تاريخ الدفاع الجوى المصرى موضوع كامل

hosam55555

القيادة العامة للقوات البحرية
صقور الدفاع
إنضم
29 يوليو 2009
المشاركات
905
التفاعل
153 0 0
المقدمة
ارتبطت نشأة الدفاع الجوي، وتطوره في العالم، بظهور أول طائرة مروحية "للأخوين رايت" في 27 ديسمبر 1903، وبداية استخدام الطائرات في العمليات العسكرية في 24 ديسمبر 1914 وما أعقب ذلك، في معارك الحرب العالمية الأولى. وقد تصدت لها، في البداية، مدفعية الميدان، والأسلحة الخفيفة، ولكنها لم تحقق الهدف المرجو منها. وبدأ التفكير في تطوير هذه الأسلحة، وتعديلها، لتتمكن من مواجهة الطائرات، وكان أول مدفع مضاد للطائرات، تم إنتاجه في روسيا عام 1914، ثم ظهرت المدفعية المضادة للطائرات، بعد ذلك، في كل من ألمانيا، وفرنسا، وإنجلترا.​




وفي أوائل الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد في عام 1940، بدأ ظهور الرادار، على ساحة الحرب بصفته معدة جديدة، لتحديد أماكن الطائرات، في الجو، وكانت طفرة كبيرة، في مجال الاستطلاع الجوي والإنذار، بل في شتى مجالات التسليح. وكانت معارك الحرب العالمية الثانية، في نظر المؤرخين العسكريين، أكثر المعارك ضراوة وقسوة في تاريخ البشرية، من حيث حجم القوات، والمعدات، واتساع ميادين القتال في البر، والبحر، على امتداد العالم.​






ولهذا، يمكن القول إن آلة الحرب، بجميع أنواعها، قد تطورت تطوراً بالغ الأهمية، خلال هذه الحرب، واستمر هذا التطور، بعد توقف معاركها.وكانت أهم وأعظم معارك الجو والدفاع الجوي، على الإطلاق، في ذلك الوقت، ما أطلق عليها، فيما بعد، معركة بريطانيا، والتي دارت رحاها بين الألمان والإنجليز، والتي برزت، خلالها، أول منظومة دفاع جوي، في التاريخ الحديث.​



ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، عام 1945، تطورت طائرات القتال بصورة متزايدة، وتطورت معها، وسائل وأسلحة الهجوم الجوي، وفي المقابل، ظهرت الصواريخ الموجهة المضادة للطائرات، في بداية الخمسينيات. وقد ساهمت الحروب الإقليمية، في كل من كوريا، وفيتنام، والحرب الهندية ـ الباكستانية، في زيادة وسرعة التطور، في هذا المجال.​






وساعد، على ذلك، سباق التسلح بين المعسكرين الشرقي والغربي. وجاءت حرب أكتوبر 1973، ومن قبلها حرب 1967، وحرب الاستنزاف، على الجبهة المصرية، لتثبت الأهمية الكبيرة لدور الدفاع الجوي، في الحرب الحديثة، وإمكانية أن تتمكن منظومة دفاع جوي، على درجة عالية من الكفاءة، في تحييد قوة جوية ذات شأن، وحرمانها من حرية الحركة في سماء الآخرين.​






وعلى رغم ضراوة حربي الخليج الأولى والثانية، وحرب كوسوفا، ونشوب بعض المواجهات، مثل عملية سهل البقاع، وعملية خليج سرت، فإن حرب الاستنزاف، وحرب أكتوبر تمثلان أعظم المواجهات، التي حدثت، خلال النصف الثاني من القرن العشرين.​






وقد مرت مصر، في أوائل القرن العشرين، بمرحلة حرجة من تاريخها، تدهورت فيها أحوال البلاد، وتقلص الجيش المصري، حجماً وعدداً، إلى أن وقعت مصر اتفاقية الصداقة مع بريطانيا، عام 1936، والتي أعطت مصر بعض المزايا، أهمها البدء في تطوير الجيش المصري.​






وحظي سلاح المدفعية الملكي المصري، بنصيب من هذا التطوير، وشهد عام 1937 بداية ظهور المدفعية المضادة للطائرات في مصر، ودارت عجلة البناء والتسليح والتطوير، والتي قادها عدد من خيرة ضباط المدفعية. والدارس لتاريخ وتطور المدفعية المضادة للطائرات، منذ النشأة، يلمس أن هذا السلاح، دون غيره، لم تنته معاركه، وأن عمليات الصقل والتطوير تمت، تحت ظروف المعارك، ومجابهة العديد من العدائيات الجوية.​






فقد شاركت المدفعية المضادة للطائرات، القوات المصرية، في الدفاع عن الوطن، وخاضت كل المعارك والحروب، التي اشتركت فيها مصر، بدءاً من الحرب العالمية الثانية، إلى حرب تحرير فلسطين عام 1948، ثم حرب 1956، وحرب 1967، التي خرجت منها بالدروس والخبرات، لتظهر دورها في حرب 1973، وغيرت الكثير من المفاهيم العسكرية والإستراتيجية.​






واستمرت تؤدي دورها الكبير، في حماية سماء مصر، ولم تغب عن مسؤولياتها العربية، فقد شاركت في حرب تحرير الكويت، ضمن القوات المصرية، وظلت معاهدها العلمية مفتوحة للمصريين، والعرب، وأبناء الدول الصديقة، يتلقون فيها أحدث ما وصل إليه العلم في هذا المجال.​






وتواصل منظومة الدفاع الجوى مسيرتها، على طريق النمو والتطور، واضعة نصب أعينها التطور العالمي لطائرات القتال، وأسلحة الهجوم الجوى الحديثة، وما يظهر مواكباً لهذا التطور، من أسلحة الدفاع الجوي، مركزة اهتماماتها الأولي، على ما يدور من تطوير، على المستوى الإقليمي، في ظل الطفرة العلمية والتكنولوجية.​






وفي بداية القرن الواحد والعشرين، ينتظر أن يأخذ الصراع طابعاً جديداً، في ظل ما وصل إليه العلم من تقدم، حتى ليبدو للمرء أن ما يدور بين أسلحة الهجوم والدفاع، في مجال الحرب الجوية، يفوق أفلام الخيال العلمي. فطائرات الشبح مزودة بأنظمة متطورة ترى وتشعر بسابحات الفضاء، وما يدب على الأرض، وتحت سطحها، وصولاً إلى البحار، وأعماقها المظلمة، والصواريخ الباليستية، والطوافة تصل إلى أطراف الكون، سابحة في الفضاء، أو متجولة فوق سطح الأرض، تنقض على أهدافها بغتة، وسلسلة غير منتهية من المضادات الأرضية، التي تستخدم تكنولوجيا فائقة التقدم.​






ويتم التحكم في كل هذا، من خلال منظومة من العقول الإلكترونية، والأقمار الصناعية، يصعب الإلمام بها أو تخيلها. وتنتهي إلى أن أخطر هذه التهديدات الجوية يتمثل فيما تحمله الصواريخ الباليستية والطوافة، من أدوات الدمار الشامل. وماذا بعد؟]لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ[ (سورة الأنعام، الآية 103).​




الفصل الأول







النشأة والتطور







المبحث الأول







النشأة والتطور عالمياً ومحلياً






أولاً: النشأة عالمياً

ترجع نشأة الدفاع الجوي في العالم، إلى بدايات القرن العشرين، مواكبة لظهور المناطيد والطائرات، واشتراكها في معارك الحرب العالمية الأولى. وقد استخدمت ألمانيا المناطيد، في الإغارة على بريطانيا، حيث كانت تطير على ارتفاعات عالية، لا تصل إليها المقاتلات البريطانية، وأشهر هذه المناطيد ما عرف باسم زبلن Zeppelin-L 37، وكان سلاح ألمانيا الجوي في الحرب العالمية الأولى مُعدًّ لإرهاب الإنجليز، الذين كانوا يظنون في أثناء هجمات الألمان، بواسطة هذا المنطاد، أن الجحيم قد فتح عليهم أبوابه من السماء.​

ويبلغ طول المنطاد حوالي 521 قدماً، ويطير بواسطة 18 بالوناً مليئة بالغاز، ويبلغ حجم غاز الهيدروجين، الذي يحمله المنطاد، نحو 950 ألف قدم مكعب، ويدفع المنطاد محرك، تبلغ قوته 210 أحصنة، ويحمل طاقماً مكوناً من 28 رجلاً.​

وبدأت حلقات الصراع على السيطرة الجوية، ففي 7 يونيه 1915، استطاع الطيار "ريجي وونفورد"، من سلاح الجو الملكي البريطاني، أن يطارد المنطاد، ويسقطه فوق مدينة جنت GHENT في إحدى الجزر البريطانية. وبدأت الجيوش في تطوير بعض قطع المدفعية؛ لتصبح قادرة على التصدي للطائرات، وكان ظهور المدفعية المضادة للطائرات بعدة أعيرة، وأصبحت فرعاً حيوياً من أفرع سلاح المدفعية في الجيوش، ودخلت، إلى مسارح العمليات، أول منظومة دفاع جوي بسيطة، تضم المقاتلات والمدفعية.​

وفي عام 1916، ظهر المدفع ثلاث بوصات، المضاد للطائرات، إلى حيز الوجود، لأول مرة، للتعامل مع المناطيد وطائرات الجيل الأول، ذات الأجنحة المزدوجة، والسرعات، التي لا تتجاوز 100 كم/ ساعة، وكانت تحلق على ارتفاعات منخفضة، حتى يتمكن الطيار من رؤية الأهداف المحددة له، وقصفها، حين لم تمتلك هذه الطائرات أي إمكانيات، أو أجهزة فنية، للملاحة والتصويب من ارتفاعات عالية.​

1. التطور فيما بين الحربيين (1918 – 1939)
على الرغم من عدم ارتفاع فاعلية الغارات الجوية، في أثناء الحرب العالمية الأولى، فإن دخول الطائرات إلى ساحات القتال، أثار الخوف من ما قد يحدث في الحروب القادمة، ولهذا اتجه القادة العسكريون، إلى ضرورة تدعيم قوة نيران المدفعية المضادة للطائرات وتطويرها، للحد من فعالية الطائرات المغيرة، وتقليل تأثيرها.​

وقد اتخذ هذا التطور اتجاهات متعددة، كان أهمها الآتي:​

أ. الرجوع والإعادة واللهب الفوهي

كانت الآمال تتركز، أساساً، في البحث عن مدى أطول، وكانت أسهل السبل لذلك هي زيادة المادة القاذفة خلف الدانة، للعمل على إطلاق الدانة، بسرعة فوهية عالية، ولكن سرعان ما ظهرت لذلك آثار ضارة كبيرة، فاللهب الفوهي يكشف مكان المدفع، ويسهل مهاجمته، وكان السبيل إلى حل هذه المشكلة، هو تطوير مكونات المادة القاذفة، وأدى إلى ظهور "حاجز ضوء اللهب"، في معظم المدافع، التي تلا إنتاجها.​

كذلك، ظهرت مشكلة قوة الرجوع، وزيادة طوله، وكان التغلب عليها أكثر صعوبة في تفاديها، وهنا سبقت ألمانيا العالم، عندما قامت شركة كروب الألمانية، بأبحاث ودراسات ناجحة، في هذا المجال، فاكتشفت مخفف الصدمة Muzzle Brake ، وطورت أجهزة الرجوع والإعادة.​

ب. السرعة الفوهية للمقذوف

عندما اتجه التطور لزيادة السرعة الفوهية للمقذوف، لم يكن هذا يهدف، إلى زيادة المدى فحسب، بل كذلك إنتاج الدانة المخفضة، التي تطلق من مواسير ذات عيار أكبر، وبالتالي عبوة قاذفة أكبر، بحيث عندما تغادر ماسورة المدفع، تسقط القطع، التي أكملت عيارها داخل الماسورة، فتزداد سرعتها مع خفض مقاومة الهواء لها، فتزداد المسافة، التي تقطعها.
كذلك صنع الألمان الماسورة المخروطية، التي تنضغط بداخلها الدانة، كلما تحركت للأمام، مما يزيد من سرعتها الفوهية.​

ج. تطوير الطابات

في خلال الحرب العالمية الأولى، واجهت الدول مشاكل كثيرة، بالنسبة إلى الطابات، وحتى عام 1918، كانت الطابات اختراقية "بالبارود"، ولذلك كانت غير دقيقة. وخلال العشرينيات والثلاثينيات، حاول كثير من الدول، تطوير هذه الطابات.
ففي عام 1938، تحققت عدة نجاحات، في هذا المجال، وكان السويسريون هم الأسبق، حتى أن الإنجليز استخدموا طابات سويسرية، من طراز "تافادو"، في مدفعيتهم المضادة للطائرات.​

د. استخدام الحاسبات

كان تحديد ارتفاع الطائرات المغيرة، وسرعتها، في الحرب العالمية الأولى، يتم بالوسائل الصوتية، والمراقبين الجويين. وكانت بيانات الأهداف، التي تضبط على المدافع تقديرية، تعتمد على خبرة الطاقم، مما كان يستدعى التصحيح في أثناء الاشتباك، بما يمثله ذلك من صعوبة، واستنفاذ للوقت، خاصة أنه لم يكن بالإمكان التكهن بما إذا كان الهدف سيقوم بالانقضاض أم بالمناورة، وعليه، كان من الضروري التوصل إلى وسيلة سريعة ودقيقة، للحصول على كل البيانات اللازمة، وربطها بسرعة على أدوات تنشين المدافع.​

وظهر أول حاسب في تاريخ المدفعية المضادة للطائرات، وأطلق عليه "بريديكتور" Predictor، ومعناه اللفظي المتنبئ. وكانت هذه الحاسبات ميكانيكية، تدار يدوياً، محدودة الإمكانيات، ولكنها كانت تمثل تطوراً كبيراً، في مجال الدفاع الجوي، كما أن البريديكتور فتح المجال، في اتجاه الوسائل الكهربية والإلكترونية، لحل عدد أكبر من المسائل في وقت أقل.
وكانت تلك بدايات علم الحاسب الحديث، ومع ذلك لم تدخل الحاسبات الإلكترونية عالم المدفعية المضادة للطائرات، إلا في الثلاثينيات، حين أنتجت الولايات المتحدة الأمريكية نظاماً لنقل البيانات، من البريديكتور، إلى المدافع، مما يحقق إعطاء المدفع زوايا الارتفاع والاتجاه آلياً. وكانت الفكرة مثيرة على رغم عدم تعميمها آنذاك، ولم تعمم إلا بعد أن بدأت الحرب العالمية الثانية، ببضع سنوات.​

2. التطور خلال الحرب العالمية الثانية

أ. إعلان الحرب ومعركة الدفاع الجوي عن الجزر البريطانية (1935 – 1940)
على رغم مرور أكثر من نصف قرن، على انتهاء الحرب العالمية الثانية، فإن كثيراً من المحللين العسكريين يعتبرون أن معركة بريطانيا، والتي سماها الألمان عملية "أسد البحر"، من أضخم وأطول المعارك، التي خاضتها القوات الجوية، وقوات الدفاع الجوي، حتى يومنا هذا، بل أكثر من هذا كان لها تأثيرها الكبير والحاسم، على سير العمليات الحربية، وتحولها لصالح الحلفاء.​

وخرجت بريطانيا من الحرب العالمية الثانية، باعتبارها الدولة الرائدة في العالم، في مجال الدفاع الجوي، حيث تمكنت، في الأربعينيات من هذا القرن، من حشد وسائل الدفاع الجوي، المعروفة في ذلك الوقت، وتنظيم التعاون بينها، وإدارة أعمال قتالها بفاعلية عالية، وذلك، من خلال مركز قيادة رئيسي، وأربعة مراكز قطاعات فرعية، فيما شكل نموذجاً رائعاً لأول منظومة دفاع جوي، عرفها العالم.
وقد استطاعت هذه المنظومة التصدي، بنجاح، للقوة الجوية الألمانية، التي تتفوق عليها تفوقاً كبيراً، وتمنعها من أن تحقق أهدافها، واضطرت القيادة الألمانية، إلى إلغاء عملية أسد البحر، ونجت بريطانيا من الاجتياح البري، والبحري النازي، والتي لم تسلم منه معظم الأراضي الأوروبية.​

ب. منظومة الدفاع الجوي البريطانية

(1) القيادة والسيطرة

أُنشئ مركز القيادة الرئيسي، في منطقة بنتلي PENTLY، بمدينة لندن، يعاونه أربعة مراكز قيادة مجموعة، لقيادة القطاعات الفرعية.​

وقد أقيمت هذه المراكز، بتجهيز هندسي محصن، تحت الأرض، وتضم خرائط لإظهار الموقف الجوي، تظهر عليها خطوط سير جميع الطائرات المعادية والصديقة. وتصل المعلومات إلى هذه المراكز، خطياً ولاسلكياً، بصفة مستمرة، من مصادر الاستطلاع والإنذار المختلفة "الرادارات وشبكات مراقبة وطيارين وقطع الأسطول"، بما يرسم صورة للموقف الجوي، تمكن القادة وضباط العمليات من إصدار الأوامر، إلى اقرب مطار، أو إلى المقاتلات التي تكون بالجو لاعتراض الطائرات المعادية.​

هذا بالإضافة إلى إنذار بطاريات المدفعية، والدفاع المدني، في القطاع المهاجم، ولعب الرادار دوراً أساسياً في فعالية هذا النظام، وحسن استخدام كل وسائل الدفاع الجوي المختلفة، من مدفعية مضادة للطائرات، وبالونات، وأنوار كاشفة.​

(2) الاستطلاع وظهور الرادار

خلال الثلاثينيات، اكتشف علماء الإلكترونيات، في الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا، مبادئ عمل الرادار، واهتم العلماء الإنجليز، أكثر من غيرهم، بهذا المجال، ونتيجة لأبحاثهم المكثفة، وجهودهم، في التطبيق العملي لما توصلوا إليه من نظريات، ظهرت أول محطة رادار في العالم، وانضمت للعمل بالسلاح الجوي البريطاني، عام 1937. وفي هذا العام، بدأ الإنجليز إنشاء سلسلة من الرادارات، على طول شواطئ إنجلترا. وبنهاية عام 1938، كان بإمكان هذه المحطات، اكتشاف معظم الطائرات الألمانية القادمة، من بحر الشمال أو القنال الإنجليزي.​

وبحلول شهر يونيه 1940، أصبح عدد المحطات العاملة نحو 51 محطة، تغطي معظم الساحل الإنجليزي، مع التركيز على الجنوب والشرق، وهى الاتجاهات الأكثر احتمالاً، لاقتراب الهجمات الجوية الألمانية.​

وكانت هذه المحطات قادرة على اكتشاف الأهداف، على مسافات تراوح بين 50 إلى 120 ميلاً نهاراً وليلاً، وفي وجود السحب الكثيفة. وبهذا توافر نظام فعال للإنذار المبكر، يتكون من 51 محطة رادار، بالإضافة إلى شبكة من نقاط المراقبة الجوية بالنظر، تضم نحو ألف نقطة، إضافة إلى معلومات الطيارين المحلقين في الجو، وبلاغات قطع الأسطول، كل هذه المعلومات تصل إلى مركز القيادة الرئيسي، والمراكز الفرعية، خطياً، أو لاسلكياً، أو بكلا الوسيلتين.​

وقد أدى هذا الأسلوب المتطور في القيادة، إلى توفير الكثير من جهود وحدات المقاتلات، التي كانت تضطر إلى استخدام نظام المظلات الجوية بصفة مستمرة، وترشيد استهلاك وحدات المدفعية المضادة للطائرات، بتنظيم رفع أوضاع استعدادها عند الضرورة.​

واستفاد الإنجليز، من براعتهم في استخدام الرادار، في الاستخدام الأمثل لطائراتهم المقاتلة ضد الطيران الألماني، الذي يفوقهم عدداً. فمنذ اللحظة الأولى، التي كانت الطائرات الألمانية تغادر قواعدها في أوروبا، كانت تظهر على شاشات الرادار الإنجليزية، ويتم تتبعها وتوجيه المقاتلات نحوها على خطوط الاعتراض المناسبة، أو تحرير نيران المدفعية المضادة للطائرات، في حالة تخصيص الأهداف لها.​

(3) مقاتلات الدفاع الجوي

وتضم 800 طائرة، من أنواع الهاريكان وسبيتفاير، وهي مقاتلات ذات مقعد واحد، وكان العدد الصالح للخدمة عند بدء المعركة نحو 660 طائرة فقط.
(4) المدفعية المضادة للطائرات

وتضم نحو 200 بطارية من الأعيرة المختلفة.​

(5) مجموعات من البالونات

موزعة على الأهداف المختلفة.
وهكذا تجسد، على أرض الواقع، أول هيكل لمنظومة دفاع جوي، تعمل في تكامل وتعاون لإدارة وتوجيه وسائل الدفاع الجوي المتاحة، لصد هجمات العدو الجوية.​

3. الأعمال الإلكترونية في أثناء الحرب العالمية الثانية

لعبت الحرب الإلكترونية دوراً مهماً، في معارك الحرب العالمية الثانية، بدءاً من الإعاقة اللاسلكية على وسائل الاتصالات، إلى توجيه الطائرات، والإعاقة الرادارية بأنواعها الإيجابية والسلبية، وغيرها من الأساليب.​

ففي عام 1939، استخدم الألمان طريقة تقاطع موجات الإرسال، فوق الهدف Beam Intersection، حيث توجه الطائرات الألمانية، ليلاً، عن طريق إرسال حزمة ضيقة من الإشعاعات الكهرومغناطيسية، من محطات أرضية بعيدة، تطير عليها الطائرات، حتى يتقاطع مع شعاع آخر، فتكون الطائرة فوق الهدف. وسجل الإنجليز أول إجراء إلكتروني مضاد، باستخدام جهاز إرسال لاسلكي، يقوم بإرسال إشعاعات ضيقة مخادعة، تعمل على انحراف إشعاعات التوجيه الألمانية، لتعطي تقاطعاً بعيداً عن الأهداف المقصودة.​

وفي عام 1943، نجح الحلفاء في استخدام الشرائح المعدنية Chaffs، للإعاقة على الرادارات الألمانية الأرضية، فقامت أكثر من 710 قاذفة قنابل إنجليزية، بإسقاط مئات الأطنان من الشرائح المعدنية، منفذين بذلك أحد الإجراءات الإلكترونية المضادة
ECM. [1]
ولم يمض عام حتى تمكن الألمان، من استخدام إجراءات إلكترونية مضادة للإجراءات الإلكترونية المضادة ECCM، لتقليل تأثير إجراءات العدو الإلكترونية، وذلك بتزويد أحد أجهزة الرادار الألمانية، بنظام انتخاب الأهداف المتحركة
MTI[2]
للتمييز بين الطائرات والشرائح المعدنية، التي تكون، عادة، بطيئة ومتناقصة السرعة.​

ثانياً: النشأة والتطور في مصر، حتى الحرب العالمية الثانية

1. نبذة تاريخية عن نشأة المدفعية المصرية (1831)

عندما عُين محمد على باشا والياً على مصر، أدرك أن يكون لمصر جيش حديث، يواكب العصر، ويجدد أمجاده وانتصاراته؛ لكي يثبت مركزه الداخلي، ويحقق طموحاته وفتوحاته.
ومن هذا المنطلق، بدأ في إنشاء أول جيش مصري صميم، بأفضل النظم العصرية المتطورة في ذلك الوقت؛ وسخر لخدمته كل موارد الدولة؛ فبنى المصانع الحربية لإنتاج المدافع والأسلحة والذخيرة، وكذلك الترسانات البحرية لبناء السفن؛ واهتم بزراعة القطن ليكون محصولاً اقتصادياً يساهم في تمويل بناء الجيش؛ وقام بإنشاء المعاهد الهندسية والطبية، لخدمة هذا الجيش؛ كما اهتم بتنظيمه وتدريبه، مستعيناً بالخبراء العسكريين، من شتى البلاد.​

ولما كانت المدفعية هي السلاح الرئيسي والحاسم في تلك الأيام، فقد أمر محمد على باشا، بإنشاء مدرسة الطوبجية، في يونيه 1831، وتولى أمرها وقيادتها، الكولونيل الأسباني، أنطونيو سيجويرا، الذي يعتبر المؤسس الحقيقي لفن المدفعية، في الجيش المصري الحديث. وقد أقيمت المدرسة على الشاطئ الشرقي للنيل، في منطقة طره، التي تبعد عن مصر القديمة حوالي 13 كم، وخطط لها لتتسع لنحو 300 تلميذ، من تلاميذ مدرسة قصر العيني التجهيزية، وضمت المدرسة 48 مدفعاً للتدريب، ونظمت الدراسة بالمدرسة، على أربع سنوات دراسية.​

ألغى الخديوي عباس المدارس العسكرية، وأنشأ مدرسة واحدة أطلق عليها اسم المفروزة، ثم أُلغيت المدرسة، عام 1861، في عهد الخديوي سعيد، الذي قام بتحويل مدرسة المهندس خانة السعيدية إلى مدرسة حربية تسع نحو 100 تلميذ، واستمرت هذه المدرسة قائمة، حتى تولى الخديوي إسماعيل الحكم في يناير 1863، فقام بتقسيم المدرسة الحربية إلى مدارس البيادة، والسواري، والمدفعية، وأركان الحرب.​

وانتظمت الدراسة في مدرسة المدفعية الملكية، عام 1865، وكان تلاميذها 280 تلميذاً، من بين تلاميذ مدرسة المهندس خانة، وهذا يدل على رقي المستوى العلمي لتلاميذها وخريجيها. ونتيجة للأزمة المالية، التي مرت بها مصر في أواخر حكم إسماعيل، فقد تقرر خفض حجم الجيش المصري، وتبعه إلغاء المدارس الحربية، ومن بينها مدرسة المدفعية عام 1879.​

وعندما وقعت مصر معاهدة 1936، مع بريطانيا، ونالت بموجبها استقلالاً جزئياً، تقرر إعادة فتح مدرسة المدفعية الملكية المصرية، في فبراير 1937، بعد أن ظلت مغلقة لنحو ستين عاماً، وكان مقرها منشية البكري.​

2. تنظيم مدرسة المدفعية الملكية المصرية (1937)
بعد إعادة افتتاح المدرسة، أعيد تنظيمها، على غرار مدرسة المدفعية الملكية البريطانية، وضمت ضمن أجنحتها، للمرة الأولى، أجنحة المدفعية المضادة للطائرات، والأنوار الكاشفة، ونظمت كالآتي:
أ. قيادة المدرسة.
ب. جناح مدفعية الميدان.
ج. جناح المدفعية المضادة للطائرات.
د. جناح الأنوار الكاشفة المضادة للطائرات.
وفي عام 1941، نُقلت المدرسة من منشية البكري، إلى منطقة ألماظة، التي تقع شرق القاهرة، وقُسمت إلى قسمين:​

القسم الأول: يضم مدرسة المدفعية بأجنحتها الفنية، وتقوم بتعليم النواحي الفنية لضباط المدفعية، وعقد الفرق الراقية لضباط الصف.​

القسم الثاني: وهو أساس ومركز تدريب المدفعية، ويختص بتدريب الصف والجنود، وتعليمهم فنياً على نوع من أنواع المدافع.​

وفي أواخر عام 1944، أُعيد تنظيم المدرسة ومركز التدريب كالآتي:
أ. رئاسة المدرسة ومركز تدريب المدفعية.
ب. مكتب كبير المعلمين ويتبعه:
(1) مدرسة المدفعية وتضم الآتي:
(أ) جناح مدفعية الميدان.
(ب) جناح المدفعية المضادة للطائرات.
(ج) جناح الأنوار الكاشفة.
(د) جناح التكتيك.
(هـ) جناح تدريب السائقين.
(و) وحدة شؤون إدارية.
(2) مركز تدريب المدفعية ويضم الآتي:
(أ) مدرسة محو الأمية.
(ب) البطارية الأولى تعليم.
(ج) البطارية الثانية تعليم.
(د) البطارية الثالثة تعليم.​

(هـ) البطارية الفنية "مدفعية ميدان ـ مدفعية مضادة للطائرات ـ أنوار كاشفة".
ثم أنشئت مكتبة المدفعية، وكان مقرها بمدرسة المدفعية، حيث مازالت موجودة حتى الآن، ولكنها تتبع إدارة المدفعية.​

3. بدايات المدفعية المضادة للطائرات في الجيش المصري

بمقتضى معاهدة 1936، تعهدت بريطانيا بالقيام بتطوير الجيش المصري، وإعادة تسليحه، وهذا الإعداد لم يكن حباً في مصر، بقدر ما كان لمصلحة بريطانيا، في المقام الأول، ليكون هذا الجيش قادراً، بدرجة ما، على معاونة القوات البريطانية، في الحرب المنتظرة والوشيكة، بعد وصول هتلر إلى مستشارية ألمانيا.​

ولعل المدفعية المضادة للطائرات، والتي كان يفتقدها الجيش المصري، تمثل لبريطانيا أهم سلاح يتطلبه الموقف، وقد كان فعلاً السلاح الوحيد، الذي اشترك بإيجابية وفاعلية كبيرة في الحرب العالمية الثانية، وقدم للإنجليز أكبر العون والمساعدة، في الدفاع عن القوات البريطانية، الموجودة على الأرض المصرية، ومرت عملية البناء بالمراحل التالية:
أ. إعداد وتدريب كوادر المدفعية المضادة للطائرات
بعودة أول بعثة من ضباط المدفعية من إنجلترا، بعد إتمام دراستهم بكلية وول وتش Wool watch للمدفعية، والتدريب على المدافع المضادة للطائرات، ومعداتها، وأجهزتها، جرى تعيينهم بجناح المدفعية المضادة للطائرات، ليقوموا بالتدريس لفرق الضباط الأصاغر، وشاركهم في التدريب، بعض الضباط وضباط الصف المستشارين، من البعثة العسكرية الإنجليزية، التي عينت للإشراف على الجيش المصري، وتزويده بالأسلحة الحديثة.​

وقد حرصت القيادة المصرية، على انتقاء الضباط، وروعي، في اختيارهم، أن يكونوا من أوائل الكلية الحربية الملكية "شعبة علوم"، ومن خريجي الكليات الجامعية، حتى يمكنهم استيعاب دراسة الأجهزة والمعدات الفنية.​

كما انضم، إلى هذه الفرق، عدد من الضباط الممتازين، من سلاح المدفعية الملكي، من الرتب الأعلى ليشغلوا الوظائف القيادية، في الوحدات الجديدة، واستكمال هيكلها التنظيمي. هذا وقد عُقد العديد من الفرق التعليمية، جرى خلالها تدريس
المواد الآتية:​

(1) علم فن المدفعية المضادة للطائرات.
(2) التدريب على المدافع الثابتة عيار ثلاث بوصات، والمتحركة، والمدافع الخفيفة، عيار 40 مم بوفرز المقطورة.
(3) الأجهزة والمعدات الخاصة بقيادة النيران، وهي الحاسب الميكانيكي "بريديكتور"، وآلة تقدير الارتفاع والمسافة، وأجهزة التسديد البيضاوية، وفي نهاية كل فرقة، كانت تجري رماية تدريبية، على هدف على شكل الكم، مقطور بواسطة طائرة.
ب. إعداد كوادر الأنوار الكاشفة

دخلت الأنوار الكاشفة، ضمن تسليح الجيش المصري، مع دخول المدفعية المضادة للطائرات، عام 1937، وكانت تتبع سلاح المهندسين العسكريين الملكي. وعقدت الفرقة الأولى أنوار كاشفة لعدد من المهندسين العسكريين، بواسطة ضباط معلمين من البعثة العسكرية البريطانية.​

وفي عام 1938، تقرر نقل الأنوار الكاشفة، إلى سلاح المدفعية الملكي، بعد تشكيل جناح الأنوار الكاشفة، بمدرسة ومركز تدريب المدفعية، ليكون السلاح المكمل للمدفعية المضادة للطائرات، لكي تكتشف وتضيء الأهداف الجوية ليلاً، لتتمكن وحدات المدفعية من الاشتباك معها.​

وعُقدت فرق دراسية، جرى خلالها دراسة الصوت والضوء، وأساسيات الكهرباء، على مستوى إعدادي كلية العلوم، وكذا ميكانيكا السيارات، والمولدات الكهربية، والمصابيح، التي هي مصدر الضوء الباعث، واستخدام محددات الصوت، وكيفية التقاط الأهداف، وتتبعها، وإضاءتها، وكيفية اكتشاف الأعطال وإصلاحها.​

4. التشكيل الأول للمدفعية المضادة للطائرات بصفته فرعاً من سلاح المدفعية المصرية
تكونت النواة الأولى للمدفعية المضادة للطائرات، في مصر عام 1938، بتشكيل أول بطارية مدفعية مضادة للطائرات، يعاونها قسم أنوار كاشفة. وفي أكتوبر من العام نفسه، قُدرت مطالب الجيش المصري، من المدفعية المضادة للطائرات، للدفاع عن البلاد، بفرقة مدفعية مضادة للطائرات، قوامها 30 ضابطاً و70 صف جندي، وتتألف من أربع آلايات مدفعية مضادة للطائرات، وآلاي خفيف، وكتيبتين أنوار كاشفة، ومجموعة دفاع ساحلي، بالإضافة إلى تسعة أسراب، من المقاتلات والقاذفات، وجرى تشكيل الوحدات على النحو التالي:
أ. التشكيل الأول للمدفعية المضادة للطائرات

(1) شُكِل الآلاي الأول عام 1938، من ثلاث بطاريات مدفعية وسط.
(2) شُكِل الآلاي الثاني عام 1939، من بطاريتي مدفعية وسط.
(3) شُكِل الآلاي الأول خفيف من بطاريتين، كل منهما من ثلاثة تروبات.
(4) آلايان أنوار كاشفة، بالإضافة إلى تروب متحرك أنوار كاشفة.
(5) في عام 1940، استكمل الآلاي الثاني مدفعية مضادة للطائرات، ليكون من ثلاث بطاريات.
ب. التسليح
(1) الآلاي الوسط ويشمل تسليحه

(أ) مدافع ثلاث بوصات الثابتة Static.
(ب) أجهزة حاسبات ميكانيكية "بريدكتور".
(ج) آلات تقدير الارتفاع والمسافة.
(د) تلسكوبات المراقبة ونظارات ميدان.
(هـ) أجهزة تسديد بيضاوي.​

(2) الآلاي الخفيف ويشمل تسليحه
رشاشات فردية ماركة لويس بإجمالي 24 رشاشاً.
(3) الأنوار الكاشفة

بانتهاء الفرق الدراسية للأنوار الكاشفة، عام 1938-1939، شُكِل كل من الآلاي الأول والثاني أنوار كاشفة، ويتكون كل منهما من ثلاث بطاريات، بكل منها ثلاثة ترةبات، ويضم تسليح التروب الآتي:​

(أ) ستة بواعث أنوار كاشفة.
(ب) ستة محددات صوت.
(ج) ستة مولدات قوى، ماركة ليستر.
ج. الاستطلاع

