صدر في ألمانيا كتاب عمر كامل «اليهود العرب في إسرائيل» دارساً تاريخ اليهود العرب ووضعهم في إسرائيل منذ نهاية العام 1940 حتى وقتنا الحاضر، وعلاقتهم بيهود أوروبا (الأشكيناز) وبعيداً من الترتيب التاريخي. ويفترض المؤلف أن اليهود العرب في إسرائيل أداة لعقيدتين، إحداهما الصهيونية السياسية والأخرى الأيديولوجية التي يمثلها اليوم حزب «شاس».
في الفصل الأول ميلاد العقيدة الصهيونية في أوروبا، حينما نادى «ثيودور هرتزل» الصحافي النمساوي بالصهيونية السياسية ورأى أن اندماج اليهود في أوروبا لن يكون حلاً للمسألة اليهودية لأن أوروبا في ذلك الحين لم تكن في وضع يسمح لها بتقبل المزيد من المواطنين اليهود، إذ على رغم حركة التنوير التي تعتبر البشر جميعهم سواء اشتعل لهيب معاداة السامية على أرض أوروبا مما أدى إلى استبعاد يهودها.
وقدم هرتزل بالعقيدة الصهيونية حلاً لمعاداة السامية في أوروبا، فالأمة اليهودية يجب أن يكون لها مأوى كغيرها من الأمم الأوروبية الأخرى، وذلك بإقامة إقليم خاص وأن يكون هذا الإقليم الخاص بالأمة اليهودية الأوروبية خارج النطاق الجغرافي لأوروبا، وأن تكون فلسطين هي وطن الأمة اليهودية، وبذلك كانت أوروبا هي مكان ميلاد العقيدة الصهيونية التي تم تنفيذها وتحقيقها في الشرق. مات هرتزل وغادر الداعون للعقيدة الصهيونية في أوروبا إلى الشرق من خلال موجات هجرة متعددة ليتمكنوا بذلك من تحقيق هذه العقيدة في الشرق.
ويشير المؤلف إلى أن المطرودين من أوروبا استعمروا فلسطين ليؤسسوا على أرضها دولة أوروبية، دولة تراها أوروبا بمثابة السد المنيع لآسيا ومنبعاً للثقافة وحضارة ضد الهمجية. وأن وجود اليهود في الشرق لم يسبب مشاكل طالما اعتبروا أنهم أوروبيون، لكن هذه الحال لم تستمر طويلاً حتى أعلن ديفيد بن غوريون قيام دولة إسرائيل في 15/5/1948، لذلك لم يكن هذا التاريخ بمثابة حدث يهودي فقط إنما بصورة أدق أنه تاريخ لليهود الأوروبيين الاشكيناز.
ويكشف الكتاب أنه أثناء انشغال القيادة الأشكينازية في إسرائيل بترسيخ دولة إسرائيل في الشرق من خلال زيادة موجات الهجرة من أوروبا، قام النازيون في أوروبا بتنفيذ حل آخر وجوده مناسباً للمسألة اليهودية وهو إبادة يهود أوروبا.
الدولة الأشكينازية تم تأسيسها بالفعل، لكن مواطنيها الموعودين أبيدوا، وحتى الناجون منهم لم يصلوا إلى الوطن الجديد بالأعداد المتوقعة، وفي هذه اللحظة نشأت أزمة أخرى هي توجه القيادة الإسرائيلية إلى يهود آخرين ممن لم يأتوا من أوروبا إنما من المناطق التي تشكلت من خلال نداءات هرتزل (الهمجيون والبربريون)، وبذلك وقعت القيادة الإسرائيلية أمام مأزق، لأنها إذا اعتمدت على اليهود «البربريين» في تأسيس الدولة الأشكينازية، فإنها بذلك قد تهدد تأسيس إسرائيل أوروبية (من يهود أوروبا)، لأنها ستصبح بذلك جزءاً من العالم البربري، وسيؤدي ذلك إلى نهاية دولة إسرائيل، لذلك قررت القيادة الإسرائيلية إحضار اليهود العرب إلى إسرائيل، وبذلك تكون قد نجحت في توسيع نطاق الأيديولوجية الصهيونية حيث ستأخذ في الاعتبار اليهود العرب أيضاً بجانب اليهود الاشكيناز.
