حلقات = أولبرايت تكتب مذكرة الى الرئيس المنتخب لاستعادة رأس المال السياسي الأميركي المُبدد 12-4-2008
Date: Sat, 12 Apr 2008 22:59:08 +0200
Date: Sat, 12 Apr 2008 22:59:08 +0200
تقارير الصحافة العربية و الاجنبية
أولبرايت تكتب مذكرة الى الرئيس المنتخب لاستعادة رأس المال السياسي الأميركي المُبدد (1 من 5)
نقل المذكرة الى العربية عمر سعيد الأيوبي
المصدر : اخبار فلسطين عن جريدة الحياة
التاريخ :12/4/2008
الخطأ المأسوي في العراق... وأميركا تواجه 4 أخطار أولها الارهاب وازدياد عداء العرب والمسلمين
«مذكرة الى الرئيس المنتخب» تقرير سياسي دولي شامل وضعته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت في تصرف الرئيس الأميركي المقبل الذي سيتسلم مهماته في البيت الأبيض في 21 كانون الثاني (يناير) 2009. ومع أن أولبرايت محسوبة على فريق المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون فإنها لا تخصّها أو تخص مرشحاً آخر من الحزب الديموقراطي بهذا التقرير، وهي إذ لا تخفي انحيازها الى سياسات الديموقراطي بيل كلينتون، وتبدي غضبها واستياءها من سياسات الرئيس جورج بوش، توجه المذكرة الى أي رئيس سينتخب شارحةً رؤيتها لموقع الولايات المتحدة ودورها في الأزمات والعلاقات الدولية وللمهمات الملقاة على عاتق الرئيس في تحسين صورة بلاده وجعلها تستعيد احترامها وثقتها بنفسها.
وتعتبر أولبرايت أن «رأس المال السياسي الأميركي» الذي تراكم في زمن كلينتون «بُدد للأسف (...) منذ اليوم الأول (لوصول بوش) حصل الأشخاص غير المناسبين على المناصب العليا (...) وقُدِّم الامتثال للإيديولوجيا على المهنية وسُمح للأكاذيب بالتنكر في لبوس الحقيقة».
وتضيف ان الخطأ المأسوي يبرز بجلاء في العراق «لكن ثمة أخطاء أخرى، إهمال الحلفاء والإفراط في الاعتماد على القوة العسكرية والسماح لأمثال ديك تشيني ودونالد رامسفيلد بأن يكونوا وجه أميركا».
وتمضي أولبرايت ناصحةً الرئيس المقبل بالعمل «لاستعادة ما فقد والمضي قدماً من هناك، وأن تبدأ بإدراك أن حقنا في القيادة لم يعد مقبولاً. فقدنا شرعيتنا الأخلاقية واذا لم نفهم ذلك فلن نعرف كيف نصوغ استراتيجية ناجحة». وحددت الوزير السابقة والمُحاضرة في جامعة جورج تاون أربعة أخطار تواجه اميركا هي:
1 – الإرهاب وتصاعد معاداة اميركا في العالمين العربي والإسلامي.
2 – تراجع الإجماع الدولي في شأن الانتشار النووي.
3 – تنامي الشكوك في شأن قيمة الديموقراطية.
4 – تماسك رد الفعل المادي للعولمة بسبب اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء.
وتختم أولبرايت مخاطبة الرئيس الأميركي الـ44: «كن طموحاً لكن تواضع في كلماتك ما استطعت... أنت توشك ان ترث الكثير من المشاكل من دون أن تكون لديك سلطة في السماء فيما لديك القليل منها على الأرض».
