النار المشتعلة في منطقة شرق آسيا منذ ان اتهمت كوريا الجنوبية جارتها كوريا الشمالية بإغراق سفينتها الحربية' تشيونان' في26 مارس الماضي قرب الحدود البحرية بين الكوريتين في البحر الأصفر.
شهدت توهجا شديدا أمس الأول الأحد. حيث بدأت مناورات عسكرية مشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية في بحر اليابان لمدة اربعة أيام, اطلق عليها اسم' الروح التي لا تقهر'. هذه المناورات وصفها العديد من المراقبين بأنها' استعراض للقوة ضد كوريا الشمالية'. حيث يشارك فيها نحو8 آلاف جندي و20 سفينة وغواصة حربية منها أكبر حاملة طائرات في العالم المعروفة باسم( يو أس أس جورج واشنطون) والتي تبلغ حمولتها97 ألف طن وتعمل بالطاقة النووية إلي جانب حوالي200 طائرة مقاتلة من بينها الطائرات المقاتلة اف22( الشبح) والتي لها القدرة علي تجنب الدفاعات الجوية الكورية الشمالية.
وتعد هذه المناورات هي الأولي في سلسلة من عشر مناورات مشتركة تخطط واشنطون وسول القيام بها في الشهور القليلة المقبلة بهدف بعث رسالة لكوريا الشمالية مفادها' أن سلوكها العدواني وأعمالها الاستفزازية يجب أن يتوقف' حسبما جاء في بيان مشترك بين وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس ونظيره الكوري الجنوبي كيم تي يونج في الأسبوع الماضي.
سياسة حافة الهاوية
كوريا الشمالية التي نفت مرارا وتكرارا اي دور لها في غرق البارجة' تشيونان' قررت استخدام سياسة' حافة الهاوية' في التعامل مع هذه المناورات التي تستهدفها وهددت بالرد عن طريق استخدام' الرادع النووي' وشن' حرب مقدسة' في الوقت المناسب. حيث اعتبرت هذه المناورات' أكبر تدريبات علي الإطلاق لشن حرب نووية عليها ودفعا متعمدا من جانب الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية للأمور إلي حافة الحرب'.
المناورات الأمريكية الكورية الجنوبية تأتي في وقت تشهد فيه منطقة شرق آسيا توترا وقلقا متناميا علي أكثر من مستوي.
فمن ناحية يعتبر صانعو القرار في سول أن إغراق سفينتهم وما ترتب عليه من مقتل46 بحارا' أسوأ هجوم عسكري من جانب قادة بيونج يانج' عليهم منذ الحرب الكورية في الفترة من1950 إلي1953. ويعتقدون مع نظرائهم في واشنطون أن مجلس الأمن الدولي قد فشل في إدانة كوريا الشمالية بشكل كاف لتورطها في هذه الحادثة نتيجة المعارضة الصريحة من جانب الصين والتحفظات الضمنية لروسيا علي هذه الإدانة. وهوما أدي في النهاية إلي اكتفاء مجلس الأمن الدولي أوائل الشهر الجاري بإصدار بيان ضعيف يدين هذا الإغراق دون أن يلقي باللوم بشكل مباشر علي كوريا الشمالية ودون أن يفرض عليها مزيدا من العقوبات الاقتصادية.
معارضة الصين
ومن ناحية أخري تأتي هذه المناورات أيضا في ظل معارضة قوية من جانب بكين الحليف التقليدي لكوريا الشمالية. وهذه المعارضة لم تنبع فقط من التقدير الصيني القائم علي ان هذه المناورات ستؤدي إلي زيادة التوترات المتأججة بالفعل في منطقة شرق آسيا ومن ثم زيادة إمكانية تفجر صراع أوسع علي شبه الجزيرة الكورية مما قد يؤدي إلي تدفق للاجئين من كوريا الشمالية علي شمال شرق الصين, بل نبعت هذه المعارضة أيضا من إدراك الصينيين خطورة هذه المناورات علي أمنهم القومي لانها تجري علي مسافة قريبة جدا من شواطئهم.
