لبس فقط غى عهد عبدالتاصر .. ولمن أيضا .. السادات ... ويتعلق بإسمه العديد من الأسرار .. سواء موت عبدالتاصر وما حدث يوم 28 سبامبر 1970 .. واليومين الذين تلا ذلك .. ولمن أيضا .. لننظر إلى برج القاهرة وما كتبه فى مذكراته البكباشى عبدالفتاح أبوالفضل نائب الرئيس الأسبق للمخابرات العامة ... هيكل كتب عنه ... سامى شرف كتب عنه الصحف كتيت عنه السادات تكلم عنه ....
من هو حسن التهامى ....؟؟؟؟؟
بعض السطور .. المنقولة .... وللموضوع بقية أخرى ....
النشأة ولد عام 1924 في مصر
ترجمة الشخصية تخرج التهامي من الكلية الحربية عام 1942، وعُيِّن في سلاح المشاة. تمكن تنظيم ضباط الجيش من تجنيده ، عام 1945، ثم تباعد، بعد ذلك، عن التنظيم .
ضُمّ حسن التهامي إلى تنظيم الضباط الأحرار، وكان ضمن الخلية التي تعمل مع الرئيس جمال عبد الناصر، التي كانت تضم، كذلك، اليوزباشي كمال الدين محمود رفعت. في عام 1943، اشترك حسن التهامي مع كمال الدين رفعت في إنشاء تنظيمات خاصة، لمهاجمة أفراد قوات الاحتلال البريطاني، في مصر، والاستيلاء على الأسلحة والذخائر من المعسكرات البريطانية، التي كانت منتشرة في ضواحي القاهرة خصوصاً منطقة شارع الهرم. وكان من أبرز الأعمال، التي قام بها كمال الدين رفعت وحسن التهامي، هو تدمير السفارة البرازيلية، في القاهرة، صيف عام 1947، وذلك، بسبب أن البرازيل كانت عضواً في مجلس الأمن في ذلك الوقت إبان نظر قضية مصر في المجلس، وكان صوتها دائماً يرجح الجانب المعادي لمصر، على الرغم من إعادة التصويت عدة مرات .
شارك في عمليات الفدائيين، في منطقة قناة السويس عقب إلغاء معاهدة 1936، في أكتوبر 1951، وذلك بمعرفة قيادة تنظيم الضباط الأحرار، وبمعرفة الرئيس جمال عبد الناصر. فكان يقوم، مع كمال الدين رفعت، بتدريب بعض الشباب من طلبة الجامعات وصغار الموظفين على حرب العصابات، وقد استمرت هذه العمليات حتى حدوث حريق القاهرة، في 26 يناير 1952 .
واشترك حسن التهامي في محاولة اغتيال اللواء حسين سري عامر . .
كان حسن التهامي من المقربين إلى جمال عبد الناصر، منذ قيام ثورة 23 يوليه 1952، على الرغم من عدم رضائه عن التغييرات السياسية والاجتماعية التي نفذها الرئيس جمال عبد الناصر. ولذلك، تم إبعاده عام 1961، بتعينه سفيراً لمصر في النمسا، ومندوباً دائماً لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. بعد نكسة 1967، طلب العودة إلى مصر، فاستجاب الرئيس جمال عبد الناصر إلى رغبته، وعيّنه أميناً عاماً برئاسة الجمهورية بدرجة وزير عام 1969. وفي عام 1970، عينه مسؤولاً مالياً وإداريا للاتحاد الاشتراكي العربي. عُيِّن أمينا عاماً للمؤتمر الإسلامي. بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، في 28 سبتمبر 1970، لعب دوراً كبيراً في تحويل السلطة إلى الرئيس أنور السادات وتصفية خصومه السياسيين، وكان عضواً في المحكمة الخاصة التي قامت بتصفيتهم. وعيّنه الرئيس السادات، بعد ذلك، في نهاية 1970، وزير دولة لشئون رئاسة الجمهورية.
وفي عام 1977، منح درجة "نائب لرئيس الوزراء برئاسة الجمهورية.
عيّنه الرئيس السادات، خلال حرب أكتوبر، مسئولا عن الدفاع عن مدينة السويس، عندما حاولت القوات الإسرائيلية اقتحامها، بعد صدور قرار وقف إطلاق النار، في 22 أكتوبر 1973.
وفي الذكرى الرابعة لحرب أكتوبر1973، أي في أكتوبر 1977، منحه الرئيس أنور السادات رتبة الفريق الشرفية بالقوات المسلحة، تقديراً لدوره في الدفاع عن مدينة السويس.
قام حسن التهامي بدور رئيسي وفعال في الاتصالات السرية التمهيدية مع الكيان الصهيوني، لإبرام معاهدة السلام. ورافق حسن التهامي الرئيس السادات في رحلته إلى القدس عام 1977.وشارك حسن التهامي في كافة المفاوضات التي أدت إلى توقيع معاهدة الصلح المصرية ـ الصهيونية
ظل حسن التهامي أقرب المقربين للرئيس السادات إلا أنه أدلى في عام 1979 بتصريحات صحفية معادية لليهود وللإسرائيليين نشرت في الكويت وأثارت استياء السادات والحكومة الإسرائيلية، مما أدى إلى عودته مرة أخرى إلى دائرة الظل
هذا الرجل شخصيةٌ محيرٌة ولغزٌ غامضٌ في تاريخ مصر الحديث
فهو رجل يحمل سمات وتصرفات الدراويش، لكنه وصل إلى منصب نائب رئيس الوزراء وأصبح المستشار السياسي للرئيس جمال عبد الناصر والمبعوث الشخصي للرئيس أنور السادات إلى أن أحاله الرئيس حسني مبارك إلى المعاش ليبتعد عن الحياة العامة..وهو يؤكد أنه قيدّ بالحبال كلاً من عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر قائد القوات المسلحة ليمنعهما من تعيين خالد محيي الدين رئيساً للحكومة..ويعود ليقول إن عبد الناصر استدعاه قبل وفاته بأيامٍ قلائل وقال له: "خليك جنبي..لأنهم عايزين يموتوني"
وهو يقسم على أنه تمكن من وضع السادات على قمة السلطة في مصر بمسدسه الشخصي..ويصرخ قائلاً إنه مؤسس المخابرات العامة المصرية..ويضيف بعصبية قائلاً: "لا تقل لي محمد حسنين هيكل أو غيره.. أنا حسن التهامي..فمن هؤلاء إلى جانبي؟"
وحسن التهاميالحاصل على رتبة "الفريق" الشرفية والذي أطلق عليه البعض وصف "خميني مصر" شخصية لا يمكن توقع خطوتها المقبلة.. إذ يُروى عنه أنه في أثناء الاجتماعات السياسية كان يقول "السلام عليكم ورحمة الله".. فينظر الحضور بحثاً عمن يلقي أو يرد عليه التهامي السلام فلا يرون أحداً..ويسألونه فيقول: "إن سيدنا الخضر قد دخل القاعة وألقى السلام"
وذقن حسن التهامي لها قصة طريفة تستحق أن تُروى.. وعلى لسانه هو فإنه أطلق ذقنه لأول مرة في مرحلة مطاردة عبد الناصر للإخوان المسلمين مما أصاب الناس بالذعر وصاروا يحلقون ذقونهم خوفاً من الاعتقال. ولما أطلقها قال له عبد الناصر في صالون بيته:" إن ذقنك هذه تزعج الحكم وسببت لي مشكلات وأرجوك تفكر في الموضوع.."..فقال له التهامي: "إنني ربيت ذقني لشعورٍ ذاتي وعندما ينتفي هذا الشعور سأتصرف بنفسي ولست محتاجاً إلى توجيه من أحد"
غير أن نائب رئيس المخابرات العامة سابقاً عبد الفتاح أبو الفضل يروي في مذكراته التي تحمل عنوان "كنت نائباً لرئيس المخابرات" (ص 174) أن التهامي تظاهر في فترة من الفترات بالتدين الشديد وأطلق لحيته وبدأ في الهلوسة وخلط الواقع بالغيبيات سواء أكان عن عمدٍ أم تمادياً في تغطية شيءٍ لا يعلمه إلا الله والعالمون ببواطن الأمور..فطلب منه عبد الناصر أن يحلق ذقنه.. ولما رفض استدعى عبد الناصر الحلاق وأرغمه على إزالتها
