة مَن يخشون تحوّل ثروة الصين المكتسبة حديثاً إلى الجيش، بأنّ جزءاً منها على الأقل سيخصّص للأدوية وألعاب ماه جونغ وخزّانات الأوكسجين. فالصين ستشيخ قبل أن تصبح ثرية.

يحتاج البلد وهو ينمو إلى أكثر من احترام الأجداد كي يحافظ على تماسكهُ. وعلى القيادة الشيوعية أن تبقى سبّاقة وتسعى إلى منع المظاهر الصغيرة للتعبير عن الرفض، من التحوّل إلى احتجاجات كبيرة. وللنجاح، عليها أن تجيب عن سؤال واضح: كيف يشرح حزب شيوعي يضمّ رأسماليين ويرأس سوقاً مالية قوية، ما الذي يفعله؟ أجاب القادة الصينيون ببراعة وأوضحوا بإسهاب فلسفته التي تكافئ المشاريع الحرة (إلى حدٍّ ما) والوطنية (من دون إفراط) والاستقرار.

بالنسبة إلى أي رئيس أميركي، المعضلة في التعامل مع الصين تكمن في أن السياسة الداخلية تدفع في اتجاه، فيما تدفع الرغبة في الديبلوماسية المثمرة في اتجاه آخر. خلال الحملة الانتخابية، وجدت أنّ مهاجمة الصين تستقطب تصفيق معظم الأميركيين، باستثناء رجال الأعمال والاختصاصيين في السياسة الخارجية وعسكريينا. غير أنّك في البيت الأبيض ستحاول تجنّب الاستياء لأنّ الصين أصبحت مهمة جداً. فهي تمتلك ثلاثمئة بليون دولار على شكل سندات خزينة، وهي عضو دائم في مجلس الأمن، ولديها نفوذ سياسي في أماكن ليس فيها نفوذ، وإذا كنت تصدّق منتقدي السياسات الاقتصادية الصينية، فإنّ لديها سلطة الحياة والموت على ملايين الوظائف الأميركية(...).

وعندما تجلس مع هو، في النهاية، ستجده مصراً على سماع تطميناتك في شأن تايوان. وإذا لم تقدّم له ذلك، ستصبح المسائل الأخرى ثانوية. فعلى رغم أنّ تايوان لديها من الثروة والتنظيم ما يمكّنها من الازدهار كبلد مستقل، فإنها غير معترف بها كدولة - وتخضع للضغط لئلا تعلن عن نفسها كدولة - لأنّ بكين تصرّ على أنّ تايوان جزء من الصين. ومنذ انفتاح نيكسون، أقرّت الولايات المتحدة بمطلب الصين من دون أن ترفضه أو توافق عليه(...).

الولايات المتحدة غير ملتزمة رسمياً بإنقاذ تايوان في حال تعرّضها لهجوم، لأنّنا لا نريد أن يطمئنّ التايوانيون جداً إلى حمايتنا بحيث يستفزّون بكين. وعلى نحو ذلك، لا نريد أن يعتقد الصينيون بأنّ بإمكانهم مهاجمة تايوان والنجاة بفعلتهم. الوضع يشبه المواجهة الثلاثية الجوانب في نهاية فيلم «الطيّب والشرير والبشع»، ولكن قبل أن يبدأ إطلاق الرصاص. ما دمنا هناك نحدّق ببعضنا بعضاً، لن يلحق الأذى بأحد.

واضح أنّ جزءاً من استراتيجية الصين العسكرية يقوم على دفعنا - وتايوان - إلى التفكير مرتين في شأن التحرّكات المفاجئة(...).

الأخبار السارّة أنّ القيادة الصينية تبدو صبورة. وليس هناك ما يدعوك إلى توقّع إيقاظك ذات صباح على أخبار اجتياح الجيش الأحمر منافذ المصانع والفنادق ذات النجوم الأربع في تايوان. وعلى رغم أنّ كل خليفة لماو يحبّ أن يذكر بأنّه وحّد البلد، فإنّ الرئيس «هو» لم يظهر أي ميل إلى سلوك طريق سفك الدماء. ويجب أن يكون الوضع الراهن مقبولاً لبكين، وعليك إقناع تايبيه بالتعايش معه أيضاً(...).

تستند السياسة الخارجية الصينية إلى مبدأيْ السيادة وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للآخرين. ولا يهتمّ زعماؤها بأفكارنا عن الأخلاق أو في تأييد معايير عالمية. فمن المستحيل على سبيل المثال، تصوّر أنّ بكين تصدر تقارير سنوية تقوّم ممارسات الحكومات الأخرى في مجالات مثل حقوق الإنسان أو حظر المخدّرات أو الإرهاب أو التهريب أو الحرية الدينية. وذلك اختلاف مهمّ بين الصين والولايات المتحدة، وميزة كبيرة للصين من الناحية الديبلوماسية.

سينعم شرق آسيا بالاستقرار شرط ألاّ يحاول بلد ترهيب الآخر. لا يبدو أنّ الطموحات الإمبريالية تستحوذ على الصين أو اليابان، ولكن لن يرضى أي منهما بأن ينظر إليه بأنّه الدولة الأصغر. وتتطلّع كوريا الشمالية إلى طريقة لإدامة خرافتها المهلهلة بالاعتماد على الذات. ولا تزال تايوان تواجه خياراً بين ضبط النفس وخطر استفزاز الصين، وذلك ترتيب غير عادل لكنّه لا يشكّل عقبة أمام ديموقراطيتها وازدهارها.

يجب أن تستفيد السياسة الأميركية من انشغال البلدان الآسيوية ببعضها بعضاً بالدرجة الأولى. الصين تريد كبح جماح اليابان، وكذلك الكوريون والجميع تقريباً. وخضعت فيتنام ومنغوليا لحكم الصينيين في الماضي وستقاتلان قبل أن تخضعا ثانية. وستحاول البلدان الصغيرة تجنّب الاضطرار إلى الاختيار بين الولايات المتحدة والصين، لذا ستعمد إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع كليهما. إذا نُظر إلى الولايات المتحدة بأنّها تحاول الحفاظ على استقرار التوازن في المنطقة، فستحظى بصورة إيجابية، وإذا نظر إلينا بأنّنا نحاول سنّ قوانين ليلتزم بها الجميع، فسنوجِد مشاكل، الأفضل لنا أن نتجنّبها نظراً إلى المتاعب التي نواجهها في أمكنة أخرى. علينا أن نشجّع بلطافة تطوير إطار عمل أمني إقليمي نشارك فيه. وعلى رغم أنّ الظروف غير ملائمة لإقامة تحالف مماثل لحلف شمال الأطلسي، ستكون هناك قيمة لوجود وسائل رسمية لبناء الثقة، وتقاسم المعلومات، وتنظيم البعثات الإنسانية، وحل الخلافات باكراً، قبل أن تؤدّي الكلمات القاسية إلى حروب ساخنة.
.

أولبرايت تكتب «مذكرة الى الرئيس المنتخب» لاستعادة رأس المال السياسي الأميركي المُبدد (1 من 5) ... الخطأ المأسوي في العراق... وأميركا تواجه 4 أخطار أولها الارهاب وازدياد عداء العرب والمسلمين
 
حلقات = أولبرايت تكتب مذكرة الى الرئيس المنتخب لاستعادة رأس المال السياسي الأميركي المُبدد 12-4-2008
Date: Sat, 12 Apr 2008 22:59:08 +0200


دولة فلسطين

State Of Palestine

منظمة التحرير الفلسطينية


Palestine Liberation Organization


وزارة الخارجية


Ministry Of Foreign Affairs


الدائرة السياسية


Political Department



أولبرايت تكتب «مذكرة الى الرئيس المنتخب» لاستعادة رأس المال السياسي الأميركي المُبدد (3 من 5)



العراق سيثير 3 كوابيس والحل الوحيد قد يكون السماح بانقسامه


يحتل الوضع العراقي مرتبة متقدمة في هموم «مذكرة» وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت لتنصح في النهاية الرئيس الأميركي الذي سيخلف جورج بوش بأن السبيل الوحيد للحفاظ على «اجتماع العراق» قد يكون «السماح بانقسامه».

وتتوقع أن تلازم عهد الرئيس المقبل ثلاثة كوابيس: «القاعدة» تسيطر على مناطق السنّة، وإيران تسيطر على الحكومات العراقية، والعراق يتصدع فيشعل حرباً تشمل المنطقة!

وفي نقد لاذع لإدارة بوش تقول أولبرايت: «حاولت (الإدارة) متأخرة أن تُبطل الضرر بالهبوط بالمظلة على النزاع العربي – الإسرائيلي لتجد ان إطار العمل الذي دعم ذات يوم عملية السلام بحاجة الى إعادة بناء من الصفر».

وتستعيد أولبرايت نجاحات حققتها بلادها لتقول إن البراعة الأميركية في التعامل مع أخطار القرن العشرين قامت على دعامتين: «القيادة الأميركية والمشاركة التامة لشركائنا... ولن نستعيد موقعنا في الشرق الأوسط والخليج إلا إذا وضعنا أولاً جدول أعمال يدعمه حلفاؤنا، ويمكن التوفيق بينه وبين احتياجات البلدان الأخرى الرئيسة (...) كما علينا استعادة ثقة أبناء المنطقة».


في ما يأتي حلقة ثالثة مختارة من المذكرة:
لننظر الآن في السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط. منذ ديبلوماسية هنري كيسنجر المكوكية النزيهة أوائل السبعينات، تعاملت أميركا مباشرة مع كلا الجانبين للتوصّل إلى سلام عربي - إسرائيلي، وساعدت في النهاية مصر والأردن في إيجاد تسوية مع الدولة اليهودية. وجمعنا بين إسرائيل والفلسطينيين في حوار حول احتياجات كل طرف، ودفعنا سورية باتجاه الاتفاق، لتتراجع بسبب التنازع على شريط من الأرض الساحلية لا يزيد اتساعه على نصف ميل. وعملنا كشركاء مع الحكومات العربية لاحتواء الأنظمة المعادية في ليبيا والعراق وإيران. وساعدنا إسرائيل في أن تصبح قوية بالمقدار الكافي لردع العدوان، فيما حضضنا قادتها على التفاوض استناداً إلى مبدأ الأرض مقابل السلام. وسعينا إلى إيجاد طرق لتحقيق الطموحات المشروعة للفلسطينيين، وأجهد بيل كلينتون نفسه وكل من حوله في محاولة لإيجاد صيغة للتسوية. لم ينجح، لكنّ الطرفين اقتربا في الاتفاق أكثر من ذي قبل. وما من شخص نزيه يستطيع القول أثناء رئاسة كلينتون، إنّ أميركا لم تكن تهتمّ بالشعب في جانبي النـزاع.


