العلامة الشيخ عبد الكريم بيارة المدرس
الدكتور أكرم عبد الرزاق المشهداني
الدكتور أكرم عبد الرزاق المشهداني
من حق الأمم والشعوب أن تفخر بعلمائها الأجلاء، ومن حق العراق بكرده وعربه أن يفخر بأحد العلماء الأكارم الذي كرّس حياته لخدمة الدين والعلم والفقه والأدب، ألا وهو العلامة المرحوم الشيخ عبدالكريم بيارة المدرس. ولد عالمنا الجليل الشيخ عبد الكريم ابن فتاح ابن سليمان ابن مصطفى ابن محمد، من عشيرة (هوزقاضي) في شهر ربيع الأول سنة 1323 هجرية، المصادف لسنة 1902 ميلادية، وتوفي يوم الثلاثاء 30/8/2005 عن عمر يناهز المائة عام، أمضاها في العلم والتعلم والتعليم والفتوى الدينية، وبوفاته فقد العراق والعالم الإسلامي أحد أعمدة العلم الديني الذي لا يعوّض.
ونظرا لولادته ونشأته في بيئة دينية، فقد توجه نحو الدراسة الإسلامية في المدارس الدينية التي كانت منتشرة في أنحاء مختلفة من العراق وختم القرآن مبكرا، ودرس على يد نخبة من العلماء ونال الإجازة العلمية سنة 1925 على يد الشيخ (عمر القره داغي)، وصار بعد ذلك مدرسا وإماما في أحد جوامع قضاء حلبجة. ولم يمض وقت طويل حتى انتقل إلى قرية (بيارة) حيث عمل مدرسا في مدرستها الدينية في تكية الشيخ علاء الدين النقشبندي حتى سنة 1951 ، وهناك برز حتى أصبح يسمى (عبدالكريم بيارة المدرس). قام بالتدريس في السليمانية وكركوك قبل أن يستقر ببغداد ويعين مدرسا في مدرسة الشيخ عبدالقادر الگيلاني وإماما في جامع الأحمدي وظل يواصل الدرس والتدريس والإفتاء حتى آخر يوم من حياته.
عاش الفقيد الراحل حياة طويلة مليئة بالثمار اليانعة من المؤلفات القيمة باللغات الكردية والعربية والفارسية، وكان مجلسه وديوانه العامر في جامع حضرة الشيخ عبد القادر الگيلاني تعمّه صباحاً ومساءً الجنسيات المختلفة من طلاب العلم المسلمين إضافة إلى زواره المختلفين. . فمنهم الزائر ومنهم الحائر ومنهم السائل فيصغي لاستفساراتهم الشرعية لإصدار الفتاوى كونه مرجعاً فقهياً معتمدا ومتولي منصب الإفتاء ورئيس رابطة علماء الدين في العراق، وقضى وقتا مثمرا لكتابة مؤلفاته الدينية والأدبية، ومن أهمها تفسير القرآن الكريم وكذلك القاموس العربي الكردي.
ـ مسيرته العلمية :
بدأ دراسته عندما بلغ سن التمييز فختم القران الكريم وبعض الكتب الدينية الصغيرة. وتجول في المدارس ووقع تحت رعاية أحد العلماء فقرأ عنده المقدمات في النحو والصرف. دخل مدرسة (خانقاه دورود) في إدارة حضرة الشيخ علاء الدين بن الشيخ عمر ضياء الدين بن الشيخ عثمان سراج الدين، ودرس النحو والمنطق وآداب البحث والفقه والفلك. وكان من اساتذته كذلك العالم الملا محمود بالك، أقام في خانقاه حضرة مولانا خالد حيث درس على يد العلاَّمة الشيخ عمر القره داغي علوم البرهان والتشريح والحساب والحكمة والاسطرلاب والبلاغة والفقه. ثم انتقل الى كركوك وعمل مدرسا وخطيبا في التكية الطالبانية هناك ولقي من لدن الشيخ جميل الطالباني كل احترام وتقدير.
ـ الحضرة الگيلانية / 1914 :
كانت الانعطافة الكبيرة في حياته عندما شغرت مدرسة سيدنا حضرة الشيخ عبد القادر الگيلاني في بغداد بوفاة المدرس المعروف الشيخ محمد القره داغي ، فتوجه الى بغداد وشارك في الامتحان الخاص بالقبول لتولي المركز المذكور، ونجح في الامتحان وتعيَّن مدرساً في الجامع الاحمدي قرب وزارة الدفاع ، كما قدم طلبا للتدريس في جامع حضرة الشيخ عبد القادر فحصلت الموافقة. وخلال عمله في مدرسة الجامع المبارك المذكور كان يعمل معه مدرسان آخران هما الحاج عبد القادر الخطيب وكمال الدين الطائي، فمارس التدريس فيها بجدارة واخلاص واقتدار.
