كانت وما زالت المشكلة حول فلسطين لغزاً محيراً بثلاثة مكونات متنافسة:
(1) الصهيونية، (2) القومية العربية و(3) التنافس بين القوى الأوربية. وقبل نشوء إسرائيل في 1948، فقد تدخلت أربع قوى كبرى، بريطانيا العظمى ، فرنسا ، ايطاليا ، وألمانيا في فلسطين بشكل مباشر وغير مباشر. وفي الدسائس الإستراتيجية الجغرافية بين المحور والحلفاء، بدت فلسطين لتشغل دوراً فريداً في تفكير السياسة الخارجية الألمانية النازية بالإضافة إلى الفعاليات المعادية للحلفاء التي خططتها المخابرات النازية (البويهر) في الشرق الأوسط. ولم يكن الألمان غرباء لفهم هزيمة الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى وبشكل خاص المعاهدات التالية التي أجَّجت إحساس العرب المعادي للبريطانيين مثل:
(1) الصهيونية، (2) القومية العربية و(3) التنافس بين القوى الأوربية. وقبل نشوء إسرائيل في 1948، فقد تدخلت أربع قوى كبرى، بريطانيا العظمى ، فرنسا ، ايطاليا ، وألمانيا في فلسطين بشكل مباشر وغير مباشر. وفي الدسائس الإستراتيجية الجغرافية بين المحور والحلفاء، بدت فلسطين لتشغل دوراً فريداً في تفكير السياسة الخارجية الألمانية النازية بالإضافة إلى الفعاليات المعادية للحلفاء التي خططتها المخابرات النازية (البويهر) في الشرق الأوسط. ولم يكن الألمان غرباء لفهم هزيمة الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى وبشكل خاص المعاهدات التالية التي أجَّجت إحساس العرب المعادي للبريطانيين مثل:
• تنفيذ إتفاقية سايكس - بيكو التي قطّعت المقاطعات العربية الخاضعة للإمبراطورية العثمانية إلى مناطق نفوذ فرنسية وبريطانية.
• إعلان بلفور الذي إعترف بالحاجة لوطن يهودي في فلسطين، ولكن ليس على حساب السكان المحليين، وأخيراً.
• الخطة المقترحة للجنة بيل التي أوصت بتقسيم فلسطين في قطاعين يهودي وعربي في عام 1937.
الحماس والدعم العربي اللذان كرسهما النازيون
بفضل الموارد الاقتصادية، ونجاح الفيلق الألماني في شمال أفريقيا، وتعويض سيطرة الحلفاء على حلقات الإتصالات في الشرق الأوسط ، فقد كان للرايخ الثالث مصلحة إستراتيجية في الشرق الأدنى. بالإضافة لذلك، فقد أدت التطورات في فلسطين بالألمان أن يتبنوا موقفاً سياسياً حول الشؤون العربية بهدف إثارة العرب والمسلمين ضد البريطانيين1. وكان من شأن هذا أن يفتح جبهات متعددة للبريطانيين، ويؤدي إلى سحب القوات لإخماد المعارضين في مصر والعراق وفلسطين وإمارة شرق الأردن.
