إغـــراق الغواصة الإسرائيلية داكـــار
لا زالت هناك العدجيد من الأسرار ، التي تتعلق بحرب الإستنزاف وبطولاتها
كما لا زالت هناك العديد منال بطولات المجهولة عن السلاح البحري المصري ونشاطاته
إلي جانب بطولات الصاعقة ورجالها
يتسم موضوع إغراق الغواصة الإسرائيلية "داكار" بالعديد من "الضباب" الذذي تحاول إسرائيل
نشره علي الموضوع ... حتي تغطي علي ... فشلها .....
فيما يلي موضوع ... يتحتم علينا التمعن في سطوره .... وما فيه من حقائق ، وخاصة المعلومات عن .... الضفادع البشرية الإسرائيلية ، التي حاولت أن تنتقم لعمليات الضفادع البشرية المصرية ضد سفن البحرية الإسرائيلية الرابطة علي أرصفة القاعدة البحرية الإسرائيلية في ميناء إيلات
ولقد قام موقع "المؤرخ" منذ سنوات ، بنشر قصة إغراق الغواصة ... وإشتركنا في مناقشة الموضوع وإضافة الصور والخرائط ، غير أن الموقع توقف لفترة طويلة ..ز وضاعت الكثير من الصور والسطور ....رغم ذذلك ، سأتمكن من إعادة نشر الكثير من تلك الصور والتعليقات عليهم
بالإضافة إلي ذلك ، إشتركنا في موقع الطيران العربي ومواقع عسكرية عربية ، في مناقشات طويلة حول هذه الحادثة البطولية وتفاصيلها ....
وسيستدعي الموضوع ، نشر الكثير من السطور والمواضيع باللغة الإنجليزية ، حتي نبني صورة كاملة عما حدث ، نظرا لأهميته وما يوضع حوله من ضباب إسرائيلي وما زالت إسرائيل تحاول طمسه من إنجازات البحرية المصرية التاريخية و بشكل أساسي وبالذذات "الخرائط" التي تحاول بهم ، تعزيز أقوالها ، أن الغواصة الإسرائيلية قد غرقت في المياه العالمية .... في محاولة دعاية إسرائيلية فاشلة لنفي أن البحرية المصري قد نجحت في الدفاع عن أراضي مصر بل ومهاجمة إسرائيل .... وأن البحرية المصريةإذذا هاجمت ...
فقد هاجمت في المياه الدولية ... وخرقت القوانين الدولية .... رغم أن هذذه الدعاية في حد ذذاتها تثبت "قدرة" البحرية المصرية علي تتبع إسرائيل .... ويكفي موضوع "الحفار" ... ويكفي تواجد الغواصات المصرية أمام حيفا ... بل يكفي نجاح المدمرة إبراهيم الأول ... يوم 30 أكتوبر 1956 ... نعم 1956 ... في مهاجمة حيفا وقصف ميناء البترول بالقنابل لمدة 45 دقيقة ، قبل أن يتم أسرها ..ز بمساعدة البحرية الفرنسية في ذذلك الوقت
ولقد عجّل حادث إغراق المدمرة إيلات، بانتهاء إسرائيل من بناء 12 زورق صواريخ من نوع سعر، كانت قد تعاقدت على بنائها، في ميناء شربورج بفرنسا.
أما الحادث الثاني للبحرية الإسرائيلية، فكان في شهر نوفمبر 1967، عندما اقتربت الغواصة الإسرائيلية (داكار) من ميناء الإسكندرية. في رحلة عودتها من بريطانيا إلى إسرائيل. وقد استطاعت قاعدة الإسكندرية البحرية، من اكتشاف الغواصة الإسرائيلية، وهاجمتها بفرقاطة مصرية بشكل مفاجئ، مما اضطر الغواصة للغطس السريع لتفادي الهجوم. فارتطمت بالقاع وغرقت بكامل طاقمها. وأثر ذلك بشكل كبير على الروح المعنوية للبحرية الإسرائيلية، خاصة وأنها كانت الرحلة الأولى لهذه الغواصة، بعد أن تسلمتها إسرائيل من بريطانيا.
