طرازه فريد بعض الشيء لكنه عميل إسرائيلي نجح بامتياز في التخفي وراء قناع في لسانه لأكثر من خمس سنوات اقترب فيها من القيادات العليا السورية بل وجلس على كرسي قريب جدا من رأس القيادة ذاتها لكنه سقط.
سرب للكيان الصهيوني أدق المعلومات وأخطرها كان من شأنها تمكين عصابة إسرائيل من إجهاض الخطط التي حاولت سوريا باستماتة أن تستعيد بها الحق المسلوب في الجولان المغتصبة لكنه أعدم وفي مشهد أقل ما يوصف به أنه «مشهد رائع حقا» وبين الصعود والسقوط تفاصيل هي جد عجيبة مشوقة والأهم أنها تثير فيك رغبة نارية للانتقام منه رغم أنه الآن يرقد تحت «التراب».
النشأة
ولد إيلي كوهين في مدينة الإسكندرية عام 1928وتحديدا في 26 ديسمبر، لأبوين يهوديين من أصل سوري تمتد جذوره حتى مدينة حلب تربى إيلي على المعتقدات والعادات اليهودية ورضع معها مبادئ الحركة الصهيونية. وتشرب ثقافة «الجيتو» اليهودي بكل ما تحمله تلك الثقافة من انغلاق على الذات والنفور من الآخر والإحساس بالدونية وسط السواد الأعظم من المجتمع الذي يظهر فيه «الجيتو» كأنه ورم خبيث! ورحل الأبوان والاخوة الثلاثة لإيلي إلى إسرائيل عام 1949 في حين أصر هو على البقاء في مصر ليواصل أنشطته التخريبية التي كان يمارسها في ذلك الوقت شباب اليهود الذين انضمت أغلبيتهم إلى الجمعيات السرية الصهيونية. وفي عام 1953 ألقت السلطات المصرية القبض على منفذي العملية الشهيرة «سوزانا» وتمت محاكمتهم بسجن بعضهم وإعدام البعض الآخر وكانت هذه هي بداية المتاعب مع السلطات المصرية حيث قبض على إيلي لاستجوابه والتحقيق معه على الرغم من أنه لم يكن متورطاً في عملية «سوزانا».
العودة والرحيل
بعد هذه الضربة التي أنزلتها السلطات المصرية بشبكات التجسس اليهودية في مصر رحل إيلي إلى إسرائيل وهناك خاض دورة تدريبية شاملة في أعمال التجسس وكان ذلك في صيف 1955 الغريب أنه تلقى تلك الدورة في نفس المقر الذي كان يدرب فيه منفذو عملية «سوزانا» وعاد مرة ثانية إلى مصر عام 56 وكانت السلطات له ولأمثاله بالمرصاد حيث وضع تحت أعين الرقابة الدائمة الدقيقة عقب العدوان الثلاثي على مصر وفشله في تحقيق مآربه. وكانت القيادة السياسية المصرية قد قررت إغلاق ملف اليهود في مصر حيث قررت طرد جميع اليهود وعلى الأخص يهود الإسكندرية للأنشطة التخريبية التي كانوا يمارسونها في مصر، ووصل إيلي إلى إسرائيل مطرودا من مصر عام 1957، يوم الثامن من فبراير.
العرض مرفوض
لدى عودته من إسرائيل عرض إيلي خدماته على وكالة الاستخبارات الإسرائيلية «عمره في ذاك الحين كان 29 عاما» لكن قوبل عرضه بالرفض حدث هذا الموقف مرتين! أغرب من ذلك أن السلطات الإسرائيلية رفضت ضمه إلى صفوف الخدمة العامة واكتفت بوضعه ضمن تشكيل تابع لقوات الاحتياط الجوية كان سبب رفض خدمات الشاب إيلي تقريرا رفعته الاستخبارات العسكرية عنه جاء فيه أنه يمتلك نسبة ذكاء عالية وشجاعة بارزة وذاكرة حديدية وقدرة على كتمان الأسرار لكنه وهذا هو السبب الحقيقي لرفض خدماته في البداية لديه إحساس مبالغ فيه بالأهمية رغم تواضع مظهره فضلا عن معاناته من توتر داخلي عال وانتهى التقرير إلى أن إيلي لا يقدر الخطر تقديرا سليما بصفة دائمة ويعرض نفسه لمخاطر غير ضرورية بالمرة! .
