الأبعاد الستراتيجية لخيار السعودية امتلاك التقنية النووية
................................
القرار السعودي معطى ستراتيجي جديد يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار من الآن وصاعداً
الوقوف في وجه إسرائيل كدولة متعجرفة في المنطقة
الوقوف في وجه إيران كدولة متطرفة تطمح إلى فرض إرادتها على جوارها
إعطاء العرب وزناً إضافياً في مواجهة الفرس
إعطاء السنّة، عرباً وغير عرب، وزناً إضافياً في مواجهة الهجمة الشيعية
إعطاء العرب والمسلمين وزناً أكبر في وجه النفوذ اليهودي عبر العالم
حسم موضوع الصدارة في البوتقة الخليجية، لا سيما أمام دول صغيرة تعبر عن
طموحات مبالغ فيها
القيام بما يمليه عليها دورها القيادي ليس فقط خليجياً وعربياً، بل إسلامياً ودولياً مع
دخولها »مجموعة العشرين« التي تقود العالم
بعد لقائها الملك عبدالله بن عبد العزيز، في الرياض يوم الأحد الماضي 10 الشهر
الجاري، أعلنت وزيرة الاقتصاد الفرنسي، كريستين لاغارد، أن المملكة العربية
السعودية وفرنسا ستوقعان »قريباً« على اتفاق شراكة في مجال الطاقة النووية المدنية.
وأضافت أن »المفاوضات تتقدّم بسرعة«، وأن التوقيع على اتفاق الشراكة هذا سيتم من
قبل العاهل السعودي والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي خلال السنة الحالية.
وجاء هذا الإعلان ليؤكد العديد من المؤشّرات والمعطيات التي تتراكم تدريجاً منذ فترة،
والتي تفيد أن السعودية قد حزمت أمرها واتخذت قراراً ستراتيجياً بالحصول على التقنية
النووية، وأن هذا القرار دخل الآن مرحلة التنفيذ.
هذا يعني، إذا ما سارت الأمور كما هو ظاهر اليوم، أن السعودية ستصبح أوّل دولة
نووية في العالم العربي. ومع أن ثمّة فرقاً شاسعاً بين استخدام الطاقة النووية لأغراض
مدنية، والقدرة على استخدامها لأغراض عسكرية، فإن دخول السعودية نادي التقنيات
النووية سيكون له تداعيات جيو - ستراتيجية مهمّة. لذا، من الضروري فهم هذا الطموح
النووي السعودي، أي معرفة أسبابه ومضمونه وأبعاده.
> لماذا اختارت السعودية فرنسا لهذه الشراكة في مجال التقنيات النووية المدنية؟
صحيح أن الولايات المتحدة الأميركية هي أكبر قوة نووية في العالم. غير أن فرنسا تحتل
مركز الصدارة في مجال التقنيات النووية المدنية، وهي أوّل مصدّر في العالم لهذه
التقنيات. حتى الصين تريد شراء مفاعلات نووية من فرنسا. السبب هو أن فرنسا، منذ
الأزمة النفطية الأولى في 1973، راهنت بقوة على الطاقات البديلة، واستثمرت أموالاً
طائلة في تطوير تقنيات المفاعلات النووية المدنية، وفي جعلها تصل الآن إلى مستويات
عالية جداً من الفعالية والأمن في آن معاً. اتفاق الشراكة الذي سيتم توقيعه قريباً سيسمح
للسعودية بالحصول إذاً على أرفع مستوى تقني متوفر حالياً في هذا المجال.
> هل لدى السعودية خيارات أخرى فعلاً في مجال التعاون النووي؟
نعم، والتعاون السعودي - الفرنسي في مجال التقنيات النووية المدنية ليس يتيماً.