لم يهدأ بال إسرائيل، لغرق المدمرة إيلات والغواصة داكار خلال شهرين (أكتوبر ونوفمبر 1967) فبدأت بالإغارة على نقـط المراقبة، المنتشرة على خليج السويس، باستخدام قوات الكوماندوز المنقولة بحراً، ثم شنت إغارة بحرية باستخدام ثلاث زوارق إبرار بحري، محملة بالدبابات والعربات المدرعة، على المنطقة جنوب أبو الدرج (في خليج السويس).
د. يحي الشاعر</div>
لا زالت هناك العدجيد من الأسرار ، التي تتعلق بحرب الإستنزاف وبطولاتها
كما لا زالت هناك العديد منال بطولات المجهولة عن السلاح البحري المصري ونشاطاته
إلي جانب بطولات الصاعقة ورجالها
يتسم موضوع إغراق الغواصة الإسرائيلية "داكار" بالعديد من "الضباب" الذذي تحاول إسرائيل
نشره علي الموضوع ... حتي تغطي علي ... فشلها .....
فيما يلي موضوع ... يتحتم علينا التمعن في سطوره .... وما فيه من حقائق ، وخاصة المعلومات عن .... الضفادع البشرية الإسرائيلية ، التي حاولت أن تنتقم لعمليات الضفادع البشرية المصرية ضد سفن البحرية الإسرائيلية الرابطة علي أرصفة القاعدة البحرية الإسرائيلية في ميناء إيلات
ولقد قام موقع "المؤرخ" منذ سنوات ، بنشر قصة إغراق الغواصة ... وإشتركنا في مناقشة الموضوع وإضافة الصور والخرائط ، غير أن الموقع توقف لفترة طويلة ..ز وضاعت الكثير من الصور والسطور ....رغم ذذلك ، سأتمكن من إعادة نشر الكثير من تلك الصور والتعليقات عليهم
بالإضافة إلي ذلك ، إشتركنا في موقع الطيران العربي ومواقع عسكرية عربية ، في مناقشات طويلة حول هذه الحادثة البطولية وتفاصيلها ....
وسيستدعي الموضوع ، نشر الكثير من السطور والمواضيع باللغة الإنجليزية ، حتي نبني صورة كاملة عما حدث ، نظرا لأهميته وما يوضع حوله من ضباب إسرائيلي وما زالت إسرائيل تحاول طمسه من إنجازات البحرية المصرية التاريخية و بشكل أساسي وبالذذات "الخرائط" التي تحاول بهم ، تعزيز أقوالها ، أن الغواصة الإسرائيلية قد غرقت في المياه العالمية .... في محاولة دعاية إسرائيلية فاشلة لنفي أن البحرية المصري قد نجحت في الدفاع عن أراضي مصر بل ومهاجمة إسرائيل .... وأن البحرية المصريةإذذا هاجمت ...
فقد هاجمت في المياه الدولية ... وخرقت القوانين الدولية .... رغم أن هذذه الدعاية في حد ذذاتها تثبت "قدرة" البحرية المصرية علي تتبع إسرائيل .... ويكفي موضوع "الحفار" ... ويكفي تواجد الغواصات المصرية أمام حيفا ... بل يكفي نجاح المدمرة إبراهيم الأول ... يوم 30 أكتوبر 1956 ... نعم 1956 ... في مهاجمة حيفا وقصف ميناء البترول بالقنابل لمدة 45 دقيقة ، قبل أن يتم أسرها ..ز بمساعدة البحرية الفرنسية في ذذلك الوقت
ولقد عجّل حادث إغراق المدمرة إيلات، بانتهاء إسرائيل من بناء 12 زورق صواريخ من نوع سعر، كانت قد تعاقدت على بنائها، في ميناء شربورج بفرنسا.