اعتقد جورج دبليو بوش أنّ لديه نهجاً أفضل. فازدرى القادة الفلسطينيين، ولم يكتفِ باحتواء صدام حسين فحسب، بل باشر - مقتنعاً بأنّ القوة الأميركية تستطيع إقامة الديموقراطية على الفور - تنفيذ خطة أحادية لتغيير الشرق الأوسط بأكمله. وبذلك العمل، أحال الهيكل الأمني غير المثالي إلى حطام.


في الشرق الأوسط، يشكّل تأثير كرة البلياردو في الشؤون الدولية خطراً كبيراً. فالكرات لا تصطدم الواحدة بالأخرى فحسب، بل عند ضربها بقوة كافية، تنفجر وتشعل الكرات الأخرى إذا التفّت في شكل خاطئ. ومن ثم تحوّل غزو العراق إلى حرب أهلية متعدّدة الأطراف، فاقمت التوتّر بين المسلمين السنّة والشيعة، وزادت نفوذ إيران، وأوصلت تركيا إلى شفا نـزاع مع الأكراد العراقيين، ومنحت «القاعدة» حياة جديدة. انقلب الرأي العام في أماكن كثيرة من العالم ضدّ الولايات المتحدة، في حين احتل القادة الذين يتحدّونها (وإسرائيل) في شكل مباشر قوائم الشعبية في أوساط المسلمين. وحاولت إدارة بوش متأخّرة أن تبطل الضرر بالهبوط بمظلة على النزاع العربي – الإسرائيلي، لتجد أنّ إطار العمل الذي دعم ذات يوم عملية السلام بحاجة إلى إعادة بناء من الصفر.

قامت البراعة الأميركية في التعامل مع أخطار القرن العشرين على دعامتين: القيادة الأميركية والمشاركة التامة لشركائنا في الحلف. ولن نستعيد موقعنا في الشرق الأوسط والخليج إلا إذا وضعنا أولاً جدول أعمال يدعمه حلفاؤنا ويمكن التوفيق بينه وبين احتياجات البلدان الأخرى الرئيسة. وحتى عندئذ سنكون في نقطة البداية، إذ علينا استعادة ثقة المنطقة. ولكسب تلك الثقة، علينا أن نحسن فهم ما يريده الشعب في الشرق الأوسط، ولماذا يفعل ما يفعله. لن نستطيع إقناع أحد إذا لم ننجح في فهم رأي هذا الشعب في نفسه وفينا(...).

صباح 18 تموز (يوليو) 1921، تجمّع ممثّلون عن اليهود والمسيحيين والمسلمين في فناء الحاخام الأكبر في بغداد، لتحية حاكمهم الجديد وسماع كلمته. كان هؤلاء أبرز الرجال في البلد، إذ كانوا قادة سياسيين ووزراء ورجال دين. جلسوا في صفوف وهم يعتمرون العمائم ويرتدون الملابس التقليدية، فيما راقب المشهد الأطفال والنساء من الشرفات المحيطة والنوافذ المفتوحة للغرف العالية. تركّز اهتمام الجميع على رجل متوسّط الطول ذي لحية مشذبة ووجه وقور. كان اسمه فيصل بن الحسين، وهو من سلالة النبي محمّد (صلّى الله عليه وسلّم)، والمؤتمن على أسرار لورنس العرب، وسرعان ما سيصبح ملكاً. قدّم الحاخام الأكبر، المضيف الكريم، إلى ضيفه كتاب توراة كبيراً، فقبّله فيصل. ثمّ قدّم إليه بعد ذلك نسخة جيّدة التجليد من التلمود، ونسخة مذهّبة من الوصايا العشر. عندما دعي الأمير العربي إلى الكلام، قال للمستمعين: «لا معنى لكلمات يهود ومسلمين ومسيحيين في مصطلحات الوطنية، هناك بلد يدعى العراق وكلنا عراقيون. إنّني أطلب من مواطنيّ أن يكونوا عراقيين فحسب، لأنّنا جميعاً أبناء سلالة واحدة، سلالة جدنا سام، كلنا ننتمي إلى العرق السامي، ولا فرق بين مسلم ومسيحي ويهودي».

لم ينصّب فيصل ملكاً بدعوة من الزعماء المحليين، بل بدعوة من البريطانيين الذين حرّرت قوّاتهم المنطقة من مضطهديها الأتراك. وكان البريطانيون يعوّلون على فيصل لبثّ روح الوحدة الوطنية بإقامة نسيج عراقي من الخيوط السنية والشيعية والكردية والمسيحية واليهودية. كان البريطانيون يخطّطون لـ «عصرنة» العرب والاستفادة من نفطهم، لكنّ العراقيين أصرّوا على السيناريو الخاصّ بهم، فتقاتلوا بين بعضهم بعضاً وتمرّدوا على إملاءات لندن. وخلال أربعة عشر شهراً، كتب المسؤول البريطاني عن العراق، ونستون تشرشل، إلى رئيس الوزراء ديفيد لويد جورج يشكو إليه بيأس: «إنّني قلق جداً في شأن العراق. أصبحت المهمّة التي عهدت بها إليّ مستحيلة حقاً... ليست هناك أي صحيفة - محافظة أو ليبرالية أو عمالية - ليست معادية لبقائنا في هذا البلد... إنّني أعتقد بأن عليّ أن أوضح الموقف بجلاء، لا لفيصل فحسب بل للجمعية التأسيسية... إذا لم يكونوا مستعدّين لحضنا على البقاء والتعاون بكل الطرق، فسأنسحب. وهذا هو الحل على أي حال... إنّنا ندفع حالياً ثمانية ملايين دولار في السنة من أجل امتياز العيش فوق بركان لا يقرّ بالجميل، ولا يمكن أن نحصل منه في أي ظرف على أي شيء يستحق أن نأخذه».

بعد أكثر من ثمانية عقود، ستكون فكرة الاجتماع في بيت الحاخام الأكبر مستغربة، ولا يعتقد بدرجة أقل بقليل أنّ القادة المسيحيين سيكونون مناسبين. لكن ما لم يتغيّر هو أنّ الغرب ما زال يعتقد بأنّ «هناك بلداً يدعى العراق وكلنا عراقيون»، فيما الموجودون في ذلك البلد ما زالوا يتبعون سيناريو آخر. وتتماثل أيضاً العلاقة الخرقاء بين قوة محتلة تعبت من مهمتها وحلفاء محليين سئموا من التهويل، لكنّهم يخشون أيضاً ما سيحدث إذا انسحبت القوات الأجنبية. وأصبح لك الآن، بركان ونستون تشرشل، الناكر للجميل.

قلت في كتابي «الجبروت والجبار»: «يمكن في النهاية أن يكون غزو العراق - وما تلاه - من أسوأ كوارث السياسة الخارجية في التاريخ الأميركي، على رغم أنّ علينا أن نأمل بحرارة، خلاف ذلك». ومنذ ذلك الحين، كرّرت تلك العبارة على المستمعين في كل أنحاء أميركا، وذهلت من الردّ: التصفيق. في البداية لم أتمكّن من فهم الأمر. لماذا يصفّقون؟ أملت بأن أكون مخطئة، ثم تبيّن لي أنّ الناس يصفّقون لأنّني قلت ما توصّلوا إليه قبل ذلك بوقت طويل: الحرب خطأ، وعلينا إيجاد أفضل طريقة للخروج.

لست ممن قدّموا الحجة لمصلحة الانسحاب المبكّر لكل القوات الأميركية من العراق. وأعتقد بأنّ الرئيس بوش كان مصيباً عندما زعم أنّ الانسحاب المتهوّر يمكن أن يؤدّي إلى كارثة، ومخطئاً في افتراض أنّ وجود قواتنا سيحول دون الكارثة. غالباً ما أُسأل أثناء المقابلات إذا كان بقاء أميركا في العراق إلى أن يعود إليه الاستقرار واجباً أخلاقياً تجاه شعب المنطقة. وكنت أردّ بأنّ ذلك صحيح، ولكن لدينا أيضاً واجب تجاه قواتنا. فيجب تقييد مهمّتنا العسكرية - بمقدار ما نحافظ عليها - بما نستطيع تحقيقه. الصدقية الأميركية مهمة، لكنّها لا تتعزّز باعتماد استراتيجية لا أمل لها في النجاح ثم الإصرار عليها.

ستجد كرئيس أن لا خيارات جيّدة في العراق، سواء غادرت قواتنا على الفور أم ببطء أم لم تغادر. والسبب أنّنا لا نمتلك النفوذ لتحديد النتيجة في العراق، واتضح ذلك منذ سنوات. مسؤوليتك هي الحدّ من الضرر.

ثمة ثلاثة كوابيس قد تلازم رئاستك. يمكن أن تصبح المنطقة التي يسيطر عليها السنّة في العراق، نظراً الى افتقارها للمؤسسات الحاكمة الشرعية، ملاذاً آمناً ومنطقة تدريب وتجنيد لـ «القاعدة». ثانياً، قد يظهر خنوع الحكومات العراقية المقبلة أمام إيران التي تزداد قوة، فتتقاسم معها المعلومات الاستخباراتية، وتتعاون في المسائل العسكرية، ما يهدّد إسرائيل. ثالثاً، قد يصبح العراق شديد التصدّع بسبب النزاع، بحيث يشعل حرباً تشمل المنطقة. إذا كنت أنت وفريقك محظوظَين قد تتمكّنان من تجنّب كلٍ من هذه الكوابيس، وإذا لم تكونا كذلك فقد تقع ثلاثتها.

الحظ مهمّ لأنّ مستقبل العراق لا تحدّده أفعالنا فقط. حتى عندما كان حجم قواتنا في ذروته لم نسيطر على البلد، لأنّنا لم نستطع تحقيق الأمن، ما يعني أنّ اللوم وقع علينا لما نتج من اضطراب الكهرباء، والنشاط الاقتصادي، وسلامة الناس. الميزة الوحيدة التي نمتلكها الآن هي أنّ لدى الآخرين كوابيس تشبه كوابيسنا. فما من حكومة في المنطقة تؤيّد «القاعدة»، وليس بينها - باستثناء إيران - من يريد أن تسيطر إيران على العراق، ولا أحد متلهّف للحرب.

