تكتسب الإستراتيجيات العسكرية الأميركية الحديثة، بما تبتدعه من مذاهب عسكرية جديدة، وما ترسمه من سياسات وتكتيكات وأساليب قتال وخطط عملياتية متنوعة ومتغيرة، أهمية بالغة سواء من الناحية العلمية والنظرية البحتة، أو لناحية تأثير وتداعيات هذه الإستراتيجيات على مجريات الأحداث الدولية والإقليمية، بوصفها الذراع المباشر والأخطر لأقوى دولة في العالم.
فالولايات المتحدة الأميركية، وبدءاً من الحرب العالمية الثانية، مرورا بمرحلة الحرب الباردة، وصولا إلى مرحلة النظام الدولي الجديد، نجد أنها قد تبوّأت مركز الريادة في علم وفن الإستراتيجية عموما، حيث أولته الإدارات المتعاقبة اهتماما خاصا وسخّرت له موارد وإمكانات هائلة، فتحوّل رسم الإستراتيجيات لديها إلى صناعة جماعية تشارك فيها جهات متعددة ومتنوعة، من إدارات حكومية سياسية وعسكرية، ومن مؤسسات خاصة على رأسها مراكز الدراسات والتفكير المختلفة، ومن نخب وخبراء مستقلين وغيرهم الكثير.
من الرد الشامل إلى الرد المرن
يطلق الأميركيون على المذهب العسكري اصطلاحاً بديلاً هو «إستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية»، ومنذ الحرب العالمية الثانية وحتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مرت هذه الاستراتيجيات بتدرج تاريخي وتطورات مرحلية أبرزها:
•إستراتيجيات الحرب الباردة، والتي امتدت منذ الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية الثمانينات. أولى الاستراتيجيات كانت إستراتيجية الرد الشامل، ومفادها أن الولايات المتحدة تكون جاهزة لتوجيه ضربة نووية شاملة في الزمان والمكان المناسبين وذلك خارج حدود أوروبا. في الخمسينات اعتمد المذهب العسكري الأميركي على التهديد بإشعال الحرب العالمية النووية من أجل تحقيق أهداف أميركا الإستراتيجية السياسية والعسكرية، وفي الستينات ظهرت «إستراتيجية الرد المرن» التي تعتمد المرونة والحسم في الوقت نفسه، بحيث تلحظ الاستعداد لخوض حرب عالمية نووية، أو تقليدية كبيرة أو صغيرة أو ما يسمى بــ «الحرب المحدودة» مع إمكانية استخدام الوسائط النووية.
في العام 1971 أعلنت القيادة الأميركية عن إستراتيجية جديدة سميت «إستراتيجية الردع الواقي» التي تتعامل مع أربعة أنواع من الحروب والصراعات هي:-
الحرب النووية الإستراتيجية الشاملة، الحرب النووية المحدودة على مسرح العمليات، الحرب التقليدية الشاملة، الحرب التقليدية المحدودة على مسرح العلميات.
على عتبة الثمانينات، حصل تغير جذري في الإستراتيجية الأميركية كانت سمتها الأولى أن القوة هي المؤثر الوحيد في السياسة الخارجية لواشنطن، والثانية أن مساحة تنفيذها وانتشارها تشمل كل المناطق الهامة ما وراء البحار التي تشكل مصالح حيوية للولايات المتحدة خصوصا في منطقة الشرق الأوسط، سواء في زمن السلم أو الحرب.
الفعل من موقع القوة
وبناء على الإستراتيجية الجديدة قسمت القوات المسلحة الأميركية في العالم إلى أربع قيادات موحدة هي: قوات إستراتيجية، قوات عامة، قوات ووسائط نقل القطاعات والتشكيلات، وقوات التدخل السريع. هذا بالإضافة إلى انتشار عدد كبير من القواعد العسكرية في جميع المناطق المهمة والإستراتيجية في العالم.
سميت الإستراتيجية الجديدة «الفعل من موقع القوة»، وعرفها الجيش الأميركي بأنها «فن استخدام القوة المسلحة وعلمها، بغرض تحقيق الأهداف السياسية القومية، عن طريق استخدام القوة أو التهديد بها.