«مذكرة الى الرئيس المنتخب» نشرتها أولبرايت مطلع السنة وستصدرها قريباً مترجمة الى اللغة العربية «الدار العربية للعلوم»، وتبدأ «الحياة» ابتداء من اليوم بنشر خمسة فصول مختارة منها:
< الفصل الأول: تفويض بالقيادة
مذكّرة (شخصية وسرية)
إلى: الرئيس المنتخب
من: مادلين ك. أولبرايت
التاريخ: ليلة الانتخابات، 2008
أهنّئك على نجاحك. أحسنت صنيعاً! حقّقت فوزاً عظيماً. لكن ذلك النصر يستتبع مسؤولية قيادة أمة منقسمة في عالم يمزّقه النـزاع وانعدام المساواة، وتجرِّحه الكراهية، ويحيّره التغيير، ويقلقه تجدّد مشهد المعركة النووية الفاصلة. في الأيام التالية، سيطمئنك قادة لم تسمع بهم قطّ، من بلدان لا تكاد تعرف موقعها، إلى صداقتهم وسيعرضون المساعدة. نصيحتي لك أن تقبلها لأنّك بحاجة إليها. إنّنا معشر الأميركيين نحبّ أن نعتبر أنفسنا نموذجاً للكرم والفضيلة، لكنّ العديد من الشعوب في كثير من الأماكن يعتبرون أنّنا أنانيون ومتآمرون وعنيفون. والناخبون يريدونك أن تغيّر هذا المفهوم وان تحمينا في الوقت ذاته. أن تهزم أعداءنا وتؤمّن لنا المستقبل الاقتصادي. بعبارة أخرى، أن تفعل ما وعدت به في حملتك الانتخابية.
دورية أميركية في بغداد
جرت مقارنة الرئيس الأميركي بحاكم الكون، ومدير الدفّة في سفينة شراعية عظيمة، وبو - با العظيم في الأوبرا الكوميدية «ميكادو»، والشخصية المنفردة الغارقة في «البؤس الرائع» (وصف جيفرسون)، و «التجسيد الشخصي... لكرامة الشعب الأميركي وعظمته» (وصف ويليام هوارد تافت). وحدّد دارسو المنصب مجموعة من الأدوار الرئاسية: القائد الأعلى، والديبلوماسي المعلّم، والمتحدّث الوطني، وكبير المديرين، والمشرّع الأول، وقائد الحزب، وراعي الفنون، ومقدّم التهاني للفرق الرياضية، والوالد البديل. ويريدك مستشاروك أن تركّز على النشاطات التي تحافظ على أرقام مرتفعة من التأييد في استطلاعات الرأي وتعيد انتخابك. وأحضك على التركيز على الواجبات التي تعيد سمعة بلدنا وتحفظ سلامتنا.
في 20 كانون الثاني (يناير) 2009، ستضع يدك على الكتاب المقدّس ويحلّفك رئيس المحكمة العليا روبرتس، أمام 300 مليون أميركي، وستة بلايين شخص في أنحاء العالم، على «الحفاظ على دستور الولايات المتحدة وصيانته وحمايته». وستحذو حذو جورج واشنطن وتضيف الدعاء النابع من القلب، «ليكن الرب في عوني». وبعد أداء اليمين، ستصبح أقوى شخص في العالم. ولن يعود من قبيل المصادفة أن تعزف لك الفرقة الموسيقية» أهلاً بالرئيس» عندما تدخل قاعة ما. فقد وصلت إلى أعلى منصب في بلدنا؛ والسؤال الذي تنبغي الإجابة عنه، هل لديك ما يلزم لتؤدّي عملك بامتياز؟
قبل ثماني سنوات، فيما كانت الألفية الثانية تقترب، بدا مستقبل أميركا مشرقاً جداً. كان العالم ينعم بالسلام، والاقتصاد العالمي يرفل بالعافية، والولايات المتحدة تتمتّع بموقع لا نظير له. كان البرنامج الذي ترشّح بموجبه جورج دبليو بوش عام 2000 يشير إلى الحقبة بأنّها «زمن رائع في حياة أمتنا». وأبلغ كولن باول، وزير الخارجية المقبل في ذلك الوقت، الكونغرس بأن «علينا العمل جيداً معاً لأنّنا نواجه تحدياً كبيراً أمامنا. لكنّه ليس تحدياً للبقاء، بل إنّه تحدٍّ للقيادة. فنحن لا نواجه عدواً إيديولوجياً مظلماً وخطيراً، بل القوة الكاسحة لملايين البشر الذين ذاقوا طعم الحرية. إنّنا نواجه نجاحنا المدهش».