علينا الاستفادة من هذه الأصول إلى أقصى حدّ، إذ ليست هناك نقطة توقّف طبيعية للعنف. ويمكن أن تتدخّل إيران وسورية والمملكة العربية السعودية والأردن ومصر وتركيا، إذا تعرّض العراقيون الذين يشاركونهم الدين أو العِرق لخطر الذبح. وتشعر الحكومات بالقلق أيضاً من أن تؤجّج أعمال القتل في العراق مشاعر السنّة في سورية، والشيعة في الكويت (...) والبحرين، والأكراد في تركيا وإيران وسورية. وفي أسوأ الحالات نسرّع دورة القتل والتخريب التي تؤدّي إلى إعادة رسم الحدود، ومزيد من الدمار الاقتصادي، وتدمير المزارات الدينية التي لا يمكن استبدالها، ما يولّد عطشاً للثأر لا يروى له غليل. أما بالنسبة إلى «القاعدة»، فمن يشكّك في أنّها ستستغلّ كل فرصة؟

أدّى العنف الطائفي إلى سقوط عدد هائل من المدنيين، وإلى واحدة من أكبر عمليات النزوح السكاني في تاريخ الشرق الأوسط الحديث. إذ هجر أكثر من مليوني عراقي منازلهم بحثاً عن أحياء أكثر أمناً، أو فرّوا عبر الحدود إلى سورية والأردن وإيران. وكلّف هذا الخروج العراق نواة من العاملين المهرة الذين يحتاج البلد إلى مواهبهم. كما أنّ نزوح السكّان يميل إلى إطالة القتال بدلاً من تبريد النزاع، إذ ينتظم النازحون لاسترجاع بيوتهم. وإذا لم تمارس رقابة شديدة على مناطق اللاجئين، فيمكن أن تتحوّل إلى قواعد للميليشيات ومعسكرات للتدريب، حيث تشجع المنافي المريرة الجيل المقبل على خوض معارك خسرها الجيل السابق. شهدنا ذلك لدى الفلسطينيين لستة عقود، ورأيته بنفسي في إفريقيا الوسطى، حيث أطلق اللاجئون من رواندا جولة إثر أخرى من سفك الدماء (...).

قد يكون السبيل الوحيد للحفاظ على العراق هو السماح بانقسامه، لا في شكل رسمي أو كامل، بل بمقدار كاف يتيح إنشاء حيّز للعيش للشيعة في الجنوب، وللأكراد في الشمال، وللسنّة في ما بين الشيعة والأكراد. يجب أن يحدث ذلك نتيجة لسياسة معلنة لأنّ العراقيين قطعوا شوطاً نحو التقسيم. ويجب أن يكون هدفك، بالتشارك مع من يرغب من القادة العراقيين، تثبيت استقرار العملية بحيث تتمّ سلماً ومن دون القضاء تماماً على مفهوم العراق الوطن. فما من سبب يدعو شخصاً ما على سبيل المثال يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعائلته ومعتقده أولاً ألاّ يحافظ على بعض الولاء للهوية الوطنية أيضاً. لبنان ليس نموذجاً جيداً لكثيرين، لكنّه يحافظ على بقائه كبلد على رغم التصدعات على الطريقة العراقية. ويجب أن تكون بغداد مكاناً يستطيع فيه السنّة والشيعة (وغيرهم) الاختلاط معاً. وذلك يعني وجوب وقف حملات التطهير العرقي التي تشنّ من شارع إلى آخر. وعلى الحكومة العراقية، سواء بقيادة جديدة أو لا، أن تتفق على ترتيبات تقاسم السلطة والنفط، والتي تكون مقبولة من الفئات الرئيسة، هامشياً على الأقل. على الأكراد الذين ليس لديهم منفذ على البحر أو كثيرون من الأصدقاء، التوصّل إلى أنّ الاستقلال الذاتي داخل عراقٍ قابل للحياة أفضل من الاستقلال داخل منطقة تسودها الحرب. ورأينا كيف أنّ فرض حلول سياسية أو عسكرية في العراق أمر يتجاوز قوّتنا، ولكن بالمساعدة الفاعلة من جيران العراق يمكن تصوّر التوصّل إلى توازن هشّ. لن تكون النتيجة بلداً سوياً بمقدار ما ستكون ثلاثة إقطاعات، لكل منها ميليشيا، ولكن كل منها يحترم أيضاً منطقة نفوذ الآخرين. وهذا العراق المفدرل أمر سيئ في أحسن الظروف، ولكن عندما يلحق الدمار الشديد ببلد ما، فإنّ الأسلاك والشرائط اللاصقة ستظهر.

عندما كنت وزيرة للخارجية، واجهنا نزاعاً عرقياً في البلقان. ومعروف تاريخياً أنّ لكل فئة في المنطقة حليفاً خارجها، تحصل منه على السلاح والدعم السياسي. رأينا أنّ الحلّ قد يكون في دفع كل البلدان التي لديها مصلحة في البلقان إلى العمل معاً، لذا أنشأنا أداة ديبلوماسية سميناها مجموعة الاتصال، تضمّ ممثّلين من ستة بلدان، وحرصنا على تنسيق سياساتنا. نجح هذا الأسلوب وقلت (أنا وآخرون) قبل حرب الخليج الثانية وبعدها إنّه يجب تجربة شيء مماثل هناك. لكنه لم يجرّب وكان الفشل ذريعاً. ربما بدأت أميركا النزاع، لكن لجيران العراق ولحلفائنا مصلحة كبرى في إنهائه. وكان في إمكان الإدارة اجتذاب المساعدة بالاعتراف بأخطائها وعرض مشاركتها المسؤولية في اتخاذ القرار. بدلاً من ذلك، أصرّ المسؤولون الأميركيون على أنّ الائتلاف يستطيع تحقيق الغلبة بمفرده. وفي أيار (مايو) 2003، رفضوا عرضاً من إيران بإجراء مفاوضات شاملة، استناداً إلى فكرة عراق ديموقراطي وغير ثيوقراطي. لم توافق الولايات المتحدة إلاّ في 2007 على اعتماد الديبلوماسية الإقليمية، وفي ذلك الوقت أصبحت عملية حرية العراق ترتبط بإنقاذ ما يمكن إنقاذه أكثر من ارتباطها بالحرية (...).

يجب أن تكون ديبلوماسيتك واقعية جداً. فليست لديك القدرة على فرض إرادتك. وكممثّل لأميركا، ستُحَمَّل المسؤولية عن الخراب الذي أحدثه غزونا وعن أي فوضى نخلّفها وراءنا عندما نرحل. ومن غير الواضح أيضاً إذا كان من ستحتاج إلى مساعدتهم متوفّرين. عليك أن تبدأ بتذكير حلفائنا بأهمية مساعدتهم، لا للعراق ولنا فحسب، بل لمصلحتهم أيضاً. فلا ضرورة لأن يكون المرء تحت القنبلة أو فوقها ليشعر بتأثيرها.

يتوقّف الكثير على استعداد جيران العراق للتعاون في الحدّ من الأسلحة وتهدئة التوتّرات الداخلية، ومنع مثيري الاضطراب من دخول البلد. ويتوقّف مثل هذا التعاون على الثقة، وهي الآن أكثر ندرة من ثلج الصحراء. إذا أرادت إدارتك إنشاء هيكل أمني مستقرّ في المنطقة، فسيكون عليك بناء الجسور مع كثيرين ممن في داخل العراق وخارجه ممن عرّفناهم سابقاً بأنّهم أعداء أو أشرار: إيران وسورية والميليشيات الشيعية والمشايخ السنّة والأعضاء السابقون في حزب صدام حسين، ويا لها من لائحة. غير أنّ المرونة لا تقع على عاتقك فقط، لأنّ كلاً من هذه الكيانات وصفنا أيضاً - وبعضها بعضاً في الغالب - بأنّنا أشرار. المشاعر السيئة موجودة لدى الجميع. وعلى الديبلوماسية ألاّ تقوم في هذه الحالة على تقديم خدمات إلى بعضنا بعضاً، بل على الاتفاق على أنّ اشتعال العراق لا يخدم مصلحة أحد باستثناء عدوّ الجميع، أي «القاعدة». وكما بيّنت المبادرات السابقة، من الصعب مدّ اليد للقادة السنّة والشيعة في آن، من دون أن نتعرّض للاستغلال. وفي هذا التاريخ المتأخّر، هناك حاجة إلى لمسة سيميائي لإنشاء إطار عمل متعدّد الجنسية ومتعدّد الأديان لدعم الاستقرار في عراق فيديرالي. غير أنّه الهدف الصحيح الذي تنشده وأفضل فرصة تمتلكها.

تنتهي الحروب الأهلية عادة بطريقة من ثلاث: أن يهزم طرف الطرف الآخر، أو أن تتدخّل قوة خارجية لفرض السلام، أو أن ينهِك الطرفان نفسيهما بالعنف. النتيجة الأولى غير محتملة في العراق، والثانية لم تنجح، والثالثة قد تستغرق عقداً أو أكثر.

دفع الأميركيون ثمناً باهظاً للأخطاء في العراق، لكننا لم ندفع بالتساوي. من المرهق القتال في عمل عسكري جيّد التخطيط وناجح، ومن المؤلم جداً أن تشاهد أحد رفاقك يسقط في حرب أفسدها القادة السياسيون. خلّفت لنا طبيعة هذا النـزاع الاستثنائي آلاف القبور التي حفِرت حديثاً، وبضعة آلاف من الرجال والنساء المشوّهين بدنياً وعقلياً. شعر سلفك بالألم الشديد وصلّى مع الضحايا وأحبّائهم، لكنّه كان مقيّداً بمنطقه الخاطئ، فلم يصف الغزو كما ينبغي: هجوم على الإرهاب أدى إلى تقويته، وعرض للقوة الأميركية كشف حدودها، وحملة شنّت باسم الديموقراطية فأضعفت اسم الديموقراطية، وضربة ضدّ التطرّف خدمت جدول أعمال الراديكاليين في إيران، والأهم من ذلك أنّه مأساة إنسانية رهيبة(...).

خلال الحملة الانتخابية، اتفقت في الرأي مع المرشّحين الآخرين على أنّ إيران تشكّل أكبر تهديد جدي للمصالح الأميركية، إذا وضعنا «القاعدة» جانباً. ويستند هذا التقويم إلى حدّ كبير، إلى الخوف من أن تتحدّى إيران الضغط الدولي، وتنتهك التزاماتها أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتصنع أسلحة نووية. وربما تنخرط إيران المسلّحة بأسلحة نووية في الابتزاز الديبلوماسي، أو تنقل التكنولوجيا إلى مجموعة إرهابية، أو تطلق شرارة سباق تسلّح إقليمي، أو تحاول تدمير إسرائيل.

عندما سُئِلتم ما الذي تنوون عمله حيال ذلك، اتخذت أنت وخصومك مواقف متماثلة: كنتم واضحين في شأن الأسلوب، وغامضين نوعاً ما في شأن كيفية تحقيق ذلك. وأملتم جميعاً بأن يدفع ائتلاف من الديبلوماسية والعقوبات إيران إلى التراجع، لكنّكم قلتم إنّ إيران النووية غير مقبولة، وإنّ كل الخيارات مفتوحة، وذلك رمز شفّاف للتهديد بالقوة.

تساءل العالم منذ غزو العراق إذا كان السيّد بوش سيحاول فرض تغيير النظام في إيران، أو سيطلق على الأرجح صواريخ لتدمير المنشآت النووية الإيرانية الناشئة. وذكّرني هذا الاحتمال لماذا يجب أن تسمّى واشنطن عاصمة الإشاعات في العالم. في السنة الماضية، أُخْبِرت سراً من أناس زعموا أنّهم أقسموا على الحفاظ على السرية، بأنّ القرار بمهاجمة إيران اتخذ بالفعل. وأبلغت همساً بأنّ الرئيس لن يغادر منصبه من دون أن «يسوّي» برنامج إيران النووي (...).