هذا الرجل غريب الأطوار بدأ في ارتداء ربطة عنق سوداء اللون منذ نكسة الخامس من يونيو حزيران عام ألف وتسعمئة وسبعة وستين.. قائلاً إنه سيظل يرتديها حتى تعود القدس إلى العرب والمسلمين.. لكنه يعد مع ذلك أشهر من فاوض وزير الخارجية الإسرائيلي سابقاً موشي ديان سراً..وأبرز من امتدحهم رئيس الوزراء الإسرائيلي سابقاً مناحم بيغن في أثناء حفل توقيع اتفاقيات كامب ديفيد
وُلِدَ عبد الرحمن حسن التهامي – وهذا هو اسمه بالكامل- في قويسنا يوم السادس والعشرين من أبريل نيسان عام ألف وتسعمئة وأربعة وعشرين..وتخرج في الكلية الحربية عام ألف وتسعمئة واثنين وأربعين ليصبح ضابطاً للمشاة. شارك في حرب فلسطين عام ألف وتسعمئة وثمانية وأربعين وكان أحد أفراد الخلية الأولى للضباط الأحرار التي شكلها عبد الناصر والتي كانت تضم أيضاً اليوزباشي كمال الدين محمود رفعت. وبعد ثورة يوليو تموز عام ألفٍ وتسعمئة واثنين وخمسين عُينَ مديراً لمكتب الرئيس للمعلومات ثم تولى إدارة البحوث الفنية
وفي عهد عبد الناصر وصل إلى منصب مستشار سياسي للرئيس في الثالث من يوليو تموز عام ألف وتسعمئة وتسعة وستين ثم أمين عام رئاسة الجمهورية بدرجة وزير بعد اثني عشر يوماً فقط. وبعد حوالي شهر (التاسع والعشرون من أغسطس آب) أصبح مسؤولاً مالياً وإدارياً للاتحاد الاشتراكي. وقبل ذلك تم تعيينه في عام ألف وتسعمئة وواحدٍ وستين سفيراً لمصر لدى النمسا ومندوباً دائماً لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية
وعندما تولى السادات منصبه كرئيسٍ خلفاً لعبد الناصر عمل التهامي مستشاراً للشؤون الدينية بدرجة نائب رئيس وزراء.. وفي عيد ميلاده السادس والأربعين عُينَ وزيراً للدولة ومبعوثاً شخصياً للسادات. وفي مارس آذار عام ألف وتسعمئة وثلاثة وسبعين انتُخِبَ أميناً عاماً لمنظمة المؤتمر الإسلامي وانتهت مدته في الحادي والعشرين من ديسمبر كانون أول عام ألف وتسعمئة وخمسة وسبعين
وقبل ذلك كان التهامي عضو محكمة الثورة التي صدر قرار جمهوري بتشكيلها في الحادي والعشرين من يوليو تموز عام ألف وتسعمئة وواحد وسبعين. وفي الرابع من أكتوبر تشرين أول عام ألف وتسعمئة وسبعة وسبعين صدر قرار جمهوري بمنح حسن التهامي رتبة "الفريق" الشرفية اعتباراً من السادس من أكتوبر تشرين أول من العام نفسه تقديراً لدوره في الدفاع عن مدينة السويس.. وكان السادات قد عيّنه مسؤولاً عن الدفاع عن المدينة عندما حاولت القوات الإسرائيلية اقتحامها بعد صدور قرار وقف إطلاق النار في الثاني والعشرين من أكتوبر تشرين أول عام ألف وتسعمئة وثلاثة وسبعين
شارك حسن التهامي في ثلاثة أحداث تاريخية مهمة وفاصلة في تاريخ مصر الحديث: ثورة يوليو وكامب ديفيد ونشأة المخابرات المصرية..ومع ذلك فهو يؤكد في أحد أحاديثه الصحفية أن ثورة يوليو قامت بتدبير "أمريكاني" لتوصيل مصر إلى السلام مع إسرائيل..وحينما أبرم السادات اتفاقيات الصلح و"السلام" مع إسرائيل – بمشاركته وتدبيره هو- قال التهامي إن السادات هو الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه الآن من تمزق وضياع وانقسام.. وهو يقول إن عسكرياً برتبة "صول" في القوات المسلحة هو أول من أطلق اسم الضباط الأحرار على القائمين على ثورة يوليو
ومن أقواله أيضاً أن عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وكمال رفعت جاؤوا قبل الثورة بأيام لاستشارته في مباديء الثورة فقال لعبد الناصر: "ما هذا الكلام الفاضي؟ هل كنا نضحي كل هذه التضحيات من أجل هذا الكلام الفارغ..القضاء على الاستعمار وجيش وطني؟ هذا كلام فارغ"
وعندما أخذت الأوضاع السياسية في مصر في مصر شكل الأزمة في أواخر فبراير شباط من عام ألف وتسعمئة وأربعة وخمسين وبدا أن الخروج من الأزمة يمكن أن يتم بإعادة محمد نجيب إلى السلطة وتعيين خالد محيي الدين رئيساً للحكومة. كان التهامي هناك بمسرحياته الهزلية إذ يقول إنه اصطحب مجموعة من الضباط ودفع باب المشير عبد الحكيم عامر ودخل الضباط أمامه وأقفل بدوره الباب خلفه واستند إليه بظهره كي لا يفتحه أحد. وكان الإجراء المتفق عليه حسب رواية التهامي هو منع عبد الناصر ومن معه من التصرف
وكان عامر - كما تقول الرواية المزعومة- جالساً في تلك اللحظة في مكتبه يجمع أوراقه.. في حين كان عبد الناصر واقفاً أمامه في منتصف الحجرة ويقف خلفهم مستنداً إلى مائدة الاجتماع عبد اللطيف بغدادي. ولم يكن باقياً من أعضاء مجلس قيادة الثورة إلا صلاح سالم الذي كان نائماً على سرير الطواريء في الغرفة الداخلية لمكتب عبد الحكيم عامر
والصورة التي رسمها لنا التهامي كالتالي: طلب التهامي من الضباط "تكتيف" عبد الحكيم عامر على كرسيه فقاموا بذلك من دون مقاومة من عامر.. وكان عبد الناصر يراقب ذلك التصرف بدهشة ولكن من دون أن ينطق. واستدار بعض الضباط وشرعوا في تقييد عبد الناصر وهو واقف في مكانه أمام عبد الحكيم عامر.. وأمسك الضباط بذراعيه ووضعوها خلفه
جال عبد الناصر ببصره في وجوه جميع الضباط ليختار من سيتحدث إليه منهم ولم يكن يعرف معظمهم..ثم وقع نظره على التهامي وهو في ذلك الموقف.. فترك الضباط جميعاً وقال له بالحرف الواحد: "يا حسن قول لهم يفكوني..أنت عاوز إيه". فقال له الأخيروهو في مكانه: "نحن لا نقبل القرار ونمنعكم من التصرف ونحمي مصر من أخطائكم..ولا نفك قيودكم حتى نعيد الأمر إلى نصابه.. وإن شئنا سلمناكم القياد مرة أخرى.."
وحين سأل عبد الناصر عن هذه الطلبات.. يقول التهامي إنه طلب عدم تصفية مجلس الثورة وعدم استلام خالد محيي الدين الحكم..وطلبات أخرى من بينها استمرار المشير عامر في قيادة الجيش. وتمضي الرواية الهزلية وتصل إلى أن يقول عبد الناصر: "إذن فكوني" فتركوه.. ثم طلب فك قيد المشير عامر وقال له قبل أن نفك ذراعيه: "يا عبد الحكيم سمعت ما قاله حسن..القرار ملغى وعليك أن تباشر سلطاتك كقائد عام للقوات..وارفع سماعة التليفون وابدأ بالاتصال بالوحدات كما قال حسن".. ويخرج التهامي من غرفة المشير بعد ذلك ليبشر الضباط بانتهاء الأزمة!
ويقول التهامي إن هذه لم تكن أول ولا آخر عملية تقييد أو "تكتيف" يقوم بها.. ويشير إلى أنه لوّحَ لعبد الناصر بأنه سيكرر ذلك معه لمنع انسحاب القوات المصرية من سيناء في لقاء جرى بينهما عام ألف وتسعمئة وثمانية وستين..زاعماً أن عبد الناصر قال له: "كويس اللي ما كنتش موجود وقتها في مصر"!.. بل إنه يزيد على ذلك بقوله إن عبد الناصر اعترف له خلال اللقاء نفسه بأن عامر أخذ السم عنده في البيت!