بعد عقود من الإحباط، كانت الأعمال العدائية تجاه الإنتداب البريطاني في فلسطين موجودة دائماً تحت المظهر الخارجي في الثلاثينيات، وقد رحب العرب في فلسطين وفي الشرق الأدنى بحماس بالنظام النازي المنبثق في ألمانيا، ورأى المثقفون القوميون العرب في النازيين محررين جاؤا لإنقاذ المنطقة من عقود الحكم البريطاني، وهو تصوُّر كرّسه رجال المخابرات الألمانية السريون في مصر، العراق، المشرق وفلسطين. وعلى عكس بريطانيا، لم يُنظر في الشرق الأوسط إلى الألمان بشك وإرتياب خلال الفترة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية. وقد بدأت التنظيمات والجمعيات القومية العربية تتطابق مع عناصر الإشتراكية الوطنية ورأت فيها كوسيلة لمواجهة الصهيونية والإمبريالية الأوربية. إن إساءات معاهدة فرساي التي فرضت على ألمانيا شملت نداء بليغٍ للقادة العرب الذين إعتبروا الإنتداب على فلسطين وإعلان بلفور جزءاً من الإجحاف الذي اشترك العرب فيه مع الألمان. ولقد شجع النازيون واستثمروا هذا الإحساس في تشكيل جو موات لإنتفاضات عربية في فلسطين2. لم يضيّع القادة العرب الفلسطينيون الوقت في جعل تقييمهم الإيجابي للأحداث معروفاً في ألمانيا في 1933. لقد أدام القنصل العام الألماني في فلسطين هاينرتش وولف حواراً دائماً مع المفتي الأول للقدس، الحاج أمين الحسيني، وقد أبلغ المفتي وولف بأن العرب في فلسطين مستعدون للثورة ونظر النازيون بتوق شديد إلى مستقبل نشر الفاشية في أرجاء الشرق الأدنى. وتلقت القنصلية الألمانية في بيروت والسفارة الألمانية في بغداد رسائل من المواطنين السوريين والعراقيين معبرين عن إعجابهم بهتلر إضافة إلى مقترحات بصلات أقرب بين العالم العربي وألمانيا. وتسلم الدكتور جوزيف غوبلز، وزير الدعاية، تقارير من مصادر الشرق الأدنى حول إتساع المشاعر المؤيدة للألمان. لقد تطلع كثير من العرب إلى مواصلة أهداف القومية العربية في فلسطين بإنشاء حركة تقوم على نموذج الإشتراكية الوطنية وتجاربها3.
الإنتفاضة العربية لعام 1936
ينظر عادة إلى الإنتفاضة التي بدأت عام 1936 بأنها تتضمن الأحداث الرئيسية التالية: الأول، التحريض الذي أوجده عز الدين القسّام. ثانياً، تأسيس اللجنة العليا العربية برئاسة الحاج أمين الحسيني. ثالثاً، فترة لجنة بيل، وأخيراً، إستئناف الثورة.
في 19 نيسان/إبريل 1936، بدأت الإضطرابات أولاً في يافا من قبل أتباع الشيخ عز الدين القسّام، القائد الروحي ومؤسس منظمة الكف الأسود، وهي منظمة مقاتلة إسلامية سرية ضد الصهاينة وضد البريطانيين. ولد القسام عام 1882 في مدينة جابلة الساحلية في شمالي سورية، وتعلم في جامعة الأزهر في القاهرة. وبعد الإحتلال الإيطالي لليبيا عام 1911، جمع أموالاً وجند متطوعين إلى عمر المختار والمقاومة الليبية، ثم تطوع في الجيش العثماني خلال الحرب العالمية الأولى، وتلقى تدريباً عسكرياً، وعمل كواعظ مسلم في قاعدة الجيش العثماني قرب دمشق. ومع تنفيذ إتفاقية سايكس – بيكو، أدار حرب عصابات ضد القوات الفرنسية. مع تأسيس منظمة الكف الأسود، التي صُنّفت كمجموعة إرهابية من قبل سلطات الإنتداب، نظم الخلايا وجنّد رجالاً قادوا حملة واسعة الإنتشار لشن الهجمات ضد الجماعات اليهودية والمعسكرات البريطانية، وتدمير الخطوط الحديدية. وقد تعاون كثيراً مع الحاج أمين الحسيني الذي أمدّ القسّام بمساعدات مالية. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 1935 حرك القسام قاعدته في التلال بين جنين ونابلس لتوجسه من إنتقامات بريطانية. وقد شن البوليس البريطاني حملة مطاردة وحاصر بيته الأمين. وإثر معركة بالأسلحة قُتل القسّام. وأصبح موته إلهاماً للمنظمات المقاتلة في السنوات اللاحقة. وقد سمي الجناح المقاتل لحماس سرايا عز الدين القسّام واستخدمت متفجرات سميت صواريخ "قسّام" 4.