إستراتيجية العمليات الجوية - البرية
وهي الإستراتيجية التي تبنتها وزارة الدفاع الأميركية في بداية التسعينات، والتي تستند على العمليات الهجومية الجوية والبرية المشتركة ذات الطابع السريع والحاسم، والتي تجمع بين المناورة الواسعة للقوات والاستعمال الكثيف للوسائط النارية والتدميرية العالية الدقة على عمق كبير.
يتركز عمل هذه الإستراتيجية على سحق العدو في كامل عمق البنية العملياتية لقواته وذلك عن طريق التأثير عليه إلى أقصى حد ممكن من خلال:-
استخدام الأسلحة المناسبة بما فيها غير التقليدية، تزويد قادة التشكيلات المشتركة بالمعطيات الإستخبارية والاستطلاعية أثناء المعركة، القيام بالأعمال المنسقة تبعاً للأهداف والزمان والمكان بين الطيران وقوى وتشكيلات ووسائط القوات البرية.
أما هدف إستراتيجية العمليات الجوية-البرية فهو التفوق العملياتي أو التكتيكي الذي يؤدي في النهاية إلى سحق العدو على مراحل. وقد طبقت هذه النظرية في عملية «عاصفة الصحراء» ضد القوات العراقية التي احتلت الكويت عام 1991.
إستراتيجية الحرب الاستباقية والوقائية
وقد أعلنت إدارة بوش الابن عن تبنيها إثر هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، باعتبار أن الإستراتيجية السابقة القائمة على الردع والاحتواء قد فشلت في الحفاظ على الأمن الوطني الأميركي وسلامة الأراضي الأميركية. تشن الحرب الإستباقية عند توفر القناعة بأن هجوم العدو متوقع بشكل حتمي، أما الحرب الوقائية فتعتمد على الافتراض بأن العدو سيبدأ الحرب في المستقبل القريب وأنها ستكون ملائمة جداً للطرف الذي يباشر العمليات الحربية.
وقد حددت الإستراتيجية الجديدة هدفين رئيسيين لها هما:
مكافحة الإرهاب، والحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل.
ومن المعلوم أن إستراتيجية الحرب الوقائية قد طبقت في العراق عام 2003.
الثابت والمتغير في الإستراتيجية الاميركية
هنا يطرح السؤال الهام التالي:-
هل لازالت إستراتيجية الحرب الوقائية سارية المفعول حتى الآن؟ أم نحن إزاء إستراتيجية عسكرية أميركية جديدة؟
يمكن الإجابة على هذا السؤال من خلال رصد الثابت والمتغير في الإستراتيجية العسكرية الأميركية -بمعنى المذهب العسكري- المعتمدة في كل من أفغانستان والعراق سواء في مرحلة الاحتلال أو ما بعده. حيث يلاحظ أن هذه الإستراتيجية مرت بمرحلتين رئيسيتين: مرحلة الصلابة ومرحلة النعومة.
في المرحلة الأولى، طبق الرئيس بوش الابن في ولايته الأولى مفهوم الصلابة أو المبادرة بالضرب في أفغانستان ومن ثم في العراق، بمعنى أن خير الدفاع هو الهجوم وأن «التحالف التلقائي» هو نتيجة طبيعية بين أعضاء الحلف الأطلسي.
لم يمض وقت طويل على استراتيجية الحرب الوقائية، حتى تبين للولايات المتحدة أن هذه الاستراتيجية دونها عقبات كبيرة عسكرية وسياسية. وأن مفهوم الصلابة لوحده غير مجد، فعدلت إلى مفهوم النعومة.
الاختراق الناعم
استطاع قائد القوات الأميركية السابق في العراق جورج كيسي والسفير الأميركي السابق في العراق زلماي خليل زادة، أن يبتدعا ركائز استراتيجية جديدة سميت «استراتيجية الاختراق الناعم»، وذلك لتحقيق هدفين رئيسيين:- مواجهة تنامي المقاومة العراقية المسلحة، وإدخال أكبر عدد ممكن من الكيانات العراقية إلى العملية السياسية الجارية.
لقد أعادت الولايات المتحدة صياغة استراتيجيتها في العراق في الولاية الثانية لبوش الابن، فاتبعت ما يسمى عسكريا بتكتيك «الاقتراب غير المباشر»، من خلال استخدام ما يسمى بالقدرة المكتسبة (دول، أنظمة، منظمات، أفراد مختلفين)، وكذلك من خلال القوة الناعمة والذكية (أو حرب الأشباح).