ثمة اتفاق آخر تم التوقيع عليه بين السعودية والولايات المتحدة الأميركية، خلال الزيارة
التي قام بها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش إلى الرياض حيث التقى الملك عبدالله
بن عبد العزيز في 16 أيار/ مايو 2008. هذا الاتفاق كان عبارة عن مذكرة تفاهم حول
التعاون بين البلدين في مجال الطاقة النووية المدنية. ولقد وصف »البيت الأبيض« يومها
هذه المذكرة بـ »اتفاقية كبرى« قائلاً إنها »تمهّد الطريق لتسلّم السعودية يورانيوم
مخصّب لمفاعلاتها (العتيدة) من دون الحاجة إلى القيام بعملية التخصيب بأنفسهم كما
يفعل الإيرانيون«. وأضاف »البيت الأبيض« أن »هذا الاتفاق سيمهّد الطريق لحصول
السعودية على مصادر آمنة وموثوقة للوقود لمفاعلات الطاقة، وإظهار ريادة السعودية
كنموذج إيجابي في المنطقة لعدم نشر الأسلحة النووية«.
بمعنى آخر، يبدو أن السعودية قررت عبر توقيعها هذين الاتفاقين، مع كل من الولايات
المتحدة وفرنسا، اختيار تقنية المفاعلات الفرنسية... ولكن مع تعداد مصادر التعاون في
هذا المجال العلمي والتقني الدقيق.
كذلك، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد اقترح خلال زيارته إلى الرياض في 12
شباط/ فبراير 2007، وبعد اجتماعه مع الملك عبدالله بن عبد العزيز، أن تكون »تنمية
الطاقة النووية« أحد مجالات التعاون الممكن بين روسيا والسعودية. ولقد أجاب وزير
الخارجية السعودي سعود الفيصل، في تصريح في 14 شباط/ فبراير 2007، على هذا
الاقتراح الروسي قائلاً: »إن روسيا هي إحدى الدول التي تملك هذه الصناعة... وليس
هناك ما يمنع أن نتعاون معها في هذا المجال كما نتعاون معها في أي مجال آخر«. لكن
وراء هذا الجواب المنمّق، يبدو أن السعودية ليست متحمّسة فعلاً للخيار الروسي. أوّلاً
لأن التقنية الروسية في هذا المجال ليست الأفضل وليست الأكثر أمناً... ولكن أيضاً لأن
روسيا هي التي تبني المفاعل النووي الإيراني في بوشهر. وبالتالي لا يبدو منطقياً أن
تعطي السعودية لروسيا دوراً محورياً في هذا المجال، أقله لأسباب تتعلق بحماية
المعلومات السرية التي تتعلق بالمفاعل النووي السعودي العتيد.
وللتذكير، كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد اقترح خلال الجولة التي قام بها في
منطقة الخليج بين 13 و 15 كانون الثاني/ يناير 2008 »تقاسماً للطاقة النووية السلمية«
مع العالم الإسلامي، وعرض على الملك عبدالله بن عبد العزيز تزويد السعودية بمفاعل
نووي. ويبدو أن اتفاق التعاون الذي يحضّر حالياً هو تنفيذ لهذا العرض.
باختصار، هناك إذاً عروض واضحة مقدّمة إلى السعودية من أعلى المستويات (رؤساء
الدول)، في المصادر الدولية الأولى للتقنية النووية المدنية (فرنسا، الولايات المتحدة، روسيا).
> ما هو مضمون المقاربة السعودية للملف النووي؟ ما هو المطروح فعلاً؟
المطروح هو الحصول على مفاعل نووي جاهز للعمل. لأن السعودية تنوي بناء محطات
نووية لإنتاج الطاقة لتشغيل مصانع تحلية مياه البحر. هذا هو الهدف الستراتيجي
الرسمي. وهو هدف منطقي في سياق المعطيات البنيوية المعروفة في موضوع الطاقة
وأهمّها:
- النفط سيضمحل.
- النفط طاقة ملوثة جداً للبيئة.
- الاحتباس الحراريسيخفف من كمية المياه المتوافرة للشرب، وبالتالي ستزداد تدريجاً
الحاجة إلى تحلية مياه البحر.
وإذا ما أضفنا إلى هذه المعطيات أن عدد السكان يتزايد باضطراد في هذه المنطقة من
العالم، وأن بناء مفاعل نووي أمر يتطلب سنوات طويلة (يفيد بعض الخبراء أن المفاعل
النووي السعودي، إذا ما سارت الأمور من دون عرقلة، لا يمكن أن يكون فعالاً ومنتجاً
للطاقة قبل 10 سنوات كحد أدنى) نرى أن القرار السعودي منطقي جداً.