كانت وسائل الاستطلاع عن الأهداف الجوية، قبل وفي بداية الحرب العالمية الثانية، تعتمد على الرؤية بالنظر بواسطة المراقبين الجويين، باستخدام التلسكوبات، ونظارات الميدان المكبرة، علاوة على استخدام حاسة السمع.​

ونظراً لانخفاض سرعة الطائرات، في هذا الوقت، فإن هذه الوسائل كانت توفر زمناً معقولاً للإنذار، يسمح لوحدات المدفعية المضادة للطائرات، برفع أوضاع استعدادها، والاشتباك مع هذه الطائرات. وفي أثناء الحرب العالمية الثانية، ظهرت أجهزة الرادار، لأول مرة في التاريخ، وتقرر استخدامها، وسيلة فعالة من وسائل الإنذار المبكر، لاكتشاف الأهداف المعادية على مسافات بعيدة.​

وفي عام 1941، زُوِدَّت قيادة الدفاع البريطانية في مصر، بجهازي رادار إنذار مبكر، وقام بالعمل عليهما أطقم إنجليزية وأحيطت بالسرية التامة.​

تمركز الجهاز الأول، بمنطقة السلسلة بالإسكندرية، وكان يقوم باكتشاف الأهداف الجوية، وتتبعها، والإبلاغ عنها، لمركز عمليات المجموعة المضادة للطائرات، والقوات الجوية.​

وتمركز الجهاز الثاني، في القاهرة، وتصب معلوماته وبلاغاته، في مركز عمليات المجموعة الثانية بحي الزمالك، والتي تبلغها بدورها لمواقع المدفعية المضادة للطائرات، والقوات الجوية.​

د. وسائل الدفاع الجوي السلبي

وهي وسائل مساعدة، تعمل على تضليل طائرات العدو، عن طريق الإخفاء والتمويه، بواسطة الشباك، وبإنشاء مواقع هيكلية مشابهة للمواقع الحقيقية، وأهم هذه الوسائل:​

(1) البالونات

وهي عبارة عن بالونات ضخمة من المطاط، تملأ بغاز الهيدروجين، وترفع وتخفض، عن طريق سلك من المعدن القوي، بواسطة رافعة يدوية، وكانت ترفع ليلاً حول المطارات والمواني وغيرها من الأهداف الحيوية، مما يكون عائقاً أمام الطائرات المغيرة فتصطدم بالسلك وتسقط أو يجبرها على الارتفاع لتكون في متناول نيران المدفعية.
(2) ستائر الدخان

وهي عبارة عن ستائر كثيفة من الدخان، تُنتج من طريق مولدات، موزعة حول الأهداف المدافع عنها، لإخفائها عن أعين الطيارين، حتى لا يمكنهم التسديد الجيد عليها.​

(3) شباك التمويه

وهي شباك تأخذ شكل الأرض، المحيطة بالمعدات المراد تغطيتها؛ لإخفائها عن الطائرات المغيرة.​

(4) المواقع الهيكلية

وهي مواقع تتشابه مع المواقع الحقيقية، تصنع من مواد بسيطة، وهي تستخدم حتى الآن لتضليل الطائرات، وحدث بها تطور هائل، حتى أن بعض أنواعها أصبحت تحاكي المواقع الحقيقية.​

5. التطور في ميادين القتال

أ. الحرب العالمية الثانية: 3 سبتمبر 1939

(1) أعمال القتال

اندلعت معارك الحرب العالمية الثانية، في 3 سبتمبر 1939، وسلاح المدفعية المضادة للطائرات المصرية ما زال في مهد تكوينه وتنظيمه، حيث إن هذا السلاح، بعلومه وفنونه، كان لم يزل جديداً، على المدرسة العسكرية المصرية، ويحتاج إلى نوعية متميزة، من الضباط والصف والجنود، ذات مستوى ثقافي وعلمي عال.​

وأصبح من المؤكد، أن هذه الوحدات ينتظرها دور مهم، في معارك هذه الحرب الضروس، وعليها أن تتأهل للقيام بهذا الدور، في ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد، فالسلاح المتوافر قديم، من بقايا الحرب العالمية الأولى، متمثلاً في المدافع ثلاث بوصات الثابتة، والعدائيات الجوية، المطلوب مجابهتها، حديثة ومتطورة، متمثلة في السلاح الجوي الألماني، الذي جرى تطويره بصورة كبيرة، ويمتلك أنواعاً من الطائرات القوية، من أنواع مختلفة، أهمها الطائرات "هنيكل 111"، و"جونكرز 87، 88"، و"مسر شميدت 109، 110"، بالتعاون مع السلاح الجوي الإيطالي، وكان أهم هذه الاشتباكات ما جرى، في 9 يونيه 1941، حين تمكنت فيه المدفعية المضادة للطائرات، من إسقاط طائرة استطلاع إيطالية، من نوع "سافويا 109"، وهبوط طاقمها بالمظلات فوق منطقة الدخيلة.​

وكانت الإسكندرية أكثر المدن المصرية، تعرضاً للغارات، وكانت أكبر الغارات، تلك التي جرت، خلال شهر يونيه 1941، حيث اشتركت، في هذه الهجمة، أكثر من 100 طائرة، واستمرت نحو ثماني ساعات، وتسببت هذه الهجمة في إحداث خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، ولكنها لم تتمكن من إصابة الأغراض العسكرية، أو المرافق المختلفة للمدينة.​

وقد استبسلت المدفعية المضادة للطائرات، في التصدي للطائرات المهاجمة، وأقامت ستاراً مهلكاً من النيران، في وجه الطائرات المغيرة، مما جعل معظم قنابلها تسقط، بعيداً عن أهدافها، ولعبت وحدات الأنوار الكاشفة دوراً بطولياً، في إضاءة الأهداف المهاجمة، مما سهل لوحدات المدفعية الاشتباك بها، وتدمير العديد منها. وقد تعرضت مصر لمئات الغارات الجوية.​

(2) التطور في المعدات
نتيجة للأداء العالي لوحدات المدفعية، طلبت مصر من بريطانيا تطوير التسليح، وأن يستبدل بالمدافع القديمة ثلاث بوصات، أخرى من عيار 3.7 بوصة المتحركة، وبدأ هذا التطوير في مايو 1945، حيث تقرر تسليح الوحدات بالمدافع عيار 3.7 بوصة الثابتة، التي يصل ارتفاع عملها إلى 40 ألف قدم، بدلاً من 20 ألف قدم للمدفع ثلاث بوصات، وتبلغ المسافة الأرضية نحو 16 ألف ياردة، بدلاً من 9 آلاف ياردة.​

واستبدل بالحاسبات الميكانيكية، حاسبات أخرى ذات رأس حاسبة، ودخلت الخدمة آلات تقدير المسافة ماركة U.B. 7، لتناسب المدفع المتطور. وبدأ المدفع 3.7 بوصة المتحرك Mobile ماركة 2، يحل محل المدفع 3.7 بوصة الثابت Static. كما زُوِدًّت المواقع بأجهزة ربط الطابة ميكانيكياً، بدلاً من الربط اليدوي لدقة الربط، وسرعة التعمير. أما المدفعية الخفيفة، فقد طُوِرت، وفي عام 1945 دخلت الخدمة المدافع عيار 40 مم بوفرز، ذاتية الحركة.​

(3) تطوير طرق الاشتباك

ظهر، خلال معارك الحرب العالمية الثانية، قصور في أجهزة التسديد، حيث تعذر اكتشاف الأهداف وتتبعها، وأمكن ابتكار طريقة الاشتباك بالغلالة Barrage، وهي تعتمد على إنتاج غلالة من النيران، تطلق على المكان المحتمل وجود الهدف فيه، أو بإنتاج غلالة وسياج حول الهدف المدافع عنه، ولها عدة أساليب:
(أ) الغلالة الخطية، وتكون حول الهدف Line Barrage.
(ب) غلالة الهدف، وتكون فوق الهدف المدافع عنه.
(ج) الغلالة الجغرافية Geographic Barrage أو غلالة المربعات، وقد استخدمت بعد دخول الرادار إلى الخدمة.​

(د) الغلالة العنكبوتية Slider Barrage، وتتم باستخدام مجموعة من الجداول، حسب كثافة الهجمة، وأهمية الهدف المدافع عنه، وهي تستهلك كماً هائلاً من الذخيرة.​

ب. الدروس المستفادة من الحرب العالمية الثانية

(1) كان الاستطلاع الجوي ينفذ، باستخدام طائرات، ذات قدرة على الطيران على ارتفاعات شاهقة، خارج مدى المدفعية، مثل الطائرة الألمانية "فوكوولف"، وهي نفس الفكر الحالي في الاستطلاع، من ارتفاعات عالية جداً، مثل الطائرة SR-71 الأمريكية، وطائرة الاستطلاع الروسية "فوكس بات"، مما يؤكد أهمية الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى، للتصدي للطائرات، التي تطير على الارتفاعات العالية.​

(2) ضرب الأهداف الصغيرة Pin Point Targets، بطريقة الغطس، من الزاوية الحادة جداً، وهذا التكنيك مستخدم حتى الآن، وهذا يؤكد أهمية الرشاشات والصواريخ قصيرة المدى، من عناصر منظومة الدفاع الجوي.​

(3) الاقتراب على ارتفاعات منخفضة، من اتجاه الشمس، عند مهاجمة مواقع المدفعية المضادة للطائرات، التي تعمل بالاشتباك المرئي، واستخدم الإسرائيليون هذا الأسلوب في حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية.​

(4) أسلوب الهجوم المسمى "بالهجمة النجمية" Star raid، ويعتمد على مهاجمة الهدف، من أكثر من اتجاه، في الوقت نفسه، بغرض إرباك وسائل الدفاع الجوي.​

(5) مهاجمة الأهداف الحيوية، ليلاً، بعد إضاءتها بالمشاعل بواسطة القاذفات، من ارتفاعات عالية، لتفادي نيران المدفعية المضادة للطائرات.​

(6) الاهتمام بالتطور العلمي، في مجالات التسليح، والذي يتطلب التزود بالعلوم الحديثة، خاصة في مجالات الإلكترونيات.​

(7) الاهتمام بالاطلاع المستمر، على أحدث تطور لطائرات القتال، حتى يمكن تطوير أسلوب الاستخدام القتالي للمعدات.​

(8) الحرص على وجود قاعدة فنية، قادرة على صيانة وإصلاح المعدات الفنية المعقدة.​

(9) الانضباط العسكري، حيث إنه الركيزة، التي تضمن الاستخدام الصحيح للمعدات، والمحافظة عليها سليمة، كما أنه الأسلوب الأمثل لتطبيق قواعد إدارة النيران بالطريقة الصحيحة.​

(10) التدريب الشاق هو الأساس لنجاح استخدام المعدات الفنية، والإلكترونية، وأن المقاتل هو العنصر الحاسم في نجاح المهام.​


1 / الإجراءات الإلكترونية المضادة Electronic Counter Measures: ECM ،المضادة والإجراءات الإلكترونية للإجراءات الإلكترونية المضادة Electronic Counter Counter Measures: ECCM ، هي أحد العناصر الرئيسية للحرب الإلكترونية.​

1/ نظام MTI: هو اختصار Moving Target Indicator ، أي مبين الأهداف المتحركة، وهو خاص بإظهار كسرات الأهداف الجوية من دون الأجسام البطيئة أو الثابتة، التي يتم نشرها بغرض الإعاقة وعدم إظهار الأهداف الحقيقية​

[3] الآلاي يعادل فوج مدفعية، والبطارية تعادل سرية مدفعية، والتروب يعادل فصيلة مدفعية.​


المبحث الثاني







الدفاع الجوي المصري عقب الحرب العالمية الثانية، حتى حرب 1956




الموقف السياسي والعسكري بالمنطقة عقب الحرب العالمية الثانية
لم يكد العالم ينتهي من مأساة الحرب العالمية الثانية، حتى مهدت دول الحلفاء المنتصرة لظروف إقامة دولة يهودية في فلسطين، مكافأة لليهود على ما قدموه، من مساعدات لهم، خلال الحرب. وبذلك انتقلت بؤرة الصراع إلى منطقة الشرق الأوسط، ودخلت الدول العربية في صراع شاق ومرير، بدأ منذ نهاية هذه الحرب، وامتد حتى يومنا هذا.​

بدأ التمهيد للوجود الصهيوني، في قلب الأمة العربية، بوعد بلفور الشهير، ثم تجسد هذا التمهيد في شكل حقيقة واقعة، باتخاذ الجمعية العامة للأمم المتحدة، قرارها الرقم 181، في 29 نوفمبر 1947، القاضي بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وتقسيمها. وأعقب هذا القرار إعلان بريطانيا إنهاء انتدابها، اعتباراً من 14 مايو 1948، الذي استغله اليهود، في إعلان دولة إسرائيل في الأراضي، التي شملها قرار التقسيم.​

ورداً على هذا الموقف، قررت الدول العربية حشد جيوشها؛ لتحرير فلسطين من العصابات الصهيونية، ولكن هذا القرار جاء متأخراً، بعد أن استعد اليهود لهذا اليوم، بالإعداد الجيد لقواتهم وتجميعها؛ لمهاجمة أي تدخل عربي، بجانب تمهيد المسرح العالمي لتأييدهم.​

ساهمت مصر بجزء من جيشها، ضمن القوات العربية المشكلة لتحرير فلسطين، وتكونت القوات المصرية، في البداية من مجموعة لواء مشاة، ومعه بعض الوحدات المدرعة والمعاونة، علاوة على بعض المتطوعين، وتم تجميعها كلها بمدينة العريش، ومع استمرار الحرب، دعمت هذه القوات؛ لتصل إلى ما يوازي حجم فرقة مشاة.​

1. موقف القوات الجوية الإسرائيلية

أ. قبل إنشاء دولة إسرائيل

(1) بدأ الاهتمام بالطيران ليكون وسيلة للدفاع، عن المجتمع اليهودي في فلسطين، بإنشاء ناد للطيران "نادي الطيران الإسرائيلي"، عام 1935، قام بتأسيسه تسعة طياريين، من حركة هاموشير هاتسعير "الحارس الشاب"، بعد أن تدربوا، في كل من فرنسا والاتحاد السوفيتي، وأمكن لهذا النادي تدريب نحو 264 فرداً على الطيران الشراعي، خلال الفترة بين عام 1937 و1943.​

(2) خلال الحرب العالمية الثانية، تطوع مئات اليهود، رجالاً ونساء، للعمل فنيين، في سلاح الطيران، البريطاني وتدرب عدد قليل منهم على الطيران.​

(3) بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأت المنظمات العسكرية السرية، في الاهتمام بالطيران، فاعتمدت منظمة "الهاجاناه" مبالغ كثيرة؛ لتحويل نادي الطيران الإسرائيلي، وتم إجراء إحصائية، تبين منها، أن هناك حوالي 200 يهودي، في فلسطين، مدربين على قيادة الطائرات، اختير منهم 35 ليكنوا نواة لسلاح الطيران، فتم إرسالهم، في بعثات، إلى تشيكوسلوفاكيا وإيطاليا للتدريب.​

ب. فترة إعلان إنشاء إسرائيل، وخلال الجولة الأولى

(1) قبل انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، قامت بريطانيا بتسليم اليهود 20 طائرة من نوع أوستر.
(2) في نهاية شهر مايو 1948، صدر الأمر بإنشاء قوات الدفاع الإسرائيلية، مكونة من ثلاثة أفرع رئيسية، هي القوات البرية، والقوات البحرية، والسلاح الجوي، وتم تعيين أهارون ريميز، أول قائد لهذا السلاح، وإدراكاً لأهمية الطيران في الحروب الحديثة، نتيجة الخبرة المستفادة من الحرب العالمية الثانية، أولت إسرائيل سلاح الطيران اهتماماً خاصاً، لأهميته في تحقيق إستراتيجيتها العسكرية، المبنية على التوسع.​

(3) ركزت إسرائيل على تدعيم سلاح طيرانها بالطيارين المتطوعين، من أوروبا وأمريكا وجنوب أفريقيا، من خلال تجنيدهم بواسطة الوكالة اليهودية، حتى بلغ عدد الطيارين حوالي 40 طياراً من ذوي خبرة القتال في الحرب العالمية الثانية، ولزيادة عدد الطيارين، تم تجنيد طيارين جدد من يهود فلسطين؛ لتدريبهم وصقلهم تحت إشراف الطيارين المتطوعين، من الدول الخارجية، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل قامت إسرائيل بشراء كل ما تستطيع شراءه من طائرات لمواجهة إعلان الدول العربية الحرب عليها.​

(4) قُدر حجم سلاح الطيران الإسرائيلي، عند نشوب القتال، بثلاثة أسراب من الطائرات الخفيفة، من طراز "سبيت فاير ـ اللانكستر"، بجانب طائرات "الأوستر"، التي حصلت عليها من بريطانيا، بعد أن تم تعديلها للعمل، قاذفة قنابل، وسُميت هذه الأسراب بسرب الجليل، وسرب تل أبيب، وسرب النقب.
(5) بالرغم من اهتمام إسرائيل بسلاح الطيران، لم يكن له أي دور، مؤثر وفعال خلال المراحل الأولى للحرب، نظراً للتفوق العربي. ولكن باستغلال فترات الهدنة، وعلى ضوء القيود المفروضة، على توريد السلاح للأطراف المتحاربة، أمكن لإسرائيل تدعيم سلاحها الجوي بطائرات حديثة، من نوع مسر شميت الألمانية، وB-17 الأمريكية، التي كانت تسمى بالقلعة الطائرة، علاوة على وصول طياريين متطوعين جدد إليها، مما زاد من الدور، الذي لعبه الطيران، خلال المراحل التالية للحرب.​

ج. أبرز أعمال قتال الطيران الإسرائيلي خلال هذه الجولة

بالرغم من عدم وجود إستراتيجية جدية واضحة لإسرائيل، خلال هذه الجولة، فإن الطيران الإسرائيلي، لعب دوراً هاماً وفعالاً، خاصة في أعمال المعاونة القريبة للقوات، في مسرح العمليات، التي كان أبرزها الآتي:
(1) توجيه هجمات جديدة إلى منطقة غزة، ومطار العريش، وتحقيق السيطرة الجوية المحلية المحدودة، فوق مسرح العمليات.​

(2) التمهيد النيراني بالطيران، ضد القوات المتمركزة في بئر سبع، لمدة أربع ليال متتالية، قبل الهجوم البري والاستيلاء عليها.​

(3) توجيه هجمات جوية بقاذفات القنابل، ضد القوات البرية المصرية، في منطقة العوجة، مما أدى إلى سقوطها في أيدي القوات الإسرائيلية.​

2. حرب فلسطين 1948

يعتبر عام 1917، بداية مرحلة حاسمة للعمل الصهيوني في فلسطين، وقد نهض بهذا العمل، جيل من الإرهابيين، اعتنق أسلوباً جديداً في سلب الأرض، تحت شعار "السور والبرج"، تعبيراً عن اغتصاب الأرض بالقوة، ثم الانغلاق داخلها والدفاع عنها.​

وانتهى الأمر عام 1947، بصدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتقسيم فلسطين، واستغلت إسرائيل الفراغ، الذي أعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، ونفذت هدفها، وهو فرض الدولة اليهودية، بالقوة المسلحة، في فلسطين. وبدأ الصراع العربي الإسرائيلي، بحشد الجيوش العربية لتحرير فلسطين، ودخول الحرب يوم 15 مايو 1948، أي في اليوم التالي لانتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين. وشاركت مصر بقواتها، التي كانت تضم وحدات من المدفعية المضادة للطائرات.​

أ. وحدات المدفعية المضادة للطائرات، التي اشتركت في عمليات 1948
(1) بطاريتان وسط 3.7 بوصة متحركة.
(2) بطارية وسط ثلاث بوصات ثابتة.
(3) بطارية أنوار كاشفة.
ب. المهام

(1) الدفاع عن المدن الرئيسية بسيناء،وفلسطين، ومنها العريش، ورفح، وغزة، والمجدل، والفالوجا.
(2) توفير الحماية للقوات البرية، في أثناء العمليات.
(3) تدمير الأهداف الثابتة، والدشم، والمستعمرات، وكذا الأهداف المتحركة، كالدبابات، والعربات، والجنود.
(4) الضرب على الأهداف البحرية.
(5) تقوم الأنوار الكاشفة بإضاءة الأهداف الجوية، ليلاً، وإضاءة أرض المعركة.
ج. الاستطلاع والإنذار في فلسطين
لم تتوافر أي وسائل لاستطلاع العدو الجوي، أو الإنذار عنه، سوى المراقبين الجويين، من أفراد أطقم المدافع، على مستوى التروب المضاد للطائرات، وذلك باستخدام التلسكوبات، ونظارات الميدان المكبرة، إضافة إلى التنصت السمعي.
د. القيادة والسيطرة في فلسطين
كانت القيادة لا مركزية على مستوى التروب، ويجري الاشتباك على مسؤولية قائد التروب، طبقاً لظروف العمليات، حيث كانت الوحدات، إما متحركة مع القوات البرية المهاجمة، أو ثابتة للدفاع عن المدن.​

هـ. الدفاع الجوي عن الدولة خلال حرب 1948

لم تضع القيادة المصرية، في اعتبارها، قيام العدو الإسرائيلي بالإغارة، على أهداف في عمق الدولة، وأغفلت امتلاكه لعدد من قاذفات القنابل، من نوع ب - 17 "القلاع الطائرة"، التي تمكنت إحداها، من الوصول إلى القاهرة، وقامت بالإغارة على منطقة عابدين، في وسط العاصمة، فأوقعت بعض الإصابات بالأهالي، وأحدثت الذعر بينهم.
وكان ذلك نتيجة للقصور في وسائل الإنذار، بل انعدامها تقريباً، مما عرض وحدات المدفعية المضادة للطائرات المكلفة بالدفاع عن القاهرة للمفاجأة.
(1) المهام
(أ) كُلف اللواء الأول المضاد للطائرات، بالدفاع عن القاهرة والأهداف الحيوية فيها، خاصة قصر عابدين، وقصر القبة، من مركز القيادة في الزمالك.
(ب) كُلف اللواء الثاني المضاد للطائرات، بالدفاع عن الإسكندرية والأهداف الحيوية فيها، خاصة الميناء، وقصر المنتزه، وقصر رأس التين.
(ج) كًلف اللواء الثالث المضاد للطائرات، بالدفاع عن الإسماعيلية، وكوبري الفردان.
(2) القيادة والسيطرة
تمت السيطرة على أعمال قتال الوحدات، مركزياً، من مركز عمليات اللواء بكل منطقة، حيث تصل الأوامر والبلاغات، إلى التروبات بالمواقع الدفاعية المحتلة، وكذا الإنذار عن العدو الجوي، وتخصيص الأهداف، والاشتباك معها، عن طريق ضابط عظيم العمليات المضادة للطائرات، المنوب بكل مركز قيادة.
وقد قامت وحدات المدفعية المضادة للطائرات، بدور مهم في حرب 1948، حيث تصدت للطائرات الإسرائيلية، بقوة وتأثير، مما أحبط معظم الهجمات الجوية، وتمكنت من إسقاط عدد من الطائرات الإسرائيلية.
كما قامت هذه الوحدات بتقديم معاونة للقوات البرية، حيث بدأ استخدامها، بصفة مدفعية مضادة للدبابات، ومدفعية ميدان لقصف الدشم المحصنة، وقد كان لها دور كبير في سقوط الكثير من المستعمرات الصهيونية في يد القوات المصرية، قبل أن تتحول نتائج المعارك لصالح اليهود.​

و. الدروس المستفادة من حرب 1948

(1) اكتسبت وحدات المدفعية المضادة للطائرات كثيراً من الخبرات، في أساليب الاشتباك بالطائرات المعادية ،وكذا المعاونة الأرضية للقوات البرية.
(2) وضح، من هذه الجولة، أن إسرائيل تستعد دائماً للحرب، وتحشد وتعبئ كل القدرات العسكرية والسياسية والمعنوية لخوضها،ووجدت المدفعية المضادة للطائرات تتحمل وحدها عبء الدفاع، من دون أي مساندة جوية، حيث لم يكن سلاح الطيران المصري يمتلك أي إمكانيات قتالية تذكر، فلم يكن يضم سوى ست طائرات مقاتلة إنجليزية الصنع، طائرة استطلاع وتصوير، بالإضافة إلى خمس طائرات نقل داكوتا، بينما يضم السلاح الجوي الإسرائيلي أكثر من 150 طائرة، من مختلف الأنواع، يعمل عليها عدد كبير من الطيارين العاملين، والمتطوعين من ذوي الخبرة.
(3) أهمية توافر وسائل متطورة للاستطلاع والإنذار المبكر، لتحقيق زمن معقول للإنذار، يسمح برفع أوضاع استعداد الوحدات، حيث أدى الاعتماد على المراقبين الجويين وحدهم، إلى عدم وجود أزمنة مناسبة للإنذار، مما قلل من فاعلية وسائل الدفاع الجوي.
(4) تمت القيادة والسيطرة، لا مركزياً، في كل الأوقات، على مستوى التروبات، وذلك بسبب تعذر الاتصالات بين الوحدات، مما أعاق التعاون، وتبادل المعلومات، فيما بينها، عن العدو الجوي.​

ز. إعادة التنظيم

أثرت تجربة حرب فلسطين عام 1948، في الفكر العسكري المصري، واتجهت الأنظار إلى إعادة تنظيم وتسليح الجيش، وعلى رغم الحاجة إلى زيادة حجم المدفعية المضادة للطائرات، والأنوار الكاشفة، فقد استقر الرأي، على الاكتفاء بطلب لواء واحد ثقيل، مضاد للطائرات، مكون من آلاي مضاد للطائرات، وآلاي أنوار كاشفة، إضافة إلى اللواءين الموجودين بالخدمة، كما طلب تشكيل آلاي مدفعية متوسطة عيار 57 مم، على أن يحتفظ بآلاي آخر بالمخازن لتشكيله عند الحاجة.​

ح. نشأة الرادار في مصر

(1) شهدت مصر أول مولد للرادار، بحصولها من بريطانيا على جهازين للإنذار، أمريكي الصنع، من طراز AN-TP53، خلال شهر يونيه 1948. تمركزا في موقعين هما:
(أ) موقع منطقة القناة بجبل مريم.
(ب) موقع في صحراء مصر الجديدة.
(2) ببداية عام 1952، تعاقدت مصر مع فرنسا، على إنشاء أول شبكة رادارية بمصر، وهي الشبكة الفرنسية، مكونة من 12 محطة رادار "ست محطات توجيه، وست محطات إنذار"، وتم التخطيط لها لتغطية منطقة الدلتا والقناة، مع توفير تغطية محلية في الجنوب، لمنطقة خزان أسوان، من خلال تنظيمها في أربع قطاعات هي:
(أ) القطاع الشرقي: ويشمل منطقة القناة وسيناء، ويغطيه ثلاث محطات.
(ب) القطاع الغربي: ويشمل منطقة شمال الدلتا والإسكندرية، ويغطيه أربع محطات.
(ج) القطاع المركزي: ويشمل منطقة وسط الدلتا والقاهرة في بني سويف، ويغطيه ثلاث محطات.
(د) القطاع الجنوبي: ويشمل منطقة خزان أسوان، ويغطيه محطة إنذار.​

ط. إنشاء أول قيادة للمدفعية المضادة للطائرات

خلال عام 1951، تقرر إنشاء أول قيادة للمدفعية المضادة للطائرات، في مصر، بقيادة اللواء/ السبكي، وكل من البكباشي/ عبدالمنعم رياض، والبكباشي/ عبدالمنعم أمين، والصاغ/ عبدالرازق حجازي، وتتبع هذه القيادة، تنظيمياً وعملياتياً، سلاح المدفعية الملكي، وتوضع تحت سيطرتها جميع وحدات المدفعية المضادة للطائرات.
3. ثورة يوليه، وهدف إقامة جيش وطني قوي
بانتهاء حرب تحرير فلسطين عام 1948، وما أسفرت عنه من نتائج، تعتبر مأساوية، لم تصدق نتائجها جماهير الشعب المصري. وحاولت مصر، بعد نهاية هذه الجولة، أن تزيد قواتها العسكرية، وتعيد تسليحها، بمعدات حديثة، بعد أن أوضحت التجربة أنه لا حياة للدول الضعيفة في هذا العالم.
ومن بين أنقاض وركام هذه الحرب، نبت تنظيم الضباط الأحرار، داخل الجيش المصري، وكانت نواته الأولى، من الضباط، الذين اشتركوا في القتال في فلسطين، وأصابهم ما أصابهم من إحباط، بسبب ظروف وملابسات هذه الحرب. ومع نمو هذا التنظيم، وما واكب هذه الفترة من السخط الشعبي على الأوضاع السياسية والاقتصادية المتردية، ورزوح مصر تحت نير الاستعمار البريطاني، تفجرت ثورة 23 يوليه 1952، بأهدافها الستة، ومن بين هذه الأهداف، إقامة جيش وطني قوي.
وقد لاقى هذا الهدف الكثير من الصعوبات، أهمها التصريح الثلاثي، الذي صدر عن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، في 25 مايو 1950، بهدف حماية إسرائيل والمحافظة عليها، بحيث تكون متفوقة، في القوة العسكرية، على الدول العربية مجتمعة، وذلك بفرض حظر على توريد السلاح، لمصر والدول العربية، في الوقت، الذي سمح فيه بتوريد السلاح إلى إسرائيل.وبدأت خطوات جادة في اتجاهات كثيرة، أهمها:
أ. تنويع مصادر السلاح
(1) صفقة الأسلحة الغربية
نتيجة لهذه الأوضاع، اتجهت مصر إلى تنويع مصادر السلاح، فبدلاً من الاعتماد على بريطانيا، مورداً وحيداً لسلاح الجيش المصري، سعت إلى شراء السلاح من العديد من الدول الغربية والشرقية. ففي مجال المدفعية المضادة للطائرات، جرى الاتفاق مع سويسرا، عام 1951، على شراء المدافع عيار 30 مم هسبانو سويزا SPANO- SWIZEA ماركة 30 المضاد للطائرات، لكن تنفيذ الصفقة تأخر، حتى شهر ديسمبر 1953.​

وعين البكباشي عبدالمنعم رياض للقيام بمهمة تنفيذ الصفقة، ونجح في تصميم تعديلين جوهريين، على هذا النوع من المدافع، وذلك بإدخال نظام الإدارة الكهربية للمدافع، بدلاً من الإدارة اليدوية، حتى يمكنها ملاحقة سرعة الطيران الحربي النفاث، كذلك نجح في تزويد المدفع بنظام جديد للتعمير، "جهاز تغذية"، يحقق تغذية مستمرة بالذخيرة، بدلاً من خزن الطلقات، التي لم تكن تسع إلا 50 طلقة فقط، مما ضاعف، كثيراً، من معدل النيران. وأصبح يعرف بالمدفع المعدل ماركة 831، وقد أثبت هذا المدفع معدلات عالية من النيران، وكفاءة متميزة، خلال حرب العدوان الثلاثي مصر، عام 1956. وفي عام 1950، عُقدت صفقة مع سويسرا، تورد بمقتضاها أجهزة رادار قيادة تكتيكية،​

s-60_57mm-aa_002.jpg












وأجهزة رادار قيادة نيران للمدفعية، وتشمل هذه الصفقة:

(أ) أجهزة رادار رقم 531 لقيادة نيران المدافع 3.7 بوصة الإنجليزية، وهذه الأجهزة من إنتاج شركة طومسون الفرنسية.
(ب) أجهزة حاسب إلكتروني ماركة FLEB، للعمل مع أجهزة الرادار، وهذه الحاسبات من إنتاج شركة Conterafs كونترافس.
وقد انضمت هذه المعدات إلى الخدمة في نهاية عام 1955، مما زاد من دقة وكفاءة وحدات المدفعية المضادة للطائرات، وظهر هذا جلياً خلال حرب 1956.​

(2) صفقة الأسلحة الشرقية

على رغم استمرار إمداد الدول الغربية لمصر بالسلاح، فإن كثيراً من الصعوبات والمماطلة تسبب في عرقلة برامج التسليح، لذلك اتجهت مصر إلى المعسكر الشرقي؛ للتزود بالسلاح، خاصة بعد الصفقة السرية، التي عقدت بين إسرائيل وفرنسا، وتضم 70 طائرة مقاتلة من نوع مستير MESTIER، و100 دبابة نوع Amx 13، و100 مدفع ميدان عيار 155 مم، و150 مدفع عيار 57 مم مضاد للطائرات.​

وعقدت أول صفقة للسلاح، مع الاتحاد السوفيتي، في 17 سبتمبر 1955، حيث وردت عن طريق تشيكوسلوفاكيا، وشملت العديد من الأسلحة، لمختلف وحدات الجيش المصري، ومن بينها أسلحة للمدفعية المضادة للطائرات، التي شملت المدافع، من عيار 85 مم وسط، المزودة بأجهزة رادار لقيادة النيران، والمدافع عيار 37 مم خفيف مقطور، والرشاشات 12.7 مم.​

وتعتبر هذه الصفقة، بحجمها وتنوعها، البداية الحقيقية لكسر احتكار السلاح، وعلى رغم وصول هذه المعدات قبل حرب 1956، فإن وحدات المدفعية المضادة للطائرات، لم تتطور بالقدر المطلوب، لمجابهة التطورات الحديثة في طائرات القتال، حيث كانت تفتقر إلى شبكة للإنذار، ولم يكن هناك نظام متكامل للدفاع الجوي عن البلاد، والموجود لا يتعدى الوحدات الخفيفة 30 مم هسبانو سويزا، والمدافع 40 مم خفيف، بالإضافة إلى المدافع الثقيلة، قليلة الجدوى في الاشتباك مع الطائرات الحديثة.​

ب. التطور في مجال التدريب

في أواخر عام 1952، وبعد الثورة، صدر قرار تشكيل مدرسة المدفعية المضادة للطائرات، بمقر جناح المدفعية المضادة للطائرات، الموجود بمدرسة ومركز تدريب المدفعية بألماظة، وضم تشكيل مدرسة المدفعية الآتي:
(1) جناح المدفعية الثقيلة المضادة للطائرات.
(2) جناح المدفعية الخفيفة المضادة للطائرات.
(3) جناح الرادار.​

4. الجولة العربية ـ الإسرائيلية الثانية (حرب 1956)

تلاحقت الأحداث، بعد ثورة يوليه 1952، وفي اتجاه، لا يتفق مع سياسات الدول الغربية وإسرائيل، فكان كسر احتكار السلاح، وتمويل الاتحاد السوفيتي لبناء السد العالي، والوقوف في وجه المد الاستعماري، ومناصرة حركات التحرر الوطني، ومقاومة حلف بغداد، وأخيراً تأميم الشركة العالمية لقناة السويس، كل هذه الأحداث دفعت دول الغرب، للوقوف ضد هذا التيار الثوري الناصري، الذي يهدد مصالحها في المنطقة، ويهدد أمن إسرائيل.​

