واصلت الصحف “الإسرائيلية” أمس، نشر بروتوكولات الأيام الأربعة الأولى من حرب السادس من أكتوبر ،1973 وتبين منها أن قادة “إسرائيل” بحثوا قصف دمشق، وأنهم لم يكونوا مقتنعين بأن الرئيس المصري حينذاك أنور السادات سيجرؤ على البدء في حرب ضد “إسرائيل” .ويظهر من البروتوكولات، التي سمح الأرشيف “الإسرائيلي” بكشفها الأحد الماضي، أنه في الساعة الثأمنة من صباح 6 أكتوبر/ تشرين الأول، وقبل 6 ساعات من الحرب، عقد اجتماع في مكتب رئيسة الوزراء “الإسرائيلية” آنذاك غولدا مائير في أعقاب وصول معلومات من الجاسوس المصري أشرف مروان إلى رئيس الموساد تسفي زامير (تسفيكا)، تحذر من أن مصر ستشن هجوما مفاجئاً، وأن السوفييت يخلون عائلات دبلوماسييهم ومبعوثيهم العسكريين من مصر وسوريا
وقال رئيس أركان جيش الاحتلال حينذاك دافيد إلعازار (دادو) خلال الاجتماع “قرأت برقية رجل تسفيكا (أشرف مروان)، والبث حقيقي ويشكل تحذيراً قصير الأمد للغاية بالنسبة لنا، وإذا شنوا هجوماً بعد عشر ساعات، فإن الجيش النظامي مستعد بأقصى درجة لكننا لم نجند قوات الاحتياط” .وقال الوزير يسرائيل غليلي إن “مصدر تسفيكا يقول إنه بالإمكان إحباط نشوب الحرب بواسطة تسريب (إلى وسائل إعلام عالمية)، وتسفيكا يقترح تجربة ذلك”، وردّت مائير أنه بالإمكان تسريب المعلومات إلى “بي .بي .سي” و”سي .بي .إس” وغيرها من وسائل الإعلام
من جهته، اعتبر رئيس الأركان إلعازار “من الناحية العملية باستطاعتنا عند الساعة 12،00 القضاء على سلاح الجو السوري بأكمله، (وبعد ذلك) نحن بحاجة إلى 30 ساعة للقضاء على المنظومة الصاروخية، وإذا كانوا يعتزمون بدء الهجوم في الساعة الخامسة مساء، سيعمل سلاح الجو في هذه الساعة بحرية ضد الجيش السوري” .إلا أن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ايلي زاعيرا شكك في نوايا السادات، قائلاً إنه “رغم حقيقة أنهم مستعدون (لكن) في رأيي هم يعرفون أنهم سيخسرون، والسادات اليوم ليس في وضع يحتم عليه شن حرب، كل شيء جاهز، لكن لا توجد ضرورة، وهو يعرف أن التوازن لم يتحسن” منذ حرب عام 1967 .ولخصت مائير النقاش بالقول إنه “في ما يتعلق بضربة استباقية فإنه من الناحية الجوهرية لا يمكننا السماح لأنفسنا بالقيام بذلك، وإذا هاجمت مصر فإنه سيكون بإمكاننا ضرب سوريا” .كما تخبطت مائير بين طلب إلعازار بتجنيد قوات احتياط كبيرة، واقتراح وزير الحرب موشيه ديان تجنيد عدد قليل من القوات، وفي نهاية المطاف قررت استدعاء 200 ألف جندي احتياط
في صبيحة اليوم الثاني للحرب، أجرت مائير مشاورات حول كيفية الحصول على مساعدة الولايات المتحدة في أمور عدة، بينها الحصول على أسلحة ومعدات عسكرية، والعمل على منع اتخاذ قرار في مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار كي لا تُمس “إسرائيل”، وإرسال إسحق رابين إلى واشنطن للقاء وزير الخارجية هنري كسينغر وشرح وضع “إسرائيل” .وفي اجتماع آخر عقدته مائير قبل منتصف الليل بقليل أبلغها رابين الذي قام بجولة على ما تسمى “الجبهة الجنوبية” مع مصر، أن القوات “الإسرائيلية” تكبدت 80 قتيلا و400 جريح، وأن تقديرات قائد الجبهة الجنرال شموئيل غوروديش هي أنه إلى حين الانتقال إلى وضع هجومي سيسقط 150 إلى 200 قتيل آخرين، واعترف رابين بأنه لا توجد لدى “إسرائيل” معلومات حول خسائر بشرية مصرية
