الردع الناعم الإستراتيجية السعودية لمكافحة الإرهاب

لواء طبيب

صقور الدفاع
إنضم
3 أبريل 2010
المشاركات
2,870
التفاعل
227 0 0
BOOK.jpg

أصبحت السعودية محل اهتمام لنجاحها في صياغة إستراتيجية خاصة بها لمكافحة الإرهاب عن طريق نموذج يشجع على إعادة تأهيل الإرهابيين السابقين وعلى التعليم كوسيلة لمنع الآخرين من السعي لتحقيق أهداف إرهابية، وشجع هذا المستوى من النجاح الدبلوماسي "علي عواض عسيري" على إعداد كتاب يشرح فيه طبيعة البرنامج الذي أخذت به السعودية لمكافحة الإرهاب ويتناول فيه مدى إمكانية تطبيق هذا البرنامج في الدول الأخرى التي تعاني من تهديدات إرهابية .
مكافحة الإرهاب..دور السعودية في الحرب على الإرهاب
تأليف: على بن سعيد عواض عسيري
دار النشر: مطابع جامعة أكسفورد
سنة النشر: 2009
واجهت السعودية أزمة خطيرة بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول، حيث كان معظم المهاجمين من أصول سعودية، مما أدى إلى تساؤلات في مختلف أنحاء العالم حول ما إذا كانت السعودية دولة تشجع الفكر المتطرف، والآن وصل العالم إلى إجماع بأن الوضع ليس كذلك، بل على العكس أصبح للسعودية الريادة فيما يتعلق بنوعية معينة من سياسات مكافحة الإرهاب، وهي النوعية التي لا تعتمد على الهجمات باستخدام طائرات بدو ن طيار، بل تتجنب السياسات الهجومية والتي تتسبب في حدوث مظالم تستخدم في وقت لاحق كمبرر لقتل الأبرياء، وتعد الإستراتيجية السعودية في طليعة ما تم وصفه بالسياسة "الناعمة" لمكافحة الإرهاب، والتي تركز على الوقاية وإعادة التأهيل.
ونتيجة للنجاح الذي حققته السعودية، كتب الدبلوماسي السعودي عواض عسيري كتابًا تحت عنوان "مكافحة الإرهاب..دور السعودية في الحرب على الإرهاب" يشرح فيه طبيعة إستراتيجية بلاده.. معربًا عن الأمل في إمكانية جعلها قابلة للتطبيق في سياقات أخرى، لكن مع التقدم في صفحات الكتاب، يلاحظ القارئ أن أهداف المؤلف تضم بعدًا آخر يتسم بنفس القدر من الأهمية، ويتمثل في التعاون الدولي، ويهدف المؤلف بشكل عام إلى إظهار أن الإسلام دين سلام.
وفي هذا الصدد تبرز خبرات المؤلف كدبلوماسي، حيث نجح في إظهار أن الإسلام دين سلام وأن ما يؤسف له هو أن الإرهابيين لديهم تفسيرات محرفة لمبادئ الإسلام تجعله يبدو وكأنه يبارك العنف ويشجع عليه، ومن هنا ينجح المؤلف في دحض فكرة أن الصدام محتوم بين الدول الغربية العلمانية والدول الدينية المحافظة مثل السعودية بحجة اختلاف "الحضارات" التي تخص كل جانب، وعلى النقيض من تلك الفكرة، يوضح المؤلف بشكل متكرر أن تقاليد الإسلام تظهر قبول الآخر وقبول الاختلاف الديني على الدوام.
ويتضح هذا الأمر بدرجة أكبر عندما يدرك المرء أن هذا هو التكتيك الذي تم تطبيقه في إستراتيجية السعودية لمكافحة الإرهاب، حيث تمثل التوعية بالمبادئ الحقيقية للإسلام جزءًا مهمًا من إستراتيجية مكافحة الإرهاب، وشمل ذلك في الواقع العملي تشجيع رجال الدين الذي يحظون باحترام واسع على التحدث مع الإرهابيين ليوضحوا لهم أن تفسيراتهم السابقة للجهاد تتعارض في الواقع مع مبادئ الإسلام.
إلا أن الجهاد يعد فعليًا من مبادئ الإسلام؛ فكيف للمرء أن يفرق بين العنف والجهاد، إذا زعم الإرهابيون أنهم يمارسون الجهاد بالمفهوم الإسلامي؟ إن الفصل الذي كتبه عسيري تحت عنوان "المنظور الإسلامي للإرهاب" يعد مهمًا في هذا الصدد، خاصة بالنسبة للقراء الذين يعدون أقل دراية بحقيقة الإسلام والذين قد يكونون عرضة لتصوير الإسلام على أنه دين عنف.
ويدحض المؤلف في ذلك الفصل المزاعم بأن الآيات القرآنية التي تتناول قتل الكفار تجعل من الإسلام دين عنف، وأشار إلى آية بعينها يتم التطرق إليها في إطار مزاعم أن الإسلام دين عنف، والتي جاء فيها: "فإذا انسلخ الأشهر الحرم، فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد"، ولكنه يوضح أن الجزء المشار إليه أعلاه من الآية يتبعه جزء آخر ينص على أنه "فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم".
وبمعنى آخر يستخدم عسيري نفس التكتيك الذي يستخدم لإقناع الإرهابيين السابقين بأن الإسلام ليس دين عنف في تعريف القراء بنفس الحقيقة، ويعد التحليل المنطقي للقرآن جانبًا مهمًا من الإستراتيجية السعودية لمكافحة الإرهاب، لأنه يدحض رؤية الإرهابيين الذين يعتمدون على القرآن لتبرير أعمال الإرهاب.
ويمكن أن يكون هذا هو سبب النجاح الكبير الذي حققته إستراتيجية السعودية لمكافحة الإرهاب، فبدلًا من تقديم أدلة علمانية على خطأ التفسيرات التي يقدمها الإرهابيون، أظهرت السعودية تقديرًا كبيرًا لنفسية مواطنيها وقدمت حلًا دينيًا لمشكلة الإرهاب.
ورغم أن الكتاب يقدم تفاصيل مهمة فيما يتعلق بالإستراتيجية السعودية لمكافحة الإرهاب، فإنه يفتقر إلى التفاصيل في جوانب أخرى، خاصة أن تقييم عسيري لأسباب الإرهاب تفتقر إلى الهيكل العلمي، بل ويتم أحيانًا تقديم تفسيرات متناقضة لما قد يدفع الأفراد إلى أن يصبحوا إرهابيين.
ومن الأمثلة على ذلك زعمه بأن "أسباب الإرهاب متعددة بتعدد نوعية الناس الذين يرتكبون هجمات إرهابية"، لكنه يصف الفقر وعدم المساواة في موضع سابق من الكتاب بأنهما السبب الرئيسي للإرهاب، ورغم أن كلا الزعمين يتسمان بالصواب ورغم إمكانية أن يكون هناك في الواقع علاقة متبادلة بينهما، كان من الممكن أن يقوم المؤلف بتقديم حجته بطريقة أكثر تركيزًا.
وتتعلق فرضية ثانية تدور حولها التساؤلات فيما يتعلق بهذا الكتاب بتأثير نظام العدالة الجنائية فيما يتعلق بمنع حدوث الهجمات الإرهابية، حيث يزعم عسيري أن "استخدام نظام العدالة الجنائية يمكن أن يساعد على خفض الإرهاب بعدة طرق، فإمكانية التعرض للاعتقال والعقاب يمكن أن تردع الإرهابيين الآخرين من القيام بهجمات.. إلا أن تأثير الردع في تحقيق العدالة الجنائية كان محل تساؤلات منذ فترة طويلة، حيث يندر أن تكون العقوبة والمحاكمة رادعًا في الجرائم الأقل خطورة مثل السرقة، وبالتالي لا يكون من المرجح أن تكون العقوبة رادعًا لمن هم على استعداد للموت من أجل قضية يؤمنون بها.
ورغم هاتين النقطتين اللتين تعدان محل تساؤل فيما يتعلق بكتاب عسيري، فإن الكتاب يعد إضافة جيدة للمجال البحثي الخاص بسياسات مكافحة الإرهاب، فعسيري لا يقوم فقط بدراسة النموذج السعودي لمكافحة الإرهاب، بل يتناول أيضًا الإستراتيجيات المشابهة التي أخذت بها دول أخرى، وهو الجانب المهم جدًا في الكتاب، حيث يسمح بإعداد إجراءات لمكافحة الإرهاب تعتمد على تجارب الدول المختلفة.
ويعد هذا الجانب محل إعجاب أيضًا للموضوعية التي يتسم بها، ولتأكيد عسيري على الاستفادة من تجارب الدول الأخرى، حيث يلقي الكاتب الضوء على قيام تلك الدول بتطبيق سياسات "ناعمة" لمكافحة الإرهاب، مما "يعطي تلك السياسات طابعًا محليًا يتناسب بشكل ناجح مع البيئات ذات الصلة"، ورغم ذلك يعترف المؤلف بأن النموذج السعودي لمكافحة الإرهاب يمكن أن يكون مكلفًا وبأن توفير التمويل الكافي لذلك النموذج يعد عاملًا أساسيًا لنجاحه.
ويعكس كتاب عسيري حول مكافحة الإرهاب رؤية جيدة فيما يتعلق بأهمية القوة الناعمة بالنسبة للحرب على الإرهاب، كما أن كتابه يعكس جهدًا دبلوماسيًا ناجحًا فيما يتعلق بالإسلام، حيث يدحض أي مزاعم ترى أن الإسلام يشجع العنف.
 
