القوة الخشنة والقوة الناعمة

night fury

عضو
إنضم
23 مارس 2008
المشاركات
4,508
التفاعل
1,268 1 0
الدولة
Jordan

القوة الخشنة والقوة الناعمة


نشوب الصراع بين الدول أمر طبيعي، حتى وإن تجمّل البعض ووصفوا هذا الصراع بالمنافسة، إذا إنه يظل في حقيقة الأمر صراعاً بكل ما تحمله تلك الكلمة من معاني، لأن الدول تستخدم في هذا الصراع كل إمكاناتها المتاحة لتحقيق أغراضها السياسية، وقد يتم ذلك باستخدام الوسائل السياسية من مناورات وحوارات تنتهي إلى اتفاقيات تعبّر ــ عادة ــ عن توازن قوى الموقعين عليها، ويطلق على هذا الأسلوب : (القوة الناعمة).

وقد يتم تحقيق الأغراض السياسية عن طريق اللجوء لخوض الحروب والمعارك والأعمال العدائية لتليين الإرادات، والوصول إلى اتفاقيات تعبّر عن توازن قوى موقعيها أيضاً، أو عن طريق الردع، وهو استخدام وسائل القتال لمنع القتال، وتحقيق الأغراض السياسية، وهذا ما يُعرف بأسلوب (القوة الخشنة).

إن استخدام القوة الخشنة هو جزء من الصراع، وهو في مجمله عمل سياسي يبدأ بقرار سياسي ويجسّد غرضاً سياسياً يتم التعامل معه، ويجري تقويم استخدام نتائج القوة في إطار النتائج السياسية التي تتحقق، حيث يعرف كل لاعب مكانه الحقيقي في خريطة الصراع في زمن معين.

مقاومة الاحتلال مشروعة بالحرب الخشنة والحرب الناعمة

أما الاحتلال والعدوان، فيتم تعزيزهما باستخدام القوة لغرض سياسي، كما أن مقاومة هذا الاحتلال والقضاء عليه هو غرض سياسي لا يتم تحقيقه إلاّ باستخدام القوة بكل أنواعها خشنة كانت أو ناعمة، ولهذا كان إعلان الحرب على الاحتلال، وإقرار المقاومة عملاً مشروعاً يدخل في نطاق الحروب الشرعية، كما أن إعلان الحرب أو القبول باقتحامها بعد حسابات دقيقة يعني رفض العدوان، وإعمال الإرادة، وتحقيق الغرض الأسمى من الحرب وهو الوصول إلى سلام أفضل، أي إلى منع الحروب المقبلة.

(جوزيف ناي) ونظرية (القوة الناعمة)

يرى المنظِّر الأمريكي (جوزيف ناي)، وصاحب نظرية (القوة الناعمة)، وهو كاتب أكاديمي متخصص في أدبيات القوة المرنة وتناول قضية (قوة أمريكا الخارجية)، وواحد ممن تمثّل آراؤهم جاذبية خاصة داخل أمريكا وخارجها على السواء، يرى (ناي) أن الاعتماد على القوة العسكرية الأمريكية وحدها ــ كما حدث في الحرب الأمريكية علي العراق ــ كان سبباً جوهرياً في اتجاه منحنى القوة الأمريكية إلى الأسفل، وأن الهيمنة العسكرية الأمريكية لم تعد ذات جدوى في عصر باتت فيه المعلومات متداولة، و (الحروب مخصخصة)، بحيث أصبحت القوة المرنة لا تقل عن القوة الصلبة إن لم تكن تفوقها.

وفي كتاب (ناي) soft power الذي نشره عام 2004م، يؤكّد على أهمية القوتين العسكرية والاقتصادية، لأن استخدام العصا والجزرة وحدهما لن يحقق هدف مواجهة مخاطر الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل، كما يؤكد على أن القوة الناعمة ــ من وجهة نظره ــ أوسع من الدعاية وأكبر من مجرد صورة أو علاقات عامة، بل إنها قوة حقيقية قادرة على حصد الأهداف، وأخذ ما تريد عبر جذب الآخر، وإقناعه باتباعك في غير إكراه، إلاّ أن الجاذبية قد تتحوّل إلى نفور إذا ما صدرت عن غرور وتكبّر.