وصل اليهود العرب إلى إسرائيل من خلال تدابير الدولة التي كان شغلها الشاغل الاضطهاد الذي تواجهه هويتها الثقافية وارثها الديني والعمل على إعادة التأهيل ليصبح الهدف أمامها الآن اعتماد أسلوب الحياة الأشكينازية. وأصبحت هذه التدابير جزءاً لا يتجزأ من الإيديولوجية الصهيونية، وقد وضعت هذه التدابير مبادئ أساسية صارمة تتمثل في رفض الشتات وإنكاره ودمج المجتمعات المنفية والبعيدة من وطنها وخلطها في دولة جديدة لتجعل من هذا الإنسان الجديد يهودياً جديداً.
ومما لا شك فيه أن اليهود العرب لم يصبحوا بمثابة اليهود الجدد، بل الذين يعيشون على هامش المجتمع الأشكينازي في إسرائيل، لذلك شكلوا إسرائيل ثانية (Israel-haschnia)، في حين أن الأشكيناز ينعمون ويعيشون في رعاية إسرائيل الأولى. (Israel harischona vejafa).
وفي الفصل الثاني يتعرض المؤلف لدوافع إقامة إسرائيل ويجيب عن التساؤل من خلال انطونيو غرامشي، فالمؤلف يتناول الهيمنة الأشكينازية في إسرائيل وبدايتها في عهد ما قبل تأسيس الدولة وتوسع نطاقها بداية من تأسيس دولة إسرائيل آخذاً في الاعتبار خطة الهيمنة التي لحظها «غرامشي»، وهي خطة الهيمنة التي أيدتها القيادة الأشكينازية في المستوطنات، ومثّلها بن غوريون.
ولا يعتبر المؤلف الهيمنة مسألة ثقافية أو حضارية، فهي مسألة اقتصادية في المقام الأول، ويؤكد أن هيمنة اليهود الاشكيناز على اليهود العرب لم تنتج من تبعية الأشكيناز إلى الثقافة الأوروبية وتبعية اليهود العرب إلى الثقافة العربية الإسلامية، إذ نشأت في إسرائيل علاقة اقتصادية تجمع بين الأشكيناز واليهود العرب، يتحكم من خلالها الأشكيناز في الموارد الاقتصادية وتوزيع العمل، وذلك أثناء وصول اليهود العرب إلى إسرائيل كنازحين، لذلك لم يكن اجتماع الأشكيناز مع اليهود العرب في مكان واحد اجتماع شركاء على قدم المساواة، وعلى ذلك الأساس نجح بن غوريون في تحقيق الهيمنة الاقتصادية من خلال ما يسمى في إسرائيل بـ «الصهاينة الاشتراكيين».
ويلمح إلى أن الاقتصاد لا يخدم الحضارة والعكس صحيح، فقد رأى بن غوريون وزملاؤه أن التأخر الحضاري لليهود العرب مقارنة بالأشكيناز له أهميته القصوى في تحقيق الهيمنة الاقتصادية، إذ ساهم ذلك الوضع في الحفاظ على ظروف اقتصادية ملائمة للأشكيناز ودعمها.
ويؤكد المؤلف أن وضع اليهود العرب أصبح ضعيفاً، ولكن سرعان ما احتجوا على هذا الوضع، وكان للاحتجاج الأول طابع ديني وثقافي. قام هذا الاحتجاج في 1949 في معسكرات العبور التي أقيمت لاستقبال المزيد من المهاجرين والنازحين اليهود من الدول الإسلامية والعربية، فاحتج اليهود العرب على استراتيجية الاقتلاع التي تتمثل في محو الجذور اليهودية العربية لأطفالهم من خلال برنامج تعليمي حكومي خاص.