رد: الردع الناعم الإستراتيجية السعودية لمكافحة الإرهاب

دائما وابدا
تبهرنا بمواضيعك
استاذ لواء
في كل مكان لك بصمة رائعة
موضوعك رائع اخي الكريم
وتقبل تقيمي المتواضع لك
 
رد: الردع الناعم الإستراتيجية السعودية لمكافحة الإرهاب

بارك الله فيك يا أخي (( لواء طبيب )) دائما أكون متابعا لمقلاتك الأكثر من رائع والتي تدهشني فيه فشكرا لك
أما بالنسبة لموضوع مكافحة الإرهاب فلا أنسى مقولة خادم الحرمين الشرفين عندما قال أو في ما معنى كلامه : ((أنا مستعد احارب الإرهاب ولو لخمسين سنة قادمة )).
فهذه سياسة المملكة .
تريد أن تحسن صورتها أما المجتمع الدولي وخاصة بعد أحدات 11 سنتمبر.
 
رد: الردع الناعم الإستراتيجية السعودية لمكافحة الإرهاب

الف شكر لك اخي لواء مواضيعك المتميزه لك احلى تقييم للموضوع والعضو
 
رد: الردع الناعم الإستراتيجية السعودية لمكافحة الإرهاب

جزاك الله خير موضوع مميز ..
 
عودة
أعلى