قصة تعييني مديراً لـلـ سي . آي . إيه أشبه بأفلام الجاسوسية ... من كتاب سي.آي. إيه Cia

يحي الشاعر

كبير المؤرخين العسكريين
عضو مميز
إنضم
2 فبراير 2008
المشاركات
1,560
التفاعل
98 0 0
– الحلقة الثانية -
من كتاب " في قلب العاصفة : سنواتي في الـ "
سي.آي. إيه CIA
ألمؤلف
جورج تينيت المدير السابق
لوكالة المخابرات الأمريكية ..




قصة تعييني مديراً لـلـ سي . آي . إيه أشبه بأفلام الجاسوسية







أسرار تأتى ... بعد دهور ... ليعرف الشعب المصرى والعربى ، ماذا كان يدور خلف ظهره ...


يحى الشاعر


المصدر




قصة تعييني مديراً لـلـ سي . آي . إيه أشبه بأفلام الجاسوسية
2305tenet_2.jpg
الحلقة الثانية من كتاب " في قلب العاصفة "
المؤلف : جورج تينيت المدير السابق لوكالة المخابرات الأمريكية
ترجمة الأستاذ / مجدي كامل
بدا الأمر و كأنه فيلم من أفلام الجاسوسية .. التاريخ كان يوم 16 مارس عام 1997 .. يوم أحد .. كنت بمنزلي في يوم اجازة نادر الحدوث ، عندما دق جرس التيلفون : " قابلني علي شاطئ " سي آند أو " قرب حانة أولد آنجلر في غضون ساعة " .. هكذا قال الصوت علي الطرف الآخر .. و كان يتحدث همساً تقريباً . " تعالى وحدك " .. كان هذا نص المحادثة الهاتفية .. المتحدث لم يعرف نفسه .. و لكنه كان على يقين من أنني سأكون هناك في الموعد .
كان صوت
، الذي كان قد تقاعد قبل شهرين من عمله كمستشار للأمن القومي الأمريكي ، عندما عينه بيل كلينتون كمدير لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية .
و عودة إلي عام 1992 ، و بالتحديد عند بداية عمل إدارة الرئيس بيل كلينتون ، كان توني قد جعلني فرداً من أفراد فريق العاملين بمجلس الأمن القومي . و قبل ذلك كنت أعمل في فريق العاملين بمجلس الشيوخ ، و كنت و علي مدى السنوات الأربع السابقة مدير أركان لجنة مجلس لشيوخ للاستخبارات . و خلال هذه السنوات استطعت إقامة علاقة شخصية و وظيفية حميمة مع ليك و نائبه ساندي بيرجر .
و في مايو 1995 ، استعان بي جون دوش الذي كان علي وشك أن يصبح مدير المخابرات المركزية الأمريكية ، لكي أكون الرجل الثاني في الوكالة . و قد توطدت معرفتي بدوش عندما كان مساعد وزير الدفاع حيث اعتدنا أن نسافر معاً للخارج للتعامل مع بعض المسائل الاستخباراتية الحساسة . و لكن الآن و بعد عام و نصف فقط من عمله ، كان دوش يستعد للرحيل عن السي آي آيه و استقر الرأي علي صديقي و رئيسي السابق توني ليك لكي يحل محله في رئاسة الوكالة .

قصة تعييني مديراً لـ سي . آي . إيه أشبه بأفلام الجاسوسية !!

و قد كانت لدي توني كل المؤهلات اللازمة لاداء مهام الوظيفة الجديدة .. القدرات الاستخباراتية .. آكيومن و ثقة الرئيس و قوة الشخصية . و قد كان توني مستشار مجلس الأمن القومي صاحب الكلمة العليا ، الذي لا ينازعه أحد في صلاحياته ، أو سلطاته . و لأنه قد لاحظ الخلل الذي عانى منه أداء المجلس أثناء إدارة الرئيس جيمي كارتر ، الأمر الذي أصاب معه هذه الإدارة بالشلل ، فقد عمل جاهداً كي لا يكرر مثل هذا الأداء الباهت أثناء إدارة الرئيس بيل كلينتون .
و في سابقة نادرة الحدوث في واشنطون ، لم يكن توني يحب الظهور كعادة من يشغلون منصبه ، كما أكد لفريق العاملين تحت رئاسته علي :" نحن كفريق يمكن أن ننجح معاً ، أو نفشل معاً " . . و قال لهم مؤكداً : " لم يأت أي منا إلي مكتبه في المجلس بالانتخاب " .
و يقيني أن توني ، و بفضل كل خصاله هذه ، كان الخيار الأمثل لكي يتولي رئاسة الـ " سي . آي . إيه " . و قد أدركت - بدافع حب الذات – أن وصول توني لهذا المنصب سيمنحني القدرة علي الاحتفاظ بمنصبي كنائب لمدير الوكالة ، ذلك المنصب الذي كنت قد تعودت أن أحبه .