تتحدّد السياسة الخارجية الإيرانية تحت حكم آيات الله بمعاداتها لأميركا من دون هوادة. فبما أنّنا نصّبنا الشاه ودعمناه، ونظراً الى سياستنا الشرق الأوسطية، فإنّ إيران تعتبرنا ورثة كل الخطايا التي ارتكبها البريطانيون، ومتواطئين فيها، ومسهّلين لكل الخطايا التي ترتكبها إسرائيل. وزاد الطين بلّة أنّ إدارة ريغان وقفت في الثمانينات إلى جانب العراق في حربه العدوانية على إيران، والتي كلّفت أكثر من مليون قتيل. وفي 1989، أسقطت بحريتنا، أثناء عملها في حراسة الخليج، طائرة مدنية إيرانية من طريق الخطأ، وقتل كل من كان على متنها.

عندما تحدّى الرئيس محمود أحمدي نجاد الرئيس بوش أن يشاركه في مناظرة، كما يفعل بين الحين والآخر، كانت القضايا التي يريد التحدّث عنها: الشاه، وحرب الثمانينات، وإسقاط الطائرة، والمعاملة الإسرائيلية للفلسطينيين. وفي القضايا النووية، يرى أنّ لبلده الحقّ في إعادة معالجة الوقود النووي للأغراض المدنية، وأن يخضع لتفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وعندما نعترض قائلين إنّ إيران غشّت في الماضي، ولا يمكن الوثوق بها، يردّ بأنّنا منافقون، بالنظر إلى ترسانتنا النووية وقرار إسرائيل تطوير أسلحة نووية خارج آلية عمل الوكالة. أما بالنسبة إلى من يمثّل الشرّ، فإنّ أحمدي نجاد يشير إلى أنّ إيران الحديثة لم تحتلّ أرض أحد، خلافاً لأميركا وإسرائيل(...).

منذ ثورة 1979 وما تلاها من أزمة الرهائن، بحث الأميركيون من دون نجاح يذكر عن قادة إيرانيين يمكننا أن نمارس معهم الديبلوماسية المثمرة. وأملت عندما كنت وزيرة للخارجية بأن تكون اللحظة حانت. ففي 1997 انتخب الإيرانيون رئيساً إصلاحياً، محمد خاتمي، أذهل العالم (وفاجأنا) بالدعوة إلى الحوار والتعبير عن احترام التقاليد والمثُل الأميركية. شهدنا سابقاً معتدلين زائفين يومئون إلى بلدنا، لكن خاتمي الدمث بدا صادقاً. وشعرنا بأنّه فتح الباب لتحسين الروابط وأنّه ينتظر ردّنا (...).

وأدليت مرتين، تفصل بينهما سنتان، بخطابين رئيسين عن إيران. وتضمّن كل منهما عرضاً لطهران بالجلوس لبحث كل القضايا، من دون شروط. وأرسلنا سراً رسائل مماثلة عبر سفارة بلد ثالث، وخاب أملي لعدم قبول دعواتنا. إذا كان خاتمي صادقاً، فإنّه لا يمتلك النفوذ لانتشال إيران من حفرة معاداة أميركا. ولا يزال الردّ الإيراني علينا: «الحكومة الأميركية لم تصل بعد إلى الجاهزية اللازمة لإجراء حوار رسمي».

كانت تلك فرصة ضائعة. وبعد أن غادرت منصبي، أخبرني وسطاء أنّ بعض المسؤولين الإيرانيين على الأقل شعروا بالندم لأنّهم لم يوافقوا على عرضنا. والدرس الذي تستقيه هو أنّ إيران تتحدّث بأكثر من صوت واحد. فكما لم تكن لإعلانات خاتمي سوى أهمية ديبلوماسية ضئيلة، من المحتمل أن نجاد لا يتحدّث إلاّ باسمه. وهو لا يتحدّث عن كل إيران بالتأكيد، ولا يعكس حنكة الشعب الإيراني وذكاءه.

بصرف النظر عما قلته في حملتك الانتخابية، عليك أن تعزف عن العمل العسكري. فهناك كثيرون غاضبون منا أو لا يثقون بنا بحيث تكون الآثار السلبية للضربة الأميركية كبيرة، إذا لم تكن دفاعاً عن النفس(...).

ربما يكون استخدام القوّة ضرورياً في النهاية، مع ذلك، عليك تحديث خطط الطوارئ باستمرار، وأن تكون مستعداً لاحتمال وقوع حوادث عرَضية في الخليج. فالمسطّح المائي صغير، والسفن الحربية كبيرة، والتوتّرات عالية، والأخطاء تقع. وإذا ارتكب الأميركيون خطأ، فلن تستطيع أبداً إقناع إيران، وستجد صعوبة في إقناع أحد، بأنّنا لم نكن ننوي إثارة القتال. وإذا كانت إيران مخطئة، فستواجه ضغوطاً داخلية هائلة للردّ بقسوة، خصوصاً إذا أزهقت أرواح أميركيين (...).

ستشغل إيران حيزاً كبيراً من اهتمامك بطريقة أو بأخرى. وأتوقع ألاّ تسعى إيران إلى مواجهة خلال عهدك، إذا تحلّيت بالصبر والمرونة الكافية. وعلى رغم أنّ إيران أقوى الآن مما كانت عليه سابقاً، فإنّها تفتقر الى الموارد كي تكون أكثر من قوة إقليمية. ربما يؤمّن النفط معظم الدخل الإيراني، لكنّه مورد متراجع، لأنّ الطلبات المحلية المتزايدة تقلّل الإمدادات. فإيران بحاجة الآن إلى استيراد 40 في المئة من البنزين، نظراً الى القدرة المحدودة على التكرير، وبدأ في عهد نجاد تقنين توزيع الوقود. كما أنّ حاجة البلد إلى المساعدة التقنية تجعلها معتمدة على النية الحسنة للآخرين.
هناك أيضاً حدود اجتماعية وديبلوماسية وعسكرية للقوة الإيرانية. ولا بدّ من حدوث ظروف استثنائية جداً كي يتمكن بلد فارسي من السيطرة على منطقة تتكوّن من دولة يهودية وأخرى تركية وبقية الدول عربية. بل إنّ على حلفاء إيران في العراق ولبنان توخّي الحذر لئلا يبدوا دمى لطهران(...).
أن الكثير يتوقف على ما إذا كانت القيادة الجماعية الإيرانية تريد حماية المكاسب التي حقّقتها أو هي مصمّمة على اتباع استراتيجية أكثر عدوانية، انطلاقاً من طموحاتها أو استيائها أو أيديولوجيتها أو خوفها. يمكن أن تبدّد إدارتك المخاوف بطمأنة الحكومة الى أنّ نياتنا سلمية، ونقبل وجود مصالح مشروعة لإيران تريد حمايتها، وأن ليست لدينا أي خطط لاستخدام القوة في محاولة لتغيير حكومتها. وعلينا أيضاً أن نكون مستعدين للتحدث مع القادة الإيرانيين في كل المواضيع، من شكاواهم منّا إلى خوفنا من ارتباطاتهم بالعنف في الشرق الأوسط، ونشاطات «الحرس الثوري» الإيراني والقضية النووية. ويجب أن تكون اتصالاتنا متكرّرة وروتينية وسرية (...).
.

أولبرايت تكتب «مذكرة الى الرئيس المنتخب» لاستعادة رأس المال السياسي الأميركي المُبدد (1 من 5) ... الخطأ المأسوي في العراق... وأميركا تواجه 4 أخطار أولها الارهاب وازدياد عداء العرب والمسلمين
 
التعديل الأخير:
حلقات = أولبرايت تكتب مذكرة الى الرئيس المنتخب لاستعادة رأس المال السياسي الأميركي المُبدد 12-4-2008
Date: Sat, 12 Apr 2008 22:59:08 +0200


دولة فلسطين

State Of Palestine

منظمة التحرير الفلسطينية


Palestine Liberation Organization


وزارة الخارجية


Ministry Of Foreign Affairs

الدائرة السياسية

Political Department

أولبرايت تكتب «مذكرة الى الرئيس المنتخب» لاستعادة رأس المال السياسي الأميركي المُبدد (4 من 5)


عدم كشف جريمة اغتيال الحريري يعيق السلام السوري - الإسرائيلي ... لا قدرة لحكومة لبنان على نزع سلاح «حزب الله»... والقتال على الحدود احتمال كبير


لا يمكن اتهام الرئيس بوش بالافتقار إلى رؤية شاملة للشرق الأوسط. لكنّ عيبها أنّها تعتمد على أن يصبح العراق نموذجاً للديموقراطية، بالتالي حرمان الإرهابيين من الدعم، وتمكين المعتدلين العرب. وفي هذا السيناريو، الهدوء في القدس يلي في شكل طبيعي تحرير بغداد.

كان بوش عازماً على عدم تكرار الأخطاء التي اتهم بيل كلينتون بارتكابها: الإفراط في تقدير ياسر عرفات، والضغط على إسرائيل لاتخاذ مواقف مقايضة يقبلها الفلسطينيون. ففي النهاية فشلت استراتيجية فريق كلينتون، كما يقول المنتقدون، ولم تبلغ ذروتها في السلام بل في الإحباط وخيبة الأمل. واضح أنّ عرفات كان يقوم بدور مزدوج، فيثرثر عن أغصان الزيتون فيما يحضّر طوال الوقت لاستغلال نفوذه في الشارع.

تدخّل كلينتون وبذل أفضل ما بوسعه ولم ينجح. كانت خطة بوش التراجع والسماح لإسرائيل بأن تفعل ما عليها لحماية نفسها. المأزق في الشرق الأوسط هو أنّ اتباع نهج مناقض للذي اتبعه كلينتون مصيره الفشل التام. إذ فسّر العرب موقف بوش بأنّه غير مبالٍ، وأنّ دعمه غير المشروط لأرييل شارون موقف عدائي. وبدلاً من أن يؤدّي ذلك إلى إكراه الفلسطينيين على الاعتدال، تحوّلواً أكثر نحو التطرّف، وتراجع النفوذ الأميركي. وتصعب رؤية فائدة ذلك بالنسبة إلينا أو الى إسرائيل.