وفي 22 أكتوبر 1956، عقدت اتفاقية سرية، في مدينة سيفر بجنوب فرنسا، بين كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، يتم بمقتضاها التحالف بين الدول الثلاث، لمهاجمة مصر، وحددت الأدوار في هذه الحرب، على النحو التالي:
أ. تقوم إسرائيل بشن هجوم بري وجوي، على شبه جزيرة سيناء، واجتياحها، والوصول بسرعة إلى مشارف قناة السويس.
ب. تقوم القوات الجوية البريطانية، بمهاجمة القوات الجوية المصرية، وتدميرها، وهي جاثمة على الأرض، وتحقيق السيطرة الجوية.
ج. يبدأ غزو بحري أنجلو ـ فرنسي، على منطقة القناة، بهدف احتلالها، تحت ستار دعائي، هو حماية قناة السويس، من أخطار القتال الناشئ، بين مصر وإسرائيل.​

5. القوات الجوية الإسرائيلية في حرب 1956م

· 16 طائرة ومستير 4 أ.
· 24 قاذفة فوتور.
· 15 طائرة متيور.
· 29 طائرة موستانج ب 51 دس.
· 16 طائرة موسكيتو.
· ثلاث طائرات ب - 17 قاذفة.
· 16 طائرة داكوتا وكوماندو.
· ثلاث طائرات نورد أطلس.​

بالإضافة إلى عدد كبير من طائرات المواصلات الصغيرة.
أ. أعمال قتال المدفعية المضادة للطائرات المصرية، قبل التدخل الأنجلو ـ فرنسي
(1) تحملت المدفعية المضادة للطائرات، خلال هذه المرحلة، عبء الدفاع عن القواعد الجوية، وتصدت، مع المقاتلات، لهجمات السلاح الجوي الإسرائيلي.
(2) وفرت وحدات المدفعية المضادة للطائرات، الحماية للمعابر الرئيسية، على قناة السويس، لتأمين تحرك القوات البرية من قواعدها غرب القناة إلى داخل سيناء، وفي الحقيقة لم يكن هناك وحدات مخصصة للدفاع عن المعابر، بل كان الدفاع عنها يدخل ضمن خطة الدفاع عن المنطقة، والعدو الإسرائيلي لم يحاول مهاجمة المعابر، حيث كانت النية تتجه إلى استدراج الجيش المصري إلى داخل سيناء، ثم يقوم بتدمير المعابر وعزل القوات المصرية داخل سيناء.
(3) لم تكن وحدات المدفعية المضادة للطائرات، المكلفة بتوفير الحماية للتشكيلات البرية، التي عبرت إلى سيناء كافية لتوفير هذه الحماية، مما تسبب في زيادة خسائر القوات البرية وعرقلة تقدمها.
(4) قامت وحدات المدفعية المضادة للطائرات، المتمركزة في شرم الشيخ، ورأس نصراني، بالتصدي للهجمات الجوية، وأمكنها إسقاط طائرتين إسرائيليتين، وذلك قبل مهاجمة هذه المنطقة بقوات العدو البرية.​

ب. أعمال قتال المدفعية المضادة للطائرات، بعد اشتراك القوات الأنجلو ـ فرنسية
بدأ هجوم القوات الأنجلو ـ فرنسية، في 31 أكتوبر 1956، على القواعد الجوية، خاصة قواعد ومطارات منطقة القناة، وتمكن العدو من تدمير معظم الطائرات المصرية، وهي جاثمة على الأرض، وتقرر سحب ما تبقى من الطائرات، التي لم تدمر إلى قواعد ومطارات العمق. وقد قام العدو بأعمال قتال ليلية، حيث قام بالهجوم على القواعد والمطارات، ليلاً، من ارتفاعات متوسطة على ضوء المشاعل؛ لتفادي نيران المدفعية المضادة للطائرات، مع إلقاء القنابل الزمنية بغرض منع استعادة موقف الكفاءة القتالية، أو القيام بأي أعمال مضادة لتقليل آثار الضربة الجوية، ثم استئناف الهجمة في أول ضوء بالضرب المؤثر لتدمير الطائرات، وتعطيل الممرات.​

وجرى هذا الانسحاب للقوات الجوية، من دون تخطيط، ومن دون إخطار وحدات الدفاع الجوي المخصصة للدفاع عن القواعد الجوية والمطارات، وكان تأثير الفوضى في المطارات والقواعد الجوية، أكثر من تأثير قنابل العدو، وقد تمكن قادة المدفعية المضادة للطائرات، من السيطرة على قواتهم، وأتموا بنجاح إعادة التمركز لوحداتهم، خاصة بمنطقة المعابر لحمايتها، وعلى رغم تكثيف العدو لهجماته الجوية، على هذين المعبرين، فإن وحدات المدفعية المضادة للطائرات استبسلت، في الدفاع عن المعابر، حتى أتمت القوات المصرية انسحابها من سيناء.​

وبعد خروج القوات الجوية من المعركة، أصبح للعدو السيطرة الجوية، واعتباراً من أول نوفمبر 1956، أصبحت المدفعية المضادة للطائرات، هي المسؤولة عن الدفاع الجوي عن البلاد.
وعلى صعيد المعارك، في بورسعيد، كان للمدفعية المضادة للطائرات دورها البارز في الدفاع عن المدينة، وتصدت للطائرات المهاجمة، التي ركزت هجومها على هذه الوحدات، وتمكنت من إسقاط تسع طائرات للعدو، وتعرضت لخسائر كبيرة في الأفراد والمعدات، حيث تمكن العدو، من تدمير عشرة مدافع بأطقمها، واستشهد قائد إحدى البطاريات.​

(1) مراكز القيادة
تجري السيطرة على القوات، من مركز القيادة الرئيسي بالقاهرة، أو من مركز قيادة المنطقة الشرقية العسكرية، غرفة عمليات الفردان.​

(2) الاستطلاع والإنذار

كان هناك قصور شديد في معلومات الإنذار؛ بسبب قلة الأجهزة، وكانت مصادر الإنذار المتيسرة، في هذه الحرب، غير كافية، وكانت معلومات هذه المصادر لا تصل، بانتظام، إلى وحدات إنتاج النيران؛ بسبب سوء الأجهزة الإشارية، وعدم انتظام العمل، في مراكز العمليات الجوية المسؤولة عن قيادة نيران الدفاع الجوي.​

(3) تنظيم التعاون مع القوات الجوية

كان المخطط أن ينظم التعاون، من خلال غرف العمليات بالقواعد الجوية، ومراكز القيادة لقطاعات المناطق، وأن يجري، من خلال مركز قيادة القوات الجوية، والدفاع الجوي الرئيسي، ولكن هذا التخطيط لم يتم بالصورة الكاملة، حيث إنه، بعد هجوم العدو على القوات الجوية، والمطارات، وانسحاب القوات الجوية، من هذه القواعد، من دون أي تنسيق مع قيادة المدفعية المضادة لطائرات بالمنطقة، اضطرت إلى أن تدبر أعمال قتال وحداتها بمفردها.​

(4) تنظيم التعاون مع قيادة المنطقة العسكرية الشرقية

جرى تنظيم التعاون، على الوجه الأكمل، خلال مراحل المعركة المختلفة، من حماية المعابر، في أثناء انسحاب القوات البرية من الشرق، إلى التصدي للعدو، ومنعه من التقدم، إلى مدينة الإسماعيلية، وقامت هذه الوحدات بالمجهود الرئيسي، في الدفاع الأرضي عن هذه المنطقة، بعد تعزيزها من قيادة المنطقة، ويكفي شهادة المعلق التاريخي، إدجار أوبلانس، عن دور المدفعية المضادة للطائرات، في معارك 1956، حيث قال في كتابه حملة سيناء 1956: "إن معظم الخسائر في الطائرات، كانت بسبب نيران المدفعية المضادة للطائرات المصرية، كما ينبغي أن نضع في الاعتبار رجال المدفعية المضادة للطائرات، فلقد تجلت شجاعتهم الفائقة وكفاءتهم العالية، بالرغم من قصر فترة التدريب، التي أتيحت لهم، كما كانت نيرانهم دقيقة بدرجة ملحوظة أدت إلى وقوع أغلب خسائر الطائرات الإسرائيلية والبريطانية، على رغم أن القوات البريطانية هي التي وضعت الأساس للمدفعية المضادة للطائرات المصرية".​

ج. الدروس المستفادة من حرب 1956

(1) أهمية وجود قيادة مستقلة للمدفعية المضادة للطائرات.
(2) توفير وسائل مضادة للطائرات متكاملة، تتناسب مع أهمية كل هدف، حسب مساحته وطبيعة الهجوم الجوي المتوقع، حيث إن المدافع، التي خصصت للدفاع الجوي، عن القواعد الجوية من الرشاشات الخفيفة، جعل العدو يلجأ إلى الهجوم من ارتفاعات خارج إمكانياتها.
(3) عدم تناسب حجم المدفعية المضادة للطائرات، المكلفة بحماية القوات البرية، مع حجم هذه القوات، مما عرض هذه القوات لخسائر كبيرة، نتيجة لهجوم العدو الجوي، بينما نجد أن المدفعية المضادة للطائرات، على ظهر المدمرة ناصر، تمكنت من حماية المدمرة من هجوم العدو الجوي، بسبب تناسب قوتها مع حجم الهدف المدافع عنه.
(4) ظهرت أهمية وجود شبكة متكاملة للإنذار، مزودة بوسائل الاتصال الجيدة، التي تمكن من إبلاغ الإنذار، في الوقت المناسب، والكافي؛ لرفع أوضاع استعداد الوحدات.
(5) ضرورة تدقيق تنظيم التعاون، بين القوات الجوية والقوات البرية، حيث أدى انعدام التنسيق إلى حدوث قصف للقوات البرية بطريق الخطأ.
(6) ضرورة مراجعة خطط الإمداد والتموين، وحساب الاستهلاك لكل متطلبات العملية، وتوفير قدر مناسب من الاحتياطيات، بالقرب من مسرح العمليات.
(7) الاهتمام بالتأمين الفني، وتوفير قطع الغيار، وإمكانيات الإصلاح لسرعة استعادة كفاءة المعدات في حالة عطلها.
(8) انعدام التجهيز الهندسي، خاصة بالنسبة إلى القواعد والمطارات، مما أدى إلى فداحة الخسائر.
د. أسلحة جديدة مضادة للطائرات بعد حرب 1956
ويظل السؤال حائراً، بعد كل حرب، هل نعي دروس الحرب، ونعمل على تجنب سلبياتها، وتطوير إيجابياتها؟ وبعد حرب 1956، بدأت القيادة المصرية، في دراسة أوضاع القوات المسلحة، واحتياجاتها من السلاح، وكان الاستنتاج الرئيسي، من هذه الدراسة، هو الأهمية القصوى لتسليح كل من القوات الجوية والدفاع الجوي.
وبدأت برامج إعادة تسليح الجيش المصري، بتزويد الدفاع الجوي، بشبكة من محطات رادار الإنذار، بحيث تتكون كل محطة من جهازين، جهاز ب -8 لكشف الأهداف العالية، وجهاز ب -20 لكشف الأهداف المنخفضة، يكمل كل منهما الآخر.​

وفي عام 1958، دخلت الخدمة مجموعة من الأسلحة، تمثلت في:

(1) المدافع عيار 100 مم وسط، والمجهزة بأجهزة قيادة النيران.
(2) المدافع عيار 57 مم خفيف، والمجهزة بأجهزة قيادة النيران.
(3) المدافع عيار 14.5 مم رشاشات مضادة للطائرات رباعية وثنائية وفردية المواسير، مقطورة.
وعموماً دخلت المطالب جميعها حيز التنفيذ، بدرجات متفاوتة، عدا المطلب الخاص بأهمية وجود قيادة للدفاع الجوي، متخصصة ومستقلة، وأرجئ البت فيها، لأسباب خاصة، على رغم أهميتها القصوى.​

هـ. دخول الصواريخ الموجهة المضادة للطائرات سام – 2

عقب العدوان الثلاثي عام 1956، جرى تقويم أداء وحدات المدفعية المضادة للطائرات، ودراسة نقاط القوة والضعف، وظهر جلياً الفارق الكبير، بين إمكانيات معدات الدفاع الجوي المصري، وبين إمكانيات الطائرات الموجودة لدى إسرائيل، واتجه التفكير، إلى تزويد وحدات المدفعية المضادة للطائرات، بالصواريخ الموجهة المضادة للطائرات.
وفي هذه الأثناء، حدثت اختراقات للمجال الجوي المصري، بطائرات تطير على ارتفاعات عالية، وذات سرعات عالية جداً، خارج مدى المدفعية المضادة للطائرات، وفي عام 1960، طلبت مصر، من الاتحاد السوفيتي، تزويدها بصواريخ سام – 2، حيث إنها التطور الطبيعي والمكمل للمدفعية المضادة للطائرات، وتمت الموافقة على ذلك، وكانت مصر أول دولة، خارج حلف وارسو، تزود بهذا الصاروخ.​

(1) تشكيل أول وحدات الصواريخ

في بداية عام 1962، جرى تشكيل الوحدات الأولى، من وحدات الصواريخ، وكانت عبارة عن ثلاثة ألوية بإجمالي 13 كتيبة نيران، و12 سرية مدفعية مضادة للطائرات عيار 57 مم، للدفاع المباشر، وأربع كتائب فنية لتجهيز واختبار الصواريخ، وأعقبها تدريب لواء آخر، ثم أعقب ذلك عقد تكميلي، بعشر كتائب نيران، عدا الكتائب الفنية، وبذلك حدث توسع كبير على حساب المدفعية المضادة للطائرات، مما أثر على كفاءة المدفعية، بسبب انخفاض مستوى الأفراد، وعقدت دورات تخصصية للضباط، بمعرفة خبراء سوفيت، وذلك في مركز خاص بمشروع الصواريخ في ضواحي القاهرة. وقد أتمت الأطقم المصرية تدريبها في 25 مايو 1963، ووضعت خطة كاملة لترجمة الوثائق، وتعليمات التشغيل والصيانة، من اللغة الروسية إلى اللغة العربية.​

(2) تجهيز مسرح العمليات

(أ) في أثناء فترة التدريب للأطقم والتخصصات المختلفة، جرى استطلاع، وانتخاب المواقع الدفاعية، التي سيتم احتلالها، بكتائب النيران، للدفاع عن الأهداف الحيوية.
(ب) حُددت شبكة الرادار والإنذار، وحُدد نظام القيادة والسيطرة على أعمال قتال وحدات الصواريخ.
(ج) جُهزت خطة المواصلات الخاصة بالمشروع.
(3) الرماية بالصواريخ
عقب انتهاء تدريب أطقم كتائب الصواريخ، أجريت رماية تدريبية بالصـواريخ، على هدف عاكس ركني مظلة، يسقط من القاذفة إليوشن - 28، وذلك بميدان الرماية جُهز لهذا الغرض، وتمت رماية لجميع الكتائب، بنسبة نجاح 100%.​

وبدخول الصواريخ الموجهة المضادة للطائرات، ضمن تسليح الدفاع الجوي، بدأت مرحلة جديدة من تاريخ هذا السلاح، حيث كان البداية لدخول الأجيال المتتالية من الصواريخ المضادة للطائرات بأنواعها المختلفة. وكان هذا السلاح، من أعقد أنواع الصواريخ، فمعدات التوجيه الأرضية، والتي يطلق عليها محطة رادار التوجيه/ تضم العديد من التخصصات الفنية الدقيقة، ويحتاج إلى نوعية خاصة، من العاملين عليها، حتى يمكنهم إجراء الاختبارات المعقدة، وكذا توليف الأنظمة المختلفة بدقة متناهية، حيث إن أي خلل بسيط في عمليات الضبط والتوليف، يؤدي إلى فشل الاشتباك. وأصبح الصاروخ سام -2، السلاح الرئيسي في منظومة الدفاع الجوي، بالتعاون مع المدفعية المضادة للطائرات، وتقدم دوره على دور المقاتلات؛ لكفاءته ورخص ثمنه.​


1/ أستشهد الفريق عبد المنعم رياض في 9 مارس 1969، أثناء حرب الاستنزاف، على الشاطئ الغربي لقناة السويس.





المبحث الثالث









التطور والأداء حتى نهاية حرب 1967





أولاًُ: انعكاس نتائج الجولة العربية ـ الإسرائيلية الثانية 1956، والمتغيرات السياسية والعسكرية، التي تلتها على تطور الدفاع الجوي

1. أسفرت نتائج هذه الجولة، والتغيرات السياسية، التي تلتها، عن التحول الكامل لمصر في الاعتماد على التسليح من الكتلة الشرقية، بدأت بعقد أول صفقة كبيرة للسلاح، مع الاتحاد السوفيتي، عام 1957، حصلت مصر بموجبها على أسلحة متطورة، نسبياً، في مجال الدفاع الجوي، تمثلت في الآتي:
أ. أجهزة رادار ثنائية وثلاثية الأبعاد، من نوع " ب-12، ب-15، ب-30، ب35".
ب. مقاتلات نفاثة، من أنواع ميج -19، وميج -21.
ج. صواريخ موجهة مضادة للطائرات، طراز سام -2.
د. مدافع مضادة للطائرات أعيرة مختلفة "100مم و57 مم، مجهزة بأجهزة قيادة نيران، و57 مم، ثنائي ذاتي الحركة، و37 مم".​

2. لم يؤثر اتجاه الدفاع الجوي في التسليح، إلى الكتلة الشرقية، على تحول عقيدة القتال بالنسبة له، فاستمر اعتبار الدفاع الجوي جزءاً من القوات الجوية، ومكن بالتبعية العملياتية فقط، مع استمرار تعدد التبعيات التنظيمية لوسائله.​

3. أثر تطور التسليح، في إعادة التنظيم، داخلياً، لكل وسيلة من وسائل الدفاع الجوي، طبقاً للتنظيم الشرقي، فأُعيد تنظيم وحدات الرادار؛ لتكون في كتائب مكونة من سرايا، وكذا المقاتلات لتكون في لواءات، مكونة من أسراب، مع تشكيل فرق مضادة للطائرات؛ للدفاع عن الأغراض الحيوية، عمادها الرئيسي المدفعية المضادة للطائرات، بجانب بعض وحدات الصواريخ، مع دخول المدفعية المضادة للطائرات، في التنظيم العضوي للتشكيلات البرية، للمرة الأولى في تاريخ الدفاع الجوي المصري.​

4. وبالرغم من التطور الكبير، الذي شهده الدفاع الجوي، في الفترة، التي سبقت الجولة الثالثة، فإن هذا التطور، في مجمله، لم يواكب التقدم الهائل في القوات الجوية الإسرائيلية، بجانب القصور في بنائه، والذي لم يصل به إلى مفهوم النظام المتكامل، مما أدى إلى محدودية الدور، الذي لعبه خلال هذه الجولة.​

ومهما كانت هزيمة يونيه 1967 قاسية ومريرة، فإنها كانت بمثابة الشرارة، التي وضعت الدفاع الجوي المصري، على بداية الطريق الصحيح، لبنائه بصفته قوة مستقلة، وفرعاً رئيسياً من أفرع القوات المسلحة، ولينتقل إلى المرحلة الرئيسية الثانية في تاريخ تطوره.
ثانياً: حرب يونيه 1967

أثبتت الجولات العربية الإسرائيلية، أن إسرائيل تعتمد اعتماداً رئيسياً، على المعلومات في تخطيط وتنفيذ أعمال قتالها ضد الدول العربية، ولذلك حرصت، عام 1967، على الحصول على كل أوراق الخطة البريطانية، للضرب الجوي الإستراتيجي، الذي قامت به القاذفات البريطانية، ضد الطيران المصري، ابتداءً من مساء 30 أكتوبر وحتى 2 نوفمبر 1956، وتم لها الحصول على ملف الخطة كاملاً.​

ويرى المراقبون أن الخطة الإسرائيلية عام 1967 لم تكن استلهاما لخطة 1956، وإنما كانت إعادة لها بالنص، وكانت الخطة، ببساطة، هي قصف 11 قاعدة جوية، في الوقت نفسه، مع التركيز على قاعدتي بني سويف والأقصر، حيث تتمركز القاذفات المصرية، وهي الخطر الأكبر، الذي تتحسب له إسرائيل.​

على رغم مرور أحد عشر عاماً، بين حرب 1956م وحرب 1967، لم تؤخذ الدروس المستفادة من حرب 1967 مأخذ الجد، فلم يستكمل تجهيز مسرح العمليات، بسبب عدم توافر القوات والاعتمادات المالية اللازمة لذلك، حتى وقع العدوان الإسرائيلي في يونيه 1967، ولم تكن القوات المسلحة قد تم إعدادها لخوض الحرب ضد إسرائيل، بسبب تورط الجيش المصري، في حرب اليمن، التي أنهكت الجيش المصري، وأدت إلى خفض كفاءته القتالية، حيث لم يواجه بعدائيات، يستطيع أن يكتسب منها الخبرة والدروس.​

1. حجم القوات الجوية الإسرائيلية، قبل الخامس من يونيه 1967
أ. ثلاثة أسراب ميراج C-3 بقوة 72 طائرة.
ب. سرب سوبر مستير بقوة 24 طائرة.
ج. سربان مستير بقوة 40 طائرة.
د. سربان أورجان بقوة 40 طائرة.
هـ. سرب فوتور بقوة 24 طائرة.
و. سربان فوجاما جستر بقوة 60 طائرة.
ز. خمس طائرات هليوكوبتر سوبر فريلون.
ح. 24 هليوكوبتر سيكورسكي.
ط. أربع طائرات هليوكوبتر الويت.
ى. سربا نقل داكوتا ونور أطلس وستراتو كروز.
وقد نجحت القوات الجوية الإسرائيلية، في الوصول، بنسبة صلاحية الطائرات، إلى ما يقرب من 90%، قبل بدء الحرب، وقد تأكد، بعد توقف القتال، أن إسرائيل كانت تمتلك نحو 58 قاعدة جوية ومطار وأرض نزول، وتمتلك 12 محطة رادار في المنطقة الشمالية، وعشر محطات في المنطقة الوسطى، وأربع محطات في المنطقة الجنوبية.​

2. القوات الجوية المصرية والدفاع الجوي، قبل 5 يونيه 1967

أ. القوات الجوية

بإعلان حالة الاستعداد القتالي الكاملة، في 14 مايو 1967م، جرى توزيع 260 طائرة مقاتلة قاذفة، وقاذفة، الصالح منها 200 طائرة، وعدد الطيارين اللائقين 150 طياراً، هذا بالإضافة إلى 161 طائرة نقل ومواصلات، الصالح منها 61 طائرة، وهذه الطائرات موزعة على عشر قواعد جوية ومطار، معظمها ذات ممر واحد، مما سهل على العدو مهاجمتها وتدميرها، في أقصر وقت ممكن. وكانت كل الطائرات من الأنواع الروسية، ميج 15، ميج 17، ميج 19، ميج 21، تي يو - 16، إليوشن -28، إليوشن -14 وأنتونوف -12، بالإضافة لطائرات الهليكوبتر.​

ب. الدفاع الجوي

كانت قوات الدفاع الجوي تتألف من ثلاث فرق دفاع جوي، تضم وحدات الصواريخ المؤلفة، من نحو 27 كتيبة نيران، من نوع سام -2، من النوع الثابت، الذي يعمل بالوقود السائل ، تخدمها أربع كتائب فنية، لتجهيز واختبار الصواريخ، وقد تمركزت غرب قناة السويس والقاهرة والإسكندرية وأسوان.وتضم، كذلك، وحدات المدفعية المضادة للطائرات، بقوة نحو ستة ألوية مدفعية، بالإضافة إلى أفواج وكتائب المدفعية المضادة للطائرات، المخصصة للدفاع عن الدولة، والتشكيلات البرية، وكان تسليح هذه الوحدات من المدافع عيار 100 مم، 85 مم، 57 مم، 40مم، 37 مم، 30 مم، 14.5 مم،12,7مم.​

hq2j-001.jpg













ج. الرادار والإنذار

كانت وحدات الرادار تتكون من ست كتائب، تضم نحو عشرين سرية رادار، موزعة على المنطقة الشرقية، والمنطقة المركزية، بالإضافة إلى منطقة أسوان.
د. القيادة والسيطرة لقوات الدفاع الجوي
كانت القيادة والسيطرة لقوات الصواريخ والمدفعية المضادة للطائرات، تابعة للقوات الجوية في العمليات الحربية، وتابعة لإدارة المدفعية في شؤون الأفراد، والشؤون الإدارية، والفنية في الوقت نفسه، وكان لهذا الازدواج في القيادة والسيطرة، تأثيره الكبير في جمود قوات الدفاع الجوي وإعاقة تطورها. ومنذ أن رفعت أوضاع استعداد القوات المسلحة، في 14 مايو 1967، كان مركز القيادة الرئيسي في انعزال تام، عن القوات البرية والبحرية، حيث كانت الخطط توضع وتتغير، حتى بلغت نحو خمس خطط، خلال 20 يوما.​

3. تنفيذ الضربة الجوية الإسرائيلية

في تمام الساعة الرابعة، من فجر 5 يونيه 1967، بدأ الهجوم البري الإسرائيلي على القوات المصرية، وقامت القوات الأمامية بإبلاغ قياداتها، ولكن هذا الإنذار الثمين، لم يصل إلى القيادة العامة، إلا بعد تنفيذ الضربة الجوية.​

في سعت 715، بتوقيت إسرائيل، 815 بتوقيت القاهرة، انطلقت طائرات الهجمة، طبق خطة زمنية، تحقق وصول الطائرات إلى أهدافها، في توقيت واحد، وقد اشترك السلاح الجوي الإسرائيلي، بكل طائراته، في هذا الهجوم، فيما عدا 12 طائرة، خصصت للدفاع الجوي عن إسرائيل.​

وقد استخدم الإسرائيليون أسلوب الاقتراب، على ارتفاعات منخفضة، ومنخفضة جداً، مستغلاً طبيعة الأرض؛ لتفادي اكتشافه بواسطة أجهزة الرادار.وخلال هذه الهجمة، جرى تدمير معظم طائرات السلاح الجوي المصري، وهي رابضة على الأرض، من دون مقاومة جوية أو أرضية، تذكر.​

4. الدفاع الجوي المصري في حرب 1967

أحدثت المفاجأة، الناتجة عن الضربة الجوية الإسرائيلية، شللاً لكل قادة القوات الجوية، والدفاع الجوي، وجاءت ردود أفعال القادة، على كل المستويات، عفوية، وعلى رغم إبلاغ قيادة القوات الجوية، بالضربة الجوية، سعت 845، فلم يتم إبلاغ باقي القواعد الجوية والمطارات، التي هوجمت بعد هذا التوقيت، بوقت، راوح بين عدة دقائق و25 دقيقة، وهي دقائق غالية الثمن، وعلى سبيل المثال، تمت مهاجمة قاعدة غرب القاهرة، وقاعدة بني سويف، بعد مطارات سيناء الأمامية، بنحو 25 دقيقة، كانت كافية جداً، لإنقاذ ما بها من طائرات وقاذفات غالية.​

أ. أعمال قتال المدفعية المضادة للطائرات

فوجئت المدفعية المضادة للطائرات، ووحدات الصواريخ، بالهجوم؛ لانعدام تنظيم التعاون مع باقي العناصر، وللإهمال الشديد، من جانب قيادة القوات الجوية، ونسيانها تماماً أن هذه الوحدات تحت قيادتها للعمليات، وأن هذه الوحدات تدافع في الأساس عن القواعد الجوية والمطارات. وعلى رغم المفاجأة فإن كثيراً من هذه الوحدات، استعادت موقفها، بسرعة، وتصدت لطائرات الهجمات التالية.
وعلاوة على تقييد نيران المدفعية المضادة للطائرات، في معظم المطارات، والقواعد الجوية، نتيجة لعدم العلم بخط السير، للطائرة التي تقل المشير عبد الحكيم عامر، والتي كانت في الجو في ذلك الوقت، وكذا كثرة التحركات لطائرات المواصلات، وطلعات التدريب فوق كثير من القواعد الجوية والمطارات، ولم يكن هناك، أكثر من سريتين، في كل قاعدة، جاهزتين للاشتباك الفوري. ولذلك، فقد كانت نيران المدفعية المضادة للطائرات، ضعيفة في أول الأمر، وبدون تأثير كبير، إلا أنها استعادت ثقتها بنفسها، مرة أخرى، بعد إعطاء الأوامر بحرية المدافع، حيث أسقطت لإسرائيل، من 40 إلى 50 طائرة، في اليوم الأول للحرب.​

ب. أعمال قتال الصواريخ أرض/ جو

أما الصواريخ أرض/ جو، فكان العدو على علم بخواصها، ومواقعها الحقيقية، والهيكلية، كما كان يعرف مناطق التدمير، ومناطق الإطلاق، فأمكنه تفاديها، في الهجمة الأولى، فلم يظهر أي تأثير لهذه الكتائب، وبالإضافة إلى اقتراب الطائرات الإسرائيلية، على ارتفاعات منخفضة ومنخفضة جداً، فإن العدو كان، في كثير من الأحيان، يقوم بأعمال الإعاقة الرادارية على محطات رادار التوجيه لهذه الكتائب، والتي لم تكن تمتلك أي إمكانيات فنية، أو تكتيكية، للتعامل مع الأهداف المحمية بالتداخل أو القائمة به.​

ج. أعمال قتال المقاتلات

ولم يمنع عنف الهجمات الجوية الإسرائيلية، طياري حالات الاستعداد، من أن يحاولوا الإقلاع بطائراتهم، إلا أن أغلبها دمر على الأرض، أو في نهاية الممر، قبل أن يتمكنوا من الإقلاع، وبالرغم من ذلك، استمر الكثيرون يحاولون الصمود والتصدي للعدو، وكانت شجاعة جديرة بالتسجيل، ولكن نجاح العدو في تدمير الممرات، في وقت مبكر، أوقف، بل شل فاعلية تلك المحاولات، التي كان الشرف العسكري هو الدافع الوحيد للقيام بها، كما قام رجال المدفعية المضادة للطائرات، بمحاولة التصدي للطائرات الإسرائيلية، واعترف بها الإسرائيليون أنفسهم.​

وفي الأيام التالية للحرب، تمكن رجال المدفعية المضادة للطائرات، من التصدي للطائرات الإسرائيلية، ومنعها من الطيران على ارتفاع منخفض، كما أسقطوا العديد من هذه الطائرات، على رغم التفوق الجوي للإسرائيليين، وقد أكدت إسرائيل أن كل طائراتها أسقطت بواسطة المدفعية المضادة المصرية، ووقع في الأسر تسعة من الطيارين الإسرائيليين.​

وتأكيداً لذلك، نسجل ما جاء في ورقة بحث، عن حرب 1967، قدمها الدكتور "ريجان" J. F. Reagan، من مؤسسة طيران أمريكا الشمالية، حيث ذكر: "على رغم إتباع الطيران الإسرائيلي لأسلوب الهجوم، على الارتفاعات المنخفضة جداً، فإن الأمر لم يخل من الخسائر، وكان هناك طائرتان على الأقل، من الثلاثين طائرة، التي تم تدميرها بواسطة المصريين، كان سبب سقوطهما انفجارهما، مع الهدف، أما باقي الطائرات، فقد دمرت بواسطة النيران الأرضية.​

5. الحرب الإلكترونية، على الجانبين، خلال حرب يونيه 1967

تعتبر حرب يونيه 1967، هي الحرب الأولى، التي تستخدم فيها أعمال الحرب الإلكترونية، على نطاق مؤثر، وكان استخدامها مقصوراً على الجانب الإسرائيلي، حيث قام بالأعمال الآتية:
أ. الإعاقة الإلكترونية، على أجهزة رادار الإنذار؛ لستر اقتراب طائرات الهجمة الجوية الشاملة.
ب. الإعاقة الإلكترونية، على محطات رادار توجيه الصواريخ سام- 2؛ لمنعها من اكتشاف طائرات الهجمة أو الاشتباك معها.​

ج. التنصت اللاسلكي، على شبكات الاتصالات اللاسلكية؛ للاستفادة من الرسائل، والإشارات، والأوامر، والبلاغات، بعد تحليلها، بل وصل الأمر إلى حد إعطاء أوامر مزيفة لبعض الوحدات.
د. إعاقة وسائل الاتصال اللاسلكية، خاصة نظم توجيه الطائرات؛ لتقليل كفاءة أعمال قتالها.​

وعلى الجانب المصري، لم تكن هناك أي استعدادات فنية، أو تكتيكية؛ لمجابهة الأعمال الإلكترونية للإسرائيليين، ولم توضع أي تعليمات، حتى للدفاع السلبي ضد هذه الأعمال.​

وفوجئت أطقم القتال، خاصة أطقم الصواريخ، بوجود تداخل شديد على شاشات الرادار، منع هذه الوحدات من اكتشاف، أو تمييز أي أهداف، حتى يمكن الاشتباك معها، وساعد على هذا، أن هذه المعدات تعتمد في عملها على الصمامات، التي كانت تصل إلى مرحلة ما يسمى حالة "التشبع"، وهي حالة، تفقد فيها الدوائر الإلكترونية جميع خصائصها، ومثال ذلك شاشة الرادار، التي تبدو في حالة التشبع متوهجة، إلى الدرجة، التي لا يمكن معها تمييز أي إشارات، سواء الثابت منها أو المتحرك، هذا ولم يكن الترانزيستور، أو الدوائر الحديثة، قد بدأت بعد في الانتشار.​

6. الدروس المستفادة من حرب يونيه 1967

بالرغم من أن الدروس المستفادة من حرب 1967 هي في مجملها نفس دروس 1956، فإن الحقيقة الساطعة، من تلك الجولات، تتمثل في أن الفرد المقاتل، هو العامل الرئيسي والهام، في حسم النتائج، إذ ما جدوى تكدس السلاح والعتاد من كل الأنواع، والذي يثقل كاهل الشعوب بأثمانه الباهظة، إضافة إلى تكاليف تشغيله، التي قد تفوق ما يدفع ثمناً له؟ ويتضح هذا جلياً بدراسة ميزانيات التسليح للدول العربية، ومقارنتها بميزانية التسلح في إسرائيل.​

فعلي سبيل المثال، امتلكت مصر عدداً، لا بأس به، من بطاريات صواريخ سام المضادة للطائرات، ودخلت بها حرب 1967، من دون أن تكون لها أي فاعلية تذكر، ويرجع السبب، إلى أن هذه الكتائب وأطقم تشغيلها لم تكن على أي دراية بأسلوب الاشتباك مع الأهداف، التي تطير على ارتفاعات منخفضة، ومنخفضة جداً، والقائمة بالتداخل.​

ويمكن إجمال الدروس المستفادة، التي ستكون الدليل لعمليات البناء والتطوير، في الآتي :
أ. انعدام التكامل والتعاون، بين عناصر الدفاع الجوي المختلفة، من رادار، وإنذار، ومقاتلات، ومدفعية، وصواريخ مضادة للطائرات، بمختلف أنواعها، وحرب إلكترونية، وضرورة خضوع هذه العناصر لقائد واحد.​

ب. يجب الأخذ في الاعتبار، عند بناء قوة دفاع جوي، أن تكون قادرة على مجابهة الهجمات الجوية، على الارتفاعات المنخفضة والمنخفضة جداً، ومن اتجاهات متعددة، وتحت ظروف استخدام العدو لوسائل الإعاقة الرادارية، بأنواعها.​