سر لقائي السري مع انتوني ليك الذي حمل لي ما لم يخطر أبداً علــي بالي !!

و عودة إلي جون دوتش سنجد أنه دخل في خلافات كثيرة مع فريق عمله ، و أدلي بأحاديث صحفية استفذت الإدارة ، و انتهي عمله باستقالة مفاجئة في شهر ديسمبر عام 1996 ، و رغم أنه كان يأمل أن يسند إليه منصب وزير الدفاع رغم كل ذلك ، إلي أنه كان من الواضح أن مثل هذا المنصب سوف لن يكون من نصيبه ، فرحل عن الحكومة إلي غير رجعة . و بعد رحيله أصبحت أنا مدير الوكالة بالإنابة . وقد أدركت وقتها أنه يتعين علي أن أقوم بمهام مدير الوكالة و نائب مديرها لفترة وجيزة ، حتى يتم تأكيد تعيين ليك كمدير جديد لها . و لكن ما حدث أن موافقة مجلس الشيوخ علي تعيينه ، ظلت معلقة و لمدة أربعة شهور . و أدركت أن تأخر المجلس في التصديق علي تعيين توني كان السبب في طلبه مقابلتي ، و لكنني لم تكن لدي أدني فكرة عن سر إصراره علي لقائي في مثل ذلك المكان غير الغريب .. كما كانت تعليماته لي بالقدوم وحدي أكثر الأمور التي تبعث علي الحيرة . فقد كان يعرف أن نائب مدير المخابرات المركزية لا يذهب إلي أي مكان بمفرده .فقد كانت ترافقني دائماً حراسة أمنية كبري ، لا سيما و أن تهديدات الإرهابين و المتربصين الآخرين لمسئولي الوكالة كانت حقيقية .و من هنا فقد شهدت الشهور الأربعة ن التي عملت فيها كمدير السي آي إيه بالإنابة تشديد الحراسة حولي بصورة غير مسبوقة .علي أية حال ، فقد حاولت أن التزم بسرية اللقاء كما طلب توني ، و استدعيت رئيس الطاقم المكلف بحراستي دان أوكنور ، الرجل الذي كنا نناديه بـ " دوك " – الحروف الأولي من اسمه ، وكان مستعداً لكي يتلقي رصاصة في صدره لكي يدفع عني الأذي ، و طلبت منه الخروج لجولة قصيرة بالسيارة وحدنا دون حراسة .

شلبي طلب مني تشويه صورة ليك لدعم رفض الكونجرس تعيينه مديراً للمخابرات !!
دوش جعلني الرجل الثاني في الوكالة و ليك طلب من الرئيس تعييني مديراً لها بدلاً منه !!

