موسكو تكشف للمرة الأولى مضمون محادثات كوسيغين مع القيادة المصرية عشية حرب حزيران 67
كما يتوقع ، تكشف السنوات والأيام تدريجيا ، أسرار ما حدث بالنسبة لنكسة حرب 1967
المقال التالي ، نشرته "الحياة" .... ومصدره الموقع التالي
http://www.daralhayat.com/special/i...8111be-c0a8-10ed-01b1-699654795105/story.html
د. يحي الشاعر
موسكو تكشف للمرة الأولى مضمون محادثات كوسيغين مع القيادة المصرية عشية حرب حزيران 1967 ... السوفيات كبّلوا يدي عبدالناصر لتفادي الحرب ... وإسرائيل فاجأت الجانبين بالضربة
يوري زينين الحياة - 04/06/07//
وزير الدفاع المصري شمس بدران موفد عبد الناصر الى موسكو قبل الحربفي مقابلة خاصة مع وكالة «نوفوستي» الروسية كشف السفير السوفياتي السابق ورئيس رابطة الديبلوماسيين الروس بوغوص اكوبوف وقائع غير معروفة عن مواقف الاتحاد السوفياتي من حرب حزيران (يونيو) العربية - الإسرائيلية العام 1967، تدحض في شكل كامل آراء عدد من المحللين الغربيين حول قيام موسكو بدفع مصر إلى الحرب.
وأعلن الديبلوماسي المخضرم الذي أكمل عامه الحادي والثمانين والشاهد الوحيد الحيّ على المفاوضات التي جرت في موسكو نهاية أيار (مايو) 1967، التي ترأسها عن الجانب السوفياتي رئيس مجلس الوزراء السوفياتي حينها ألكسي كوسيغين وعن الجانب المصري وزير الدفاع المصري شمس بدران وشارك فيها اكوبوف بصفة خبير، ان بدران كان وصل إلى موسكو بعد 20 أيار العام 1967 كموفد خاص للرئيس جمال عبدالناصر حاملاً معه رسالة من الرئيس المصري للقيادة السوفياتية، فكلف المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفياتي احد أعضائه كوسيغين إجراء محادثات مع الوفد المصري.
في بداية الجزء الأول من اللقاء ابلغ الموفد المصري مضمون هذه الرسالة مشيراً إلى ان الجانب الإسرائيلي حشد جيشه على الحدود مع سورية وهو يستعد لتوجيه ضربة إليها، لذلك فإن السوريين لجأوا إلى الرئيس جمال عبد الناصر طلباً للمساعدة.
وكما قيل حينها، فإن عبدالناصر لم يكن ليترك دولة عربية شقيقة كسورية وحدها في مواجهة مع إسرائيل، وهو يطلب موافقة السوفيات على توجيه ضربة احترازية إلى الجانب الإسرائيلي تسبق ضربتهم لسورية.
كوسيغين حدد في رده الموقف السوفياتي بدقة قائلاً: في حال توجيه مصر الضربة العسكرية أولاً ستكون هي المعتدية ولن تتمكن موسكو حينها من تقديم العون للمعتدي، فهذا الأمر يتناقض مع مبادئ السياسة الخارجية السوفياتية.
ألكسي كوسيغين مع الرئيس الأميركي ليندون جونسون أثناء لقائهما الأول بعد حرب 1967وأعلن كوسيغين حينها ان الطريق العسكري لن يحل المشاكل العالقة، فالولايات المتحدة لن تسمح للعرب بإلحاق الهزيمة بالإسرائيليين. وأضاف رئيس الوزراء السوفياتي: «هل تريدون جرّ الاتحاد السوفياتي إلى حرب في مواجهة الولايات المتحدة؟»، وطلب كوسيغين بالتالي من بدران ابلاغ الرئيس المصري ان الاتحاد السوفياتي يعارض الحرب.
تواصلت المحادثات في اليوم التالي وأعاد بدران مرة أخرى تقديم طلب عبدالناصر دراسة التحليلات التي توصل إليها، إلا أن كوسيغين أعاد عرض الموقف السوفياتي مجدداً الرافض للأعمال العسكرية، مضيفاً أن الجانب السوفياتي قوّم الوضع وتوصل إلى نتيجة مفادها أن الأعمال العسكرية لن توصل إلى النتائج المرجوة التي ينتظرها عبدالناصر ولا أي دولة عربية أخرى، وبحسب كلامه يتعين البحث عن سبل أخرى للتسوية.
ووفقاً لشهادة اكوبوف تواصلت المحادثات لليوم الثالث أيضاً وفي اليوم الرابع صباحاً ابلغ اللواء شمس بدران ان عبدالناصر لن يلجا إلى الأعمال العسكرية إذا كان الأصدقاء السوفيات يعتقدون بأن لا ضرورة لذلك.