مع موت القسّام، قدم القسّاميون (الأتباع المخلصون للقسام) ضربة شاملة في يافا وفي نابلس وشنّوا هجمات على المراكز اليهودية والبريطانية. وقد حرض على هذه الهجمات اللجنة العربية العليا التي يرأسها الحاج أمين الحسيني. فقد شكل منظمات شبابية على النمط العسكري، الفتـوّه، التي أخذت دورها من شباب هتلر. وقد بينت اللجنة العليا أن الهجوم سوف يستمر حتى توافق الإدارة البريطانية على وقف الهجرة اليهودية. إستهدف الثوار أنبوب النفط الرئيسي من كركوك إلى حيفا 5. وقد تسلم السفير الألماني في العراق، الدكتور فرتز غروبا، طلبات من مصادر عربية خلال الأشهر الأولى من الثورة لأسلحة وتجهيزات أخرى للثوار العرب في فلسطين. وقد جاء أحد هذه الطلبات من فوزي قاوقجي، وهو ضابط سابق في الجيش العراقي الذي قاد وحدات عربية في فلسطين خلال الثورة. طلب كميات كبيرة من الأسلحة الألمانية، وقد أشتريت على أساس الإعتماد ودفع ثمنها من قبل اللجنة العليا للمفتي. وبعد التعبير عن التعاطف مع حق تقرير المصير العربي في فلسطين، فقد صرّح إن ألمانيا ترغب بإدامة علاقات صداقة مع بريطانيا وان أية مساعدة مادية للثورة العربية سيكون لها أثر بالغ على العلاقات الأنكلو – ألمانية. لقد كان تعقب مصدر الأسلحة صعباً لتتحقق بريطانيا منه. وقد تضمنت المصادر دولاً عربية مجاورة وحتى بإحتمال تورط سوفيتي. وأشار تقرير أعده دوهل (Dohle) إلى أن المفتي ومنظمته قد جهزوا المعلومات التالية غير المؤكدة: "إن وحدات النخبة للمنظمة الإرهابية العربية تتحرك شيئاً فشيئاً تحت تأثير روسي. ومع المساعدة الروسية، ينبغي أن تحصل العصابات العربية المحاربة على أسلحة جيدة حديثة بعد زيارة أخيرة للممثل التجاري للإتحاد السوفيتي في يافا". وحسب تقرير مكتب المستعمرات البريطاني، في تموز/يوليو، 1936 فان الحكومة البريطانية كان لديها سبب للشك في إمكانية أن السلطات القنصلية الإيطالية في فلسطين وفي مكان آخر في الشرق الأدنى كانت تقدم المال والأسلحة للثوار العرب في فلسطين وهو ما أنكره وزير الخارجية الإيطالي غاليزو سيانو15. لقد توقف الإضراب والعنف في 15 تشرين الأول/أكتوبر 1936 ومع وصول لجنة تفويض (بيل) في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 1936 التي رأسها اللورد وليام ويلسي بيل للتحقيق في الأسباب التي تقف خلف الإنتفاضة وإقتراح حل لها. وقدمت تقريرها يوم 7 يوليو/ تموز 1937 وإقترحت إنهاء الإنتداب وتقسيم فلسطين إلى جزئين: دولة يهودية متضمنة خمس المنطقة ودولة عربية مكوّنة من الباقي متضمنة إمارة شرقي الأردن وممراً يغطي بيت لحم والقدس يكون تحت الإنتداب. وأوصى التقرير بالتحول القسري للفلسطينيين العرب من المناطق المخصصة للدولة اليهودية. وبناء على ذلك رفضت القيادة العربية الخطة واستؤنفت الثورة في خريف 1937. ومع إغتيال المعتمد البريطاني للمنطقة لويس يلاند أندروز، أعلنت بريطانيا القانون العرفي وطبقته على المخالفين العرب. لقد حظروا منظمة اللجنة العليا العربية وأصدروا مذكرة إعتقال الحاج أمين الحسيني. ومع أن هدف الثورة كان باطلاً، ولكنه يشير إلى ولادة شخصية فلسطينية عربية قومية 5.