و بعد جولة بالسيارة وصلنا قرب المكان ، و ذهبت بمفردي للقاء توني الذي كان ينتظرني ، و بمجرد اقترابي منه أشار علي بالمشي ، و رغم أنني عايشت توني في أوقات عصيبة إلا أنني لم ألحظه أبداً في مثل هذه الحالة من الجدية و التجهم و الصرامة كما رأيته ذاك اليوم . و ما هي إلا مسافة لا تزيد عن نصف ميل تقريباً ، حتي جلسنا على أريكة تطل علي القناة .
بادرني توني بقوله : أريدك أن تعرف أنني عقدت العزم علي أن أبلغ الرئيس غداً أنني أعتذر عن قبول منصب مدير السي آي إيه ، و أنني أسحب اسمي كمرشح للمنصب .. إنها لمهمة شاقة جداً .. إنهم يريدون الكثير جداً .. و الأمر لا يستحق العناء " .و لم يكن توني في حاجة لكي يفسر علي من يعود الضمير في كلمة " إنهم " . فقد انقلب عليه أعضاء مجلس الشيوخ ، و راحوا يماطلون في التصديق علي ترشيحه للمنصب . و أنه سئم الانتظار ، و لم يعد قلبه مستعداً لمواصلة القتال من أجل المنصب . خاصة بعد أن أمضي ثلاثة أيام من جلسات الاستماع العدائية من جانب بعض أعضاء لجنة الاستخبارات بالمجلس ن و اضطر لتحمل تهريجهم السياسي و غوغائيتهم .
و الحقيقة أن بعض أعضاء اللجنة كانوا يتربصون بتوني و في مقدمتهم سيناتور
النائب الجمهوري عن ولاية " الاباما " . و الذي كان قد طلب مني - كما استطاع إقناع كثيرين ممن عملوا من قبل مع توني – أن أشي بالرجل . و قال لي : " جورج إذا كنت تعرف أية قاذورات عن توني ليك فأنا متأكد من أنني أود معرفتها " . و قد جعلني هذا الموقف الشاذ في حيرة من أمري . و رحت أتساءل : ألا يعرف هذا الشخص أن توني بليك صديقي و رئيسي السابق ؟ .. كما رحت أفكر فيما جعله يعتقد أنني يمكن أن ألعب مثل هذا الدور ؟
و عودة إلي لقائي مع توني ، فقد كان ما ذكره لي لاحقاً في نفس اللقاء هو ما أصابني بالدهشة . فقد قال لي : " عندما سأبلغ الرئيس غداً اعتذاري عن الترشح للمنصب فإنني سأبلغه بأن عليه تعيينك لكي تكون المدير الجديد لوكالة المخابرات المركزية " .
و علي أن اعترف بأنني و رغم شغلي منصب مدير الوكالة بالإنابة في ذلك الوقت ، فإنه لم يدر بخيالي أبداً أنني يمكن أن أحل محل توني كمرشح لمنصب المدير . فعلي أية حال كان عمري في تلك اللحظة لا يتجاوز الرابعة و الأربعين ، شخص غير معروف اللهم إلا لبعض دوائر استخباراتية بيروقراطية معينة . هذا هو السبب الأول في وقوع هذا الخبر علي كالصاعقة . السبب الثاني هو صحتي المعتلة ، حيث كنت قد تعرضت لأزمة قلبية منذ أقل من أربع سنوات مضت .
و لا أستطيع أن أتذكر ما إذا كنت قد أجبت علي عرض توني ، إلا أن وجهي بالتأكيد عكس مشاعر الاستغراب و الدهشة التي كانت تعتمل داخلي . و هنا قطع توني صمتي بقوله : انظر .. انت تعرف المكان ، و تملك المهارات اللازمة ، و الرئيس يحبك ، و مجلس الشيوخ سيصدق علي تعيينك .. قل لي من يمكن ترشيحه غيرك .. كما أنك تحب عملك " .
و ما كان مني إلا أن أجبت علي كلام توني بقولي : نعم .. و لكنني لا أريد المنصب بهذه الطريقة " . و في هذه اللحظة كانت الدموع علي وشك أن تنهمر من عيني ، من فرط ما كان يعتمل في نفسي من عواطف و مشاعر تمتزج فيها الصدمة بعدم اليقين و الأسى بتشوش العقل . لقد كنت مثل ممثل مبتدئ في أحد مسارح " برودواي " اكتشف لتوه أن أعز صديق له ، بطل العرض ، قد صدمته حافلة ركاب " .
و فكرت أن أقنع توني بعدم سحب ترشحه للمنصب ، و لكن كان من الواضح أنه قد اتخذ قراره بالفعل ، و عقد العزم علي الإنسحاب . ثم بدأت أعرب له عن شكوكي حول ما إذا كنت الشخص المناسب لشغل مثل هذا المنصب . و لكن توني كان علي يقين من أنني كذلك ن و لم يكن يريد أن يدخل معي في نقاش حول هذه المسألة . و بادرني قائلاً : " أنظر .. أنا لم آت بك إلي هنا كي لكي أسألك رأيك في خططي و قراراتي .. طلبت منك المجيء لكي أطلعك عما أنا بصدد عمله . . سأنسحب و سوف أبلغهم بأنه يتعين عليهم تعيينك مديراً لـ سي آي إيه . . المسألة بسيطة " .
و قد بدا توني قلقاً من أن يدخل الرئيس كلينتون في نزاع طويل مع شلبي حول عملية تعيينه . و قال : " شلبي يريد أن يقاتل لمنع تعييني حتي آخر قطرة من دمي . و سيكون هذا فظيعاً بالنسبة للوكالة التي تقف الآن في أمس الحاجة لمدير " .
و بعد أن تحدثنا قرابة نصف الساعة وجدنا أنفسنا نعود لنقطة البداية علي نفس الممر لتتصافح أيادينا و يمضي كل منا لحال سبيله .
و بمجرد عودتي لبيتي ، توجهت إلي غرفة المعيشة في الطابق الأرضي ، و رحت أفكر فيما حدث معي ، و كما أفعل دائماً في مثل هذه الأمور ، سألت زوجتي
النصيحة .. هل يمكنني الاضطلاع بهذا المنصب ؟ .. هل أخوض التجربة ؟ ..ماذا سيعني هذا لأسرتنا ؟ .. لطفلنا جون مايكل الذي قد أنهى لتوه تعليمه الأساسي ، و في وقت يحتاج أن يكون فيه أباه قريباً منه ؟
فمن واقع تجربتي كمدير سي آي إيه بالإنابة ، كنت أدرك أن مهام المنصب ستأكل ساعات يومي بأكملها . و كانت ستيفاني دائماً أقوي سند داعم لي ، و علي مدي العامين المنصرمين تولدت لديها مشاعر الحب تجاه النساء و الرجال العاملين في سي آي إيه . و ستيفاني مثلي ذات أصول يونانية ، و لديها استعداد لأن تطوي تحت جناحها ، و في اللحظة ، الآخرين . و من هنا أصبح العاملون في سي آي إيه جزءاً من أسرتها الموسعة .
" جورج .. أنت تستطيع أن تفعل ذلك ، لأن الوكالة في حاجة إليك .. لا تقلق علي أنا و جون .. سنكون بخير و كذلك أنت " . هكذا كان رأي ستيفاني كما عبرت عنه قولاً .
و في مساء اليوم التالي ، الاثنين 17 مارس أصدر توني بياناً يعلن فيه سحب ترشحه للمنصب ، مكوناً من 1100 كلمة ، و انتقد فيه تسييس وكالة المخابرات المركزية .
و في صباح يوم الأربعاء ، تلقيت مكالمة من جون بودستا نائب رئيس أركان البيت الأبيض ، يبلغني فيها بأن الرئيس يود تعييني مديراً لـ سي آي إيه . و كما فعل توني ، لم يبد بودستا كمن يسألني عن رأيي في ذلك . و دعاني للتوجه إلي البيت الأبيض للقاء الرئيس .