في منتصف الفترة (الرئاسية) الثانية، بدّل فريق بوش اتجاهه محاولاً تصحيح الضرر الذي أحدثه. وأمضت وزيرة الخارجية رايس مزيداً من الوقت في الشرق الأوسط في محاولة فرض النظام على الأحداث. لكن المشكلة أنّه كلما انهارت عملية السلام، ازدادت صعوبة البدء مجدداً. فالديبلوماسية ليست مفتاح نور يمكن إضاءته وإطفاؤه، بل تتطلّب تياراً منتظماً من الاتصالات والمحادثات والاستقصاءات والتجارب. وإذا قطِع لا بدّ من حدث مثير يعيد إطلاق الزخم باتجاه السلام، وبخلاف ذلك فإنّ كل طرف سيعدّ للمستقبل من دون سلام. ويعني ذلك بالنسبة إلى الإسرائيليين استخدام القوة لمنع الهجمات وردعها والردّ عليها. أما بالنسبة إلى الفلسطينيين، فإنّه يعني القتال في ما بينهم على قيادة الكفاح، ثم توجيهه ضدّ إسرائيل. ويعني بالنسبة إلى القادة العرب زيادة المشاعر المعادية لإسرائيل وأميركا لدى مواطنيهم؛ ما يطيح الآمال بالاستقرار.

بداية الحكمة في الشرق الأوسط أن تفهم أنّ كيفية الفشل مهمّة إذا لم تحقّق النجاح. فثمة اختلاف صارخ بين شرق أوسط يقرّ فيه باحتمال التوصّل إلى سلام، وشرق أوسط تتلاشى فيه الآمال. في الحالة الأولى ينظر إلى الذين يسعون إلى التسوية باهتمام على الأقل؛ أما في الثانية، فإنّ المحاربين فقط هم الذين يقودون الساحة.

أنت لا تملك سلطة اتخاذ القرار عن القادة العرب والإسرائيليين بطبيعة الحال. وثمة احتمالات كبيرة بأن يستمرّ بعض أشكال العنف، بصرف النظر عن المهارة التي تظهرها. لكن أمامك فرصة استعادة سمعة أميركا كوسيط نزيه، وبلد يهتمّ بحياة جميع مَن في المنطقة ورفاههم. وذلك موقف أفضل من موقفنا اليوم.

في أثناء حملتك الانتخابية، أوضحت صراحة التزامك حقّ إسرائيل في الوجود ضمن حدود آمنة، وحقها في الدفاع عن نفسها ضدّ كل التهديدات. وامتدحت إسرائيل باعتبارها الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وأشرت إليها بأنّها حليف استراتيجي في محاربة الإرهاب. وقلت إنّ إسرائيل وأميركا تتشاركان القيم ذاتها، وذكرت زياراتك للأماكن المقدّسة في القدس وحولها، وتعهّدت أن تقف أميركا إلى جانب إسرائيل ما دامت الشمس تشرق.
كل ذلك جيد، إذ قلت الشيء ذاته تقريباً وعنيته. ولكن اعلم أنّ كل كلمة مما قلت سُمِعت في الشرق الأوسط بوضوح كما في أميركا. وصرف المعلّقون العرب النظر عنك بأنّك سجين آخر لما يسمّونه «اللوبي الإسرائيلي». كما أنّ وعودك لم تضمن لك ثقة إسرائيل أو أكثر مؤيّديها صراحة. وستراقَب عن كثب، لمعرفة هل تتحدّث كرئيس في شكل مختلف عما تتحدّث به كمرشّح.

لضمان التواصل الجيد عليك الحفاظ على الحوار مع قادة الطائفة اليهودية الأميركية. لا يمكنك أن تجتمع مع كل منهم على حدة، لذا احرص على الدعوة في شكل منتظم إلى مؤتمر كل شهرين؛ أو بوتيرة أسرع إذا اقتضت الأحداث. فكِّر في ذلك كضمان سياسي. ستتقلّص حاجة الذين انتقدوك مباشرة إلى انتقادك في صورة غير مباشرة، وقد يجد من يرفعون الهاتف عازمين على إلقاء المحاضرات عليك، أنفسهم غاضبين من تعليقات زملائهم القادة، وبأنّ يوبّخ كل منهم الآخر بدلاً من ذلك.

يجب بالطبع أن تصحب كل دعوة لقادة اليهود، دعوة لممثّلي العرب الأميركيين (...) يجدر بك الحرص على هذه الاتصالات لأنّها ستظهر للجميع أنّك تتفهّم عمق مشاعرهم.

إنّ متابعة السلام تتطلّب شريكاً وخطة. والأول أكثر أهمية من الثانية، لأنّ الخطة لن تكون أكثر من قطعة ورق من دون شريك. لم يكن عرفات محاوراً مثالياً، ولكن كان بوسعه تمثيل الشعب الفلسطيني على الأقل. كان يعرف كيف يلجم الفئوية ويقلّل العنف بين الفلسطينيين. وهو رفع شأن قضيّته الوطنية لتشغل البند الأول في جدول الأعمال العربي من دون الاعتماد على الحماسة الدينية. وكان بوسعه صنع السلام لو تجرّأ على ذلك، لكنّه آثر ألاّ يجرؤ.

اليوم لا توجد شخصية مماثلة للتفاوض معها. الرئيس الفلسطيني محمود عباس من دعاة التسوية الشجعان، لكنّه يفتقر إلى سحر عرفات السياسي. للتفاوض عن شعب ما، يجب أن يمتلك القائد الشرعية والقدرة على احترام الالتزامات. وعلى رغم أنّ عباس منتخب كما ينبغي، فإنّه لا يستطيع التحدّث باسم «حماس»، ولم يظهر أيضاً القدرة على السيطرة على الفئات المتشدّدة داخل حزبه. أصبحت الحركة الفلسطينية تشبه نظاماً شمسياً فقد نجمه؛ ليست هناك جاذبية، بل اصطدامات فحسب؛ الاصطدام بين الديني (حماس) والعلماني («فتح» عباس). وللمنفيين الفلسطينيين جداول أعمال مختلفة عن جداول أعمال الشعب المقيم داخل أراضي السلطة الفلسطينية، في حين أنّ غزة والضفة الغربية تشبهان بلدين صغيرين منفصلين، وكلاهما يفتقر إلى الأداء الجيد.

في غضون ذلك، انهار جهاز عرفات الأمني المعقّد، المصمّم للحؤول دون أن يراكم أحد المرؤوسين قوة كبيرة، إذ تتقاتل الفئات المختلفة، وتجوب العصابات المسلّحة الأحياء. وسط هذا الالتباس، تطوّرت ثقافة فرعية تمجّد التفجيرات الانتحارية. ويختار الشبان صوراً فوتوغرافية لهم يأملون بأن تعلّق ذات يوم على الجدران عندما يستشهدون. ويتحدّث بعض الآباء صراحة، وأحياناً بحماسة، عن التضحية بأبنائهم، أقل مما يتحدّثون عن التضحية بأنفسهم. وذلك مشهد كئيب ومحزن.

أما الإسرائيليون فإنّهم تخلّوا تقريباً عن المفاوضات الجدية لأنّهم لا يؤمنون بأنّ الفلسطينيين الذين يريدون السلام حقاً قادرون على التغلّب على الذين لا يوافقون على شروطها، أو يريدون التغلّب عليهم. تحوّلت إسرائيل، تحت قيادة شارون، إلى التدابير الأحادية؛ أي الانسحاب من غزة، وبناء الجدار الأمني، واستهداف المسؤولين عن الهجمات. ويفتقر خلفاء شارون، المثقلون بالضعف السياسي، إلى الاتجاه الواضح. لا يزال معظم الإسرائيليين راغباً في السلام، ولا يرى بديلاً منه قابلاً للحياة، وسيدعم التدابير التي تشجّعه؛ لكنّه فقد الإحساس بالجرأة في ما يتعلّق بكيفية تحقيقه (...).

أدّت الحرب بين إسرائيل ولبنان في صيف 2006 إلى سقوط أكثر من ألف ومئتي قتيل، وتسبّبت في أضرار تزيد على بليومي دولار، وعمّقت الغضب العربي من إسرائيل، وأحيت أيضاً ذكريات الغزو السابق.

في 1982، هاجمت إسرائيل لبنان لطرد منظمة التحرير الفلسطينية وإقامة حكومة في بيروت توقّع معها معاهدة سلام، وتصبح - وفقاً لتعبير شارون - «جزءاً من العالم الحرّ». ولهذه الغاية تحالفت اسرائيل مع ميليشيا مسيحية نظمها مؤسسها على غرار شبيبة هتلر النازية. كان الغزو وحشياً، فقتل آلاف من المدنيين اللبنانيين وجرح عشرات الآلاف أو أجبروا على النـزوح. وبعد فترة من القتال الشديد، نجحت إسرائيل في إخراج قيادة منظمة التحرير لكنّها فشلت في تحويل السياسة اللبنانية التي أصبحت أشدّ تعقيداً ما دفع إلى نشر قوات متعدّدة الجنسية تضمّ قوات أميركية. وفي إحدى المراحل، فوّض الرئيس ريغان السفن الحربية الأميركية قصف مواقع المسلمين دعماً للجيش الوطني اللبناني العاجز. وأظهرت وسائل الإعلام في العالم العربي قذائف كتب عليها «صنع في أميركا» تقتل المسلمين، لمصلحة الحكومة المسيحية المتحالفة مع إسرائيل الغازية. وفي مراحل لاحقة، تولّى الجنود الإسرائيليون الحراسة فيما تسلّلت ميليشيا مسيحية إلى مخيّمين للاجئين في بيروت وارتكبت مجزرة في حقّ المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين.

وكإثبات آخر على أنّ النوايا نادراً ما تتوافق مع النتائج في الشرق الأوسط، استحدث الإسرائيليون عدوّاً جديداً دونما حاجة، على حدودهم الشمالية. لم يكن اللبنانيون الشيعة، الذين لم يكونوا على وفاق مع منظمة التحرير عموماً، الهدف المقصود للغزو الإسرائيلي. مع ذلك، أصبحوا ضحية العنف لأنّهم يعيشون في مسار الغزو ويفتقرون إلى الموارد اللازمة للفرار. وتفجّر الغضب الشيعي في حركة سياسية فتية، «حزب الله»، أنشأت ميليشيا لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي اللاحق. كان «حزب الله» مخلصاً ومنضبطاً، وذا روابط وثيقة بأتباع طائفته في إيران، فنظّم صفوفه لتقديم الخدمات الاجتماعية ومنح صوتاً للشيعة الذين كانوا عالقين منذ مدة طويلة في أسفل درجات السياسة والمجتمع اللبناني. وعندما انسحبت طوعاً القوات الإسرائيلية عام 2000، ادّعى الحزب الفضل في إجبارها على الخروج.

لبنان أرض للناجين الذين لم يكن بقاؤهم مضموناً البتة. إنّه صغير، بحجم كونتيكت تقريباً، ذو شعب منقسم وفقاً للدين والعائلة والإيديولوجيا السياسية والمكانة الاقتصادية. المسيحيون منقسمون في ثلاثة اتجاهات على الأقل، فيما يضمّ المسلمون السنّة والشيعة والدروز، والأخيرون طائفة عمرها ألف سنة تؤمن بالتقمّص الفوري وتبجّل النبي شعيب.