أما الحادث الثاني للبحرية الإسرائيلية، فكان في شهر نوفمبر 1967، عندما اقتربت الغواصة الإسرائيلية (داكار) من ميناء الإسكندرية. في رحلة عودتها من بريطانيا إلى إسرائيل. وقد استطاعت قاعدة الإسكندرية البحرية، من اكتشاف الغواصة الإسرائيلية، وهاجمتها بفرقاطة مصرية بشكل مفاجئ، مما اضطر الغواصة للغطس السريع لتفادي الهجوم. فارتطمت بالقاع وغرقت بكامل طاقمها. وأثر ذلك بشكل كبير على الروح المعنوية للبحرية الإسرائيلية، خاصة وأنها كانت الرحلة الأولى لهذه الغواصة، بعد أن تسلمتها إسرائيل من بريطانيا.
لم يهدأ بال إسرائيل، لغرق المدمرة إيلات والغواصة داكار خلال شهرين (أكتوبر ونوفمبر 1967) فبدأت بالإغارة على نقـط المراقبة، المنتشرة على خليج السويس، باستخدام قوات الكوماندوز المنقولة بحراً، ثم شنت إغارة بحرية باستخدام ثلاث زوارق إبرار بحري، محملة بالدبابات والعربات المدرعة، على المنطقة جنوب أبو الدرج (في خليج السويس).
إغـــراق داكـــار : جمال الغيطانى
إغـــراق داكـــار
كتب : جمال الغيطاني
*<<* إن* غياب وثائق الحروب التي خاضتها مصر في العصر الحديث يؤدي الي انفراد الاطراف الاخري،* خاصة اسرائيل بالرؤية التاريخية،* لذلك لابد من تقنين الإعلان عن الوثائق الخاصة بحروب الوطن* *<<
أهمية احاديث الاستاذ محمد حسنين هيكل* »تجربة حياة*« انه يعيد تجسيد مراحل مهمة في تاريخنا المعاصر،* أو الزمن الذي عشناه*. ليس لأولئك الذين لم يعاصروه،* خاصة من الاجيال الجديدة التي جاءت الي الدنيا من بداية السبعينيات وحتي نهاية القرن،* هذه الاجيال تعرضت لاعنف تزييف واضطراب فيما يتعلق بالزمن الماضي*. خلال الستين عاما الاخيرة،* والسبب ان تعاملنا مع الذاكرة الوطنية لا ينطلق من مناهج علمية،* ولا من رواسخ ثابتة،* لكن من مواقف نسبية* ،العابر منها يدمر الثابت،* والنتيجة هي اللا يقين عند اجيال كاملة خرجت تشك في فكرة الوطن نفسها،* لا يعيد الاستاذ هيكل رواية التاريخ باعتباره شاهدا فقط،* وهو لم يكن شاهدا فقط،* انما كان طرفا اساسيا في الاحداث وصانعا لها احيانا،* انما يوثق ما يقول،* واعترف انني رأيت من الوثائق ما ادهشني،* ليس كيفية الحصول عليها،* فالمعروف ان الرئيس جمال عبدالناصر اصدر تعليمات ان تسلم وثائق الدولة إلي الاستاذ،* ولكن دهشتي نابعة من مضامينها،* اضرب مثالا علي ذلك بما يخص عملية زرع أجهزة تنصت داخل السفارة الامريكية،* هذه العملية التي مرت مرور الكرام،* يجب ان تصبح من تراثنا الوطني الذي نفخر به،* وليت تفاصيلها تعلن يوما،* ما يذكره الاستاذ من خلال ذاكرة حديدية،* قوية،* تمسك بالتفاصيل،* يوضح لي امورا وبعض الوقائع التي عاشها هو من فوق،* من مركز صانع القرار والمشارك فيه،* وعشتها انا كمواطن بسيط،* أو كصحفي من خلال عملي كمراسل حربي لصحف دار أخبار اليوم خلال حربي الاستنزاف وأكتوبر،* وهذا كان موضوعا لأحاديث طويلة جرت بيننا،* غير ان ما قاله الخميس الماضي تحديدا حول إغراق الغواصة الاسرائيلية* »داكار*« يستحق مني إضافة عبر شهادتي التي تجيء من مستوي آخر للحظة تاريخية احتوتني