ج. عدم كفاية معلومات الإنذار؛ بسبب قلة أجهزة الرادار، وتقادمها، وضعف إمكانياتها لمجابهة الإعاقة الرادارية، أو اكتشاف الأهداف، التي تطير على ارتفاعات منخفضة، كذا أدى النقص في الأجهزة الإشارية، وسوء حالتها، إلى عدم انتظام وصول البلاغات، إلى الوحدات المستفيدة، في التوقيت المناسب. ويكفي أن منطقة سيناء والمنطقة الشرقية، لم يخصص لهما سوى كتيبة رادار واحدة، على رغم امتدادهما الشاسع، واحتمال اقتراب العدو من اتجاهها.​

د. ضرورة وجود نظام كفء للقيادة والسيطرة، يضمن استمرار السيطرة على القوات مركزياً، ولا مركزياً، والتدريب على المواقف الطارئة في أثناء سير المعركة.​

هـ. ضعف المستوى الفني والتكتيكي لقوات الدفاع الجوي، بسبب النقص الكبير في الضباط، وحداثة خدمة الموجودين بالخدمة، كذلك ظهر النقص الكبير، في قطع الغيار، الخاصة بأجهزة الرادار.
و. عجز الإنذار الجوي العام، عن تغطية الارتفاعات المنخفضة بكفاءة، يمكن الاعتماد عليها، مع أنه كان يمكن التغلب على هذا القصور، بوسائل متيسرة، مثل نقط المراقبة الجوية بالنظر وسفن البحرية المزودة بالرادار.​

ز. عدم كفاية وحدات المدفعية المضادة للطائرات، المكلفة بالدفاع المباشر عن القواعد الجوية والمطارات، حيث تم تخصيص سرية أو سريتي رشاشات مضادة للطائرات، لكل قاعدة، بينما أقل قدر منها لا يقل عن 6 - 8 سرايا، لتكون مؤثرة.​

ح. أظهر التأثير البالغ لنقص المعلومات والاستطلاع ،على سير العمليات، سواء بالنسبة للقوات الجوية والدفاع الجوي، أو باقي أفرع القوات المسلحة.​

ط. عدم الاهتمام بالتجهيز الهندسي، أدى إلى زيادة الخسائر، في المعدات والأفراد.​

ي. ثبت، بما لا يدع مجالاً للشك، أن الضربات الجوية المفاجئة، لها تأثير حاسم على نتيجة الحرب، لذا يحاول كل جانب، في أي جولة، أن يمتلك زمام المبادرة، بتوجيه الضربة الأولى، ومن الطبيعي أن يكون الإجراء الرئيسي، لتقليل تأثير هذه الضربة، هو أن تكون وسائل الدفاع الجوي الأرضية والمقاتلات الاعتراضية، على أعلى درجة من الاستعداد القتالي، وهو الأمر الذي يتعذر عملياً، فتشغيل معدات الدفاع الجوي، بصفة مستمرة، يعني سرعة استهلاكها، كما لا يمكن لدولة، مهما بلغت إمكانياتها، الاحتفاظ بمقاتلاتها الاعتراضية، في وضع المظلة، بصفة دائمة.​

وفي الوقت، الذي لا يمكن فيه المخاطرة، بتلقي ضربة جوية، من دون استعداد كامل، فإنه يتعذر عملياً الاحتفاظ بوسائل الدفاع الجوي الأرضية، والمقاتلات في أعلى درجة استعداد، بصفة مستمرة.​

ويرى خبراء الدفاع الجوي، أنه ليس مطلوباً، من وسائل الدفاع الجوي، أن تكون في أعلى درجات الاستعداد، بصفة دائمة، ولكن ذلك مطلوب فقط، في الوقت، الذي ينتظر أن يقوم العدو فيه بتوجيه ضربة جوية مركزة، ويقع عبء معرفة هذا التوقيت، على أجهزة الاستطلاع والاستخبارات.​

7. أوضاع الدفاع الجوي، بعد حرب 1967

أ. المهام القتالية لقوات الدفاع الجوي

من دروس الحروب السابقة، أصبح واضحاً، أن قوات الدفاع الجوي ستتحمل العبء الرئيسي، في الدفاع الجوي، وتحددت المهمة، في عبارة واحدة، وهي "حرمان العدو من تفوقه الجوي"، وهذا يعني، في المقام الأول، توفير الدفاع الجوي عن مصر ومسارح عملياتها، التي تزيد مساحتها عن مليون كم مربع، وعلى أقل وأكبر ارتفاعات، يمكن أن تطير عليه الطائرات، ليلاً ونهاراً، وتحت تأثير استخدام العدو لأسلحة الجو الحديثة، وأعمال الإعاقة الإلكترونية، بكل أنواعها. أصبحت المهام جساماً، والسلاح لا يكفي لوضع أي خطة فعالة، أو بناء منظومة متكاملة متماسكة، وأوضحت الدراسات أن البناء الجيد، يجب أن يقوم على دعامتين رئيسيتين:​

(1) الحصول على أسلحة ومعدات جديدة، بالكم والنوع المناسبين؛ لمواجهة التحدي الجوي الإسرائيلي.​

(2) وتحقيق أقصى عائد، مما لدينا، بكل الطرق الممكنة، سواء بإدخال تعديلات فنية على الأسلحة والمعدات، أو رفع مستوى الاستخدام بالتدريب الواقعي، وابتكار أساليب جديدة.​

ووضعت مبادئ أساسية لتحقيق هذا الهدف، أهمها دراسة القوات الجوية الإسرائيلية، دراسة تفصيلية، ومتابعة كل المتغيرات، التي تطرأ على هذا السلاح، سواء في النوع، أو الكم ، ومن ثم الخروج بمعطيات رئيسية لهذا السلاح الجوي،​

تتلخص في الآتي:

(1) يمتلك السلاح الجوي أعداداً كبيرة من الطائرات الحديثة، ذات الحمولات، والمدى الكبيرين.​

(2) التخطيط لأعمال القتال، يتم بأسلوب علمي متطور ومبتكر.​

(3) توافر أعداد كبيرة من الطيارين، بواقع طيارين لكل طائرة، تقريباً، يتمتعون بكفاءة عالية في التدريب، خاصة الطيران على الارتفاعات المنخفضة، والمنخفضة جداً.​

(4) معظم الطائرات مزودة بأجهزة حرب إلكترونية، للشوشرة والإعاقة، على رادارات الإنذار، ومحطات توجيه الصواريخ المضادة للطائرات، علاوة على استخدام الإعاقة الإلكترونية بقدرات عالية من المحطات الأرضية.
(5) توافر أنواع متطورة من أسلحة الجو الحديثة، خاصة أسلحة الخمد المضادة للدفاع الجوي.​

(6) التركيز على جمع المعلومات التفصيلية والدقيقة، عن القوات المصرية والعربية، وأماكن تمركزها، ونظام العمل اليومي، السائد فيها، خاصة القوات الجوية والدفاع الجوي، كما اهتمت باستطلاع ترددات أجهزة رادار الإنذار، وقيادة نيران المدفعية، وتوجيه المقاتلات، ومحطات توجيه الصواريخ.​

ب. وحدات الصواريخ و المدفعية المضادة للطائرات

وتتمثل في مجموعة كتائب الصواريخ الثابتة المضادة للطائرات، من نوع سام 2، لا تتعدى العشرين كتيبة، غير قادرة على الاشتباك، مع أهداف ذات ارتفاع، أقل من ألف متر، وغير مجهزة بأي وسائل للتعامل مع الأهداف القائمة بالتداخل، بالإضافة إلى مجموعة من الأفواج والكتائب، التي تعتمد في تسليحها على المدافع الروسية الصنع، من الأعيرة 14.5 مم، 37 مم، 57 مم، 85 مم، 100 مم. وكانت هذه الوحدات تعـاني من العجز الشديد، في الحجم، مقارنة بالعدائيات الجوية، التي تواجهها، وكذا بأعداد الأهداف العسكرية والحيوية، التي يجب عليها حمايتها، كما أن إمكانياتها القتالية لم تكن تصلح، لمواجهة الطائرات الحديثة؛ للأسباب الآتية:​

(1) عدم دقة أنظمة قيادة النيران، وانخفاض معدل النيران.
(2) عدم وجود أجهزة رادار تكتيكية، مما يؤثر على سرعة التخصيص.
(3) معظم المدافع من النوع المقطور، الذي لا يحقق خفة الحركة.
(4) حجم الوحدات لا يحقق توفير الإمكانيات القتالية، المطلوبة لتوفير الحماية عن التجميع الرئيسي للقوات البرية، ولا يحقق الدفاعَ الجوي المتكامل فيما بينها.
(5) النقص الكبير في الضباط والدرجات، وضعف تدريبهم الفني والتكتيكي.​

ج. الاستطلاع ومعلومات العدو الجوي

تعتبر معرفة العدو من أهم عوامل النجاح، في التصدي له، فالوقوف على خطط العمليات، والتكتيكات، والأساليب، التي يتبعها العدو الجوي ضرورية، عند وضع الخطط والأساليب المضادة.
وقبل حرب 1967، كانت المعلومات عن القوات الجوية الإسرائيلية، قليلة القدر، وتقتصر على أعداد الطائرات، وأماكن تمركزها، ولم تكن تصل إلى كثير من الوحدات المتخصصة، كما لم تحظ بالتحليل والدراسة. وكان هناك نقص كبير، في المعلومات الهامة، عن عدد الطيارين ونسبة الطيارين إلى عدد الطائرات، مما يصعب معه تحديد المجهود الجوي المنتظر، كذلك لم تتوفر معلومات دقيقة، عن خواص الطائرات، والأجهزة المتوافرة بها، سواء أجهزة الملاحة، أو أجهزة التسديد والتصويب، أو التسليح الموجود بالطائرات، خاصة أسلحة الجو الحديثة، كذلك لم تكن هناك معلومات، عن الخطط، وأساليب الاقتراب، والهجوم، أو نظم السيطرة والتوجيه الإلكترونية، والمساعدة على الطيران.​

د. الاستطلاع والإنذار

(1) كانت إمكانيات الحقل الراداري، المتيسر في الاكتشاف والتبليغ عن الأهداف الجوية "معادية ومتحابة"، ضعيفة جداً، بالنسبة إلى عدد الأهداف، التي يمكن الإبلاغ عنها، في نفس الوقت، ولم يكن هذا الحقل الراداري متصلاً، أي أنه لا يغطي كل الأراضي المصرية، مع ضعف إمكانياته في اكتشاف الأهداف المنخفضة، إلى أقل من 500 متر.​

(2) عدم القدرة على مجابهة الأعمال الإلكترونية المضادة؛ بسبب قلة الأجهزة وتباعدها.​

(3) ضعف شبكة المراقبة الجوية بالنظر، وعدم تغطيتها لاتجاهات الاقتراب الرئيسية، من الشمال والشرق، وكان هناك نقص شديد في الأفراد، والأجهزة الإشارية.​

(4) أدى ضعف الحقل الراداري للإنذار، وبالتالي الحقل الراداري لتوجيه المقاتلات، وعدم وجود حاسب إلكتروني للتوجيه، إلى تقليل إمكانيات توجيه المقاتلات، مما أضعف الاستخدام الكامل لإمكانيات المقاتلات، في الحشد، والمقاومة لمواجهة الهجمات الجوية.​

(5) بالرغم من وجود نظام للسيطرة والتبليغ، عن التحركات الجوية؛ لتأمينها من عناصر الدفاع الجوي، فإن هذا النظام لم يكن على الدرجة المطلوبة، من السرعة والدقة، كما أن التزام الطائرات بتوقيتات الطلعات وخطوط السير والارتفاع، لم يكن منضبطاً بالقدر المطلوب، وقد تسبب هذا في حدوث بعض الاشتباكات الخاطئة، بين عناصر الدفاع الجوي، وبعض الطائرات المتحابة، عند حدوث اختراقات جوية معادية.​

هـ. قدرة نظام الدفاع الجوي على الصمود

صمود أي نظام دفاع جوي، هو قدرته على الاستمرار، في أداء مهامه القتالية، تحت ظروف مهاجمة العدو، بالضربات الجوية، تحت استخدام أعمال الإعاقة الإلكترونية بأنواعها، وأسلحة
الخمد. ولزيادة قدرة أي نظام دفاع جوي على الصمود،​

يتحتم توافر الآتي:

(1) شبكة من المواقع الحصينة، التي توفر الوقاية من القصف الجوي.
(2) شبكة من المواقع التبادلية، التي تمكن من تنفيذ خطط للمناورة.
(3) السيطرة المستمرة على الترددات، وتنظيم خطة للإشعاع الراداري؛ لحرمان العدو من تحقيق مكاسب من استطلاعه الإلكتروني.
(4) التخطيط لإجراءات فنية وتكتيكية؛ لمجابهة أسلحة الجو الحديثة، خاصة أسلحة الخمد.
(5) خطة خداع على كل المستويات تكتيكية، وتعبوية، وإستراتيجية.
و. نظام التامين الفني

تحتاج معدات الدفاع الجوي إلى مستوى علمي متميز، من المهندسين، والكوادر الفنية؛ للمحافظة على كفاءتها الفنية، ومن ثم كفاءتها القتالية، ولم تكن هناك ورش متخصصة لأعمال الإصلاح وإجراء العمرات، وكان الاعتماد على بعض العناصر، من المهندسين من أطقم قتال الوحدات، وعلى رغم كفاءة أطقم الإصلاح، فإنها كانت تواجه كثيراً من الصعوبات؛ بسبب قلة قطع الغيار، خاصة الحرجة منها، وكذا افتقارها إلى أجهزة القياس المتطورة، التي تقلل من زمن إصلاح الأعطال.وأصبح تطوير وسائل التامين الفني، في غاية الأهمية، خاصة بعد ازدياد ساعات التشغيل؛ نتيجة لوجود المعدات في حالات استعداد قتالي متقدمة، بسبب ظروف العمليات.​

ز. التدريب

كان مستوى التدريب الفني والقتالي لكتائب الصواريخ ووحدات المدفعية، على درجة عالية، وذلك طبقاً لبرامج التدريب المخططة، وطبقاً للمقاييس المحددة بالمراجع، والدورات التدريبية، ولكن هذه البرامج كانت قاصرة، وأغفلت الكثير من الموضوعات العملياتية الهامة، مما أدى إلى ضعف المستوى القتالي، ومن الموضوعات الحيوية، التي أغفلتها برامج التدريب:​

(1) عدم تدريب أطقم القتال لكتائب الصواريخ، على الاشتباك مع الأهداف القائمة، بالإعاقة الرادارية، ولم تتوافر المقلدات، اللازمة لتمثيل مثل هذه المواقف الجوية.​

(2) عدم التدريب على المواقف الطارئة، في أثناء القتال، وعدم إلمام أطقم مراكز القيادة، بأسلوب القيادة اللامركزية، في أثناء صد الهجمات الجوية المفاجئة، أو التي تتم، بأعداد كبيرة من الطائرات، بما يتعذر معه تخصيص المهام مركزياً، في المستوى الأعلى.​

(3) الافتقار إلى أسلوب متكامل، لتنظيم التعاون مع المقاتلات، مما أدى إلى العمل بأسلوب المناطق، وهنا يهدر الكثير من الطاقات القتالية، لكل من الدفاع الجوي والمقاتلات، وقد ساعد على هذا، ضعف المواصلات الإشارية، وعدم كفاءة نظام التعارف.​

(4) عدم التدريب على أهداف حقيقية في أثناء المشروعات التعبوية والتكتيكية.​

(5) ضعف إمكانيات ميدان الرماية، حيث لم تتوافر أهداف متطورة للرمي عليها، وكان الرمي يتم على هدف عاكس ركني، يسقط بمظلة، بما لا يمثل أي واقعية، لأنه يكاد يكون هدفاً ثابتاً.​

ح. القيادة والسيطرة

أدى توزيع القيادة والسيطرة لوسائل الدفاع الجوي، إلى ضعف السيطرة على هذه القوات، في أثناء إدارة أعمال القتال، فبينما كانت وحدات الصواريخ والمدفعية، تحت القيادة العملياتية للقوات الجوية، كانت وحدات المدفعية المضادة للطائرات، بالتشكيلات البرية، تتبع قيادة مدفعية الميدان بهذه التشكيلات، أما المقاتلات ووحدات الرادار والإنذار، فكانت تتبع قيادة القوات الجوية، ولها مركز عملياتها. وهذا التنظيم لأسلوب القيادة والسيطرة، معمول به في النظام الغربي، مع الاختلاف، ففي الدول الغربية، تلعب المقاتلات الدور الرئيسي، في الدفاع الجوي؛ لما تتمتع به من قدرات قتالية عالية، كما تتم السيطرة على جميع هذه الوسائل، عن طريق نظم للقيادة والسيطرة الآلية، مزودة بأجهزة رادار حديثة، ثلاثية الأبعاد، وطائرات الإنذار المبكر والتوجيه، على عكس المقاتلات الشرقية، التي تفتقر إلى كثير من هذه القدرات، والعبء الأكبر للدفاع الجوي، يقع على وحدات الدفاع الجوي الأرضية، والتي أدى عدم وجود قيادة موحدة لها، إلى التقليل من الاستفادة من قدراتها القتالية.​

ط. أعمال الحرب الإلكترونية على الجانب المصري

لم تتوافر أي عناصر للحرب الإلكترونية، للجانب المصري، تحت أي مسمى، خلال حرب 1967م.
وبعد هذه الدراسة لحرب يونيه 1967، والدروس المستفادة منها، تبلورت أنسب الأسس والأساليب، للتخطيط لبناء قوات الدفاع الجوي، التي يمكنها أن تواجه هذه العدائيات، على أسس تتناسب مع متطلبات المهمة التالية، وهي تحرير الأرض.​

نتابع
:a030[2]::a030[2]::a030[2]::a030[2]:​
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
رد: تاريخ الدفاع الجوى المصرى موضوع كامل

تطوير الدفاع الجوى المصرى
( قوى مستقله )


المبحث الرابع





نشأة القوة الرابعة وخوض حرب الاستنزاف





انتهت حرب الأيام الستة ـ كما سمتها إسرائيل، في ذلك الوقت ـ بنهاية مأساوية، كشفت عن كثير من أوجه القصور، في القوات المسلحة المصرية، بشكل عام، وفي القوات، التي تتولى مهام الدفاع الجوي، بشكل خاص، وبات، من المؤكد، ضرورة ظهور بديل، يتناسب مع شكل وطبيعة التحديات الجديدة، فكان قرار القيادة السياسية، بإنشاء القوة الرابعة، لمواجهة هذه التحديات.

أولاً: قرار إنشاء القوة الرابعة (فبراير 1968)




كانت قوات الدفاع الجوي تعتبر فرعاً من سلاح المدفعية، وتحت القيادة العملياتية للقوات الجوية، وهذا التنظيم معمول به، في كثير من دول العالم، ولكن، من دروس 1956، 1967، وجد أن القوة الجوية الإسرائيلية مركزة في يد قائد واحد، فمن الأجدى، أن تركز جميع الأسلحة والمعدات المضادة لها، والمكلفة بالتعامل معها وصدها، في يد قائد واحد؛ ضماناً للتنسيق، وتوحيداً للمسؤولية، وتحقيقاً للنجاح.
وكان القرار بإنشاء قوات الدفاع الجوي المصري، قوة مستقلة، قائمة بذاتها، لتصبح القوة الرابعة، ضمن القوات المسلحة المصرية، التي تشمل القوات البرية، والبحرية، والجوية، وذلك في أول فبراير 1968، في وقت بالغ الصعوبة بالنسبة لهذه القوات، التي كانت تواجه أقوى وأفضل أسلحة العدو الجوية، فيما كانت القوات الجوية المصرية مازالت في مرحلة إعادة التنظيم

sa-6-DFSN8301193_JPG.jpg
















والتسليح، عقب خسائرها في حرب 1967.​

بقرار إنشاء القوة الرابعة، انتهت السلبيات، الناجمة عن التبعية المزدوجة، التي لازمت وحدات الدفاع الجوي، في الحروب السابقة، وأنشئت قيادة مستقلة للدفاع الجوي، لكل الوسائل، التي تتعامل مع أسلحة الهجوم الجوي، مع تنظيم التعاون، بأسلوب مدقق مع وسائل الدفاع الجوي العضوية في الأفرع الرئيسية الأخرى، عدا المقاتلات، التي ظلت تابعة للقوات الجوية؛ اكتفاءً بالتنسيق، في أثناء تخطيط الأعمال القتالية، والتعاون الوثيق في أثناء إدارة أعمال القتال.​

وبدأت مرحلة من العمل الجاد والمكثف، للتطوير الشامل، شملت إعادة تنظيم القيادات والتشكيلات والوحدات، وعناصر التأمين القتالي، والفني، والهندسي، لتجنب أوجه القصور والعيوب، التي ظهرت في حرب 1967، وتشكلت قيادة الدفاع الجوي الشكل الرقم 2، وهي تضم رئاسة لوحدات الصواريخ والمدفعية، ورئاسة وحدات الرادار والإنذار، ورئاسة دفاع جوي التشكيلات البرية، وغيرها من الرئاسات والشعب، بحيث تتماشى مع باقي أجهزة القيادة العامة والأفرع الرئيسية.​

1. بدء بناء المنظومة

ركزت القيادة السياسية جهودها، للحصول على الأسلحة، من الخارج، خاصة من الاتحاد السوفيتي، ومن بعض الدول الشرقية، مثل يوغسلافيا والمجر، ولكن نتائج هذه الجهود كانت محدودة للغاية، ولا يمكن اعتبار ما حصلنا عليه، في تلك الفترة، إضافة إلى إمكانيات الدفاع الجوي. من هذا المنطلق، اتجهت الجهود إلى تطوير الصواريخ سام -2.​

وجرى العمل على قدم وساق؛ لتعديل إحدى هذه الكتائب، وبالفعل جرى تعديلها، لتصبح قادرة على الاشتباك مع الطائرات المعادية، على ارتفاعات، أقل من 1 كم، كذلك أدخلت تعديلات، لتقليل المنطقة الميتة المحيطة بالكتيبة، وشمل التطوير الصاروخ نفسه، وذلك بتحسين قدراته على المناورة حتى يستطيع ملاحقة الطائرات، في أثناء مناورتها، وتم تزويد كتائب الصواريخ، بأنظمة التعارف، مما زاد من كفاءة التعاون مع المقاتلات.​

وفي مجال الحرب الإلكترونية، وهو الأخطر والأهم، لم يتوافر أي إمكانيات إلكترونية، لدى الجانب المصري، ولم يكن بد من اتخاذ إجراءات فنية وقائية للمقاومة. وكان الهدف الأول هو حرمان وسائل الاستطلاع الإلكتروني، من الحصول على ما تريده من معلومات، أو تضليلها، وذلك بالسيطرة المدروسة على عملية الإشعاع، بالإضافة إلى مجموعة أخرى، من الإجراءات الفنية.​

كما بدأ تجهيز وحدات الصواريخ، بمعدات فنية مبتكرة؛ لمقاومة الإعاقة، ونجحت تجربتها، وتم تعميمها في جميع الوحدات، واستمر تطوير الأساليب والتكتيكات، الهادفة إلى شل وسائل الحرب الإلكترونية للعدو، وكللت بنجاح كبير، ظهر أثره في أثناء حرب أكتوبر.​

وفي مجال تطوير شبكة الاستطلاع والإنذار، زُوِدَّت أجهزة الرادار، بنظام انتخاب الأهداف المتحركة، ورفع الهوائيات على صوار، كما تم إنشاء نطاقات، من نقط المراقبة الجوية بالنظر، على حدود الدولة، وفي العمق، وحول الأهداف المدافع عنها، وتجهيزها بما يسمح باكتشاف الأهداف، مبكراً، ووصول المعلومات، إلى الوحدات من دون تأخير.​

2. القوة الرابعة وحتمية الدفاع، من خلال منظومة متكاملة

بدأ التخطيط لبناء منظومة دفاع جوي، من منطلق الدور الرئيسي لهذه المنظومة، والذي يتمثل في توفير الدفاع الجوي، عن القوات والأهداف الحيوية في الدولة، ضد هجمات العدو الجوي، لذا ينبغي أن تحقق المنظومة ثلاثة أهداف رئيسية هي: استطلاع العدو الجوي، والإنذار عنه، ومنع العدو من استطلاع قواتنا وأهدافنا، ثم توفير الدفاع الجوي عن القوات والأهداف الحيوية.
ولتحقيق هذا، يجب أن تشتمل المنظومة، على عدة عناصر متناسقة متعاونة، تعمل تحت قيادة واحدة، وهي:​

أ. العناصر الأساسية لمنظومة دفاع جوي

(1) نظام القيادة والسيطرة.
(2) نظام الاستطلاع والإنذار، ويضم: أجهزة رادار أرضية أو محمولة جواً، وأقماراً صناعية، وشبكات المراقبة الجوية بالنظر.
(3) نظم القتال الإيجابية، وتشمل: المقاتلات، والصواريخ الموجهة، والمدفعية المضادة للطائرات.
(4) أنظمة الحرب الإلكترونية.
(5) عناصر التامين، وتشمل: التأمين الفني، والهندسي، والكيماوي، والمادي والطبي، والتأمين الخاص​

ب. بناء منظومة الدفاع الجوي

تركزت جهود البناء، في ثلاثة محاور رئيسية، هي الرجال، والسلاح، والميدان، كما يلي:
(1) إعداد الرجال

إن العنصر البشري يمثل العامل الرئيسي، في تحقيق النصر، ومن ثم، فقد أولت القيادة اختيار القادة الأكفاء اهتماماً خاصاً، واهتمت بإنشاء القيادات الصالحة، من الكوادر المؤهلة علمياً وعسكرياً، وتتمتع بمستوى مرتفع من الانضباط.
وفي سبيل تحقيق ذلك، سدت القيادة هذا النقص في الضباط، بالاستعانة بأعداد كبيرة من المهندسين، والعلميين، والمتخصصين، في مجال الإلكترونيات، وتكليفهم بصفة ضباط، للعمل في وحدات الرادار والصواريخ، وإعدادهم بفرق تخصصية، وكذلك تجنيد المؤهلات العليا والمتوسطة من ذوي التخصصات الفنية والهندسية، وتم تدريبهم، طبقاً لأساليب ومناهج تدريب متطورة، وهكذا لعب المقاتل دوراً هاماً، في بناء القوة الرابعة، سواء كان ضابطاً أو جندياً.​

(2) إعداد السلاح

حددت خطة تحرير سيناء حجم قوات الدفاع الجوي، المستهدف تحقيقه، خلال ثلاث سنوات، بتشكيل ثماني فرق دفاع جوي، كل فرقة تقود وتسيطر على 3-5 ألوية صواريخ، ومدفعية مضادة للطائرات ثقيلة وخفيفة، وثماني كتائب رادار توجيه وإنذار، بالإضافة إلى شبكة للمراقبة بالنظر، ومواصلاتها، وأجهزتها، مع إنشاء غرف عمليات لكل فرقة أو لواء منفصل، على أن يرتبط بغرفة عمليات دفاع جوي رئيسية، وأخرى تبادلية.​

وقد أوصت الخطة بأن تعتمد قوات الدفاع الجوي، في قتالها الجوي، على الصواريخ الحديثة المتطورة، المدعمة بأجهزة توجيه إلكترونية، وأن يكون معظمها متحركاً، وتشغيلها بالوقود الجاف. ومع إعادة تنظيم هذه القوات، وزيادة حجمها، مع تنويع أسلحتها، ومعداتها، كلفت بمسؤوليات وواجبات كبيرة؛ لحماية تشكيلات القوات المسلحة، ضد التدخل الجوي المعادي، وحماية الأهداف الحيوية في الدولة، وأهمها المدن الرئيسية، والقواعد الجوية، والمطارات، وهذا ما أدى إلى زيادة حجمها، أكثر من أربعين ضعفاً، عما كانت عليه عام 1967.​

(أ) مراحل استكمال أسلحة الدفاع الجوي

مرت مراحل استكمال أسلحة الدفاع الجوي، بمراحل متنوعة، وأهم هذه المراحل هي:
· حضور الرئيس عبد الناصر اجتماعات المجلس الأعلى للقوات المسلحة، منذ حرب 1967، حتى عام 1970، وقد وسع الرئيس المشاركة حتى مستوى قادة الكتائب، خاصة كتائب الصواريخ والأسراب المقاتلة، وكان دائم التشديد، على حتمية العمليات الهجومية، والتركيز على مطالب القوات الجوية والدفاع الجوي، اللتين حظيتا بنصيب كبير، من جهد الرئيس عبد الناصر.​

وفي يناير 1970، وافق الاتحاد السوفيتي، على إمداد مصر، بالمعدات الآتية:​


· 18 كتيبة صواريخ سام -3 ، تعمل على الارتفاعات، من 25 متراً إلى 17 كم، وتشكل هذه الصواريخ، في كتائب كل كتيبة من 4-6 قواذف، وكل قاذف يركب عليه صاروخان.
· 20 كتيبة صواريخ سام -2 معدلة، ضد التشويش الراداري، ومؤهلة للاشتباك ضد الطيران المنخفض، حتى 100 متر.​

· 14 محطة رادار، من نوع ب -15، ب -12، بالإضافة إلى 29 محطة لاسلكية متوسطة المدى.
وتركزت الجهود وتوالت؛ الوصول إلى الحجم المناسب من المعدات الحديثة، التي تستطيع مجابهة العدائيات الجوية، من حيث قدرتها على التعامل مع الأهداف، التي تطير على ارتفاعات مختلفة، تحت ظروف الإعاقة الإلكترونية بأنواعها المختلفة، وبالفعل، انضم إلى قوات الدفاع الجوي، خلال هذه الفترة، العديد من الأسلحة المتطورة، أهمها:​

(ب) أهم الأسلحة التي انضمت إلى قوات الدفاع الجوي، خلال هذه الفترة
· صواريخ سام -3، ذات الوقود الجاف، والمجهزة للعمل ضد الأهداف، على ارتفاعات منخفضة، في ظل الإعاقة الإلكترونية.​

· كتائب سام -2 المعدلة، للعمل على ارتفاع 100 متر، في ظل الإعاقة الإلكترونية.
· الصواريخ الفردية "سام -7"، التي تطلق من على الكتف؛ للتعامل مع الطائرات المنخفضة.
· المدافع عيار 23 مم الرباعية، الموجهة بالرادار، والمحملة على شاسيه جنزير، من نوع شيلكا.
· أجهزة رادار الإنذار ب-15، ذات القدرة على اكتشاف الأهداف المنخفضة.​

(3) إعداد الميدان: "التجهيز الهندسي"

لما كان التجهيز الهندسي أحد العوامل الرئيسية لنجاح عناصر الدفاع الجوي، في تحقيق مهامها، وزيادة قدرتها على الصمود، فقد استحوذ إعداد مسرح عمليات الدفاع الجوي، والإنشاءات المطلوبة في الخطة، على جهد خارق وجبار، ويمكن القول إن هذه الأعمال كانت معركة منفصلة، مع السلاح الجوي الإسرائيلي.​

فقد دار صراع رهيب بين إرادتين: الإسرائيليون يركزون كل مجهودهم الجوي، لتدمير المواقع الجاري إنشائها، والقوات المسلحة، متمثلة في وحدات المهندسين العسكريين، التي تحولت كلها إلى وحدات إنشاءات مع الشركات المدنية، مصممة على استكمال مواقع الدفاع الجوي المحصنة على جبهة القناة.​

وكان، من الواجب، الانتهاء من تجهيز المواقع، خلال شهر واحد، بداية من 25 يناير 1970 إلى حين وصول الصواريخ ومعداتها، إلى الإسكندرية في 25 فبراير 1970. واستمرت غارات العدو، بضراوة، على هذه المواقع الجاري إنشائها، وكانت خسائر كبيرة، خاصة في عمال الشركات المدنية، ومع استمرار الصراع ونجاح العدو في تدمير نسبة كبيرة من المنشآت، بدأ التفكير في البديل.​

وتوصل المهندسون إلى فكرة المواقع سابقة التجهيز، وهي تنشأ من أجزاء خرسانية سابقة التجهيز، في العمق، وتنقل إلى الجبهة، ويتم تركيبها في وقت قصير، مما يوفر الحماية الجوية في أثناء إنشاء المواقع كاملة التحصين.​

وخلال شهري يونيه ويوليه 1970، تم تركيب العديد من المواقع الهيكلية، التي كانت تحاكي المواقع الحقيقية.​

وقد أتم المهندسون العسكريون، بناء عدة مئات من مواقع وحدات الصواريخ، وعدد مماثل من المواقع الهيكلية، استخدم في إنشائها نحو 12 مليون متر مكعب من أعمال الحفر والردم، ومليون وثلاثة أرباع متر مكعب من الخرسانة المسلحة والعادية، وتم إنشاء آلاف الملاجئ مسبقة الصنع، كما تجاوزت أطوال الطرق الداخلية، في هذه المواقع أربعة آلاف كم، أي مثل المسافة بين القاهرة وطرابلس.​

ثانياً: حرب الاستنزاف "يوليه 1969- أغسطس 1970"
كانت حرب الاستنزاف هي الحرب الحقيقية الكبرى، التي خاضها الدفاع الجوي المصري ، حيث واجهت هذه القوات، في أحيان كثيرة، بمفردها، قوة السلاح الجوي الإسرائيلي، وقد استقرت لديها عقيدة الصمود، فسقط منها شهداء كثيرون، وفقدت الكثير من معداتها.​

وعلى الجانب الآخر، ألحقت بالسلاح الجوي الإسرائيلي، خسائر كبيرة في طائراته، وأسقطت العديد منها، فأسقطت الفانتوم أقوى طائرة في ترسانته، بل ربما في العالم، في ذلك التاريخ، وأسقطت كبرى طائراته المجهزة بوسائل الحرب الإلكترونية، من نوع ستراتو كروزر STRATO- CRUISER، وكانت نداً قوياً، يعمل له كل حساب.​

وتمثل حرب الاستنزاف بداية المسيرة، نحو تحرير الأرض، وأرست عدداً من المبادئ والأهداف أهمها:​

1. الاحتفاظ بالجبهة العسكرية ساخنة ومشتعلة، والحصول على الخبرة القتالية.​

2. فرض الإزعاج الشديد على القوات الإسرائيلية الموجودة شرق القناة، ومنعها من إقامة التحصينات.​

3. إقناع إسرائيل، بما لا يدع مجالاً للشك، بأنها ستدفع ثمناً باهظاً، لبقائها في الأرض المصرية، وذلك بتكبيدها خسائر في المعدات والأرواح، كل يوم، وهذا ما لا تطيقه أو تتحمله إسرائيل.​

وقد أفرزت حرب الاستنزاف خبرات واسعة في مجالات التنظيم، والتسليح، ومتطلبات الدفاع الصلب في مجال الدفاع الجوي، وهذا ما فتح للقيادة المصرية آفاقاً جديدة ومهمة، في قضايا التسليح، والتنظيم، وأدت دوراً حيوياً فعالاً، بعد ذلك، عند نشوب حرب أكتوبر 1973، حيث برزت الأهمية الكبيرة للأسلحة الصاروخية، التي حققت أروع النتائج، وجذبت اهتمام الدوائر العسكرية العالمية، إلى الدور الحاسم، الذي يمكن أن تؤديه الأسلحة الصاروخية في الحروب الحديثة.​

