من مواقف علماء الجزائر

الرياضي

بكل روح رياضية
إنضم
8 فبراير 2010
المشاركات
4,699
التفاعل
938 0 0
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنقل هذا الموقف الذي قرأته في مجلة الشهاب لشيخين وعالمين عضوين في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أزعم أنهما ضربا من خلاله مثلا في الأخلاق الإسلامية الرفيعة التي عزت في مثل أيامنا، فرحمهما الله رحمة واسعة، وجعل كل ما قدماه في ميزان حسناتهما، فلّله درّ هذا الخلق الرفيع، ولله درّ من هذبتهم السنن والآثار.
- بعد أن نشر الشيخ الإمام أبو يعلى الزواوي ( ت 1371 هـ - 1952 م ) كتابه " الخطب " أهدى نسخة منه إلى الإمام عبد الحميد بن باديس، هذا الأخير قام بكتابة مقالة للتعريف بهذا الكتاب في مجلة الشهاب، عرف فيه بالكتاب ونوه به وبصاحبه، ودعى القراء والمشتركين إلى اقتنائه لما يحتويه من علم نافع، ولم يمنعه علم الرجل وفقهه من أن ينبهه إلى تساهله في نقل القليل من الأحاديث الضعيفة، ويطلب منه أن يقوم بتخريجها أو العزو إلى الكتب التي أخذ منها، وإليكم المقالة كما جاءت في مجلة الشهاب العدد 34 السنة الثانية، الخميس 21 ذو الحجة 1344هـ/ 1جويلية 1926م. الصفحة 11 بعنوان
" خطب إمام جامع سيدي رمضان بالجزائر":
'' الشيخ السعيد الزواوي علامة سلفي، داعية إلى الإصلاح بالكتاب والسنة وعمل السلف الصالح، كان من محاسن أعماله لما ولي الخطابة بجامع سيدي رمضان بالجزائر أن أخذ يخطب على الناس خطبا حية مناسبة للمكان والزمان والحال على طريقة السلف المتقدمين .
ثم جمع بعضا من تلك الخطب وقدم لها مقدمة نفيسة وطبع الجميع في مجموع واحد سنة 1342هـ ، وقد أهدانا نسخة فألفيناها كما يشاء النصح وتقتضيه الإجادة فشكر الله صنعه وأحسن جزاءه.
وددنا لو ذكر مآخذ حديثه وزاد تحريا في تخريجها فإن فيها قليلا من الضعيف الذي كان يغني عنه الحسن والصحيح.
ومن أراد اقتناء هذه الخطب النفيسة فليخاطب صاحبها على عنوانه...''
والمعروف عن الإمام عبد الحميد بن باديس أنه كان من العلماء الذين يرون أن من ذكر إسناد الحديث فقد أعذر وبرئت ذمته ؛ لأنه يقدّم الوسيلة التي تمكِّن من كان عنده علم بهذا الفنِّ من معرفةِ حال الحديث صحةً أو ضعفاً ، بخلاف من حذف إسناده ، ولم يذكر شيئاً عن حاله ، فقد كتم العلم الذي عليه أن يبلِّغَه، كما أنه موقفه من رواية الحديث الضعيف وضحه في قولته:" لا نعتمد في إثبات العقائد والأحكام على ما ينسب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الحديث الضعيف لأنه ليس لنا به علم" الآثار (1/143).
- بعد أن أطلع أبو يعلى الزواوي على ما كتب عنه وعن كتابه " الخطب" من النقد والتصحيح، فرح واستبشر به، وأعتبره من باب النصيحة له وللمسلمين، فأرسل إلى نفس المجلة بجواب يدل على حرصه على إتباع الحق، متى ظهر له، وتقديمه إياه على حظوظ النفس مهما كانت، وهذا الموقف الكريم يدل على حسن خلق المسلم وشرف نفسه، وتواضع العالم، وصدق كلامه الذي يدل على إخلاص القلب الذي خرجت منه، وأنه لا يبغي إلا الحق ، لا يداهن فيه ولا يخجل منه، وبهذا حضروا وأعدوا – بفضل من الله وعونه- شعبا قاوم أعتى مستدمر فرنسي، وأخرجه يجر أذيال الخيبة والخذلان من أرض الإسلام الطاهرة المطهرة، فرحمة الله عليهم رحمة واسعة، وجزاهم الله عنا كل خير.
هذا بعض ما جاء في جواب الإمام أبو يعلى الزواوي في العدد 44 السنة الثانية ، الخميس 26 محرم 1345هـ/ 5 أوت 1962 الصفحة 10 بعنوان " إيراد الخطباء الحديث":