ناديا
تزوج إيلي في أغسطس 1959 من فتاة يهودية جميلة من أصل عراقي اسمها ناديا مجالد واضطر الزوج إلى العمل في وظيفة غير دائمة كمحاسب إذ كان سوق العمل في ذلك الوقت غير مستقر وتندر فيه فرص العمل المستديمة في عام 1960 أعادت الاستخبارات الإسرائيلية النظر في إيلي فهو على مابه من نقاط سلبية من بلد عربي وملامحه شرقية ولا تبدو فيه علامات الخوف أو الجبن وأهم من هذا كله يجيد العربية والفرنسية والإنجليزية حدث كل هذا في وقت كان الموقف فيه على الحدود السورية قد وصل إلى نقطة الغليان وبات الصدام العسكري على مرمى البصر.
البداية
في العام ذاته استدعت الاستخبارات الإسرائيلية إيلي وطلبت منه الانضمام إلى صفوفها في البداية رفض! لكن بعد مرور شهر تقريبا فقد وظيفته في تل أبيب ثم استدعته الاستخبارات الإسرائيلية مرة ثانية وعرضت عليه نفس الطلب «يوحي الأمر أن طرده من وظيفته كان من ترتيب الاستخبارات ذاتها» انتهز إيلي الفرصة ووافق وعلى الفور بدأت التدريبات الشاقة المتنوعة التفصيلية حيث درب أولا على قيادة السيارات بسرعات جنونية مع القدرة على المراوغة ثم على استخدام أسلحة الجواسيس «صغيرة الحجم» إلى جانب التدريب على بعض المهارات الدقيقة كمسح المسطحات الجغرافية قراءة الخرائط أعمال التخريب «وخاصة المرافق العامة» وعلاوة على ذلك كله علم التشفير ونقل الرسائل عبرالأثير تلك كانت المهارات الأساسية التي ستكون بمنزلة الساعد الأيمن لرجل الأعمال السوري كمال أمين إلا أن أصعب المهام التي تدرب عليها إيلي هي تحدث العربية باللكنة السورية فقد كانت لكنته المصرية غالبة على نطقه العربية أما مدربه فكان يهودياً من أصل عراقي سبق له تدريب كثيرين على تحدث العربية بمختلف اللكنات المحلية فضلا عن تعليم عادات العرب وتقاليدهم.
كمال أمين
صاغت الاستخبارات الإسرائيلية هوية جديدة تماما لإيلي كوهين فاسمه اصبح كمال أمين وصفته رجل أعمال سوري ولد في بيروت لأبوين سوريين مسلمين الأب أمين ثابت.. والأم سعدية إبراهيم وطبقا لتلك الهوية الجديدة من المفترض أن عائلة ثابت أمين قد ارتحلت إلى الأرجنتين منذ عام 1948 وهناك أسست مشروعا ناجحا في مجال الغزل النسيج وبعد تدريبات مضنية مكثفة على كل كبيرة وصغيرة في مطلع 1961. وقع شاييم هرتزوج رئيس الاستخبارات العسكرية آنذاك وثيقة اعتماد عمل إيلي كوهين في الاستخبارات الإسرائيلية..كجاسوس.
وفي المطار ودعته زوجته ناديا ليبدأ رحلة الصعود والسقوط لكن قبل سفره ادعى إيلي أنه مسافر للعمل في الأرجنتين لحساب وزارة الدفاع الإسرائيلية دون أن يفصح عن مكان إقامته أو مدتها ولم تكتشف الزوجة حقيقة الأمر إلا بعد سقوط إيلي في أيدي السلطات السورية!