على غرار كل ميراث، يمكن أن يستثمر النجاح الرائع في شكل منتج أو غير منتج. لكنّ رأس المال السياسي الأميركي بُدِّد للأسف. وعندما قارنت السجلات مع أعضاء الحكومات السابقة - الديموقراطية والجمهورية على السواء - شاهدت أناساً يهزّون رؤوسهم وهم لا يصدّقون الطريقة التي أسيء فيها استخدام السلطة الرئاسية. والسؤال الذي يجمع عليه: بماذا كانوا يفكّرون؟ منذ اليوم الأول حصل الأشخاص غير المناسبين على المناصب العليا. وشوِهت عملية اتخاذ القرار أو تم تجاوزها. وقُدّم الامتثال للإيديولوجيا على المهنية، وسُمح للأكاذيب بالتنكّر في لبوس الحقيقة. وأُعلن أنّ المبادئ المركزية في الهوية الأميركية عفا عليها الزمن. ونُحِّيت أدوات الأمن المهمة، بما فيها الديبلوماسية جانباً. كنت آمل بأن ينقذ الرئيس بوش إدارته في سنواته الأخيرة، لكنّ المكاسب التي تحقّقت جاءت متأخّرة وهامشية. ومن المؤسف القول إنّك ستتولّى منصبك واحترام القيادة الأميركية أدنى مما كان عليه في ذاكرة أي شخص على قيد الحياة(...).
يبرز الخطأ المأسوي في العراق بجلاء، لكن ثمة أخطاء أخرى؛ إهمال الحلفاء، وفرط الاعتماد على القوة العسكرية، والسماح لأمثال ديك تشيني ودونالد رامسفيلد بأن يكونوا وجه أميركا. نعم لدينا عذر: العالم مختلف الآن، لكن ذلك سبب يدفعنا أكثر إلى التنبّه لمواطن القوة المثبتة. لقد أحدثت هجمات 11/9 الإرهابية صدمة لنا، لكنّنا عشنا طوال عقود من الزمن ونحن نعرف أنّ الموت يمكن أن يصل الينا عبر البحر. كانت الهجمات سبباً للحزن والغضب، ولإعادة التأكيد على مؤسساتنا واستراتيجياتنا، ولم تكن سبباً وجيهاً للذعر أو التخلّي عن مبادئنا عندما كنّا في أشدّ الحاجة إليها.
في أعقاب 11/9، بدأت إدارة بوش في شكل جيد لكنها سرعان ما نسيت مَن هم أشدّ أعداء بلدنا خطراً علينا. كان كثيرون من الأميركيين مقتنعين بأنّنا غزونا العراق لأنّ صدام حسين مسؤول عن 11/9 بالتالي شعرت الغالبية بأنّ مواجهة صدام ستوجّه ضربة إلى «القاعدة». ووافق كثيرون مع الرئيس على أنّه يمكن تقسيم العالم إلى مَن هم منحازون إلى الولايات المتحدة وأولئك الذين يهلّلون للإرهابيين. وأعجب كثيرون بيقين الرئيس؛ حتى عندما ساورتنا الشكوك حيال ما هو أكثر الأمور يقيناً لديه.
إنّني من المتفائلين الذين يقلقون كثيراً. فالأسباب التي تدعو إلى القلق تحيط بنا، بعضها مستتر، وبعضها الآخر يشاهد يومياً على الـ «سي أن أن» و «فوكس نيوز» و «الجزيرة». ربما يبدو الاضطراب والنقد اللاذع غامريْن. فالسم منتشر في الهواء. مع ذلك فإنّ رسالتي الرئيسية إليك فيما تهيّئ نفسك لتسلّم الرئاسة أن تثق بمن نحن وما الذي نؤمن به، فقد واجهنا أخطاراً أشدّ، وحافظنا على رباطة جأشنا، وتغلّبنا عليها.