المعارضة الصينية لهذه المناورات أدت إلي نقل موقعها المخطط سلفا في البحر الأصفر إلي بحر اليابان شرق شبه الجزيرة الكورية. وهوالامر الذي جعل عددا من المراقبين يؤكد أن ذلك يمثل ضربة قوية وهزيمة واضحة للأمريكيين في مواجهة الصينيين الذين يبدو أنهم نجحوا في توصيل رسالة قوية إلي الأوساط العسكرية في واشنطون مفادها أن الاسطول الأمريكي لم يعد لديه نفس الحرية التي كان يتمتع بها من قبل في التحرك قرب السواحل الصينية في البحر الأصفر.
بوادر تحول أمريكي
ومن ناحية ثالثة يبدو من المناورات العسكرية الأخيرة حدوث بوادر تحول في الاستراتيجة الأمريكية في شرق آسيا يتمثل في إحلال كوريا الجنوبية محل اليابان كمحور لهذه الاستراتيجية. وربما يكون السبب الرئيس وراء ذلك هو أن الحكومة اليابانية الحالية بقيادة الحزب الديمقراطي الياباني منذ وصولها إلي السلطة في سبتمبر الماضي تحاول إقامة علاقات أكثر تكافؤا ومساواة مع الإدارة الأمريكية مقارنة بالحكومات اليابانية السابقة بزعامة الحزب الليبرالي الديمقراطي. وهوما أدي إلي حدوث توتر معلن بين طوكيو وواشنطن في الفترة الأخيرة بسبب نقل قاعدة فوتينما العسكرية في جزيرة أوكيناوا اليابانية ومحاولات تقليص الدعم المادي للقواعد العسكرية الأمريكية في اليابان.
هذا في الوقت الذي يحرص فيه الرئيس الكوري الجنوبي لي علي التودد الواضح للولايات المتحدة من أجل تدعيم مكانة بلاده السياسية والاقتصادية في العالم. ويبدو أن هذا التودد قد نجح في موافقة واشنطون علي أن تصبح كوريا الجنوبية أول دولة آسيوية تستضيف اجتماعات مجموعة العشرين في نوفمبر المقبل كما أنها ستستضيف أيضا مؤتمر الأمن النووي في عام2011, كما يبدو أن هذا التودد أيضا كان السبب الرئيس في التأييد الأمريكي المطلق لرئيس كوريا الجنوبية في موقفه التصعيدي تجاه كوريا الشمالية بعد حادث إغراق سفينتها الحربية في مارس الماضي.
تجربة نووية ثالثة
علي أية حال يمكن القول أن المناورات المشتركة الحالية بين واشنطون وسول ومحاولتهما فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية علي بيونج يانج يمكن أن تسهم في إحداث اضطرابات شديدة للنظام الحاكم في كوريا الشمالية خاصة إذا تواكب ذلك مع إحداث قلاقل داخلية من جانب قوي المعارضة السياسية وهوما ظهر اول بشائره في الأيام الأخيرة.
إلا أن الأمر المؤكد أن قادة بيونج يانج لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام المخططات التي تحاك ضدهم. حيث يشير عدد من المراقبين إلي أن كوريا الشمالية ستقوم بمحاولة القيام بتجربة نووية ثالثة تحت الأرض أوالقيام بتجربة جديدة باستخدام تكنولوجيا الاندماج النووي خاصة أنها قد أكدت في مايوالماضي أن علماءها قد توصلوا الي هذه التكنولوجيا. كما من المتوقع أيضا ان يسحق النظام الحاكم أية محاولات قد تقوم بها المعارضة السياسية في البلاد.