ومن طرائف التهامي التي نشرتها صحيفة "الأنباء" الكويتية عام ألف وتسعمئة وتسعة وثمانين أن عبد الناصر اتفق مع إسرائيل على "مسرحية" حرب عام ألف وتسعمئة وسبعة وستين وأنه اتفق قبل ذلك وبعده مع الأمريكيين. ومثلما اتهم عبد الناصر وثورة يوليو ذات مرة بالعمالة لأمريكا فإنه يعود ليناقض نفسه ويتهم الشخص نفسه بأنه شيوعي..ففي أحاديثه لا يتورع حسن التهامي عن القول بأن عبد الناصر كان عضواً في الحزب الشيوعي "حدتو".. وهو يعلن أنه مؤسس المخابرات المصرية (لا صلاح نصر ولا زكريا محيي الدين ولا غيرهما طبعاً)..ثم يعترف بأنه كان يتنصت على المكالمات الهاتفية للوزراء وكبار المسؤولين في مصر بتكليف من عبد الناصر.. ثم أخذ يتجسس على مكالمات عبد الناصر الهاتفية أيضاً
ويقول عبد الفتاح أبو الفضل في كتابه (ص173) إنه بعد الثورة مباشرة كان التهامي من الذين جرى تعيينهم في المخابرات وإنه "لم يكن له مكتب خاص بمبنى المخابرات. ولا نعلم عن عملٍ محددٍ يقوم به، إلا مساهمته في إحضار بعض خبراء المخابرات الأمريكيين لعقد حلقات دراسية لأربعة من ضباط المخابرات المصريين للاستفادة بخبراتهم فقط"
أما مفاجأة التهامي الكبرى فكانت حكايته مع برج القاهرة
نقرأ في كتاب عبد الفتاح أبو الفضل إنه "وفي فترة متقدمة – بعد البدء في إنشاء برج القاهرة بحيث أخذ يرتفع عن الأرض، علمنا أن حسن التهامي احتل الدور الأول، وأحاط جزءاً من هذا المبنى بأسوار عالية. وجعل له بوابات ضخمة وكان مقره في مجموعه يشبه قلاع الأمراء في العصور الوسطى. وحتى بعد احتلاله لهذه القلعة كنا نسميها قلعة الأسرار حيث عجزنا كضباط مخابرات وزملاء أن نعرف أي شيء عن العمل الذي يجريه داخل هذا الحصن"
وبعد أن استلم علي صبري العمل في المخابرات العامة محل زكريا محيي الدين بعد العدوان الثلاثي على مصر، صدر قرار بنقل التهامي من المخابرات.. لكنه رفض أن يغادر قلعته الغامضة أسفل البرج واعتصم بها هو وأعوانه. وأرسل له علي صبري رئيس المخابرات مجموعة مسلحة من ضباط المخابرات أرغمته على مغادرة القلعة. وكانت حجة التهامي عندما طالبوه بمغادرة "قلعته" أنه هو صاحب الفضل في الحصول على تكاليف إنشاء البرج من الأمريكان
والحكاية تبدأ من تعيينه رئيساً لقسم مكافحة الشيوعية في جهاز المخابرات في عام ألف وتسعمئة وأربعة وخمسين أيام كان زكريا محيي الدين مسؤولاً عن الأمن في مصر. وكان التهامي يمارس عمله بشكل مستقل عن سيطرة المخابرات.. ونجد في مذكرات عبد الفتاح أبو الفضل ما يؤيد ذلك إذ يقول: "وعلمت أيضاً أن حسن التهامي كان منذ بداية الثورة يعمل وهو موظف بالمخابرات في عملٍ خاص مكلف به من عبد الناصر. هذا العمل لم نعرف به إلا مؤخراً بعد إرغام حسن التهامي على مغادرة هذا المكان، وكان مسؤولاً أمام الرئيس عبد الناصر عن مراقبة تليفونات أعضاء مجلس الثورة والوزراء والشخصيات ذات الصفة العامة وأنه يسجل هذه الأحاديث لعرضها على عبد الناصر فقط"
وكانت النتيجة أن التهامي سجل أحاديث عبد الناصر نفسه
ففي أحد الأيام اتصل عبد الناصر بصلاح نصر مدير المخابرات وطلب منه أن يأتي على عجل. ولما قابله وجد صلاح نصر أن عبد الناصر في حالة غضبٍ شديد وطلب منه أن يطرد التهامي من عمله في المخابرات فورا وأن يحل هذا القِسم.. فسأله صلاح نصر عن السبب فقال عبد الناصر إن حسن التهامي يتجسس عليه ويسجل له مكالماته..فقال له صلاح نصر إنه لم يتسلم مهام منصبه كمدير للمخابرات إلا منذ بضعة أشهر فقط وليست لديه معلومات عن هذا الموضوع فكيف عرف هو أن التهامي يسجل له مكالماته؟.. رد عبد الناصربالقول إن التهامي سلم عبد اللطيف بغدادي أشرطة تسجيل عليها مكالمات عبد الناصر فبادر البغدادي بتسليمها له
وبالفعل جرى طرد التهامي وأُلحِقَ قسم مكافحة الشيوعية بالمخابرات وأصبح خاضعاً تماماً لسلطة صلاح نصر.. وتفاصيل هذه الحكاية وردت في كتاب "كنت نائباً لرئيس المخابرات" وكذلك كتاب "صلاح نصر الأسطورة والمأساة" لحسنين كروم.. الذي لم يكشف عن اسم حسن التهامي صراحةً وقتها ثم نشر الاسم بوضوح بعد استئذان صلاح نصر الذي رحب بذلك
كان من المفروض أن يُعاقب حسن التهامي على الأقل بإبعاده عن المراكز السياسية والأمنية الحساسة بعد افتضاح تجسسه على مكالمات رئيس الدولة.. وكان من المتصور أن يبادر أحدٌ فيسأل: لمصلحة وحساب من كان التهامي يتنصت على مكالمات عبد الناصر؟!.. لكن المفاجأة المثيرة للدهشة أن نجم التهامي لم يأفل بعد تلك الواقعة وإنما استمر في الصعود.. فقد نُقِلَ للعمل في رئاسة الجمهورية وفي أعمال لا يعلم عنها كثيرون شيئاً
ولله في أمثال حسن التهامي شؤون..ولنا فيهم شجون
هلوسات حسن التهامي لا تنتهي
في كتابه "محاوراتي مع السادات" يلقي الكاتب الصحفي أحمد بهاء الدينمزيداً من الضوء على شخصية التهامي ويقدم عبر الصفحات من 147 إلى 174 ملامح هذا الرجل الغامض فيقول: "السيد حسن التهامي شخصية غريبة الأطوار، كان من زملاء عبد الناصر في حركة الضباط الأحرار، وكان مشهوداً له باستقامته الشديدة وأمانته المطلقة وحدّة شخصيته وتدينه، وقد انقلب هذا التدين إلى "دروشة" شديدة وأنه أصبح يعتقد أنه رجل مكشوف عنه الحجاب، فكان يحدث أن يكون جالساً بين أصدقائه ثم ينهض فجأة ويقول بصوت مرتفع "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته". أما السبب فسريعاً ما يفسره هو بقوله إن سيدنا الخضر قد مر أمام الجالسين وألقى السلام، ولكن لا يراه ولا يرد عليه السلام إلا من كشف عنه الحجاب فقط"
"وكان عبد الناصر قد عيّنه كأول مندوب لمصر في اللجنة الدولية للطاقة الذرية بفيينا (النمسا) كنوعٍ من الإبعاد له في منفى مريح، ولم يكن مطلوباً من المندوب المصري في تلك الفترة أية مسؤولية مهمة فضلاً عن وجود مجموعة من الفنيين المسؤولين إلى جانبه الذين يمكنهم تسيير العمل. وقد اشتهر عنه خلال خدمته في فيينا أنه كان يقوم في وقت صلاة الفجر وفي أوقاتٍ أخرى من النهار والليل ويفتح النوافذ ويرفع الأذان بصوتٍ جهوري، مما كان يلفت نظر أفراد الأمن النمساويين في الشارع وكذلك السكان المجاورين"
وكان غريباً أن عبد الناصر، بعد هذا الإبعاد الطويل والقطيعة الكاملة، قد أعاد حسن التهامي من منفاه ليعينه في منصب مشرف عام أو مدير عام القصر الجمهوري بعد نكسة ألف وتسعمئة وسبعة وستين. وقيل وقتها إنه استقدمه ليستخدمه في حركة تطهير عنيفة وقاسية في الأجهزة
بعد وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر.. أبلغ كمال رفعت – أحد الضباط الأحرار- عبد الفتاح أبو الفضل قصة يرويها الأخير في كتابه "كنت نائباً لرئيس المخابرات" (ص 174).. إذ قال كمال رفعت إنه في أثناء عمل التهامي في الرئاسة – بعد طرده من قلعة برج القاهرة- فاجأه عبد الناصر بالوثائق التي تسلمها من الاتحاد السوفيتي آنذاك التي تؤكد أن أحد أعضاء السفارة المصرية في موسكو - وكان يعمل لحساب التهامي- جمع معلومات عن الجيش السوفيتي وتدريباته من الضباط المصريين الذين يتدربون هناك. وعلمت بالأمر المخابرات السوفيتية بواسطة عملائها في الولايات المتحدة. ويقول أبو الفضل إن عبد الناصر أبلغ كمال رفعت بهذه الواقعة.. وإنه علم بعد فترة بالمضمون نفسه للواقعة من صلاح دسوقي نائب وزير الداخلية الذي أصبح محافظاً للقاهرة كما تولى رئاسة النادي الأهلي بين عامي ألف وتسعمئة وواحد وستين وألف وتسعمئة وخمسة وستين