يمكن أن نفترض أنّه لو كتبت مذكّرة كهذه قبل نصف قرن، لكان بامكاننا أن نرسم صورة لأميركا آمنة وقوية. فقد كان أسامة بن لادن طفلاً في ذلك الوقت، ولم تكن «القاعدة» موجودة، ولم يكن الإرهاب الدولي مصدر قلق كبير. كانت الولايات المتحدة قائدة العالم الحرّ من دون منازع، وكان العالم نفسه أقل تعقيداً وأبطأ حركة. مع ذلك كتب جورج كينان في الخمسينات إنّ «الإحساس بعدم الأمن يسيطر على وعينا القومي». وكان والتر ليبمان يخشى من أنّنا «نعيش في عصر الاضطراب والفوضى. ومع أنّ الولايات المتحدة أصبحت غنية وقوية، نعرف في قرارة أنفسنا أنّنا أصبحنا... غير آمنين وقلقين... إذ إنّنا غير واثقين مما إذا كانت مسؤولياتنا أكبر من حكمتنا». بل إنّ نصي المفضل في الكلية خلص إلى نتيجة كئيبة فحواها أنّ «الأشدّ عناداً وبلادة فحسب هو الذي يغامر بالتوقّعات المتفائلة عن المستقبل... فالخوف يستحوذ على البشر في كل مكان... وتجاوزت معرفة الإنسان وقدرته التقنية قدرته الأخلاقية».
لا يرجع هذا التشاؤم إلى إخفاقات البشر، وإنّما إلى إبداعاتهم. إذ كان التقدّم من القنبلة التقليدية إلى النووية ذا حجم أكبر من أي شيء منذ تناول أول رجل سريع الغضب قطعة من الخشب وحوّلها إلى هراوة. فبعد هيروشيما أصبح احتمال الفناء الجماعي الفوري جزءاً من حياتنا. إنّنا نخشى أن تنتشر معرفة صنع الأسلحة النووية بسرعة، ويشعر بعضهم بأنّ ذلك علامة من الله على أنّ نهاية العالم أصبحت وشيكة(...).
توالت العقود، وصاغ الرؤساء من الحزبين دوراً واضحاً لأميركا كزعيمة للنظام الدولي؛ وكمدافعة عن القانون، وبانية للمؤسسات العالمية، وكبلد تشعر بنفوذه كل الأقاليم وتُحترم آراؤه على نطاق واسع. وعلى رغم أنّهم لم يكونوا من غير نقائص، فقد كان سجلّهم مليئاً بالإنجازات. فالأسلحة النووية التي طالما خشيناها لم تستخدم ثانية، وتوقّف عدد القوى النووية المعلنة عند خمس. وانتهى انقسام أوروبا. وأصبح الأعداء القدامى أصدقاء. وبدت الحضارة نفسها كأنّها ترتقي السلّم درجتين درجتين.
مع ذلك، في السنوات التي تلت الحرب الباردة مباشرة، فاجأت طلابي بأنّني أعتقد بأنّ العالم سيصبح أكثر خطورة. أصبحنا معتادين على أخطار عداوة القوة الكبرى، وطوّرنا بدأب وسائل احتوائها. وستثبت الحقبة الجديدة أيضاً أنّها أقل قابلية لتوقّعها على رغم أنّها أكثر حرية. لقد أعادت الأمم والناس تعريف مصالحهم؛ وعادت المظالم القديمة إلى الظهور. وعلينا أن نبذل جهداً كبيراً للحؤول دون الانـزلاق إلى الماضي.
وهكذا أحضر بيل كلينتون في التسعينات، على غرار كنيدي، الحماسة معه إلى مهمة الحكم في زمن التغيّر؛ فوسّع حلف شمال الأطلسي وأصلحه، ودعم خفض ديون البلدان الأشدّ فقراً، وعزّز الديمقراطية من دون محاولة فرضها، وسعى وراء السلام، وفعل ما لم يفعله أي قائد آخر لحشد العالم ضدّ الإرهاب الدولي.