وسيبقي التساؤل هو: هل استعراض القوة من جانب الأمريكيين والكوريين الجنوبيين سيحقق الهدف المرغوب منه في إجبار زعماء كوريا الشمالية علي الإذعان والرضوخ بل والانهيار أم ان مناورات' الروح التي لا تقهر' سيكون لها أثر عكسي وتبث الروح في النظام الحاكم في كوريا الشمالية مما سيسمح للنظام بإحكام قبضته علي السلطة وبالتالي تمهيد الطريق لعملية انتقال الحكم من الأب كيم جونج ايل إلي الأبن جونج اون
نقلا عن جريدة الاهرام المصرية
http://www.ahram.org.eg/240/2010/07/27/2/31245.aspx
شهدت توهجا شديدا أمس الأول الأحد. حيث بدأت مناورات عسكرية مشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية في بحر اليابان لمدة اربعة أيام, اطلق عليها اسم' الروح التي لا تقهر'. هذه المناورات وصفها العديد من المراقبين بأنها' استعراض للقوة ضد كوريا الشمالية'. حيث يشارك فيها نحو8 آلاف جندي و20 سفينة وغواصة حربية منها أكبر حاملة طائرات في العالم المعروفة باسم( يو أس أس جورج واشنطون) والتي تبلغ حمولتها97 ألف طن وتعمل بالطاقة النووية إلي جانب حوالي200 طائرة مقاتلة من بينها الطائرات المقاتلة اف22( الشبح) والتي لها القدرة علي تجنب الدفاعات الجوية الكورية الشمالية.
وتعد هذه المناورات هي الأولي في سلسلة من عشر مناورات مشتركة تخطط واشنطون وسول القيام بها في الشهور القليلة المقبلة بهدف بعث رسالة لكوريا الشمالية مفادها' أن سلوكها العدواني وأعمالها الاستفزازية يجب أن يتوقف' حسبما جاء في بيان مشترك بين وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس ونظيره الكوري الجنوبي كيم تي يونج في الأسبوع الماضي.
سياسة حافة الهاوية
كوريا الشمالية التي نفت مرارا وتكرارا اي دور لها في غرق البارجة' تشيونان' قررت استخدام سياسة' حافة الهاوية' في التعامل مع هذه المناورات التي تستهدفها وهددت بالرد عن طريق استخدام' الرادع النووي' وشن' حرب مقدسة' في الوقت المناسب. حيث اعتبرت هذه المناورات' أكبر تدريبات علي الإطلاق لشن حرب نووية عليها ودفعا متعمدا من جانب الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية للأمور إلي حافة الحرب'.
المناورات الأمريكية الكورية الجنوبية تأتي في وقت تشهد فيه منطقة شرق آسيا توترا وقلقا متناميا علي أكثر من مستوي.
فمن ناحية يعتبر صانعو القرار في سول أن إغراق سفينتهم وما ترتب عليه من مقتل46 بحارا' أسوأ هجوم عسكري من جانب قادة بيونج يانج' عليهم منذ الحرب الكورية في الفترة من1950 إلي1953. ويعتقدون مع نظرائهم في واشنطون أن مجلس الأمن الدولي قد فشل في إدانة كوريا الشمالية بشكل كاف لتورطها في هذه الحادثة نتيجة المعارضة الصريحة من جانب الصين والتحفظات الضمنية لروسيا علي هذه الإدانة. وهوما أدي في النهاية إلي اكتفاء مجلس الأمن الدولي أوائل الشهر الجاري بإصدار بيان ضعيف يدين هذا الإغراق دون أن يلقي باللوم بشكل مباشر علي كوريا الشمالية ودون أن يفرض عليها مزيدا من العقوبات الاقتصادية.
معارضة الصين
ومن ناحية أخري تأتي هذه المناورات أيضا في ظل معارضة قوية من جانب بكين الحليف التقليدي لكوريا الشمالية. وهذه المعارضة لم تنبع فقط من التقدير الصيني القائم علي ان هذه المناورات ستؤدي إلي زيادة التوترات المتأججة بالفعل في منطقة شرق آسيا ومن ثم زيادة إمكانية تفجر صراع أوسع علي شبه الجزيرة الكورية مما قد يؤدي إلي تدفق للاجئين من كوريا الشمالية علي شمال شرق الصين, بل نبعت هذه المعارضة أيضا من إدراك الصينيين خطورة هذه المناورات علي أمنهم القومي لانها تجري علي مسافة قريبة جدا من شواطئهم.