الغريب في الأمر أنه بالرغم من كل هذه الأعمال المريبة من التهامي فقد عُينَ في فترة لاحقة سفيراً بوزارة الخارجية وصدر قرار جمهوري يسمح له بالزواج من أجنبية
بل إن عبد الفتاح أبو الفضل يروي في مذكراته (ص 175) كيف كان في زيارة لمنزل التهامي للحصول منه على بعض دراسات وقرارات المؤتمر الإسلامي حيث كان يشغل مركز سكرتير عام المؤتمر الإسلامي. وفي هذه المقابلة أخذ التهامي يقص على الرجل حقيقة قصة صفقة الأسلحة التشيكية. ومن ضمن حديثه أن عبد الناصر قبل توقيع الصفقة المذكورة أرسل التهامي في مأمورية خاصة إلى الولايات المتحدة ليستطلع رد فعل رجال المخابرات الأمريكية حول تأثير هذه الصفقة على السياسة الأمريكية في حال إتمامها. ولما عاد التهامي من الزيارة طمأن الرئيس عبد الناصر بأنه بحث الأمر مع المسؤولين الأمريكيين واتضح له أن توقيع وإعلان هذه الصفقة لن يثير انزعاج واشنطن.. وطلب من عبد الناصر أن يوقع الاتفاقية وألا يخشى شيئاً. وتردد عبد الناصر..فما كان من التهامي إلا أن صرخ في وجهه قائلاً:"امضِ يا جبان"
يقول أبو الفضل: "وكان ردي على حسن التهامي "أنه يجوز لك أن تقص مثل هذه القصص على أي إنسان آخر..حيث إني أعلم جيداً أنه لا يجرؤ أي إنسان مهما كان قريباً من الرئيس عبد الناصر أن يحدثه ويأمره بهذه اللهجة المهينة" غير أن التهامي يقول إنه فعلها
يقول التهامي إنه عندما مات جمال عبد الناصر أطلت المؤامرة فأخرج مسدسه ليساند الشرعية ويفرض أنور السادات رئيساً لمصر.. ثم يعود ليروي حكاية المسدسات معه عندما يزعم أنه حاول الاستيلاء على مسدس الحارس الأمريكي في كامب ديفيد ليجبر السادات والرئيس الأمريكي جيمي كارتربالقوة على التراجع. هكذا هو التهامي القادر على إيقاف عبد الناصر والسادات وكارتر وغيرهم بقوة السلاح عند الحدود التي يراها.. ولم لا وهو الذي يؤكد لنا أنه قادر على ضرب الزهرة من عودها وكذلك نصف القرش أو المليم – الذي اختفى بفعل التضخم والغلاء- أو غطاء زجاجة المياه الغازية من على مسافة ثلاثين متراً
طبعاً نحن نشعر بالأسف الشديد لاعتزال التهامي.. وإلا لكنا قد سارعنا إلى ترشيحه لنيل ميدالية ذهبية في الرماية في دورة الألعاب الأوليمبية
مسدس التهامي كاد يصل أيضاً إلى الرئيس محمد نجيب.. إذ ذهب إليه خلال أزمة فبراير شباط ومارس آذار من عام ألف وتسعمئة وأربعة وخمسين في قصر عابدين والتقى به داخل مكتبه بدعوى مفاوضته حول أسلوب العمل والتوافق مع مجلس الثورة. وزيادةً في الاطمئنان – كما يقول التهامي- أخرج له الطبنجة ووضعها على المكتب بينه وبين محمد نجيب.. ولما حرّك الأخير يده للإمساك بالطبنجة كان التهامي أسرع منه.. وقال له: "لا داعي لذلك" قبل أن يعيدها إلى السترة
وبطريقة الكاوبوي الذي لا يفارقه مسدسه الذي يحزم به قراراته ويلجأ إليه عند اللزوم.. يروي التهامي في مذكراته التي نشرتها جريدة "الأهرام" في الخامس من أغسطس آب عام ألف وتسعمئة وسبعة وسبعين كيف أن أعصاب عبد الناصر كانت تتوتر كلما كان يراه بعد حادث المنشية (بالرغم من أن التهامي قال ذات مرةٍ بأن الحادث كان مسرحية مدبرة) وأن عبد الناصر كان كثيراً ما يتجنب مقابلاته معه ويكتفي بالاتصال الهاتفي.. ولهذا السبب يؤكد التهامي أنه كان يقف بعيداً عن سيارة عبد الناصر عدة خطوات عند نزوله من سيارته ليحيط به رجال الأمن حرصاً على عدم إزعاجه..مكتفياً بإلقاء السلام عليه
ويزعم أن عبد الناصر بعث إليه ذات مرة بحسين الشافعي وهو موجود في قصر القبة يسأله قائلاً: "أنت معاك طبنجة صحيح يا حسن؟..الرئيس جمال بيسأل" فقال له التهامي:"ليه؟"..فسأله الشافعي مجدداً:" والله صحيح أنت شايل طبنجة في جيب السترة؟" فرد عليه التهامي قائلاً: "أنا في جيبي مصحف"..فوضع الشافعي يده على جيب السترة من الخارج ليتحسس ما بداخله فأخرج له المصحف..فقال له: "أصل الرئيس لاحظ أن سترتك منفوخة شوية عند الجيب" فرد عليه التهامي قائلاً: "هل أدخل عليه لأطمئنه؟" فرد الشافعي بالقول: "لا.. لا.. هو كلفني أن أسألك بنفسي نيابةً عنه.. ما هو عارفك يا حسن"..فقال له التهامي بثقةٍ: "وأنا كمان عارفه"
الأغرب من ذلك أن السادات روى له ذات مرةٍ بعد توليه الرئاسة وبعد انتهاء أحداث مايو أيار عام ألف وتسعمئة وواحد وسبعين وتخطيها أن "رجال الأمن أيام عبد الناصر كانوا يقولون إن جمال كان مقتنعاً بأن حسن التهامي إذا انفرد برئيس جمهورية مصر في أي مكان ثلاث دقائق فلا يمكن أن يطمئن رئيس مصر لمصيره أو مستقبله أو يتكهن بما يمكن أن يحدث في تلك الدقائق"..فغضب التهامي لما أخبره به السادات ولاحظ الأخير ذلك فسأله قائلاً: "لم غضبت؟" فقال له: "هذه إهانة" فسأل السادات قائلاً: "ليه؟" فقال التهامي بثقة كبيرة: "إن الدقائق الثلاث فيها تقليل من قدرتي على التصرف فيكفيني دقيقة واحدة أو أقل"..فضحك السادات من قلبه على هذا التعليق الذي يثير استغراب كل من يُحاط به علماً
وعندما كان السادات يرأس المؤتمر الإسلامي دخل عليه التهامي شاهراً مسدسه - الذي يتباهى دائماً بحمله- ليراجعه في أحد القرارات وهدد به السادات فما كان من الأخير إلا أن نظر إليه في هدوء واستهزاء وقال له: "اجرِ يا ولد والعب اللعبة دي مع أحد غيري لأنه فاتك أنني أتقن هذه اللعبة أكثر منك"
وخلال شهر يوليو تموز من عام ألف وتسعمئة وسبعة وسبعين روى حسن التهامي لجريدة "الأهرام" ما جرى يوم وفاة عبد الناصر في الثامن والعشرين من سبتمبر أيلول من عام ألف وتسعمئة وسبعين.. فيقول إنه وسط أجواء الحزن في منزل عبد الناصر على رحيله انتحى بالسادات جانباً في صالة المدخل وقال له: "يا سيادة النائب، أنت شايف (الفريق محمد) فوزي وعلي صبري وانفرادهما ببعضهما..وشايف سامي (شرف) وشعراوي (جمعة) وأمين (هويدي) وما يدور بينهم خارج المنزل..فالجو يوحي بتدبيرٍ ما.. اشعر به..وأنت سيادتك نائب رئيس الجمهورية، فأرجوك أن تشغل مكان عبد الناصر لتحمي البلد من أي هزة أو تآمر من هؤلاء..وهذا وضعك الطبيعي"
فقال له السادات: "يا فلان..ده مش وقته..وخلينا نروح المجلس (يقصد مجلس الوزراء حيث كان مقرراً عقد اجتماع عاجل مشترك في قصر القبة للمجلس مع الهيئة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي)"
فقال له التهامي: "إن التآمر لن يسمح بتضييع وقت..إن هذه هي الليلة الحاسمة في تاريخنا..ولن أقبل أن يقوم هؤلاء بأي تآمر ولو كلفني ذلك شخصي..وأنا شخصياً كفيل بالتصدي لهم تحت أي ظرف..وأرجوك أن تقتنع بكلامي هذا"