واحتوته*. ذلك ان مما افخر به في حياتي المهنية نشر القصة الكاملة لاغراق داكار من خلال الرواية المصرية،* وكان ذلك اول تأكيد رسمي من جانب مصر يؤكد اغراق الغواصة* الاسرائيلية الحديثة والتي كانت عائدة من انجلترا بعد تسليحها تسليحا حديثا،* ما نشرته استند إلي مصادر عسكرية،* وروجع من قبل وزارة الدفاع والمخابرات الحربية،* وكان التحفظ الشديد هو الطابع الذي يحكم العلاقة بين القوات المسلحة والاعلام كان ذلك بسبب الافراط الذي جري بدءا من يوم الخامس من يونيو والمبالغة التي ناقضت الواقع ولم تكن تعبر عنه مما احدث اثارا سلبية استمرت لزمن طويل،* كيف علمت بتفاصيل القصة؟ وكيف حصلت علي التفاصيل؟
إلي البحر الأحمر
لا أذكر اسم اليوم،* لكننا خرجنا في* سيارة صغيرة من اخبار اليوم،* قاصدين منطقة البحر الاحمر،* بعد حصولنا علي تصريح خاص من المخابرات الحربية كنا اثنين،* مكرم جاد الكريم المصور الموهوب الوطني،* الجريء،* كلا لا نفترق،* وقد واجهنا الموت معا عشرات المرات،* ولحسن الحظ ان كل منا عاش ليروي بعضا مما رأيناه،* كانت المرة الاولي التي أزور فيها هذه المنطقة من مصر،* رغم انني كتبت رواية تدور أحداثها في وهادها وجبالها عنوانها* »الزويل*« قرأت كثيرا عنها وخاصة الرحالة الذين قصدوها*. سلكنا طريقا حديثا وقتئذ،* رصف بعد يونيو سبعة وستين،* المعروف الان بطريق الكريمات،* خلال سبع ساعات لم نر إلا عربيتين أو ثلاثا من القوات المسلحة وعندما وصلنا الغردقة فوجئنا انها قرية صغيرة فقيرة معظم اهلها من قنا،* بعضهم احترف الصيد،* كانت رحلتنا بعد ايام قليلة من انتهاء معركة جزيرة شدوان البطولية بحق،* ولم يكن من الفنادق الكبري إلا واحد فقط،* هو الشيراتون*. وكان مغلقا،* لم تكن الغردقة والساحل كله معروفا كمنطقة سياحية للمصريين،* وكان دخول الاجانب اليها صعبا*. أقمنا في استراحة تابعة لاحدي شركات البترول،* وفي هذه الايام تعرفت إلي الفريق سعد الشاذلي ـ* اللواء وقتئذ ـ وكان قائدا لمنطقة البحر الاحمر التي يمتد ساحلها حتي* حدود السودان*. وكان قد نجح في وقف الغارات الاسرائيلية التي توالت وكان أشهرها وأخطرها علي الزعفرانة،* قائد آخر بلدياتي من سوهاج،* العقيد محمد مازن المسئول عن المخابرات الحربية،* استشهد فيما بعد في حادث الطائرة هليكوبتر الذي راح ضحيته عدد من كبار القادة بينهم الفريق احمد بدوي*. كان اكتشافا مبهرا بالنسبة لي،* الساحل،* الجبال الفريدة التي تتحول إلي ظلال عند الغروب،* اما جزيرة شدوان فلها وضع أخر في ذاكرتي،* فيما تلي ذلك من سنوات،* قصدنا المنطقة ونزلنا في قرية سياحية من القري الاولي التي تأسست في المنطقة بناها الحاج* حويدق ـ رحمه الله ـ وتربطني صلة صداقة بابنه سامح الذي أصبح من رجال السياحة في مصر،* أوده ويودني رغم انني انقطعت عن زيارة البحر الاحمر منذ سنوات طويلة*. كان السبب الرئيسي لتوجهنا اليها هواية محمد ابني للغطس والذي اصبح بارعا فيه،* كثيرا ما كنت اجلس* عند شاطيء البحر منتظرا عودته من الاعماق،* مفكرا في زمن الحرب،* متأملا في علاقة المكان بالاحداث بالانسان*.