وفي سنة 1973 م احيل على التقاعد، ولكن السادة النقباء الشرفاء من ذرية الشيخ الگيلاني كلفوه بالبقاء في محله بالحضرة القادرية لافتاء المسلمين في الاحكام الشرعية، والقيام بالامامة للصلاة. وقد تحولت تكيته في الحضرة الگيلانية الى ما يشبه المضيف حيث كان يقصده فيها رجال الدين وسائر محبيه ومعارفه من مختلف الطبقات والمستويات الاجتماعية. . وفي الواقع ان شهرة الشيخ عبد الكريم المدرس وصلت الى كل ارجاء العالم. كما شغل وتولى باقتدار منصب المفتي الاول للشافعية في العالم ورئيس رابطة علماء الدين في العراق. وقاربت مؤلفاته ونتاجاته الرصينة المائة كتاب في مجال الدراسات الادبية والدينية.
ـ مؤلفاته :
ترك المرحوم المدرس عددا كبيرا من الكتب والدراسات باللغتين العربية والكردية منها (تفسير القران الكريم باللغة الكردية) ويقع في سبعة أجزاء، وكتاب (الشريعة الإسلامية) باللغة الكردية وكتاب (فتاوى العلماء الأكراد الفقهية) باللغة العربية (3 أجزاء) وتفسير القران الكريم (مواهب الرحمن في تفسير القران) ثمان أجزاء. ومن مؤلفاته في النحو : (المواهب الحميدة في شرح الفريدة) للسيوطي وفي علم الكلام له (الوسيلة في شرح الفضيلة) لعبد الرحيم المولودي وفي الأدب الكردي (شرح ديوان مولودي)، وشرح ديوان (فقي قادر هماوندي)، وشرح ديوان (بيساراني) وكان له اهتمام كبير بالتاريخ، ومن مؤلفاته في هذا المجال كتابه: (علماؤنا في خدمة العلم والدين) باللغة العربية. وكل من يتأمل نتاجاته ويمعن النظر فيها يلاحظ وبلاعناء طول باعه وعلو كعبه في هذه اللغات ومعرفته العميقة لاساليبها البيانية وكلها تدل على سعة اطلاعه على مفردات اللغة وقواعدها وتمكنه منها فاللغة طوع بنانه يضع منها ما شاء ويصوغ منها ما يوحي اليه فكره الواسع وخياله العميق
ـ مؤلفاته بالعربية هي:
1. إرشاد الأنام إلى أركان الإسلام.
2. إرشاد الناسك إلى المناسك.
3. إسناد الأعلام.
4. إعلام بالغيب وإلهام بلا ريب.
5. الأنوار القدسية في الأحوال الشخصية.
6. الفرائد الجديدة.
7. القصيدة الوردية في سيرة خير البرية.
8. الوردة العنبرية في سيرة خير البرية.
9. الوسيلة في شرح الفضيلة.
10. جواهر الفتاوى.
11. جواهر الكلام في عقايد أهل الإسلام.
12. خلاصة جواهر الكلام.
13. رسائل الرحمة في المنطق والحكمة.
14. رسائل العرفان.
15. صفوة اللآلي.
16. علماؤنا في خدمة العلم والدين.
17. مواهب الرحمن في تفسير القرآن.
18. نور الإسلام.
19. نور الإيمان.
ـ مؤلفاته باللغة الكردية :
1. باخضة ي طولاَن / حديقة الورود.
2. باراني رِة حمة ت / مطر الرحمة.
3. بة هار وكولَزار / الربيع والرياض.
4. بنة مالَة ى زانياران / أسرُ العُلماء.
5. بهارستان مولانا جامى / عالم ربيع مولانا جامي.
6. تة صريفي زنجاني / تصريف الزنجاني.
7. تة فسيري نامي / تفسيرُ نامي.
8. ثهناو سكالا / مديحٌ وتضرُّع.
9. حج نامة / رسالة الحج.
10. خولاصة ي تة فسيري نامي / مختصر تفسير نامي.
11. دانشمندان كرد - درخدمت علم ودين / علماؤنا في خدمة العلم والدين.
12. دوو رِشتة ي مرواري / حلقتان من اللؤلؤ.
13. ديواني فة قيَ قادري هة مة وةند / ديوان فقي قادر الهماوندي.
14. ديواني مة حوي / ديوان محوي.
15. ديواني مة ولة وي / ديوان مولوي.
16. ديواني نالي / ديوان نالي.
17. رِوزكاى زيانم / أيامُ حياتي.
18. رِوزكاى بة هة شت / طريق الجنة.
19. رِيَكاى رِة هبة ر / سبيل الرسول.
20. سة رضاوة ى ئايين / منبع الدين.
21. سوَسةني كؤسار / سَوسَنةُ الجبال.
22. شة ريعة تي ئيسلام - بة ركى 1،2،3،4 / الشريعة الإسلامية/ أربعة أجزاء.