فئات القوة كما يراها (جوزيف ناي)

يقسِّم (ناى) القوة إلى ثلاث فئات:
1. أن تحصل على ما تريده بالقوة والتهديد.
2. أن تحصل على ما تريد بالإغراءات المالية.
3. أن تحصل على ما تريد بجذب الآخرين وجعلهم يحبون ما ترغبه.


وبعد التقسيم، يؤكّد على أن عصر المعلومات قد عمَّق تأثير الفئة الثالثة، ويستشهد بمقولة للمتحدث السابق باسم الكونجرس: «إن المفتاح الحقيقي ليس هو كم من الإعداد أَقتُل؟ ولكن كم من الحلفاء أَكسب؟، وذلك لأن التاريخ لا يقف دائماً في صف ذوي الجيوب العامرة أو الذخائر المدمرة، كما أن سياسة الجذب التي تعتمد عليها القوة المرنة أقل كلفة من سياسة الإرغام التي تعتمد عليها القوة الخشنة بشرط توافر المصداقية وليس مجرد الدعاية، وعلى من يمتلك العصا الغليظة أن يتعلم كيف يتحدث بنعومة»، وقد كانت نصيحة الرئيس الأمريكي الأسبق (روزفلت): «يجب التحدث بمرونة في وقت الإمساك بالعصا الكبيرة».

قواعد القوة كما يراها (ليسلي جلب)

أما (ليسلي جلب) ــ الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكية ــ فيعدّد في كتابه : (قواعد القوة) على النحو التالي:
1. أن القوة العسكرية وحدها لن تحقق سوى القليل، وأن القوة في عالم اليوم لها مكونات عسكرية ودبلوماسية واقتصادية ومعنوية، وهي التي تمنح الدولة القدرة عل شق طريقها في العالم، وبالتالي لم تعد القوة العسكرية وحدها هي التي تتحكم في ميزان القوى بين الدول وبعضها البعض.
2. أن جوهر القوة هي ضغط سياسي ونفسي، وأن هذه المكونات للقوة هي أدوات الضغط.
3. أن القوة العسكرية تتضاءل أهميتها في وقت تأخذ فيه القوة الاقتصادية المركز المحوري في تشكيل الدولة، وإن كان هذا لا يعني التقليل من شأن القوة العسكرية.


ويشير (جلب) إلى أن هناك اتفاقاً عاماً في العالم على أن القدرة الاقتصادية صارت هي المكوّن الفاعل في قدرة الدولة على تحقيق الاستقرار والسلام الاجتماعي داخلياً وتمتعها خارجياً بمكانة ونفوذ على المستويين المحلي والدولي، ولقد أصبحت معايير الاعتراف بهذه المكانة لأية دولة تستند إلى ما تنجزه من تقدم اقتصادي عبر التنمية الاقتصادية. كما تجدر الإشارة إلى ما لوحظ في السنوات العشر الأخيرة من القرن العشرين، حيث استقر في الفكر السياسي العالمي أن القدرة الاقتصادية التنافسية للدولة قد وصلت إلى قمة مكونات الأمن القومي، ولم تعد تنتمي فقط إلى السياسات الاقتصادية، واتضح ذلك جلياً في تجارب دول آسيا والبرازيل التي صعدت بتنمية اقتصادية وفق مشروع قومي متكامل من جانبيه السياسي والاقتصادي.