المفتي العام: الحاج أمين الحسيني
كان الحاج أمين الحسيني أكثر شخصية بارزة في التعاون العربي النازي، وقد إمتد نفوذه إلى ما وراء حدود فلسطين، ولد الحسيني في عـام 1897 لعشيرة الحسيني البارزة في القدس وينتمي للفقه الحنفي في المذهب السني في الإسلام. وبعد تعلمه التحدث باللغة التركية بطلاقة في مدرسة حكومية عثمانية في فلسطين، التحق بجامعة الأزهر في القاهرة في عـام 1912 حيث درس النظرية الإسلامية والدراسات العربية والقانون وخلال وجوده في القاهرة التحق بمؤسسة تعليمية تعرف بإسم دار الدعوة والإرشاد (معهد للنشر والتوجيه) أسسه القائد السلفي الإسلامي السوري محمد رشيد رضا الذي روّج سياسياً لإحياء الخلافة للعالم الإسلامي. وقد خضع في دار الدعوة بفعالية لتعاليم جمال الدين الأفغاني التي علمته تكتيكات التحريض الإسلامي والتطرف. وواصل دراسته في كلية الآداب في جامعة القاهرة وتعلم الإدارة والقيادة في المدرسة العثمانية للإداريين في إسطنبول. بعد التحاقه بالأكاديمية العسكرية في اسطنبول، ومع إندلاع الحرب العالمية الأولى، تخرج كضابط مدفعية في الجيش العثماني، ملتحقاً بكلية ضباط الإحتياط. وبعد تسعة أشهر تخرج ضابطاً غير مفوض والتحق بفوج المشاة 46 المتمركز في أزمير جنوب غربي تركيا والذي حل محل فوج المدفعية 47 المتمركز في أزمير. إن ولاءه للوحدة الإسلامية العثمانية قد تضاءل تدريجياً بسبب التتريك العثماني الصارم للأقاليم العربية وقمع المنظمات القومية العربية. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 1916، ترك الجيش العثماني بسبب فقدان الأهلية وعاد إلى القدس حيث بقي حتى نهاية الحرب العالمية الأولى. وبعد معاهدة فرساي أصبح حانقاً على عدم مشاركة الثورة العربية ومن تدفق المهاجرين اليهود إلى فلسطين تحت الانتداب البريطاني 6.