عشية تدخّل حلف شمال الأطلسي لمنع القتل الجماعي في كوسوفو، اتصل بي كلينتون في الوقت الذي اعتاد عليه، منتصف الليل، فهو نادراً ما ينام ولا يعتقد بأنّ الآخرين بحاجة الى النوم. راجعنا معاً الخطوات التي اتخذناها لإيجاد حل ديبلوماسي للأزمة. وقبل القتال، ضغط علينا كلينتون للحصول على كل جزء من المعلومات. كان يجلس خلف مكتبه محاولاً التخلص من الصداع بضغط علبة كولا لايت على جبينه، متسائلاً عن كل شيء: التاريخ، والشخصيات، والعوامل الاجتماعية والثقافية، والأخطار على قواتنا، والتكلفة التي يحتمل أن يتكبّدها المدنيون، وإذا كانت خططنا بعد الصراع واقعية. كان مصمّماً على إنجاز المهمة بطريقة صحيحة لأنّه يعرف أنّه قد يخطئ. كان دقيقاً، وذلك شأنه في كوسوفو وفي كل مسألة مهمة.
كان نهج كلينتون بالنسبة إلى وزيرة خارجيته ميزة ثمينة. لم يكن صعباً عليّ إقناع الناس في الخارج بأنّ الولايات المتحدة تدرك وتهتمّ. فهم يعرفون ذلك بالفعل، لأنّهم يستمعون منذ سنوات إلى الرئيس الذي أخذ وقته ليتعلّم عنهم، وأظهر أنّه مهتمّ بمستقبلهم، ويريد المساعدة إذا أمكنه ذلك.
في خطاب تنصيبه الثاني، أشار بيل كلينتون إلى بلدنا بأنّه «البلد الذي لا يستغنى عنه». أعجبتني العبارة جداً فاستعرتها إلى أن ارتبطت بي. اعتقد بعضهم بأنّ المصطلح متعجرف، ولكن ليس هذا ما قصدته، بل شعرت بأنّه يعبّر عن واقع ان معظم المبادرات الواسعة النطاق يحتاج إلى بعض المداخلات، على الأقل من أميركا. وكنت أرجو أيضاً أن ينشئ هذا المصطلح إحساساً بالفخر لدى الأميركيين، بحيث نكون أكثر استعداداً للاستثمار في المشاريع الخارجية، وأقل تردّداً في قبول المهمات الصعبة.
على رغم أنّ بلدنا يشترك في الكثير مع البلدان الأخرى، لا يوجد حالياً أي منافس له في القوة وطول الباع. وهذا يخلق الفرص وكذلك الإغراءات. والأفعال الأميركية مثال يحتذى في خيرها وشرّها. فإذا حاولنا تنحية القانون جانباً، فإنّنا ندعو الآخرين إلى فعل الشيء ذاته(...).
اليوم، فيما تستعدّ لتولي الرئاسة، لا يزال بروز القوة الأميركية بين الحقائق الكبرى للحياة في القرن الواحد والعشرين، لكن قدرتنا على استخدام تلك القوة تراجعت. وتلك أيضاً من الوقائع الكبرى للحياة في القرن الواحد والعشرين.
الأسباب معروفة جداً. أحدثنا فوضى في محاربة الإرهاب؛ افتقرنا إلى استراتيجية متسقة، وفشلنا في إقامة ارتباط واضح بين الخطوات التي نتخذها والنتائج المرجوة. تسبّب تعزيزنا للديمقراطية في القلق حتى بين من يدعون إلى الإصلاحات الديموقراطية في بلدانهم. لأنّنا حين نتحدّث عن الديموقراطية، يفكّر كثيرون في العراق؛ النموذج الذي لا يرغب أحد فيه. وركّزنا اهتمامنا على الخليج، فافتقرنا إلى السياسات الفعّالة تجاه التحديات الفائقة، مثل الطاقة والبيئة. واستجبنا ببطء وتردّد للمشاكل الناشئة في آسيا وأميركا اللاتينية وإفريقيا. كنّا ذات يوم أسياداً في ممارسة الديبلوماسية العالمية، فأصبحنا هواة.