المراحل الرئيسية لحرب الاستنزاف بالنسبة للدفاع الجوي: يوليه 1969 ـ أغسطس 1970
مر الصراع، بين قوات الدفاع الجوي المصري وبين السلاح الجوي الإسرائيلي، بمراحل مختلفة، تنوعت فيها أعمال القتال من الجانب الإسرائيلي، بين قصف مركز لمواقع الدفاع الجوي وتدميرها، إلى الإغارة على أهداف في العمق، باستخدام المقاتلات القاذفة، من نوع فانتوم، أو مهاجمة أهداف في الجبهة والعمق، عن طريق قوات الإبرار المحمولة جواً، بواسطة طائرات الهليكوبتر.​

وفي المقابل، استمرت قوات الدفاع الجوي، بما لديها من إمكانيات، غير مكتملة، في التصدي للعدو الجوي، على امتداد أرض مصر.​

وقد شجع العدو، على الهجوم على الأهداف الحيوية بالعمق، وصول الدفعة الأولى من طائرات الفانتوم المزودة بأجهزة ملاحية وإلكترونية عالية الكفاءة، تمكنها من الاقتراب على ارتفاعات منخفضة جداً، كذلك تم تزويد هذه الطائرات، بأجهزة إنذار وحماية، ضد وسائل الدفاع الجوي، بالإضافة إلى قدراتها العالية في الحمولة، من القنابل والصواريخ. ويمكن تقسيم حرب الاستنزاف،
من وجهة نظر الدفاع الجوي، إلى​

أربع مراحل رئيسية:


أ. المرحلة الأولى باشتراك القوات الجوية الإسرائيلية في القتال:20 يوليه 1969 ـ أغسطس 1969
(1) في هذه المرحلة بدأ السلاح الجوي الإسرائيلي قصف القوات البرية، وعناصر الدفاع الجوي، على طول خط المواجهة، وبعمق 20 كم، بهدف إعاقة البناء العسكري.​

(2) التركيز على قصف مواقع الرادار؛ لفتح ثغرات في الحقل الراداري، يمكن الاختراق من خلالها.​

(3) التركيز على إضعاف الروح المعنوية للقوات الجوية المصرية، خاصة الطيارين، وذلك بتدبير معارك جوية، واستدراج الطيارين المصريين إليها، وإحداث خسائر تؤثر على الروح المعنوية​

(4) إعاقة التجهيز الهندسي في مسرح العمليات؛ لمنع إقامة مواقع الدفاع الجوي المحصنة.​

ب. المرحلة الثانية ومحاولة إقامة خط دفاع جوي متكامل بالجبهة: سبتمبر 1969 ـ 6 يناير 1970

ظل الدفاع الجوي يبذل جهوداً خارقة؛ لمواجهة التفوق الجوي الإسرائيلي، الذي ظهر جلياً، منذ اشتراكه في معارك الاستنزاف في 20 يوليه 1969، وأدت هجماته الجوية إلى اختفاء كتائب الصواريخ من الجبهة، اعتباراً من نوفمبر 1969، بسبب عنف القصف الجوي، تحت ستر أعمال الإعاقة الرادارية الكثيفة.​

وقد حاولت قيادة الدفاع الجوي إدخال بعض كتائب الصواريخ إلى الجبهة، خلال شهر ديسمبر، إلا أن العدو قام بمهاجمة هذه الكتائب، بضراوة وعنف، بتوجيه نحو 180 طلعة طائرة، على مدى ثماني ساعات، مستخدماً كل أنواع أسلحة الهجوم الجوي، وتحت ستر غلالة كثيفة من التداخل والشوشرة، وكانت خسائر العدو، خلال هذه المرحلة، إسقاط طائرة وإصابة أخرى.​

وتم إخلاء منطقة الجبهة، نهائياً، من الصواريخ، والاعتماد على عناصر المدفعية المضادة للطائرات والصواريخ الفردية، التي تطلق من على الكتف، إلى حين تقويم أعمال القتال، ووضع خطط بديلة.​

ويمكن إجمال أعمال المرحلتين السابقتين، في قيام السلاح الجوي الإسرائيلي، اعتباراً من 20 يوليه 1969، بتنفيذ 3500 طلعة طائرة؛ لضرب وسائل الدفاع الجوي المصري، والقوات البرية، واستخدم العدو أحدث طائراته، وأكفأ طياريه، في المعارك الجوية مع الطائرات المصرية، أما القوات الجوية المصرية، فقد قامت بحوالي 2900 طلعة حماية جوية، واشتركت في 22 معركة جوية، بـ 110 طائرات، ضد 130 طائرة إسرائيلية، وكانت الخسائر المصرية 26 طائرة، مقابل 14 طائرة، خسرها السلاح الجوي الإسرائيلي.​

ج. المرحلة الثالثة وتكثيف غارات العمق: 7 يناير 1970 ـ 17 إبريل 1970

(1) أهم ملامح هذه الفترة

استمر التحدي، على رغم الخسائر الجسيمة، التي لحقت بالقوات المصرية، وبدأت إسرائيل حملة كبيرة للاستنزاف المضاد، وذلك بتكثيف الغارات الجوية، على العمق المصري، وتم التركيز على مهاجمة أهداف، حول القاهرة، والدلتا، وصعيد مصر، واستهدفت هذه الهجمات عناصر الدفاع الجوي، والمستودعات، والمعسكرات.​

وأسفرت هذه الغارات عن خسائر محدودة، إلا في غارتي "أبو زعبل" و"مدرسة بحر البقر"، حيث استشهد 70 عاملاً، في مصنع أبو زعبل، ونحو 30 طفلاً، في مدرسة بحر البقر، ولم ينجح القصف المعادي لمواقع أجهزة الرادار، في شل جهاز الإنذار.​

وأصبح جلياً، أمام القيادة السياسية المصرية، أن القوات المسلحة المصرية لم تكن تملك القدرة، خلال هذه المرحلة، على مواجهة الغارات الجوية الإسرائيلية، فالسلاح الجوي المصري ما يزال في مرحلة إعادة البناء، والطائرات المتوافرة لديه، من نوع ميج 17، وميج 21، لم تكن بكفاءة طائرات الفانتوم، التي حصلت عليها إسرائيل.​

ولم يتوافر لمصر، قاذفات ثقيلة بعيدة المدى، تستطيع تهديد عمق إسرائيل وردعها، أما شبكة الدفاع الجوي، فتتكون من عدد قليل، من كتائب الصواريخ ذات إمكانيات محدودة، في التعامل مع الأهداف، التي تطير على ارتفاعات منخفضة ومنخفضة جداً، عاجزة عن مواجهة الطائرات الإسرائيلية، المزودة بأحدث أجهزة الملاحة، والإعاقة الإلكترونية.​

(2) المطالب الرئيسية لقوات الدفاع الجوي، كما حددتها في ذلك الوقت القيادة السياسية

طلب الرئيس جمال عبد الناصر وحدات كاملة من الصواريخ سام -3، بأطقمها، وأسراباً كاملة من الطائرات ميج 21، المعدلة بطياريها، وأجهزة رادار متطورة للإنذار والتتبع، وتم عرض هذه المطالب على مجلس السوفيت الأعلى، واللجنة المركزية، التي وافقت على مطالب مصر، وهي:​

(أ) إمداد مصر بفرقة كاملة، من صواريخ سام -3، بأفرادها، ومعداتها، وأجهزتها، وحملتها، وأسلحتها المعاونة، على أن تصل إلى المواني المصرية، خلال شهر، وأن تعمل تحت القيادة المصرية، لأغراض الدفاع الجوي، عن العمق المصري.​

(ب) إمداد مصر بقوة ثلاثة لواءات جوية كاملة، مشكلة من 95 طائرة ميج 21، معدلة بالمحرك الحديث R511، بالقادة، والطيارين، والموجهين، والفنيين السوفيت، وتصل خلال شهر، وتحت القيادة المصرية، للدفاع الجوي عن العمق المصري.​

(ب) توريد 50 محرك ميج 21 معدل من نوع R511؛ لتركيبها على الطائرات المصرية.
(ج) توريد أربعة أجهزة رادار ب-15، لرفع كفاءة الإنذار الجوي، في شبكة الدفاع الجوي، في كشف الأهداف المنخفضة.​

(د) تدريب أطقم مصرية، على الصواريخ سام-3، وكذا إعداد مجموعات من الطيارين المصريين، حتى يمكن أن يحلوا محل الأطقم السوفيتية.​

(هـ) توريد مجموعة إعاقة وشوشرة واستطلاع راداري ولاسلكي.​

كانت أحداث تلك الفترة بالغة الأهمية والخطورة، فعلى صعيد أعمال العدو، وصلت هجماته إلى ذروتها، بمهاجمة أهداف مدنية، في العمق، بجانب الأهداف العسكرية، أملاً في إضعاف نظام الحكم. ظلت طائراته تعربد في سماء مصر، بدعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية، وأوجز موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلي نوايا إسرائيل، عندما صرح بقوله "إن معركتنا سوف نكسبها فوق سماء القاهرة"، تعبيراً عن أمله في أن يصل بالجبهة الداخلية إلى مرحلة اليأس، وأن يكسب المعركة.​

واستطرد قائلاً: "علينا ألا نسمح لمصر أن تقيم نظام دفاع جوي، بصواريخ سام، غرب القناة، وإننا قبلنا التحدي".​

وعلى الجانب المصري، لم يكن هناك من سبيل، أمام القيادة​

السياسية والعسكرية، إلا التصدي والقتال، بما هو متاح من الإمكانيات، والإصرار على استكمال بناء القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي، بما يتلاءم مع إمكانيات العدو الجوي.​

ولم تبخل الدول العربية "السعودية، ودول الخليج، وليبيا، والجزائر، والعراق" على دول المواجهة "مصر، وسورية، والأردن، ولبنان" بالمال، والسلاح، والرجال، وقد أصرت على أن يستمر الاتحاد السوفيتي، هو المصدر الرئيسي للسلاح، بالإضافة إلى دول الكتلة الشرقية "نفس العقيدة القتالية والتسليح".​

ونجحت مساعي القيادة السياسية، في إدخال الاتحاد السوفيتي، بدرجة أكبر، في الصراع، بدخول معداته الدفاعية لحماية العمق المصري، مما مثل نوعاً من الردع لإسرائيل وأمريكا، وفي نفس الوقت دعماً كبيراً، لقدرات مصر الدفاعية والمعلوماتية.​

د. المرحلة الرابعة وبناء حائط الصواريخ غرب القناة: 18 أبريل 1970 ـ أغسطس 1970

نجحت قوات الدفاع الجوي، في تنفيذ إستراتيجية التدرج، في فرض سيطرتها على المجال الجوي، واستمر تصعيد أعمال القتال، مع زيادة الإمكانيات، وبدأت في فرض سيطرتها، بدءاً من العمق المصري.​

وبوصول قوات الدعم الروسية، واتخاذها أوضاع الدفاع عن الأهداف الحيوية في العمق، أوقف السلاح الجوي الإسرائيلي غاراته، على العمق، واقتصر نشاطه على مهاجمة الجيوش الميدانية، ووحدات البحر الأحمر، وقام بتنفيذ المهام الآتية:​

(1) تدمير المواقع العسكرية المصرية، تدميراً منظماً، خاصة مواقع مدفعية الميدان.​

(2) الإصرار على منع دخول، أو إقامة أي مواقع للدفاع الجوي، في منطقة القناة، وذلك بتدمير أي إنشاءات هندسية تقام لهذا الغرض، كذلك استطلاع ومراقبة محاور التحرك، على امتداد الجبهة لتدمير أي معدات أو قوات، قبل وصولها إلى مواقعها، وكان يوما 14، 15 أبريل 1970، بداية مرحلة من القصف العنيف، لمواقع الصواريخ الرئيسية، والاحتياطية، والهيكلية، ووصل معدل القصف في هذين اليومين، إلى نحو ألف طن يومياً، من قذائف الفانتوم، وبلغ إجمالي المجهود الجوي الإسرائيلي، نحو 4 آلاف طلعة طائرة، خلال أشهر أبريل ومايو ويونيه 1970، وكانت معظم الهجمات تتم من ارتفاعات متوسطة، خارج مرمى أسلحة المدفعية المضادة للطائرات، التي أوكل إليها، مهمة الدفاع الجوي عن الجبهة، خلال هذه الفترة.​

(3) وبعد توفير الدفاع الجوي عن الأهداف الحيوية بالعمق، اتجهت الجهود لبناء شبكة الدفاع الجوي في منطقة القناة؛ لحماية التجميع الرئيسي للجيوش الميدانية، استعداداً لتصعيد العمليات العسكرية ضد إسرائيل.​

ثالثاً: التخطيط لبناء حائط الصواريخ

jjvkrp97.jpg


كانت المهمة صعبة، والمسؤولية عظيمة، وتمت دراسات جادة وتفصيلية، شملت كل المجالات وأهم الموضوعات، التي كانت تشغل القادة، هي:
1. الحجم الأمثل من وحدات الدفاع الجوي، اللازمة للدفاع عن الجبهة، وإجراء المواءمة، بين ما هو مطلوب، وما هو متاح.​

2. كيفية دفع هذه الوحدات، بحجمها الكبير، لاحتلال مواقعها، وهل يتم هذا دفعة واحدة أم على وثبات.​

3. كيفية تحقيق الصمود لهذه الوحدات، ضد هجمات العدو الجوية المنتظرة، في أثناء التحرك والاحتلال، كذلك أسلوب الدفاع المباشر عن كتائب الصواريخ.​

4. أسلوب التأمين الفني، والهندسي، والكيماوي، والإشاري.​

5. أسلوب القيادة والسيطرة.​

6. أسلوب الخداع، والإخفاء، والتمويه؛ لتحقيق المفاجأة.​

7. خطط مشاغلة الطيران الإسرائيلي، وبلبلة قياداته بالنسبة لنوايانا، وتشتيت مجهوده الجوي، بتغيير اتجاه العمليات هنا وهناك.​

رابعاً: كمائن صواريخ سام تواجه الفانتوم

لم يكن بد من عمل فدائي محكم التخطيط والتنفيذ، وأسفرت الدراسات، التي تمت بحضور قادة كتائب الصواريخ، على الاستفادة من خبرة القتال في حرب فيتنام، وكيف كانت كتائب الصواريخ تواجه الطائرات الأمريكية بتنفيذ أسلوب الكمائن، وهذا الأسلوب يعتمد على تطبيق العقيدة القتالية لحرب العصابات في فيتنام، والتي تقوم على نظرية "اضرب واهرب"، ولكن هل يساعد مسرح عمليات قناة السويس، الخالي من الغابات، ولا يحتوي إلا على غطاء نباتي قليل، على تنفيذ هذه النظرية؟
1. تطور أعمال القتال بين الجانبين وحتمية استخدام أسلوب الكمائن
بدأت معركة شرسة ضارية، بين الطيران الإسرائيلي، وبين مجموعة من كتائب الصواريخ المدربة تدريباً خاصاً، على خفة الحركة والمناورة، وكانت العقبة الرئيسية أمام تنفيذ هذه الكمائن بنجاح، هي حجم وعدد مكونات كتيبة الصواريخ سام 2، فقد صممت هذه النوعية، للدفاع عن المدن والأهداف الحيوية الثابتة.​

وتتكون من مجموعة ضخمة، من الأجهزة، والمقطورات، والهوائيات كبيرة الحجم ثقيلة الوزن، تتصل فيما بينها عن طريق مجموعة كبيرة من الكوابل، ويحتاج فك هذه المعدات وتجهيزها للتحرك ساعات وساعات، ويلي عملية التحرك، تركيب الهوائيات، ونشر المعدات، وفرد الكابلات وتوصيلها، وأخيرا إعادة ضبط وتوليف مئات الدوائر الإلكترونية، التي لا بد أنها اختلت، في أثناء التحرك عبر الطرق الوعرة.​

والمشكلة لم تكن في تنفيذ هذه الإجراءات، بل في التوقيت، إذ كان، من المحتم، أن تتم العملية كلها، في ليلة واحدة، وتحت جنح الظلام.​

بدأ الكمين الأول بكتيبتين، مدربتين على التعامل مع الأهداف، التي تطير على ارتفاعات منخفضة ومنخفضة جداً، تحت ستار من الإعاقة الإلكترونية الكثيفة، واستمر هذا الأسلوب خلال أشهر مايو ويونيه ويوليه 1970، وقد خسر الجانب الإسرائيلي، في هذه الجولة الخاصة من القتال، ست طائرات مقاتلة، وطائرة هليكوبتر.​

وتجسد، في هذه المواجهات، أقصى درجات الصراع والتحدي، بين الدفاع الجوي المصري والسلاح الجوي الإسرائيلي، فالمواجهة كانت تتم بين محترفي قتال من الطراز الأول، فالعدو يدفع بأحدث ما في ترسانته من طائرات، يقودها صفوة الطيارين، وأكثرهم كفاءة وخبرة، مدعمين بأحدث ما في العصر من أجهزة ملاحية وأجهزة حرب إلكترونية، يخطط لطلعاتهم بدقة وإحكام، بالاستفادة بمعلومات استطلاع مكتملة من مصادر متنوعة على مستوى إسرائيل وأمريكا.​

2. أسباب نجاح أعمال قتال كمائن الصواريخ

يعتبر القادة والضباط، الذين شاركوا في هذه الكمائن في ميدان القتال، هذه الفترة، من تاريخ الدفاع الجوي، الجولة الحاسمة، التي سجلت انتصاراً حاسماً لرجال الدفاع الجوي المصري، على السلاح الجوي الإسرائيلي، وسيكتب التاريخ، لاحقاً، عن هذه الجولة بحروف من النور والفخار، لأيام خالدة ومجيدة في تاريخ مصر والأمة العربية كلها. وقد حققت هذه الجولة من القتال، أهدافها المخططة، بل أكثر منها؛ للأسباب الآتية:​

أ. التخطيط الجيد لانتقاء المواقع في أرض زراعية، تسهل عمليات الإخفاء والتمويه.
ب. التدريب الجيد على المهام الموكلة لهذه الوحدات وخاصة العمل ليلاً.
ج. السرية المطلقة، التي أحاطت بأعمال قتال هذه الوحدات.
د. إعطاء قادة الكتائب سلطات كاملة للتصرف، واتخاذ القرارات، بما فيها قرار الاستمرار في تنفيذ المهمة أو إلغائها.
هـ. وفوق كل ما سبق، الروح المعنوية العالية وعزيمة الرجال القوية.
وقد تسببت هذه الجولة، في بث روح الحذر والخوف في نفوس الطيارين الإسرائيليين، بالإضافة إلى خداع السلاح الجوي الإسرائيلي، عن مدى حجم وشكل تجميع الصواريخ، عند تنفيذ خطة احتلال مواقع القتال بجبهة القتال.​

خامساً إتمام بناء حائط الصواريخ

كانت خطة بناء حائط الصواريخ غرب القناة، تقتضي، إما دفع تجميع الصواريخ سام 2 وسام 3 والمدافع 23 مم الرباعية، وأسلحة، ومعدات الدفاع الجوي المكملة للحائط دفعة واحدة إلى مواقعها غرب القناة، أو تتخذ أسلوب الزحف البطيء من منفذ شرق القاهرة، إلى منطقة غرب القناة .
فضلت القيادة العامة الأسلوب الثاني لأغراض الأمان، وتطبيقاً لمبدأ الحشد، وذلك بإنشاء موقع لنطاق صواريخ محصن شرق القاهرة، يحمي نطاقاً آخر تحت الإنشاء شرقاً، تتم حمايته بواسطة صواريخ النطاق الأول، ثم إنشاء نطاق ثالث، تحت مظلة وحماية النطاق الثاني، وهكذا إلى أن وصلت النطاقات إلى منطقة غرب القناة.​

واكتمل حجم التجميع من نحو 30 كتيبة صواريخ سام 2 ، سام 3، ومعها المدافع المضادة للطائرات من جميع الأعيرة "23مم، 37مم، 57مم، 100مم"، وكانت هذه الشبكة تمثل أكبر تجمع دفاع جوي، وكانت على بعد 50 كم غرب القناة، من منطقة وصلة الملاك، على طريق السويس، إلى منطقة تبة أم قمر القريبة من طريق مصر ـ الإسماعيلية. كما أنشئت منطقة دفاع جوي منفصلة من الصواريخ والمدافع 23 مم، في مدينة بورسعيد، مدعمة بصواريخ سام 6، محمولة على ثلاث فرقاطات سوفيتية متمركزة في الميناء.​

sa-2

r4qsvu2p.jpg


sa-3

65kq96pa.jpg


وتمت هذه التحركات بسرية وتكتم شديدين، وفي أقل زمن ممكن، ضاربة المقاييس الزمنية في التحرك والتمركز وضبط وتوليف الترددات، وكان هذا التخطيط المحكم والتنفيذ الدقيق، سواء من ناحية حجم المواقع، أو توقيتها، أو سرعة أداء الرجال، مفاجأة تكتيكية لطيران العدو، الذي لم يتمكن من اكتشافها ورصدها.​

اكتمل البناء، مساء 29 يونيه 1970، وأصبح هناك حائط للصواريخ، يقف ثابتاً وشامخاً جاهزاً للتصدي لأي هجمات جوية، مهما كان حجمها، وذلك اعتباراً من أول ضوء يوم 30 يونيه 1970.
سادساً: الذراع الطويلة ترتطم بالحائط
أدى الالتزام الصارم بتنفيذ خطط الأمن والسرية، في أثناء دخول وحدات الدفاع الجوي، إلى مواقعها في صمت وتكتم، وذلك بإجراء التحركات، ليلاً، مع تقييد الإضاءة، وتنفيذ إجراءات الصمت اللاسلكي والراداري، إلى عدم اكتشاف العدو لدخول الوحدات إلى مواقعها.​

1. المواجهة بين الذراع الطويلة وحائط الصواريخ

في صباح 30 يونيه 1970، قام العدو باستطلاع الجبهة، بطائرتي فانتوم، على ارتفاع عالٍ من خارج مناطق تدمير الصواريخ، ويبدو أن معلومات هذا الاستطلاع، أكدت وجود كتائب الصواريخ بمواقعها.​

وجاء أول رد فعل للعدو قبل آخر ضوء من اليوم نفسه، حيث قام بمهاجمة مواقع كتائب الصواريخ، بقوة تقدر بحوالي 24 طائرة، مركزاً هجومه على أطراف التشكيل شمالاً وجنوباً، وكانت المفاجأة التامة، حيث وجد الطيارون الإسرائيليون أنفسهم يطيرون، وسط غلالة من الصواريخ وقذائف المدفعية، وتم في هذا الهجوم، إسقاط طائرتين فانتوم، وطائرتين سكاي هوك، وأسر ثلاثة طيارين.​

وكانت هذه هي المرة الأولى، التي يسقط فيها هذا العدد من الطائرات، دفعة واحدة، ويقع في الأسر هذا العدد من الطيارين. وظل هذا اليوم خالداً في تاريخ الدفاع الجوي المصري، يحتفل به كل عام، وتكبد السلاح الجوي الإسرائيلي خسائر فادحة، لم تكن في الحسبان، ودفع خلال الأيام التالية بمزيد من الطائرات في محاولة يائسة لاختراق هذا الحائط وتدميره.​

وبالرغم من أن السلاح الجوي الإسرائيلي ألقى في هذه المعركة، بكل ما لديه من إمكانيات قتالية وفنية، سواء دفعه بأكثر الطيارين كفاءة، أو باتباع أحدث التكتيكات المضادة للصواريخ، واستخدامه لأحدث أسلحة الهجوم الجوي الحديثة، مع تكثيف أعمال الإعاقة الإلكترونية، على جميع الأجهزة الرادارية واللاسلكية، بالرغم من هذا، تكبد المزيد من الخسائر، ووقع المزيد من طياريه في الأسر.وعن الخسائر، التي تكبدها سلاح الجو الإسرائيلي، بواسطة حائط الصواريخ، نشرت مجلة Aviation Week & Space Technology، في عددها الصادر، في 16 نوفمبر 1970، أن الخسائر بلغت 51 طائرة، منها 17 طائرة، تم تدميرها، و34 طائرة، أصيبت.​

2. رد الفعل الأمريكي، بعد انهيار الذراع الطويلة لإسرائيل، أمام حائط الصواريخ
تحت تأثير هذه الضربات، سارعت الولايات المتحدة الأمريكية، بطلب من إسرائيل، إلى التقدم بمشروع لوقف إطلاق النار، تمهيداً للبدء في مفاوضات، تستهدف الحل السلمي للقضية، وكان الهدف الرئيسي غير معلن، وهو هدنة مؤقتة إلى حين دعم إسرائيل، وإعادة تقويم قدراتها، وتمكينها من استعادة تفوقها الجوي مرة أخرى.​

وكانت قوات الدفاع الجوي قد بذلت جهداً خارقاً، في تنفيذ الوثبة الأخيرة لحائط الصواريخ، وذلك بتحريك نسق كامل، من كتائب الصواريخ، ليحتل مكانه المخطط على حافة الضفة الغربية للقناة وبعمق يراوح بين 2: 3 كم، محققاً سيطرة جوية محكمة لقوات الدفاع الجوي، على منطقة الجبهة وعلى الضفة الشرقية للقناة، وانتهت التحركات، قبل حلول الساعة 100 يوم 8 أغسطس، وهو التوقيت المحدد لوقف إطلاق النار.​

وأثارت إسرائيل ضجة كبيرة بتحريك حائط الصواريخ إلى قرب الشاطئ الغربي للقناة، وهددت بتدميره، إذا لم يتم إعادته إلى ما كان عليه بعيداً عن الضفة الغربية للقناة.​

وانتهى البناء لأكبر تجميع لأسلحة وأجهزة وصواريخ الدفاع الجوي، مركزاً في منطقة قناة السويس، من القنطرة غرب حتى ميناء الأدبية جنوب السويس، وبعمق نحو 30 كم غرب القناة، يضم أكثر من 45 كتيبة صواريخ مضادة للطائرات، بالإضافة إلى كتائب المدفعية المضادة للطائرات وكتائب مدافع 23 مم، من نوع الشيلكا الرباعية ذاتية الحركة، الموجهة رادارياً، وكتائب صواريخ سام -7، وكتائب رادار وكتائب مراقبة جوية بالنظر.​

zsu-23-4 الشيلكا

c7vmpwhz.jpg



كما أنشئت مجموعات دفاع منفصلة، لمنطقة بورسعيد، ضمت أربع كتائب صواريخ، وعناصر مدفعية وصواريخ سام 7، وارتبطت بشبكة الدفاع الجوي في نظام الإنذار والتوجيه، وأضيف إلى هذا التجميع الكثيف، أسراب الميج 21 الاعتراضية، مخصصة للدفاع الجوي، وتم التنسيق وتنظيم التعاون بين القوتين على مستوى القيادة العامة، ونظمت القيادة من مراكز عمليات مشتركة.​

سابعاً: الدروس المستفادة من حرب الاستنزاف

تعتبر حرب الاستنزاف أول صراع مسلح، يدور في مسرح الشرق الأوسط، بين قوات شبه متكافئة من حيث التسليح والمعدات، وذلك خلافاً لما حدث في الجولات العربية الإسرائيلية الثلاث السابقة. ولقد عمقت حرب الاستنزاف صمود الشعب المصري وقواته المسلحة، ومنها قوات الدفاع الجوي، حيث خرجت هذه القوات بالكثير من الخبرات القتالية، التي شكلت عقيدتها القتالية، وأتمت صقل خبراتها العملية في ميدان القتال على النحو التالي:​

1. شهدت هذه الحرب صراعاً مريراً، بين الطائرة والصاروخ، وضع حداً للتفوق الجوي، الذي انفردت به إسرائيل في الجولات السابقة.​

2. كان هذه الحرب ضرورة ملحة لمصر وللعرب، حيث كانت المصدر الرئيسي للخبرة المكتسبة للقيادات، وهيئة الأركان، والأجهزة، من أجل تحرير الأرض المغتصبة بالقوة.​

3. مكنت حرب الاستنزاف القيادة المصرية، من إنشاء ودفع حائط الصواريخ حتى الشاطئ الغربي لقناة السويس، وهذا ما شكل حجر الزاوية في نجاح عملية العبور، يوم 6 أكتوبر 1973، والذي لولاه ما استطاع المخطط للعمليات الحربية أن يقود الجولة الخامسة بنجاح.​

4. حطمت جدار الخوف، الذي التصق بالعسكرية المصرية، منذ عام 1948، بل نجحت حرب الاستنزاف، في نقل جدار الخوف إلى إسرائيل "وصول الجندي المصري إلى خندق الجندي الإسرائيلي وقتله أو أسره" مما دعم صمود المقاتل المصري في الميدان، من دون غطاء جوي وتحت ستر الدفاع الجوي فقط.​

5. أجبرت حرب الاستنزاف، بما أحدثته من خسائر بسلاح الجو الإسرائيلي، على تغيير أسلوب قتالها من الهجوم إلى الدفاع، وكما قال الجنرال الإسرائيلي وايزمان، منتقداً موقف المؤسسة العسكرية الإسرائيلية: إن هذه الحرب سوف تدخل التاريخ، بوصفها الحرب، التي خسرتها إسرائيل.​

6. اضطر السلاح الجوي الإسرائيلي، إلى دفع كل ما لديه من خطط وأساليب وتكتيكات، وكذا استخدام معظم ما يمتلك من أسلحة هجوم جوي حديثة، ومعدات حرب إلكترونية لمواجهة قوات الدفاع الجوي المصري، وهذا سهل لهذه القوات، الوقوف على الإمكانيات القتالية الجوية لإسرائيل، والعمل على إيجاد السبل، وتطوير الوسائل المضادة لمجابهتها والتغلب عليها.​

7. أتاحت هذه الحرب، بما استخدم فيها من قنابل ومقذوفات، ذات قوة تدميرية عالية، لسلاح المهندسين المصري، أن يكتسب خبرة كبيرة في أعمال التجهيز الهندسي، وأن يعيد تصميماته، بما يتلاءم مع قدرات الجانب الإسرائيلي التدميرية.​

8. تمت إعادة تخطيط الحقل الراداري، على ضوء دراسة وتحليل أسلوب، وإمكانيات العدو الجوي، واتجاهات اقترابه، بما يمكن من ملء الثغرات على الارتفاعات المنخفضة، وتعميق مدى الإنذار المبكر.​

9. تم تحسين أداء وحدات المراقبة الجوية بالنظر، وذلك بتكثيف تمركزها في اتجاهات أكثر احتمالاً لاقتراب الطائرات الإسرائيلية، مع تزويدها بأجهزة لاسلكية حديثة، بالإضافة إلى تلسكوبات المراقبة.​

10. تطوير كتائب الصواريخ لتحصينها، ضد أعمال العدو الإلكترونية، وذلك بالاهتمام بأنظمة مجابهة الإعاقة وتطويرها، بالإضافة إلى تزويد هذه الكتائب، بأنظمة تتبع تليفزيونية وبصرية، تكون بديلاً في حالة عجز الرادار عن اكتشاف الهدف.​

11. تحسين وتطوير أسلوب الاشتباك، مع الأهداف الجوية، الحاملة لأسلحة الهجوم الجوي الحديثة، خاصة الصواريخ راكبة الشعاع، من نوع شرايك، والصاروخ المافريك، الموجه تليفزيونياً.​

12. تدقيق خطط تنظيم التعاون مع المقاتلات، وكذا خطط الحماية المتبادلة، بين كتائب الصواريخ في حالة هجوم العدو بكثافة، على ارتفاعات منخفضة.​

13. الاهتمام بخطط الدفاع الأرضي، ضد أي هجمات أرضية محتملة، من جانب العدو.​

14. الاهتمام بتوفير الهوائيات الاحتياطية، وكذا قطع الغيار، بهدف سرعة استعادة موقف المعدات في الميدان، في حالة تعرضها للقذف.​

15. الاهتمام بتحسين أداء الوحدات، على خفة الحركة، وسرعة المناورة.​

وبنجاح قوات الدفاع الجوي، في إنشاء حائط الصواريخ القوي، وتقدمه شرقاً، في اتجاه القناة، قبل لحظات من وقف إطلاق النار، في 8 أغسطس 1970، حدث تحول إستراتيجي في ميزان القوى لصالح القوات المسلحة المصرية، حيث توافر للتجميع الرئيسي للقوات غرب القناة، ولأول مرة غطاء جوي منيع، افتقدته على مدى الحروب السابقة، وأصبحت في وضع، يسمح لها بالتخطيط لعمليات هجومية كبيرة لتحرير الأرض.​

المنطقة الميتة المحيطة بكتيبة الصواريخ: هي تلك المنطقة الدائرية المحيطة بكتيبة الصواريخ، ويُحدد نصف قطرها المسافة، التي لا يتم فيها توجيه الصاروخ بعد إطلاقه، وتسقط بنهايتها المرحلة الأولى من محرك دفع الصاروخ.

zsu23-4.jpg














أسلوب المعارك الجوية المسبقة التدبير يتم باختراق عدد كبير من الطائرات الإسرائيلية في منطقة بعيدة نسبياً عن أقرب قاعدة أو مطار مصري، ويطير عدد قليل من هذه الطائرات، على ارتفاع عالي،والباقي على ارتفاع منخفض غير مكتشف رادارياً، وعند تصدي المقاتلات المصرية للأهداف المعادية العالية تفاجأ بأعداد كبيرة من الطائرات تخل بتوازن المعركة الجوية، وتؤدي إلى خسائر كبيرة، وكان العدو يستخدم أكفأ طياريه، ولكن تم استيعاب هذا الأسلوب وأمكن تفاديه.​



المبحث الخامس

التمهيد لحرب أكتوبر 1973







استكمال البناء ـ أعمال التطوير التي تمت قبل المعركة




يقول هرتزوج، عن حائط الصواريخ: إن نظام الدفاع الجوي المصري، الذي أقيم بالجبهة، عام 1970، لم يكن رداً مباشراً على المشاكل، التي تواجه المصريين؛ لحماية قواتهم غرب القناة، وإنما كان تعبيراً عن تطور إستراتيجي، لم يتم فهمه، إلا بعد ثلاث سنوات، عندما بدأ الهجوم المصري، في 6 أكتوبر 1973.​

وبالرغم من مرارة الهزيمة، في يونيه 1967، لم تتمكن إسرائيل من تحقيق الهدف النهائي للحرب. فلقد أثبتت دراسة الصراعات المسلحة، على مر التاريخ، أن الهدف النهائي لأي حرب، لا يتم تحقيقه إلا من خلال تحطيم القوة العسكرية للخصم، مع تحطيم إرادته على المقاومة؛ لإجباره على الاستسلام. وإن كانت إسرائيل، خلال هذه الجولة، قد نجحت في تحطيم أسلحة ومعدات القوات المسلحة المصرية، فإنها لم تنجح في تحطيم إرادتها.​