في صبيحة يوم 8 أكتوبر/ تشرين الأول، طلب إلعازار مصادقة مائير على مهاجمة أربعة أهداف مصرية “من أجل ممارسة الضغط عليهم”، وصادقت على طلبه . وفي مساء اليوم ذاته أبلغ الجنرال في الاحتياط حاييم بارليف والوزير يغئال ألون، مائير أنهما كانا في جولات في جبهات القتال وأن وضع القوات “الإسرائيلية” يتحسن، لكنهما حذرا من قدرات الجيشين المصري والسوري ومن وجود دبابات سوفييتية متطورة بحوزتهما .وخلال الاجتماع نفسه حذر رئيس “الموساد” زامير من إمكانية انضمام الأردن إلى القتال، لكن مائير قالت إن الملك حسين “أعلن اليوم مرتين أنه أسقط طائرات لنا، وأنا أعتقد أنه يسقطها بالكلام لكنه لن يفعل شيئاً . السادات يمارس ضغوطاً عليه، والأسد (الرئيس السوري الراحل) يمارس ضغوطاً عليه أيضاً، وأنا آمل أن يكتفي بالكلام” .وفي اجتماع عقد في مكتب مائير في 9 أكتوبر/ تشرين الأول، عبر ديان عن قناعته بأنه بإمكان القوات “الإسرائيلية” حسم الحرب مع سوريا، وطلب قصف مواقع في دمشق، وردت مائير “داخل المدينة؟”، وأجابها ديان “داخل المدينة وحولها، يجب كسر السوريين” .وأوضح ديان أنه “لا يوجد لدى دادو قوة للذهاب براً إلى دمشق، وليس لدينا طابور من أجل التضليل، ولدينا نفس عدد الدبابات التي كانت لدينا في حرب الأيام الستة، والدبابات تتآكل” .وأضاف أن الأهداف التي يطلب مهاجمتها في دمشق هي مقر قيادة أركان الجيش السوري، ومنشآت تحتية في العاصمة “ولا يمكن القول إن السكان لن يصابوا” .وبعد ذلك اقترحت مائير أن تسافر إلى واشنطن سراً من دون إبلاغ حكومتها، في زيارة تستغرق 24 ساعة، تلتقي خلالها الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون “لإطلاعه على خطورة الوضع”، لكنها لم تكن متأكدة من رده، وما إذا سيوفر الدعم الذي تطلبه، لذلك تم إلغاء الاقتراح
وعلق المحلل السياسي - الأمني في صحيفة “هآرتس” أمير أورن على مضمون البروتوكولات أنه “ليست الحقائق هي التي تصدم القارئ وإنما الثقة المفرطة بالنفس التي سادت الأجواء”، خلال الاجتماعات في مكتب مائير . وأشار إلى أنه “في مكان ما في قناة الاستخبارات تم تشويش التحذير (حول موعد بدء الهجوم) من الساعة 14،00 إلى الساعة 18،00” .من جهته، أشار كبير المعلقين في “يديعوت أحرونوت” ناحوم برنياع إلى البروتوكولات تدل “إلى أي مدى كانت “إسرائيل” متعلقة بالإدارة الأمريكية، وكان هذا تعلقاً مطلقاً بدءاً من الحاجة الفزعة، إلى الطائرات والدبابات، وانتهاء بوقف إطلاق النار في مجلس الأمن، ف “إسرائيل” أرادت وقف إطلاق النار لكنها ادعت أنها لا تريده كي لا يعرف العالم والعرب مدى خطورة الوضع