في احد ايام زيارتنا قال لي العقيد مازن ان التصريح بزيارة القاعدة البحرية قد انجز،* التاسعة صباحا سنتجه اليها*.
الفرقاطة طارق
بعد حرب يونيو اغلقت قناة السويس،* وانقسم الاسطول المصري إلي قسمين،* وحدات في البحر الابيض،* وأخري في البحرالاحمر،* الوحدات التي ظلت في البحر الاحمر بعضها بقي في الغردقة،* والاخر في موانيء اليمن طبقا لاتفاقية كانت معقودة بين مصر واليمن*.
مازال ذلك الصباح ماثلا في ذهني،* فوق قطعة بحرية،* فرقاطة اسمها طارق،* التقيت بضابط هاديء الحضور،* قوي الملامح،* انه قائد الفرقاطة وقتئذ،* روي لي التفاصيل الكاملة لاغراق داكار،* للاسف لا اذكر اسمه الان،* كان محظورا ذكر الرتب والاسماء الكاملة للضباط والجنود فيما نكتب،* وكنت مقتنعا من داخلي بكل ما يطلب مني،* فأمن قواتنا له الاولوية المطلقة،* أصغيت مبهورا إلي التفاصيل،* خاصة ان القائد لم يغرق فقط* »داكار*« انما كان له مواجهة اخري سبقت داكار،* وانني لمورد الان ما كتبته بالضبط ونشر في جريدة الاخبار،* يناير عام سبعين،* أي بعد اغراق الغواصة بعامين تقريبا،* في ذلك الزمن كتبت ما يلي بالنص*:
*»حدث في صباح الثلاثاء *٦ يونيو *٧٦٩١،* ان كانت الفرقاطة طارق مكلفة بأعمال المرور والحراسة امام شواطيء الاسكندرية،* فجأة ظهر رذاذ يتطاير فوق سطح البحر الهاديء،* وبسرعة وضعت ثلاث احتمالات*:
*(أ*) أما دخان مدخنة وفي هذه الحالة ينزل جنب السفينة*.
*(ب*) أما دخان مدفعية وفي هذه الحالة يكون علي شكل دوائر،* يصحبه رذاذ ماء*.
*(ج*) اما ستائر دخان وفي هذه الحالة يكون أغزر واكثف من هذا بكثير*.
وبمجرد صعود قائد السفينة إلي الممشي،* عرف انه ناتج عن اطلاق طوربيد من* غواصة ترقد علي عمق بسيط تحت الماء،* في سرعة لحظية امر الماكينات بزيادة السرعة لاقصي درجة،* بحيث تسير السفينة في مواجهة الطوربيد تماما،* لماذا؟ لانه بالمواجهة يكون مسيطرا علي تغيير زاوية المقدم*.
علاوة علي انه يمكنه مهاجمة العدو بأسرع ما يمكن ايضا مثلما حدث،* ومن المعروف ان اطلاق أو صدام الطوربيدات بسفينة عبارة عن مسألة حساب مثلثات،* اهم اضلاعها سرعة السفينة وزاوية المقدم،* فاذا ما تغير اي واحد منهم،* فان المسألة سوف تفشل،* وبالتالي لن يصيب الطوربيد هدفه*.