فقد أثبت الشعب المصري، وفي طليعته القوات المسلحة، قدرته على تحدي الهزيمة، عندما بدأت مرحلة الصمود، عقب انتهاء الحرب مباشرة، حيث أظهرت هذه الفترة مدى تماسك إرادة القوات المسلحة، من خلال أعمال قتالها الناجحة، في رأس العش، والمعارك التي دارت، في عمق سيناء، وتدمير المدمرة إيلات.​

إن إعداد القوات المسلحة لخوض الجولة الرابعة، من تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي، في الفترة بين 1967-1973، قد مر بأربع مراحل رئيسية، هي:​
BinaryFiles.aspx












1. مرحلة الصمود، من أول يوليه 1967، حتى أغسطس 1968.
2. مرحلة الردع، من سبتمبر 1968، حتى أول مارس 1969.
3. مرحلة الاستنزاف، من مارس 1969، حتى أغسطس 1970.
4. مرحلة وقف إطلاق النار، من أغسطس 1970، حتى حرب أكتوبر 1973.​

شهدت مرحلة صمود القوات المسلحة، مولد مرحلة جديدة في تاريخ تطور الدفاع الجوي المصري، وأدت خبرة قتال حرب يونيه 1967، وأعمال القتال، التي دارت بعدها مباشرة، إلى إدراك أهمية دور القوات الجوية الإسرائيلية، في تحقيق إستراتيجية إسرائيل العسكرية.​

وكان لازماً، عند إعادة بناء القوات المسلحة، أن يكون لديها القوة والوسيلة، التي تمكنها من مواجهة القوات الإسرائيلية وتقليص دور هذه القوات، فكان القرار، بإنشاء قوات الدفاع الجوي، قوة مستقلة وفرعاً رئيسياً من أفرع القوات المسلحة، قد شكل، بصدوره، منعطفاً هاماً وحاسماً في تاريخ تطور الدفاع الجوي، تمثل في تحوله إلى قوة منظمة لأول مرة في تاريخه منذ نشأته.​

لقد شكلت الانتصارات، التي حققتها قوات الدفاع الجوي، في مواجهة القوات الجوية الإسرائيلية، خلال حرب الاستنزاف، نقطة البداية على طريق الإعداد للجولة الرابعة.، وابتداء، من اليوم التالي لوقف إطلاق النار، بدأت قيادة الدفاع الجوي في الإعداد والتحضير لها، بإعداد القادة وهيئات القيادة والقوات، من خلال المشروعات التدريبية المختلفة، والتطوير المستمر لأساليب القتال وتجهيز مسرح العمليات.​

1. اتخاذ القرار باستخدام القوة العسكرية

ومع نهاية عام 1972، ونتيجة لاستنفاد القيادة السياسية، في مصر، كل الوسائل لتحريك القضية سلمياً، تم اتخاذ القرار السياسي، باستخدام القوة العسكرية، بغرض تغيير موازين الموقف السياسي العسكري، في الشرق الأوسط، وتهيئة الظروف المناسبة، لاستخدام باقي قوى الدولة الأخرى.
وتحددت المهمة للقوات المسلحة المصرية، بشن عملية هجومية إستراتيجية، تنفذ بالتعاون مع القوات المسلحة السورية، تقوم فيها بالاقتحام المدبر لقناة السويس، وتدمير خط بارليف، والاستيلاء على رؤوس كبارٍ، بعمق من 10-15 كم شرق القناة، مع الاستعداد لتنفيذ أي مهام قتالية أخرى تُكلف بها.​

2. تحديد المهمة لقوات الدفاع الجوي

وبصدور توجيهات القائد العام للقوات المسلحة، وتحديد المهمة لقوات الدفاع الجوي، بدأت قيادة قوات الدفاع الجوي، في التخطيط لتنفيذها، واضعة، نصب أعينها، العديد من الاعتبارات، كان أهمها:
أ. أهمية الدور الواقع على عاتق قوات الدفاع الجوي في إطار العملية.
ب. ضرورة المتابعة المستمرة لتطور القوات الجوية الإسرائيلية، وفكرة استخدامها المنتظرة في العملية.
ج. طبيعة مهام الأفرع الرئيسية الأخرى، والتشكيلات التعبوية البرية في إطار العملية.
د. طبيعة مسرح العمليات، وتأثيره على أعمال القتال.​

وعلى الرغم من متاعب وخسائر حرب الاستنزاف، فإنها كانت عملاً قومياً وعسكرياً ضرورياً في شتى المجالات، وقد أفرزت خبرات واسعة في مجال التنظيم، والتسليح، ومتطلبات الدفاع الصلب، في مجال الدفاع الجوي، حيث برزت الأهمية الأساسية للأسلحة الصاروخية، التي حققت أروع النتائج، وكذلك أعمال المساندة الإلكترونية الفعالة، وكذلك أسلوب تنظيم التعاون بين عناصر الدفاع الجوي الأرضي، ومقاتلات القوات الجوية، والتي يمكن أن نوجزها في الآتي:​

أولاً: الأعمال الإلكترونية على الجانبين

أتاحت حرب الاستنزاف، لقوات الدفاع الجوي، فرصاً كبيرة في مجال التدريب الواقعي، في ميدان القتال، والوقوف على نقاط القوة والضعف، في السلاح الجوي الإسرائيلي، ومكنت القادة، على كل المستويات، من الاحتكاك المباشر، مع الفكر العسكري الإسرائيلي.​

وأدى هذا إلى دراسات، وتحليلات ميدانية، وأكاديمية، مكنت قوات الدفاع الجوي، من التوصل إلى كثير من الحلول العملية للصعوبات، التي واجهتها، وأهمها التصدي للهجمات الكثيفة على الارتفاعات المنخفضة، وتحت ستر الإعاقة الإلكترونية، بأنواعها المختلفة، وقد استخدم الجانبان الكثير من الأعمال الإلكترونية والأعمال الإلكترونية المضادة.​

1. الأعمال الإلكترونية على الجانب الإسرائيلي

كانت هذه الحرب حقلاً لتجارب، واختبار معدات الإعاقة الإلكترونية، حيث دفعت الشركات الأمريكية المنتجة لتلك المعدات، بالكثير من خبرائها وعلمائها لاختبارها وتطويرها، وقد ساهمت الولايات المتحدة الأمريكية، مساهمة فعالة، وألقت بكل ثقلها، لدعم إسرائيل في هذا المجال، واستغلت ظروف الحرب لاختبار وتقويم الكفاءة الفعلية لهذه المعدات، ومعرفة نتائج استخدامها، وتأثيرها على أجهزة الرادار، ومحطات توجيه الصواريخ سام -2، سام-3.​

كما قامت طائرات من سلاح الجو الأمريكي، بنقل هذه المستودعات الإلكترونية، من خط الإنتاج المباشر بالولايات المتحدة الأمريكية، إلى إسرائيل، مباشرة، وكذا العلماء؛ لكي يكونوا على مقربة من حقل تجارب تلك المعدات. ويمكن القول إن إسرائيل قد استخدمت معظم وسائل الحرب الإلكترونية، المتاحة في ذلك الوقت، وهي:​

أ. الاستطلاع الموجي أو الإشاري Signal Intelligence: SIGINT
ويهدف هذا النوع من الاستطلاع، إلى توفير معلومات فنية، عن أجهزة الرادار واللاسلكي، لتحديد تردداتها، وقدرة الإرسال، وشكل الشعاع، وتحليل هذه المعلومات؛ لتحديد أنسب الوسائل المضادة للتعامل معها، وشل فاعليتها، وقد استخدمت إسرائيل الأنواع الآتية:​

(1) الاستطلاع الإلكتروني Electronic Intelligence: ELINT، من مستودعات محمولة على طائرات.​

(2) الاستطلاع اللاسلكي Communication Intelligence.​

ب. الإعاقة الإلكترونية المساندة Support Jamming

وهي أنظمة تركب في طائرات القتال، بغرض حماية أكثر من طائرة "تشكيل جوي"، في أثناء تنفيذ الهجمات الجوية، وقد استخدمها السلاح الجوي الإسرائيلي، بعدة أساليب، أهمها الإعاقة من بعد Stand Off Jamming، وفيها تكون طائرات الدعم مصاحبة للتشكيل المهاجم، حتى خارج مناطق عمل وسائل الدفاع الجوي.​

وتحمل هذه المستودعات، على الطائرات F-4، وتحتوي بعض هذه المستودعات، على نظم فرعية، لإعاقة الاتصالات والخداع الراداري، ومستقبلات، لتحديد مصادر التهديد وخصائصها، وحاسب متصل بالنظام الملاحي، لتسهيل تمييز الأهداف، وتحديد الأسلوب المناسب لكل هدف، وقد قام السلاح الجوي الإسرائيلي باستخدام الإعاقة، بأنواعها الآتية:​

(1) الإعاقة الإيجابية Active Jamming
ويمكن أن تكون:
(أ) إعاقة ضوضائية.
(ب) إعاقة خداعية أو إعاقة نبضية.
(2) الإعاقة السلبية Passive Jamming.
(3) نظام الحماية الذاتية Self Protection.​

وتمتلك إسرائيل جهاز الإنذار والتحذير، من نوع سام سونج Sam Song، ويركب في الطائرات الفانتوم وسكاي هوك، لتأمينها، وقد استخدم هذا النظام في حرب الاستنزاف، وكان يعتمد على نظام لإنذار الطيار، فعند التقاط الطائرة، بجهاز رادار، إنذاراً، تضيء لمبة إرشاد، وكذا، عند التقاطه بمحطة رادار توجيه صواريخ سام 2 أو سام 3، وعند الإطلاق، وأثناء توجيه الصواريخ عليه، مما يساعد الطيار على المناورة الحادة؛ للخروج من منطقة التدمير، أو الإفلات من الصواريخ، كما يضم النظام مستودعات للإعاقة الإيجابية، وأسلحة الخمد "وايلدويزل" WILD WEASEL، بالإضافة لمستودعات الإعاقة السلبية.​

(4) الصواريخ المضادة للإشعاع الراداري Anti Radar Missile: ARM

وتعتبر من الأسلحة المتقدمة، تكنولوجياً، وتسمى كذلك الصواريخ راكبة الشعاع، حيث يقوم الطيار بالتقاط شعاع الرادار الأرضي، عن طريق الباحث الموجود بالصاروخ، وبعد التعرف على الهدف، يتم إطلاق الصاروخ، الذي يتخذ مساراً داخل شعاع الرادار، ويستمر في الطيران، على امتداد محور الشعاع، حتى يصل إلى جهاز الرادار، أو الهوائيات، ويدمرها.​

وقد استخدم هذا الصاروخ، في حرب الاستنزاف، ضد كتائب الصواريخ، وكان من نوع شرايك أمريكي الصنع، وتم استخدامه في حرب فيتنام، وحصلت عليه إسرائيل من أمريكا، وحدث به الكثير من التطوير، فتم تزويده بدائرة ذاكرة، تمكنه من الاستمرار في التوجيه بآخر معلومات ملتقطة، إذا ما قام جهاز الرادار بإيقاف الإرسال.​

ويواجه الطيار صعوبات، في استخدام هذا النوع من الصواريخ، خاصة في المناطق، التي تتركز بها وسائل الدفاع الجوي، وهذا ما حدث في جبهة القناة، حيث يعتمد طول المدى للصاروخ على ارتفاع الإطلاق، فكلما زاد الارتفاع، زاد مدى الصاروخ، وقد يضطر الطيار زيادة ارتفاعه، حتى يتمكن من الاشتباك، من خارج مناطق عمل الصواريخ، خاصة أجناب التشكيل، أو مواقع الصواريخ غير المحمية، وهذا يتعارض مع مبادئ الاستخدام للطائرات الإسرائيلية، التي تعودت على الطيران المنخفض.​

(5) الطائرات الموجهة من دون طيار

استخدم الجانب الإسرائيلي الطائرات الموجهة، من دون طيار RPV's، للعمل على الجبهة المصرية والسورية، في أغراض الاستطلاع والتصوير، وذلك من خلال طيرانها، خارج مناطق عمل وسائل الدفاع الجوي، إلا أنه لم يستخدمها في أغراض هجومية، وقد أسقطت وسائل الدفاع الجوي عدداً من هذه الطائرات، من نوعي رايان فايربي، شيكار RIAN FIRE-B & SHIKAR .
2. الأعمال الإلكترونية على الجانب المصري

لم يكن لدى الجانب المصري، تصور يذكر، عن الحرب الإلكترونية في حرب 1967، وفوجئ الجميع بأعمال الإعاقة الرادارية واللاسلكية، التي استخدمها الجانب الإسرائيلي، وبدأ التفكير، بجدية، في حل هذه المشكلة الكبرى، التي يمكن أن تكون حجر عثرة، أمام تنفيذ مهام وسائل الدفاع الجوي.
وكانت المطالب في البداية هي:
أ. توفير أجهزة استطلاع إلكترونية، تركب على طائرات مروحية.​

ب. دراسة موضوع التشويش على أجهزة رادار الإنذار، ومحطات رادار توجيه الصواريخ.
ج. إيجاد حل لمشكلة التعارف IFF، بين الأجهزة الأرضية والطائرات، وبين الطائرات بعضها مع بعض، وذلك بتوحيد نظام التعارف. وقد قدمت هذه المطالب إلى الاتحاد السوفيتي، ووافق عليها، وكان ذلك، في نهاية عام 1969.​

وقد بدأ الاهتمام بإيجاد الحلول، واستنباط الأساليب التكتيكية، لمجابهة الأعمال الإلكترونية من جانب العدو، كالآتي:
أ. إتباع الإجراءات الوقائية، مثل: تقييد الإشِعاع الراداري لحرمان العدو من استطلاع ترددات أجهزة الرادار.​

ب. تنظيم العمل على الترددات الاحتياطية، والاحتفاظ بجزء من الترددات، لأغراض العمليات.
ج. تدريب عمال الرادار، على ضبط الشاشات، حتى يمكنهم اكتشاف الأهداف، وسط التداخل الإيجابي والسلبي.​

د. تدريب عمال التتبع بكتائب الصواريخ، على قوة الملاحظة، والمتابعة لشاشات المبينات، خاصة أجهزة الرادار، واكتشاف الأهداف المنخفضة جداً، وسط التداخل والكسرات الأرضية الثابتة.
هـ. تقييد الإشعاع اللاسلكي، بغرض حرمان العدو من استطلاعه.​

وبدأت موضوعات الحرب الإلكترونية تأخذ دورها في التطور والنمو، جنباً إلى جنب، مع باقي أسلحة، ومعدات منظومة الدفاع الجوي، ووصلت إلى مصر، في بداية عام 1970، أول مجموعة من معدات الحرب الإلكترونية، واتخذت مواقع لها بالقرب من القاهرة.​

وبدأت في العمل على استطلاع أعمال العدو الإلكترونية، وكذا تنفيذ أعمال مضادة، إلى جانب تدريب أطقم من المصريين، على التخصصات المختلفة لهذه الأجهزة. ثم تلا ذلك وصول المجموعة الثانية من المعدات، وتمركزت في منطقة القنال، وقد تسلمتها، وقامت بتشغيلها، الأطقم المصرية، بعد إتمام تدريبها عليها.​

وأجرت حرب الاستنزاف السلاح الجوي الإسرائيلي، على استخدام معظم ما لديه من أساليب الاستطلاع، والإعاقة اللاسلكية، والرادارية، وبالرغم من هذا، فإن هذه الأعمال الإلكترونية لم تكن في يوم من أيام القتال، تمثل عائقاً أساسياً لنشاطات وسائل الدفاع الجوي. فقد أدت وسائل الاستطلاع والإنذار مهامها، بنجاح تام، مثلها كمثل باقي الأنظمة، خاصة بعد أن تم تطوير معظم المعدات؛ لمجابهة الأعمال الإلكترونية للعدو، وتتلخص في الآتي:​

أ. تطوير أجهزة رادار الإنذار، وذلك بتزويدها بأنظمة انتخاب الأهداف المتحركة Moving Target Indicator: MTI.
ب. زيادة إمكانيات أجهزة الاستقبال؛ لتقليل وصولها إلى حالة التشبع.​

ج. تدعيم وحدات الرادار والإنذار، وكذا كتائب الصواريخ، بأجهزة رادار حديثة، مثل جهاز ب15، ذات القدرة العالية على اكتشاف الأهداف المنخفضة والقائمة بالتداخل.​

د. تعديل محطات رادار توجيه الصواريخ، بما يمكنها من تقليل تأثير أعمال الإعاقة، وكذا تحديث طرق توجيه الصواريخ، وإمدادها بأجهزة تتبع بصرية وتليفزيونية.​

هـ. الاهتمام بالإخفاء والتمويه، للمواقع الحقيقية، والهيكلية، وتزويد المواقع الهيكلية، بعواكس ركنية تجعلها تبدو كمواقع حقيقية في أثناء عمليات الاستطلاع الراداري.​

و. الاهتمام بخطط إنتاج ستائر الدخان؛ لتضليل أسلحة الهجوم الجوي التليفزيونية.​

ثانياً: تنظيم التعاون

لقد كانت حرب الاستنزاف هي البوتقة، التي تفاعلت فيها كل عناصر القوات المسلحة؛ لتحقيق الهدف المنشود. وفي معركة العبور أكتوبر 1973، كانت قوات الدفاع الجوي، هي القوة الأولى في المعركة، والتي جعلت اقتحام المانع المائي الصعب ـ قناة السويس ـ أمراً ميسوراً للقوات البرية.
وبرزت شبكة الدفاع الجوي المتطورة غرب القناة، كغطاء جوي كثيف، حمل قوات النسق الأول والثاني للجيشين الثاني والثالث، الميدانيين، كما غطت القوات النطاق التعبوي، خلال معارك أكتوبر 1973. كما كانت فرصة الدفاع الجوي، التي أخذت شمولية الدفاع الجوي عن الدولة، والموزعة على المحاور الإستراتيجية الأخرى، أساس استكمال الدفاع الجوي عن الجمهورية.
وقوات الدفاع الجوي هي القوة الأساسية، التي مكنت قوات المهندسين العسكريين، من إعداد ساحات العبور على قناة السويس، وتركيب المعديات والمعابر الثقيلة عبر قناة السويس، وفتح الثغرات في الساتر الترابي شرق القناة، تحت تهديد العدو، وهذا ما جعل طرق العبور ممهدة وسهلة، أمام قواتنا المهاجمة.​

ثالثاً: استكمال البناء استعداداً لحرب أكتوبر 1973

1. توقف القتال ومبادرة "روجرز"
استمرت المواجهات الكبرى، في حرب الاستنزاف، وسارعت الولايات المتحدة، إلى خسائر إسرائيل، بإمدادها بـ 40 طائرة، منها 15 طائرة فانتوم، وكان قد سبق تزويدها بالصواريخ شرايك، خلال عام 1971. وتوقف إطلاق النيران بقبول الطرفين لمبادرة وزير الخارجية الأمريكي روجرز، في 8 أغسطس 1970، لمدة ثلاثة أشهر، وبدأ كل جانب يعد العدة للجولة القادمة.
وكان، من ضمن عناصر تقدير الموقف المصري، للموافقة على إيقاف النيران، أن هذه الفترة ستوفر وقتاً؛ لاستكمال التجهيزات الهندسية لمواقع الصواريخ بالجبهة، وكذلك استكمال تدريب وحدات الصواريخ سام 3 الحديثة التشكيل، على واجب العمليات، ودمجها في تشكيلات قتال قوات الدفاع الجوي، في الجبهة غرب القناة.​

2. التطور في القوة الجوية الإسرائيلية قبل حرب أكتوبر 1973

أ. الحجم

تنفيذاً للعقيدة القتالية، التي أصرت إسرائيل على اعتناقها، وهي التفوق الكمي والنوعي، فقد وصل حجم السلاح الجوي الإسرائيلي، قبل حرب أكتوبر 1973، إلى نحو 540 طائرة قتال، أي أكثر من ضعف ما كان عليه الحجم في 1967، والعدد الأكبر من هذه الطائرات من الطائرات الحديثة، "410 طائرات من الأنواع فانتوم ـ سكاي هوك ـ ميراج". ولم تقتصر الزيادة على الحجم، بل في الكيف كذلك، كالآتي:
ب. القدرة التدميرية

ارتفعت من 250 طناً من القنابل والصواريخ، لطلعة قوات جوية واحدة، عام 1967، إلى 1800 طن، عام 1973م، أي أكثر من 7 أضعاف.​

ج. القدرات الإلكترونية
زُوِدَّت طائرات القتال، بالعديد من الأجهزة والمعدات المتطورة، أهمها:
(1) رادارات الطيران المنخفض، "متابعة الثنيات الأرضية"، وهي تمكن الطيار من ضبط ارتفاع معين للطيران، ويقوم هذا الجهاز، بالتحكم في ارتفاع ثابت للطائرة، مواز لسطح الأرض، أو سطح البحر.
(2) رادارات القصف جو/ أرض، والاشتباك جو/ جو، المزودة بحاسبات إلكترونية تساعد الطيار، على دقة التسديد، عند مهاجمة الأهداف الأرضية، والاشتباك الجوي الآلي بالصواريخ جو/ جو والمدافع.
(3) معدات الملاحة الأرضية، المحمولة في الطائرات، والتي تتكامل في تحقيق وصول الطائرات، إلى أهدافها، من دون خطأ يذكر.
(4) معدات الإعاقة اللاسلكية والرادارية، بإمكانيات تكنولوجية متقدمة، من حيث القدرة العالية، واتساع عرض النطاق الترددي.
(5) نظم الاستطلاع البصري والراداري، وبالأشعة تحت الحمراء، والتصوير الفوتوغرافي، والتليفزيوني.
د. قدرات الخمد وأهمها
(1) الصواريخ راكبة الشعاع، من نوع شرايك وهارم، المضادة للرادار.
(2) الصواريخ التليفزيونية مافريك.
(3) القنابل الموجهة وول آي.
(4) محطات الإعاقة الأرضية، ذات القدرات العالية.
(5) طائرات الاستطلاع والإعاقة الإلكترونية المتخصصة.
(6) أنظمة الإنذار والتحذير "سام سونج".
(7) نظام Wild Weasel "العرسة المتوحشة"، للإعاقة والخمد.
هـ. المدى وقدرة البقاء في الجو

تتميز الطائرات الحديثة، التي امتلكتها إسرائيل، بطول المدى على الارتفاعات المنخفضة، ويمكنها الوصول إلى العمق المصري البعيد، بل أكثر من هذا، كما أن فترة بقائها في الجو طويلة، تمكنها من الصمود في المعارك الجوية، إذا ما قورنت بالمقاتلات الميج 21. وعلاوة على ذلك، يمكنها التزود بالوقود في الجو، حيث تمتلك إسرائيل هذه الإمكانيات، بمساعدة أمريكية.
و. التسليح

اهتمت إسرائيل بتسليح طائراتها، بأحدث الأسلحة، وذلك لتحقيق التفوق، الذي تنشده باستمرار، وقامت باتباع الأسلوب التالي في مجال تسليح الطائرات:
(1) اهتمت بتزويد طائراتها بصواريخ القتال الجوي جو/ جو، من نوع سايد ويندر Side Winder المتطورة، حيث تحقق دقة في الإصابة، وطول المدى، بحيث يمكن إطلاقها من خارج مدى الصواريخ جو/ جو المعادية.​

(2) نظراً لما تتمتع به الطائرات الفانتوم وسكاي هوك، من إمكانيات كبيرة، في الحمولة، فقد زودت بالقنابل ذات الأوزان الثقيلة، زنة ألف وألفي رطل.
(3) اهتمت بتزويد طائراتها، بأسلحة الهجوم الجوي الحديثة، مثل الصواريخ جو/ أرض الموجهة، والقنابل الزعنفية، والزمنية، بالإضافة إلى القنابل الانشطارية.​

ز. مستوى الطيارين والأطقم الفنية

بالرغم من امتلاك إسرائيل لأعداد كبيرة من الطائرات، فإنها كانت دائماً تخطط لمضاعفة المجهود الجوي لسلاحها الجوي، وذلك بزيادة أعداد الطيارين المدربين، تدريباً جيداً، على مهام العمليات، وقد وصلت نسبة الطيارين إلى الطائرات، قبل حرب أكتوبر 1973، إلى ثلاثة طيارين لكل طائرتين، وسبب هذه الزيادة هو تدفق أعداد كبيرة من الطيارين المتطوعين المحترفين اليهود، من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، ممن يحملون الجنسية المزدوجة، بالإضافة إلى الأطقم الفنية عالية الكفاءة، حيث يمكن، بمساعدتها، مضاعفة الطلعات اليومية للطائرة الواحدة.​

وفي مجال التدريب، اهتمت إسرائيل بتدريب الطيارين على مهام القتال المختلفة، حيث توافرت لها خبرات القتال، من ميادين القتال في فيتنام، ومن خلال حرب الاستنزاف، حيث واجهت نفس أسلحة الدفاع الجوي الروسية، التي استخدمتها فيتنام.​

ح. التمركز الآمن

نتيجة لاحتلال القوات الإسرائيلية لسيناء، توافر لإسرائيل عمق إستراتيجي كبير، يصعب معه وصول الطائرات المصرية، قصيرة المدى، إلى قواعد التمركز الرئيسية داخل إسرائيل.
ط. استعواض الخسائر والدعم الخارجي

يستند السلاح الجوي الإسرائيلي، على دعم أمريكي مطلق، حيث يتم استعواض أي خسائر في الطائرات من دون مقابل، ويتم التزود بالأسلحة والمعدات الإلكترونية، بمجرد الحاجة إليها.
هذا بالإضافة إلى وجود الكثير من الخبراء المتخصصين والعلماء، للمساهمة في التخطيط لأعمال السلاح الجوي الإسرائيلي، والعمل على حل أي مشاكل فنية أو تكتيكية، قد تظهر في أثناء العمليات.​

ى. الأساليب والتكتيكات

اتبعت طائرات القتال لسلاح الجو الإسرائيلي، الأساليب والتكتيكات التالية:​

(1) الاقتراب على ارتفاعات منخفضة، ومنخفضة جداً.
(2) استخدام الإعاقة الرادارية واللاسلكية، بكثافة شديدة.
(3) استخدام الصواريخ الموجهة جو/ أرض، وبقية أسلحة الهجوم الجوي الحديثة، ومحاولة إطلاقها من خارج مناطق القتال.
(4) استخدام أسلوب المشاغلة من اتجاه، ثم الهجوم على ارتفاع منخفض من اتجاه آخر.
(5) استخدام الطائرات، الموجهة من دون طيار، بغرض المشاغلة واستنزاف الصواريخ.
(6) استخدام القنابل ذات الأوزان الثقيلة ألف، وألفي رطل، مع استخدام النابالم، فقد استخدمته في أثناء حرب الاستنزاف.​

ك. الدعم الخارجي في مجال المعلومات والاستطلاع

مما لا شك فيه، أن السلاح الجوي الإسرائيلي، على رغم الإمكانيات الكبيرة، التي حصل عليها، فإنه استفاد، بصفة رئيسية، من مصادر المعلومات والاستطلاع الأمريكية، سواء من طلعات طائرات الاستطلاع الإستراتيجية، من نوع SR-71، أو من معلومات الأقمار الصناعية، التي كانت توفر له معلومات فورية، عن أوضاع القوات العربية على مختلف جبهات القتال، وكذا في العمق.​

3. التطور في الدفاع الجوي المصري قبل حرب أكتوبر 1973

استكملت منظومة الدفاع الجوي المصري تطورها؛ استعداداً لمعركة التحرير، بعد أن نجحت في غرس أقوى شبكة دفاع جوي، كثافة وتطوراً، وتوقف التهديد الجوي الإسرائيلي لأهداف في العمق المصري اعتباراً من 18 أبريل 1970.​

وبرزت قيمة وتأثير شبكة الصواريخ غرب القناة، عندما تعمدت إسرائيل تحدي هذه الشبكة في شهري يونيه ويوليه 1970، ونتج عن ذلك تدمير وإصابة نحو 18 طائرة فانتوم وسكاي هوك، وكان يوم 30 يونيه 1970، هو يوم الفخر والمجد لقوات الدفاع الجوي، وما زالت تحتفل به مصر وقوات الدفاع الجوي. وشمل التطور الاتجاهات الآتية:
أ. الحجم

كان حجم الصواريخ المضادة للطائرات، في حرب 1967 وبداية حرب الاستنزاف، حوالي 25 كتيبة، لا تستطيع في أحسن الأحوال إلا مواجهة 10%، من طائرات الهجمة الجوية الإسرائيلية. وقبل بدء الحرب، كان حجم صواريخ الدفاع الجوي قد ارتفع لأكثر من أربعة أضعاف، كما ارتفع حجم وحدات الرادار والإنذار إلى أكثر من الضعف.​

وكان التجميع الرئيسي، لأسلحة وأجهزة الدفاع الجوي، مركزاً في منطقة القناة، من القنطرة غرب حتى ميناء الأدبية جنوب السويس، وبعمق 30 كم غرب القناة، حيث احتلت أكثر من 45 كتيبة صواريخ سام 2 وسام 3، بالإضافة إلى كتائب المدفعية المضادة للطائرات، المختلفة العيار وكتائب المدفعية 23مم الرباعية "الشيلكا"، وكتائب سام 7، وكتائب رادار، وكتائب مراقبة بالنظر، تدار عملياتها المشتركة مع القوات الجوية، من خلال مركز عمليات مشترك.​

كما أنشأت لها غرفة عمليات، على محور منفصل في منطقة بورسعيد الدفاعية، ولكنه مرتبط بشبكة الدفاع الجوي، في نظام الإنذار والتوجيه، لقيادة عناصر الدفاع الجوي عن بورسعيد. هذا بالإضافة إلى أسلحة الدفاع الجوي المخصصة للتشكيلات البرية، والتي تدخل ضمن تنظيم فرق المشاة، والفرق الميكانيكية، والفرق المدرعة، والتي تضم المدافع 23مم الثنائية، والرباعية الموجهة رادارياً، من نوع "شيلكا"، وصواريخ سام 7، والمدفعية المضادة للطائرات 57 مم الموجهة رادارياً، و57 مم الذاتي الحركة مع الفرق المدرعة.​

وأضيف إليها فيما بعد صواريخ سام 6 ذاتية الحركة، التي تم توزيعها على قوات الجيشين الثاني والثالث. كما استقرت وحدات الدفاع الجوي عن عمق الدولة، في كل من القاهرة، والإسكندرية، وأسوان، وباقي العمق المصري، الممتد طولاً وعرضاً.​

ومما لاشك فيه، أن هذه الطفرة الهائلة، في حجم ونوعية الدفاع الجوي المصري، وبعد حساب قدرات الأفرع الرئيسية الأخرى للقوات المسلحة، بين مصر وإسرائيل، نجد أن ميزان القوى كان قد تحول لصالح مصر، عام70/1971، وكان هذا راجعاً إلى إقامة هذه الشبكة الكبيرة للدفاع الجوي وتأثيرها المباشر على أقوى أسلحة إسرائيل، المتمثلة في القوات الجوية.​

ب. النوعية

حدث تطور كبير في نوعية أسلحة الدفاع الجوي، أهمها:
(1) رفع الكفاءة القتالية والفنية لكتائب الصواريخ سام 2؛ لتحسين قدراتها على الاشتباك مع الأهداف المنخفضة، وتحت ظروف استخدام العدو للإعاقة الرادارية وأسلحة الخمد، وزيادة قدراتها على المناورة.​

(2) انضمام أنواع جديدة من الصواريخ، أكثر تطورا، مثل سام 3، وسام 6، وسام 7؛ للتعامل مع الطيران المنخفض.​

(3) وفي المدفعية المضادة للطائرات، دخل إلى الخدمة نظام "الشيلكا"، عيار 23مم الرباعي والمجنزر والموجه رادارياً، كذلك تم إدخال تعديلات لرفع كفاءة المدافع 57 مم .​

(4) دخلت، لأول مرة، أنظمة روسية جديدة للقيادة والسيطرة الآلية، وبالرغم من عدم تطور هذه الأنظمة، فإنها حققت بعض الفوائد، أهمها أنها كانت البداية للتعامل مع نظم القيادة الآلية فيما بعد.
ج. الاستطلاع والإنذار

(1) في الرادار، دخل الخدمة أجهزة حديثة، مثل ب -15، ب -14، ب -11، ب -35، التي حسنت، إلى حد كبير، القدرة على كشف الأهداف المنخفضة والعالية، وكذا دقة الإحداثيات، مما ساعد على رفع كفاءة توجيه الطائرات، وأضاف إمكانيات كبيرة للحقل الراداري.​

(2) إقامة سلسلة طويلة من نقاط المراقبة الجوية بالنظر، على حدود وسواحل مصر، لاكتشاف الطيران المنخفض جداً والتبليغ عنه، وكذا تغطية المناطق والثغرات، غير المغطاة رادارياً.​

(3) ربط وحدات الإنذار بالرادار وسلاسل نقاط المراقبة الجوية بالنظر، بمراكز القيادة المشتركة، من طريق شبكة متكاملة من المواصلات الإشارية الخطية، واللاسلكية، ومتعددة القنوات، محصنة جيداً، ضد أعمال التصنت والإعاقة بأنواعها، مما أدى إلى وصول بلاغات الإنذار إلى الوحدات المستفيدة بأقل زمن تأخير.​

د. التجهيز الهندسي والإخفاء

استكملت التحصينات الهندسية، وخصصت لجميع الوحدات مواقع قتال رئيسية وتبادلية محصنة، وأنشئت عشرات المواقع الهيكلية المتداخلة، وغير المتداخلة، مع المواقع الحقيقية، وهذه المواقع الهيكلية، كان لها دور كبير في امتصاص الكثير من ضربات العدو الجوية.​

هـ. القيادة والسيطرة وتنظيم التعاون

كان، من أهم عناصر تطوير منظومة الدفاع، اكتمال مراكز القيادة المشتركة، التي تجمع بين عناصر الدفاع الجوي الثلاثة، المقاتلات، ووحدات الرادار، ووحدات الصواريخ والمدفعية، وأصبح هذا الأسلوب هو السائد في القيادة والسيطرة، مما أزال الكثير من السلبيات السابقة.
ووفرت هذه المراكز المشتركة رسم صورة حقيقية للموقف الجوي، على جميع الارتفاعات، أمام القادة المناوبين، مما مكنهم من تقدير المواقف، بدقة، وتنفيذ خطط تنظيم التعاون، بين المقاتلات ووسائل الدفاع الجوي، بنجاح كبير، وربما للمرة الأولى، يتم تخصيص المهام للمقاتلات والصواريخ بالمناطق، بل داخل المنطقة الواحدة لتحقيق الاستفادة الكاملة من إمكانيات وطاقات كل العناصر؛ لصد ضربات العدو الجوية.​



المبحث السادس

الدفاع الجوي المصري يخوض حرب أكتوبر 1973





تمكنت القوات المسلحة المصرية، من الحصول على استعواض الأسلحة والمعدات، التي فُقدت في معركة يونيه 1967، ومعارك الاستنزاف، والإمداد بأسلحة جديدة ومتطورة وحديثة، تمت تجربتها ميدانياً، لصالح مصر والاتحاد السوفيتي، بناءً على خبرة ميدان فيتنام، وميدان الشرق الأوسط. وبذا انتقلت مصر، عبر حرب الاستنزاف، إلى استخدام الجيل الجديد من التسليح المتطور، الذي وافق الاتحاد السوفيتي على إمداد مصر به، في أثناء زيارة الرئيس جمال عبدالناصر عام 1970، مثل سام -6، وسام -7، والمدافع 23مم الرباعية الموجهة رادارياً، والطائرة الميج 25.​