> هل القرار السعودي مستقل أم إقليمي؟
قرار السعودية بالتوجه نحو امتلاك التقنية النووية المدنية هو، في آن معاً، قرار
مستقل... وقرار إقليمي. فهو يندرج حكماً في إطار القرار الذي اتخذه المجلس الأعلى لـ
»مجلس التعاون الخليجي« في قمته التي عقدت في الرياض في كانون الأوّل/ ديسمبر
2006 بالبدء في إجراء دراسة مشتركة بين دول مجلس التعاون لوضع برنامج مشترك
في مجال التقنية النووية للأغراض السلمية. فلقد تقرر يومها أن تنهي دول »مجلس
التعاون الخليجي« الست الدراسات التفصيلية لإطلاق مشروعها النووي المدني المشترك
في غضون 18 شهراً (أي في منتصف 2009) على أن تبدأ في موازاة ذلك بالتعاون
الفعلي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وبالفعل، أعلن محمد البرادعي مدير هذه
الوكالة، في 12 نيسان/ أبريل 2007 خلال زيارة قام بها إلى الرياض، أن دول »مجلس
التعاون الخليجي« يحق لها الحصول على الطاقة النووية لأغراض سلمية.
ولقد تم تشكيل فريق عمل في إطار »مجلس التعاون الخليجي« وكلف متابعة إعداد
الدراسات التفصيلية حول استخدامات الطاقة النووية للأغراض السلمية. لكن كان من
الواضح منذ البداية أن هذا القرار الخليجي مرتبط بسير إيران نحو امتلاك التقنية النووية
وما يترتب على ذلك من مخاوف لدى جيرانها. وظهر كذلك منذ البداية أن ثمّة تفاوتاً في
التصوّرات بين الدول الأعضاء في »مجلس التعاون الخليجي«. فمثلاً، كان هناك توافق
على أن الهدف من هذه التقنية هو توليد الكهرباء وتحلية المياه. غير أن دولة الإمارات،
مثلاً، اعتبرت أن الهدف هو الحصول على محطة نووية مشتركة يمكن تشغيلها اعتباراً
من العام 2025. وسارعت الإمارات إلى التوقيع على اتفاق مع فرنسا، للحصول على
هذه المحطة، أي على المفاعل.
لكن دولاً أخرى، مثل السعودية، اعتبرت على ما يبدو أن كل بلد في المجلس، وبالتوازي
مع المشروع الخليجي المشترك، يمكنه أن يفعل ما يشاء ويتابع طموحاته النووية
الخاصة.
باختصار، هناك توجه خليجي مشترك نحو امتلاك الطاقة النووية. لكن يبدو أن السعودية
حزمت قرارها بأن تقود هي هذا التوجه وهذا أمر منطقي نسبة إلى قدراتها ومساحتها
وعدد سكانها وحاجاتها.
> هل حصول السعودية على مفاعل نووي لأغراض سلمية هو خطوة أولى نحو
امتلاكها القنبلة النووية؟
نعم، ولا. المطروح حالياً هو الحصول على مفاعل نووي جاهز للعمل. واستقدام المواد
اللازمة لتشغيله. أي عدم تخصيبها في السعودية. توليد القوة النووية ضمن هذا المفاعل
بحد ذاته ليس أبداً خطوة أولى نحو القنبلة. فلبناء قنبلة نووية يجب تخصيب اليورانيوم
وبدرجات كافية لتصنيع قنبلة أو بالأصح قنابل. ومن ثم يجب امتلاك التقنيات المعقدة
اللازمة لتصنيع القنبلة. ومن ثم امتلاك وسائل قذفها، سواء عبر الصواريخ (ولدى
السعودية على الأرجح صواريخ أرض - أرض تطال إسرائيل وإيران)، أو عبر قطعات
بحرية أو طائرات حربية مجهزة بشكل يسمح لها بحمل هذه القنابل وقذفها. كل ذلك أمر
بالغ التعقيد ولا يمكن التوصل إليه بسرعة. لكن امتلاك التقنية النووية، وامتلاك مفاعل
نووي، هو خطوة أولى ضرورية إذا ما كان هناك قرار بامتلاك القنبلة.