شاهدت كوزيرة للخارجية ميراث الحرب الأهلية اللبنانية التي عصفت بالبلد في السبعينات والثمانينات؛ بل إنّ أجزاء من بيروت كانت لا تزال مخرّبة عندما زرتها في 1997. سار موكبنا الصغير عبر شوارع المدينة - كان حرّاسنا متوتّرين وأصابعهم على الزناد - إلى السفارة الأميركية القائمة على ربوة محاطة بنقاط تفتيش وعرض رهيب للأسلحة الثقيلة. انتهت الحرب الأهلية لأنّ القوات السورية تدخّلت لإنهائها؛ ثم تجاهلت الخروج. كان الرئيس السوري حافظ الأسد يزعم أنّ لبنان تابع لبلده، وخضع السياسيون اللبنانيون طوال التسعينات إلى ضغوط شديدة لتنفيذ ما يطلبه. وكان تدخّله الدائم يعني أنّه عندما توجّهت إلى موعدي المقرّر مع رئيس الوزراء اللبناني، رفيق الحريري، شعرت وكأنني فتاة ذاهبة إلى موعد مع صبي يرفضه والديّ. وكان علي أنا والحريري أن نخرج إلى الشرفة، بعيداً عن مدى أجهزة التنصّت السورية؛ حسبما أملنا. أبلغت رئيس الوزراء أنّنا ندعم السيادة اللبنانية، وسُرَّ بالموافقة على طلبه - بعد فترة وجيزة - رفع حظر سفر الأميركيين إلى بلده.

كان الحريري المجتهد رجل أعمال ثرياً أصبح يعرف باسم «السيد لبنان» لأنّه لم يسمح لأحد بالتآمّر عليه. وفي شباط (فبراير) 2005 أصبح يعرف بالشهيد، بعد أن قُتل بسيارة متفجّرة قد يكون عملاء سورية زرعوها وقد لا يكونون. كانت الخلافات الفئوية داخل لبنان مكبوتة ما دامت سورية تسيطر عليه. وأجبر الاضطراب الذي نتج عن مقتل الحريري، دمشق على سحب قواتها؛ وتلك أخبار طيّبة، لكنّها أثارت أسئلة جديدة أيضاً، لأنّ لبنان لم يجد بعد وصفة للوصول إلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي.

اليوم يشهد البلد مجدداً انقساماً خطيراً. يوجد «حزب الله» وحلفاؤه في جانب، وفي الجانب الآخر ائتلاف يضمّ السنّة والدروز ومعظم المسيحيين. يميل الدخلاء إلى افتراض أنّ لبنان منحاز بطرق تتوافق مع إحساسهم بالخطأ والصواب. ربما تسهل الأمور عليك كرئيس، لو كان أحد الجانبين في لبنان يمتلك كل الفضائل. لكن العديدين ممن نربطهم بالاعتدال السياسي لديهم سمعة تتسم بالفساد. أما «حزب الله» الذي نربطه محقين بالإرهاب، فإنّ سمعته نزيهة نسبياً. ويوجد الانقسام نفسه بين الفلسطينيين، حيث خاضت «حماس» (إرهابية أيضاً) حملتها الانتخابية بناء على برنامج للإصلاح السياسي، في حين بدّدت «فتح» الكثير من الفرص التي منحت لها. طالما قدّم الأميركيون التزاماً لفظياً بالحكم الصالح في الشرق الأوسط، في حين قدّموا المال، لأسباب سياسية، إلى الذين لا يمارسونه. إذا أردنا ألاّ نُعتبر منافقين، علينا العمل بجدية لتحديد المعتدلين (وهناك بعضهم) الذين يهتمّون بمساعدة مواطنيهم أكثر مما يهتمّون بإغناء أنفسهم. وعلينا أيضاً، لدى البحث في المجموعات السياسية العربية، التوقف عن المساواة بين «العلماني» و»المعتدل». فتلك صورة نمطية، وغالباً لا تكون دقيقة على غرار معظم الصور النمطية. فلا يهم، بالنسبة إلى صانع السياسة، لماذا يؤمن شخص ما بشيء ما بمقدار أهمية ما يؤمن به. ويمكن التعبير عن الحجّة المؤيّدة للتسوية العربية الإسرائيلية بعبارات دينية لا تقل قوة عن العبارات السياسية، والمرجّح أن يبرز خطاب الحرب على لسان الوطني بمقدار ما يبرز ممن لا يدين بالولاء إلا لله.

انتهت حرب 2006 بنشر قوة موسّعة من الأمم المتحدة لحفظ السلام على طول الحدود بين إسرائيل ولبنان. ودعا مجلس الأمن الحكومة اللبنانية إلى نزع سلاح ميليشيا «حزب الله»، لكنّها تفتقر القدرة على القيام بذلك. ربما تكون الحدود هادئة الآن بسبب وجود قوات الأمم المتحدة، ولكن في غياب أي تغيير سياسي، فإنّ ثمة احتمالاً كبيراً لجولات جديدة أوسع من القتال. وكما الحال دائماً في الشرق الأوسط، يمكن تعريف السلام بأنّه فترة من الهدوء بين حربين.

«شرعية الدولة اليهودية»


الدولة اليهودية قائمة منذ فترة وجيزة في تاريخ المنطقة؛ مجرّد ستين سنة. وتستند شرعيتها الى ثلاث دعائم: الأولى دينية (حقّ اليهود في دولة في وطنهم التاريخي)، والثانية أخلاقية (المحرقة)، والثالثة قانونية (اعتراف الأمم المتحدة). على رغم أن إسرائيل الآن أقوى من جيرانها بكثير، تحذّر التجربة من أنّ مثل هذه المعادلات يتطوّر. من الاحتمالات المثيرة للقلق أنّ الدول العربية ستستخدم شبح إيران القوية للحصول على مزيد من الأسلحة المتقدّمة. وإذا كانت الولايات المتحدة تتوخّى الحذر في ما تبيعه، فإنّ الآخرين (بمن فيهم روسيا والصين وحتى فرنسا) قد يكونون أقل تمييزاً. كما أنّ عدد الفلسطينيين بين نهر الأردن والبحر المتوسّط يرتفع بسرعة أكبر بكثير من ازدياد أعداد اليهود. وإذا لم تثبّت الحدود الدائمة، قد تجد إسرائيل نفسها مكتسحة.

إذا استنتج الإسرائيليون من خيباتهم السابقة أنّ حلم السلام مات بالفعل، قد يحاولون أن يفرضوا شروطهم للتعايش بقوة أشدّ. وأسرّ لي بنيامين نتانياهو، في أحد اجتماعاتنا المبكّرة، عندما كان كل منا في منصبه، بأنّ «الإسرائيليين يعرفون أنّ غياب السلام قد يدفعهم إلى القتال. لكنّهم يعتقدون بأنّهم سيقاتلون على أي حال، ويفضّلون قتال سلطة فلسطينية ضعيفة على قتال دولة فلسطينية أقوى، تحظى باعتراف دولي». مع أنّ آراء نتانياهو ربما اعتراها بعض الاعتدال بعد ذلك، فإنّ لديه أفكاراً غير واقعية في شأن الترتيبات التي قد يقبل بها الفلسطينيون. كان يرى عملية السلام بمثابة شِرك، لأنّها تؤدّي إلى تنازلات في الأرض والأمن تضعِف الميزة العسكرية الإسرائيلية.

هذا النمط من التفكير خطير على إسرائيل، لأنّه يقود إلى استنتاج أنّ الأمن لا يأتي إلاّ عبر التشدّد العسكري والاقتصادي والديبلوماسي. وتقوم هذه النظرية كما يبدو، على امكان ترهيب الفلسطينيين لدفعهم إلى التخلّي عن أهدافهم السياسية. لن يحدث ذلك أبداً. وإذا تخلّى الإسرائيليون عن آمالهم بالسلام، سيقلّ أصدقاؤهم بمرور الوقت ويكثر أعداؤهم، وليس هذا الطريق الذي يريدون سلوكه.
ربما يثبت أنّ إنهاء الاختلاف بين المواقف العربية والإسرائيلية مستحيل، ولكن يمكن تضييق الهوة بينها، ومحاولة كهذه لن تؤدي الى خسارة الكثير. إنّ القول بأنّ عملية السلام أضعفت إسرائيل ما هو إلاّ لغو وثرثرة. هل تكون إسرائيل أكثر أمناً لو استمرّت في احتلال سيناء، أو استمرّت حال الحرب بينها وبين الأردن؟ وهل تكون بمأمن أكثر لو بقيت قواتها في رام الله، أو لو لم يُعرض على الفلسطينيين سبيل سلمي إلى الدولة؟ هل كان ضعف أمنها لو أنّها بدلاً من الانسحاب في صورة أحادية من غزة، فعلت ذلك كجزء من مفاوضات يُحسب لمصلحة الفلسطينيين المعتدلين؟ (...).

يخشى الإسرائيليون من أنّهم سيعيدون الأرض مقابل وعد بالسلام، ليجدوا أنفسهم محاطين بالمقاومة والإرهاب. وكما يحذّر المزمور، «أنعم من الزبدة فمه، وقلبه قتّال».

ويتردّد الفلسطينيون، «فتح» و «حماس» على السواء، في الإذعان للسيادة الإسرائيلية فوق أي فدان مما يعتبرونه أرض العرب، أو توقيع تنازل عن حقوق العائلات في العودة إلى بيوتها الأصلية. بل إنّ احتمال أن يصبح عرفات جورج واشنطن الفلسطيني لم يقنعه باتخاذ هذه الخطوات، وبدلاً من ذلك خشي أن يُنظر إليه كخائن مثل يهوذا الإسخريوطي، أو يُغتال مثل أنور السادات.

في الأيام الأخيرة من رئاسة كلينتون، بدا أنّ المفاوضين الإسرائيليين والفلسطينيين اقتربوا من الاتفاق على كل القضايا، بما في ذلك تقسيم القدس، والترتيبات الحدودية، وإعادة تعريف حقّ العودة. غير أنّ الاقتراب في الظاهر لا يعني أنّ النجاح قابل للتحقيق، بل أنّ من الممكن الاقتراب فحسب.

الاعتراف بذلك يخالف تفاؤلي المعتاد، ولكن لا بدّ من خيال جامح لتصوّر قبول أي فلسطيني اتفاقاً يعرض أقلّ مما رفضه عرفات؛ أو تصوّر أي قائد إسرائيلي يقبل أي اتفاق يقدّم المزيد(...).

نصيحتي لكَ، (للرئيس الأميركي المقبل) أن تركب دوّامة الأحداث المتعاقبة منذ بداية إدارتك. ربما لا تستطيع دفع الأحداث قدماً، لكنّ المتفرّجين لا يصنعون التاريخ، كما أنّ مساعي السلام يمكن أن ترفع الآمال وتنقذ الأرواح ولو فشلت. يرى بعضهم أنّ بيل كلينتون أخطأ عندما رفع التوقّعات كثيراً؛ وذلك هراء، كما أنّه ليس المشكلة اليوم على أي حال. إنّ مهمّتك هي إلهام الناس في المنطقة باستئناف التفكير في شأن احتمالات السلام ومقارنة ذلك بالوقائع التي شهدوها في السنوات الماضية.