الهجرة اليهودية والمصالح الإقتصادية في فلسطين
إستُقبلت الثورة العربية في ألمانيا بلا مبالاة كاملة تقريباً ودون تقديم دعم كثير للقضية العربية. وكتب المنظّر النازي الفريد روزنبرغ مقالة إنتقد فيها دعم بريطانيا أحادي الجانب للقضية الصهيونية وإهمالها للمطالب العربية المشروعة. وجادل بأن من الممكن لبريطانيا أن تكون حساسة أكثر للرغبات العربية على أن تبقى مخلصة لروح إعلان بلفور، وبين بأن كان من المفترض أن يكون (إعلان بلفور) أساساً لوطن قومي يهودي في فلسطين وليس ذريعة لتحويل فلسطين إلى دولة يهودية على سبيل الحصر. وبشكل يثير الدهشة، فإن معظم العرب لم يدركوا أن النازيين قد إعتبروهم وضيعين عرقياً. ومثل الكثيرين في أنحاء العالم، فأن العرب لم يدققوا بإمعان وجهة النظر الرسمية لهتلر في كتابه المعنون "كفاحي". وأكثر من ذلك، لم يكن هناك ربط بين النازيين الذين وقرّوهم ومسؤوليتهم المباشرة عن الزيادة المفاجئة في هجرة اليهود إلى فلسطين بعد 1933، بسبب القوانين المعادية للسامية التي أصدرها الرايخ الثالث. وفي عام 1930 هاجر 4,944 يهودياً إلى فلسطين، تبعهم 4,075 في 1931. وارتفع الرقم إلى 9,553 بحلول عام 1932 والى 3,0327 في 1933. وبحلول عام 1934 إرتفع إلى 42,356 وإلى 61,458 مع عام 1935. وبتفاهم بين سلطات الرايخ والوكالة اليهودية لفلسطين وقعت إتفاقية هآفارا (العبرية للتحويل). كان العرب غافلين عن البرنامج النازي الذي سُمح فيه لليهود الألمان أن يقتطعوا جزءاً من أملاكهم ليأخذوا مقابلها سلعاً من المنتجات الألمانية. إن مكتب الرعاية والنقل لشركة هآفارا المحدودة، المؤسسة عام 1935 كنتيجة للإتفاقية، كسب إحتكاراً فعلياً لإستيراد البضائع الألمانية في فلسطين، وقد هاجر ما يقرب من 50,000 يهودي إلى فلسطين تحت هذه الاتفاقية 7. كان هذا قبل أن تلجأ القيادة النازية إلى البرنامج الشنيع للابادة الجماعية الذي طلبوه كحل نهائي. زادت الصادرات الألمانية إلى فلسطين من 11.4 مليون مارك ألماني عام 1932 إلى 16.7 مليون مارك في عام 1933 و32.4 مليون في 1937. وقد أشار أحد التقارير الذي أعدته نشرة برلين "الصناعة والتجارة" إلى "أن فلسطين كانت في حالة تطور سريع وكانت تعتبر جزيرة في محيط من الكساد الإقتصادي العالمي". مع ذلك فقد أُنْتُقِدت هذه الإتفاقية بشدة داخل الدوائر الحكومية الألمانية، مع إنها اعتبرت ضرورية لتسريع الهجرة اليهودية. إن تحويل الملكية اليهودية ضمن إطار اتفاقية هآفارا أدى إلى أن تقع غالبية الملكية اليهودية في الأيدي النازية. ليس من الواضح إلى أي مدى ساهمت سياسة الرايخ الثالث المعادية لليهود والهجرة المتزايدة إلى فلسطين في الإنتفاضة العربية في عام 1936. لكن الهآفارا لم تخذل اليهود الألمان فقط بل العرب الفلسطينيين أيضاً، ومثل خطة التقسيم البريطانية لم تكن مرضية لكلا اليهود والعرب في فلسطين. فمن جهة، أجبر الاضطهاد ومعاداة السامية في ألمانيا اليهود على طلب سمات دخول فلسطينية، واستنهضت الجهود للأهداف الصهيونية، ومن جهة أخرى فإن الدعاية النازية المعادية لليهود تزامنت مع مخططات القوميين العرب المتعلقة بالسيطرة المزعومة "لليهودية العالمية" على الموارد المالية والسياسات العالمية، وحول المؤامرة البريطانية اليهودية لأخذ فلسطين من ساكنيها 8. وقد فاقم هذه الأفكار والمؤامرات دبلوماسيو المحور ورجال المخابرات السريون في الشرق الأوسط بشكل عام وفلسطين تحت الإنتداب البريطاني على وجه التحديد. ومازالت مثل هذه الدعاية المعادية للسامية قائمة اليوم في شكل إسلاميين مقاتلين ومتطرفين آخرين في المنطقة دارسين للنسخ العربية لكتاب هتلر "كفاحي" والبروتوكولات المفبركة لحكماء صهيون.