لكن يجب أن لا ننسى هنا أن ثمّة تحركاً عالمياً عميقاً نحو إتلاف جميع القنابل النووية
الموجودة. أي أن المستقبل قد يكون - وهذا ما طالب به أخيراً الرئيس الأميركي باراك
أوباما - عالماً من دون قنابل نووية. وبالتالي يمكن القول إن بناء ستراتيجية للحصول في
المدى الطويل على قنبلة نووية ليس بالضرورة خياراً مستقبلياً.
> هل القرار السعودي مرتبط بإيران؟
لا شك. ويكفي للتأكد من ذلك أن ننظر إلى تطوّر الخطاب السعودي الرسمي حول
المخاطر التي تتهدد المملكة.
ولفهم هذا التطوّر سنقارن بين موقفين رسميين سعوديين، الأوّل في 2006 والثاني في
2009.
ففي 8 كانون الأوّل/ ديسمبر 2006، اعتبر رئيس جهاز الاستخبارات العامة السعودي
الامير مقرن بن عبد العزيز (في كلمة ألقاها في إطار مؤتمر »حوار المنامة«
الستراتيجي والذي شارك فيه مسؤولون من أكثر من 20 دولة)، أن »امتلاك إسرائيل
للترسانة النووية يعد أخطر التهديدات الستراتيجية الراهنة للأمن الخليجي في المدى
القريب والمتوسط«. وأضاف أن »هذا الأمر دعا بعض دول المنطقة لأن تسعى
للاشتراك في سباق التسلح النووي«، في إشارة إلى إيران. وقال الأمير مقرن »إن
انتشار أسلحة الدمار الشامل في المنطقة سيزيد من تعقيد قضايا الأمن« فيها »بل
وسيعطي الحق لدول المنطقة لتبنّي سياسات وعقد تحالفات مع الدول التي تمتلك التقنية
في المجال النووي«. واعتبر أن ذلك سيؤدي بالدول المعتدلة إلى »المبادرة إلى برامج
نووية سرية كانت أو علنية بهدف خلق التوازن العسكري في المنطقة دفاعاً عن
مصالحها«. وأضاف الأمير مقرن أن »عدم الاستقرار في العراق (...) يلقي بظلاله
على أمن واستقرار دول الخليج الأخرى«، واستطرد: »لا شك أن استمرارية الوجود
الأجنبي في المنطقة بما فيه احتلال العراق سيساعد على تزايد حالة عدم الاستقرار
وسيسهم بشكل رئيسي في خلق عناصر التطرف فيها«.
وفي 3 آذار/ مارس 2009، دعا وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل (في كلمة
ألقاها في القاهرة عند افتتاح اجتماعات وزراء الخارجية العرب المخصصة للإعداد
للقمّة العربية التي عقدت في ما بعد في الدوحة في 30 آذار/مارس)، الدول العربية إلى
وضع »رؤية مشتركة« للتعامل مع »التحدي الإيراني« للأمن العربي. وقال الفيصل إن
جهود »المصالحة العربية والفلسطينية لن يكرّسها ويدعمها إلا توفر رؤية موحّدة
ومشتركة إزاء القضايا ذات المساس المباشر بالأمن العربي ومثل النزاع العربي-
الإسرائيلي والتعامل مع التحدي الإيراني سواء في ما يتعلق بالملف النووي أو أمن منطقة
الخليج أو إقحام أطراف خارجية في الشؤون العربية سواء في العراق أو فلسطين أو في
الساحة اللبنانية«. وكان الوزير السعودي يشير بذلك إلى التاثير الإيراني على قوى
سياسية في العراق وعلى صلات قوية تربطها بحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وبـ
»حزب الله« الشيعي اللبناني. وكانت تلك هي المرّة الأولى التي يصف فيها مسؤول
سعودي سياسة إيران في المنطقة بأنها تشكل »تحدياً« للأمن العربي.
إذاً، خلال السنوات الثلاث الأخيرة حدث تغيّر عميق في مفهوم الأمن الستراتيجي لدى
القيادة السعودية. فهي صارت تعتبر أن التهديد ليس فقط من إسرائيل، وليس فقط من عدم
استقرار العراق، بل هو أيضاً من... إيران.