في 28 أيار عاد شمس بدران إلى القاهرة وفي 5 حزيران (يونيو) 1967 شنت إسرائيل الحرب على الدول العربية المجاورة لها ووجهت الضربات إلى مدارج مطارات القاهرة والإسكندرية وأسوان، مما جعل القوات المصرية في سيناء من دون غطاء جوي ومُنيت مصر بخسائر فادحة في العديد والعتاد.
الآن، ومع التفكير في ظروف وأسباب ما حصل، ينقل اكوبوف تقويمه، فهو يعتقد ان العملاء الإسرائيليين تمكنوا من معرفة أن الاتحاد السوفياتي لن يشارك في الحرب إلى جانب مصر إن بدأت هي الحرب، وكانت إسرائيل بحسب رأيه أعدت منذ وقت طويل خطة الهجوم كونها كانت على قناعة ثابتة بأنه مسموح لها التحرك كما تشاء من دون عقاب.
وللأسف، فإن الكثير من المحللين في الغرب يتكتمون عن هذا الأمر حتى الآن، بل إنهم على العكس يزعمون ان موسكو هي من دفع عبدالناصر في اتجاه الحرب، لكن الواقع أن موسكو هي من كبل يدي عبدالناصر بإعلانها عدم موافقتها على شنه هو للحرب.
بعد أن هاجم الإسرائيليون العرب صدر في موسكو بيان حكومي في اليوم الأول للحرب اعتبر ما تقوم به إسرائيل عدواناً يجب وقفه على الفور، وهي أصدرت حتى العاشر من حزيران 1967 ثلاثة بيانات مشابهة كانت تصل الى السفير الإسرائيلي في موسكو من خلال وزارة الخارجية السوفياتية.مركز عسكري مصري في شرم الشيخ قبيل الهجوم الاسرائيلي
إسرائيل واصلت الحرب من دون الالتفات إلى هذه البيانات كما انها تجاهلت نداءات مجلس الأمن الدولي لوقف الحرب.
وفي هذه الأثناء كانت الاجتماعات في وزارة الخارجية السوفياتية تكثّفت لدراسة رد الفعل الواجب اعتماده والتفكير في السبل الكفيلة دعم عبدالناصر الذي كان يمر في أوقات محنة، وفي النهاية أقرت الحكومة السوفياتية قطع العلاقات مع إسرائيل.
تم استدعاء السفير الإسرائيلي كاتس إلى وزارة الخارجية حيث ابلغه رئيس قسم دول الشرق الأوسط في وزارة الخارجية السوفياتية حينها ألكسي شيبورين ان القيادة السوفياتية عندما رأت أن إسرائيل لم تتجاوب مع بياناتها الداعية إلى وقف إطلاق النار اتخذت قراراً بقطع العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل واستدعاء سفيرها من تل ابيب كما تطلب من السفير الإسرائيلي مغادرة موسكو.
والى الآن، وكما قال اكوبوف، فإن الخلاف ما زال دائراً في الأوساط العلمية حول صحة هذا القرار، البعض يرى ان قطع العلاقات حينها مع إسرائيل كان خطوة غير صحيحة لأن موسكو أبعدت إسرائيل عنها ولم تعد تملك إمكان التأثير فيها وفي الأحداث عموماً في المنطقة.
أما وجهة النظر الأخرى فتؤكد أن موسكو لم تكن تملك مخرجاً آخر كون إسرائيل لم تأخذ في الاعتبار مناشداتها، كما كان يتعين على موسكو تقديم المساعدة لمصر مظهرة بذلك انها لا تتخلى عن أصدقائها في وقت الشدة، خصوصاً أنها كانت حضت عبدالناصر على عدم المبادرة إلى الحرب، وبحسب رأي الديبلوماسي العريق فلو لم تقم موسكو بهذه الخطوة لما كانت مصر وغيرها من الدول العربية قد سامحتها.
في حزيران 1967 وصل إلى القاهرة وفد عسكري سوفياتي رفيع لحل مسائل تعويض الخسائر العسكرية التي فقدتها مصر. وقدمت موسكو مساعدات كبيرة من اجل دعم مصر في مواجهة إسرائيل، وبعد العام 1967 أعطي التعاون السوفياتي - المصري دفعة قوية في مختلف المجالات، وتم التوقيع بين الدولتين على معاهدة الصداقة والتعاون، وبمساعدة موسكو تم إرساء قاعدة اقتصادية عصرية للتنمية في مصر.
ومع تقويمه للأحداث التي مرت منذ 40 عاماً خلت، يشكك الديبلوماسي الروسي في عدالة إبقاء الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي التي سيطر عليها في حرب حزيران 1967، أي هضبة الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة، وكما قال، فإن «هذا الأمر سيحض وفي شكل دائم السكان العرب على المقاومة وسيستغل أيضاً كحجة من الأطراف المتعددة بمن فيها المتطرفة». ويقول ان السبيل لتجنب ذلك هو تحقيق تسوية دائمة وعادلة وشاملة أساسها متوافر في قرارات مجلس الأمن الدولي.
* هذا المقال من «نوفوستي» خصت به «الحياة».