وقد دفعته خبرته إلي تغيير الاثنين معا،* غير السرعة،* وغير زاوية المقدم،* فتفادي الاصطدام بالطوربيدات وفعلا،* مرت الطوربيدات علي بعد امتار من السفينة*.
تمت المناورة في خمسين ثانية فقط*.
خمسون ثانية هي المدة الفاصلة بين لحظة رؤية الطوربيدات،* ولحظة الإبتعاد عن مسارها،* إلي هنا* ،* وكان يمكن للمواجهة ان تنتهي،* غير ان طبيعة المقاتل البحري المصري ابت عليه هذا،* في ثوان كانت الفرقاطة* »طارق*« تتخذ وضع الهجوم*.
بسرعة،* حدد قائد السفينة المصرية موقع الغواصة التي اطلقت الطوربيدات،* كيف؟
لقد اعلنت الغواصة الاسرائيلية عن مكان وجودها بمجرد اطلاقها الطوربيدات* ،الموقع تبين من اتجاه الطوربيد سرعته *٠٤ عقدة،* نظرا لانه انجليزي الصنع وهذه احدي ميزات الالمام بكافة التفاصيل عن سلاح العدو،* وبمجرد تحديد الزمن والمسافة التي تبعدها الغواصة عن السفينة المصرية،* حتي كان جحيم من قذائف الاعماق ينصب علي الغواصة*.. كانت مفاجأة مذهلة للقائد الاسرائيلي الذي لم يتوقع ابدا ان تفلت الفرقاطة* »طارق*« من طوربيدات الغواصة،* ثم تبادر بالهجوم،* الهجوم الحاد والعنيف صحيح ان الغواصة الاسرائيلية لم تغرق تماما،* انما اصيبت اصابات مباشرة ادت إلي اعطابها تماما،* ومن اجل هذا نال قائد الغواصة وسام البطولة الاسرائيلي لانه تمكن من العودة بالغواصة دون ان تغرق،* وتمضي شهور وفي *٥١ يوليو *٩٦٩١،* يزاح الستار عن هذه العملية،* يصدر امر بتقليد كل من شارك فيها نوط الشجاعة العسكري*.
*<<<
انه نفس قائد السفينة* »طارق*«
الزمان *٥٢ يناير *٨٦٩١ الساعة* *٢١ظهرا والمكان مياهنا الاقليمية في البحر الابيض المتوسط،* حالة البحر عادية،* زرقة صافية يعلوها زبد الماء الابيض،* احدي سفن التدريب الحربية التابعة لقواتنا البحرية عائدة إلي قاعدتها بعد جولة تدريبية،* فوق ظهر السفينة يقف قائد الرحلة،* يمسح الماء بنظراته لمح بيروسكوب* غواصة،* البيروسكوب يعوم بسرعة تجاه سفينة التدريب المصرية،* لا توجد* غواصات مصرية هنا،* هذه مياهنا الاقليمية،* اذن*. الهدف معاد*. بسرعة خارقة كان الطلبة يتخذون مواقعهم القتالية فوق السفينة الحربية المصرية،* كان من الواضح تماما ان الغواصة تتجه إلي الهجوم علي المركب المصري،* كان يمكن للسفينة ان تتجنب المواجهة،* خاصة ان السفينة في رحلة تدريبية والمقاتلون معظمهم من طلبة الكلية البحرية إلي جانب المقاتلين الذين اكتمل تدريبهم،* لكن طبيعة المقاتل المصري ابت عليه تجنب المواجهة احتل الرجال مراكزهم القتالية،* في ثوان بعد عدة مناورات ناجحة نفذت بدقة مثالية تمكنت السفينة المصرية من تحقيق هذه العملية التي يطلقون عليها* »ركوب الغواصة*« اي اتخاذ موقع استراتيجي يمكن من خلاله اصابتها اصابة مباشرة*. وفي لحظات كان جحيم من قذائف الاعماق ينصب فوق الغواصة،* واختفي الهدف من شاشة الرادار*.