لم يكن هذا الاحتجاج يهدأ حتى اشتعلت نيران العصيان الاقتصادي الذي قام هذه المرة في حي وادي الصليب في حيفا الذي استوطنه اليهود المغاربة بعد طرد سكانه الفلسطينيين في الحرب الإسرائيلية - العربية عام 1948، إذ خرج اليهود العرب في وادي الصليب عام 1959 الى الشوارع «للعيش والعمل والعربدة»، ولكن لتماسك سلطة الدولة تمت السيطرة على الوضع، وبعد مرور أعوام أي في عام 1971، قام عصيان ثالث في أحد الأحياء العربية في القدس (Katamon) الذي يشكل اليهود العراقيون غالبية سكانه، إذ أطلقت مجموعة اليهود العرب المحتجين على نفسها اسم «الفهد الأسود»، وقد كان الاقتصاد من المبررات الأساسية لهذا التمرد، إذ طالبت مجموعة الفهد الأسود بتحسين الوضع الاقتصادي المتدني لهم في الدولة الاشكينازية، إلا أنهم لم يمثلوا تهديداً للهمينة الاقتصادية للأشكيناز، وكان تحسين الوضع الثقافي والاجتماعي لليهود العرب في إسرائيل أيضاً من أهداف هذا التمرد.
يلفت المؤلف إلى أن تحسين وضع اليهود العرب لم يكن من أولويات النظام الاشكينازي المهيمن، لكن الوضع تحسن مباشرة بعد وفاة بن غوريون ونهاية النظام المهيمن الذي وضعه الصهاينة الاشتراكيون، واستغرق ذلك الأمر فترة ما بعد حرب 1967 وحتى عام 1977، وبذلك فقدت الهيمنة بريقها وتوهجها، وأخذت قوة الصهاينة الاشتراكيين في التراجع تدريجاً.
واعتبر المؤلف أن نهاية النظام الأشكينازي المهيمن ثمرة استراتيجية مناحيم بيغن الذي عمل على كسب الأحزاب الدينية واليهود العرب في صفه، فأصبح مناحيم بيغن واليهود العرب من فئة المظلومين والمحرومين في ظل النظام الأشكينازي المهيمن للصهاينة الاشتراكيين. ونجح بيغن في انتخابات الكنيست لعام 1977، أي بعد أكثر من ثلاثين عاماً من هيمنة الصهاينة الاشتراكيين ليصبح رئيس إسرائيل ويكتب فصلاً جديداً من تاريخ دولة إسرائيل.
على رغم انتصار كتلة اليمين في إسرائيل، إلا أن بيغن لم ينجح في وضع نظام مهيمن، وقامت صراعات حول التوجه السياسي للدولة، وفي سياق ذلك حكم الصهاينة الاشتراكيون الذين آثروا اسم اليسار الصهيوني بعد حرب 1967. وما نلاحظه في وقتنا الراهن هو حكم اليمين لإسرائيل مرة واليسار مرة أخرى، وأحياناً اشتراكها في الحكم، في حين أن اليهود العرب ليس لهم أي دور في صراعات القوى السياسية.
يذكر المؤلف إن صراع الحضارات في إسرائيل بدأ منذ عام 1980. وتم تقسيم المجتمع الإسرائيلي بانتهاء الهيمنة إلى ثقافات مضادة مختلفة، فحزب العمل وحزب ميريتس يمثلان اليسار الصهيوني، والحزب الديني القومي وحزب الليكود يمثلان اليمين الصهيوني، ومن أهداف هذين الحزبين إبراز الحزب الديني القومي بوجه خاص الذي يقوم على أساس المستوطنين، وحزب «علم التوراة» يمثل إسرائيل التقية، وإسرائيل الروسية (اليهود الروس) تتمثل في أحزاب مثل حزبي إسرائيل بيتنا وإسرائيل المهاجرين، وإسرائيل الأثيوبية تتمثل في الحزب الذي يطلق عليه حزب بيتا إسرائيل أو بيت إسرائيل، ويمثل إسرائيل الفلسطينية سكان دولة إسرائيل من الفلسطينيين ممن ظهروا في المشهد السياسي وكانت لهم أماكن في الأحزاب العربية المختلفة، وأخيراً وليس آخراً إسرائيل «التقليدية» والتي يمثلها سياسياً حزب شاس منذ عام 1983.
