تفاصيل معركة الكرامة الخالدة في الذكرى الثانية والأربعين
عمان - بترا - تعد معركة الكرامة التي سطرها نشامى الجيش العربي في الحادي والعشرين من اذار عام 1968 صفحة من صفحات الكبرياء الاردني ورمزاً من رموز التضحية والفداء ومفصلاً مهما في تاريخ الوطن والأمة.
أهداف العدو من المعركة
لم تكن بداية معركة الكرامة كما هو معلوم الساعة .3ر5 في يوم 21 اذار 1968 فقد سبق ذلك قيام إسرائيل بهجمات عديدة ومركزة من قصف جوي ومدفعي على طول الجبهة الأردنية طوال اسابيع عديدة ومهدت لذلك ايضا باستعداد واسع النطاق في المجالات النفسية والسياسية والعسكرية ارادت من وراء ذلك تغيير الوضع العام في المنطقة والنيل من الصمود الاردني العنيـد.
وكان الاردن قد شارك الدول العربية في حرب عام 1967 حيث كانت حربا غير متكافئة وعلى اثرها تم احتلال الضفة الغربية.
وتتلخص اهداف اسرائيل في غزوها للارض الاردنية بما يلي:
أ. اراد العدو من المعركة تحطيم القيادة الاردنية وقواتها والثقة بنفسها بعدما فوجئ بالوضع الذي نشأ نتيجة لحرب حزيران وهو رفض الأردن نتائج هذه الحرب حيث بقي صامدا ثابتا بحيويته ونشاطه وتصميمه على الكفاح من اجل ازالة آثار العدوان وكانت القيادة الاسرائيلية تعتقد ان الجيش الاردني يعيش مشتتا بعد حرب حزيران فأخطأت التقدير لان القيادة الاردنية قادرة على اعادة التنظيم وبسرعة فائقة واحتلت مواقع دفاعية جديدة على الضفة الشرقية لنهر الاردن لتبقى روح القتال والتصميم على خوض المعركة في أعلى درجاتها وظهرت في صمود اردني رائع.
ب. مع ان العدو اعلن انه قام بالهجوم لتدمير قوة المقاومين العرب الا ان الهدف مغاير تماما لهذا الاعلان فالهدف كان احتلال المرتفعات الشرقية من المملكة (البلقاء) والاقتراب من العاصمة عمان للضغط على القيادة الاردنية لقبول شروط الاستسلام التى تفرضها اسرائيل والعمل على توسيع حدودها بضم اجزاء جديدة من الاردن لتحقيق احلامها المنشودة (من الفرات الى النيل) .
ج. محاولة التشبث في ارض شرقي نهر الاردن بقصد المساومة عليها وذلك نظراً للأهمية الاستراتيجية لهذه المرتفعات الأردنية ولزيادة العمق الاستراتيجي الاسرائيلي.
د. ضمان الامن والهدوء على طول خط وقف اطلاق النار مع الاردن .
هـ. توجيه ضربات مؤثرة وقوية للقوات الاردنية التي كانت توفر الحماية للمقاومين العرب.
و. زعزعة الروح المعنوية والصمود لدى الاردنيين القاطنين في منطقة الاغوار من أجل نزوحهم من اراضيهم ومزارعهم ليشكلوا اعباء جديدة على الدولة وحرمان المقاومة العربية من وجود قواعد لها بين السكان في المنطقة.
ز. المحافظة على الروح المعنوية للجيش والشعب الاسرائيلي لأن اغلبية هذا الشعب غير متجانس من حيث التركيبة السكانية التي جاءت على شكل هجرات صهيونية الى ارض فلسطين ويتخوف من احاطة العرب به فأراد العدو ان يقوم بهذه العملية لازالة حالة الرعب السائدة بين قطاعات الجيش والشعب اليهودي.
ح. اطماع اسرائيل بالمرتفعات الشرقية من الناحية العسكرية والاستراتيجية والاقتصادية فمناطق الاغوار غنية بالمصادر المائية والزراعية.
الموقف العام قبيل المعركة
لم تبدأ معركة الكرامة ساعة بدء الهجوم التي حددها الاسرائيليون واخذت طلائعهم تعبر النهر بل بدأت في اللحظة التي توقفت فيها حرب حزيران 1967 ففي الوقت الذي بدأت فيه القيادة العامة الاردنية تعيد تنظيم قواتها وتأخذ خطا ً دفاعياً جديدا ً بوقف الزحف الصهيوني على الارض العربية بدأ العدو غاراته الانتقامية ضد الاهداف المدنية , فقتل الابرياء ودمر المنازل واتلف المزروعات فقد خططت اسرائيل للهجوم على جبهة واسعة والاختراق في النقاط الضعيفة ثم الاندفاع لتأمين الاهداف الحيوية التي تناسب استراتيجيتها .
وقبل المعركة بأيام دعا الحاكم العسكري الاسرائيلي في الضفة الغربية رؤساء البلديات وابلغهم بانهم مدعوون للغداء معه في عمان وهكذا كانت القوات الاسرائيلية بشوق للقاء الجيش العربي وخاب ظنها وتلقت درسا لن تنساه.
وفي 14 آذار عام 1968 وصلت القيادة الاردنية معلومات تفيد بوجود حشود معادية على طول الواجهة الاردنية من طبريا شمالا حتى غور الصافي جنوبا وفي الايام التالية ضاعف العدو من نشاطاته في الكشف والاستطلاع والتصوير مع وجود نشاط مكثف على واجهة الفرقة الاولى في القطاع الاوسط وكانت الفرقة تدافع بثلاثة الوية في الامام ولواء مدرع احتياط حيث كانت القوات الاردنية في مرحلة اعادة التنظيم ينقصها السلاح والذخيرة والمعدات.
ازداد الموقف وضوحا في الايام التالية، حيث اصدرت مديرية الاستخبارات العسكرية الاردنية تقريرا مفصلا بينت فيه حركات العدو ونواياه المحتملة.
وفي يوم 20 آذار 1968 جمع قائد الفرقة الاولى قسم أمره ، وشرح لهم الموقف كاملا واكد ان العدو يعد لعدوان جديد قريب جدا وطلب اتخاذ التدابير الكفيلة بهزيمة العدو ومنعه من تحقيق مقصده.
وكانت الفرقة تدافع بلواء القادسية على محور العارضة ولواء الاميرة عالية على محور وادي شعيب ولواء حطين على محور ناعور واللواء المدرع / 60 احتياط في الخلف وكتيبة دبابات موزعة على قوات الحجاب في الامام .
وكانت خطة العدو تقضي بان يسلك الطرق التي تمر فوق الجسور الثلاثة وتؤدي الى الضفة الشرقية وهي :
أ. جسر داميا ( الامير محمد وتؤدي الى المثلث المصري ثم يتفرع منها طريق مثلث العارضة – السلط – عمان وطريق ترابي من مثلث المصري – عين فنوش – الصبيحي –السلط – عمان وطريق اريحا .
ب. جسر الملك حسين ( اللنبي ) – الشونة الجنوبية وادي شعيب – السلط – عمان واخيرا مثلث النبي موسى – اريحا . ج. جسر الامير عبدالله ( سويمة ) – ناعور عمان .
غابت شمس يوم 20 آذار وحل الهدوء الذي يسبق العاصفة وكل ضابط وجندي يرقب بدء المعركة بفارغ الصبر .
وتحت جنح الظلام كانت فوهات البنادق وسبطانات المدافع الاردنية صامتة مستعدة للانطلاق عند سماع كلمة ( ارم ) وكانت عيون الجنود والضباط تشع بالترقب كلما اقترب الفجر المصبوغ بلون الارجوان واتجهت القلوب والافكار الى الغرب متشوقة إلى ما يخبئه القدر وكان الكل يصلي ويدعو الله ان يمنحه الشهادة والنصر لجيشه واشتد الصمت وتثاقل على قلوب الابطال حتى كاد كل جندي يهمس متى تاتي المعركة.