وفي الايام التالية تصدرت مانشيتات الصحف العالمية اخبار اختفاء الغواصة اصبح الامر لغزا*.
داكار
* كانت في طريقها من انجلترا إلي* اسرائيل،* كانت اسرائيل قد اشترتها من فرنسا وارسلتها إلي بريطانيا لاجراء تحسينات عليها وتجديد تسليحها بحيث تصبح اخطر قطع الاسطول الاسرائيلي*. وغادرت الغواصة موانيء بريطانيا يوم *٩ يناير بعد ان امضت فترة تدريب في ساحل سكوتلاندا،* وانتهزت الغواصة فرصة عودتها لتواصل تدريباتها في البحر الابيض،* ربما كان هذا هو السبب الذي جعل عودتها تتأخر الي اسرائيل عن الموعد المحدد لها،* ويبدو انه السبب ايضا وراء تسللها إلي مياهنا الاقليمية يوم *٥٢ يناير وعندما حانت الساعة الثانية عشرة من ظهر هذا اليوم كانت* »داكار*« تختفي إلي الابد وفوقها *٩٦ ضابطا وجنديا اسرائيليا*.
وفي هذه الفترة لم تكن العمليات الحربية قد تصاعدت بيننا وبين العدو الاسرائيلي،* كنا في مرحلة اعداد قواتنا المسلحة وعندما حملت الصحف انباء داكار الغامضة اذكر انني اقنعت نفسي مع كثير من الاصدقاء بأن بحريتنا هي التي اغرقتها*. ربما كنا نحاول رفع روحنا المعنوية في وقت اشتدت فيها ازمتنا النفسية بعد الهزيمة،* رفضنا تماما اي احتمال آخر ينفي اغراقنا لداكار*. ولم اكن ادري ان الشهور سوف تمضي وانه في لحظة معينة من الايام الاولي لشهر ديسمبر *٩٦٩١ سوف تتاح لي الظروف التي يتبين من خلالها المصير الحقيقي لهذه الغواصة*.
لكن لماذا لم تظهر اي علامات من العلامات المتعارف عليها بعد اغراق* »داكار*«. من المعروف ان الظواهر التي تصحب اغراق* غواصة اذا اصيبت مباشرة فان محتوياتها القابلة للطفو تظهر علي سطح* الماء،* علاوة علي بقع الزيت،* لكن من الممكن ايضا لقائد الغواصة ان يقوم بعملية تضليل فيرمي امتعة الغواصة عن طريق طوربيد،* كذا بعض كميات الزيت،* وقد تصاب الغواصة اصابة تؤدي إلي اغراقها دون ظهور اي اثار،* كشرخ في البدن فيتسرب منه الماء،* وقد تصاب في مكان تتسرب منه المياه المالحة إلي حجرة البطاريات فتتفاعل ويظهر* غاز الكلور الخانق،* ويبدو ان هذا ما جري* »لداكار*«.
وهكذا افتتح مجموعة من طلبة بحريتنا حياتهم القتالية باغراق اخطر* غواصة لدي العدو وهم بعد مازالوا طلبة*.