الطابور الخامس النازي في فلسطين
كان المهاجرون الألمان في فلسطين المؤيدين للفاشست أحد الأدوات الرئيسية للرايخ الثالث. في عام 1937، وإستناداً إلى القنصل العام الألماني في القدس، وولتر هانس دوهل، فإن 2,500 ألماني عاشوا في فلسطين، وبصورة رئيسية في القدس، يافا، حيفا، وكذلك في المناطق الريفية من سارونا وبيت لحم. وكان للفلسطينيين الألمان منظمة من الألمان المقيمين في فلسطين الذين كانوا تحت التأثير الكامل للقادة المحليين "لحزب العمال الألماني الإشتراكي الوطني أو النازي" (NSDAP) الذي عامل المستوطنات الألمانية في فلسطين كمراكز متقدمة للرايخ الثالث 9. لقد تأسست أول خلية لحزب العمال الألماني الإشتراكي الوطني في فلسطين عـام 1932 من ستة أعضاء، وعند منتصف عـام 1937 إزدادت العضوية إلى نحو 300 عضواً، متضمنة فروعاً محلية في سارونا ويافا تتكون من 108 أعضاء، حيفا من 90 عضواً، في القدس 66 عضواً، و19 عضواً في بيت لحم 10. إن عملية التزامن الفعالة قد تم تتبعها من قبل المركز الرئيسي للحزب النازي في برلين وقيادة الحزب النازي في فلسطين، وكان هذا سيقوي الصلات بين ألمانيا وتنظيم الحزب النازي في فلسطين. لقد شرع الحزب النازي في فلسطين بحملة إعلامية تضمنت دورات تعليمية، أدب، ورحلات منظمة إلى ألمانيا لحضور مؤتمرات وإجتماعات حاشدة لإثارة الحماس. وقد تم نشر خدمات الراديو والأخبار الألمانية بشكل بارز، كما تم تصفية بعض المكتبات العامة باللغة الألمانية من المؤلفين الألمان غير الملائمين وإبدالهم بالأدب النازي، وفي عام 1935 نالت المنظمة الخارجية للحزب النازي في برلين السيطرة على تعليم المدارس الألمانية لما وراء البحار وذلك بطلب مدرسين يؤدون قسم الولاء لهتلر وبدأ زجهم في إتحاد المدرسين الإشتراكيين الوطنيين عـام 1938. وأقام شباب هتلر مخيمات وجندوا معظم الأطفال الألمان في فلسطين. وقد كانت العلاقات مع اليهود الفلسطينيين جيدة قبل أن يغتصب هتلر السلطة وساءت مع مرور الوقت. أما عرب فلسطين فقد كانوا ميالين للنظر إلى الألمان كحلفاء محتملين في صراع عام ضد الصهيونية والإنتداب البريطاني، بينما إرتاب المسئولون البريطانيون من طابور خامس نازي بين المقيمين الألمان في فلسطين 10.
تغير جذري في السياسة الألمانية
مع الأخبار بشأن خطة لجنة بيل لعام 1937 لتقسيم فلسطين وإيجاد دولة يهودية، فقد راجعت السياسة الخارجية الألمانية موقفها إزاء قضية فلسطين. وفي اليوم الأول من يونيو/ حزيران، 1937 أرسل كونستانتين فون نيوراث، وزير الخارجية الألماني، تعليمات للسفارة الألمانية في لندن، إضافة إلى القنصلية العامة في القدس والى الدكتور فرتز غروبا، المفوض الألماني في بغداد. كما أرسلت رسالة يوم 22 يونيو/ حزيران من وزارة الخارجية الألمانية إلى جميع المخافر الأمامية الألمانية وسفارات ما وراء البحار. وتعاملت كلا الوثيقتان بشكل محدد مع مسألة فلسطين 11.