المعارضة الصينية لهذه المناورات أدت إلي نقل موقعها المخطط سلفا في البحر الأصفر إلي بحر اليابان شرق شبه الجزيرة الكورية. وهوالامر الذي جعل عددا من المراقبين يؤكد أن ذلك يمثل ضربة قوية وهزيمة واضحة للأمريكيين في مواجهة الصينيين الذين يبدو أنهم نجحوا في توصيل رسالة قوية إلي الأوساط العسكرية في واشنطون مفادها أن الاسطول الأمريكي لم يعد لديه نفس الحرية التي كان يتمتع بها من قبل في التحرك قرب السواحل الصينية في البحر الأصفر.
بوادر تحول أمريكي
ومن ناحية ثالثة يبدو من المناورات العسكرية الأخيرة حدوث بوادر تحول في الاستراتيجة الأمريكية في شرق آسيا يتمثل في إحلال كوريا الجنوبية محل اليابان كمحور لهذه الاستراتيجية. وربما يكون السبب الرئيس وراء ذلك هو أن الحكومة اليابانية الحالية بقيادة الحزب الديمقراطي الياباني منذ وصولها إلي السلطة في سبتمبر الماضي تحاول إقامة علاقات أكثر تكافؤا ومساواة مع الإدارة الأمريكية مقارنة بالحكومات اليابانية السابقة بزعامة الحزب الليبرالي الديمقراطي. وهوما أدي إلي حدوث توتر معلن بين طوكيو وواشنطن في الفترة الأخيرة بسبب نقل قاعدة فوتينما العسكرية في جزيرة أوكيناوا اليابانية ومحاولات تقليص الدعم المادي للقواعد العسكرية الأمريكية في اليابان.
هذا في الوقت الذي يحرص فيه الرئيس الكوري الجنوبي لي علي التودد الواضح للولايات المتحدة من أجل تدعيم مكانة بلاده السياسية والاقتصادية في العالم. ويبدو أن هذا التودد قد نجح في موافقة واشنطون علي أن تصبح كوريا الجنوبية أول دولة آسيوية تستضيف اجتماعات مجموعة العشرين في نوفمبر المقبل كما أنها ستستضيف أيضا مؤتمر الأمن النووي في عام2011, كما يبدو أن هذا التودد أيضا كان السبب الرئيس في التأييد الأمريكي المطلق لرئيس كوريا الجنوبية في موقفه التصعيدي تجاه كوريا الشمالية بعد حادث إغراق سفينتها الحربية في مارس الماضي.
تجربة نووية ثالثة
علي أية حال يمكن القول أن المناورات المشتركة الحالية بين واشنطون وسول ومحاولتهما فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية علي بيونج يانج يمكن أن تسهم في إحداث اضطرابات شديدة للنظام الحاكم في كوريا الشمالية خاصة إذا تواكب ذلك مع إحداث قلاقل داخلية من جانب قوي المعارضة السياسية وهوما ظهر اول بشائره في الأيام الأخيرة.
إلا أن الأمر المؤكد أن قادة بيونج يانج لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام المخططات التي تحاك ضدهم. حيث يشير عدد من المراقبين إلي أن كوريا الشمالية ستقوم بمحاولة القيام بتجربة نووية ثالثة تحت الأرض أوالقيام بتجربة جديدة باستخدام تكنولوجيا الاندماج النووي خاصة أنها قد أكدت في مايوالماضي أن علماءها قد توصلوا الي هذه التكنولوجيا. كما من المتوقع أيضا ان يسحق النظام الحاكم أية محاولات قد تقوم بها المعارضة السياسية في البلاد.
وسيبقي التساؤل هو: هل استعراض القوة من جانب الأمريكيين والكوريين الجنوبيين سيحقق الهدف المرغوب منه في إجبار زعماء كوريا الشمالية علي الإذعان والرضوخ بل والانهيار أم ان مناورات' الروح التي لا تقهر' سيكون لها أثر عكسي وتبث الروح في النظام الحاكم في كوريا الشمالية مما سيسمح للنظام بإحكام قبضته علي السلطة وبالتالي تمهيد الطريق لعملية انتقال الحكم من الأب كيم جونج ايل إلي الأبن جونج اون
نقلا عن جريدة الاهرام المصرية
http://www.ahram.org.eg/240/2010/07/27/2/31245.aspx