كلينتون دعاني للبيت الأبيض و فاجأني بالصحفيين و إعلان خبر تعييني دون أي تمهيد !

Bill_Clinton.jpg
و هناك صعدوا بي إلي حيث الجناح الرئاسي الخاص ، حيث التقيت الرئيس كلينتون و ساندي بيرجر خليفة انتوني ليك الذي حل محله كمستشار للأمن القومي و بودستا . و بينما نتبادل أنا و الرئيس الكلمات المقتضبة ، كان بعض معاوني الرئيس من فريق العاملين بالبيت الأبيض يطلبون من زوجتي و ابني التوجه للحاق بي في أسرع وقت ممكن .
و قبل أن يمضي وقت طويل كان عدد كبير من الصحفيين قد دعي إلي البيت الأبيض ليستمعوا إلي الرئيس و هو يعلن عزمه تعييني مديراً لـ سي آي إيه . و من حيث أقف أنا و زوجتي و إبني في المؤتمر الصحفي للرئيس ، توجهت للصحفيين ببيان مقتضب أعرب فيه عن مشاعري التي تمتزج فيها الفرحة بالمرارة حيث أن صعودي كمدير للوكالة يتزامن مع تواري شخص أعشقه من كل قلبي هو توني ليك . و و عدت الرئيس ببذل قصارى جهدي ، ثم عدت إدراجي لاستئناف مهامي التي كنت بالفعل أزاولها كمدير بالإنابة .

صحف نيو يورك جعلت تعييني مادة للإثارة و اتهموني بعد كتمان الأسرار في طفولتي !!

و عندما أعود بذاكرتي للوراء ، أجد أنه من الغرابة أني لم أمر بمقابلة قبل حصولي علي وظيفتي الجديدة .. لقد كانوا يعرفونني بالطبع ، و لكن أحداً لم يسألني عما سأفعله بمجتمع المخابرات بعد تولي منصبي ، أو ماهي التغييرات الذي سأدخلها ، أو ما أنوي عمله لاستعادة الروح إلي المكان الذي شهد تعاقب أربع مديرين للوكالة خلال خمس سنوات قبل تعييني ن ناهيك عن مرشحين للمنصب كانا قد سحبا ترشيحهما .
لقد كانت قصة تعييني مادة لصحف الإثارة التابلويد في نيويورك و خاصة الحي الذي نشأت فيه .. و كان مانشيت إحدي هذه الصحف يقرأ : الجاسوس الذي خرج من حي كوينز " . و راحت الصحف تنقل عن جيراني من يعرب للصحف عن دهشته لقرار تعييني ، و قال أحدهم أنه ترعرع معي ، و أنني كنت في طفولتي كبير الفم ، و معروف عني أنني لا أستطيع أن أكتم سراً ، بينما قال آخر أنني كنت مميزاً ، و بنوا حكمهم هذا علي طريقة لعبي لـ" كرة العصا " التي كنت بطلاً للمدارس فيها " الزوجي " عام 1994 .

حكمة أبي : قرب أصدقاءك منك .. و اجعل أعداءك أقرب !!