بل يبدو أنّ اللبنات الأساسية للقوة الأميركية تشظّت وبليت. إذ اتسع انتشار عسكريينا حتى بلغ نقطة الإعياء، بما في ذلك الحرس الوطني والقوات الاحتياط. وتضرّرت قيادتنا الاقتصادية الدولية بالنهج غير المتسق تجاه التجارة وسياسات الموازنات التي حوّلت ذهب الفوائض إلى سجل قياسي في العجز. ووهنت تحالفاتنا في أوروبا والمحيط الهادئ الآسيوي. ويعتقد بأنّنا ننافق في ما يتعلّق بالأسلحة النووية وحقوق الإنسان وحكم القانون.
يجب أن تعمل كرئيس على استعادة ما فقِد، والمضي من هناك. ويجب أن تبدأ بإدراك أنّ حقّنا في القيادة لم يعد مقبولاً. فقدنا شرعيتنا الأخلاقية، وإذا لم نفهم ذلك، فلن نعرف كيف نصوغ استراتيجية ناجحة. سنكون مثل محامٍ يفترض أنّ هيئة المحلّفين في جيبه بسبب انتصاراته السابقة، في حين أنّها ليست كذلك لأنّ الهيئة ترفض أن تعتبر الأمر مسلّما به(...).
لم يعد بامكاننا افتراض أنّ هناك من يقاسمنا فهمنا تاريخنا على نطاق واسع. فالقلائل نسبياً يسمعون كلمة «أميركا» ويفكّرون أولاً في معركة لكزنغتون أو النزول على شاطئ أوماها. بالنسبة إلى مَن هم دون العشرين - وهم الغالبية في العديد من البلدان - لا تعني المواجهة في الحرب الباردة بين الحرية والشيوعية سوى القليل(...).
وسط دوّامة الأحداث في السنوات الخمس عشرة الماضية، تشكّل أربعة اتجاهات خطراً واضحاً وراهناً على المصالح الأميركية. أولاً، الإرهاب وتصاعد معاداة أميركا في العالمين العربي والإسلامي؛ ثانياً، تراجع الإجماع الدولي في شأن الانتشار النووي؛ ثالثاً، تنامي الشكوك في شأن قيمة الديموقراطية؛ رابعاً، تماسك ردّ الفعل المعادي للعولمة بسبب اتساع الهوّة بين الأغنياء والفقراء.
ثمة خطر خامس محتمل يمكن أن يفاقم تلك الأخطار الأربعة. كانت أميركا تردّ تاريخياً على فترات التدخّل الشديد في الخارج بمحاولة الانعزال. حدث ذلك في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وبعد فيتنام، وبعد الحرب الباردة أيضاً. وكوزيرة للخارجية خصصت الكثير من الوقت والجهد في محاولة إقناع الأميركيين بأنّ التاريخ لم ينتهِ عندما انهار جدار برلين. وخلافاً للمفاهيم السائدة حالياً في الخارج، فإنّ الشعب الأميركي يفضّل التركيز على المشكلات في الداخل أكثر من الإلقاء بثقلنا في الشؤون الدولية. وبعد العراق، سيكون الأميركيون متردّدين في ركوب الأخطار. ويجب علينا ذلك، ولكن لا ينبغي أن نكون متردّدين جداً فنسمح بنموّ التهديدات الجديدة.
إنّنا في مزاج سيئ. وذكّرنا إعصار كاترينا بأنّ مكافحة الفقر والظلم في مجتمعنا لا تزال غير مكتملة. ونشعر بالقلق من تصدير أعمالنا وتجاوز حدودنا، وهناك أمور كثيرة تجري في العالم لا نفهمها، ويتزايد شعورنا بعدم الميل إلى محاولة فهمها. إذ وجد استطلاع حديث للآراء أنّ 42 في المئة من الأميركيين يقولون إنّ على الولايات المتحدة «أن تهتمّ بشؤونها في العالم وتدع للآخرين المضي قدماً بأفضل ما يستطيعون». الاهتمام بالشؤون الشخصية فضيلة في أميركا، ولا ينتظر الكثير من الغرباء على أي حال. فلماذا لا نفضّ الاشتباك؟ لماذا لا ندع الآخرين يتولّون القيادة؟
ستكون مسؤوليّتك كرئيس الإجابة عن هذين السؤالين. ومن الضروري أن تعيد صوغ الحجة التي تدعو إلى القيادة الأميركية وتعيد تحديد مضمونها. لسنا في سنة 1808 أو 1908. إذا سُمِح بأن تصدأ أدوات القوة الأميركية، فستملأ قوى أخرى الفراغ. بعضها سيلحق الضرر، وبعضها الآخر لن يكون أداؤه جيداً. وسيأتي الوقت الذي علينا فيه الاستيقاظ ثانية، وثمة خطر بأن يأتي بعد فوات الأوان. من الأفضل بكثير أن نبقى يقظين. فلدينا قدرات فريدة، وعلينا استخدامها للأغراض الصحيحة.
يجب أن نطمئن لأنّ النظرة إلى الشعب الأميركي مواتية أكثر من النظرة إلى سياساتنا، ولأنّ العديد من الغاضبين من بعض ما نفعله يريدوننا أن ننجح عموماً. واستطلاعات الآراء نفسها التي تظهر تراجعاً في شعبيّتنا توحي أيضاً بأنّ العالم غير متلهّف إلى بروز قوة عظمى مناوئة؛ إذ ينظر إلى الطموحات العسكرية الصينية بارتياب؛ ولا يوثق بالقادة الروس؛ والرئيس الإيراني مكروه. ترتفع خيبة الأمل لدينا عندما يعتقد بأنّنا نتصرّف من دون مراعاة مصالح الآخرين ومخاوفهم: عندما نرفض مثلاً الاستماع إلى نصيحة العرب والأتراك قبل غزو بلد إلى جوارهم؛ أو عندما نعارض معاهدة في شأن تغيّر المناخ أو محكمة جنائية دولية، بدلاً من العمل مع الآخرين لتحسين تلك الترتيبات؛ أو عندما نجعل سياسة الهجرة كرة قدم سياسية في حين نطلب من المكسيك أن تعطي الأولوية لمكافحة المخدّرات.
أنت تنصّب للمرّة الأولى مرّة واحدة فقط، فحاول تحقيق أقصى ما يمكن فيها. وعندما تبدأ الخطاب، سيتغيّر صوت أميركا. فالآذان التي صُمّت في كل أنحاء العالم ستفتح لحظة واحدة على الأقل، وكذلك العقول. تأكّد من العبارة المميّزة التي تريدها. فقد كانت تلك العبارة «كل ما تخافونه هو الخوف نفسه» مع فرانكلين د. روزفلت. وكانت مع جون ف. كنيدي «لا تسأل»، ومع جورج هـ. دبليو بوش شيئاً مثل «النسيم العليل». وتحدّث كلينتون عن التغيير («نحن نفرض الربيع») وتعهّد رئيسنا الثالث والأربعون - أتذكر؟ - أن «تُظهر أميركا هدفها من دون تكبّر».
كُن طموحاً، ولكن تواضع في كلماتك ما استطعت. فمن عادة المرشّحين الرئاسيين أن يرسموا صورة وردية لما سيكون عليه العالم إذا انتخبوا، كما لو أنّ السماء ستفتح بحيث يتدفّق العدل الحقّ. لا تنتظر مثل هذه الهدية. فأنت توشك أن ترث كثيراً من المشاكل من دون أن تكون لديك سلطة في السماء، فيما لديك القليل منها على الأرض.
• أولبرايت تكتب «مذكرة الى الرئيس المنتخب» لاستعادة رأس المال السياسي الأميركي المُبدد (1 من 5) ... الخطأ المأسوي في العراق... وأميركا تواجه 4 أخطار أولها الارهاب وازدياد عداء العرب والمسلمين
التعديل الأخير: