القدس رايتنا
م. محمد سيف الدولة
في الحروب القديمة، كان لكل جيش من المتحاربين راية، يحملها مقاتل شجاع، يتمّ انتقاؤه بعناية، مهمّته الوحيدة هي الإبقاء عليها مرفوعة مرفرفة على الدوام. وكان يكلَّف بالصمود حتى اللحظة الأخيرة مهما كانت الصعاب أو اشتدّ الكرّ والفرّ أو حمى وطيس المعركة.
وفى مواجهة احتمالات الهزيمة، كان يوصي بأن يكون هو آخر المتراجعين أو المنسحبين، وأن يحاول إن جُرح أو ضُرب في مقتل، أن يرفع رايته ولو لبضعة دقائق إضافية، إلى أن يتسلّمها منه مقاتل جديد.
لماذا ؟
لأنه فى ذروة القتال حين يكون كل امرئ مشدودا بكل جوارحه إلى ظرفه الخاص من كرٍّ وفرّ، وهجومٍ ودفاع، وحين تكون حياته على المحك، كانت أطرف الأعين تسترق اللمحات الخاطفة إلى راياتها. فإن وجدتها متقدمة ومقتحمة لصفوف العدو، دلّ ذلك على أنَّ النصر قريب، فزادهم ذلك همّةً وحماسة وقدرة على التحمّل ومواصلة القتال.
وإن تراجعت الرايات، أدركوا أن أحوال المعركة لا تسير لصالحهم، فتهتزّ ثقتهم قليلا أو كثيرا، فيتدبّرون أمرهم، ويبحث قادتهم عن خطط وتكتيكات جديدة.
كانت حركة الراية ومكانتها وموضعها أثناء المعارك تقوم بالدور نفسه الذي تقوم به اليوم البيانات العسكرية وأجهزة الإعلام وإدارات الشؤون المعنوية.
وكان ظهور راية الجيش المهاجم فى قلعة العدو، بمثابة إعلان أن الحصار قد نجح وأن الحصن على وشك السقوط.
وإن سقطت الراية، واختفت، ولم يعد هناك من يرفعها، كان هذا مؤشرا على هزيمة أصحابها واندحارهم.
إنَّ القدس بهذا المعنى البسيط، هى رايتنا كعرب ومسلمين، وسقوطها يختلف عن سقوط غيرها من المدن العربية، كحيفا وغزة ورام الله وبغداد. فسقوطها يعنى سقوط حامل الراية، الذى مات أو استشهد أو انكسر أو جبن عن أن يحمل رايته ورمز أمّته.
فالحروب الصليبية التى دارت معاركها من 1096 حتى 1291، شاهدت سقوط عديد من المدن والإمارات العربية والإسلامية في يد الغزاة، ولكن كان لسقوط القدس عام 1099 دَويٌّ أليم، وكأنّها عاصمة الأمَّة.
وكذلك شاهدت هذه الفترة نفسها انتصارات ومعارك تحرير عربية إسلامية كثيرة فى عهود عماد الدين زنكي، ونور الدين محمود، والناصر داود الأيوبى، والظاهر بيبرس، والمنصور قلاوون.
ولكن كان لتحرير القدس على يد جيش صلاح الدين عام 1187 وقع مختلف ودلالة تاريخية فارقة.
وعندما مات صلاح الدين، كان لا يزال هناك عدد من الإمارات الصليبية فى أراضينا، ولكن معركة حطّين كانت هى الضربة القاصمة التى توالى بعدها انهيار المشروع الصليبي بأكمله.
ولكن لِمَ للقدس؟:
أولاً : لما لها عندنا من قدسية خاصة منذ أسرى الله سبحانه وتعالى بالرسول عليه الصلاة والسلام إلى المسجد الاقصى. وهو الرسول الذى مثّلت رسالته، نقطة انقلاب كبيرة فى تاريخ هذه المنطقة، فبها أسلمنا وتعرّبنا، وخرجت إلى الحياة أمّتنا العربية الإسلامية الواحدة، أمّة وليدة جديدة، كانت على امتداد 12 قرنا متصلة، واحدة من القوى الكبرى فى العالم.
وثانياً : لأنّ القدس هى البوابة التي كان المعتدون على مرّ التاريخ سواء من الصليبيين أو الصهاينة، يحاولون الولوج منها إلى أوطاننا، بذرائع دينية كاذبة.
فهي أرض المسيح التى يجب تحريرها من العرب الكفرة، وفقا لخطبة البابا أربان الثاني فى فرنسا عام 1095 م.
وهي الأرض المقدسة لليهود، التى ذكرت فى التوراة أكثر من 660 مرّة، وفيها هيكلهم المزعوم، والتي احتلها الغزاة العرب المسلمون على امتداد 14 قرنا، حسب فتاوى الحاخامات والقادة الصهاينة المعاصرين.
فجميع الغزاة، استخدموا القدس لاختلاق مشروعية دينية مقدسة لغزواتهم، علَّهم ينجحون بذلك فى انتزاع مشروعية قومية، مشروعية لاغتصاب أوطاننا والبقاء فيها.
وكان رد أسلافنا على مر التاريخ، هو القتال لطرد الغزاة وتحرير الأرض المغتصبة، انطلاقا من الحقيقة التاريخية الموضوعية، وهي أنَّ هذه أرضنا نحن، التى تعرّبت وتعرّبنا معها منذ الفتح الاسلامي، وعشنا فيها واستقرّينا عليها قرونا طويلة، ولم نغادرها أبدا منذ ذلك الحين، فاختصصنا بها دوننا عن غيرنا من الشعوب والأمم.
أمّا المقدّسات الدينية فإنها لا تعطي وحدها، أهل هذا الدين أو ذاك، أيّ حقٍّ في امتلاك الأرض التى تحتضن مقدّساتهم. فالأمم ليست مقدّسات فقط، وإنما هي أيضا شعب وأرض وتاريخ طويل ولغة واحدة وحضارة متميّزة ولا نقول ممتازة.
وهكذا كانت القدس على الدوام رمزا للجميع : رمز لهويتنا العربية الإسلامية، وهي هوية صادقة وحقيقة موضوعية ثابتة تاريخيا.
وكانت أيضا رمزا كاذبا ومختلقا ومسروقا للصهاينة ومن قبلهم الصليبيين.
· وبالتالي فإنّ حماية القدس من السقوط، هي في الأولوية دائما، لأن حمايتها تمثل حائط صدٍّ ضدَّ تحصين الاغتصاب الصهيوني بمشروعية دينية زائفة.
· ولأنَّ الدفاع عنها هو دفاع عن اختصاصنا التاريخي بكلِّ فلسطين، بل وكلّ الأرض العربية.
· ولأنَّها قضية لا يملك أحدٌ فى السلطة الفلسطينية أو غيرها أن يدّعي اختصاصه وانفراده بها، فهي قضية كل العرب والمسلمين، وليست قضية فلسطينية فقط، وهو ما يستدعي من ناحية أخرى إخراجها من أجندة المفاوضات العبثية بين السلطة والصهاينة.
· ولأنَّها قادرة برمزيتها المقدّسة، على تعبئة جماهيرنا في كلّ مكان للاشتباك مع العدوّ الصهيوني، فهي البوابة الأنسب لهذه المهمّة.
· وأخيرا وليس آخرا، لأنها قضية ملحّة وعاجلة، حيث يقوم العدو الآن بتصعيد وتكثيف العدوان عليها، لهضمها وابتلاعها في أقرب وقت.
التهويد قديم:
ومسلسل اغتصاب القدس وتهويدها قديم، بدأ منذ بدايات الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1922، عندما تركّزت الهجرات اليهودية الوافدة، غرب المدينة القديمة، لتكون نواة ما يسمّونه الآن بالقدس الغربية. ثم توالى المسلسل باغتصاب القدس الغربية عام 1948 ضمن ما تمَّ اغتصابه من فلسطين. وقام الصهاينة بطرد ما يقرب من 60 ألف عربي من القدس الغربية. ثم جاء احتلال ما تبقّى من فلسطين عام 1967، وما تلاه عام 1980 من ضمّ القدس الشرقية إلى الغربية تحت اسم القدس الموحدة عاصمة لدولة الكيان. لتتابع الاعتداءات ببناء أحزمة من المستوطنات لحصار المدينة القديمة من الشرق لعزلها عن محيطها العربي، والحيلولة دون امتدادها وتوسّعها شرقا، لوأد أي مشروع لاسترداد القدس الشرقية في أي مفاوضات مستقبلية. وذلك مع زرع أكبر عدد من المستوطنين الصهاينة في القدس الشرقية ليبلغ عددهم فيها الآن 200 ألف مستوطن، ويبلغ عددهم فى القدس الموحدة، شرقية وغربية 500 ألف يهودي.
ولنتذكر معا أنّ جملة عدد اليهود فى كل فلسطين عام 1917 لم يتعدَّ 60 ألفاً، وهو ما جعلهم يكتفون بطلب حق إقامة وطن قومى لهم هناك، ولكن عام 1947 عندما بلغ عددهم 650 الفاً، كان عندهم الشجاعة والجرأة أن يطالبوا بدولة وليس مجرّد وطن، وهو ما أخذوه بالفعل من الأمم المتحدة فيما سمّي بقرار التقسيم.
ولكن الآن بلغ عددهم كما أسلفنا نصف مليون يهودي فى القدس وحدها. فلنا أن نتصوّر حجم المشكلة وعمق التهويد الذي تمَّ هناك. والذي يستكملونه على قدمٍ وساق بالتربّص بالمسجد الأقصى وإزالة منازل أهالينا المقدسيين وغيرها من الإجراءات اليومية التى كادت أن تنجح فى التهويد الكامل لمدينتنا المقدسة.
والراية على وشك السقوط:
وطوال هذه العقود، لم تتوقّف مقاومتنا للمشروع الصهيوني عامة، ولتهويد القدس على وجه الخصوص، فمنذ ثورة البراق فى أغسطس 1929 وإعدام قادتها الثلاثة، الشهداء عطا الوزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي فى سجن عكا في 17 يونيو 1930. إلى آخر انتفاضة سبتمبر 2000، وما تلاها من صمود ومقاومة بطولية، يمارسها شعبنا الأعزل هناك يوميا، في مواجهة زبانية الصهاينة وآلاتهم العسكرية.
إنّ أبطالنا المقدسيين، يلتزمون بوصايا الأجداد، فهم لا يزالون يحملون الراية، ويحفظونها من السقوط بما تبقّى لهم من طاقة. ولكن جروحهم أًثخنت، وهم في انتظار مقاتلين جدد، يشدّون من أزرهم، ويتسلّمون منهم الراية التي كادت أن تسقط، فهل من مجيب ؟
عن رابطة أدباء الشام
م. محمد سيف الدولة
في الحروب القديمة، كان لكل جيش من المتحاربين راية، يحملها مقاتل شجاع، يتمّ انتقاؤه بعناية، مهمّته الوحيدة هي الإبقاء عليها مرفوعة مرفرفة على الدوام. وكان يكلَّف بالصمود حتى اللحظة الأخيرة مهما كانت الصعاب أو اشتدّ الكرّ والفرّ أو حمى وطيس المعركة.
وفى مواجهة احتمالات الهزيمة، كان يوصي بأن يكون هو آخر المتراجعين أو المنسحبين، وأن يحاول إن جُرح أو ضُرب في مقتل، أن يرفع رايته ولو لبضعة دقائق إضافية، إلى أن يتسلّمها منه مقاتل جديد.
لماذا ؟
لأنه فى ذروة القتال حين يكون كل امرئ مشدودا بكل جوارحه إلى ظرفه الخاص من كرٍّ وفرّ، وهجومٍ ودفاع، وحين تكون حياته على المحك، كانت أطرف الأعين تسترق اللمحات الخاطفة إلى راياتها. فإن وجدتها متقدمة ومقتحمة لصفوف العدو، دلّ ذلك على أنَّ النصر قريب، فزادهم ذلك همّةً وحماسة وقدرة على التحمّل ومواصلة القتال.
وإن تراجعت الرايات، أدركوا أن أحوال المعركة لا تسير لصالحهم، فتهتزّ ثقتهم قليلا أو كثيرا، فيتدبّرون أمرهم، ويبحث قادتهم عن خطط وتكتيكات جديدة.
كانت حركة الراية ومكانتها وموضعها أثناء المعارك تقوم بالدور نفسه الذي تقوم به اليوم البيانات العسكرية وأجهزة الإعلام وإدارات الشؤون المعنوية.
وكان ظهور راية الجيش المهاجم فى قلعة العدو، بمثابة إعلان أن الحصار قد نجح وأن الحصن على وشك السقوط.
وإن سقطت الراية، واختفت، ولم يعد هناك من يرفعها، كان هذا مؤشرا على هزيمة أصحابها واندحارهم.
إنَّ القدس بهذا المعنى البسيط، هى رايتنا كعرب ومسلمين، وسقوطها يختلف عن سقوط غيرها من المدن العربية، كحيفا وغزة ورام الله وبغداد. فسقوطها يعنى سقوط حامل الراية، الذى مات أو استشهد أو انكسر أو جبن عن أن يحمل رايته ورمز أمّته.
فالحروب الصليبية التى دارت معاركها من 1096 حتى 1291، شاهدت سقوط عديد من المدن والإمارات العربية والإسلامية في يد الغزاة، ولكن كان لسقوط القدس عام 1099 دَويٌّ أليم، وكأنّها عاصمة الأمَّة.
وكذلك شاهدت هذه الفترة نفسها انتصارات ومعارك تحرير عربية إسلامية كثيرة فى عهود عماد الدين زنكي، ونور الدين محمود، والناصر داود الأيوبى، والظاهر بيبرس، والمنصور قلاوون.
ولكن كان لتحرير القدس على يد جيش صلاح الدين عام 1187 وقع مختلف ودلالة تاريخية فارقة.
وعندما مات صلاح الدين، كان لا يزال هناك عدد من الإمارات الصليبية فى أراضينا، ولكن معركة حطّين كانت هى الضربة القاصمة التى توالى بعدها انهيار المشروع الصليبي بأكمله.
ولكن لِمَ للقدس؟:
أولاً : لما لها عندنا من قدسية خاصة منذ أسرى الله سبحانه وتعالى بالرسول عليه الصلاة والسلام إلى المسجد الاقصى. وهو الرسول الذى مثّلت رسالته، نقطة انقلاب كبيرة فى تاريخ هذه المنطقة، فبها أسلمنا وتعرّبنا، وخرجت إلى الحياة أمّتنا العربية الإسلامية الواحدة، أمّة وليدة جديدة، كانت على امتداد 12 قرنا متصلة، واحدة من القوى الكبرى فى العالم.
وثانياً : لأنّ القدس هى البوابة التي كان المعتدون على مرّ التاريخ سواء من الصليبيين أو الصهاينة، يحاولون الولوج منها إلى أوطاننا، بذرائع دينية كاذبة.
فهي أرض المسيح التى يجب تحريرها من العرب الكفرة، وفقا لخطبة البابا أربان الثاني فى فرنسا عام 1095 م.
وهي الأرض المقدسة لليهود، التى ذكرت فى التوراة أكثر من 660 مرّة، وفيها هيكلهم المزعوم، والتي احتلها الغزاة العرب المسلمون على امتداد 14 قرنا، حسب فتاوى الحاخامات والقادة الصهاينة المعاصرين.
فجميع الغزاة، استخدموا القدس لاختلاق مشروعية دينية مقدسة لغزواتهم، علَّهم ينجحون بذلك فى انتزاع مشروعية قومية، مشروعية لاغتصاب أوطاننا والبقاء فيها.
وكان رد أسلافنا على مر التاريخ، هو القتال لطرد الغزاة وتحرير الأرض المغتصبة، انطلاقا من الحقيقة التاريخية الموضوعية، وهي أنَّ هذه أرضنا نحن، التى تعرّبت وتعرّبنا معها منذ الفتح الاسلامي، وعشنا فيها واستقرّينا عليها قرونا طويلة، ولم نغادرها أبدا منذ ذلك الحين، فاختصصنا بها دوننا عن غيرنا من الشعوب والأمم.
أمّا المقدّسات الدينية فإنها لا تعطي وحدها، أهل هذا الدين أو ذاك، أيّ حقٍّ في امتلاك الأرض التى تحتضن مقدّساتهم. فالأمم ليست مقدّسات فقط، وإنما هي أيضا شعب وأرض وتاريخ طويل ولغة واحدة وحضارة متميّزة ولا نقول ممتازة.
وهكذا كانت القدس على الدوام رمزا للجميع : رمز لهويتنا العربية الإسلامية، وهي هوية صادقة وحقيقة موضوعية ثابتة تاريخيا.
وكانت أيضا رمزا كاذبا ومختلقا ومسروقا للصهاينة ومن قبلهم الصليبيين.
· وبالتالي فإنّ حماية القدس من السقوط، هي في الأولوية دائما، لأن حمايتها تمثل حائط صدٍّ ضدَّ تحصين الاغتصاب الصهيوني بمشروعية دينية زائفة.
· ولأنَّ الدفاع عنها هو دفاع عن اختصاصنا التاريخي بكلِّ فلسطين، بل وكلّ الأرض العربية.
· ولأنَّها قضية لا يملك أحدٌ فى السلطة الفلسطينية أو غيرها أن يدّعي اختصاصه وانفراده بها، فهي قضية كل العرب والمسلمين، وليست قضية فلسطينية فقط، وهو ما يستدعي من ناحية أخرى إخراجها من أجندة المفاوضات العبثية بين السلطة والصهاينة.
· ولأنَّها قادرة برمزيتها المقدّسة، على تعبئة جماهيرنا في كلّ مكان للاشتباك مع العدوّ الصهيوني، فهي البوابة الأنسب لهذه المهمّة.
· وأخيرا وليس آخرا، لأنها قضية ملحّة وعاجلة، حيث يقوم العدو الآن بتصعيد وتكثيف العدوان عليها، لهضمها وابتلاعها في أقرب وقت.
التهويد قديم:
ومسلسل اغتصاب القدس وتهويدها قديم، بدأ منذ بدايات الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1922، عندما تركّزت الهجرات اليهودية الوافدة، غرب المدينة القديمة، لتكون نواة ما يسمّونه الآن بالقدس الغربية. ثم توالى المسلسل باغتصاب القدس الغربية عام 1948 ضمن ما تمَّ اغتصابه من فلسطين. وقام الصهاينة بطرد ما يقرب من 60 ألف عربي من القدس الغربية. ثم جاء احتلال ما تبقّى من فلسطين عام 1967، وما تلاه عام 1980 من ضمّ القدس الشرقية إلى الغربية تحت اسم القدس الموحدة عاصمة لدولة الكيان. لتتابع الاعتداءات ببناء أحزمة من المستوطنات لحصار المدينة القديمة من الشرق لعزلها عن محيطها العربي، والحيلولة دون امتدادها وتوسّعها شرقا، لوأد أي مشروع لاسترداد القدس الشرقية في أي مفاوضات مستقبلية. وذلك مع زرع أكبر عدد من المستوطنين الصهاينة في القدس الشرقية ليبلغ عددهم فيها الآن 200 ألف مستوطن، ويبلغ عددهم فى القدس الموحدة، شرقية وغربية 500 ألف يهودي.
ولنتذكر معا أنّ جملة عدد اليهود فى كل فلسطين عام 1917 لم يتعدَّ 60 ألفاً، وهو ما جعلهم يكتفون بطلب حق إقامة وطن قومى لهم هناك، ولكن عام 1947 عندما بلغ عددهم 650 الفاً، كان عندهم الشجاعة والجرأة أن يطالبوا بدولة وليس مجرّد وطن، وهو ما أخذوه بالفعل من الأمم المتحدة فيما سمّي بقرار التقسيم.
ولكن الآن بلغ عددهم كما أسلفنا نصف مليون يهودي فى القدس وحدها. فلنا أن نتصوّر حجم المشكلة وعمق التهويد الذي تمَّ هناك. والذي يستكملونه على قدمٍ وساق بالتربّص بالمسجد الأقصى وإزالة منازل أهالينا المقدسيين وغيرها من الإجراءات اليومية التى كادت أن تنجح فى التهويد الكامل لمدينتنا المقدسة.
والراية على وشك السقوط:
وطوال هذه العقود، لم تتوقّف مقاومتنا للمشروع الصهيوني عامة، ولتهويد القدس على وجه الخصوص، فمنذ ثورة البراق فى أغسطس 1929 وإعدام قادتها الثلاثة، الشهداء عطا الوزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي فى سجن عكا في 17 يونيو 1930. إلى آخر انتفاضة سبتمبر 2000، وما تلاها من صمود ومقاومة بطولية، يمارسها شعبنا الأعزل هناك يوميا، في مواجهة زبانية الصهاينة وآلاتهم العسكرية.
إنّ أبطالنا المقدسيين، يلتزمون بوصايا الأجداد، فهم لا يزالون يحملون الراية، ويحفظونها من السقوط بما تبقّى لهم من طاقة. ولكن جروحهم أًثخنت، وهم في انتظار مقاتلين جدد، يشدّون من أزرهم، ويتسلّمون منهم الراية التي كادت أن تسقط، فهل من مجيب ؟
عن رابطة أدباء الشام