إدراك هذه المجموعات السياسية أو الحركات السياسية قصير المدى، فليست لهذه القوى سياسات فاعلة، إنما هي رموز ثقافات وحضارات مضادة نشأت إثر تجزئة المجتمع الإسرائيلي، ويرى باروخ كيمولنغ احد أساتذة علم الاجتماع في إسرائيل إن هذه الحضارات والثقافات المضادة نشأت في فترة صراع الحضارات المستمر حتى وقتنا هذا، أملاً في الوصول إلى القمة.
ويخصص الفصل الثالث لحزب شاس وقيادته وناخبيه من اليهود وغالبيتهم من شمال إفريقيا واليمن والعراق، ويحلل المؤلف حزب شاس والدور الذي يلعبه من اجل اليهود العرب ودولة إسرائيل في شكل عام، مرتكزاً على عوفاديا يوسف زعيم الحزب كمحور رئيس وكمنظم وزعيم روحي ومصدر إلهام للحزب ودوره الديني.
يقول عمر كامل: «لاستيعاب حزب شاس يجب أن نذكر في البداية أريا ديري الذي تولى زعامة الحزب لفترة طويلة، فكل من عوفاديا يوسف وأريا ديري اتبع الايديولوجية التي تجسد عودة التاج إلى مكانه الصحيح، ولهذه الايديولوجية أبعاد دينية وسياسية تقسم اليهود الى فئتين هما: اليهود الذين يلتزمون بالدين كما ذكرهم الحاخام يوسف كارو في «ترتيب الطاولة» (1488 -1575)، واليهود الآخرون ممن سماهم الحاخام «موزس» القادم من بولندا «غطاء الطاولة».
ويؤكد المؤلف ان الحزب بزعامة الحاخام عوفاديا يوسف قام بتحدي دولة إسرائيل من خلال تحقيق بعض المطالب لليهود العرب، ويفسر الاهتمام الكبير بوضعهم في الجوانب الاقتصادية والسياسية والثقافية للدولة على أنه رد فعل لما يقوم به حزب شاس من نشاطات في المجتمع المدني، الا ان الحزب لم يقدم أي حلول نهائية لمشاكل اليهود العرب الاقتصادية والاجتماعية العالقة، انما يستخدمهم كأداة مثلما استخدمهم بن غوريون وزملاؤه في تحقيق الهيمنة للصهاينة الاشتراكيين، فأراد بن غوريون تحويل اليهود العرب الى اشكيناز، بينما يريد الحاخام عوفاديا يوسف تحويلهم الى يهود سفارديم، واستخدامهم كوسيلة في صراع الحضارات وبخاصة مع الاشكينازية.
حال اليهود العرب اليوم ليست كحالهم في عام 1940 و1950 حين كان للحضارة والثقافة أثر كبير فيهم، فهم اليوم إسرائيليون في المقام الأول، أصولهم وجذورهم عربية.
ويرى المؤلف أن الهدف الرئيس للأيديولوجية الصهيونية الذي يتمثل في إدماج كل اليهود في إسرائيل قد فشل، وبذلك فشل أيضا الحاخام عوفاديا يوسف في محاولته للإدماج تحت سيطرة السفارديم. ويظهر جانب آخر في هذا الشأن هو مستقبل حزب شاس، حيث نجد أن استمرار صراع الحضارات في إسرائيل كان أيضا نتيجة لعملية السلام. ويسعى المؤلف إلى الاعتماد في كتابه على المصادر الأصلية، ومما ساعده إقامته أربعة أشهر في إسرائيل عام 2000، وبحثه في الأرشيفات المهمة لدولة إسرائيل، التي تضم وثائق تساعد على فهم ما يسمى على الأخص «المستوطنة» واستيعاب السنوات الأولى من قيام الدولة، كما ساعدته بروتوكولات الاجتماعات الخاصة بحزب ماباي وهستدروت والوكالة اليهودية والحكومات الإسرائيلية.
