هل ورثت إيران النووي من التفكك السوفيتي , هنالك وثيقة للوكالة الدولية للطاقة الذرية أظهرت أن هنالك عالم سوفيتي عمل لصالح البرنامج النووي الايراني خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي وحتى عام 2000 على أقل تقدير, حيث كان دور العالم السوفيتي في تطوير تقنية "نظام التفجير الضمني المزدوج" والتي تسمح بإنتاج رؤوس حربية أصغر حجما وأقل تعقيدا من النماذج القديمة، كما أنها تقلل من قطر الرؤوس النووية، بحيث يسهل حملها على صاروخ , حيث لم تبدأ إيران برنامجها النووي منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979, بحيث يمكن نسبته كمشروع لنظام الشاه على أنه جزء من الإرث في ترسانته العسكرية المعروفة, ولم تبدأه أيضا بعد اكتمال بنية الثورة وفي سنواتها الأولى بحيث يمكن نسبته للثورة ذاتها, ولمطامحها وتطلعاتها, وإن بدا كذلك بعدئذ.
الملاحظ أن طموحات إيران النووية بدأت في الظهور للعلن فور انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991, وتفكك دول آسيا الوسطى عنه, وهي الدول التي كانت تضم عددا من مقار البرنامج النووي السوفياتي, وينتمي عدد من علمائها المسلمين لكوادر المشروع, ما يشير إلى علاقة ما, ما بين تزامن التفكير الإيراني بالتوجه إلى البرامج النووية وتفكك الاتحاد السوفياتي, وهذا يقودنا إلى التساؤل عمّا إذا كانت إيران قد استفادت من العلماء النوويين السوفيات من أبناء الجمهوريات الإسلامية المحاذية لإيران, لبناء مشروعها. هذا التساؤل الذي لن يجيب عنه سوى الإيرانيين أنفسهم, ولن يفعلوا حتما .. سيبقى بالتأكيد لغزا مثيرا للجدل في ظل هذه الطفرة النووية المفاجئة التي منحت السيد نجاد والمرشد الخامنئي كل هذه القدرة على التحدي والوقوف في وجه المجتمع الدولي بكل منظماته ومعاهداته. في الوقت الذي كانت فيه العواصم الغربية تناقش مسألة التخصيب بنسبة 20 في المائة خارج الأراضي الإيرانية, واحتدام الصراع والمراوحة حول هذه النقطة, كانت التقارير تستبعد تمكن طهران من الوصول إلى التخصيب قبل أقل من عام على أفضل تقدير, غير أن إعلان نجاد الأخير بدء إنتاج النظائر المشعة, ولغة التحدي الواضحة التي طغت على خطابه الأخير بمناسبة الذكرى الثلاثين لقيام الثورة الإيرانية, التي بدت واضحة أنه يريد أن يملي على المجتمع الدولي من خلالها شروط إيران, وكأنه ينطلق من موقع قوة رغم الحصار الدولي, والتهديد من قبل الولايات المتحدة وأوروبا نحو تشديده, ورغم موقف الاتحاد الروسي الذي وجد في قلق الدول الغربية ما يبرره, إلا أن النظام الإيراني رفع وتيرة التحدي ليعلن تدخله بشكل سافر في الشأن العراقي حينما قال نجاد: إن الغرب لن يستطيع أن يعيد البعثيين إلى السلطة في العراق, كما لو كان يعلن الوصاية على العراق والعراقيين فيما يتصل بقضية اجتثاث البعث أو ما سمي قانون المساءلة والعدالة, الذي لا يزال موضع جدل بين العراقيين أنفسهم.
إن مفاجأة الإعلان عن بدء التخصيب بهذه السرعة .. ثم الموقف من الشؤون الداخلية للعراق, واللغة التصعيدية الواضحة, تشير إلى أن النظام الإيراني لا بد أن يكون قد قطع شوطا بعيدا في مشروعه النووي, أبعد مما تكشف لوكالة الطاقة النووية ومفتشيها, بحيث إنه استطاع من خلال بعض المناورات السياسية أن يستفيد من عامل الوقت ليفرض أجندته النووية كأمر واقع, ثم ليضع الوكالة الدولية للطاقة ومعها القوى العظمى أمام واقع جديد قد يحتاج إلى صيغة أخرى للتعامل معه, خاصة في ظل تراخي بعض الدول عن إعلان موقفها من البرنامج بشكل حاسم, حيث لعبت إيران على تلك التناقضات الدولية لتحقق ما تريد, فيما هي توفد المبعوثين لمختلف العواصم الأوروبية لتناقش البرنامج وكأنه لا يزال في مراحله الجنينية الأولى, وهذا ما يعيد بل يفرض مجددا العودة إلى طرح تلك التساؤلات عن مدى استثمار الإيرانيين سقوط الاتحاد السوفياتي, ووراثة تجارب ناجزة لمصلحة مشروعه عام 1991, في سياق انشغال روسيا الوريث الشرعي للسوفيات آنذاك بلملمة أوراقها, ومعالجة تصدعات بعض جمهورياتها وخروجها من عباءة الولاء لمحيطها الروسي لمصلحة الغرب الأوروبي والأمريكي, ما يهدد المصالح الروسية ويجعلها في مرمى حجر من ألد أعدائها التاريخيين, إلى جانب انشغال الغرب نفسه بإغلاق ملف حرب النجوم أو الحرب الباردة ودخوله معتركات حروب جديدة لا شك أن أبرزها الحروب التي شنتها الولايات المتحدة تحت عنوان الحرب على الإرهاب. الروس الذين يمسكون بشعرة معاوية في موقفهم من البرنامج الإيراني, قد يكون لديهم ما يمكن أن يقولوه, وقد يفسر هذا التساؤل أيضا موقفهم المتمايز عن الغرب. فهل استفادت إيران فعلا من هذا الظرف الدولي, واستثمرت العقل النووي في بعض جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق لتبني مشروعها؟ ثم هل سيكون في إعلان البدء في إنتاج النظائر المشعة ما سيكشف عن الشوط الحقيقي الذي قطعه النظام الإيراني في هذا الصدد, بعيدا عن المناورات؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القليلة المقبلة في حال صعّدت الولايات المتحدة والغرب موقفهما من الخطوة الإيرانية الأخيرة.