هكذا يتحدث التهامي عن مصطلح التآمر لمجرد أنه رأى عدداً من الوزراء والمسؤولين يتحدثون ويتشاورون عما سيحدث بعد وفاة رئيس الدولة..والأهم أن التهامي وبحكم موقعه آنذاك كرئيس لجهاز موظفي رئاسة الجمهورية لم يكن يملك أية قوة فعلية يمكن تحريكها بما يجعل تهديده "بأنه لن يسكت وسوف يتصدى للمتآمرين حتى ولو كلفه ذلك حياته" مجرد كلام أجوف –إن كان قد حدث فعلاً- ويستهدف فقط تأكيد ولاءٍ مزعوم للسادات ومحاولة استعدائه على رجال عبد الناصر في السلطة
في مذكراته التي تحمل عنوان "سنوات وأيام مع جمال عبد الناصر" يقدم سامي شرفوزير الدولة وسكرتير عبد الناصر للمعلومات شهادته حول وقائع عهد مضى.. ويقول إن تفسير هذا الموقف "يكمن بالقطع في شخصية حسن التهامي والتي من المؤكد أنها لقيت هوى في نفس أنور السادات منذ بداية الخمسينيات، فعمل على توظيفه في كل معاركه السرية والعلنية، فقد كنت بحكم موقعي مطلعاً وعن قرب على كل تصرفات حسن التهامي وسلوكياته داخل أو خارج مصر قبل الثورة وبعدها، كما قمت بتكليفٍ من الرئيس جمال عبد الناصر بالتحقيق معه أثناء عمله سفيراً في النمسا عندما ورد اسمه على لسان أحد الضباط المتهمين في قضية محاولة قلب نظام الحكم التي عرفت بقضية عبد القادر عيد" (ص 725)
وبعد رحيل عبد الناصر ورث أنور السادات أجهزة الرئاسة وفي داخلها حسن التهامي فقرّبه إليه بشكل ملحوظ
وقد وصلت العلاقة الودية بين السادات والتهامي إلى درجة كبيرة.. وكان الأخير من أقرب المقربين إلى الرئيس المصري بالرغم مما اشتهر عنه من عدم الاتزان وتفسير الأحلام والغرق في الغيبيات..حتى إن الرئيس المصري اختاره كمندوبٍ له للتقارب مع حكام إسرائيل وقابل موشي ديانفي قصر العاهل المغربي الملك الحسن الثانيللتمهيد لزيارة السادات للقدس وإعلان مبادرته المعروفة
ويقول أحمد بهاء الدين في كتابه "محاوراتي مع السادات": "وفي إحدى المرات ضحك السادات
طويلاً عندما سمع التهامي يروي له أنه رأى مناماً وقال له: "رأيتك في المنام تصلي في المسجد الأقصى بالقدس ونحن جميعاً حولك وأنا بالذات بجوارك، والمسجد كله مليء بالمشايخ الذين يلبسون العمائم"..ويضيف بهاء الدين قائلاً: "ولكن على أية حال كانت تلك أول قطرة ماء غير محسوبة وغير جادة في موج الأحداث الغامضة حتى الآن التي أدت إلى رحلة السادات للقدس"
"ولعل كثيرين من أصدقاء الرئيس السادات لاحظوا بعد ذلك – من دون معرفة السبب- أن السادات بدأ يلازم حسن التهامي ويقربه أكثر من المعتاد، وأنه بدأ يقول للناس بشكلٍ جدي: "إنه فيه شيء لله، ومكشوف عنه الحجاب". ولم يكن معروفاً أن الاتصالات المصرية الإسرائيلية المباشرة قد بدأت في المملكة المغربية سراً، وأن إسرائيل كانت ترسل موشي ديان وزير دفاعها وقائدها العسكري الشهير ممثلاً لها في هذه المباحثات السرية البالغة الدقة والخطورة..وأن السادات أرسل للتحاور مع ديان حسن التهامي! ومن يدري فربما كان هذا الاختيار الغريب مقصوداً"
تلك كانت شهادة أحمد بهاء الدين –وهو كاتبٌ صحفي محترم وصاحب رأي ورؤية- عن حسن التهامي
والعلاقات بين التهامي والسادات قديمة، وتعود إلى ما قبل ثورة يوليو، فكلاهما تعاون مع الحرس الحديدي -الجهاز الأمني وجهاز الاغتيالات للملك فاروق- ثم تجددت العلاقة أو أنها كانت مستمرةً ولكنها كامنة بعد الثورة، عندما عملا معاًُ في المؤتمر الإسلامي الذي كان يتخذ مقراً له في منيل الروضة بالقاهرة، وكان ممثل السعودية المفوض بالاتصال بالسادات هو كمال أدهمشقيق زوجة الملك فيصل عاهل السعودية
ومنذ هذا التاريخ نشأت علاقة وثيقة بين السادات وكمال أدهم الذي اتضح فيما بعد أنه كان يعمل كمركز متقدم للمخابرات المركزية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. وقد كشف بوب وودواردالصحفي الأمريكي الشهير ذو الصلات الوثيقة بالمخابرات المركزية الأمريكية أبعاد العلاقة التي ربطت بين السادات وكمال أدهم والمخابرات الأمريكية في مقال نُشِرَ في صحيفة "الواشنطن بوست" بتاريخ الخامس والعشرين من فبراير شباط عام ألف وتسعمئة وستة وسبعين
وفي هذا الصدد يقول محمد عبد السلام الزيات نائب رئيس الوزراء في عهد السادات في كتابه "السادات بين القناع والحقيقة" (ص 168 وما بعدها) إنه بعد أقل من شهر من تولي السادات رئاسة مصر ظهر على المسرح في مصر كمال أدهم الذي أخذ يتردد على القاهرة بتحفظٍ في بداية الأمر ثم أخذ تردده صفة الانتظام.. ثم يضيف قائلاً: "إن هذه العلاقة الثلاثية بين السادات وكمال أدهم وحسن التهامي تتكامل مع ما جاء على لسان عبد الفتاح أبو الفضل عن علاقات حسن التهامي بالمخابرات المركزية، وهي بالقطع موثقة في سجلات المخابرات العامة المصرية، وربما هي نفسها التي قادت إلى مبادرة التهامي خلال عمله بالمخابرات وبدون تعليمات من رئاساته بمراقبة تليفونات المشير عبد الحكيم عامر أي مراقبة جمال عبد الناصر، وهو الأمر الذي كشفه أحد الضباط العاملين مع التهامي وأبلغ به المشير عامر مما أدى إلى صدور قرار بإبعاده عن العمل في المخابرات العامة ونقله إلى وزارة الخارجية"
ألغاز كثيرة يثيرها اسم حسن التهامي وتستدعيها الأدوار التي لعبها
لكن البعض يفسر ظاهرة التهامي استنادا إلى ما اصطلح على تسميته "وثائق السفارة الأمريكية في طهران" بعد أن اقتحمها واحتلها الطلبة الإيرانيون واحتجزوا عدداً من العاملين فيها مع اشتعال الثورة الإيرانية في عام ألف وتسعمئة وتسعة وسبعين. إذ تقول طهران إن تلك "الوثائق" تتناول صلة حسن التهامي القوية بالمخابرات الأمريكية وكيف أنه كان هناك تنظيم سري يجمع بين مخابرات إيران والسعودية ومصر والمغرب يطلق عليه نادي السفاري Safari Club وكانت سكرتاريته الدائمة في القاهرة.. وقد تكلف إنشاؤه وتجهيزه مبالغ طائلة بهدف مقاومة الشيوعية في المنطقة وكان من ضمن المهام التي كُلف بها هذا النادي الإعداد لاجتماع بين مصر وإسرائيل في قصر ملك المغرب
أما أسرار التهامي مع موشي ديان في المغرب و"بركاته" في أثناء مفاوضات كامب ديفيد.. فهي حكاية أخرى
عندما التقى حسن التهامي سراً في المغرب - تحت رعاية العاهل المغربي الملك الحسن الثاني- مع وزير الخارجية الإسرائيلي موشي ديان وقعت طرائف عدة
لنترك التهامي يروي بعضاً منها بأسلوبه الخاص إذ يقول: "في اللقاء الأول: رفضت أن أسلم عليه وقلت له "ما كنت أتوقع أبداً أن أقابلك إلا في ميدان القتال.. فإما أن أقتلك أو أن تقتلني.. ولولا أن هذا الاجتماع تحت مظلة الملك الحسن بالذات ما كنتُ أقبلُ أن ألقاك".. فنظر إليّ بعمق وتفرس ثم أطرق عينيه وقال:" إني أعلم من أقابل اليوم وقرأت عنك قبل حضوري هنا كل ما هو معروفٌ عنك وما قلته وكتبته في حياتك.. وإني أقدرُ ذلك تماماً الآن"
