صفحة مشرقة من تاريخ سورية
محمد فاروق الإمام
محمد فاروق الإمام
لقد فوجئ العرب بموقف المشير عبد الرحمن سوار الذهب الذي قاد انقلاباً على جعفر النميري منهياً حكم العسكر في السودان، وتسليم أمور الحكم إلى المدنيين في العام الثاني من انقلابه، وأكبر الناس فيه هذا الموقف الشجاع والأخلاقي والوطني، وقد تقلّب الشعب السوداني في أتون الديكتاتورية العسكرية سنين طويلة.
ولا يذكر العرب وغالبية السوريين أن الزعيم سامي الحناوي قاد انقلاباً في سورية فجر الرابع عشر من شهر آب عام 1949على الديكتاتور حسني الزعيم، وبعد نجاح انقلابه والقبض على حسني الزعيم، سلم في نفس اليوم مقاليد الحكم إلى المدنيين.
ففي الساعة السابعة من مساء اليوم الأول للانقلاب بدأ يتوافد إلى وزارة الدفاع النواب والساسة الذين وجهت الدعوة إليهم حيث التأم عقدهم في الصالون الكبير، وبلغ عددهم قرابة الخمسين شخصاً، كان في مقدمتهم (هاشم الأتاسي، وفارس الخوري، ورشدي الكيخيا، وناظم القدسي، وسامي كبارة، وأكرم الحوراني).
وعندما التأم الجمع دار البحث حول إيجاد طريقة لإعادة الأوضاع الشرعية الدستورية، قال الزعيم سامي الحناوي: (إن الجيش لن يتدخل في الشؤون السياسية، وليست له أية رغبة إلا العمل لمصلحة البلاد).
وقد أجمع الرأي على تشكيل لجنة من (هاشم الأتاسي وفارس الخوري ورشدي الكيخيا وناظم القدسي ومصطفى برمدا وسامي كبارة وأكرم الحوراني ونبيه العظمة وفيضي الأتاسي) مهمتها تحديد الأساليب والطرق للعودة بالبلاد إلى الوضع الدستوري الشرعي.
وقد قررت اللجنة دون نقاش طويل تكليف هاشم الأتاسي بتشكيل حكومة مؤقتة تعمل على إعادة الحياة الدستورية للبلاد، فانصرف المجتمعون وهم موافقون، بينما استمرت اللجنة في اجتماعها.
وفيما يلي المحضر الكامل لما تم في الجلسة التي عقدت بالأركان العامة يوم الأحد في 14 آب 1949م.
بناء على دعوة موجهة من الزعيم السيد سامي الحناوي القائم بالانقلاب الثاني في صبيحة هذا اليوم الموافق يوم الأحد في 20 شوال سنة 1368هـ/14 آب سنة 1949م وقد فتحت الجلسة بحضور صاحب الدعوة وحضور اللواء السيد عبد الله عطفة في مقام وزارة الدفاع، وقد حضر هذا الاجتماع من المدعوين السادة: (فارس الخوري، وحسن الحكيم، وزكي الخطيب، ومنير العجلاني، وشاكر العاص، وسامي كبارة، وفيضي الأتاسي، وصلاح البيطار، وأمين الجعفري، وأكرم الحوراني، ومعروف الدواليبي، وعيسى السرياني).
وبعد استعراض الموقف من قبل المجتمعين وبحث الأدوار الماضية وما رافقها من ضغط على الحريات العامة وتهتكاً بحرمة الدستور والقانون، قال الزعيم الحناوي:
(نحن نريد الآن تسليم مصير البلاد والدولة لساسة الأمة التي شعرت بالحاجة إلى هذا الانقلاب الثاني بسبب ما أصابها من خيبة أمل مريرة.. وقد لبى الجيش رغبة الأمة فقام بالانقلاب وهو يريد تسليم الأمور إلى رجالات مسؤولة تعمل لمصلحة البلاد).
وهنا انتهى الاجتماع وخرج المجتمعون على أن يعودوا في الساعة السابعة مساء، وفي المساء عقد الاجتماع الثاني في الوقت المحدد في رئاسة الأركان العامة، حضره كل من السادة: هاشم الأتاسي، وفارس الخوري، وحسن الحكيم، واللواء عطفة والزعيم الحناوي.
وجرى البحث في اختيار الحكومة وانتقاء الأشخاص، فشكر الأستاذ الخوري الجيش على عمله وقيامه بالانقلاب الثاني، الذي أعاد إلى البلاد الطمأنينة والثقة والهدوء، واستوثق الأستاذ الخوري من قادة الانقلاب بأن لا يكون وراء هذا الانقلاب انقلاب آخر، أو ما يعكر الجو السياسي في البلاد بعد، وأعقبه بعد ذلك هاشم الأتاسي والمجتمعون، وبعد الوثوق من حسن نية رجال الجيش، كُلف الأتاسي بأن يتولى أمر تأليف الوزارة فرغب الأتاسي والخوري في البداية تأليف لجنة لهذه الغاية، فتألفت اللجنة من المجتمعين وقد اختلت بنفسها وتداولت بالأمر وبعد المذاكرة قرر أعضاؤها بالإجماع تكليف فخامة الرئيس الأتاسي بتشكيل الوزارة، واختيار معاونيه.
وانفض الاجتماع على هذا المنوال، وبعد ذلك اختار الرئيس الاتاسي وزراءه وأبلغهم ذلك وأصر عليهم بالقبول وعلى الأثر صدرت المراسيم بتأليف الوزارة. التي ضمت مختلف الأطياف السياسية في سورية.
وفي يوم الاثنين جرت مراسيم تسليم الوزارة زمام الأعمال كالمعتاد وشرع كل وزير القيام بمهام منصبه.
وفي بهو رئاسة الوزراء في السراي أدلى سامي الحناوي لأصحاب الصحف والمراسلين بالتصريح التالي:
(أنا رجل عسكري ولا علم لي بالشؤون السياسية، وإنني قمت بحركتي هذه مدفوعاً بعامل إنقاذ الوطن من الخطر المحدق به، وإني لا أطلب أجراً ولا شيئاً سوى خدمة الوطن ورفاهية الشعب، وإني بعد أن تألفت حكومة قومية سأترك لها مقاليد الأمور وأعود إلى وظيفتي في الجيش).
ورد عليه السيد هاشم الأتاسي بقوله:
(باسمي وباسم إخواني الوزراء وباسم هذا الوطن أشكر لكم ما أقمتم من دليل على صدق نواياكم وسلامة مقاصدكم. إذ حرصتم كل الحرص على إسلام الأمور إلى حكم مدني يطمئن الشعب ويمهد عاجلاً للحياة الدستورية في البلاد.. ولا شك في أن البلاد واجدة دائماً في جيشها الباسل ما يحمي ذمارها ويصون كرامتها).
وانسحب سامي الحناوي عائداً إلى قيادة الجيش بينما عقد الوزراء أول اجتماع للحكومة الجديدة.
عن رابطة أدباء الشام