والى جانب هذه الوثائق كانت هناك ايضاً كتابات «بن غوريون» والتي كانت لها اهميتها في إيضاح فكرة تأسيس نظام الهيمنة الذي وضعه وتطويره
في الفصل الأول ميلاد العقيدة الصهيونية في أوروبا، حينما نادى «ثيودور هرتزل» الصحافي النمساوي بالصهيونية السياسية ورأى أن اندماج اليهود في أوروبا لن يكون حلاً للمسألة اليهودية لأن أوروبا في ذلك الحين لم تكن في وضع يسمح لها بتقبل المزيد من المواطنين اليهود، إذ على رغم حركة التنوير التي تعتبر البشر جميعهم سواء اشتعل لهيب معاداة السامية على أرض أوروبا مما أدى إلى استبعاد يهودها.
وقدم هرتزل بالعقيدة الصهيونية حلاً لمعاداة السامية في أوروبا، فالأمة اليهودية يجب أن يكون لها مأوى كغيرها من الأمم الأوروبية الأخرى، وذلك بإقامة إقليم خاص وأن يكون هذا الإقليم الخاص بالأمة اليهودية الأوروبية خارج النطاق الجغرافي لأوروبا، وأن تكون فلسطين هي وطن الأمة اليهودية، وبذلك كانت أوروبا هي مكان ميلاد العقيدة الصهيونية التي تم تنفيذها وتحقيقها في الشرق. مات هرتزل وغادر الداعون للعقيدة الصهيونية في أوروبا إلى الشرق من خلال موجات هجرة متعددة ليتمكنوا بذلك من تحقيق هذه العقيدة في الشرق.
ويشير المؤلف إلى أن المطرودين من أوروبا استعمروا فلسطين ليؤسسوا على أرضها دولة أوروبية، دولة تراها أوروبا بمثابة السد المنيع لآسيا ومنبعاً للثقافة وحضارة ضد الهمجية. وأن وجود اليهود في الشرق لم يسبب مشاكل طالما اعتبروا أنهم أوروبيون، لكن هذه الحال لم تستمر طويلاً حتى أعلن ديفيد بن غوريون قيام دولة إسرائيل في 15/5/1948، لذلك لم يكن هذا التاريخ بمثابة حدث يهودي فقط إنما بصورة أدق أنه تاريخ لليهود الأوروبيين الاشكيناز.
ويكشف الكتاب أنه أثناء انشغال القيادة الأشكينازية في إسرائيل بترسيخ دولة إسرائيل في الشرق من خلال زيادة موجات الهجرة من أوروبا، قام النازيون في أوروبا بتنفيذ حل آخر وجوده مناسباً للمسألة اليهودية وهو إبادة يهود أوروبا.
الدولة الأشكينازية تم تأسيسها بالفعل، لكن مواطنيها الموعودين أبيدوا، وحتى الناجون منهم لم يصلوا إلى الوطن الجديد بالأعداد المتوقعة، وفي هذه اللحظة نشأت أزمة أخرى هي توجه القيادة الإسرائيلية إلى يهود آخرين ممن لم يأتوا من أوروبا إنما من المناطق التي تشكلت من خلال نداءات هرتزل (الهمجيون والبربريون)، وبذلك وقعت القيادة الإسرائيلية أمام مأزق، لأنها إذا اعتمدت على اليهود «البربريين» في تأسيس الدولة الأشكينازية، فإنها بذلك قد تهدد تأسيس إسرائيل أوروبية (من يهود أوروبا)، لأنها ستصبح بذلك جزءاً من العالم البربري، وسيؤدي ذلك إلى نهاية دولة إسرائيل، لذلك قررت القيادة الإسرائيلية إحضار اليهود العرب إلى إسرائيل، وبذلك تكون قد نجحت في توسيع نطاق الأيديولوجية الصهيونية حيث ستأخذ في الاعتبار اليهود العرب أيضاً بجانب اليهود الاشكيناز.