"ونظر في وجهي مرة أخرى ثم أطرق رأسه مرتين وبدأت حديثي معه لا عن السلام كما توقع.. لكني قلت له: "لقد هزمناكم في يوم الغفران وأنت لم تتعود على هذا يا ديان". فرد بدهاءٍ: "إن لي سؤالاً عندك لم أسمع عنه إجابةً حتى اليوم من أي شخص ولا من إسرائيل: ما الذي أوقفكم عن التقدم في سيناء في اليومين الرابع والخامس من الهجوم؟ لقد كنا على استعداد لتسليم الأرض لكم في سيناء والضفة والقدس ونعود نحن اليهود إلى أرض إسرائيل الأولى (يعني إسرائيل قرار التقسيم سنة ألف وتسعمئة وسبعة وأربعين) وبدون قتالٍ على أن نبقى أحياء فقط. وقد قلت هذا لغولدا مائير رئيسة الحكومة فلم تقبل وسافرت إلى أمريكا ونحن جميعاً مذهولون من الصدمة..ولم يكن هناك جنديٌ واحد يريد أن يقاتلكم..وكان جنود المدرعات في العريش يتركون مدرعاتهم ويختبئون في المقابر (جبانة العريش) وبين النخيل وبقينا كذلك حتى جاءتنا الإمدادات الأمريكية بالجسرين الجوي والبحري تحمل المدرعات بأطقمها وتنزل ميدان القتال مباشرةً"
ويروي أنه في اللقاء الثالث من هذه المحادثات السرية وقع بينهما خلافٌ حول شروط التفاوض المصري مع إسرائيل..فبدأ صوت ديان يعلو حتى دخل ثلاثةٌ من حراسه المسلحين إلى صالة الاجتماع لحمايته ظناً منهم أن التهامي اعتدى عليه أو يعتزم ذلك
وعاد التهامي إلى القاهرة لإبلاغ الرئيس المصري أنور السادات بنتائج لقاءاته مع ديان فاقترح عليه اللقاء بعد شهرٍ لبحث الخطوة المقبلة. وفي اللقاء التالي له مع السادات في منزله في الجيزة كان الرئيس المصري يرتدي "جاكيت" من الجلد الشامواه الفاخر من اللون الزيتي.. فما كان من التهامي إلا أن سأله بإعجابٍ عنه فخلعه السادات وأهداه له.. ثم طلب "جاكيت" آخر لديه من النوع نفسه ولكن باللون اللبني.. ثم عرض فكرة اجتماعه سراً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن على حدود رفح.. لكن التهامي يؤكد أنه لم يحبذ الفكرة وقال له: "القدس يا ريس.. القدس".. ثم عرض عليه النزول إلى أرض القدس ومخاطبة شعب إسرائيل مباشرةً
ومع ذلك فإن الرجل نفسه يعود ليناقض أقواله في حديث أدلى به لصحيفة "السياسة" الكويتية أكد فيه أن إسرائيل وحدها استفادت من زيارة السادات للقدس..مما استدعى نشر تصريح في الصحف القومية على لسان مصدر مصري مسؤول مفاده أن تصريحات التهامي تعكس انفعالاته الشخصية ولا تمثل موقفاً رسمياً
ويزعم حسن التهامي أنه اكتشف مخططاً للاعتداء الشخصي على السادات في القدس المحتلة في أثناء مبادرته الشهيرة وهو يسير مشياً على قدميه بين المسجد الأقصى وقبة الصخرة وكنيسة القيامة.. لكن التهامي نجح في وقف هذا المخطط وإحباطه قبل تنفيذه بثوانٍ
ولعل آخر من أدلى بشهادته عن حسن التهامي هو الدكتور بطرس غالي وزير الدولة المصري للشؤون الخارجية – وطبعاً الأمين العام للأم المتحدة سابقاً- حيث جاء في كتابه "طريق مصر إلى القدس: قصة الصراع من أجل السلام في الشرق الأوسط" ما يكشف الكثير عن شخصية التهامي وأسلوبه وتصرفاته
يقول د.غالي (ص 138) في سياق حديثه عن اجتماع جرى في العاصمة الفرنسية باريس قبيل مؤتمر كامب ديفيد الذي بدأ في سبتمبر أيلول عام ألف وتسعمئة وثمانية وسبعين: "وفي مأدبة عشاء لنا بمبنى وزارة الخارجية تحدث محمد إبراهيم كامل بالإنجليزية متناولاً العموميات، ولكن حسن التهامي احتكر الحديث، وكان بمثابة عرّاف السادات وسمير الرئيس و"رجل بركة" ورافع للمعنويات. لقد كان التهامي ضابطاً عسكرياً جسوراً ولامعاً في الثورة، ثم أصبح أشبه بالصوفي، مؤمناً بأنه يتلقى في الأحلام تعليمات خاصة من الرسول، وكان يتصور نفسه صلاح الدين المصري الذي يحمل رسالةً خاصة باستعادة القدس والذود عن الإسلام. وكان السادات يرتاح إلى وجوده ويستمتع بصحبته، غير أننا جميعاً كنا نراه إنساناً غير متسق. وكانت له لحية مكثفة على الطريقة الإسلامية الأصولية، الأمر الذي يخالف اللوائح العسكرية. وبالرغم من كل غرابة الأطوار التي كنا نراها فيه، فإنه لعب دوراً مهماً بالنسبة للسادات. فقد سافر التهامي سراً لملاقاة موشي ديان في المغرب، ووصف هذه الرحلة بأنها مهدت الطريق لمبادرة القدس الساداتية. بيد أن اتصال التهامي مع ديان – كما قال لي السادات- لم يكن له دورٌ على الإطلاق في قراره بالذهاب إلى القدس"
هكذا رأى د. بطرس غالي شخصية حسن التهامي..ومع أن في الوصف كثيراً من الصور النمطية والذهنية التي لا تخفى على أحد فإن شهادته تظل مهمة لأنه كان شاهداً على عصر ووقائع بالغة الأهمية
نعود إلى حكاية مأدبة العشاء
يقول د. غالي (ص 139): "الآن ونحن على مأدبة العشاء مع الفرنسيين كان التهامي يكشف كيف أنه في اللحظة الأخيرة قرر عدم تنفيذ مخططاته للإطاحة بالحكومة الأفغانية، وقص مغامرات أخرى كثيرة. وكان الفرنسيون يستمعون إليه باندهاش. وأسرَّ أحد الدبلوماسيين في أذني: "هل هو حقيقة نائب لرئيس وزراء مصر؟" وأجبته بأن التهامي في الحقيقة مستشار خاص للسادات، وأنه لا يتولى مسؤوليات محددة أو سلطات في الحكومة المصرية، ولا يشارك في اجتماعات مجلس الوزراء. ولعدم اقتناعه بهذه الإجابة، عاد الدبلوماسي إلى التساؤل عما إذا كان حسن التهامي سيرأس الوفد المصري في كامب ديفيد، فأكدت له أن الرئيس السادات سوف يرأس الوفد المصري. "ولكن التهامي يحتل المركز الثاني في القيادة"، هكذا أصر الدبلوماسي المتسائل. فقلت له: "نظرياً صحيح، ولكن وزير الخارجية سيكون مسؤولاً عن المفاوضات"
"وبينما نحن نغادر وزارة الخارجية بعد العشاء أسرَّ لي السفير أحمد ماهر مشيراً إلى التهامي بكلمة "فضيحة"! وأضاف محمد كامل الذي التقط هذا التعجب، قائلاً: "ليست هذه سوى البداية". لقد أزعجنا جميعاً الوجود السريالي للتهامي في الوفد"
والشاهد أنه حين يختار الرئيس – أي رئيس- درويشاً ليصبح صديقه المقرب ومستشاره في دهاليز السياسة فإن هذا يدخل الرئيس والدولة نفسها في دائرة الخطر
الأخطر من هذا أن يختار الرئيس هذا الدرويش للمشاركة في مفاوضات مصيرية
لكن السادات قرر تعيين صديقه التهامي - ذا الشخصية المهزوزة في الظاهر والغامضة في الباطن- ضمن الوفد المصري للتفاوض مع إسرائيل في قلعة ليدز البريطانية ثم عيّنه في وفد المفاوضات الرسمي في كامب ديفيد..وكانت له مكانة عند السادات في أثناء المفاوضات الجانبية قد تفوق صلاحيات وزير الخارجية المصري محمد إبراهيم كامل الذي استقال قبل إبرام اتفاقية كامب ديفيد
ويلقي وزير خارجية مصر في أثناء مفاوضات كامب ديفيد مزيداً من الضوء على شخصية التهامي في سياق كتابه "السلام الضائع في كامب ديفيد"..إذ يصف محمد إبراهيم كامل هذا الرجل الغامض في أول لقاء بينهما بأنه بدا له شخصاً وسيماً ذا عينين زرقاوين وشارب ولحية مدببة، طويل القامة، قوي البنية.. تبدو عليه معالم القوة والحيوية والصحة ويشع من عينيه بريقٌ غريب
ويقول إبراهيم كامل: "كانت هذه هي المرة الأولى التي أقابله فيها. كنت قد سمعت عنه روايات وأساطير غريبة منها أنه كان في صدر شبابه يعيش حياةً متحررة صاخبة ثم تحول فجأةً إلى الدين وإلى التصوف..ومنها أنه كان على اتصال مع الجن والأنبياء ويتحدث مع الموتى"