وليس مصادفة، إذن، أن تنحو السعودية نحو امتلاك التقنية النووية في موازاة إدراجها
لإيران في سياق التهديدات الستراتيجية لأمنها.
> هل يمكن مقارنة المشروع النووي السعودي بالمشروع النووي الإيراني؟
لا، بتاتاً. وذلك على أصعدة عدة :
1- السعودية تعتمد خيار الشفافية والقانونية. لا تقوم بأي شيء من وراءالستار. هي
تتعاون بشكل كامل مع الأسرة الدولية.
2- السعودية لا تريدتخصيب اليورانيوم. بل تريد استيراده مخصّباً. أي أنها تطبق على
نفسها الاقتراح الذي سبق وقدمته لحل الأزمة النووية الإيرانية. ففي مطلع تشرين الثاني/
نوفمبر 2007، اقترح وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، باسم »مجلس
التعاون الخليجي«، إنشاء كونسورسيوم يزوّد دول الشرق الأوسط الراغبة بذلك
باليورانيوم المخصّب، وذلك تحت مراقبة دولية تضمن عدم عسكرة البرنامج النووي.
ولقد اعتبر الخبراء يومها أن هذه الفكرة هي خير ضمانة لتعاون دولي يمنع السباق نحو
التسلح النووي في المنطقة. غير أن إيران سارعت إلى إعلان رفضها لهذا الاقتراح
السعودي - الخليجي، معتبرة أن التخصيب حق مكتسب لها.
هذا يعني أن السعودية، برفضها التخصيب محلياً، لا تزال مصرة على موقفها حتى
اليوم، وأنها لا تريد إدخال منطقة الخليج في سباق تخصيب اليورانيوم مع كل ما يعني
ذلك من مخاطر جسيمة على المنطقة، بل على العالم.
3-السعودية تقارب الملف النووي من بابه العريض، أي أنها تتعاون مع هذه التقنية، أعلى
مستوى ممكن.
> هل يمكن مقارنة المشروع النووي السعودي بالمشاريع العربية المشابهة؟
قطعاً لا. فما قام به العراق في عهد صدام حسين وما قامت به ليبيا - القذافي وما تقوم به
سورية - بشار الأسد على ما يبدو... للحصول على التقنية النووية كانت جميعها مشاريع
تهدف إلى الاستخدام العسكري وكانت تتم في الظل والتستر وضد القانون الدولي. وهذه
المحاولات أدت إلى الكارثة ألتي شهدها العراق... ومن ثم أدت إلى إجبار ليبيا على أن
ترضخ... وها هي تخلق ملفاً تواجه فيه سورية الأسرة الدولية.
المقاربة السعودية مختلفة تماماً. السعودية تقول: لا نريد تخبئة شيء سراً. نريد ممارسة
حقنا. بل بأقل م ما يحق لنا حتى (أي إننا نتخلى عن التخصيب المحلي لأنه خطير).
> ما هي التسهيلات التي تمتلكها السعودية في مشروعها امتلاك الطاقة النووية؟ وما هي
العقبات التي تواجهها؟
تمتلك السعودية قدرة مالية هائلة تسمح لها بالحصول على أفضل ما هو موجود في مجال
هذه التقنية وفي أسرع وقت ممكن. كذلك، للسعودية علاقات جيدة بل ممتازة مع الأسرة
الدولية. فعلاقاتها جيدة مع أعضاء مجلس الأمن الخمسة... ومع جميع أعضاء
»مجموعة العشرين« التي تنتمي السعودية إليها... وهي موقّعة على معاهدة الحد من
انتشار الأسلحة النووية وعضو حالي في مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية...
وليس هناك ضدها أي قرار دولي أو إدانة أو مقاطعة أو عقوبات.
مقابل ذلك، تدخل السعودية مجالاً تقنياً معقداً هو لا شك إحدى التقنيات الأصعب في
العالم اليوم، والذي لا يمكن امتلاكه بمجرد شراء أدواته. هناك نسيج بشري وعلمي
وتقني يجب بناؤه للوصول إلى استقلالية في عالم التقنية النووية (حتى لو استمرت
السعودية في قرار عزوفها عن التخصيب محلياً). ويمكننا التأكيد هنا أن ثمّة مجموعة
من الكوادر السعوديين يتلقون حالياً تدريبات على مستوى عال جداً في أوروبا في هذا
المجال. لكن الأمر لا يمكن أن يقتصر على حفنة من المهندسين أياً كان مستواهم. لقد
مرت جميع الدول التي اعتمدت التقنية النووية بمرحلة تحضيرية طويلة. الأمر يستغرق
على الأقل جيلاً كاملاً.
> ما هو موقف إسرائيل من هذا التوجّه السعودي؟
إسرائيل التي تمتلك القوة النووية منذ عشرات السنين، والتي لم توقع معاهدة فيينا لحظر
الأسلحة النووية والتي ترفض أي تفتيش دولي وتسير خارج القانون الدولي في هذا
المجال، ترفض بشكل قاطع أي محاولة من دول عربية أو دول مناهضة لها امتلاك
التقنية النووية. فهي سارعت إلى قصف المفاعل النووي العراقي في 1981. وهي حالياً
تقود الحملة المطالبة بإجبار إيران على التخلي عن طموحاتها النووية. وهي تضغط في
الكواليس ضد رغبة فرنسا السير قدماً في التعاون النووي مع دول الخليج. وكانت ضد
الاتفاق الذي وُقع بين الولايات المتحدة والسعودية في هذا المجال. ويكفي للتأكد من ذلك
أن نقرأ ما قاله وزير الخارجية الإسرائيلي الحالي أفيغدور ليبرمان في 9 تشرين الثاني/
نوفمبر 2007 (وكان يومها وزير الشؤون الستراتيجية): »إذا بدأت مصر والسعودية
برنامجاً نووياً فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى سيناريو كارثة رهيبة بالنسبة لنا«. وأضاف :
»نواياهما يجب أن تؤخذ على محمل الجد وتهدف إلى تحضير العالم لما ستفعلانه«.
> ما هو موقف إيران من هذا التوجّه السعودي؟
إيران لا يمكنها أن تقف علناً ضد قرار السعودية امتلاك الأسلحة النووية... كونها تبني
كل موقفها على حقها كدولة مستقلة في الحصول على التقنية النووية لأغراض سلمية.
لكن في الحقيقة تعتبر إيران أن حصول السعودية على هذه التقنية، لا سيما بفترة أسرع
وبمستوى أرفع وبمباركة دولية، أمر سينتقص من أهمية الورقة التي يعتبر النظام
الإيراني أنها ذات أهمية ستراتيجية والتي يضحي بالكثير للسير فيها. ثم إن انتشار التقنية
النووية حول إيران عامل تهديد لإيران مباشرة.
> ما هو موقف الدول الخليجية والعربية الأخرى؟
لا شك في أن الدول الخليجية والعربية ستصفق علناً لحصول السعودية على التقنية
النووية. لكن في هذه اللعبة هناك حسابات وطنية وإقليمية متعددة وشائكة. لا شك، وعلى
سبيل المثال، أن بعض الدول ستشعر بشيء من »الحسد«... ناهيك عن دول أقل قدرة و/
أو أصغر حجماً... عبّرت جميعها، بشكل أو بآخر، عن رغبتها بامتلاك التقنية النووية
المدنية
.
> ما هو موقف الأسرة الدولية؟
كما ذكرنا أعلاه، جميع الدول النافذة في العالم على علاقة وثيقة بالسعودية. وجميعها يريد
تحسين علاقاته مع السعودية، بالطبع نظراً لوزنها المالي الهائل، ولكن أيضاً لأسباب
ستراتيجية (مخزونها النفطي) ومعنوية (دورها المحوري في العالمين الإسلامي
والعربي).