وصل اليهود العرب إلى إسرائيل من خلال تدابير الدولة التي كان شغلها الشاغل الاضطهاد الذي تواجهه هويتها الثقافية وارثها الديني والعمل على إعادة التأهيل ليصبح الهدف أمامها الآن اعتماد أسلوب الحياة الأشكينازية. وأصبحت هذه التدابير جزءاً لا يتجزأ من الإيديولوجية الصهيونية، وقد وضعت هذه التدابير مبادئ أساسية صارمة تتمثل في رفض الشتات وإنكاره ودمج المجتمعات المنفية والبعيدة من وطنها وخلطها في دولة جديدة لتجعل من هذا الإنسان الجديد يهودياً جديداً.
ومما لا شك فيه أن اليهود العرب لم يصبحوا بمثابة اليهود الجدد، بل الذين يعيشون على هامش المجتمع الأشكينازي في إسرائيل، لذلك شكلوا إسرائيل ثانية (Israel-haschnia)، في حين أن الأشكيناز ينعمون ويعيشون في رعاية إسرائيل الأولى. (Israel harischona vejafa).
وفي الفصل الثاني يتعرض المؤلف لدوافع إقامة إسرائيل ويجيب عن التساؤل من خلال انطونيو غرامشي، فالمؤلف يتناول الهيمنة الأشكينازية في إسرائيل وبدايتها في عهد ما قبل تأسيس الدولة وتوسع نطاقها بداية من تأسيس دولة إسرائيل آخذاً في الاعتبار خطة الهيمنة التي لحظها «غرامشي»، وهي خطة الهيمنة التي أيدتها القيادة الأشكينازية في المستوطنات، ومثّلها بن غوريون.
ولا يعتبر المؤلف الهيمنة مسألة ثقافية أو حضارية، فهي مسألة اقتصادية في المقام الأول، ويؤكد أن هيمنة اليهود الاشكيناز على اليهود العرب لم تنتج من تبعية الأشكيناز إلى الثقافة الأوروبية وتبعية اليهود العرب إلى الثقافة العربية الإسلامية، إذ نشأت في إسرائيل علاقة اقتصادية تجمع بين الأشكيناز واليهود العرب، يتحكم من خلالها الأشكيناز في الموارد الاقتصادية وتوزيع العمل، وذلك أثناء وصول اليهود العرب إلى إسرائيل كنازحين، لذلك لم يكن اجتماع الأشكيناز مع اليهود العرب في مكان واحد اجتماع شركاء على قدم المساواة، وعلى ذلك الأساس نجح بن غوريون في تحقيق الهيمنة الاقتصادية من خلال ما يسمى في إسرائيل بـ «الصهاينة الاشتراكيين».
ويلمح إلى أن الاقتصاد لا يخدم الحضارة والعكس صحيح، فقد رأى بن غوريون وزملاؤه أن التأخر الحضاري لليهود العرب مقارنة بالأشكيناز له أهميته القصوى في تحقيق الهيمنة الاقتصادية، إذ ساهم ذلك الوضع في الحفاظ على ظروف اقتصادية ملائمة للأشكيناز ودعمها.
ويؤكد المؤلف أن وضع اليهود العرب أصبح ضعيفاً، ولكن سرعان ما احتجوا على هذا الوضع، وكان للاحتجاج الأول طابع ديني وثقافي. قام هذا الاحتجاج في 1949 في معسكرات العبور التي أقيمت لاستقبال المزيد من المهاجرين والنازحين اليهود من الدول الإسلامية والعربية، فاحتج اليهود العرب على استراتيجية الاقتلاع التي تتمثل في محو الجذور اليهودية العربية لأطفالهم من خلال برنامج تعليمي حكومي خاص.
