تبدأ القصة بالتحديد عام 1989 لتحقيق هذا الحلم الذي كان يشكّل تحدّياً أمام علماء مصر بقيادة د. أحمد مستجير أستاذ الهندسة الوراثية بجامعة القاهرة واستمر التحدّي 15 عاماً حتى تم الإعلان عنه في عام 2006 (وقد يستغرب الكثير منّا عدم معرفته بهذا الإكتشاف بالرغم من مرور أكثر من عامين على إعلانه).
وكانت الفكرة التي اعتمد عليها العلماء المصريون هي إحداث نوع من التهجين بين خلايا نبات الغاب (وهو نبات ينمو في المياه المالحة) وبين خلايا نبات الأرز والقمح والذرة (فنبات الغاب لديه توليفة جينية تمكنه من تحمل ملوحة مياه البحر وتحمل درجة الحرارة العالية وهو في نفس الوقت مشابه لتركيب الأرز والقمح لأن جميعهم من فصيلة النجيليات) وكانت الدراسات الفنية قائمة على فصل البروتوبلاست من كل من الأرز والقمح والذرة والغاب وإحداث اندماج خلوي بينهم باستخدام أسلوب الإندماج الكهربائي ولذلك تم الحصول علي نباتات مهجنة بين كل من الأرز والغاب والقمح والغاب والذرة والغاب, وتم اختيار وانتخاب العديد من السلالات من كل من الأرز المهجن (12 سلالة) ومن القمح المهجن (8 سلالات) والذرة المهجنة (4 سلالات). ثم قام العلماء بزراعة هذه السلالات لعدة أجيال في الأراضي الزراعية المصرية تحت ظروف الملوحة المرتفعة أو ظروف الجفاف في المناطق غير المطروحة في محافظات مصر المختلفة لإختبارها.
ثوبعد ذلك تم عمل دراسات تشريحية علي السلالات المسجلة لكل من الأرز والقمح. ثم عمل تحليل كيميائي للبذور الناتجة سواء كانت حبوب أرز أو قمح أو ذرة. وأخيراً عمل دراسات حقلية, حيث تم زراعة عشرات الأفدنة من كل سلالة لإختبارها. حي أثبتت النتائج أن سلالات الأرز تتحمل نسبة مرتفعة من الملوحة (320000 جزء في المليون وهي نسبة ملوحة ماء البحر) وتتحمل درجة حرارة تصل إلى 60 درجة مئوية.
وبالإضافة الي نجاحها في النمو حتى طور النضج وإنتاج الحبوب تحت المستويات المرتفعة من الملوحة والجفاف فإن هذه السلالات الجديدة تتميز بإنتاجية مرتفعة وتمتاز حبوبها بنسبة عالية من البروتين وكذلك بعض الأحماض الأمينية والسكريات المختزلة والعناصر الغذائية التي إمتازت بها عن السلالات العادية.
بالإضافة الي ذلك أمكن الحصول على سلالات من الذرة الشامية العملاقة (وهي تستخدم بشكلٍ أساسي في غذاء المواشي والدواجن حيث تشير الإحصائيات -على سبيل المثال- إلى أن 90% من محصول الذرة الشامية في الولايات المتحدة الأمريكية يستخدم في غذاء الحيوانات) تتحمل الملوحة المرتفعة وتعطي محصولاً يزيد عن ضعف المحصول العادي والأهم أنه يعطي محصول مادة خضراء تزيد عن أربعة أضعاف محصول البرسيم العادي بما يعادل إنتاجية 4 فدادين من المادة الخضراء من البرسيم بالاضافة لإرتفاع قيمة المادة الخضراء والحبوب غذائياً (ويرجع السبب في ذلك إلى أن كفاءة نبات الغاب في التمثيل الضوئي عالية جداً مما يزيد من إنتاج المادة الخضراء المعروفة بالكلوروفيل).
والأمر الآخر وليس الأخير، هو أن هذه السلالات الجديدة قد ورثت من نبات الغاب قدرته على تحمل الأمراض والفيروسات والحشرات.
وبإختصار، فإن هذا الإكتشاف يمثل فتحاً جديداً للقضاء على الفقر والجوع للأسباب التالية:
1- الإكتشاف تركّز على أهمّ سلالتين في غذاء الإنسان وهما الأرز والقمح وسلالة مهمة في غذاء الحيوانات وهي البرسيم.
2- السلالات الجديدة تحتوي على قيمة غذائية أعلى من سلالات القمح والأرز الحالية.
3- إمكانية زراعة هذه السلالات الجديدة في أي أرضٍ كانت ويمكن سقيها بماء البحر. أي أنه أصبح بالإمكان القضاء على مشكلة عدم توفر الأرض الصالحة للزراعة والماء اللازم لسقي هذه المزروعات.
