حول العالم
اقتصاد الحرب خاسر في جميع الأحوال
اقتصاد الحرب خاسر في جميع الأحوال
فهد عامر الأحمدي
وزارة الدفاع الأمريكية غير راضية عن مستوى جنودها في العراق وأفغانستان .. فقد اتضح أن قواتها المسلحة أطلقت 250.000رصاصة مقابل كل عنصر تم قتله من المقاومة في هذين البلدين. وهذا المعدل تم استنتاجه من دراسة لمكتب المحاسبة في الوزارة تم فيه قسمة عدد الرصاص المستعمل (بين عامي 2003و2006) على عدد المقاومين الذين تم قتلهم أو تصويبهم خلال نفس الفترة!!.
والخاسر هنا بالطبع المواطن الأمريكي الذي يدفع الضرائب -وليس الجندي الذي يستعمل رشاشا يطلق 500رصاصة في الدقيقة .. ولاحظ هنا أننا لا نتحدث عن الطائرات أو الصواريخ أو حاملات الطائرات (ولا حتى قذائف الدبابات التي تفوق ثمن الرصاصة بأضعاف كثيرة) بل عن طلقة بندقية لا يتجاوز متوسط كلفتها "أربعة دولارات" .. وبضرب هذا المبلغ بعدد الرصاص المهدر من كل جندي أمريكي ترتفع كلفة قتل "العدو" العراقي والأفغاني إلى مليون دولار!!
.. وإذا نظرنا للموضوع من إطار أشمل وأوسع نجد أن أمريكا أنفقت حتى الآن 400مليار دولار لتمويل حربها في العراق وأفغانستان. ومبلغ كهذا كان كفيلا بتأليف شعوب المنطقة وكسب ودها واحترامها لو قدم كمساعدات إنسانية أو برامج تعليمية وبنية تحتية .. غير أن أمريكا (على العكس من ذلك) تخسر مع كل رصاصة تطلقها صديقا في المنطقة أو حليفا قديما كان يؤمن بالأخلاق والمبادئ الأمريكية!!.
.. على أي حال مفارقة الرصاص السابقة تقودني للحديث عن الجدوى الاقتصادية للحروب وبناء الجيوش ذاتها (بل وحتى فكرة التسلح من أساسها) !!
.. فالتسلح "حاجة نسبية" وعسكرة المجتمع فكرة خاسرة في جميع الأحوال .. فمشكلة الجيوش - في أي بلد - أنها مكلفة ولا تقدم مساهمة فعلية في تنمية المجتمع .. ومع هذا يصعب إلغاؤها بسبب الخوف البشري الدفين من احتمال حدوث حرب (قد تمر أجيال وعقود بدون أن تقع) !!
والجيوش ليست فقط غير فعالة في تنمية المجتمع بل وتستقطع الكثير من حساب تلك التنمية .. فتسليح جندي واحد يكفي لتعليم مائة طفل، وقيمة غواصة واحدة تبني عشرة مستشفيات، وثمن مقاتلة نفاثة يملأ 50.000صيدلية بالعقاقير، وكل مبلغ يستقطع لشراء رصاصة يتم على حساب مواطن لا يجد دواء أو عملا مناسبا (وفي النهاية يطال الصدأ المعدات والرجال قبل وقوع حرب تستحق الأموال المنفقة) ..
وهناك دول كثيرة حول العالم ألغت جيوشها طواعية (مثل سويسرا وبنما وكوستاريكا وموناكو وإيسلندا والمالديف) إيمانا منها بأن الخسائر المحتملة لأي غزو أجنبي لا يقارن بعجز "وزارة الصحة" فيها عن توفير محاليل الإسهال الذي يقتل كل عام عشرة أضعاف ما تقترفه حروب العالم مجتمعة .. ولو عدنا للإحصائيات العالمية لاكتشفنا أن أكثر الشعوب تعسكرا وتسلحا هي أكثرها تخلفا في مجال الرعاية الصحية والتعليم الأساسي والبنية التحتية (مثل كوريا الشمالية وأنغولا وأفغانستان والعراق) .. وفي المقابل هناك دول (مثل اليابان وألمانيا والنرويج) أدركت خطورة التوسع في الانفاق العسكري فحققت مستويات مدهشة في الصحة والتعليم والرفاه الاجتماعي ووصلت بصادراتها إلى حيث عجزت آلتها العسكرية - وبين هؤلاء وأولئك دول صغيرة (كالدنمرك وسنغافورة والأورجواي) اقتنعت بعجزها عن مقارعة الدول الكبيرة فقررت - منذ البداية - عدم إنفاق الكثير على قوات سيتم سحقها في جميع الأحوال (والمدهش أن هذه السياسة أثبتت نجاحها وأنقذت سويسرا والدنمرك وموناكو من مآسي الحرب العالمية الثانية)!!.
.. ما أود الانتهاء إليه هو ضرورة الموازنة بين حاجة المجتمعات للتسلح والتجيش (وبالتالي المجازفة بخسارة الجبهة الداخلية) وبين تنمية المجتمع المدني (مع احتمال كبير بالنجاة من أي غزو خارجي) ..
وفي جميع الأحوال لا يمكن لأي غزو خارجي إلغاء عقود طويلة من البناء والتنمية في حين يمكن لعسكرة المجتمع فعل ذلك طواعية!!.
جريدة الرياض
السبت 19 ربيع الأول 1428هـ - 7 أبريل 2007م - العدد 14166
http://www.alriyadh.com/2007/04/07/article239710.html