الحرب أقدم مظاهر العلاقات البشرية

وفي كتاب (روبرت سميث) ــ وهو أحد جنرالات الإنجليز ــ (فائدة القوة)، يذكر أن الحرب أو العدوان بشكل عام هو أحد أقدم مظاهر العلاقات البشرية منذ الأزل، وقد اكتسبت هذه الحرب خصائصها نتيجة لتضافر ظاهرتين حديثتين، ألا وهما:

الدولة والصناعة، وقد تحددت معالم هذه الحروب التقليدية خلال القرن التاسع عشر، وبلغت ذروتها في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وكان (نابليون) هو القائد الملهم الذي أدرك متطلبات هذه الحروب التقليدية، ثم جاء بعده الألماني (كلاوزفيتز) منظّراً لفلسفة هذه الحروب الحديثة في مؤلفه (عن الحرب) الذي ذكر فيه أن أهم عناصر نجاح الحرب الحديثة عنده هي: الدولة والجيش والشعب، فلا يكفي أن تتوافر للدولة هياكلها السياسية والإدارية، وإنما لابد أن تتوفّر لها بالدرجة الأولى قاعدة صناعية وتكنولوجية متقدمة، وأما الجيش فهو توافر المعنويات العالية والروح الوطنية إلى جانب الانضباط والخبرة، وأخيراً، فإنه لا يمكن تحقيق النصر دون دعم الشعب وثقته في عدالة قضيته، ووقوفه وراء الدولة والجيش.

هل انتهى عصر الحروب التقليدية؟

يرى (روبرت سميث) أن عصر الحروب التقليدية قد انتهى، وأننا نعيش في عصرالحروب وسط الناس، وهو نمط جديد للحرب، يختلف تماماً عن الحروب التقليدية بمفهومها الذي استقر في العلوم العسكرية، كما يؤكّد على أن أسباب الانتصار المعروفة في ظل نمط الحروب التقليدية لم تعد كافية في الظروف المستجدة للحروب وسط الناس، ومن هنا كانت أسباب فشل أغلب الدول الصناعية المتقدمة في عملياتها العسكرية خلال النصف الثاني من القرن العشرين، رغم ما توافر لديها من كل مقومات النصر المطلوب وفقاً لمنطق الحروب التقليدية.

ومن منطلق أن لكل عصر حروبه، فإن الحروب التقليدية للدول الصناعية قد فات أوانها، فلم تعد الآلة العسكرية وحدها قادرة على حسم الأمور، ويدلل (سميث) على نظريته بأنه على الرغم من التفوّق العسكري الأمريكي الساحق في فيتنام، فقد كانت النتيجة النهائية هي هزيمة الولايات المتحدة الأمريكية، ومثل ذلك وقبله حدث بالنسبة للجيش الفرنسي في الجزائر، حيث كان النصر من نصيب جبهة التحرير الجزائرية، وربما كانت آخر المعارك التقليدية للجيوش المتحاربة بالمدافع والدبابات هو ما جرى على صحراء سيناء في أكتوبر من عام 1973م بين مصر وإسرائيل.
لقد كانت المعارك العسكرية التقليدية تدور بين القوات المسلحة في ساحات القتال، أما الآن فقد أصبحت المواجهات تقع في وسط الناس، بل وتذاع في الوقت نفسه على شاشات التلفاز وتنقل على صفحات الصحف يوماً بيوم، ولم تُعد أخبار المعارك مجرد هزائم وانتصارات عسكرية بين الجيوش بقدر ما أصبحت صوراً للقتل والتدمير والمآسي الإنسانية.


وفي النهاية، لا يدعو الجنرال الإنجليزي إلى استبعاد القوة العسكرية، وإنما يحرص فقط على التأكيد على أن محاولة إحراز الانتصار العسكري بأساليب الحروب التقليدية وحدها لم تعد مجدية، فنحن إزاء أوضاع مختلفة تتطلب معالجات مختلفة باستخدام العمل العسكري في إطار منظومة مختلفة عن منظومة المواجهة بين الجيوش التقليدية.

تراجع القوة الخشنة في فرض الاستقرار

ــ يرى كثير من الاستراتيجيين أن الحرب عنف منظم من قِبل وحدات سياسية ضمن بعضها البعض، كما أنها وسيلة لاتخاذ القرار عندما تنعدم الوسائل الأخرى.
ــ الشيء الوحيد الذي أثبتته المواجهات هو أنه يمكن للقوى الكبيرة أو الصغيرة أن تبدأ القتال في الوقت والمكان، وبالطريقة التي تختارها، ولكن بعد انطلاق الطلقة الأولى، لا يمكن لهذه القوى أن توقف القتال في الوقت والمكان الذي تريده، نظراً لقدرة آخرين على اللعب في موازين القوى.
ــ بعد أن كانت القوى تستخدم في مواجهات التحديات صغيرها وكبيرها، تراجعت عن ذلك، وبعد أن كانت تهدف إلى تغيير النظم وإسقاطها، أصبحت تعمل على تغيير سلوكها بكثير من الكلمات وقليل من الطبقات.


ــ لقد شملت الحرب العالمية الثانية ــ كنموذج للحروب التقليدية ــ أوروبا وآسيا والبحر الأبيض المتوسط، والشرق الأوسط، وإفريقيا، وكان من أبرز المشاركين في قوات الحلفاء: الاتحاد السوفيتي، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وفرنسا، والصين، وبولندا، والنمسا، وكندا، كما كان أبرز المشاركين في قوات المحور: ألمانيا، واليابان، وإيطاليا، ورومانيا، والمجر، وبلغاريا، وبلغ ضحايا تلك الحرب ما يقرب من (25) مليوناً من العسكريين، و (37) مليوناً من المدنيين، إضافة إلى ملايين اللاجئين والمشردين، وانهيار الاقتصاد الأوروبي، وتدمير (70?) من البنية التحتية الصناعية في أوروبا.

ــ إن القوة الغالبة والمطلقة لا يمكنها فرض الاستقرار، كما أصبح واضحاً ــ في الوقت نفسه ــ أنه يمكن للقوى الصغيرة التي تمتلك الرادع الأصغر أن تتصدى للقوى ذات الرادع الأكبر، بل ثبت أن القوى الصغيرة يمكنها أن تحدث خسائر ضخمة في القوي العظمى، وأن القوات المحدودة عدداً وتسليحاً يمكنها أن تغير الأهداف السياسية للقوى العظمى أثناء القتال بما تملكه من قدرة على التصدّي وتوقيع العقاب ومواجهة توازن الرعب في تحديه لتوازن القوى وشهد شاهد من أهل الحروب الخشنة:

في تقرير نشرته مجلة (فورن أفريز) في عددها الصادر في يناير 2009م، ذكر (روبرت جيتس) ــ وزير الدفاع الأمريكي ــ ما يلي: إنّ الولايات المتحدة هي أقوى وأعظم أمة في العالم، وإن كانت هناك حدود لما تستطيع فعله، إن قوة عسكريتنا وامتداد طاقتها عالمياً كانت إسهاماً لا غنى عنه للسلام العالمي، ويجب أن تظل كذلك، ولكن لا يمكن أن يثير كل تهجّم ولا كل عمل عدواني ولا حتى كل أزمة رداً عسكرياً أمريكاً»، ثم يمضي في المصارحة حول مسألة حدود القوة العسكرية الأمريكية فيقول: «يجب ألاّ يهمل أحد الأبعاد النفسية والثقافية والسياسية والإنسانية للحرب، ذلك لأن الحرب لايمكن إلاّ أن تكون مأساوية غير فاعلة لا مؤكدة، وبالتالي فإنه من المهم أن نتشكك في التحليلات النظامية المتكاملة وأنماط الكمبيوتر، ونظريات الألعاب، وعلى ذلك فليس من المتوقع أن تكرر الولايات المتحدة عراقاً أو أفغانستان أخرى، أي أن تلجأ لتغيير النظام بالقوة الذي يتلوه بناء أمة تحت النيران ...» ?

 
رد: القوة الخشنة والقوة الناعمة

موضوع رائع
 
رد: القوة الخشنة والقوة الناعمة

شكراً اخي ملينيوم على هذا الموضوع الرائع والمفيد
 
عودة
أعلى