أضف إلى ذلك أن الدول الكبرى تنظر بشيء من الرضى إلى تعاظم قوة السعودية، لأنها
تعتبر أن ذلك يشكل ضمانة أمنية لمنابع النفط. ولا تنظر هذه الدول بقلق إلى السعودية من
ناحية إمكانية سوء استخدامها مستقبلاً للتقنية النووية. فمن ناحية، كما ذكرنا أعلاه، لا
تريد السعودية - أقله حالياً - أن تخصّب اليورانيوم... ومن ناحية أخرى يبدو النظام
السعودي ثابتاً جداً. فمنذ تأسيس المملكة في 1932، لم يتغير النظام فيها، بل انتقل من
الملك الأب المؤسس إلى أولاده. وهذه ظاهرة فريدة تجعل من النظام السعودي النظام
الحاكم الأقدم في العالم. صحيح أن هناك أنظمة ملكية أقدم (مثل بريطانيا، أو اليابان، أو
تايلاندا...) غير أنها أنظمة ملكية غير حاكمة بل رمزية. نعم، النظام السعودي كنظام
حاكم فعلاً هو الأقدم في العالم اليوم، أياً كان نوع الأنظمة.
كذلك، تعتبر الدول الكبرى أن توجه السعودية نحو امتلاك التقنية النووية هو ورقة
إضافية في الحوار مع إيران. وهو كذلك ورقة إضافية لحث إسرائيل على تخفيف
عنجهيتها. أي أن هذا القرار السعودي يصب في نهاية المطاف في إطار خلق توازن في
المنطقة، ما قد يشجع على التوصل إلى حلول سلمية.
> ما هي الأبعاد الستراتيجية لخيار السعودية امتلاك التقنية النووية؟
يكتسب قرار السعودية التوجه نحو امتلاك التقنية النووية أبعاداً ستراتيجية عدّة ومهمّة،
يمكن تلخيصها كما يلي:
- الوقوف في وجه إسرائيل كدولة متعجرفة في المنطقة.
- الوقوف فيوجه إيران كدولة متطرفة تطمح إلى فرض إرادتها على جوارها.
- إعطاء العربوزناً إضافياً في مواجهة الفرس.
- إعطاء السنّة، عرباً وغيرعرب، وزناً إضافياً في مواجهة الهجمة الشيعية.
- إعطاء العربوالمسلمين وزناً أكبر في وجه النفوذ اليهودي عبر العالم.
- حسم موضوعالصدارة في البوتقة الخليجية، لا سيما أمام دول صغيرة تعبر عن
طموحات مبالغ فيها (لا سيما قطر، ولكن أيضاً الإمارات التي كانت طيلة السنوات
الأربع الماضية ثالث شارٍ للأسلحة في العالم بعد الصين والهند والتي تريد هي أيضاً بناء
مفاعل نووي على أرضها).
- القيام بما يمليه عليها دورهاالقيادي ليس فقط خليجياً وعربياً، بل إسلامياً ودولياً مع
دخولها »مجموعة العشرين« التي تقود العالم.
هذه هي، إذن، المعطيات الأساسية المتعلقة بالطموح النووي السعودي. والمهم هو أن
الأمر لم يعد مجرد فكرة أو مشروع أو اقتراح، بل إن القرار اتّخذ مباشرة من قبل الملك
عبدالله بن عبد العزيز. وإن التنفيذ بدأ... من دون تسرّع، ولكن من دون تضييع وقت.
وفي هذا المجال النووي، لا تظهر النتيجة فقط عندما يتم تدوير المفاعل النووي بعد عشر
سنوات أو أكثر... بل إن التغير في التموضع الستراتيجي يبدأ فوراً. وهذا ما رأيناه مع
إيران التي ما زالت بعيدة عن إنتاج الطاقة النووية وبعيدة عن تصنيع القنبلة الذرية،
ولكنها منذ الآن صارت تثير الخوف حولها، بل عبر العالم.
طبعاً، كل ذلك لا يعني أن السعودية ستتراشق غداً بالقنابل النووية مع إيران ومع
إسرائيل، وهذا على أي حال لن يحصل حتى بين إيران وإسرائيل، ولا بين إسرائيل
والعرب. فهناك خط أحمر دولي نهائي يمنع اللجوء إلى الأسلحة النووية. ولا أدل على
ذلك من انهيار الاتحاد السوفياتي من دون أن يفكر ولو للحظة باستخدام واحدة من آلاف
القنابل المخزنة في ترسانته.
النقطة الأهم هي المكسب الستراتيجي والمعنوي على الصعيد السياسي. إذاً، القرار
السعودي معطى ستراتيجي جديد يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار من الآن وصاعداً. وسوف تبدأ نتائجه بالظهور على السطح رويداً