لم يكن هذا الاحتجاج يهدأ حتى اشتعلت نيران العصيان الاقتصادي الذي قام هذه المرة في حي وادي الصليب في حيفا الذي استوطنه اليهود المغاربة بعد طرد سكانه الفلسطينيين في الحرب الإسرائيلية - العربية عام 1948، إذ خرج اليهود العرب في وادي الصليب عام 1959 الى الشوارع «للعيش والعمل والعربدة»، ولكن لتماسك سلطة الدولة تمت السيطرة على الوضع، وبعد مرور أعوام أي في عام 1971، قام عصيان ثالث في أحد الأحياء العربية في القدس (Katamon) الذي يشكل اليهود العراقيون غالبية سكانه، إذ أطلقت مجموعة اليهود العرب المحتجين على نفسها اسم «الفهد الأسود»، وقد كان الاقتصاد من المبررات الأساسية لهذا التمرد، إذ طالبت مجموعة الفهد الأسود بتحسين الوضع الاقتصادي المتدني لهم في الدولة الاشكينازية، إلا أنهم لم يمثلوا تهديداً للهمينة الاقتصادية للأشكيناز، وكان تحسين الوضع الثقافي والاجتماعي لليهود العرب في إسرائيل أيضاً من أهداف هذا التمرد.
يلفت المؤلف إلى أن تحسين وضع اليهود العرب لم يكن من أولويات النظام الاشكينازي المهيمن، لكن الوضع تحسن مباشرة بعد وفاة بن غوريون ونهاية النظام المهيمن الذي وضعه الصهاينة الاشتراكيون، واستغرق ذلك الأمر فترة ما بعد حرب 1967 وحتى عام 1977، وبذلك فقدت الهيمنة بريقها وتوهجها، وأخذت قوة الصهاينة الاشتراكيين في التراجع تدريجاً.
واعتبر المؤلف أن نهاية النظام الأشكينازي المهيمن ثمرة استراتيجية مناحيم بيغن الذي عمل على كسب الأحزاب الدينية واليهود العرب في صفه، فأصبح مناحيم بيغن واليهود العرب من فئة المظلومين والمحرومين في ظل النظام الأشكينازي المهيمن للصهاينة الاشتراكيين. ونجح بيغن في انتخابات الكنيست لعام 1977، أي بعد أكثر من ثلاثين عاماً من هيمنة الصهاينة الاشتراكيين ليصبح رئيس إسرائيل ويكتب فصلاً جديداً من تاريخ دولة إسرائيل.
على رغم انتصار كتلة اليمين في إسرائيل، إلا أن بيغن لم ينجح في وضع نظام مهيمن، وقامت صراعات حول التوجه السياسي للدولة، وفي سياق ذلك حكم الصهاينة الاشتراكيون الذين آثروا اسم اليسار الصهيوني بعد حرب 1967. وما نلاحظه في وقتنا الراهن هو حكم اليمين لإسرائيل مرة واليسار مرة أخرى، وأحياناً اشتراكها في الحكم، في حين أن اليهود العرب ليس لهم أي دور في صراعات القوى السياسية.
يذكر المؤلف إن صراع الحضارات في إسرائيل بدأ منذ عام 1980. وتم تقسيم المجتمع الإسرائيلي بانتهاء الهيمنة إلى ثقافات مضادة مختلفة، فحزب العمل وحزب ميريتس يمثلان اليسار الصهيوني، والحزب الديني القومي وحزب الليكود يمثلان اليمين الصهيوني، ومن أهداف هذين الحزبين إبراز الحزب الديني القومي بوجه خاص الذي يقوم على أساس المستوطنين، وحزب «علم التوراة» يمثل إسرائيل التقية، وإسرائيل الروسية (اليهود الروس) تتمثل في أحزاب مثل حزبي إسرائيل بيتنا وإسرائيل المهاجرين، وإسرائيل الأثيوبية تتمثل في الحزب الذي يطلق عليه حزب بيتا إسرائيل أو بيت إسرائيل، ويمثل إسرائيل الفلسطينية سكان دولة إسرائيل من الفلسطينيين ممن ظهروا في المشهد السياسي وكانت لهم أماكن في الأحزاب العربية المختلفة، وأخيراً وليس آخراً إسرائيل «التقليدية» والتي يمثلها سياسياً حزب شاس منذ عام 1983.