سير احداث المعركة - محاور القتال
دفعت القيادة العسكرية الإسرائيلية بقواتها في هجوم مكثف صباح يوم 21 آذار الساعة 5.30على ثلاثة محاور هي:
: أ. محور جسر الامير محمد – المثلث المصري – العارضة .
ب. محور جسر الملك حسين – طريق ناعور .
ج. محور جسر الامير عبد الله – الشونة الجنوبية .
د.بالاضافة الى محور رابع جنوب البحر الميت للتضليل هو محور غور الصافي محاولة بذلك تشتيت القوات الاردنية .
العمليات القتالية سير احداث المعركة
اقتحمت القوات الاسرائيلية مع انبثاق فجر الخميس 21 آذار ضفة النهر ونسوا ان هناك على الضفة الاخرى رجالا اشداء ذو بأس وعزيمة قوية محققين قول الله تعالى ( يا ايها الذين آمنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ) .
صبيحة يوم 21 آذار بدأ هجوم العدو بعد قصف تمهيدي ثقيل ومركز على طول الواجهة وقد نفذ العدو عمليته على ثلاثة محاور رئيسية هي محور العارضة ومحور وادي شعيب ومحور سويمة.
أ. القتال على محور العارضة
(1) استطاعت القوات الاسرائيلية على هذا المحور اجتياز جسر الامير محمد وعبور نهر الاردن تحت ستار نيران كثيفة جدا من جميع اسلحة المدفعية والدبابات والرشاشات المتوسطة وبعد عبورها مباشرة اصطدمت بقوات الحجاب الاردنية وشوغلت بنار المدفعية الثقيلة ولكنها بالرغم من الاصابات المبرحة بين صفوفها استطاعت اختراق الحجاب واستمرت في الاندفاع نحو الشرق وقبل ان تصل الى تقاطع المثلث المصري كانت مجبرة على التوقف واعادة التنظيم بسبب القصف المستمر من القوات الاردنية .
(2) وخلال تلك الفترة حاول العدو مد جسرين متحركين قرب جسر الامير محمد المدمر الا ان قصف المدفعية الشديد حال دون ذلك واخذ العدو يقصف جميع المواقع والمراكز الدفاعية للجيش الاردني بالطائرات والمدافع والدبابات محاولا مرة اخرى التقدم نحو المرتفعات الشمالية لكن دون جدوى لصمود المقاتلين الاردنيين واستماتتهم على ارض وطنهم وعند الظهيرة صدرت الاوامر بالتراجع الى غربي النهر ليترك العدو العديد من الخسائر في المعدات والارواح .
ب. القتال على محور وادي شعيب
(1) كان الهجوم الرئيسي بشكل شديد وزخم وموجه نحو الشونة الجنوبية وكانت قواته الرئيسية المخصصة للهجوم مركزة على هذا المحور الذي يمكن التحول منه الى بلدة الكرامة والى الرامة والكفرين جنوبا واستخدم العدو في هذه المنطقة لواءي مشاة آلي مسندة بالمدفعية والطائرات .
(2) وفي بداية القتال على هذا المحور دفع العدو بفئة دبابات عبر جسر الملك حسين واشتبكت مع قوات الحجاب القريبة من الجسر الا ان قناصي الدروع الأشاوس تمكنوا من تدمير تلك الفئة وبعدها قام العدو بقصف شديد ومركز على المواقع الاردنية ودفع بكتيبة وسرية محمولة وتعرضت تلك القوة الى قصف مدفعي مستمر تمكنت من الحد من اندفاعه الا انه دفع بمجموعات اخرى من دروعه ومشاته وبعد قتال مرير استطاعت هذه القوات التغلب على قوات الحجاب ومن ثم تجاوزتها ووصلت الى مشارف بلدة الكرامة من الجهة الجنوبية والغربية حيث اصطدمت مع قوة الحجاب المتواجدة في البلدة واستطاع الاسرائيليون اختراق هذه القوة والتحرك باتجاه البلدة مدمرين جميع الابنية في اماكن تقدمهم ، وقد قام الاسرائيليون بإنزال الموجة الاولى من المظليين شرقي الكرامة لكنها تكبدت خسائر كبيرة ثم قاموا بانزال اخر وتمكنت هذه الموجة من دخول الكرامة وبدأت بعمليات تدمير لبنايات البلدة وقاتلت السكان وقوة الحجاب من شارع الى اخر ومن بناية الى اخرى وبعد هجوم معاكس من القوات الاردنية على قوات العدو في الكرامة وحيث اشتدت ضراوة القتال في المنطقة طلب العدو وقف اطلاق النار الا أن القائد الأعلى المغفور له جلالة الملك الحسين لم يوافق على طلبهم وبدأ العدو الانسحاب وتمكنت القوات الأردنية من التدخل في عملية الانسحاب وحولته الى انسحاب غير منظم فترك العدو عددا من آلياته وقتلاه في أرض المعركة .
ج . القتال على محور ناعور
حاول العدو القيام بعملية عبور من هذا المحور وهو جسر الامير عبدالله باتجاه ناعور عمان وحشد لهذا الواجب قوات مدرعة ممهدا لاندفاعه هذا بحملة اعلامية مستخدما المنشورات التي كان يلقيها على السكان من الطائرات والتي تدعوهم الى الاستسلام وعدم المقاومة كما قام العدو بعمليات قصف جوي مكثف على مواقع قواتنا بالاضافة الى المراكز والمخافر والمباني الآهلة بالسكان، إلا أن قواتنا تمكنت من الحيلولة دون تحقيق هدفه ودمرت له القسم الاكبر من معدات التجسير والاليات الا ان قوات العدو والتي اتت من محور وادي شعيب جعلت قواتنا في موقف حرج اذ كانت قوات الحجاب بين تلك القوات وبين النهر وكان لمقاومة قواتنا بالمدفعية ونيران الدبابات واسلحة مقاومة الدروع الاثر الاكبر في ايقاف تقدم العدو .
حيث واجه العدو في كل موقع وموقف مقاومة شديدة نتج عنها خسائر كبيرة بين صفوفه رغم تفوقه بالعدد والعدة مما حدا به الاستعانة باحدى قواته المحمولة جواً للتقليل من شدة المقاومة والخسائر.
د. القتال على محور غور الصافي
قام العدو بحشد بعض القطعات في هذا المحور للتضليل وتشتيت الجهد وانزل بعض قواته بالطائرات العمودية الا انها واجهت مقاومة عنيفة اجبرتها على الانسحاب. لقد صدرت الاوامر الى القوات الاسرائيلية المهاجمة بالانسحاب حوالي الساعة 1500 بعد ان رفض جلالة الملك الحسين وقف اطلاق النار ولم تنته عمليات الانسحاب للقوات الاسرائيلية المؤلفة من 15 الف مقاتل حتى الساعة 2030 مساء نظراً للصعوبة التي عاناها الاسرائيليون في التراجع وبفضل القصف المركز من جانب القوات الاردنية.
الهجوم المعاكس : عندما شعرت القيادة الأردنية بان قوات العدو فقدت زمام المبادرة اصدرت اوامرها الى اللواء المدرع / 60 للقيام بعملية الهجوم المعاكس لطرد العدو من الاراضي الاردنية فتقدم هذا اللواء على ثلاثة محاور تحت اسناد كثيف ومركز من المدفعية وتمكن من ايقاع الخسائر الكبيرة بقوات العدو المنسحبة وكانت خسائره بالارواح والمعدات فادحة بالرغم من السيطرة الجوية للعدو والتي قامت بغارات جوية كثيفة جداً استهدفت المواقع الدفاعية وحال دون تحقيق مآربها الارادة والايمان الراسخ بالهدف والعقيدة القتالية للدفاع عن الأرض.
انتهاء المعركة ونتائجها خسائر الطرفـــــين
أ . خسائر العدو :
الافــــراد : عدد القتلى 250 قتيلا عدد الجرحى 450 جريحاً الاليـــــات : تدمير 88 آلية مختلفة تمكن العدو من اخلائها وقد شملت 27 دبابة و 18 ناقلة و 24 سيارة مسلحة و 19 سيارة شحن .
20 دبابة وآلية مختلفة بقيت في ارض المعركة اسقاط 7 طائرات مقاتـلة.ب . قواتــــنا الباســــلة :
الافـــــــراد : عدد الشهداء 87 شهيدا عدد الجرحى 108 جرحى الاليــــــات تدمير13 دبابـــــة تدمير 39 الية مختلفــة
تحليل عام للمعركة( مسببات الانتصار الاردني والفشل الاسرائيلي ):
1. الايمان عنصر فعال واساسي لتحقيق النصر
2. القيادة الحكيمة حيث كان للقيادة الهاشمية الحكيمة والاسرة الاردنية الواحدة والقادة العسكريين على مختلف الاصعدة الاثر الاكبر في صنع القرار العسكري والتخطيط من اجل معركة الكرامة.
3. ففي معركة الكرامة آمن جنود الجيش العربي بالله والهدف الذي يقاتلون من اجله وهو حقهم العادل والشريف في الدفاع عن ارضهم وكرامتهم فكان التصميم والصمود.
4.جسدت هذه المعركة اهمية الادارة لدى الجندي العربي والتي كانت متقنة وذات كفاءة عالية والتي ساهمت بشكل فعال وحاسم في نجاح المعركة فكانت عمليات الادامة من اسلحة واغذية واتصالات عاملا مهما في تحقيق النصر على الاعداء الذين دخلوا ارضنا معتقدين انهم قد خرجوا في نزهة متناسين حسن تصرف وكفاءة الجيش العربي.
5.أهمية الاعداد المادي والمعنوي حيث كان هذا الاعداد على اكمل وجه فمعنويات الجيش العربي مرتفعة فترقبوا يوم الثأر والانتقام من عدوهم حيث تمتعوا بشجاعة وحماس عجيبين وانتظروا ساعة الصفر بفارغ الصبر للرد على الظلم والاستبداد بعد ان اعدوا العدة وجهزوا انفسهم لهذا اللقاء وعلى العكس من ذلك كان الجندي الاسرائيلي محطم المعنويات ووجد مربوطا بالسلاسل في دبابته.
6.التخطيط والتحضير والتنفيذ الجيد من قبل الجيش العربي حيث التحضير لكل ما تحتاجه أي معركة فعلية مع العدو الصهيوني سيما ان تاريخه حافل بشن العدوان وبذلك ترقب الجيش العربي تهور الصهاينة بالتخطيط الفعال والتنفيذ على اكمل وجه.
7.أهمية الجانب الاستخباراتي، اذ لم ينجح العدو بتحقيق عنصر المفاجأة في معركة الكرامة نظرا لقوة الاستخبارات العسكرية الاردنية والتي كانت تراقب الموقف عن كثب وتبعث بالتقارير لذوي الاختصاص حيث تمحص وتحلل النتائج فتنبأت بخبر العدوان مما اعطى فرصة للتجهيز والوقوف في وجهها.
8.الاستخدام الصحيح للارض حيث اجاد جنود الجيش العربي الاستخدام الجيد لطبيعة المنطقة وحسب السلاح الذي يجب ان يستخدم وامكانية التحصين والتستر الجيدين بعكس العدو الصهيوني الذي هاجم بشكل كثيف دون معرفة بطبيعة المنطقة.
9. امكانية تحقيق النصر بالدفاع فقد كانت دفاعات الجيش العربي وتحصيناته مدروسة ومنفذة بحيث ترصد قطاعات العدو وتدمرها من حيث لا تشعر فنجح اسلوب الدفاع مع عمليات الاعاقة.
10.التعاون بين مختلف صفوف الأسلحة كان له الأثر الأكبر في صنع النصر حيث كان تعاونا جيدا مدروسا ومخططا له بين مختلف صنوف الأسلحة لاعطاء كثافة نارية جيدة ومعرفة متى واين وكيف ولماذا يستخدم هذا السلاح او ذاك .
11.وقوف الشعب مع قواته المسلحة،حيث اكدت معركة الكرامة تلاحم ابناء الوطن جيشا وشعبا لصد الخطر الداهم الذي يريد الشر للاردن والذي لا يميز بين جندي او مواطن فكانت وقفة رائعة دحرت العدو ومنعته من تحقيق اهدافه .
العبر والدلالات والدروس المستفادة من المعركة: ومن استقرائنا لمعركة الكرامة نستنتج الدروس والعبر التالية :
أ. فشل مخططات العدو في النيل من صمود الجيش العربي والإرادة الأردنية بل على العكس فقد اعادت هذه المعركة الثقة والعزم والارادة .
ب.لم يكن هدف اسرائيل من المعركة القضاء على قوة المقاومة العربية في الاغوار وانما احتلال المرتفعات الشرقية كونها المانع الطبيعي الوحيد امام مخططاتهم ( مشروع اسرائيل الكبرى ) ولكن فشلت خططهم امام تمسك الجندي الاردني بأرضه والاستماتة في الدفاع عنها.
ج. فشلت اسرائيل بالتمسك بأي شبر من ارض الغور بهدف ضرب اقتصاد المملكة زراعيا.
د.فشلت اسرائيل بارغام الاردن بالدخول في أي تسوية سلمية وكان ذلك من اكبر اهدافهم التي يريدونها من هذه المعركة.
هـ. فشلت اسرائيل في توجيه ضربات قوية للقوات الاردنية وتحطيمها .
و.فشلت اسرائيل بتوسيع رقعة حدودها وعمقها الاستراتيجي على حساب الاردن
ز.فشلت اسرائيل في زعزعة الروح المعنوية للجيش العربي الذي اثبت انه يقاتل بشراسة ومعنويات عالية اسقطت اسطورتهم ( الجندي الاسرائيلي الذي لا يقهر ).
ح.فشلت اسرائيل في المحافظة على الروح المعنوية لجيشها ومواطنيها فكانت هزيمة افرزت السخط والاستياء العام لدى اسرائيل لفداحة الخسائر المادية والمعنوية في الارواح والمعدات.
ط.اثبتت المعركة تصميم الجندي الاردني وتمسكه بالعقيدة والايمان بالحق فاما نصر من الله او شهادة في سبيله وكشفت المعركة جبن وخداع القادة الاسرائيليين حيث وجد بعض الجنود الاسرائيليين موثقين بالسلاسل داخل دباباتهم.
ي. اعادت هذه المعركة الهيبة للامة العربية بعد يأس اصابها في معارك 1967 فأثبتت ان العرب قادرون على رد العدوان والتصدي له.
ك.اثبتت المعركة فشل مخططات العدو وبانه غير قادر على خوض المعارك الطويلة لعدم توفر الكفاءة القتالية لديه.
س.هناك حقيقة تاريخية ان الاسرائيليين في كل معاركهم ضد العرب سواء حرب 48 او 67 او 73 لم يكونوا اقل عدة او عدد من القوات العربية بل على العكس كانوا يتفوقون في مجال العدة والعدد والامكانيات المادية مع انهم كانوا يحاولون اظهار ان العرب يتفوقون عليهم بالعدد والعدة لرفع الروح المعنوية لديهم حيث تولدت عندهم ( فكرة الجندي الاسرائيلي الذي لا يقهر ) حيث اثبتت معركة الكرامة خطأ هذه الفكرة لان الجيش الاردني حقق انتصارا باهرا في معركة الكرامة رغم تفوق العدد والعدة لا سيما المجال الجوي.
ردود الفعل واقوال في معركة الكرامة
في الاردن، اشاد الاردنيون وعلى مختلف الاصعدة بمعركة الكرامة وما حققته من امجاد في السجل الاردني المشرف ، وابرز ما قيل في ذكرى الكرامة ما قاله المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال القائد الأعلى للقوات المسلحة في رسالته التي وجهها الى الجيش العربي اثر انتهائها :
« يا اخوتي في السلاح يا حصن الاردن الحصين ودرع العرب المتين يا معدن الفخر وينبوع الكبرياء ، يا ذخر البلد وسند الامة ، واصل البطولة والفداء .
احييكم تحية اكبار لا تقف عند حد ، وتقدير لا يعرف نهاية ، وابعث مثلها الى اهلي من ذوي الابطال الذين سقطوا في ساحات الوغى بعد ان اهدوا الى بلدهم وامتهم انبل هدية واعطوا وطنهم وعروبتهم اجزل العطاء فلقد كنتم جميعا والله امثولة يعز لها النظير في العزم والايمان ، وقمة ولا كل القمم في التصميم والثبات ، وضربتم في الدفاع عن قدسية الوطن والذود عن شرف العروبة امثولة ستظل تعيش على مر الزمان.
واذا كان لي ان اشير الى شيء من الدروس المستفادة من هذه المعركة يا اخوتي ان الصلف والغرور يؤديان الى الهزيمة وان الايمان بالله والتصميم على الثبات مهما كانت التضحية هما الطريق الاول الى النصر وان الاعتماد على النفس اولا واخيرا ووضوح الغاية ونيل الهدف هي التي منحتنا الراحة حين تقرر اننا ثابتون صامدون حتى الموت مصممون على ذلك لا نتزحزح ولا نتراجع مهما كانت التحديات والصعاب«.
وفي اسرائيل ، وصف قائد مجموعة القتال الاسرائيلية المقدم آهارون بيلد المعركة فيما بعد لجريدة دافار الاسرائيلية بقوله : لقد شاهدت قصفا شديدا عدة مرات في حياتي لكنني لم ار شيئا كهذا من قبل لقد اصيبت معظم دباباتي في العملية ما عدا اثنتين فقط .
وقال حاييم بارليف رئيس الاركان الاسرائيلي في حديث له ان اسرائيل «فقدت في هجومها الاخير على الاردن آليات عسكرية تعادل ثلاثة اضعاف ما فقدته في حرب حزيران».
وقال عضو الكنيست اشلومر اجروستك» لا يساورنا شك حول عدد الضحايا بين جنودنا»، وقال عضو الكنيست توفيق طوبي « لقد برهنت العملية من جديد ان حرب الايام الستة لم تحقق شيئا ولن تحل النزاع العربي الاسرائيلي».
وقال عضو الكنيست اشموئيل تامير» نطالب بتشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في نتائج الحملة على الاراضي الاردنية لان عدد الضحايا اكبر نسبيا في القوات الاسرائيلية».
وقال اوري افنيري ان العملية العسكرية «اثبتت انه لا يمكننا تحقيق حل عسكري للقضية هذا يثبت مدى الارتياح والفرحة الغامرة والشعور بالعز والرجولة لدى مختلف الاوساط الاردنية وعلى النقيض فهناك السخط والتنديد والخيبة والخسران لدى الاوساط الاسرائيلية».
*اعداد مديرية التوجيه المعنوي