*<<<
خبطة كبيرة
تم التصديق علي التحقيق الصحفي* الذي كتبته،* وعلمت فيما بعد انه عرض علي الفريق اول محمد فوزي وزير الدفاع ـ رحمه الله رحمة واسعة* ـ وانه وافق علي نشره،* في ذلك الوقت كان يرأس تحرير الاخبار صحفي كبير استاذ من اساتذة المهنة،* موسي صبري،* ادرك قيمة الموضوع فأفرد له الصفحة الثالثة كاملة،* وكتب بنفسه اشارة في الصفحة الاولي،* وسرعان ما اصبح الخبر الرئيسي في جميع محطات العالم الاذاعية،* وبثته الاذاعة البريطانية في صدر صفحاتها الاولي،* وفي اليوم التالي نشرت الاخبار في الصفحة الاولي ملخصا لتعليقات وسائل الاعلام العالمية كتبه الاستاذ موسي بنفسه،* وعند اجتيازي مدخل الدار اخبرني موظف الاستقبال ان الاستاذ موسي يريدني،* لم يغلق بابه قط،* عندما دخلت قام ليصافحني،* وطلب مني العمل بنفس الهمة،* وقال بنبرة ماتزال في ذاكرتي*.
*»انت عملت خبطة كبيرة*..«
ثم قال انه طلب من العضو المنتدب* »د.قاسم فرحات وقتئذ*« مكافأة لي قدرها عشرة جنيهات،* وكان المبلغ* بمقاييس هذه الايام كبيرا،* يوازي ثلاثة أرباع مرتبي الشهري،* هذا ما جري بالضبط*.
الخميس الماضي رأيت صورة قائد الغواصة لاول مرة،* ذكر الاستاذ هيكل انه كان ضابطا مرموقا،* ماهرا،* له تاريخ،* وان الطاقم كان من اكفأ جنود البحرية الاسرائيلية،* وعرض الوثائق المتعلقة باغراق الغواصة* المزودة بوسائل حديثة والتي كانت في رحلة العودة من القاعدة الانجليزية في بورتسماوث إلي حيفا،* كل هذا كان جديدا بالنسبة لي،* وربما يكون جديدا بالنسبة للاستاذ ان الذي قام باغراق الغواصة فرقاطة صغيرة* »وليست مدمرة*« وان طاقم الفرقاطة كان من طلبة الكلية البحرية وكانوا في رحلة تدريبية،* وربما تقاعد معظمهم الان*.
هنا ملاحظة مهمة وهي* غياب الوثائق المصرية التي تتعلق بالحروب،* التي خاضتها مصر منذ عام ثمانية واربعين،* ان دار الوثائق القومية تخلو من هذه الوثائق،* والاطلاع عليها امر* غير متاح للباحثين المصريين والاجانب،* وثائق حرب ثمانية واربعين لم يتم الاعلان عنها،* أو معركة العدوان الثلاثي عام ستة وخمسين،* وكذلك عام سبعة وستين وثلاثة وسبعين،* غياب الوثائق المصرية يجعل الباحثين يعتمدون علي جهة واحدة فقط،* الجانب الاسرائيلي الذي يتيح وثائقه للباحثين كل فترة زمنية معينة*. مع توالي الزمن سنجد ان الرؤية المصرية* غائبة تماما،* وبالتالي لن تنافس الرؤية الاسرائيلية بالبحث العلمي،* ان الاستاذ هيكل بكل ما عرضه من وثائق تخص اغراق داكار،* كان معتمدا علي الجانب الاخر،* وهو له العذر،* فالوثائق العسكرية المصرية* غير متاحة،* لقد رأيت صورة القائد الاسرائيلي قائد الغواصة ولم نر صورة قائد الفرقاطة المصري الذي اغرقها،* بالنسبة لي حاولت استعادة ملامحه عبر الذاكرة،* فلم ار إلا ما يشبه الاطياف،* انني ادعو إلي تقنين الاعلان عن الوثائق العسكرية المصرية من خلال مؤسسة القوات المسلحة العريقة،* هذا امر ضروري للذاكرة الوطنية،* ولثبوت الرؤية المصرية التاريخية في مسار التاريخ،* خاصة ان القوي التي تعمل علي تزييف التاريخ لا تهدأ ولا تمل*.
د. يحي الشاعر</div>