إدراك هذه المجموعات السياسية أو الحركات السياسية قصير المدى، فليست لهذه القوى سياسات فاعلة، إنما هي رموز ثقافات وحضارات مضادة نشأت إثر تجزئة المجتمع الإسرائيلي، ويرى باروخ كيمولنغ احد أساتذة علم الاجتماع في إسرائيل إن هذه الحضارات والثقافات المضادة نشأت في فترة صراع الحضارات المستمر حتى وقتنا هذا، أملاً في الوصول إلى القمة.
ويخصص الفصل الثالث لحزب شاس وقيادته وناخبيه من اليهود وغالبيتهم من شمال إفريقيا واليمن والعراق، ويحلل المؤلف حزب شاس والدور الذي يلعبه من اجل اليهود العرب ودولة إسرائيل في شكل عام، مرتكزاً على عوفاديا يوسف زعيم الحزب كمحور رئيس وكمنظم وزعيم روحي ومصدر إلهام للحزب ودوره الديني.
يقول عمر كامل: «لاستيعاب حزب شاس يجب أن نذكر في البداية أريا ديري الذي تولى زعامة الحزب لفترة طويلة، فكل من عوفاديا يوسف وأريا ديري اتبع الايديولوجية التي تجسد عودة التاج إلى مكانه الصحيح، ولهذه الايديولوجية أبعاد دينية وسياسية تقسم اليهود الى فئتين هما: اليهود الذين يلتزمون بالدين كما ذكرهم الحاخام يوسف كارو في «ترتيب الطاولة» (1488 -1575)، واليهود الآخرون ممن سماهم الحاخام «موزس» القادم من بولندا «غطاء الطاولة».
ويؤكد المؤلف ان الحزب بزعامة الحاخام عوفاديا يوسف قام بتحدي دولة إسرائيل من خلال تحقيق بعض المطالب لليهود العرب، ويفسر الاهتمام الكبير بوضعهم في الجوانب الاقتصادية والسياسية والثقافية للدولة على أنه رد فعل لما يقوم به حزب شاس من نشاطات في المجتمع المدني، الا ان الحزب لم يقدم أي حلول نهائية لمشاكل اليهود العرب الاقتصادية والاجتماعية العالقة، انما يستخدمهم كأداة مثلما استخدمهم بن غوريون وزملاؤه في تحقيق الهيمنة للصهاينة الاشتراكيين، فأراد بن غوريون تحويل اليهود العرب الى اشكيناز، بينما يريد الحاخام عوفاديا يوسف تحويلهم الى يهود سفارديم، واستخدامهم كوسيلة في صراع الحضارات وبخاصة مع الاشكينازية.
حال اليهود العرب اليوم ليست كحالهم في عام 1940 و1950 حين كان للحضارة والثقافة أثر كبير فيهم، فهم اليوم إسرائيليون في المقام الأول، أصولهم وجذورهم عربية.
ويرى المؤلف أن الهدف الرئيس للأيديولوجية الصهيونية الذي يتمثل في إدماج كل اليهود في إسرائيل قد فشل، وبذلك فشل أيضا الحاخام عوفاديا يوسف في محاولته للإدماج تحت سيطرة السفارديم. ويظهر جانب آخر في هذا الشأن هو مستقبل حزب شاس، حيث نجد أن استمرار صراع الحضارات في إسرائيل كان أيضا نتيجة لعملية السلام. ويسعى المؤلف إلى الاعتماد في كتابه على المصادر الأصلية، ومما ساعده إقامته أربعة أشهر في إسرائيل عام 2000، وبحثه في الأرشيفات المهمة لدولة إسرائيل، التي تضم وثائق تساعد على فهم ما يسمى على الأخص «المستوطنة» واستيعاب السنوات الأولى من قيام الدولة، كما ساعدته بروتوكولات الاجتماعات الخاصة بحزب ماباي وهستدروت والوكالة اليهودية والحكومات الإسرائيلية.
والى جانب هذه الوثائق كانت هناك ايضاً كتابات «بن غوريون» والتي كانت لها اهميتها في إيضاح فكرة تأسيس نظام الهيمنة الذي وضعه وتطويره