بناء على كل ما تقدم يمكن أن نستنتج ما يلي:-
{ تتصف الإستراتيجيات الأميركية غالبا بالثبات النسبي على الرغم من تغيير أولوياتها بين الحين والآخر. وأن واشنطن تقدم على تغيير كبير أو جذري في استراتيجياتها العسكرية، عند وقوعها في أزمات كبرى أو عند حصول تحديات ومشاريع خارجية لملء الفراغ الحاصل في العالم سيما في الشرق الأوسط.
{ لاتزال الاستراتيجيات العسكرية الأميركية تتميز بالمرونة من خلال عدد من الاستراتيجيات والتكتيكات الوسيطة لتحقيق الغايات والأهداف الاستراتيجية الشاملة. وهذا يدل على أن نظام وآليات صنع الاستراتيجيات العسكرية في أميركا لايزال قادرا وحيويا.
{ إن التغييرات التي تدخلها الولايات المتحدة على استراتيجيتها العسكرية بين الحين والآخر مازالت في إطار التكتيك، وأن الحفاظ على ديمومة القوة وليس فقدانها في المنطقة والعالم، لايزال الهدف الأبعد لكل الاستراتيجيات والأيديولوجيات العسكرية الحديثة.
{ إن تنوع وتطور التكتيكات الحديثة، هدفها المزج بين الصلابة والنعومة لمواجهة الحروب اللامتماثلة إلى جانب الحروب التقليدية. وهذا ما أشارت إليه صحيفة واشنطن بوست الأميركية بتاريخ 05 / 12/ 2008، حيث أفادت أن «وزارة الدفاع الأميركية أقرت سياسة توجيهية جديدة تقضي بوضع المهمات العسكرية في الحروب غير النظامية ضد الارهابين والمتمردين على قدم المساواة مع المعارك والحروب التقليدية، من خلال تعزيز القدرات الاستخباراتية والتعاون مع جيوش أجنبية وقوات محلية في مناطق محظورة على القوات الأميركية». وتهدف هذه السياسة، حسب الواشنطن بوست، إلى «استخلاص العبر من حروب العراق وأفغانستان وتحضير القوات العسكرية لمواجهة النزاعات المستقبلية للحؤول دون الوقوع، مجدداً في أخطاء حقبة ما بعد حرب فيتنام».
فالولايات المتحدة الأميركية، وبدءاً من الحرب العالمية الثانية، مرورا بمرحلة الحرب الباردة، وصولا إلى مرحلة النظام الدولي الجديد، نجد أنها قد تبوّأت مركز الريادة في علم وفن الإستراتيجية عموما، حيث أولته الإدارات المتعاقبة اهتماما خاصا وسخّرت له موارد وإمكانات هائلة، فتحوّل رسم الإستراتيجيات لديها إلى صناعة جماعية تشارك فيها جهات متعددة ومتنوعة، من إدارات حكومية سياسية وعسكرية، ومن مؤسسات خاصة على رأسها مراكز الدراسات والتفكير المختلفة، ومن نخب وخبراء مستقلين وغيرهم الكثير.
من الرد الشامل إلى الرد المرن
يطلق الأميركيون على المذهب العسكري اصطلاحاً بديلاً هو «إستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية»، ومنذ الحرب العالمية الثانية وحتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مرت هذه الاستراتيجيات بتدرج تاريخي وتطورات مرحلية أبرزها:
•إستراتيجيات الحرب الباردة، والتي امتدت منذ الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية الثمانينات. أولى الاستراتيجيات كانت إستراتيجية الرد الشامل، ومفادها أن الولايات المتحدة تكون جاهزة لتوجيه ضربة نووية شاملة في الزمان والمكان المناسبين وذلك خارج حدود أوروبا. في الخمسينات اعتمد المذهب العسكري الأميركي على التهديد بإشعال الحرب العالمية النووية من أجل تحقيق أهداف أميركا الإستراتيجية السياسية والعسكرية، وفي الستينات ظهرت «إستراتيجية الرد المرن» التي تعتمد المرونة والحسم في الوقت نفسه، بحيث تلحظ الاستعداد لخوض حرب عالمية نووية، أو تقليدية كبيرة أو صغيرة أو ما يسمى بــ «الحرب المحدودة» مع إمكانية استخدام الوسائط النووية.