4- السلالات الجديدة تتميز بقدرتها العالية على التغلب على الأمراض والحشرات مما يوفر المال اللازم للأدوية والمبيدات.
5- إمكانية الإستفادة من الأراضي الصالحة للزراعة والتي يزرع فيها الأرز والقمح حالياً في زراعة محاصيل أخرى مختلفة.
6- توفير المياه العذبة في الأماكن التي تعاني من شُحٍ في المياه خصوصاً إذا علمنا أن محاصيل الأرز والقمح تحتاج إلى كمياتٍ كبيرةٍ من المياه العذبة.
--------------------------------------
هذا الإختراع يشكّل -كما قلت- فتحاً عظيماً للبشرية وهو مهمٌ بالدرجة الأولى للبلاد التي تعاني من قلةٍ في الموارد الغذائية وتعتمد على الإستيراد لسدّ حاجتها من الغذاء بسبب قلة الموارد المائية لديها (كما في بلادنا حفظها الله).
أنا أستغرب مثلكم عن عدم دعم الجامعة العربية لمثل هذا الإكتشاف. وبعيداً عن الجامعة العربية، فإني أستغرب من عدم دعم بلادنا لهذا الإكتشاف والعمل مع الفريق المصري على نقل هذه التقنية إلى هنا كي نستفيد منها ونُحقّق حلمنا بالإكتفاء الذاتي من الغذاء وهو حلمٌ يراود كُل سعوديٍ يخاف على مستقبل بلده ومستقبل أبنائه.
يجب على المملكة العربية السعودية -ممثلةً في وزارة الزراعة ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وكليات الزراعة في بلادنا- أن تدعم مثل هذا الغكتشاف وتبدأ بتطبيقه هنا في المملكة.
فتخيّلوا معي لو أننا قمنا بتطبيق هذا الإكتشاف هنا في المملكة وقمنا بتحويل هذه الصحاري القاحلة إلى مسطّحاتٍ خضراء لزراعة الأرز والقمح والبرسيم فماذا سنكسب من ذلك؟
أولاً: بزراعة الأرز محلياً، سنستطيع الإستغناء عن إستيراد الأرز وسنُحقّق هدفاً إسترتيجياً وهو تحقيق الإكتفاء الذاتي من الأرز الذي يشكّل مصدراً غذائياً هاماً للسعوديين وعندها فلن نتأثر بتقلّب أسعاره أو بالأزمات التي تحدث في البلاد التي كنا نستورده منها.
ثانياً: عند زراعة القمح، فإننا سنوفّر مصدراً آخراً هاماً للسعوديين -وهو الدقيق الذي يدخل في صناعة الكثير من الأطعمة- وسيصبح متوفراً للجميع وبأسعار زهيدة بعيداً عن هاجس الخوف من إرتفاع سعره أو إنقطاعه.
ثالثاً: إذا أمكننا زراعة القمح بالإعتماد على مياه البحر، فإننا سنوفر المياه الجوفية في مناطقنا الزراعية لأن زراعة القمح محلياً تستنفذ مياهنا الجوفية وهو الأمر الذي حذّر منه الكثير من الخبراء.
رابعاً: ستستفيد الثروة الحيوانية في المملكة من هذا الإكتشاف حيث ستتوفر لدينا الذرة الشامية بشكلٍ كبير وبقيمةٍ غذائية تفوق مثيلتها في البرسيم المستخدم حالياً وبسعرٍ أقل منه مما سيوفر على أهل البادية الكثير من المال ويساهم في خفض أسعار السلع المرتبطة بتربية المواشي والدواجن كالألبان واللحوم والبيض وغيرها.
هذه بعض من الفوائد التي سنجنيها والمكاسب التي سنحصل عليها في حال تطبيق مثل هذا الإكتشاف. والأمر سهلٌ جداً فهو لايتطلب سوى إرادةٍ قوية لتنفيذ القرار. وكل مافي الأمر هو إختيار مساحاتٍ شاسعة من الأراضي القريبة من السواحل وإنشاء شبكات أنابيب تجلب المياه من البحر لريّ هذه المحاصيل فقط فهل هذا صعب؟؟؟!!!.
أرجو أن تصل إرادة المسؤولين عندنا لمستوى التحدّي ويعملوا على تطبيق مثل هذا الإكتشاف ونقله إلى المملكة وستتغير معالم المملكة العربية السعودية في غضون خمسة أعوامٍ فقط وسننعم بالرخاء والخير ونأمن على قوتِنا بإذنه تعالى.
( كل الشكر لراعي المضارب بالساحة العربية ، ونظراً للاهمية الاستراتيجيه للموضوع احببة نقله لمنتدانا الحبيب)
التعديل الأخير: