دور سلاح الدبابات في حرب جوان 1967:
أ-على الجبهة المصرية:
سأل مؤلف كتاب سور اسرئايل العميد يسرائيل تال قائد أحد الالوية المدرعة الاسرائيلية خلال حرب جوان 1967: كيف انتصرتم مع ان دباباتكم كانت أقدم وأضعف تدريعا من الدبابات المصرية؟.
فأجابه تال قائلا: لم نتمكن من الحصول على الدبابات التي كنا بحاجة اليها لاسباب اقتصادية وسياسية، فكان علينا ان نقاتل بما لدينا بدبابات شيرمان القديمة المحورة التي ركب عليها مدفع 105 ملم ومحرك اقوى فاصبحت ندا للدبابات الاردنية.
وتعليقا على هذا الكلام فانه غير صحيح البتة فاسرائيل كانت تملك دروعا حديثة مزيج من السنتوريون البريطانية والباتون الامريكية وأ أم أكس الافرنسية، وتمتاز السنتوريون بدرعها الاقاوى من درع التي 55 وجميع الدبابات الااسرائيلية كانت مجهزة بالمدفع 105 ملم الابعد مدى من المدافع المركبة على الدبابات العربية.
وحتى دبابة الشيرمان والتي اصبحت بعد تطويرها سوبر شيرمان بعد ان ركب فيها مدفع ال105 ملم ومحرك جديد أقوى لا يمكن ان توصف بانها دبابة قديمة.
ويدعي تال في فصل اخر من الكتاب ان 20 دبابة اسرائيلية من طراز الام اكس الخفيف تمكن من تدمير 50 دبابة مصرية بسبب حسن تدريب الاطقم واجادتهم للقتال الليلي.
الجيش المصري وظروف الحرب في سيناء:
كان على القيادة المصرية قبل حرب جوان ان تقوم بشكل دائم بجعل الجيش المصري يقضي اطول مدة ممكنة بسيناء التي تعد مسرح الحرب القادم لتعويده عليها الا انها اهملت ذلك للاسف الشديد فلم يكن مرابطا في سيناء بشكل دائم الا الفرقة الاثنية مشاة وباقي الفرق المصرية لن تتح لها الفرصة للتعرف على مسرح العمليات الا قبل نشوب الحرب باسبوعين فقط وهي مدة غير كافية لدراسة الارض والتدرب على العمليات فيها واجراء سلسلة تمارين بمستوى الكتائب ثم الالوية والفرق يتطلب مدة كبيرة.
فاذا اضفنا ضعف مستوى القيادة بشكل عام والذي يعد من العوامل الاساسية للهزيمة اتضح لنا صعوبة الموقف المصري وحراجته قبل الحرب واثناءها.
ورغم انه من المفروض ان مستوى قادة الميدان في الجيشين متقارب-بحكم التدرب في نفس المدارس البريطانية والامريكية بل ويضاف الى ذلك الروسية- بل ويجب ان يكون اكبر في الجيش المصري بحكم التدرب في اكثر من مدرسة واحدة غربية وشرقية الان ان قلة كفاءة المستوى العالي من القيادة المصرية وشذوذ اوضاعها بمناصب وتسميات غريبة لم توجد في جيوش العالم الا في الجيش المصري وحده كمنصب القائد العام ومنصب قائد القوات البرية وعدم وجود خطة سليمة لاعدا القادة لمهام الحرب ادى الى الكارثة التي رغم مرور 40 عاما عليها الا ان الله وحده يعلم ابعادها الكاملة وخفاياها.
معركة جبل لبنى:
تؤلف منطقة جبل لبنى مركزا لتقاطع الطرق في قلب سيناء وعي عضبة متعرجة السطح تمتد عرضا لمسافة 12 كم ويقع جبل لبنى في شمالها وتلتقي الطرق الاتية من ابو عجيلة وبئر لحفن وبئر الحسنة والجفجافة شرق الهضبة.
ولثناء الحرب كان جبل لبنى ضمن المسؤولية الدفاعية للفرقة المصرية الثالثة التي كانت بقيادة عثمان نصار وبعد انسحاب الفرقة تم ارسال لواء مصري بقيادة عميد ممتاز وكفء وهو الفريق فيما بعد عبد المنعم واصل الذي قاد الجيش الثالث اثناء حرب اكتوبر.
كانت اولى متاعب هذا اللواء ظهور طائرات العدو التي قامت بمهاجمته طوال الساعات الاولى من يوم 06/06/1967 محاولة ضرب المدفعية المضادة للطائرات حتى يبقى اللواء دون حماية من الغارات الجوية.
وفي الساعة الثالثة والنصف بدأت المدفعية الاسرائيلية تنهال بقذائفها على اللواء المصري التي بقيت دباباته داخل الحفر ثم ظهرت دبابات لواء ايسكا الاسرائيلي وهي تتقدم نحو المواقع المصرية مشكلا من 110 دبابات تواجهها نفس العدد تقريبا من الجانب المصري
ونشبت بين الطرفين معارك عنيفة ومبارزات دبابات تكبد خلالها لواء ايسكا خسائر فادحة وعجز عن احتلال جبل لبنى.
ففي الساعة الثالثة بعد الظهر توقفت العمليات الجوية على اللواء مفسحة المجال لتقدم الدبابات الاسرائيلية وعندما وصلت الى مرمى النيران المصرية اهالت عليها قذائف الدبابات مما ادى الى تدمير جزء منها واجبار البقية على التراجع.
عند هذه النقطة وحسب مبادئ قتال الدبابات كان مكن الواجب على الدبابات المصرية الخروج من حفرها لمطاردة الدبابات الاسرائيلية الا ان ذكاء العميد عبد المنعم واصل أدرك في تقييم سليم للوضع ان الحركة الاسرائيلية ماهي الا خدعة لاغراء الدبابات المصرية على الخروج من حفرها حيث تتصيدها الطائرات الاسرائيلية بسهولة في الصحراء المفتوحة وعند علامة الكيلو 161 وعلى امتداد الجبهة كان العدر قد اعد كمائن مضادة للدبابات بصواريخ الاس اس10 واس اس11 الفرنسية والمدافع الغير مرتدة لاصطياد الدبابات المصرية واستمرت محاولات العدو لجذب الدبابات المصرية لمدة تفوق الساعتين.
وبعد الاخفاق في هذه المحاولات تم اللجوء الى اسلوب التطويق عم طريق ارسالمجموعتين من الدبابات لتطويق الجناحين الايمن والايسر للواء المصري المقاوم ببسالة غير ان القائد المصري الجسور عبد المنعم واصل حرك عددا من دباباته الى الجناحين لعمل كمين نجح في وقف حركة الاحاطة الاسرائيلية بعد تدمير ثلاث دبابات اسرائيلية كانت قد نجحت في الوصول الى مؤخرة القوة المصرية مما اضطر باقي الدبابات الى الانسحاب.
لجأ العدو الى محاولة اخرى مستخدما هذه امرة الدبابات الخفيفة من طراز ا ام اكس التي ما تصل الى مدى الدبابات المصرية حتى تنسحب وتعود الى الخلف لاغراء الدبابات المصرية على الخروج من حفرها ومطاردتها مستخدمة بذلك اقصى سرعة لها في الانسحاب لجر اللواء المصري الى الكمين
إلا ان القوة المصرية بقيت محافظة على ثباتها الى غاية حلول الظلام اين صدرت اليه الاوامر بالانسحاب الى بئر جفجافة
وقد شاء العدو ان يمر بهذه المعركة مرور الكرام فلا نجد لها الا تلميحات في كتبه ومصادره وللواقع انها كانت معركة مشرفة للدروع المصرية التي واجهت ولأول مرة لواء مدرع اسرائيلي وهي مكافئة له في عدد الدبابات وفي الكفاءة الحربية وتقوده عقلية ذكية وواعية ممثلة في المرحوم عبد المنعم واصل.
تظهر هذه العركة بوضوح ايضا أن العيب لا يكون في الجنود وانما فيمن يقودهم فلما توفر للجندي المصري قائد حازم ومسيطر ومتمكن من المعرفة العسكرية اثبت انه لا يقل كفاءة وإقداما وتضحية من الجندي الإسرائيلي عكس ماصور له اعلام العدو.
معركة أبو عجيلة:
اشتهر موضع ابو عجيلة بالمعركة الشهيرة اثناء حرب 1956 اين خاضت القوات المصرية قتالا باسلا مجيدا دفاعا عن مواقعها.
يبعد خط ابو عجيلة 24 كيلو مترا عن الحدود الفلسطينية ويسيطر على تقاطع ثلاث طرق مهمة آلاتية من العوجة-غير عوجة العراق- والعريش والقسيمة ودفاعات الموقع تسد على جبهة 20كم المحور المركزي لسيناء ومركزا مهما لقطع أي طرق إمدادات لأي قوة تحاول التقدم داخل سيناء.
تمتد الدفاعات بعمق 50 كيلومترا مصممة وفق العقيدة الروسية في الدفاع من ثلاثة خطوط قتال من الخنادق المشيدة من الاسمنت المسلح بطول 50 كلم لكل خط مستندة على مانعين طبيعيين وفقا للأسلوب الروسي وهي رمال عميقة في الشمال غير صالحة لحركة الدبابات وجبل صخري في الجنوب معروف بجبل دلفا.