23. شة مامة ى بؤندار / الشمامة العطرة.
24. شة وضرا / سراجُ الليل.
25. شمشيَر كاري / السيف البتّـار.
26. عة قيدة ي مرضية / العقيدة المرضية.
27. فوائد الفوائح / فوائد الفوائح.
28. كة راماتي حضرة ضياء الدين "قدس سره" / كرامات حضرة عمر ضياء الدين "قدس سره".
29. لة ثةناى رِة هبة ر / في ظلال الرسول.
30. ليموَي مة زة دار / الليمونة الذيذة.
31. مة ولود نامة وميعراج نامة / رسالة المولد النبوي ورسالة المعراج.
32. مكتوبات كاك احمد شيخ / مكتوبات كاك أحمد الشيخ.
33. مناجات / المناجاة.
34. نامة ى بة ختيار / رسالة السعيد.
35. نامة ى ثيروَز / الرسالة المقدسة.
36. نامة ى هؤشيار / رسالة النبيه.
37. نامة ي بوَندار / الرسالة العطرة.
38. نوورى ئيسلام / نور الإسلام.
39. نووري قورئان / نور القرآن.
40. هؤنراوة ي لة ثةناى رِة هبة ر وياراندا / منظومة شعرية في مدح الرسول والأصحاب.
41. وة فات نامة / رسالة الوفاة.
42. وةنة وشة ي نازدار / البنفسجة المدللة.
43. ووتارى ئايينى / الخطب الدينية.
44. يادي مة ردان/ دوو بة رك / ذكريات الرجال/ مجلدان.
45. ئةساسي سةعادت / أساس السعادة.
46. ئيمان وئيسلام / الإيمان والإسلام
ـ موقف الشيخ بيارة من غزو العراق :
كان الشيخ الجليل عبدالكريم أبياً عفيفاً لم يتنازل أو يداهن حاكماً ولا سلطة، وما قبل عطية أو هدية من حاكم، او مسؤول، وعند إحتلال العراق كان له موقف مشهود أثار نقمة سلطات الإحتلال، والحكومة العراقية، بسبب فتواه ضد الإحتلال، وفرضت الحكومة والاحتلال طوقا أمنيا حول مدرسته بعد صدور أول فتوى له في 14 أبريل عام 2003، عقب احتلال العراق وسقوط بغداد، بإعلان الجهاد الموحد وإجازته للنساء الخروج للقتال في مواضع حددها الشيخ رحمه الله .. وطلب من جميع فصائل المقاومة اتخاذ سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم منهجاً لهم، واتخاذه صلى الله عليه وسلم قائدا لهم. وروى لي أشخاص من سكنة منطقة باب الشيخ أن محاولات آثمة جرت لإغتيال الشيخ الجليل لكن وقوف أهل منطقة باب الشيخ وراءه أفشل تلك المحاولات. كما روي لي ان السلطة اعتقلت خادمه الامين وهو مصري الجنسية خلال حملة تسفير المواطنين العرب الموجودين في العراق، وقد تأثر الشيخ الجليل بذلك وحاول عبثا السعي لاطلاق سراحه ففشل، وكان ذلك أحد أسباب انتكاسة حالته الصحية.
كان الشيخ عبد الكريم المدرس علامة موسوعياً في معظم العلوم، ومحققاً ومدققاً في علوم الشريعة، ومصلحاً اجتماعياً يصلح بين الناس، وعالماً ربانياً زاهداً عن الدنيا، ناسكاً عن متاعها، محبوباً لدى الناس، متواضعاً، اجتمعت عليه كلمة علماء العراق. قضى الشيخ عبد الكريم سني عمره في العلم والتأليف والبحث والفتوى والتدريس. وتخرج على يديه الكثير من العلماء داخل العراق وخارجه. فقد درس في مدارس خانقاه ببياره منذ أربعينيات القرن العشرين، حتى استقر به المقام في الحضرة القادرية في بغداد في الستينيات. وترك الشيخ المدرِّس ثروة كبيرة من الكتب في مختلف العلوم والفنون الإسلامية بلغت أكثر من 150 كتاباً، توزعت على أمور العقيدة وعلم الكلام والتفسير والفقه والنحو الصرف والبلاغة والمنطق وغيرها. كما كان صاحب موهبة في قرض الشعر. وكان ينشد الأشعار باللغات العربية والكردية والفارسية
رحم الله المدرس فقد كان فقيها ورعا، وأستاذا بارزا، ومفكرا فذا، وعالما جليلاً.. احترمه العراقيون جميعا عربهم وأكرادهم، ووضعوه في مكانة لائقة به.. ولاشك أن وفاته تعد خسارة كبيرة وعزائنا انه ترك مايجعلنا نذكره والذكر للإنسان حياة ثانية له..
عن الرابطة العراقية