ثمة أكثر من خيار واحد للبدء. مبادرة السلام العربية التي أعلنها السعوديون عام 2002 وأعادت جامعة الدول العربية مباركتها في 2007، ليست جديدة أو محدّدة أو متعاونة في شكل خاص. غير أنّها تعد بدعم عربي شامل للسلام الحقيقي والعلاقات الطبيعية مع إسرائيل. في المقابل، على إسرائيل الانسحاب إلى حدود ما قبل 1967، وحلّ مشكلة اللاجئين بطرق غير واضحة. وهي كاقتراح تعكس نقطة الانطلاق العربية، لكنّها تعزل «حماس» وتتيح فرصة كبيرة لإجراء محادثات عربية - إسرائيلية مباشرة.

ثمة احتمال ثانٍ - يمكن إدراجه في الأول - وهو استئناف المفاوضات بين إسرائيل وسورية. وذلك أمر منطقي لأنّ سورية، خلافاً للفلسطينيين، لديها حكومة تستطيع إسرائيل التفاوض معها، والمشاكل أسهل لأنّها لا تشمل القدس وحقّ العودة. كما أنّ المفاوضات الإسرائيلية - السورية يمكن أن تدفع إيران جانباً وتقرّب سورية من أشقائها العرب. وربما تكون لذلك نتائج مفيدة في لبنان، حيث ستخسر ميليشيا «حزب الله» سبب وجودها إذا عُقد سلام مع إسرائيل. لكن هناك نقطتي ضعف في هذه الاستراتيجية: أولاً، يجب أن تٌحمَّل سورية مسؤولية مقتل رفيق الحريري أو تُبرّأ منها؛ ولا يمكن التوصّل إلى اتفاق سلام إلى أن تتضح هذه المسألة. ثانياً، يرجّح ألاّ توقّع سورية اتفاقاً إلى أن يكون الفلسطينيون مستعدّين للتوقيع أيضاً، لا لأنّ سورية تهتمّ لأمرهم بل لأنّها تهتمّ بموقف الرأي العام العربي.

عليك التشديد على منطق السلام أياً يكن النهج الذي تتبعه. فليس أمام العرب واليهود من خيار سوى العيش جنباً إلى جنب. لكن الخيار الذي يملكونه بالفعل هو هل يعيشون بسلام نسبي أو إرهاب دائم؟ اتضحت الشروط العامّة للسلام عبر العمل الدؤوب لبيل كلينتون: دولة فلسطينية عاصمتها القدس تضمّ غزة ومعظم الضفة الغربية؛ وتسوية في شأن اللاجئين؛ وإعادة مرتفعات الجولان بمعظمها أو بأكملها؛ وقبول العرب بإنهاء النزاع وحقّ إسرائيل في الوجود ضمن حدود آمنة. إذا لم يكن السلام الرسمي وفقاً لهذه الخطوط ممكناً قريباً، يبقى الخيار المطروح: هل من المنطقي السعي نحو إيجاد تسوية؟ الجواب هو نعم. هناك خطوات لا ترقى إلى السلام، مثل وقف النار، يمكن أن تنشئ شيئاً من الثقة؛ وكما أنّ الدعاء قد يجدي ولو لم يُستجب على الفور، فإنّ المحادثات وحدها قد تقود إلى اتجاه مقبول مع الوقت. ورأينا البديل على أي حال (...).

إنّ بعد النظر نادر في العالم العربي، لكن ذلك لا يقتصر عليه. فلدينا في الشرق والغرب ميل إلى البحث عن معلومات تؤكّد افتراضاتنا بدلاّ من أن تختبرها. وننشد الذخيرة الخطابية بشدّة تفوق بحثنا عن الحقيقة الموضوعية. المشكلة أكبر من رئاستك، ومع ذلك، أميل إلى الاعتقاد بأنّ عليك تقديم الحجة من أجل اتباع نهج نقدي أكثر، والشرق الأوسط هو المختبر الواضح. إذا كان بإمكان نجاد رعاية ندوة عن الأكاذيب المتعلّقة بالمحرقة، يمكنك على الأقل أن تشارك في رعاية حوار مفتوح عن أبعاد الحقيقة في الشرق الأوسط(...).

إذاً هذه هي الرسالة التي عليك أن تردّدها مراراً وتكراراً من البيت الأبيض: لا يمكن التوصّل إلى أي حلّ في الشرق الأوسط من دون تعديل بعض الأحلام على الأقل؛ ولا قوة في العالم تستطيع وقف إرهابي قوي العزيمة؛ لكنّ الفتح ليس الحلم الوحيد، والعزيمة ليست حكراً على الإرهابيين. العنف خيار في النهاية، وعندما تكون لدى الناس القدرة على الاختيار، تصبح لديهم القدرة على التغيير.
.

أولبرايت تكتب «مذكرة الى الرئيس المنتخب» لاستعادة رأس المال السياسي الأميركي المُبدد (1 من 5) ... الخطأ المأسوي في العراق... وأميركا تواجه 4 أخطار أولها الارهاب وازدياد عداء العرب والمسلمين
 
حلقات = أولبرايت تكتب مذكرة الى الرئيس المنتخب لاستعادة رأس المال السياسي الأميركي المُبدد 12-4-2008
Date: Sat, 12 Apr 2008 22:59:08 +0200


دولة فلسطين

State Of Palestine

منظمة التحرير الفلسطينية


Palestine Liberation Organization


وزارة الخارجية


Ministry Of Foreign Affairs


الدائرة السياسية


Political Department



تكتب «مذكرة الى الرئيس المنتخب» لاستعادة رأس المال السياسي الأميركي المبدد (5 من 5)



أولبرايت: «القاعدة» تقتل المسلمين... ولا تقدم للعالم خلافة بل جهنم


في المناظرات الباكرة في حملتك الانتخابية، سئلت عن خطتك لإلحاق هزيمة بـ «القاعدة». لم تكن واثقاً في البداية كيف تجمع كل أفكارك في الخمس وأربعين ثانية المخصّصة لك. لكنّك وجدت ضالّتك عندما استقرّ بك الأمر على شعار من ثلاثة أقسام: «حماية الوطن، ونقل القتال إلى حيث يوجد العدوّ، والانتصار في معركة الأفكار». وحان الوقت الآن لتقرن الأقوال بالأفعال.

ازدهرت «القاعدة» بسبب قدرتها على تصوير نفسها بأنّها مدافعة عن الإسلام ضدّ الصليبيين الإمبرياليين والحكومات العربية غير المنتخبة. وتضخّمت قدراتها الهجومية المحدودة باستعداد المجنّدين للموت، وكثرة الأهداف المحتملة. من الناحية التكتيكية، لا تشكّل الحاجة إلى الاستيلاء على قطعة أرض عقبة أمام الشبكة. وهي تستمدّ حيويتها من أسطورتها - القدرة على البقاء على رغم سنوات من الضغط من أقوى قوة عسكرية في العالم - ومن آلة إعلامية تعرف كيف تصل إلى جمهورها(...)

لذا يجب أن يكون العنصر الثالث في برنامجك، معركة الأفكار، واسطة العقد. فإذا كشِفت «القاعدة» وعزِلت ستتوقّف عن النموّ. وسيقلّل ذلك من الضغط على عسكريينا، ويجعل الدفاع عن الوطن أكثر سهولة.

في أعقاب 11/9، كانت رسالة الرئيس إلى كل البلدان «إما أن تكونوا معنا وإما ضدنا». ربما كانت هذه الرسالة ملائمة لو استمرّ تحديد الرئيس للعدوّ على حاله. إذ كان توحيد معظم العالم ضدّ من فجّر الأبرياء أمراً سهلاً. ولكن لم يكن من الحكمة أن يشوّش الرئيس بعد ذلك القضية بالسماح بتحويل تركيزنا عن «القاعدة». وسرعان ما أصبحنا نطالب الآخرين بأكثر بكثير من الوقوف معنا ضدّ (أسامة) بن لادن. صرنا نطالبهم بالتغاضي عن أبو غريب، وقبول غوانتانامو، والتصديق على غزو العراق ورؤيتنا للشرق الأوسط. وفي الوقت ذاته كانت «القاعدة» تقدّم للعالم خياره، بين المسلمين الذين يعانون وأميركا المولعة بالحرب. وترك ذلك العديد من الأشخاص في حيرة من أمرهم. فهم لا يريدون الموافقة على تكتيكات «القاعدة»، لكنّهم لا يريدون الاقتراب منّا كثيراً. حوّلنا الحلفاء إلى متفرّجين(...)

من أصعب الأعمال التي عليك القيام بها إزالة الالتباس الذي أحدثه الرئيس بوش في شأن مَن نقاتل وما الذي نقاتله. كانت إدارته تميل إلى معاملة كل مجموعة غاضبة من المسلمين كجزء من التهديد الإرهابي نفسه، فهم متماثلون في معتقداتهم، ومتساوون في أخطائهم، ويشكّلون خطراً علينا. ربما يناسب ذلك تصوّره الأبيض والأسود للعالم، ولكن لا يمكن أن تستند سياسات أقوى بلد في العالم إلى الخيال. هو تصرّف طوال سنوات كما لو أنّ أفراد الطاقم الكريه بأكمله – «القاعدة» و «طالبان» وأتباع صدام حسين ورجال الدين في إيران و «حزب الله» و «حماس» - متآمرون. الأمر ليس كذلك. فأعضاء هذه المجموعة أعداء لدودون في كثير من الحالات، ولديهم معتقدات دينية غير متوافقة ومصالح متضاربة. وفي غمرة استعجاله تقسيم العالم إلى «نحن» و «هم»، لم يستفد الرئيس من أنّ الـ «هم» تضمّ فئات يمكن تأليب بعضها على بعض. وبدلاً من معاملتهم ككل واحد، كان علينا القيام بكل ما نستطيع للحفاظ على تناقضاتهم.

لم يكن الرئيس بالطبع الوحيد الذي التبس عليه الأمر. فبعد مرور سبع سنوات على 11/9، لا يوجد توافق بين الأميركيين عموماً في شأن من يسمّونه العدوّ، أو حتى على طبيعة النضال الذي انخرطنا فيه. عندما كنت في الحكومة، نصحني خبراء مكافحة الإرهاب بعدم ذكر بن لادن بالاسم، أو ربط «القاعدة» بالإسلام، أو الإشارة إلى تصدّينا للإرهاب بوصفه حرباً، مع أنّهم اعتبروا «النضال» و «القتال» و «المعركة» كلمات مقبولة. والفكرة أن نتجنّب التصرّف بما يعود على بن لادن بالنفع، بتضخيمه وجعله عدوّنا الأعظم، وألاّ نمنح الإرهابيين الشعور بالرضا بمقارنتهم بالجنود الذين يخوضون حرباً.