أشكر أصحاب " الشهاب " الأغر على تنويههم بخطبي في العدد الأخير، ويجوز لي أن أنشد :
إذا أنا لم أشكر على الخير أهله...ولم أذمم الوغد اللئيم المذمما
ففيم عرفت الخير والشر باسمه ...وشق لي المسامع والفمـا.
وهذا لجميع من نوهوا بها من جرائد هذا الوطن ومصر والشام، جعل الله ذلك لنا ولهم من خالص الخدمة للعلم والملة وأن قصدي في ذلك الكتاب مقدمته وقصدي من مقدمته قولي في خطبة الكتاب:
أردت تجديد طريقة السلف في إلقاء الخطب والرجوع إلى الأصل في ذلك ، وإحياء ما هنالك الخ قولي لو لم يكن لي من الأهلية إلا إحياء تلك السنة وأي سنة لكفى.
وأما إيراد بعض الأحاديث الضعيفة فلا أقول أنهم قالوا فلا بأس في الاستدلال بالحديث الضعيف في الوعظ وفضائل الأعمال، وإنما أقول أن الاستدلال بغير ما في الصحيحين ولو من بقية الأمهات الست فهو على خطر عظيم ... وكفى أن أبا حنيفة رحمه الله أبى أن يعتمد أكثر من بضعة عشر حديثا، وكذلك يوثق بأحاديث الموطأ، ولكن مع كل ذلك أقول ما قال الأول: وجدت آجرا وجصا فبنيت، ومكان القول ذا سعة، إذ ما أوردت من الأحاديث في كتابي لا يتعدى البخاري ومسلما، فإذا كان لهذين أصرح به، والطبري وإحياء علوم الدين للإمام الغزالي فإذا كان لهذين فلا أصرح بشئ، وفي علمي أن الغزالي قد حوى [كذا] في أحاديثه التي أثبتها في الأحياء ولكن شارحه المرتضى رحمه الله دافع عنها وصححها، وكذلك أخذت بعض الأحاديث من خطب الشرنوبي ومن الجامع الصغير، أخطأت في الأخذ من الجامع الصغير للسيوطي حاطب ليل الذي يدعي إثبات الأحاديث باستشارة النبي صلى الله عليه وسلم يقظة ومشافهة، وهو في القرن الثامن، وعلى أن شارحه الغريزي حكم بالضعف على أكثرها، فالحق – والحق أقول- إن اعتنائكم بالتنبيه على الأحاديث الضعيفة خدمة جليلة مفيدة وقد ألتزمت منذ أمد أن لا أفوه بالحديث فيما ينبني عليه حكم شرعي وخصوصا في الحلال والحرام أو الأمر والنهي إلا إذا كان ثابتا في الصحيحين والموطأ وفيما عدا ذلك العزو أي أعزوه، ثم أبحث عن الصحة وعدمها كما قال صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل وأهليهما: " (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: {آمنا بالله وما أنزل إلينا} [ العنكبوت:46 ] (( رواه البخاري))" الحديث
الجملة أن الاستدلال بالحديث على خطر عظيم إذ قد يقع المستبدل في الوعيد الوارد من ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " ثم بعد هذا كله نجد الكثير من العامة بل من الخاصة لا يبالون بقوله صلى الله عليه وسلم، ولو هو حديث خرافة، وقولي هذا حديث خرافة على سبيل المثل والمصطلح، وإلا فان خرافة ورد حديث فيه أنه رجل أخذه الجن فصار يحدث ذلك ا.هـ بالمعنى، وبالله التوفيق.
الزواوي إمام جامع سيدي رمضان- القصبة - الجزائر"
ملاحظة: كتاب « الخطب » طبع في الجزائر عام 1342 وهو يقع في 78صفحة من الحجم المتوسط، ذكرها أحمد توفيق المدني أثناء ذكرياته عن الإمام الزواوي :« ... وأذكره بإخراجه للخطب المنبرية من صبغتها التقليدية العتيقة إلى صبغة قومية مفيدة فهو يخطب للعامة ارتجالا في مواضيع إسلامية محلية مفيدة، ويعتبر خطابه درسا بحيث لا ينتهي منه إلا وقد اعتقد أن كل من بمسجد سيدي رمضان من رجال ونسوة قد فهموا جيد الفهم خطابه وأشهد أنه كان لتلك الخطب الأثر الفعال في النفوس».
فنسأل الله أن يزيدنا من فضله وأن يغفر لنا ولكم.
 
عودة
أعلى