وقد أطلق بعض المحللين على حرب أكتوبر 1973 اسم "الحرب المرآة"، أي أنها صورة لما حدث في حرب 1967، ولكن بمباغتة مصرية عربية، وعلى رغم أن الدروس المستفادة من الجولات العربية ـ الإسرائيلية السابقة مكررة تقريباً، وتصور الحقيقة إلى حد بعيد، فإن الحال قد اختلف بالنسبة إلى نتائج حرب 1967، وذلك بسبب قسوة الهزيمة وتعنت الجانب الإسرائيلي وصلفه.​

وبالنسبة إلى الدفاع الجوي المصري، فقد بُذلت الجهود المتواصلة، وكان الإصرار على بناء منظومة متكاملة للدفاع الجوي، تستطيع أن تواجه، وبندية، القوة الجوية الإسرائيلية.​

أولاً: التخطيط لعمليات الدفاع الجوي في حرب أكتوبر 1973

تشكل، في قيادة الدفاع الجوي، جهاز خاص للعملية الهجومية، وبدأ هذا الجهاز يعمل، بالتنسيق مع باقي أجهزة التخطيط، في القيادة العامة للقوات المسلحة، وكان على هذا الجهاز أن يجري التقديرات والدراسات، التي تكفل للخطة النجاح المنشود، وصولاً إلى الهدف المحدد، وهو حرمان العدو من تفوقه الجوي، وتحييد قواته الجوية في مسرح القتال.​

وكان هناك عدد من الحقائق، لا بد من وضعها في الاعتبار، أساساً لضمان واقعية التخطيط، وهذه الحقائق هي:​

1. أن قوات الدفاع الجوي ستتحمل العبء الأكبر، في مواجهة القوات الجوية الإسرائيلية المتفوقة، بكامل قدراتها، وذلك لأن القوات الجوية المصرية، لم تكن قادرة على مواجهة القوات الجوية الإسرائيلية، لقصر مدى طائراتها على توجيه ضربة إلى قواعد تمركز السلاح الجوي الإسرائيلي، وإنزال خسائر ملموسة بطائراته، على الأرض، لتمنع جزءاً كبيراً منها من الاشتراك في المعركة.
وقد ساهم، في تخفيف هذا العبء، بدء العمليات في وقت واحد، على الجبهتين المصرية والسورية، وكذا وضع مركز الإعاقة الأرضية، في أم خشيب بسيناء، على رأس قائمة أهداف الضربة الجوية الأولى، مما ساعد على تخفيف وطأة الإعاقة الإلكترونية، على وحدات الدفاع الجوي، في أيام القتال الأولى.​

2. مواجهة التحدي الكبير، المتمثل في اتساع مسرح العمليات، وذلك بوضع خطة متوازنة تحقق حماية الأهداف الحيوية بالعمق، بكثافة مناسبة، مع المناورة بالقوات والوسائل لتحقيق التركيز المطلوب في جبهة القناة. كما تم تنظيم التعاون مع القوات الجوية، لحماية المناطق والأهداف، التي لا يتوافر لها عناصر دفاع جوية قوية.​

3. أن حسم نتائج المعركة الرئيسية، مع القوات الجوية الإسرائيلية، في منطقة القناة، في الساعات والأيام الأولى، يعتبر أمراً مصيرياً للقوات المسلحة، وفي هذا المجال، راعت الخطة أن يتم تدعيم الجيوش الميدانية، بأكبر قدر ممكن من وسائل الدفاع الجوي، خفيفة الحركة، على أن يتم استعواض خسائرها باستمرار على حساب العمق.​

4. أن قوات الدفاع الجوي يجب أن تكون جاهزة لصد ضربة الإحباط المعادية، أو الهجمات الجوية المركزة من الأوضاع الدفاعية، ثم تتحول بسرعة إلى الأوضاع اللازمة لتحقيق مهمتها الرئيسية في وقاية القوات البرية في أثناء العملية الهجومية.​

5. أن العدو سيحاول، بكل الطرق، تدمير عناصر الدفاع الجوي بالجبهة، أو إسكاتها باستخدام كل الوسائل الإلكترونية والتكتيكية والنيرانية وأسلحة الخمد، في معركة حياة أو موت، يجب أن تخرج منها قوات الدفاع الجوي قوية، قادرة على الاستمرار في القتال، وتنفيذ المهام المكلفة بها.​

6. أن حجم عناصر الدفاع الجوي المتحركة ذات الفاعلية غير كاف لتغطية القوات في المرحلة النهائية للعملية، وقد راعت خطة القوات المسلحة ذلك، عندما حددت شرط تنفيذ هذه المهمة، بتوافر الظروف المناسبة، ومعنى ذلك انخفاض قدرات السلاح الجوي الإسرائيلي إلى الدرجة، التي تكفي فيها هذه العناصر. كما أن قوات الدفاع الجوي خططت لتدعيم الحماية المضادة للطائرات، في هذه المرحلة، باستخدام صواريخ الدفاع الجوي الثقيلة بأسلوب الانتقالات المتتالية.​

ثانياً: إجراءات الدفاع الجوي المصري في حرب أكتوبر 1973

ولمواجهة التحديات السابقة، فإن خطة الدفاع الجوي للعملية، شملت الإجراءات الرئيسية التالية:
1. مواجهة الهجمات الجوية المعادية المتوقعة، خلال الفترة التحضيرية، بتجمعات قوية ومتماسكة ومتكاملة، من مختلف أنواع عناصر الدفاع الجوي، طبقاً للخطة الدفاعية.​

2. عدم إجراء أي مناورة بقوات ووسائل الدفاع الجوي، إلا في آخر وقت ممكن، قبل بدء العملية.​

3. تطبيق مبدأ الحشد في اتجاه المجهود الرئيسي، باستخدام 100% من عناصر الدفاع الجوي المتحركة، في النسق الأول للدفاع الجوي بالجبهة، و40% من الصواريخ المضادة للطائرات، و70% من وحدات المدفعية المضادة للطائرات والصواريخ الفردية سام 7.​

4. المحافظة على سرية ترددات الأسلحة الجديدة، ومنع إشعاعها، إلا مع بدء المعركة.
5. التركيز الشديد على حماية المعابر، بحيث تتوافر حماية لكل معبر، بقدرة صد (' قدرة الصد: هي قدرة وسائل الدفاع الجوي على منع طائرات القتال المعادية، من الوصول إلى منطقة عملها، وتنفيذ مهامها، وقدرة صد واحدة تعني منع طائرة واحدة من تنفيذ مهمتها.') لا تقل عن 12 هدفاً، في وقت واحد، طوال العملية.​

6. انتقال وحدات الصواريخ، في المرحلة الأولى، إلى مواقع متقدمة غرب القناة، تحقق وقاية القوات شرق القناة، حتى عمق 15كم، على الارتفاعات المنخفضة.​

7. انتقال 60 % من وحدات الصواريخ بالجبهة، إلى مواقع شرق القناة خلف الأنساق الثانية للجيوش الميدانية، عند دفعها لتنفيذ المرحلة النهائية.​

8. الاحتفاظ باحتياطي قوي من عناصر الصواريخ المضادة للطائرات، حوالي 15%، يمكن له تدعيم الدفاع بالصواريخ في الجبهة، في خلال ست ساعات، بالإضافة إلى احتياطي بعيد، يشترك في القتال في خلال 24-48 ساعة.​

9. إنشاء حقل راداري مستتر، في الاتجاهات، التي يحتمل فيها تقلص الحقل الأصلي.​

10. توفير جميع عناصر الصمود، لنظام الدفاع الجوي بالجبهة، مع السيطرة الكاملة على الإشعاع، لمنع العدو من استخدام أسلحة الخمد المتيسرة لديه.​

11. تحقيق تنظيم تعاون وثيق، مع القوات الجوية، بتوفير الدفاع عن المطارات المتقدمة، عند احتلالها، والسيطرة على أعمال قتال المقاتلات، من مراكز مشتركة، وذلك بالإضافة إلى مجموعة كبيرة أخرى من الإجراءات، لا يتسع المجال لسردها.​

ثالثاً: الأزيز والهدير بعد الصمت

في تمام الساعة الثانية وخمس دقائق، من بعد ظهر السادس من أكتوبر 1973، عبرت طائرات مصر وسورية خطوط المواجهة، على جبهة قناة السويس، وجبهة الجولان، فعلى الجبهة المصرية انطلقت مائتان وخمسون طائرة مصرية، إلى عمق سيناء؛ لتنفيذ الضربة الجوية المركزة، وكانت تطير على ارتفاع منخفض جداً، يعزف أزيزها الجبار لحن القوة والعزة والفخار لمصر وللأمة العربية، وتبث في المقاتلين على الخطوط الأمامية روحاً وثابة من الأمل والثقة بالنفس.​

فها هي طائراتهم تتقدم صفوفهم، بكل الجرأة والجسارة، لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، متجهة إلى أهدافها، وكان عليها أن تحطم ثلاثة مطارات، وقاعدة جوية، وعشرة مواقع صواريخ هوك، وثلاثة مواقع قيادة وسيطرة وإعاقة إلكترونية، بالإضافة إلى محطات الرادار، ومواقع المدفعية، ومناطق الشؤون الإدارية، وحصون العدو شرقي بور فؤاد.​

ومتزامناً مع الضربة الجوية، هدرت نيران أكثر من ألفي مدفع، على طول الجبهة، تصب حممها على خط بارليف، وأهداف العدو في سيناء، وكان القصف شديداً بحيث سقط على المواقع الإسرائيلية، في الدقيقة الأولى، نحو 10 آلاف و500 دانة مدفعية، بمعدل 175 دانة في الثانية الواحدة.​

واستمر الطوفان، وفي حوالي الساعة السابعة وخمسين دقيقة، كان هناك نحو 80 ألف مقاتل مصري، على الضفة الشرقية للقناة، على مواجهة 170 كم.​

رابعاً: حائط الصواريخ وتوفير الحماية لقوات العبور

مرت الثواني والدقائق مفعمة بالجلال والروعة، ورفرفت أعلام مصر فوق سيناء الحبيبة، وتهاوت حصون خط بارليف، واحداً بعد الآخر، وهدير المقاتلين المصريين: الله أكبر، الله أكبر، يعلو فوق كل الأصوات.​

وبقدر ما كان المشهد صاخباً والمعركة محتدمة، على الضفة الشرقية للقناة، كان هناك صمت وسكون مثير، يخيمان على مواقع الدفاع الجوي، كان الجميع، على كل المستويات، وفي المواقع، في حالة تحفز غريب، فقد اتسعت حدقات العيون، وتركزت الأبصار على شاشات الرادار، وأحكم القادة وعمال اللاسلكي وضع السماعات، وأرهفت الآذان. وكان الانتظار والترقب والقلق خشية أن يتمكن الطيران الإسرائيلي من معاقلهم، في بداية اللقاء، ويحرز المبادأة.​

وفي الثانية وأربعين دقيقة، انتقل صخب المعركة وضجيجها، إلى مواقع الدفاع الجوي، وتمزق الصمت. وارتطمت طائرات العدو بحائط الصواريخ، وانطلقت الصواريخ المضادة للطائرات تزأر، وهي تشق طريقها المحسوب في السماء، وخرجت الطلقات متتابعة من مواسير المدافع، وكأنها سياط متصلة الحلقات من الحديد والنار، وتهاوت الطائرات ذات النجمة السداسية الزرقاء، واحدة بعد الأخرى.​

وهكذا تحقق الهدف المنشود، منذ الدقائق الأولى للمعركة، وتحطمت أسطورة التفوق الجوي الإسرائيلي.​

وأثبت الدفاع الجوي أنه السلاح الأول في معركة العبور العظيم، وأن البطل الأول في هذه الملحمة التاريخية، هو المقاتل المصري، الذي طوع الصاروخ، والمدفع، والأجهزة الدقيقة لإرادته، وكانت حصيلة جهود الأبطال، هي تحييد سلاح الجو الإسرائيلي، خلال معركة العبور.​

وتتابعت أيام القتال بأحداثها ومعاركها المختلفة، عبر مراحل نستعرضها كما يلي:​

1. المرحلة الأولى: الفترة من 6-13 أكتوبر 1973

وهي تمثل الأيام الأولى للعملية الهجومية، التي تم فيها اقتحام قناة السويس، وإنشاء رؤوس الكباري على الضفة الشرقية للقناة وتعزيزها.​

أ. أعمال قتال اليوم الأول (6 أكتوبر 1973)

(1) قام السلاح الجوي الإسرائيلي، الساعة التاسعة صباح يوم السادس من أكتوبر، بطلعة استطلاع جوي بالتصوير بقوة طائرتي فانتوم، وبعمق 20-30 كم شرق القناة، وبارتفاع 15 كم، وذلك بالإضافة إلى طلعتي استطلاع إلكتروني، قبالة الساحل الشمالي من بورسعيد، إلى مرسى مطروح، وبعمق 100 كم إلى الشمال. ويعتقد أن هذا الاستطلاع الساحلي تم بطائرات أمريكية، أقلعت من حاملة طائرات بغرب البحر الأبيض المتوسط.
(2) قام العدو، بأول رد فعل لعبور قواتنا، بضربة جوية، ابتداء من الساعة الثانية وأربعين دقيقة ظهراً، بمهاجمة القوات القائمة بالعبور، واقتربت الطائرات، على ارتفاعات منخفضة بقوة 190 طائرة.
(3) استخدم العدو، الإعاقة الإلكترونية، ولكنها لم تكن مؤثرة، نتيجة لقيام طائراتنا بتدمير مركز الإعاقة الأرضية في سيناء "أم مرجم ـ أم خشيب"، واعتمد العدو على مصادر الإعاقة من المستودعات المحمولة بطائرة الهجمة، التي لم يكن لها نفس التأثير.
(4) ركز العدو هجماته الجوية على المعابر، والقوات القائمة بالعبور مما، عرض طائراته لوسائل الدفاع الجوي، التي تمكنت من تنفيذ مهامها، في توفير حماية جوية كاملة للقوات البرية، وتمكنت من تدمير 15 طائرة إسرائيلية، وإصابة 16 طائرة أخرى.
(5) وهكذا استمرت المعارك، خلال الساعات التالية، العدو يدفع بطائراته هنا وهناك، على طول الجبهة، يبحث عن القوات، التي نجحت في اقتحام القناة، ويحاول ضربها وإعاقتها عن التقدم على الضفة الشرقية للقناة، ويسعى جاهداً لتدمير جسورها ومعابرها، ولكنه يفشل في جميع محاولاته، وتنكسر الهجمات، وتتساقط طائراته.
(6) بعد توقف الهجمات الجوية المعادية، في حوالي الساعة الخامسة مساء 6 أكتوبر، تم تحليل لنتائج أعمال القتال، الذي أوضح، بما لا يدع مجالاً للشك، أن إحراز المفاجأة واتساع القتال على مواجهة واسعة، سبب ارتباكاً شديداً للسلاح الجوي الإسرائيلي، فالطلعات الجوية مرتجلة وغير مخططة جيداً، ومجهود العدو الجوي مبعثر، ولا يتصف بالحسم والتركيز، كما أن مستوى الطيارين أقل كثيراً، مما كان عليه أثناء حرب الاستنزاف.
ولا شك أن العدو اضطر تحت وطأة المفاجأ إلى استغلال ما لديه من الطيارين، في القواعد والمطارات، ولم يسعفه الوقت، بعد، بتجميع طياريه الأكفاء ذوي الخبرة. وخلال اليوم الأول للقتال، وحتى الساعة السادسة صباح يوم 7 أكتوبر، بلغت خسائر العدو حوالي 30 طائرة، وخسر الدفاع الجوي المصري عدداً من الضباط والجنود، سقطوا شهداء في ساحة القتال، ولم يحدث أي خسائر في المعدات.
(7) نتيجة للضربات الموجعة، التي أحدثها الدفاع الجوي المصري، أصدر قائد الطيران الإسرائيلي أوامره، بعدم الاقتراب من القناة إلى مسافة لا تقل عن 15 كم، وهذا يعني هزيمة كاملة ومحققة للقوات الجوية الإسرائيلية.
(8) استمرت الجهود، خلال الساعات المتبقية، لاستكمال خطة الدفاع الجوي، عن الكباري والمعابر على القناة، ومتابعة انتقال العناصر المقرر احتلالها، بمواقعها على الضفة الشرقية؛ لإحكام حماية الكباري والمعابر، ومن جميع الاتجاهات، كذلك تنفيذ انتقالات قواعد الصواريخ لتطوير الوقاية شرق القناة، ومتابعة تنفيذ خطط الخداع والتمويه، واستعادة موقف الذخائر والصواريخ، استعداداً لصد الهجمة الجوية المنتظرة، صباح اليوم التالي للقتال.
(9) خلاصة تحليل نتائج قتال اليوم الأول، كما سجلها قائد الدفاع الجوي "إن الانتصارات، التي حققها الدفاع الجوي المصري، في الساعات الأولى من المعركة، لا تستمد قوتها من أعداد الطائرات الإسرائيلية، التي تم إسقاطها، فهذه الأعداد، بالرغم من ضخامتها، لا تؤثر بشكل حاسم على قوة الطيران الإسرائيلي، وإنما تستمد هذه الانتصارات قيمتها البالغة، من المغزى الذي يكمن وراءها، لما لها من تأثير معنوي خطير، على كلا الجانبين المتحاربين.​

فهي، بالنسبة إلى القوات المسلحة المصرية، دليل أكيد على أن ما حدث في يونيه 1967، لم يتكرر، فلم تبق سماء مصر مجالاً حراً للطيران الإسرائيلي، يعربد فيه كما يريد، وبذلك تسنح الفرصة للجنود المشاة المصريين والدبابات المصرية، ربما لأول مرة، من مواجهة الجنود والدبابات الإسرائيلية، وهي محرومة من مساندة قواتها الجوية.​

أما بالنسبة إلينا، نحن رجال الدفاع الجوي، فتعني هذه الانتصارات مزيداً من الثقة بالنفس، كنا في حاجة إليها في الساعات الأولى للمعركة. أما بالنسبة إلى الجانب الإسرائيلي، فهي تعني اهتزاز ثقة المقاتل على الأرض، والطيار في الجو، وكل الشعب في داخل إسرائيل نفسها".​

ب. أبرز أعمال قتال قوات الدفاع الجوي حتى 9 أكتوبر 1973

(1) في الصباح الباكر يوم 7 أكتوبر 1973، حاول العدو تنفيذ ضربة جوية، ضد القواعد والمطارات المصرية؛ ليكرر ما فعله في حرب يونيه 1967، وقام بالاقتراب على ارتفاعات منخفضة جداً، لمهاجمة عدد من القواعد الجوية الرئيسية في الدلتا والوجه القبلي والبحر الأحمر.
(2) لم تتمكن أجهزة رادار الإنذار من اكتشاف أهداف الهجمة بسبب انخفاضها، واقترابها من اتجاهات مستورة بالجبال والهيئات الطبيعية.
(3) نجحت شبكة المراقبة الجوية بالنظر، في إنذار عناصر الصواريخ والمدفعية والقوات الجوية في الوقت المناسب.
(4) تصدت عناصر الدفاع الجوي المتكاملة، من المقاتلات، والصواريخ بأنواعها، والمدفعية بأعيرتها المختلفة، ولم تتمكن الطائرات الإسرائيلية من تحقيق هدفها، واستمر توفير الحماية لتجميع القوات في الجبهة والعمق.
(5) وكانت نصيحة أمريكا أن تحاول إسرائيل، بكل جهد، تحطيم رؤوس الكباري المصرية، خلال الساعات الأولى، من نهار السابع من أكتوبر، وأن تقوم بتوجيه ضربة قوية ضد حائط الصواريخ، مع تجنب القتال المباشر. وهذا ما حاولت إسرائيل تنفيذه يوم 7 أكتوبر، بعد أن استمعت إلى النصيحة الأمريكية، التي هي، في حقيقة الأمر، خطة أمريكية.
(6) شهد هذا اليوم معارك جوية عنيفة، اشتركت فيها أعداد كبيرة من الطائرات المصرية والإسرائيلية، واستمرت وقتاً طويلاً، لا يتوقعه الكثيرون في المعارك الجوية. ولم يقتصر عمل القوات الجوية على حماية القوات البرية ومعاونة قوات الدفاع الجوي، بل استمرت كذلك في توجيه هجماتها الجوية ضد مواقع العدو في سيناء.
(7) وفي نهاية هذا اليوم، كانت القوات الجوية والدفاع الجوي، قد أسقطت للعدو 57 طائرة، خلال يومي 6، 7 أكتوبر، منها 27 طائرة في اليوم الأول، كما خسرت القوات الجوية 21 طائرة مقاتلة، منها 15 طائرة في اليوم الأول.
(8) استحدث العدو أسلوباً جديداً، في مهاجمة كتائب الصواريخ، وذلك بقصفها بالمدفعية ذاتية الحركة من شرق القناة، مع مهاجمتها بالطائرات في الوقت نفسه.
(9) ركز السلاح الجوي الإسرائيلي، يوم 8 أكتوبر، هجومه على بورسعيد، ودارت معارك شرسة، مع قوات الدفاع الجوي، ووصل عدد الطائرات المهاجمة إلى أكثر من 50 طائرة، وكان سبب هذا التركيز يرجع إلى اعتقاد الإسرائيليين، بأنه يتمركز، في بورسعيد، نوع من الصواريخ الإستراتيجية أرض/ أرض، يمكنها إصابة مدن إسرائيل الرئيسية، باعتبارها أقرب النقاط المصرية إلى مدن إسرائيل.
(10) واستمر الصراع، في سماء بورسعيد، بين القصف الجوي العنيف، وإصرار عناصر الدفاع الجوي بالمدينة، على التصدي للطائرات الإسرائيلية، وتكبيدها خسائر كبيرة.
(11) بدا، واضحاً، منذ الساعات الأولى من صباح 7 أكتوبر1973، أن القيادة الإسرائيلية تضع كل آمالها في قواتها الجوية، لاستعادة الموقف المتدهور لقواتها على الجبهة المصرية، وإيقاف الانهيار، الذي دهم حصون خط بارليف، في ساعات قليلة، وبعد فشل محاولات توجيه ضربات جوية إلى القواعد الجوية والمطارات في العمق، ركز السلاح الجوي الإسرائيلي، على قصف المعابر على القناة، ووسائل الدفاع الجوي عنها، ومهاجمة مواقع الرادار، لإحداث ثغرات في الحقل الراداري.
(12) وشهدت منطقة قناة السويس أعنف وأشرس الهجمات الجوية، في تاريخها الحافل، بالحلقات المتصلة من الصراع، بين القوات الجوية الإسرائيلية، وقوات الدفاع الجوي المصرية.
(13) وقد كانت قوات الدفاع الجوي تعلم أن أمامها، تحديات كبيرة، يتوقف على أدائها فيها، مصير المعركة كلها؛ لذلك حظيت خطط الدفاع الجوي عن الكباري والمعابر، بأكبر قدر من العناية والاهتمام، وحشدت لها كل الإمكانيات، التي تضمن لها النجاح المنشود.
(14) وعلى الرغم من أن التخطيط العسكري، ليس مضمون التنفيذ في الميدان، فإن النتائج الميدانية، لخطط الدفاع الجوي عن القوات، فاقت كل التوقعات، وساهمت بالقدر الأكبر في زيادة خسائر القوات الجوية الإسرائيلية، وقد كان هذا هدفاً أعم، كان على قوات الدفاع الجوي كلها، تحقيقه لهزيمة التفوق الجوي الإسرائيلي المزعوم، وتحطيم الأسطورة.
(15) تم تنفيذ الانتقالات المخططة، لكتائب الصواريخ، لتمثل مواقعها، على مسافة من 1-3 كم غرب القناة لتحقيق الوقاية لقوات نسق أول الجيوش الميدانية، في مواقعها المتقدمة شرق القناة.
(16) استمرت قوات الدفاع الجوي، في توفير الوقاية الكاملة، للقوات شرق القناة وغربها، وكذا للقواعد، والمطارات، والأهداف الحيوية، في عمق الدولة، وذلك بالتعاون مع مقاتلات القوات الجوية. ومع نهاية يوم 9 أكتوبر 1973، كانت القوات المسلحة قد أتمت تنفيذ مهمتها المباشرة،​

تمهيداً، واستعداداً للمهام التالية.
2. المرحلة الثانية: الوقفة التعبوية (10-13 أكتوبر)

بعد أن أتمت الأنساق الأولى للجيوش الميدانية، تحقيق المهام المباشرة، المخصصة لها شرق القناة، توقفت القوات، لمدة 4 أيام "10 - 13 أكتوبر"، حيث تحولت لتعزيز الخط المستولى عليه، وتأمين رؤوس كباري الجيوش، وتعزيز المعابر على قناة السويس.
واستمر السلاح الجوي الإسرائيلي، في أعمال القصف المتتالي للقوات والمعابر، بأعداد كبيرة من الطائرات، وبصفة شبه مستمرة، محاولاً إيقاع أكبر خسائر بها؛ لتثبيتها، توطئة للقضاء عليها، كما قام بعدة محاولات؛ لمهاجمة بعض القواعد الجوية والمطارات؛ بهدف إحداث خسائر بالقوات الجوية المصرية.​

إجمالي الطلعات الجوية، خلال الوقفة التعبوية، نحو 1050 طلعة طائرة، أمكن إسقاط 41 طائرة منها، بوسائل الدفاع الجوي والمقاتلات. وقد أثارت هذه الوقفة التعبوية كثيراً من الجدل والنقاش، وحدث بها الكثير من الأمور، التي يعتقد أنها قد أثرت على مجريات الأمور، في اتجاهات شتى، أبرزها الآتي:​

أ. لم تكن هذه الوقفة فترة سكون، بالنسبة إلى القوات المسلحة المصرية، ولكنها كانت فترة نشاط كبير، يهدف إلى صد هجمات العدو المضادة المتوقعة، من أفضل الأوضاع الممكنة، وقد تكبد العدو خسائر كبيرة، بلغت نحو 500 دبابة، فضلاً عن خسائر الأفراد، وتم استكمال الاستيلاء على كل حصون العدو وقلاع خط بارليف.​

ب. استمرت قوات الدفاع الجوي في صمودها، ونجحت في توفير الحماية المستمرة للقوات المصرية، وقد شكلت بحق المظلة النيرانية والدرع الواقية من الهجمات الجوية الإسرائيلية، ضد قواتنا وأهدافنا، والتي بلغت، حتى نهاية يوم 13 أكتوبر 1973، نحو 2700 طلعة/ طائرة ضد الجبهة المصرية فقط، ركز منها 70% ضد القوات البرية، و7% ضد القواعد الجوية والمطارات، ونحو 20% ضد تجميع الدفاع الجوي المستقل في بورسعيد.​

ج. بدأت الإمدادات الأمريكية تتدفق على إسرائيل، من طائرات إلى دبابات، وأجهزة إلكترونية، وذخائر بأنواعها.​

د. دفع الوضع المتردي للقوات الإسرائيلية، على جبهة القناة، قيادتها العسكرية إلى التفكير في تنفيذ فكرة العبور إلى الضفة الغربية للقناة، وبدأ العمل في تجهيز ثلاث مجموعات قتال لتحقيق هذه الخطة.​

هـ. صدرت الأوامر بتطوير الهجوم شرقاً؛ لتخفيف الضغط على الجبهة السورية، وتم عبور قوات النسق الثاني، من غرب القناة إلى الضفة الشرقية.​

و. في 13 أكتوبر، تم رصد طلعة استطلاع، بطائرتين، يعتقد أنهما من النوع SR-71 الأمريكية تطيران، على ارتفاع أكبر من 20 كم، بسرعة أكبر من ثلاثة أضعاف سرعة الصوت "3 ماخ" وقامتا بالاستكشاف، من بورسعيد شمالاً، حتى جنوب الصعيد، وليس ثمة شك أن ما حصلتا عليه من معلومات، قد أرسل إلى هيئة الأركان الإسرائيلية في حينه، ومكنت هذه المعلومات، إسرائيل من تحديد مواقع الدفاع الجوي، وأوضاع القوات، واكتشاف تحضيرات القوات المصرية، لتطوير الهجوم، وكذلك الفواصل بين التشكيلات.​

3. المرحلة الثالثة: تطوير الهجوم والثغرة ومحنة حائط الصواريخ
بدأت هذه المرحلة، يوم 14 أكتوبر 1973، بهجوم القوات المصرية، وواجهت القوات المصرية مقاومة شديدة من القوات الإسرائيلية، وسارت العمليات على النحو التالي:
أ. عدم نجاح القوات المصرية، في التقدم إلى المضايق، وتعرضها لهجوم إسرائيلي مضاد قوي، في قطاع الجيش الثاني.​

ب. نجحت القوات الإسرائيلية، في دفع مفرزة مدرعة، في اتجاه الجانب الأيمن للجيش الثاني، نجحت في عبور القناة، يوم 16 أكتوبر، وكانت بداية الثغرة.​

ج. بدأت الدبابات الإسرائيلية، أول أعمالها القتالية غرب القناة، بمهاجمة كتائب الصواريخ، وكانت تهاجم كتيبة الصواريخ، بمجموعات من 7 - 10 دبابات تطلق نيرانها، من مسافة كم واحد، وفي بعض الروايات بدبابة واحدة، تدمر الهوائيات وتنتقل بسرعة إلى موقع آخر.​

د. وهكذا نجح الإسرائيليون، ربما بقذيفة دبابة واحدة، من أن تسكت كتيبة صواريخ، وذلك بتدمير مجموعة الهوائيات، وهو ما عجز عن تحقيقه سلاح الجو الإسرائيلي، بما لديه من إمكانيات منذ بدء القتال.​

هـ. بدأت قوات الدفاع الجوي المصري، سلسلة من إجراءات الإخلاء للكتائب المصابة وإعادة تمركز للكتائب الصالحة، لإبعادها عن مرمى أسلحة العدو البرية، وكان، على قوات الدفاع الجوي، أن تعدل من أوضاع القوات، وتستعيد موقف وحداتها، وألا تسمح للعدو، مهما كانت الظروف، أن ينجح، في إحداث ثغرة في شبكة الدفاع الجوي بالجبهة، وهذا ما عبر عنه قائد الدفاع الجوي بقوله "لن نسمح للعدو أن يشق حائط الصواريخ، أو يحدث شرخاً فيه، ولكننا سنقبل أن يتقوس هذا الحائط قليلاً، ليحتوي الجيب الإسرائيلي داخله".​

خامساً: أعمال قتال القوات الجوية الإسرائيلية في حرب 1973

1. دخل السلاح الجوي الإسرائيلي حرب 1973، وهو يمتلك من الإمكانيات، ما يؤهله ليكون من أكفأ القوى الجوية في العالم، بعد القوى العظمى.
2. ركز السلاح الجوي الإسرائيلي، في الأيام الأولى للقتال، على توجيه ضرباته إلى المعابر والقوات القائمة للعبور، مما أعطى فرصة ذهبية لقوات الدفاع الجوي لإحداث خسائر جسيمة بطائراته.
3. حاول شن ضربة جوية مركزة، على القواعد الجوية والمطارات في العمق، ولكنه فشل في تحقيق هدفه، وقامت قوات الدفاع الجوي، بالتعاون مع المقاتلات، في صد هذه الهجمات.
4. ركز السلاح الجوي الإسرائيلي الهجوم على قطاع بور سعيد، وتصدت له وسائل الدفاع الجوي، وأسقطت له العديد من الطائرات.
5. فشل السلاح الجوي الإسرائيلي في تحقيق المفاجأة، في هجماته عند اقترابه على ارتفاعات منخفضة ومنخفضة جداً، بسبب يقظة شبكات المراقبة الجوية بالنظر، ونجاحها في توفير الإنذار لوسائل الدفاع الجوي، وسد ثغرات الحقل الراداري، على الارتفاعات المنخفضة، والمنخفضة جداً.
6. لم تكن أعمال الجانب الإسرائيلي الإلكترونية، مؤثرة على أعمال قتال الدفاع الجوي المصري، بسبب الأساليب والأجهزة المتطورة، التي استخدمت لمجابهة أعمال الإعاقة بأنواعها.
7. لم تحقق الأسلحة المضادة للرادار، مثل الصواريخ شرايك والمافريك أهدافها، بسبب الإجراءات والاحتياطات المضادة، التي اتخذتها قوات الدفاع الجوي المصري للتقليل من تأثيرها.
8. خاض السلاح الجوي الإسرائيلي معارك جوية رهيبة، مع المقاتلات المصرية، وبأعداد كبيرة من الطائرات، وكانت هناك ندية قوية من الجانب المصري، بسبب التدريب الجيد، وتطور عمليات التوجيه لمقاتلاتنا، وكذا تنفيذ خطة تنظيم التعاون مع وسائل الدفاع الجوي، في المنطقة الواحدة، بدقة بالغة.
9. لم تنجح طائرات الجانب الإسرائيلي، في النيل من حائط الصواريخ، إلا بعد تدخل الدبابات، التي دخلت في الثغرة، وأحدثت خسائر في حائط الصواريخ.
10. أخفق السلاح الجوي الإسرائيلي، طوال أيام القتال، في تدمير طائرة مصرية واحدة، وهي جاثمة على الأرض.​

سادساً: الأعمال الإلكترونية خلال حرب أكتوبر 1973

درجت تسمية حرب أكتوبر 1973، بأنها الحرب الإلكترونية الأولى في العالم، ولكن الكثير من الخبراء، وكذا واقع الأحداث، يرى أن حرب الاستنزاف كانت بحق هي الحرب الإلكترونية الأولى في العالم. والأعمال الإلكترونية على الجانبين في حرب 1973، ما هي إلا صورة، لما دار في حرب الاستنزاف.​

قد استخدم الجانب الإسرائيلي، في هذه الحرب، أحدث ما أنتجته الترسانة الأمريكية، من معدات وفنون الإعاقة الإلكترونية، بكل صورها وأشكالها، وتشهد النتائج، التي أحرزتها قوات الدفاع الجوي المصري، في حرب أكتوبر 1973، بأن هذه الإعاقة لم يكن لها التأثير ولا الفاعلية المرجوة منها، وبذلك أمكن لقوات الدفاع الجوي المصري تحقيق المبدأ القائل "إن أي جهاز رادار يمكن إعاقته، وكذلك كل إعاقة يمكن مقاومتها".​