وقد أعلنت هاتان الوثيقتان إن علاقة ألمانيا مع الشؤون الفلسطينية تدور حول إفتراض سياسي داخلي لإضعاف البريطانيين في العالم العربي. وقد ذكرت الآتي:- "حتى الآن كان الهدف الأساسي لسياسة ألمانيا اليهودية هو تشجيع هجرة اليهود من ألمانيا بقدر الإمكان. إن تشكيل دولة يهودية أو كيان سياسي بقيادة يهودية تحت الإنتداب البريطاني ليس في مصلحة ألمانيا طالما أن دولة فلسطينية قد لا تستوعب يهود العالم لكنها قد تخلق موقفاً إضافياً للقوى تحت القانون الدولي لليهودية الدولية، إلى حد ما مثل دولة الفاتيكان للكاثوليكية السياسية أو موسكو للدولية الشيوعية" 12.
أصدرت وزارة الخارجية الألمانية بياناً ينص كما يلي: "في الواقع، فإن مِن الإهتمام العظيم لألمانيا هو على إبقاء اليهود مُشتتين. فعندما لا يبقى أي عنصر من الجنس اليهوديِ مستقراُ في ألمانيا، فمن اليقين إن تطوّرات السَنوات الأخيرة أظهرت عدواً أيديولوجياً وبذلك سياسياً للإشتراكية الوطنية في ألمانيا، لذلك فإنّ المسألةَ اليهوديةَ هي في نفس الوقت إحدى أهم مشاكل السياسة الخارجية الألمانية" 12.
لقد اعترفت تعليمات فون نيوراث أيضاً بأن "ألمانيا لذلك لها مصلحة في تقوية العالم العربي كثقل موازن ضد زيادة كبيرة ممكنة في القوة لليهودية الدولية"12. وقد تسلم الدكتور فرتز غروبا، المبعوث إلى بغداد، توجيهاً من برلين لهذا الانطباع بأن "تفهم ألمانيا للأماني القومية العربية يجب أن يعبَّر عنها بصورة أكثر وضوحاً من السابق، لكن دون إعطاء وعود محددة"12 .
في 26 تشرين الأول/أكتوبر، 1937 أثار فون نيوراث المسألة مع السلطات البريطانية فيما يتعلق بضمانات للمستوطنات الألمانية في فلسطين في التقسيم المقترح. وقد طلب دوهل، القنصل العام في القدس تغييراً جذرياً في السياسة، كما أشار دوهل إلى أنه كنتيجة للسياسة القائمة حول الهجرة اليهودية، فأن العرب قد يستجيبون بعدم تأييدهم لألمانيا. ونوّه فون نيوراث بأن المهمة الأكثر أهمية من تهجير اليهود خارج ألمانيا هي إدامة حالة تشتتهم، أما رأي المدافعين عن هذه الفرضية فكان أن دولة يهودية كانت تبنى كنتيجة للسياسة القائمة في هجرة اليهود إلى فلسطين بدعم المال الألماني والمعرفة والمهارات التي اكتسبها اليهود في ألمانيا 13.
وكانت وجهة النظر المُقدَّمة بأن تُمنع الهجرة، ومن الجانب الآخر إدامة السياسة الألمانية ضد اليهود، ولم يكن الرايخ الثالث يعرف بشكل عام كيف يتصرف مع اليهود، الذين تحولوا إلى مواطنين من الدرجة الثانية وإلى عبء على الحكومة النازية. وفي عام 1938 كان النقاش حول هجرة اليهود دون معنى، إذ أن السلطات البريطانية قد تخلت عن تقرير لجنة بيل المقترح وحددت بشكل مفاجئ هجرة اليهود إلى فلسطين. لقد جرى التفكير في إعتبارين للسياسة النازية المعادية للسامية. الأول كان الميل إلى إخراج اليهود من ألمانيا والثاني إستغلال قضية اليهود في التخطيط السياسي داخل الرايخ الثالث، وقد تولد هذا من بذرة "الحل النهائي" للقضية اليهودية 14.
