المشاة الآلية في العمليات الصحراوية

night fury

عضو
إنضم
23 مارس 2008
المشاركات
4,508
التفاعل
1,268 1 0
الدولة
Jordan
الصحراء العربية هي أجفّ صحارى العالم جميعاً وأكثرها قحولة وجدباً، بل إنها تعتبر النموذج الكامل للصحراء المطلقة التامة... إنها البيداء أكثر مما هي البادية.

والرياح هي سيدة طبوغرافية الصحراء بلا منازع، فالجفاف المطلق يلغي التعرية المائية، ويترك المسرح خالياً مكشوفاً تماماً للتعرية الهوائية التي يضاعف من انطلاقها انخفاض السطح وانبساطه العام أيضاً.

والواقع أن الرياح هي أكبر عامل تشكيل للصحراء العربية، إنها "جاروف" أو "كبّاش" الصحراء الجبار الذي حفر تجاويفها الهائلة، وبعبارة أخرى وأخيرة؛ إن الغلاف الغازي هو أكبر عوامل تشكيل الصحراء العربية.

وتشترك أغلب دول الخليج العربي في انتمائها الصحراوي وتشابه جغرافيتها وتضاريسها، وتكاد المظاهر الجغرافية تتكرر في كل دولة خليجية من حيث قيام الحياة، وأغلب المدن على شريط ساحلي ضيق، يتبعه عمق هائل من الصحراء الممتلئة بالغرود والكثبان الرملية، ثم تصطف سلاسل من الجبال تأخذ طابع المانع في أحد الاتجاهات دون الأخرى.

وهنا تساهم الطبيعة في تحديد شكل وتنظيم الجيوش، كما تفرض أسلوب القتال في حالة التحوّل للدفاع عن الوطن.
إن الحروب في المناطق الصحراوية يكون فيها الصراع أساساً حول الطرق والممرات الاستراتيجية والنقاط العليا المطلة على هذه الطرق، بالإضافة إلى السيطرة على الموارد الحيوية.
لقد أكدت العمليات العسكرية الحديثة في "حرب أكتوبر" والتي جرت العمليات فيها على أرض صحراوية مشابهة للصحراء في منطقة شبه الجزيرة العربية على أهمية الوحدات الآلية والمدرعة والقوة الجوية.

ويعود هذا بصورة كبيرة إلى المزايا الآلية والعسكرية للأرض المفتوحة، حيث لا يعيق النقص العام للزراعة مثل؛ الأشجار والشجيرات الحركة أو تخفى الأنشطة العسكرية... وبكل بساطة فإنه من الصعب الاختفاء في صحراء مفتوحة، وفي الوقت الذي يوفّر فيه انفتاح الأرض الصحراوية نموذجاً لقابلية الحركة اللازمة للمدرعات والمشاة الآلية، إلا أنها تجعلها عرضة لهجوم الطائرات.

طبيعة القتال في الصحراء:

كلما تعمّق التوغُّل في الصحراء، كلما عظمت أوجه الشبه ما بين الحرب في الصحراء والحرب في البحر، فتحركات القوات لدى هذين النوعين من القتال، تجري بواسطة البيكار والبوصلة، والتغيير متواصل في المواضع والمقامات، ويكاد يندر العثور على مكان يصلح للدفاع. كل آلية وكل دبابة هي بحد ذاتها كسفينة، وكل كتيبة من الدروع أو المشاة التي تقطع مسافات كبيرة عبر الرمال، هي كالأسطول الذي يمخر عباب المحيطات، والذي سرعان ما يختفي عند خط الأفق، كأنه ما كان.

إن حركة القوات على الأرض في الصحراء، هي كحركة الأساطيل على سطح البحار. يصدر الأمر بالتوقّف أو التمركز، ويدوم هذا بضع ساعات أو بضعة أيام، أو بضعة أسابيع، وعندما يبدأ المسير تندفع عناصر الاستطلاع لتحديد الأماكن المحتملة للعدو، وإذا حصل التماس مع العدو، فإن الجسم الرئيس للقوات المتقدمة يلجأ فوراً إلى المناورة لغرض السبق إلى أخذ الوضع المناسب لضرب أجناب العدو، تماماً كما يفعل أسطول بحري مع الخصم.

والمبدأ المسيطر في حرب الصحراء؛ هو أن القوات العاملة في الصحارى يجب أن تكون خفيفة دائماً، وأن يكون هدفها الرئيس هو تحقيق التماس مع العدو وهزيمته وليس احتلال الأرض، فالطريدة هي الجيوش وليست الأرض، تماماً كما تطارد السفن الحربية مثيلاتها من سفن الأعداء دون أن تعير اهتماماً إلى مكان المعركة البحرية على سطح الماء.

وكما أن السفينة تتكيف مع البحر ببنيانها ونوع محركها، كذلك يجب على الوحدات الآلية أن تتكيف مع الصحراء، وعلى هذه القوات أن تدأب باحثة عن نقاط الضعف في خضم الرمال المعادية التي لا ترحم، وأن تتفنن في استنباط الوسائل والحيل للنجاة من مكائد هذه الرمال ومهالكها. إن القوات الآلية تستخدم الصحراء، لكنها لا تسعى أبداً لكي تكون سيدة عليها، فالصحراء هي التي تحدد الخطى والوزن والنبض، وتعين الاتجاه، وتقرر الخطة.