و لكن يبقى أفضل ما قيل في هذا الصدد هو ما جاء علي لسان أمي إيفاجليا تينيت . فرغم أنه قد مر علي وجودها في الولايات المتحدة حتى تلك اللحظة 45 عاماً، إلا أن تأثير المجتمع اليوناني الأمريكي كان قوياً لدرجة أنها كانت لا تزال تتحدث الإنجليزية بصعوبة . قالت أمي لصحيفة " ديلي نيوز " : لدي ابن في وكالة المخابرات الأمريكية ، و لدي ابن يعمل طبيب قلب . الأمر ليس سيئاً . و الحقيقة أنني رغم التقائي عشرات القادة والرؤساء و الملوك و الملكات و الأمراء و الحكام إلا أن أمي و أبي ظلا دائماً أحب الناس إلي قلبي .
كان أبي جون تينيت عصامياً لم تغيره الأيام ، منذ اليوم الذي ألقي به والده القاسي القلب به خارج منزله في سن الحادية عشرة . في البداية سافر إلي فرنسا ، حيث وجد عملاً في منجم فحم . و هناك حسم أمره بسرعة و توصل بسرعة إلي قناعة بأن مستقبله لا ينبغي أن يكون في المناجم . و ما كان منه إلا أن رحل إلي الولايات المتحدة ، حيث وصل إلي جزيرة " اليس " قبل وقت قصير للغاية من فترة الركود الكبير.. وصل دون أن تكون في جيبه قطعة نقود معدنية واحدة ، أو صديق يمد إليه يد العون .. كل ما كان يعرفه هو أنه يريد أن يكون سيد نفسه ، و راع لأسرته ، و أنه في أمريكا يمكن للكد في العمل أن يحقق لصاحبه ما لا يمكن تخيل تحقيقه في أي مكان آخر . و قد قام أبي مدفوعاً بإيمانه هذا بافتتاح كافتيريا صغيرة كما كان يفعل المهاجرين اليونانيين ، قبل أن يصبح أمريكياً تماماً ، مع احتفاظه بجذوره الأوربية . أما مثله الأعلي الذي كان ينظر إليه كبطل فقد كان شارل ديغول . و أتذكر أبي عندما اصطحبني و شقيقي بيل من حيث نقطن في " كوينز " إلي مانهاتن لكي نشاهد ديغول في سيارة ليموزين مكشوفة ، و أذكر أن والدي هتف أثناء مرور موكب الزعيم الفرنسي : تحيا فرنسا ، و لمحت ديغول يوجه ناظريه تجاهنا . و هنا شعرت بأنني في حضرة رجل عظيم ، و هكذا شعوري دائماً عندما أكون مع أبي .
كان أبي رجلاً رقيق القلب و أميناً و شديد الاهتمام بالشئون العالمية . و كانت مائدة عشائنا دائماً ملتقى للمناقشات السياسية و أخبار اليونان وطنه الأم ، و أمريكا وطنه بالتبني .و كانت المناقشات تتأرجح ما بين الحديث باليونانية و الحديث بالإنجليزية .
أما أمي فقد كانت قصتها أكثر إثارة مما عليه الحال بالنسبة لأبي . فأمي من جنوب ألبانيا و قد هربت منها بعد أن قتل الشيوعيون أخويها ، و انهار أباها فيما بعد من فرط حزنه علي مقتلهما ، و لقي حتفه بعد أزمة قلبية . و قد تمكنت أمي بمفردها من ترتيب أمورها ، و لشق طريقها إلي ساحل الأدرياتيكي علي متن غواصة بريطانية ، عقب الحرب العالمية الثانية في حيث كانت الحدود مغلقة في ذاك الوقت .
و قد شقت أمي طريقها في البداية إلي روما ن ثم أثينا ، و هناك كان من الممكن أن تمضي بقية عمرها لولا أن كان أحد أعمامها يعمل في بالمطاعم في نيريورك ز و كان العم لامبروس قد تحدث إلي والدي عن أبنة أخيه التي ولدت في قرية ألبانية التي لم تكن فقط جميلة ن و إنما أيضاً هربت لتوها من قرية قريبة من مسقط رأس أبي .و ربما كان لهذا الحديث هو الذي شجع أبي علي العودة إلي اليونان في عام 1952 ، و ملاقاة أمي طيلة اسبوعين تزوجا علي أثرهما . و بعد اسبوع من الزفاف وصلت لكي تنضم لأبي للعمل في المطاعم في كافتريا عرفت باسم " تونتيث سينشري دينر " . كانت هي " الخباز " و كان هو " الشيف " و في كوينز حيث جالية يونانية كبيرة ، راحت أمي بفخر تقوم برعاية أسرتها ، و تسهر علي رعاية أولادها .
و كانت أمي موهوبة في قراءة الناس و استقراء سمات شخصيتهم سواء من الأفراد العادديين أو من الشخصيات العامة . و كان بمقدور أمي أن تكتشف الكاذب من علي بعد ميل . و كان لأمي تأثير عجيب علي الآخرين ، و قد مزحت مع بعض الأصدقاء ذات مرة و قلت أن ياسر عرفات لوتعامل مع أمي لتحول إلي عجينة كعك طيعة في يدها .
و أستطيع القول أنني و في أشياء كثيرة ابن أبي . فقد كان رجلاً يمكن الوثوق به ، لا يغتاب الآخرين . وأثناء عملي كمدير لـ " سي آي إيه " كنت بين الفين و الفينة أشعر بالحنين إلي أبي ، و أتوق للجلوس معه كي ألتمس منه النصح عندما كانت تواجهني مشكلة مستعصية ، رغم أنه كان قد رحل عن الدنيا في العام 1983 . و عندما في أوقات الشدة كان أخي بيل يقول لي دائماً : " فكر فيما عساه العجوز سيفعل لو مر بمثل هذا الموقف " . و قد كان أبي يؤمن بحكمة تقول " قرب أصدقاءك ، و اجعل أعداءك أقرب " .
لقد كان أبي و أمي زوجين استثنائيين ، و أنا سأظل كل يوم من حياتي مديناً للشجاعة و التصميم اللذين حملاهما إلي هذه البلاد .. إنني أدين لهما بما جري معي في شهر مارس عام 1997 ، تللك التمشية التي لا تنسي علي الممر مع توني و التي انتهت بنقطة التحول هذه في في حياتي .
مع صور : بوش – تينيت – الأم – الأب – الأسرة – صورة من إعلان تعيينه – انتوني ليك – شلبي

انتظرونا في الحلقة الثالثة غدا:
  • أنا وزملائي في سي آي إيه ضحايا ولسنا أبدا جناة
  • ميزانيتنا لم تسمح إلا بتدريب 12 ضابطا بينما كان بن لادن يجند الآلاف
  • وكالة لا يعيش لها مديرون وكانت القاعدة لا تنفذ الأمر فالمدير يرحل بسرعة
 
عودة
أعلى