في العام 1971 أعلنت القيادة الأميركية عن إستراتيجية جديدة سميت «إستراتيجية الردع الواقي» التي تتعامل مع أربعة أنواع من الحروب والصراعات هي:-
الحرب النووية الإستراتيجية الشاملة، الحرب النووية المحدودة على مسرح العمليات، الحرب التقليدية الشاملة، الحرب التقليدية المحدودة على مسرح العلميات.
على عتبة الثمانينات، حصل تغير جذري في الإستراتيجية الأميركية كانت سمتها الأولى أن القوة هي المؤثر الوحيد في السياسة الخارجية لواشنطن، والثانية أن مساحة تنفيذها وانتشارها تشمل كل المناطق الهامة ما وراء البحار التي تشكل مصالح حيوية للولايات المتحدة خصوصا في منطقة الشرق الأوسط، سواء في زمن السلم أو الحرب.
الفعل من موقع القوة
وبناء على الإستراتيجية الجديدة قسمت القوات المسلحة الأميركية في العالم إلى أربع قيادات موحدة هي: قوات إستراتيجية، قوات عامة، قوات ووسائط نقل القطاعات والتشكيلات، وقوات التدخل السريع. هذا بالإضافة إلى انتشار عدد كبير من القواعد العسكرية في جميع المناطق المهمة والإستراتيجية في العالم.
سميت الإستراتيجية الجديدة «الفعل من موقع القوة»، وعرفها الجيش الأميركي بأنها «فن استخدام القوة المسلحة وعلمها، بغرض تحقيق الأهداف السياسية القومية، عن طريق استخدام القوة أو التهديد بها.
إستراتيجية العمليات الجوية - البرية
وهي الإستراتيجية التي تبنتها وزارة الدفاع الأميركية في بداية التسعينات، والتي تستند على العمليات الهجومية الجوية والبرية المشتركة ذات الطابع السريع والحاسم، والتي تجمع بين المناورة الواسعة للقوات والاستعمال الكثيف للوسائط النارية والتدميرية العالية الدقة على عمق كبير.
يتركز عمل هذه الإستراتيجية على سحق العدو في كامل عمق البنية العملياتية لقواته وذلك عن طريق التأثير عليه إلى أقصى حد ممكن من خلال:-
استخدام الأسلحة المناسبة بما فيها غير التقليدية، تزويد قادة التشكيلات المشتركة بالمعطيات الإستخبارية والاستطلاعية أثناء المعركة، القيام بالأعمال المنسقة تبعاً للأهداف والزمان والمكان بين الطيران وقوى وتشكيلات ووسائط القوات البرية.
أما هدف إستراتيجية العمليات الجوية-البرية فهو التفوق العملياتي أو التكتيكي الذي يؤدي في النهاية إلى سحق العدو على مراحل. وقد طبقت هذه النظرية في عملية «عاصفة الصحراء» ضد القوات العراقية التي احتلت الكويت عام 1991.
إستراتيجية الحرب الاستباقية والوقائية
وقد أعلنت إدارة بوش الابن عن تبنيها إثر هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، باعتبار أن الإستراتيجية السابقة القائمة على الردع والاحتواء قد فشلت في الحفاظ على الأمن الوطني الأميركي وسلامة الأراضي الأميركية. تشن الحرب الإستباقية عند توفر القناعة بأن هجوم العدو متوقع بشكل حتمي، أما الحرب الوقائية فتعتمد على الافتراض بأن العدو سيبدأ الحرب في المستقبل القريب وأنها ستكون ملائمة جداً للطرف الذي يباشر العمليات الحربية.
وقد حددت الإستراتيجية الجديدة هدفين رئيسيين لها هما:
مكافحة الإرهاب، والحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل.
ومن المعلوم أن إستراتيجية الحرب الوقائية قد طبقت في العراق عام 2003.
الثابت والمتغير في الإستراتيجية الاميركية
هنا يطرح السؤال الهام التالي:-
هل لازالت إستراتيجية الحرب الوقائية سارية المفعول حتى الآن؟ أم نحن إزاء إستراتيجية عسكرية أميركية جديدة؟
يمكن الإجابة على هذا السؤال من خلال رصد الثابت والمتغير في الإستراتيجية العسكرية الأميركية -بمعنى المذهب العسكري- المعتمدة في كل من أفغانستان والعراق سواء في مرحلة الاحتلال أو ما بعده. حيث يلاحظ أن هذه الإستراتيجية مرت بمرحلتين رئيسيتين: مرحلة الصلابة ومرحلة النعومة.
في المرحلة الأولى، طبق الرئيس بوش الابن في ولايته الأولى مفهوم الصلابة أو المبادرة بالضرب في أفغانستان ومن ثم في العراق، بمعنى أن خير الدفاع هو الهجوم وأن «التحالف التلقائي» هو نتيجة طبيعية بين أعضاء الحلف الأطلسي.
لم يمض وقت طويل على استراتيجية الحرب الوقائية، حتى تبين للولايات المتحدة أن هذه الاستراتيجية دونها عقبات كبيرة عسكرية وسياسية. وأن مفهوم الصلابة لوحده غير مجد، فعدلت إلى مفهوم النعومة.
الاختراق الناعم
استطاع قائد القوات الأميركية السابق في العراق جورج كيسي والسفير الأميركي السابق في العراق زلماي خليل زادة، أن يبتدعا ركائز استراتيجية جديدة سميت «استراتيجية الاختراق الناعم»، وذلك لتحقيق هدفين رئيسيين:- مواجهة تنامي المقاومة العراقية المسلحة، وإدخال أكبر عدد ممكن من الكيانات العراقية إلى العملية السياسية الجارية.
لقد أعادت الولايات المتحدة صياغة استراتيجيتها في العراق في الولاية الثانية لبوش الابن، فاتبعت ما يسمى عسكريا بتكتيك «الاقتراب غير المباشر»، من خلال استخدام ما يسمى بالقدرة المكتسبة (دول، أنظمة، منظمات، أفراد مختلفين)، وكذلك من خلال القوة الناعمة والذكية (أو حرب الأشباح).
بناء على كل ما تقدم يمكن أن نستنتج ما يلي:-
{ تتصف الإستراتيجيات الأميركية غالبا بالثبات النسبي على الرغم من تغيير أولوياتها بين الحين والآخر. وأن واشنطن تقدم على تغيير كبير أو جذري في استراتيجياتها العسكرية، عند وقوعها في أزمات كبرى أو عند حصول تحديات ومشاريع خارجية لملء الفراغ الحاصل في العالم سيما في الشرق الأوسط.
{ لاتزال الاستراتيجيات العسكرية الأميركية تتميز بالمرونة من خلال عدد من الاستراتيجيات والتكتيكات الوسيطة لتحقيق الغايات والأهداف الاستراتيجية الشاملة. وهذا يدل على أن نظام وآليات صنع الاستراتيجيات العسكرية في أميركا لايزال قادرا وحيويا.
{ إن التغييرات التي تدخلها الولايات المتحدة على استراتيجيتها العسكرية بين الحين والآخر مازالت في إطار التكتيك، وأن الحفاظ على ديمومة القوة وليس فقدانها في المنطقة والعالم، لايزال الهدف الأبعد لكل الاستراتيجيات والأيديولوجيات العسكرية الحديثة.
{ إن تنوع وتطور التكتيكات الحديثة، هدفها المزج بين الصلابة والنعومة لمواجهة الحروب اللامتماثلة إلى جانب الحروب التقليدية. وهذا ما أشارت إليه صحيفة واشنطن بوست الأميركية بتاريخ 05 / 12/ 2008، حيث أفادت أن «وزارة الدفاع الأميركية أقرت سياسة توجيهية جديدة تقضي بوضع المهمات العسكرية في الحروب غير النظامية ضد الارهابين والمتمردين على قدم المساواة مع المعارك والحروب التقليدية، من خلال تعزيز القدرات الاستخباراتية والتعاون مع جيوش أجنبية وقوات محلية في مناطق محظورة على القوات الأميركية». وتهدف هذه السياسة، حسب الواشنطن بوست، إلى «استخلاص العبر من حروب العراق وأفغانستان وتحضير القوات العسكرية لمواجهة النزاعات المستقبلية للحؤول دون الوقوع، مجدداً في أخطاء حقبة ما بعد حرب فيتنام».