وقد اقيم حزام من الالغام بعمق 250 متر لحماية الخط الاول الذي يبعد عن الخط الثاني ب300 متر والثالث ب700 متر، ويحتل الموقع لواء مدعم من الفقرة الثانية مشاة من 88 دبابة و6كتائب مدفعية 122 ملم.
سير المعركة:
قاد العمليات الاسرائيلية ارييل شارون الذي قاد معركة 1956 وكان تحت تصرفه لواء مدرع ولواء مشاة وكتيبة دبابات وفوج مشاة ووحدة هندسة وفوج مظليين وستة كتائب مدفعية معززة بمدافع هاون 160ملم استخدمت لاول مرة في الحرب وكانت خطته :
تقديم المدفعية تحت ستار من الدبابات الى موضع يمكن فيه صب النيران على المواقع المصرية.
قطع الطرق الخلفية المؤدية الى الموقع لعزل المنطقة من الخلف.
مهاجمة الموقع من الخلف بواسطة كتيبة دبابات.
خرق الموقع بواسطة المشاة من الشمال.
وقد زعم شارون انه اختار الانزال الليلي على الموقع لان المصريين لا يجيدون القتال الليلي ولا يحبون القتال بالسلاح الابيض.
والواقع ان هذه النقطة كانت احدى مكامن الضعف في المشاة المصرية ولم تعالج الا بعد انتهاء الحرب.
من كان يقود المعركة من الجانب المصري؟
المفروض ان يكون قائد الفرقة الثانية هو من يقود معركة ابو عجيلة وهو اللواء محمد كامل عبد العزيز الا ان مقر قيادة الفرقة كانت في القسيمة رغم ان اخطر موقع في المحور المركزي كان ابو عجيلة وهو الذي ركز العدو عليه هجومه الا انه ترك بقيادة العميد أحمد عبد النبي ولم اتحصل على أي معلومات عنهما وان كان بالامكان الاستنتاج انهما كانا دون المستوى المطلوب وغير مدربين على القيادة اسوة بمن كان يقابلهما.
تحركت قوات شارون من مستعمرة نيتسانا وتقدمت نحو ابو عجيلة في اليوم الاول من الحرب وكانت موزعة كالاتي:
الرتل الاول: مؤلف من عناصر استطلاع مجهزة بالدبابات ومدافع الهوان استهدف الجناح الجنوبي لابو عجيلة وتمكن من قطع الاتصال بين ابو عجيلة وباقي الفرقة الثانية مشاة.
الرتل الثاني: مؤلف من فوج مشاة ميكا وكتيبة دبابات وفصيل استطلاع وسرية هندسة وحظيرة هاون اقدم نحو الجناح الشمالي للموقع عند النقطة 181 لكن الفوج المصري المدافع في المنطقة استطاع صد تقدمه وان يدمر سبع دبابات وقتل في هذا الهجوم قائد الرتل الاسرائيلي مع اسقاط طائرة اسرئايلية حاولت اسناد الرتل.
ثم حشد شارون 54 دبابة كاملة ووجها في هجوم ثاني على الموقع مدعم بالطائرات استطاع حينها احتلال الموقع بعد ان استشهد جميع أفراده-10 دبابات- ثم تقدم الرتل وقطع الطريق الرابط بين ابو عجيلة والعريش.
ثم جاء لواء المشاة الاسرائيلي الذي كان محمولا في الباصات المدنية لقلة وسائل النقل الى غاية ام بسيس وساروا 15 كيلومترا على الاقدام الى غاية مشارف ابو عجيلة
في هذا الوقت كان الانزال المظلي الاسرؤائيلي وبسبب خطا ملاحي قد تم على بعد 10 كم من ابو عجيلة وكانت هنا فرصة ذهبية للقيام بهجوم مضاد بعد ان حرم العدو من مشاته ومظلييه لكن القيام بمثل هذه الحركة كان يتطلب قائدا من نوعية اخرى.
في الساعة 2245 امر شارون بمهاجمة الموقع المصري بشن قصف مدفعي مكثف لمدة نصف ساعة ثم تقدمت الدبابات والمشاة لمهاجمة الخنادق المصرية وتم تطهير الخنادق كلها خلال بحلول فجر اليوم الموالي.
الجدير بالذكر ان العميد المصري قائد الموقع تم اسره وذكر انه لم يتم تبليغه بانزال المظلات خلفه وكانت الخسائر الاسرائيلية فقط 30 قتيلا و120 جريحا.