منذ ذلك الحين أثار اهتمامي تقلّب نهج بوش بين تصوير بن لادن بأنّه العدوّ الأول أحياناً، وتجاهله أحياناً أخرى، بحيث تمضي شهور من دون أن يذكره. في تموز (يوليو) 2005، قرّرت وزارة الدفاع أنّ فكرة «الحرب العالمية» تجاوزت غرضها وأنّنا منخرطون في «نضال عالمي ضدّ التطرّف العنيف». في ذلك الوقت، أوضح رئيس هيئة الأركان المشتركة أنّك «إذا سميتها حرباً فإنّك تفكّر في أنّ الجنود النظاميين هم الحلّ». أمضت وسائل الإعلام أياماً وهي تحلّل هذا التطوّر المحنّك في تفكير الإدارة، وفي النهاية رفض البيت الأبيض رأي العسكريين وأعلن أننا نخوض حرباً في الواقع. والحادثة مثال كلاسيكي على الخبرة في مقابل السياسة، حيث تربح السياسة.

يجدر تذكّر أنّ الولايات المتحدة أصابت نجاحاً محدوداً عندما أعلنت الحرب على أسماء، مثل الإرهاب أو الفقر أو المخدّرات أو المرض أو التضخّم. إنّنا نستخدم مثل هذه الصيغ كأداة لحشد التأييد، لا تؤخذ بمعناها الحرفي. وإذا كنّا جادّين في شأن إلحاق هزيمة بـ «القاعدة»، علينا أن نكون أكثر دقّة.

عليك كرئيس أن تكون واضحاً بتأكيد أنّ عدوّنا ليس الإسلام أو أيّاً من فروعه. لا خطر علينا من أناس يختلفون معنا في شأن السياسة العالمية فحسب، ولا من أناس يتقاتلون في بلدهم لأهداف وطنية أو دينية. ربما لا نتفق مع الذين يعاملون النساء في شكل مختلف عن معاملتنا لهنّ في الغرب، لكنّ ذلك لا يجعلهم أعداءنا. الأعداء الذين يجب أن نقاتلهم هم الذين هاجمونا في 11/9 أو أصبحوا منذ ذلك الحين حلفاء نشطين للذين هاجمونا. ليس عدوّنا الإرهاب الإسلامي، عليك التأكيد على ذلك في كل فرصة، لأنّ الإرهاب ليس ملازماً للإسلام، عدوّنا هو عدوّ الإسلام أيضاً.

إنّ هذا التمييز مهم لأنّ «القاعدة» تفتقر إلى جاذبيّتها إذا فصِلت عن ارتباطها بالقضايا التي تهمّ المسلمين، مثل القضية الفلسطينية، وحقوق الإنسان، وحرية التعبير السياسي، والعدالة الاجتماعية واحترام دينهم، وكلّها يمكن أن يسعى إليها خصوم «القاعدة» بفعّالية أكبر ونفاق أقلّ مما يسعى إليها مؤيّدوها.

غالباً ما يُلحق المتعصّبون الضرر بأنفسهم من طريق التمادي، وكرّرت «القاعدة» فعل ذلك. فمع أنّ هدفها هو تعبئة المسلمين، دانت كل الموجودين تقريباً في موقع السلطة في العالم الإسلامي، بمن في ذلك حكومات باكستان والمملكة العربية السعودية ومصر والعراق وسورية وإيران، وحتى «حزب الله» و «حماس». ونفّذت «القاعدة» هجمات عديدة أسفرت عن مقتل مدنيين مسلمين غير مسلّحين، وهي جرائم يحرّمها القرآن صراحة، بل تثير اشمئزاز المسلمين الذين يشاركون «القاعدة» أفكارها الاجتماعية المحافظة وكرهها الغرب. وتفتقر «القاعدة» أيضاً إلى جدول أعمال اقتصادي أو سياسي مفهوم، ويتناقض ذلك مع مجموعات إسلامية متشدّدة تقدّم الخدمات الاجتماعية وانضمّت إلى العملية السياسية في بلدانها أو تحاول الانضمام. ربما يحظى بن لادن بإعجاب بعضهم بسبب هجومه الصريح على السلطات، لكن ذلك لا يعني أنّ كثيرين يريدونه أن يدير حياتهم. خلاصة القول إنّنا سنكون أغبياء إذا لم نربح حرب العلاقات العامة - والحرب الحقيقية (أو النضال أو المعركة أو القتال) في نهاية المطاف - ضدّ حفنة من القتلة الذين يشكّل الإقرار بعد الموت على الإنترنت، الوعد الملموس الوحيد الذي يقدّمونه إلى مؤيّديهم.

يلي ذلك أنّ الطريقة الذكية للتصدّي لـ «القاعدة» هي القيام بما لم يفعله الرئيس بوش في شكل متسق، أي مهاجمة الشبكة من دون هوادة في أقلّ نقاطها منعة. القتلة الذين نفّذوا 11/9 دينوا من كل حكومة في بلد ذي غالبية مسلمة، بما في ذلك إيران و «حزب الله» ومنظمة التحرير الفلسطينية. فما هي رسالتنا؟ «القاعدة» لا تدافع عن المسلمين، بل تقتلهم، لا تمثّل الإسلام، بل تحرّفه. إنّها لا ترغب في رفع الظلم عن المسلمين، بل ترغب في سجنهم ضمن تصوّرها الفاشي وغير القويم لإرادة الله. حاول الرئيس إثارة المعارضة في وجه «القاعدة» استناداً إلى رغبتها المعلنة في إعادة الخلافة الإسلامية، لكنّ ذلك ليس موطن الضعف الأبرز لـ «القاعدة». عيبها الخلْقي أنّ أدواتها ابتداعيّة ورؤيتها ضيّقة جداً بحيث تستبعد معظم المسلمين، من دون أن نذكر أنفسنا. «القاعدة» لا تقدّم للعالم خلافة، بل تقدّم جهنّم.

عليك أن تعيد وضع إطار عمل للاستقرار في الشرق الأوسط الكبير. وهذه المهمّة ملحّة ولكن لا يمكن تنفيذها بسرعة، لأنّ الأساس ضعيف جداً. سيحضّك العالمون على تطبيق شتى الصيغ التبسيطية، وذلك إغراء عليك مقاومته. من الوهم الاعتقاد بإمكان تقسيم الشرق الأوسط إلى معتدلين ومتطرّفين، حيث يمثّل الأوائل الخير والأخيرون الشرّ. فثمة مزيد من الأطراف في هذه اللعبة، وتشوب الشوائب زي الجميع، ونحن منهم.

كتبت سابقاً أنّ الحلول العسكرية غير واقعية في المنطقة، ولكن لا يزال يبدو أنّ الجميع يستعدّ للقتال. لذلك فإنّ الوضع الراهن غير مقبول، إذ إنّ منظّم الحرارة مضبوط على المستوى المرتفع، وإذا سمـــحنا بحلّ نـزاعات القرن السابع بأسلحة القرن الواحد والعشرين، لن نعمّر طويلاً.

ستشرع في ديبلوماسية الشرق الأوسط من منطلق صعب، حيث موقف أميركا الرديء لا يسمح لها بالحديث عن الدعائم الأساسية للأمن مثل القانون وقول الحقيقة وحقوق الإنسان. وستواجه إيران المتجاسرة، وازدياد التهديد الإرهابي وتكاثر الانقسامات، داخل العراق وبين الفلسطينيين وداخل إسرائيل وبين المسلمين الشيعة والسنّة. ولأنّ الولايات المتحدة كانت مشغولة أو في موقف غير مواتٍ طوال معظم السنوات الثماني الماضية، فربما تجد أنّ موضع كرسي الصدارة قد تغيّر حول طاولة الديبلوماسية، وهو مخصّص للولايات المتحدة منذ مدّة طويلة. وربما تجد أيضاً أنّ غرفة الاجتماعات التي حجزتها نصف فارغة، لأنّ الإيرانيين والروس والأوروبيين والسعوديين والمصريين نظّموا اجتماعاتهم في الوقت ذاته. لا تنفر من ذلك. فلا داعي لأن نخاف من جهود الآخرين.

الواقع لن يتغيّر بصرف النظر عمن يتولّى زمام الأمور. فلا أحد يتيح له موقعه أن يملي مستقبل الشرق الأوسط. القوّة شديدة الانتشار، ومن ثم فإنّ الخيار بين المواجهة والتسوية، لكن الناس يعاندون التسوية إلى أن يتوصّلوا إلى عدم وجود خيار آخر لديهم. وستكون مساهمتك تسهيل وصول البلدان والفئات الرئيسة إلى ذلك التفهّم. وعند قيامك بذلك، يجب أن تقرّ أيضاً بأنّ على الولايات المتحدة أن ترضى بأقلّ مما تريد. ستكون هناك مخاطرة سياسية بالنسبة إليك، لكن التراجع عن الأهداف القصوى سيكون أشدّ خطراً على الإسرائيليين والعرب والإيرانيين والقادة الآخرين. لذا فإنّ الكثير لا يعتمد على كيفية تكشّف الأحداث، بل على طريقة عرضها أيضاً. الكرامة وماء الوجه والاحترام أمور مهمّة في كل منطقة، لكنّها أكثر أهمية في الشرق الأوسط مما هي في أي مكان آخر. وعليك كرئيس أن تضمِّن الاتفاقات الغموض الكافي الذي يتيح لمعظم الأطراف ادعاء النصر، والموضوعية الكافية للانتقال نحو الاستقرار. قد يعني ذلك التعايش مع حلول غير كاملة، وعدالة جزئية، وتأجيل بعض القضايا إلى تاريخ لاحق.

استحضر الرئيس بوش صورة للشرق الأوسط كأرض عجائب ديموقراطية يُهزَم فيها الشرّ، ويتقدّم العرب واليهود إلى الانتخابات بقلوب مسرورة وأغمدة فارغة. إنّني أهلّل للصورة، لكنّني لا أشهد ذلك على أرض الواقع. ستشكّل سياسة القوة الشرق الأوسط على المدى القريب إزاء خلفية المصالح الوطنية، والتعصّب العرقي، والحماسة الدينية. وفي هذه البيئة، لن تكون «الحرية» بمعنى الديموقراطية الكلمة الأساسية ذات الأهمية القصوى، بل «الحريّة» بمعنى الاستقلال، حقوق البلدان وشعوبها. وستكون السيادة المبدأ ذا الوزن الراجح
.

أولبرايت تكتب «مذكرة الى الرئيس المنتخب» لاستعادة رأس المال السياسي الأميركي المُبدد (1 من 5) ... الخطأ المأسوي في العراق... وأميركا تواجه 4 أخطار أولها الارهاب وازدياد عداء العرب والمسلمين
 
عودة
أعلى