الخاتمـــــة
خصص جيش الولايات المتحدة جهداً كبيراً لفهم الشرق الأوسط ولزرع التعاطف الذي يحتاجه العمل سوية مع حلفائنا في الشرق الأوسط. وقد درست كليات الحرب الأمريكية على نحو ملائم الجوانب الرئيسية لإستراتيجية الحرب العالمية الثانية، كما يجب أخذ مساقات ( كورسات ) في القرن الحادي والعشرين لدراسة السياسات العسكرية – السياسية للمحور والحلفاء تجاه مصر، العــراق، المشرق، وفلسطين خلال الحرب العالمية الثانية. إن هذه الأوجه المعروفة قليلاً عن الحرب العالمية الثانية قد تركت تأثيراً في حالة نظريات المؤامرة وتوضح لماذا ينظر العالم العربي إلى الغرب بمثل هذا الشك، وهذه المقالة محاولة لردم فجوة الشك، وذلك بتسليط الضوء على دور القوى الغربية في الشرق الأوسط أثناء الحرب العالمية الثانية، فيما تكشف القرارات الضعيفة لبعض القادة العرب في إتباعهم المتهور لدعاية المحور. بالإضافة لذلك، فأن إستراتيجيي القاعدة مثل أيمن الظواهري وأبو مصعب الزرقاوي قد سعوا إلى إعادة تعريف وكتابة التاريخ، مقدمين شظايا مختارة من التاريخ المتعلقة بتورط بريطانيا وأمريكا في المنطقة. لا نستطيع أن نقدر على عدم الإستقراء بعين علمية للإتفاقيات والعمليات والخطط التي أديرت في الحرب العالمية الثانية لنضع خطاً قياسياً ولا نتخلى عن التاريخ لمثقفين زائفين مثل أبو مصعب الزرقاوي. إن القادة الإسلاميين المقاتلين والأيديولوجيين هم خبراء في إعادة كتابة الرواية التاريخية وتقديم المؤامرات كحقيقة في حملتهم لإستقطاب المنطقة وتعزيز جدول أعمالهم. إن الصراع في الشرق الأدنى يسمو فوق طبيعته المحلية لأنه ذو تضمينات عالمية للسلام العالمي. ومن المنظور السياسي، فقد عكس حقيقة إن عدة إتجاهات وضغوط منطبعة في مركز إنتاج النفط الحيوي للعالم. أن واحدة من أكثر النواحي المشحونة والمحرّفة للغاية في تاريخ الشرق الأوسط هي القضية الفلسطينية، وقد نعمل جيداً لنفحص التاريخ العسكري السياسي بدقة لهذه المنطقة المضطربة، إنه مجابهة إذ لا تلميذ في العلوم السياسية أو التاريخ العسكري يستطيع أن يقدر على الإشراف والمراقبة.
المصــــادر
1. لوكاش هرشويج، الرايخ الثالث والشرق العربي (لندن : روتلج وكيفان بول، 1966) صفحة19.2. فرانسيس آر. نيكوسيا، الرايخ الثالث ومسألة فلسطين (ترانسكشن بوبليشرز، نيو برونسويك ولندن، 2000) صفحة 85.
3. نفس المصدر السابق نيكوسيا صفحة 86.
4. توم سيغيف، فلسطين واحدة، كاملة: اليهود والعرب تحت الإنتداب البريطاني (كتب متروبوليتان، 1999) الصفحات 360-362.
5. شبكة بث الجزيرة (الإطلاع في 23 يونيو/ حزيران 2008)
http://web.archive.org/web/20051215061527/http://english.aljazeera.net/NR/exeres/9A489B74-6477-4E67-9C22-0F53A3CC9ADF.htm (accessed on June 23, 2008).
6. الحاج أمين الحسيني: مفتي القدس. ذكرى الولايات المتحدة للإبادة اليهودية موقع شبكة المتحف. (الإطلاع في 29 حزيران/يونيو، 2008).
http://www.ushmm.org/wlc/article.php?lang=en&ModuleId=10007255