الحرب الآلية:

تعرف الحرب الآلية بأنها الحرب التي تستخدم فيها تكتيكات متحركة في جميع أنواع العمليات، والقائمة على استخدام الآليات التي تعمل بالجازولين والديزل... وتعتبر الدبابة والناقلة المدرعة هما عصب الحرب الآلية وخصوصاً في الصحراء.

وحتى عام 1917م كانت الشاحنات والسكك الحديدية هما وسيلتا النقل المستخدمة لنقل القوات إلى الجبهة الأمامية، وفي ذلك العام تم اختراع الدبابة، فأحدثت ثورة حقيقية في تكتيكات الجيوش المتحاربة، وتقدم الجنزير ليحل محل الإطارات المطاطية، ولانت الصحراء تحت جنازير الدبابات لتبدأ الجيوش عصر جديد هو عصر الحرب الآلية.

ويعتبر قائد المدرعات الألماني "جوديريان" مهندس الحرب الآلية الأول، وهو الذي تبنّى أسلوب الحرب الخاطفة، وقد تمكّن في الثلاثينيات من القرن الماضي من وضع أفضل تشكيل آلي عرفته الجيوش بعد الحرب العالمية الأولى، والذي سمّى بفرق "البانزر"، والتي تشكّلت من وحدات مدرعة ومشاة آلية محمّلة على ناقلات مدرعة وعناصر إسناد آلية أخرى.

وقد طبق "رومل" - ثعلب الصحراء - فكرة الحرب الخاطفة في مسرح عمليات شمال أفريقيا الصحراوي على النحو التالي:

1) تهاجم القوات الجوية الخطوط الأمامية للعدو ومناطقه الخلفية والطرق الرئيسة، والمطارات ومراكز الاتصالات، وفي الوقت نفسه تقوم وحدات مشاة آلية قوية بمهاجمة الخطوط الأمامية للعدو أو مراكز تجمّعه الرئيسة، وتحافظ على استمرار الاتصال بقواته لمنعه من معرفة اتجاه المجهود الرئيس للهجوم.

2) تقوم وحدات مدرعة بسرعة التوغُّل في عمق دفاعات العدو، بينما تقوم المشاة الآلية المصاحبة لها بالاشتباك مع عناصر العدو المدافعة ومنعها من الانسحاب أو إقامة دفاعات جديدة في العمق، كما تقوم وحدات آلية أخرى بمهاجمة أجناب العدو.

3) تقوم القوة الرئيسة باستغلال نجاح القوات المدرعة الأمامية، مركّزة هجومها في اتجاه المجهود الرئيس، ثم يتم الاتصال بباقي القوات المهاجمة وتستكمل عملية تطويق العدو وتدميره.
ورغم أهمية المشاة الآلية كعنصر رئيس في الحرب الصحراوية، فإن إسرائيل كانت في "حرب أكتوبر" منحازة لصالح المدرعات وضد المشاة، وقد نبع ذلك من اعتقادها أن الدبابات وحدها قادرة على تحقيق النصر في المعركة، وقد نما هذا الانحياز عندما ساعدت الظروف الدبابات الإسرائيلية لإثبات فعاليتها في عام 1956م وعام 1967م، وقد ذهب أحد المحللين بعيداً جداً عندما أطلق على المشاة اسم؛ "الابن غير الشرعي لقوات الدفاع الإسرائيلية".

وقد دفعت إسرائيل ثمن هذا الاعتقاد الزائف كثيراً من خسائرها البشرية في "حرب أكتوبر" عام 1973م نتيجة قيام قواتها المدرعة بهجمات مضادة غير مسندة بالمشاة، وكان هذا ضمن الموضوعات الرئيسة في أعمال لجنة "جرانات" التي شُكّلت في إسرائيل بعد الحرب لبحث أسباب التقصير في "حرب أكتوبر".
إن هذا يؤكد أهمية المشاة الآلية في المعركة الحديثة، وفي مسرح العمليات الصحراوية. وقتال المشاة الآلية في الصحراء أيضاً، هو سباق على التموين، وتنازع على السبق في تلقي الإمدادات والمعدات والمحروقات للدبابات والناقلات المدرعة والشاحنات.

إن حماية خطوط التموين وسلامة الخط الحيوي الواصل بين الجبهة والمناطق الإدارية الخلفية، كلها أمور تكاد تكون في بعض الأحيان أكثر أهمية من المعارك ذاتها.
قديماً كان مصير الأمم والامبراطوريات يتقرر في حدود بضعة كيلومترات، وفي غضون أيام أو ساعات محدودة؛ أما اليوم فالمعارك في الصحراء تنتشر على مساحات شاسعة، وتأخذ في بعض الأحيان أسابيع للوصول إلى قرار.

إن قتال المشاة الآلية في الصحراء هو قتال حركي إيجابي يعتمد على سرعة البديهة والقرارات الشجاعة والمخاطرة المحسوبة، وتتطلب من القائد أن يرضى بما في حوزته، وأن يستخدم أسلحته ومعداته بحذر ومهارة وبسالة.

والصحراء تسمح باستعمال التضليل والخديعة لمباغتة الخصم، ولكن دون إسراف، ويجب ألاّ يغيب عن البال أن هذه الوسائل ما هي إلا ارتجالات واجتهادات خاطفة لا تستعمل إلاّ في ظروف خاصة.
 
عودة
أعلى