في تطوير جديد
الحرب بالريموت كنترول عبر القارات
في الخامس عشر من سبتمبر 2001، أي بعد أربعة أيام فقط على مهاجمة مركز التجارة الدولي في نيويورك ومقر وزارة الدفاع في واشنطن، أرسلت الولايات المتحدة إلى أفغانستان أولى طائرات التجسس والمراقبة التي تطير من دون طيار، ويتم التحكم فيها عن بُعد. اليوم.. يوجد في أجواء أفغانستان والعراق أكثر من سبعة آلاف طائرة من هذا النوع ضمن مشروع تبلغ ميزانيته السنوية ثلاثة مليارات دولار. بل إن عدد الطائرات التي تعمل من دون طيار بات يفوق عدد الطائرات الحربية الأميركية في هذين البلدين. ويمثل هذا المشروع ثورة في عالم الحروب التي تخاض بالريموت كونترول وتكنولوجيا ألعاب الفيديو. ففي قاعدة كريش الجوية القريبة من مدينة لاس فيغاس في ولاية نيفادا الأميركية، يعمل عدد من العسكريين السابقين، وغيرهم من الملمين بالتكنولوجيا، أو الأمور الهندسية في توجيه طائرات محملة بكل أنواع القنابل والصواريخ لتنفيذ عمليات عسكرية ضد أفراد أو مجموعات أو منشآت في العراق أو أفغانستان على الرغم من أن المسافة الفاصلة بين هذه الأهداف والشخص الذي يوجه الطائرة المحملة بأسباب الموت والدمار لا تقل عن اثني عشر ألف كيلومتر. وفي إطار الثورة التكنولوجية، توفر وزارة الدفاع الأميركية للعاملين في توجيه هذه الطائرات إمكانية مشاهدة الأهداف على شاشات كمبيوترية أمامهم، وذلك بفضل أقمار التجسس المزودة بكاميرات تنقل كل صغيرة وكبيرة.. وهذه الميزة متوافرة أيضاً للعسكريين المنتشرين على جبهات القتال بحيث بات يمكنهم مشاهدة العدو من بُعد.
ألعاب الفيديو
يقول الخبراء العسكريون إن الشخص الذي يوجه الطائرة بالريموت كونترول، وكأنه يمارس واحدة من ألعاب الحرب الإلكترونية بالفيديو يخوض صراعاً، وكأنه في ساحة حرب حقيقية.. لكنه ما أن تنتهي ورديته يعود خلال دقائق إلى بيته وأسرته ويمارس حياته بصورة طبيعية تماماً.ويضيف هؤلاء أن موجه الطائرة يمكنه الانتقال خلال دقائق من حديث شيق مع زوجته أو أحد أفراد أسرته إلى تنفيذ مهمة شاقة لتعقب مسلح هنا أو تدمير منشأة هناك.. وبعد انتهاء مهمته يعود لممارسة حياته.. أو لاستئناف ذلك الحديث الشيق.
7 قواعد جوية
العقيد المتقاعد كريس شامبليس تولى لفترة انتهت في الصيف الماضي مسؤولية عمليات الطائرات الموجهة من دون طيار، وذلك من مقر قيادة تشرف على سبع قواعد جوية منتشرة في الولايات المتحدة، ويعمل فيها فنيون على مدار الساعة في توجيه طائراتهم العاملة في أجواء أفغانستان والعراق. ويقول في هذا الشأن: في الطريق إلى القاعدة لا بد لك من أن تهيئ نفسك لدخول ساحة الحرب وأنت جالس في مقعدك الوثير داخل غرفة مكيفة الهواء.. أن تعيش أهوال الحرب.. قتل ودمار ودماء.. وعند المغادرة وأنت في طريقك إلى منزلك وأسرتك عليك أن تهيئ نفسك مجدداً لاستئناف حياتك بصورة طبيعية.. قد تقضي السهرة مع برنامجك التلفزيوني المفضل، أو تخرج لقضاء سهرة مع الأصدقاء.والفرق بين الطيار الذي يخوض الحرب في ساحاتها الحقيقية والطيار الذي يوجه طائرته بالريموت كونترول، كما يقول هذا العسكري المخضرم، هو أن الأخير لا يعرض حياته للخطر حتى ولو سقطت طائرته لأي سبب كان.. فهو يمارس الحرب وكأنه يجلس أمام أي لعبة فيديو.. فالخبرة في ألعاب الفيديو تكسب موجه الطائرة خبرة في ساحات القتال المفترض.
اختيار الطيارين
ويرى المطلعون على التفاصيل أن المشرفين على اختيار الطيارين يفضلون العسكريين السابقين والمهندسين المتقاعدين، لكن الأفضلية تكون للشباب المتفوقين في ألعاب الفيديو، وغالبيتهم في أوائل العشرينات من أعمارهم.وفي أكثر من مناسبة طُلب من شاب في التاسعة عشرة من عمره، لم يدخل جامعة في حياته لكنه بارع جداً في ألعاب الفيديو، أن يتولى تدريب الطيارين الجدد، وبينهم عسكريون سابقون وخريجو جامعات. وكما هي الحال في ساحات القتال، هناك دائماً اختصاصيون نفسيون لمساعدة موجهي هذه الطائرات الذين قد يصابون بالتوتر الشديد من رؤية الدماء والدمار حتى ولو كان ذلك عبر القارات.
التأقلم الصعب
ويعتبر الخبراء النفسيون أنهم يواجهون تحديات غير عادية.. فموجه الطائرة العاملة من دون طيار، وعلى الرغم من المسافات الفاصلة، يتملكه شعور بأهوال الحرب ربما أكثر بكثير من الطيار الذي يقود طائرة حقيقية في ساحات القتال.. فهو يظل يحلق فوق المنطقة نفسها لساعات قد تصل الى عشر، وهي كافية لرؤية كل آثار الدمار الذي ألحقه، في حين أن الطيار يحلّق فوق منطقة العملية لثوان قليلة لا تكفي لرؤية نتيجة الغارة التي شنها.ويقال في هذا الشأن إن الكثيرين يفضلون الذهاب الى ساحات الحرب على خوض الحرب بالريموت كنترول والانتقال يوميا وربما خلال دقائق بين الحياة الهادئة والحرب الطاحنة والتأقلم بين هذه وتلك.
يوم العمل
في الثامنة صباحا، تبدأ الدورية الأولى لموجهي الطائرات عن بُعد.. نصف الساعة الأولى يقضيها الواحد منهم في الاستماع الى تقرير مفصل عن المهمة التي تنتظره، يجلس على كرسيه الوثير وهو أشبه بمقعد الطيار الحقيقي، أمامه شاشة كمبيوتر تعرض لقطات حية لمسرح العمليات في جبال أفغانستان، لقطات ملونة أثناء النهار وبالأسود والأبيض ليلا.ومثل أي طيار في قمرة القيادة، تظهر على الشاشة أمامه قراءات عدة عن سرعة الطائرة ودرجة الحرارة في مسرح العمليات وارتفاع الطائرة ودرجة ميلانها وكمية الوقود في خزانها وغير ذلك من القراءات التي يحتاج اليها كل من يقود طائرة حربية.
ومثل أي كمبيوتر آخر، توجد لوحة مفاتيح لطباعة ما يشاء للتخاطب والتواصل مع غيره من العسكريين الأميركيين في شتى أنحاء العالم وليس في أفغانستان أو الولايات المتحدة فقط.