وفي اللقاء الأول بينهما ظل التهامي يروي قصصاً عن بطولاته وجسارته تتضمن أعمالاً خارقةً لا يصدقها عقل.. ولكنه كان يرويها بتأكيدٍ وثقةٍ لا يقبلان المناقشة. وكان حديثه بالرغم مما فيه من مبالغاتٍ وجنوح إلى الخيال ظريفاً ومسلياً على غرار قصص "ألف ليلة وليلة". وفي الطريق إلى مطار سالزبورغ النمساوي قال التهامي موجهاً حديثه إلى الرئيس السادات إنه يعتقد أن موشي ديان هو المسيح الكذاب الذي تنبأت التوراة بظهوره وإنه قد واجهه بذلك عندما قابله في المغرب (خلال لقاءاتهما السرية).. وهنا قاطعه السادات قائلاً: "يا حسن.. مش عاوزين نجيب سيرة الموضوع ده الآن"
وفي اليوم التالي- العاشر من يوليو تموز عام ألف وتسعمئة وثمانية وسبعين- كان محمد إبراهيم كامل في طريقه إلى الفندق عندما قابل التهامي فصافحه الأخير وذكر أنه اتخذ قراراً بأن يهديه أرشيفه السري بأكمله ليكون تحت يديه في الوزارة.. وهو يتضمن وثائق سرية ومعلوماتٍ وبياناتٍ على أكبر قدرٍ من الأهمية.. وأشار إلى أنه رفض تسليمه إلى أي وزيرٍ من وزراء الخارجية السابقين. ثم بدأ يسدي النصح إلى إبراهيم كامل حول موشي ديان قائلاً: "عندما تقابله إذا لاحظت أنه يراوغ في الحديث معك فما عليك إلا أن تقبض يدك اليمنى وأنت تنظر إليه ثم ترفعها أمام وجهه وأنت تصيح "يا تهامي" وستجد أنه سيعود إلى رشده على الفور وبذلك تستطيع التفاهم معه"
وهكذا وضع حسن التهامي يده على نقطة الضعف الخفية لدى موشي ديان
لكن الآتي كان أعظم.. والآتي هنا كان ببساطة: كامب ديفيد
معجزات حسن التهامي في أثناء مفاوضات كامب ديفيد لا تعدُ ولا تُحصى
يقول وزير الدولة المصري للشؤون الخارجية الدكتور بطرس غالي في كتابه "طريق مصر إلى القدس: قصة الصراع من أجل السلام في الشرق الأوسط" (ص 140) إن التهامي أُعطيَ في كامب ديفيد كوخاً صغيراً على مسافة بعيدة بعض الشيء. كان التهامي هو الوحيد من بين أعضاء الوفد المصري الذي خصصوا له كوخاً منفصلاً في حين تقاسم الوزراء والدبلوماسيون من أعضاء الوفد باقي الأكواخ
الطريف حقاً أنه عندما عاد د. غالي إلى كامب ديفيد لاستكمال المفاوضات في فبراير شباط عام ألف وتسعمئة وتسعة وسبعين خصص الأمريكيون لكل من الوزير المصري والسفير أشرف غربال الكوخ الصغير الذي سبق تخصيصه للتهامي في الخريف الماضي. ويقول د. غالي (ص 196): "وقلت لأشرف غربال إن شبح التهامي سوف يطاردنا في هذا المكان ليل نهار"
كان الوقت يمضي ثقيلاً مملاً على وفد التفاوض المصري حتى يفرغ التهامي من جولاته المجهولة وينضم إليهم في الاستراحة..وكان هو ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن الوحيدين اللذين يصران على ارتداء الملابس الرسمية كاملةً مع ربطة العنق طوال المفاوضات
وما إن يعبر التهامي مدخل الاستراحة حتى يتلاشى في لحظةٍ جو الملل والتثاؤب والقلق وكأنه ضغط على زرٍ إلكتروني وينقلب إلى جوٍ من البهجة والمرح والدعابة وتدب الحياة بين المجتمعين بعد أن يشد التهامي انتباههم وأسماعهم ويبدأ بإبلاغهم آخر "الأخبار"..فيقول مثلاً إن وزير الخارجية الإسرائيلي موشي ديان قد وافقه منذ ساعةٍ على عودة القدس إلى العرب..ثم يتكلم عن التصوف وعن تفسير الأحلام وينتقل إلى القصص والروايات ويحكي كيف حل مشكلة المسلمين في الفلبين..وكيف استطاع أن يؤجل قيام الثورة في الملايو لمدة ثلاث سنوات..وكيف عالج نفسه من السم الزعاف الذي دس له في الطعام في أثناء إحدى زياراته لدولٍ عربية.. فانسحب إلى غرفته يتلوى من الألم وأغلق عليه الباب بالمزلاج لمدة ثلاثة أيامٍ لا يأكل ولا يشرب..وراح يعالج نفسه بترياق السموم الذي يحمله دائماً معه.. ثم يتكلم عن فوائد العنبر الذي يستخرج من كبد الحوت وعن مزايا عسل ملكات النحل.. ثم يتوقف فجأة ويخاطب وزير الخارجية المصري محمد إبراهيم كامل قائلاً" القدس أمانةٌ في عنقك يا أخ محمد فحذار أن تفرط فيها"
من جهته يقول د. غالي (ص 141): "وقام التهامي بتوزيع قطع صغيرة من العنبر على أعضاء الوفد المصري، شارحاً بأن علينا إذابتها في الشاي وبأنها ستمنحنا القوة على مواجهة الإسرائيليين. ولم تكن هذه المادة الفوّاحة المستخرجة من أمعاء الحيتان الكبيرة لتناسبني، غير أن بعض أعضاء الوفد المصري استعملها"
من كان يصدق أن العنبر دخل على خط المفاوضات في كامب ديفيد؟
غير أن التهامي كان مصراً على ما يبدو على أن يكون للعنبر هذا الدور
إذ يقول د. غالي (ص 145): " وأصر حسن التهامي على إعطائي مزيداً من العنبر، وطلب إليّ مرة أخرى إذابته في قهوتي. لا بد أنه لاحظ عليّ علامات الإجهاد، وأراد تقويتي على مواجهة المفاوضين الإسرائيليين"
لكن حسن التهامي كان مسلياً بحيث أنه شغل نفسه بمحاولة دفع وزير الدولة المصري للشؤون الخارجية إلى اعتناق الإسلام
وفي هذا يقول د. بطرس غالي: "وعندما بدأ التهامي في شرح الشريعة الإسلامية، قلت له إنني درست الشريعة الإسلامية لمدة أربع سنوات بكلية الحقوق في جامعة القاهرة، وإنني بحثت وكتبت عدة دراسات في الفكر السياسي الإسلامي. لم يصدقني التهامي. وطلب أن أسرد عليه أسماء الفقهاء المسلمين الذين قرأت لهم. ذكرت عدداً منهم، من أعمق المفكرين وأوسعهم شهرةً إلى أكثر المغمورين منهم. وقدمت للتهامي ملخصاً للإنجازات الفكرية لكلٍ منهم وقرأت عليه بعضاً من آيات القرآن. وانبهر التهامي وأصر على أن أتحول إلى اعتناق الإسلام. وقال إنه لا بد لي من التحول للإسلام في كامب ديفيد، وإن عملي هذا ستكون له قيمةٌ رمزية عظمى لمستقبل الشرق الأوسط. وعندما تناهى ذلك إلى أسماع بقية أعضاء الوفد المصري، شجعوني على مواصلة الحديث مع التهامي لصرف اهتمامه عن المفاوضات. ووافقت وقمت أنا والتهامي بالمشي مسافات طويلة في الأحراش، نناقش العقيدة الإسلامية بإسهاب. وشعرت بالغرابة إزاء ذلك، ولكن كان من الأهمية بمكان جذبه بعيداً عن الآخرين، وكنتُ أنا الطُعم"
ويصف د. غالي أعضاء الوفد المصري في كامب ديفيد بعبارةٍ دالة وموجزة يقول فيها (ص 141): "وكان محمد كامل متوتراً، وحسن التهامي حالماً، بينما أسامة الباز يشع بالذكاء والطاقة". ثم عاد ليقول (ص 142) إن "السادات لا يمكن التنبؤ بأفعاله. وبدا التهامي في حالة عدم توازن"
ولأن الرجل مثير للاهتمام بحركاته وتصرفاته الغريبة فإن محمد إبراهيم كامل يقول في كتابه "طريق مصر إلى القدس" يقول (148): "واستمر حسن التهامي في تصرفاته بالطريقة الباطنية. ففي الصباح طلع علينا ساعة الإفطار ليعلن أنه أمضى الليل كله "في الاتصال". وتساءلنا "مع من؟". وأشار بأن الرسالة السماوية أكدت أن السادات يسير على الطريق الصحيح. وبعدها جاءني ليحاول مرة أخرى هدايتي إلى الإسلام. فأجبته قائلاً: "إن مثل هذا القرار الحاسم يحتاج إلى مداولاتٍ كثيرة"
الطريف أنه عندما أبلغ د. غالي الرئيس المصري أنور السادات بحكايته مع التهامي كان رد فعل السادات ساخراً..إذ يقول غالي (ص 148): ونظر السادات إلى التهامي مسروراً وقال: "لا تقلل من شأن بطرس يا حسن، إنك ستهتدي إلى المسيحية قبل أن يهتدي هو إلى الإسلام!"
ويضيف غالي قائلاً: "واغتاظ التهامي. وأدى مزاح السادات إلى تعقيد علاقاتي مع التهامي"
وفي كامب ديفيد.. تجاوز الاهتمام بكرامات حسن التهامي ومعجزاته دائرة الوفد المصري
يروي د. غالي في كتابه (ص 140) حكاية طريفة أوردها بصيغة مشابهة وزير الخارجية المصري محمد إبراهيم كامل في كتابه "السلام الضائع في كامب ديفيد"..إذ يقول غالي: " وعندما انتهى العشاء أخبرنا حسن التهامي بأنه توصل إلى طريقة لإيقاف قلبه عن النبض لبضع ثوانٍ ثم إعادته إلى النبض. وجذب حديث التهامي طبيب بيغن الإسرائيلي وطبيباً أمريكياً آخر إلى مائدتنا. وتساءل الأمريكي ما إذا كان التهامي قد استخدم اليوغا لوقف نبضات قلبه. وأثار ذلك غضب التهامي الذي قال إن أسلوبه لا علاقة له باليوغا. غير أنه فضلَّ ألا يكشف عن وسيلته السرية إلى ذلك"
وبهدف تسلية الوفود المشاركة في مفاوضات كامب ديفيد..نظم الجانب الأمريكي زيارة لحديقة غيتسبرغ العسكرية القومية التي تمثل ساحة معركة مهمة في تاريخ الحرب الأهلية الأمريكية. وهنا يقول د. غالي (ص 145): "وقد وجدت نفسي ونحن نسير على أرض القتال بين ديان وحسن التهامي. وسأل التهامي غير المتسق وزير خارجية إسرائيل: "هل أنت المناهض للمسيح (يقصد المسيخ الدجال)؟" وكانت الإجابة بلا. وعندئذٍ أعلن التهامي عن عزمه دخول القدس على ظهر جواد أبيض وأن يتولى منصب محافظ مدينة القدس. وابتسم ديان في أدب ولكنه لم يعلق، الأمر الذي شجع التهامي على الانغماس في أوهامه"
وفي أحد أيام المفاوضات ذهب إبراهيم كامل إلى السادات وكان معه حسن التهامي..وفجأة قال السادات: "إنه يكون شيئاً عظيماً حقاً لو استطعنا تنفيذ فكرة الميل المربع" فسأله وزير الخارجية عن ماهية حكاية الميل المربع.. فقال التهامي شارحاً: "أن تنسحب إسرائيل من مساحة ميلٍ مربع من القدس ونرفع عليها علماً عربياً أو إسلامياً"
غير أن هذه القصة الغامضة تظل لغزاً محيراً وسراً مغلقاً حتى لإبراهيم كامل نفسه وهو الذي كان وزير خارجية مصر في تلك الفترة.. فلماذا ميل مربع؟ هل لا تتجاوز مساحة القدس هذا القدر؟ وإن كانت لا تتجاوزها فهل من المعقول أن تكون هذه المدينة التاريخية العريقة قد أقيمت هندسياً في نطاق ميلٍ مربع؟ وإذا لم تكن كذلك فماذا عن النتوءات والأحياء التي تكون خارج حدود هذا الميل هنا أو هناك؟
الفكرة كانت طبعاً من بنات أفكار حسن التهامي الذي قال للسادات خلال هذا اللقاء: "فقط أرجوك يا ريس أن تكون عند اتفاقنا بتعييني حاكماً عاماً على القدس (الميل المربع) فأنا لم أطلب منك في حياتي شيئاً وليس لي مطلبٌ آخر.. فهذا هو حلم حياتي الذي أدعو الله أن يحققه قبل مماتي"!.. وتمتم السادات ساعتها بشيء غير واضحٍ
ولا بد أن نتخيل مع إبراهيم كامل صورة التهامي وهو يرتدي زي الحاكم العام ويجلس على كرسيه وسط الميل المربع في حين تحتشد الجموع من حوله تلتمس تنفيذ الحكم الإلهي
يقول د. بطرس غالي في كتابه المذكور (ص 155) إنه في حفل التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد "اختار بيغن أن يخص حسن التهامي بالذكر، وذلك في إشارةٍ واضحة للحط من قدر "عصابة" وزارة الخارجية. وتألق التهامي، وأسعده أن القدس وردت في الخطابات المتبادلة. ولم يهمه بقية ما جاء في اتفاق كامب ديفيد. فالقدس وحدها هي كل ما يعنيه"
عاد التهامي بأكاليل الغار بعد كامب ديفيد وألبسه السادات ريش الطاووس في الاحتفالات العسكرية وبوأه مكانة عالية بحيث كان يوازي أو يتخطى نائب رئيس الجمهورية.. كما يقول عبد الفتاح أبو الفضل في مذكراته "كنت نائباً لرئيس المخابرات"
على أن السادات لم يكتف بذلك بل إنه أوفد التهامي إلى السعودية ليتحدث إلى المسؤولين هناك عن كامب ديفيد ولكن من دون جدوى. ثم ذهب بطرس غالي إلى السعودية واجتمع مع الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز مستشار الملك وسفيره لدى الولايات المتحدة (بين عامي ألف وتسعمئة وثلاثة وثمانين وألفين وخمسة). يقول د. غالي (ص 168): "وفي ختام لقائنا، همس مستشار سعودي في أذني قائلاً: "أشكرك على تحليلك الواضح. لقد جاءنا التهامي قبل أسبوعين ولم نستطع فهمه. لقد قال لنا إن هناك نصوصاً سرية حول عدة مسائل بما في ذلك القدس". وأكدت له بحزمٍ عدم وجود اتفاقات سرية. وأبلغته بأنني أوضحت أمام البرلمان المصري عدم وجود أي نصوصٍ سرية"
ولعل أطرف ما في شخصية التهامي أنه يتحدث دائماً استناداً إلى ما يسميه "مصادر خاصة"..فقد أكد للسادات خلال سير المفاوضات أن العاهل الأردني الملك حسين سيتنازل عن العرش لأخيه الأمير الحسن بعد أسبوعٍ واحد وأن الأخير سيعلن فور توليه الحكم عن انضمامه إلى المفاوضات.. لتنتهي المشكلة الخاصة بالجهة التي ستتولى الإشراف على إدارة الضفة الغربية إذا ما وافقت إسرائيل على تنفيذ الانسحاب
غير أن هذا الرجل بدا لكثيرين لغزاً يستعصي على الفهم.. فهو جادٌ في مظهره وعبثي في تصرفاته.. يقول ما يدفع على الضحك لكنك إن فعلت ذلك أمامه فإنه لم يكن ليتردد في إبداء استغرابه واستهجانه
في كتابه "طريق مصر إلى القدس" يقول د. بطرس غالي (ص 162) إنه في رحلة العودة من العاصمة الأمريكية واشنطن في سبتمبر أيلول عام ألف وتسعمئة وثمانية وسبعين توقف السادات في العاصمة المغربية الرباط واجتمع مع العاهل المغربي الملك الحسن الثاني. وفي وداع السادات على أرض المطار لم يتردد التهامي في احتضان العاهل المغربي وتقبيل وجنتيه. ويضيف قائلاً: "وأثناء الرحلة الجوية حاولت تخفيف الجو بالمزاح، قائلاً إن التهامي جرح الملك الحسن بلحيته الطويلة، وإن الملك أصدر قراراً ملكياً بأن يحلق التهامي ذقنه فوراً. وعندما نقلوا ذلك إلى التهامي لم يضحك"
وفي الفترة التي سبقت اغتيال السادات ساءت العلاقات بين السادات والتهامي بسبب تصريحات الأخير لبعض الصحف العربية التي اعتُبِرت نقداً لاتفاقية كامب ديفيد.. لكن التهامي بقدرة قادرٍ استمر في موقعه كنائب رئيس وزراء في رئاسة الجمهورية إلى أن أحيل إلى التقاعد في عهد الرئيس المصري حسني مبارك
وكان طبيعياً في ظل الغموض الذي يحيط بشخصية التهامي أن يختفي فجأة بعد أن كان شاغل الساحة السياسية بقصصه وحكاياته و"بطولاته" الخارقة.. ولم يظهر الرجل في السنوات الأخيرة في وسائل الإعلام ..ربما منذ الحوار التليفزيوني المطول الذي أجراه معه عماد أديب على قناة "أوربت" الفضائية في عام ألف وتسعمئة وتسعة وتسعين وأدلى فيه بتصريحات مثيرةٍ للجدل استدعت استضافة عماد أديب كلٍ من المهندس حلمي السعيدوسعد زايدوسامي شرف للرد على التهامي في حواره المشار إليه
ولم يتردد اسم التهامي كثيراً في العقدين الأخيرين باستثناء ما نُشِرَ في الخامس والعشرين من مارس آذار عام ألف وتسعمئة وخمسة وتسعين حول إلقاء القبض على اللصوص الستة الذين سرقوا الفيلا الخاصة به في قرية أجهور الرمل التابعة لمركز قويسنا في محافظة المنوفية..ربما كان وقوع اللصوص في قبضة الشرطة هو آخر "بركات" و"معجزات" التهامي الذي اتهمه موشي ديان ذات مرة بأن" ثمانون في المئة من كلامه كذبٌ.. أما العشرون في المئة الأخرى فهي تحتاج إلى مراجعة لمدى دقتها"