يرجع الفضل، في نجاح قوات الدفاع الجوي المصرية في مقاومة أعمال الإعاقة الإلكترونية، إلى حرب الاستنزاف، حيث أخرج العدو في هذه الحرب، كل ما في جعبته، مما مكن قوات الدفاع الجوي المصري، من استيعاب هذه الوسائل الإلكترونية، وتناولها بالدراسة، والتحليل، واتخاذ الإجراءات المضادة لها، ومن أهمها:
1. إدخال التعديلات الفنية على أجهزة الرادار.
2. اتخاذ أساليب مبتكرة للتمويه، والخداع الإلكتروني.
3. التدريب الطويل والمستمر، تحت ظروف أعمال الإعاقة الإلكترونية المحتملة.
4. أدى القصف المستمر لمراكز الإعاقة الأرضية الإسرائيلية، في أم مرجم، وأم خشيب في سيناء، إلى تقليل ملحوظ في شدة الإعاقة الرادارية، ضد قوات الدفاع الجوي.
سابعاً: الدروس المستفادة لحرب أكتوبر 1973 في مجال الدفاع الجوي
1. أثبتت نتائج المعارك، التي خاضها رجال الدفاع الجوي المصري ضد القوات الجوية الإسرائيلية، بطلان نظرية التفوق الإسرائيلي، التي تقوم على أن التفوق النوعي لإسرائيل، كفيل بهزيمة الكم المتخلف العربي. فلقد أثبت رجال الدفاع الجوي المصري، أن التفوق العلمي والتكنولوجي، والمقدرة على استيعاب الأسلحة الحديثة، وبصفة خاصة الأسلحة الإلكترونية، ليس حكراً على شعب من الشعوب.
2. الدفاع الجوي يمكنه تحييد القوات الجوية، كانت تلك الحقيقة الجديدة، التي أثبتها الدفاع الجوي المصري، في حرب أكتوبر 1973، فقد تمكن الدفاع الجوي المصري، في هذه الحرب، من حرمان السلاح الجوي الإسرائيلي، من التفوق الجوي.
ويقول الجنرال أندريه بوفر، في ندوته، التي عقدها بأكاديمية ناصر العسكرية، في 15 نوفمبر 1973: "لقد أدى توفير الصواريخ المضادة للطائرات لتقديم الوقاية الفعالة للقوات البرية، حتى في غياب الحماية بواسطة الطائرات، إلى خلق موقف جديد تماماً، لم يسبق ممارسته في الحروب السابقة، وأعني به ذلك التوازن بين القوات الجوية لدى الطرفين، والذي خلق موقفاً، يختلف، تماماً، عما لمسناه في الحرب العالمية الثانية، أو في الجولات المصرية الإسرائيلية السابقة، عندما كان أحد الخصوم ينجح في إحراز التفوق أو السيطرة الجوية على سماء المسرح، خلال المرحلة الافتتاحية أو المرحلة الأولى للحرب".
3. وفرت قوات الدفاع الجوي المصري أفضل الظروف للقوات البرية لإجراء تحضيراتها للمعركة وتجهيزاتها في أمان، وذلك بتصديها المستمر لطائرات الاستطلاع المعادية، ومنعها من تنفيذ أعمال الاستطلاع الجوي.
4. أثبتت حرب أكتوبر أن الأسلوب الأمثل في القيادة، هو وحدة القيادة والسيطرة على القوات لضمان استخدام كل الإمكانيات المتوافرة، بناءً على فكرة شاملة لقيادة واحدة، يُجمَّع عندها الموقف بجميع أبعاده، ويتقرر بواسطتها اتجاهات ومهام التشكيلات والوحدات المرؤوسة، علاوة على ما يتيحه ذلك من توفير إمكانيات، اكبر، فيما يختص بالنواحي المختلفة؛ لتأمين أعمال قتال عناصر الدفاع الجوي.
5. غيرت حرب أكتوبر 1973 مفهوم التوازن، بين عناصر الدفاع الجوي، فقد كانت معظم أنظمة الدفاع الجوي، في العالم، تعتبر المقاتلات هي العنصر الرئيسي، في الدفاع الجوي، ويقتصر دور الصواريخ والمدفعية المضادة للطائرات، على أنها عناصر مساعدة لتوفير الدفاع الجوي المباشر، عن بعض الأهداف الحيوية. وانعكس الحال بعد حرب 1973.
وعلى ضوء المفهوم الجديد، حاول بعض الباحثين العسكريين، إيجاد نسب محددة تحقق التوازن بين العناصر المختلفة، وخلص بعضهم إلى أنه ينبغي عند التخطيط للدفاع الجوي، عن هدف حيوي، أن يخصص للمقاتلات تدمير 40% من الطائرات المعادية، وتقوم الصواريخ الموجهة المضادة للطائرات، بتدمير 40%، ويخصص 20% للمدفعية المضادة للطائرات.
وعلى رغم توازن هذه النسب، فإنها يجب ألا تؤخذ على أنها قاعدة ثابتة، لأن النسب قد تختلف من اتجاه إلى آخر، حسب طبيعة الهدف الحيوي، وشكله، وحجمه، ومكانه، وطبيعة الهجمات المتوقعة ضده، كما تختلف النسب عند التخطيط للدفاع الجوي عن القوات البرية، طبقاً لاتجاه المجهود الرئيسي، وطبيعة مسرح العمليات، وقرب أو بعد المطارات، التي تعمل منها المقاتلات.
وفي جميع الأحوال، يجب أن يتم التقدير لكل حالة في إطار من التقويم الشامل، لإمكانيات جميع القوات الجوية المعادية، وتكتيكاتها، وأساليب قتالها.
6. برز، خلال هذه الحرب، أن التقدم التكنولوجي في الأسلحة، أدى إلى وجود نوعية من المعدات، تحتاج إلى كوادر فنية على درجة عالية من التخصص؛ للعمل عليها، وهذا الوضع أثبت، بما لا يدع مجالاً للشك، أن قوة الجيوش لا تقاس بما تمتلك من أسلحة ومعدات متطورة، وإنما تعتمد، في المقام الأول، على العنصر البشري، الذي يقوم على تشغيل هذه المعدات المعقدة، ومدى قدرته على استيعابها، والعمل على تشغيلها وصيانتها.
وقد برز هذا عند الإعداد لبناء القوة الرابعة، وفطنت القيادة، مبكراً، إلى ضرورة توافر الضباط والجنود ذوي الكفاءة العلمية المناسبة. وما تم بعد ذلك، من حشد مئات من المهندسين والفنيين في مجال الإلكترونيات، للعمل على تشغيل وصيانة وإصلاح المعدات الإلكترونية المعقدة، كان له أكبر الأثر، في الحفاظ على الحالة الفنية، طوال المعركة.
7. أثبتت حرب أكتوبر 1973 أنه، بتطوير أساليب الاستخدام الفني والتكتيكي للمعدات، يمكن زيادة قدراتها القتالية، بما يمكن من مجابهة أسلحة أكثر تطوراً، لدى الجانب الآخر، ويغني عن شراء أسلحة جديدة متطورة، إلا في الحالات الخاصة.
8. يمثل التكامل لمنظومة الدفاع الجوي أهمية قصوى لنجاحها، فقد أثبتت المواجهات أهمية كل العناصر، بما فيها المدفعية والصواريخ قصيرة المدى، في التصدي للطائرات المغيرة، وإجبارها إما على الفرار، أو الارتفاع حتى تدخل مرمى الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى.
9. أهمية إعطاء أولوية لتدمير محطات ومراكز الإعاقة الإلكترونية المعادية، قبل بدء القتال والاستمرار في إسكاتها، طوال أيام المعركة؛ لتخفيف الضغط الإلكتروني، على أجهزة ورادارات الدفاع الجوي، كذلك يجب إعطاء أولوية، للتصدي لطائرات الإعاقة، وتدميرها فور اكتشافها.
10. أهمية الاهتمام بشبكات المراقبة الجوية بالنظر، لما تمثله من أهمية حيوية في سد ثغرات الحقل الراداري، على الارتفاعات المنخفضة، أو في ظروف استخدام العدو لأعمال الإعاقة الإلكترونية.
11. ضرورة الاهتمام، بخطط الدفاع الأرضي عن وحدات الدفاع الجوي، خاصة المنعزلة منها، والعمل على توفير عناصر مضادة للدبابات فيها، وكذا احتياطات خفيفة الحركة(' احتياطي خفيف الحركة: قوة `فصيلة/ سرية` من أفراد مدربين تدريباً جيداً على قتال المتسللين أو أفراد العدو، الذين يعملون خلف الخطوط، ومزودين بأسلحة مضادة للدبابات، ووسيلة تحرك وأجهزة اتصال لاسلكية، وتتم السيطرة عليهم من مركز عمليات الوحدة/ الوحدة الفرعية.')؛ لنجدتها عند تعرضها لهجمات برية.
12. ثبت عدم ملاءمة أنظمة الصواريخ المقطورة، للعمل في الدفاع الجوي عن الأنساق الأولى للقوات البرية، بسبب افتقادها لخفة الحركة والمرونة.​

نتابع

:a030[2]::a030[2]::a030[2]::a030[2]::a030[2]::a030[2]::a030[2]::a030[2]::a030[2]:​
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
رد: تاريخ الدفاع الجوى المصرى موضوع كامل

سانتظر ريتما تنتهي من الموضوع
 
رد: تاريخ الدفاع الجوى المصرى موضوع كامل

الفصل الثالث

تطوير الدفاع الجوى


المبحث السابع
التطور العالمي في نظم الحرب الجوية

مما لا شك فيه، أن المواجهة بين طائرات القتال، وعناصر منظومة الدفاع الجوي، تعتبر أعقد المواجهات، على الإطلاق، في ساحات القتال، بما يستخدم فيها من حشد هائل للإمكانيات والأساليب، خاصة التكنولوجية منها، بدءاً من المراقب الجوي، حتى مستوى ما يدور في الفضاء، من أقمار صناعية. وببساطة، فإن متطلبات أي منظومة دفاع جوي، للتصدي لهدف جوي مهاجم، تتلخص في، اكتشاف مبكر لهذا الهدف، وتتبع خط السير، وتخصيص المهمة لأحد العناصر الإيجابية "مقاتلة، أو صاروخ، أو مدفع".

وعلى الجانب الآخر، تحاول الطائرة إلغاء أو إضعاف هذه المتطلبات، بإعاقة الاكتشاف المبكر للهدف، وإضعاف التتبع المستمر لخط السير، مع الهجوم من خارج مناطق عمل العناصر الإيجابية، واستخدام أسلحة الجو الحديثة.

أولاً: اتجاهات التطور العالمي في أسلحة الجو الحديثة: (في مجال طائرات القتال)

1. استخدام تكنولوجيا الإخفاء Stealth

اتجهت التكنولوجيا العالمية، إلى تحقيق أكبر قدر، من إخفاء للطائرات، بأنواعها "مقاتلات، وقاذفات، وهليكوبتر، وطائرات موجهة من دون طيار"، وأسلحة الهجوم الجوي الحديثة، في أثناء الطيران، وأن هذا التكنيك سيقضي على الكم الأكبر من مخاطر وسائل الدفاع الجوي، وستوفر على الطائرة أعباء الطيران المنخفض؛ لتفادي كشف الرادار لها، وكذا تقليل حجم الأجهزة الملاحية وأجهزة الإعاقة، التي كانت ضرورية للحماية، في أثناء الاقتراب.
وتعتمد تكنولوجيا الإخفاء على الآتي:

أ. الهيكل الخارجي
يصمم بأسلوب، يقلل من المقطع الراداري للطائرة، وذلك عن طريق التخلص من الأسطح العاكسة، بإمالة كل التقاطعات، بزوايا تشتت الأشعة الرادارية، وباحتواء الأجزاء الخارجية داخل جسم الطائرة، مثل خزانات الوقود، ومعدات التسليح، بالإضافة إلى التخلص من الزعانف والذيل وجميع الأسطح الرأسية، التي تمثل مساحة كبيرة، وإمالة الأجنحة للخلف بزاوية قدرها 30ه.
أما التصميم الخاص لكابينة الطائرة، فيتسم بالتسطيح التام لها وانخفاضها لأسفل، ويتم إخفاء المحركات، وفتحات العادم، خلف عوارض تمتص الأشعة بزاوية ميل.

ب. الإخفاء الحراري

بالرغم من تركيز الجهود على مفهوم الإخفاء الراداري، فإن الطائرة الخفية مازالت معرضة للكشف، بمستشعرات الأشعة تحت الحمراء، ولذلك فقد تم تطوير مادة الطلاء؛ لتقليل كمية الانبعاث الحراري لها، مع العمل على خفض درجة حرارة الأجزاء الخارجية للتخلص من حرارة المحرك، وذلك بتشتيت حرارة جسم المحرك، بنظام تبريد حديث، يكفل القضاء على الحرارة المنبعثة من جسم المحرك، وذلك بتشتيت العادم لأعلى.

ج. الإخفاء الإلكتروني

العمل على تجهيز الطائرة بوسائل إلكترونية للاتصالات، والملاحة الجوية، ولتوجيه الطائرة، وتوجيه مقذوفاتها، ومن ثم فإن هذه الوسائل تبث طاقة كهرومغناطيسية، تؤدي إلى إمكانية استطلاعها بالوسائل السلبية، وقد تمت معالجة هذا الأمر بالآتي:

(1) تقييد استخدام المعدات الإلكترونية قدر الإمكان.
(2) تجهيز الطائرة بالمعدات الحديثة، التي تعمل بالأسلوب الرقمي التشفيري.
(3) تزويد الطائرة بأجهزة إخفاء وخداع إلكتروني؛ لتضليل وسائل الدفاع الجوي والقوات الجوية.
د. الإخفاء البصري
ويتم ذلك، بمحاولة تعمية وسائل الرؤية البصرية، لوسائل الدفاع الجوي المعادية، سواء بالنظر، أو بالتلسكوبات، أو بالكاميرات التلفزيونية، عن طريق تقليل درجة تباين لون الطائرة عن الخلفية المحيطة بها.

وقد استخدمت الطائرة الشبح Stealth F-117 في حرب الخليج في نطاق ضيق، وذلك لفتح ثغرات في الحقل الراداري العراقي، وحققت نجاحاً كبيراً، وفي ضوء هذا النجاح، بدأ الإسراع في تصنيع الجيل الجديد، من هذه الطائرات Advanced Tactical Fighter ATF، وأبرز النماذج الموجودة هي الطائرة YF-22، التي يمكن أن تكون المقاتلة التكتيكية المتطورة للقوات الجوية الأمريكية، خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين.

وامتد التطوير إلى استخدام المحركات، ذات السرعات الفائقة، وهو جيل جديد من المحركات يمكنه تحقيق معدلات سريعة للوصول بالسرعات الفوق صوتية المطلوبة في أزمنة قياسية، من دون استخدام الحارق الخلفي، مما يقلل استهلاك الوقود، ومن ثم زيادة مدى الطيران، كما أن البصمة الحرارية لهذه المحركات ضعيفة، مما يقلل تعرضها للإصابة بالصواريخ الباحثة عن الحرارة، وهذا المحرك من نوع F-119.

وتتضح نقاط القوة في هذا النوع من الطائرات، في صعوبة اكتشافها بواسطة أجهزة الرادار، التي تعمل في الحيز الترددي الميكروويفيMicrowave Frequency Band ، والقدرة العالية على مهاجمة الأهداف، في العمق، من دون أن يتوافر لأنظمة الدفاع الجوي الزمن الكافي للإنذار، مع إمكانية العمل في كل الأجواء والتزود بالوقود في الجو.

أما نقاط الضعف، فتتمثل في تكاليف إنتاج باهظة جداً، وحجم ووزن كبيرين، مقارنة بالطائرات الأخرى، وكذلك احتياج هذا النوع من الطائرات، إلى عدد كبير من أطقم الخدمة الفنية، والمعدات الخاصة.

2. القدرة على العمل في كل الأجواء

أحدث التقدم، الذي أمكن تحقيقه، في مجالات الأشعة تحت الحمراء، والليزر، والرادارات الميلليمترية، ونظم الملاحة الفضائية، ونظم الملاحة بالقصور الذاتي، دوراً كبيراً في تطور الأنظمة الملاحية، ذات الكفاءة العالية في الأداء، بجميع الأجواء نهاراً وليلاً، وظهرت أجيال جديدة من أنظمة القذف والتوجيه لأسلحة الهجوم الجوي الحديثة

3. القدرة على القتال الجوي

تطورت تكنولوجيا صناعة طائرات القتال ،وذلك بإنتاج طائرات حديثة، ذات قوة دفع عالية، تعطي معدل تسلق عالياً، وقدرة فائقة على المناورة، بالإضافة إلى تطوير إمكانيات الكشف والتتبع للأهداف الجوية المعادية، مع توفر العديد من أنواع التسليح؛ للتعامل مع هذه الأهداف، خاصة الصواريخ جو/ جو، التي تطورت تطوراً كبيراً، من حيث المدى وطرق التوجيه.

4. توافر قدرات الحرب الإلكترونية

ساعد التطور الهائل، في مجال الإلكترونيات، على تزويد طائرات القتال، بوسائل حديثة للحرب الإلكترونية، بهدف توفير الحماية الذاتية لطائرات القتال، ضد وسائل الكشف الراداري لأنظمة الدفاع الجوي المختلفة، وإجراء الإعاقة الإلكترونية، على نظم توجيه الصواريخ المضادة للطائرات أرض/ جو.
5. القدرة على التزود بالوقود جواً

أدى هذا التطور إلى زيادة مرونة استخدام الطائرات في العمليات، بزيادة زمن وجودها في الجو، وكبر مدى عملها، مما يسهل لها اتخاذ طرق اقتراب بعيدة لتحقيق عنصر المفاجئة.

6 .اتجاهات التطور في طائرات الهليكوبتر

أ. زيادة القدرة التدميرية للهليكوبتر المسلحة، وذلك بتزويدها بأسلحة متنوعة مضادة للدبابات، ومضادة للغواصات، وصواريخ جو/ جو، وجو/ سطح.

ب. تقليل المقطع الراداري، من خلال تغيير الهيكل الخارجي، واستخدام مواد خاصة تمتص وتشتت الإشعاع الراداري.
ج. استخدام المراوح المصنوعة من المواد المركبة، لتحسين الأداء وتقليل البصمة الصوتية والحد من استهلاك الوقود.

د. التوسع في استخدام تكنولوجيا المراوح القابلة لتغيير الاتجاه، بهدف الجمع بين خصائص التحليق العمودي، وقدرات الطيران المستوي.

هـ. تقوية الهيكل الخارجي، باستخدام سبائك ومكونات حديثة؛ لزيادة متانة الطائرة، مع الاحتفاظ بخفة الوزن.

و. التوسع في إنتاج الهليكوبتر، من دون مروحة الذيل No Tail Rotor: NOTAR، بما يساعد على خفض الضوضاء، وزيادة كفاءة الأداء والقدرة على المناورة.

7. اتجاهات التطور في الطائرات الموجهة من دون طيار RPV's

تعتبر الطائرات الموجهة من دون طيار، من أبرز أنواع الأسلحة، التي دخلت إلى ساحات القتال في الآونة الأخيرة. وقد بدأ استخدامها، في الحرب الفيتنامية الأمريكية، عام 1964، في مهام تدريب واستطلاع محدودة. وتستخدم هذه الطائرات، ضمن نظام متكامل للقيادة والسيطرة على كل المستويات، بصفتها أحد أهم مكونات منظومة المعلومات. ويتم تطويرها باستمرار؛ لاشتراكها في تنفيذ معاونة أعمال قتال الأفرع الرئيسية، على المستويات المختلفة. وشملت اتجاهات التطور: الهيكل، والمحرك، والوسائل الملاحية المتطورة المزودة بها، مثل نظام الملاحة باستخدام الأقمار الصناعية GPS، وزيادة المدى والسرعة، وقابلية التجهيز، واستخدام محطات توجيه متعددة أرضية/ جوية/ بحرية.

وكذلك، شمل التطوير ظهور جيل جديد من الهليكوبتر، الموجهة من دون طيار، تتميز بالقدرة على الإقلاع والهبوط العمودي.

8. اتجاهات التطور في أسلحة الهجوم الجوي

حدثت طفرات كبيرة، خلال السنوات القليلة الماضية، في نظم التسليح، بتطبيق تكنولوجيا الذكاء الصناعي، وذلك بإنتاج جيل من الأسلحة الذكية، لها القدرة على العمل، ذاتياً، على مسافات كبيرة، ومن خلال تكنولوجيا التعرف على الأهداف وتميزها. ومع تطوير تكنولوجيا المستشعرات، يمكن تدمير الأهداف، بأقل كمية من المقذوفات. وتتميز هذه الأسلحة الذكية، باستخدام أنواع مختلفة من المستشعرات، في آن واحد، مما يجعل إعاقة هذه الأسلحة أمراً صعباً. وشمل التطوير الأسلحة الآتية:

أ. الأسلحة الموجهة رادارياً
وفي هذا المجال، تم تطوير الصواريخ الموجهة جو/ سطح، بتزويدها بنظام توجيه راداري إيجابي، خلال المرحلة الأخيرة من الطيران؛ لزيادة دقة تدمير الأهداف.
ب. الأسلحة الموجهة تليفزيونياً
مثل القنبلة الأمريكية GBU-15، والصاروخ الأمريكي AGM-130.
ج. الأسلحة الموجهة بالأشعة تحت الحمراء
وتعتمد هذه الأسلحة على استخدام تكنولوجيا الأشعة تحت الحمراء.
د. الأسلحة الموجهة بالليزر
وفي هذا المجال، يتم تركيب مستشعر ليزري، في الصاروخ، يقوم باستقبال شعاع الليزر المنعكس من الهدف، بعد إضاءته، إما من الطائرة الأم، أو من طائرة أخرى، أو عن طريق زرع مصدر إشعاع في الهدف.
هـ. الأسلحة الموجهة ذات الأنظمة الملاحية الذاتية والفضائية:
مثل القنبلة JDAM، والصاروخ AGM-154JSOW
9. اتجاهات التطور في الصواريخ أرض/ أرض

أ. الصواريخ الباليستية
منذ أن دخلت الصواريخ الباليستية حلبة التنافس، بين الدول العظمى، أصبحت تمثل أحد المعضلات الرئيسية لأسلحة الدفاع الجوي، بسبب مساراتها المدارية، ذات الارتفاعات العالية جداً، وسرعاتها الفائقة، التي قد تصل إلى 8 ماخ، وأنتج منها أنواع كثيرة ذات مدى، يصل إلى آلاف الأميال، وتستطيع حمل أسلحة التدمير الشامل، وكل ذلك سانده تدخل تكنولوجيا الحاسبات الإلكترونية، في اختزان المعلومات اللازمة لإحكام عملية التوجيه والتحكم، وأهم اتجاهات التطوير تتلخص في الآتي:
(1) زيادة المدى، عن طريق استخدام أنواع متطورة، من الوقود الصاروخي، وزيادة عدد مراحل الدفع.

(2) تطوير نظم التوجيه؛ لزيادة دقة الإصابة.

(3) تقليل المقطع الراداري لتفادي الاكتشاف الراداري المبكر.

(4) زيادة القدرة التدميرية للرأس المدمرة.

وقد أحرزت إسرائيل تقدماً، في برنامجها لإنتاج الصواريخ الباليستية، الذي بدأته في الستينيات، على أساس تكنولوجيا الصواريخ الفرنسية MD-660, MD-620، والتي تم، من خلالها، تطوير الصواريخ "أريحا 1، 2، 3"، التي وصل أقصى مدى لها، إلى نحو 2700 كم، والصاروخ "شافيت"، الذي وصل مداه إلى 4500-7500 كم، واستخدمته إسرائيل في إطلاق أقمارها التجسسية "أوفيك" OVIC إلى الفضاء.

هذا بالإضافة لمشروع سري، تجريه إسرائيل لتطوير صاروخ كروز، يصل مداه إلى 3 آلاف كم، ذي أربع فوهات. وقد قامت إسرائيل، في مايو 2000، بتجربة لإطلاق صاروخ "أريحا-3" من غواصتها الألمانية الصنع، "دولفين" Dolphine، في منطقة من المحيط الهندي قريبة من السواحل الهندية، وأصابت هدفاً، على مسافة 1584كم، وهو ما يعني امتلاك القدرة على توجيه الضربة الثانية من البحر، في حالة تعرض المنشآت النووية للضربة الأولى.

ب. تطور الصواريخ الطوافة Cruise Missiles
تعتبر من الأسلحة الهجومية ذات الفاعلية العالية، لمهاجمة الأهداف الحيوية في العمق، وتتلخص مراوغتها لأسلحة الدفاع الجوي، في اقترابها على ارتفاعات منخفضة جداً، مع صغر مقطعها الراداري، ويتم إطلاقها من:

(1) طائرات القتال Air Lunched Cruise Missile: ALCM
(2) الغواصات Submarine Lunched Cruise Missile: SLCM
(3) سفن السطح Sea Lunched Cruise Missile
(4) منصات إطلاق أرضية Ground Lunched Cruise Missile: GLCM

وتتلخص اتجاهات التطوير في:
(1) تقليل حجم البصمة الرادارية، مع القدرة على الطيران، على ارتفاعات مخفضة جداً، أقل من "20 متر"، بسرعة 250 متر/ ثانية، مما يجعل اكتشافه وتدميره أمراً صعباً.
(2) يطير الصاروخ، بمحرك نفاث مروحي توربيني Turbofan صغير الحجم، مما يزيد مدى الصاروخ، بحيث يمكن إطلاقه من خارج مناطق قتال وسائل الدفاع الجوي.
(3) يعتمد الصاروخ على نظم توجيه متطورة، باستخدام نظام مقارنة تضاريس الأرض Terrain Contour Matching System.
(4) يتم استخدام رادار ليزري، في نهاية خط السير؛ لزيادة كفاءة ودقة توجيه الصاروخ عند مهاجمة الأهداف المتحركة.

(5) يمكن الصاروخ حمل رؤوس تقليدية أو نووية.
(6) ذو تكلفة منخفضة نسبياً، إذا ما قورن بالصواريخ الباليستية.
(7) يتميز بانخفاض التعرض لأسلحة الدفاع الجوي.
10. الاتجاهات العالمية لتطوير نظم الحرب الإلكترونية
أخذت الحرب الإلكترونية اهتماماً كبيراً، لدى الجيوش الحديثة، وقد ساعد، على ذلك، التطور المذهل في مجال الإلكترونيات، وتمثل الوسائل الإلكترونية المحمولة جواً، أحد أهم التهديدات، التي تواجه أسلحة الدفاع الجوي، في شتى الاتجاهات، مثل العمل على التغلب على القفز الترددي، وتطوير معدات تحديد الاتجاه، للقيام بهذه المهمة، في أقل وقت ممكن، "500 ميكرو ثانية"، كذلك شمل التطوير أنظمة الاستطلاع الإلكتروني بالصورة، بحيث يتم نقلها بسرعة فائقة، من مكان التقاطها، إلى أي جهة مستفيدة، في أقل وقت ممكن، وبوسائل اتصال متنوعة "ميكروويف، أو تليفون، أو أقمار صناعية".

اتجه التطوير إلى وسائل الإعاقة على المستقبلات، ومقاومة أعمال الإعاقة المضادة. ومن أهم اتجاهات التطوير ما يلي:
أ. الاستطلاع الإلكتروني.
ب. الإعاقة الإلكترونية.
ج. نظم الحماية الذاتية للطائرات.
د. الصواريخ المضادة للإشعاع الراداري.

11. حرب نظم المعلومات

إن ما يعرف بحرب نظم المعلومات، يمثل، في الحقيقة، أكثر المعضلات تحدياً، ليس للدفاع الجوي فحسب، بل لنظم القيادة والسيطرة على كل المستويات.
لأن جميع الأنظمة العسكرية تتعامل مع المعلومات، إلكترونياً بالحاسبات، وأجهزة الاتصالات، والرادارات الإلكترونية، فإن من الممكن، استخدام المعلومات في عمليات التأثير على الأنظمة الإلكترونية المعادية، في مراكز القيادة والمعلومات، وإدخال الفيروسات إلى شبكات الحاسبات، ناهيك عن إمكانية التدخل على وسائل قيادة النيران، وأنظمة ملاحة وتوجيه الطائرات والصواريخ بغرض تضليلها. ومن المتوقع، أن يواجه الدفاع الجوي المصري، بمثل هذه الحرب من الجانب الإسرائيلي، اعتماداً من الأخير على مبادئه في التفوق الكيفي على الجانب العربي، كالآتي:
أ. نظراً لتوقع الجانب الإسرائيلي لاستمرار الجيوش العربية، في تطوير قواتها والأخذ بتكنولوجيا العصر، عند التزود بالأسلحة والمعدات، فمن المنتظر أن ينفذ السلاح الجوي الإسرائيلي أعمال إعاقة متطورة ضد وصلات نقل المعلومات، بين طائرات الإنذار المبكر AWACS-E-2C والمراكز الأرضية، وكذلك ضد وسائل المواصلات اللاسلكية متعددة القنوات، والنظام الآلي؛ بغرض شله وإرباكه، باستخدام وسائل أرضية.

ب. محاولة إتلاف نظام الحاسبات الخاص بمنظومة القيادة والسيطرة الآلية، باستخدام فيروسات الكمبيوتر.

12. التكنولوجيات الحرجة

تتضح الملامح الرئيسية لإستراتيجية التطوير التكنولوجي، في دراسة، قامت بها وزارة الدفاع الأمريكية، لأهم التكنولوجيات الحرجة، والتي تعتبر أساسية لتطوير الأجيال الحديثة، من نظم الأسلحة والمعدات الحربية بأنواعها المختلفة، وقد حصرتها في 22 تكنولوجيا أساسية. وقد أفادت الدراسة أن إسرائيل تعمل، في عشرة منها، حققت فيها مستويات متقدمة من البحث، أما الباقي، فلازالت دون ذلك. وهذه المجالات العشرة هي:

أ. إنتاج برامج الحاسبات والمشغلات الدقيقة Fine Software Production
ب. الذكاء الصناعي/ الروبوت Intelligence Machine or Robot
ج. المستشعرات ذات الحساسية الفائقة Super Sensitive Sensors
د. التمييز الآلي للأهداف Automatic Target Recognition
هـ. المصفوفات المتراصة Phased Arrays
و. السيطرة من خلال البصمة Signature Control
ز. المحركات متنفسة الهواء Air Breathing Propulsion
ح. المقذوفات فائقة السرعة Hypervelocity Projectiles
ط. المواد المركبة Composite Materials

ثانياً: التطور العالمي في وسائل الدفاع الجوي

مهما اجتهدنا، في إيجاز واختصار ما لحق بأسلحة الجو، وباقي التكنولوجيات العسكرية، من تطور كبير ومتواصل، طوال الوقت، مما يعظم من التحديات، التي يمكن أن تواجه وسائل الدفاع الجوي، في مطلع الألفية الثالثة، وقد أدى التقدم الكبير، في علوم وتكنولوجيا الفضاء، إلى ظهور تقنيات متطورة في مجال صناعة الطائرات، وما تبعه، من ظهور أجيال جديدة، من طائرات القتال، على درجة عالية من الكفاءة والإمكانيات، التي تمكنها من العمل بكل الظروف، والاختراق العميق لأراضي الخصم.

من هذا المفهوم، تطورت وسائل الدفاع الجوي تطوراً كبيراً ومستمراً، بزيادة فاعليتها، حتى يمكنها مواجهة التطور في وسائل أسلحة الجو الحديثة، وأصبح التسابق، في التطور بينهما، أمراً محتوماً، بهدف تحقيق التوازن، ومنع أحدهما من التفوق على الآخر، وتتجه ملامح هذا التطور إلى الآتي:
1. وسائل الاستطلاع والإنذار
أ. التوسع في استخدام الرادارات بعيدة المدى، والتي تستخدم للكشف فيما وراء الأفق، والتي تعمل بنظرية التشتت الخلفي، وتعمل هذه الأجهزة في النطاق الترددي العالي، والعالي جداً، ومنها الرادار الأمريكي FPS-1/8.

ب. ظهور جيل جديد، من أجهزة الرادار النبضية، ذات نطاق ترددي فائق الاتساع، وتعتمد هذه التكنولوجيا على أن النبضة المرسلة تحتوي، في داخلها، على ترددات مختلفة، وتتفاوت أطوال موجاتها، تفاوتاً هائلاً، من الأطوال متناهية الصغر، حتى الموجات الطويلة جداً. ومن هنا، يمكن لهذه الأجهزة، أن تتعامل بكفاءة مع الطائرات المصممة بتكنولوجيا الإخفاء.

ج. استخدام أجهزة الرادار متعددة المواقع، التي تستخدم تكنولوجيا التحكم، في اتجاه الهوائيات وتوليد الأشعة المتعددة، وفي استخدام الحاسب الآلي في التحكم، كذلك في زيادة إمكانية معالجة الإشارات.

د. استخدام تكنولوجيا المصفوفات الإيجابية، والتي أثمرت إنتاج الرادار التوافقي، متعدد المهام، ذي المسح الإلكتروني .

هـ. من المتوقع، التوسع في إنتاج وتطوير أجهزة الكشف السلبي PDS، باستخدام المستشعرات السلبية، بأنواعها المختلفة الحرارية، والإشعاعية البصرية، والسمعية، وذلك من خلال منظومة متكاملة للمراقبة الدولية، في جميع الأجواء، وفي كل الظروف.

و. استخدام أجهزة الرادار المحمولة في منطاد جوي، وهو عبارة عن جهاز رادار إنذار خفيف يحمل في منطاد، ويحلق على ارتفاع من 3-5 كم، ويثبت في الأرض، ويرتبط مع معدات الموقع الأرضي، عن طريق مجموعة من الكابلات؛ لنقل إشارات التحكم وإشارات الأهداف الجوية الملتقطة، وكذا توصيل القدرة الكهربية اللازمة للتشغيل.

ز. تطوير الأنظمة الرادارية المحمولة جواً، وذلك باستخدام أجهزة رادار أكثر تطوراً، مع استخدام طائرات أحدث، ذات إمكانيات أعلى، من حيث السرعة، والارتفاع، والمدى؛ لحل تلك الأنظمة.

ح. التوسع في استخدام الأقمار الصناعية، في الإنذار المبكر عن الأهداف الجوية، من طائرات، وصواريخ بالسيتية أرض/ أرض، وذلك باستخدام الرادار الفضائي، أو الأشعة تحت الحمراء، بالإضافة إلى أنظمة التحليل المتقدمة. وتسبح هذه الأقمار، في مدارات متزامنة، تضمن عملية استمرار المراقبة، طوال 24 ساعة.

ط. التوسع في استخدام المرسلات الخداعية، مع أجهزة الرادار الأرضية؛ لاجتذاب الصواريخ المضادة للإشعاع.

2. اتجاهات التطور في الصواريخ الموجهة أرض/ جو بعيدة ومتوسطة المدى
استمر التطور لهذه الصواريخ، في عديد من المجالات، أهمها: زيادة السرعة والمدى، كذلك يتم تطوير مستمر في أسلوب التوجيه، وزيادة القدرة على المناورة، لإمكان متابعة القدرات المتنامية لطائرات القتال الحديثة، والارتفاع والسرعة الكبيرين للصواريخ الباليستية، خاصة في مراحل الطيران النهائية، عند اقتراب الصاروخ من هدفه، ويمكن إجمال هذه الاتجاهات فيما يلي:
أ. الاهتمام بتطوير وسائل الاستطلاع والمراقبة الجوية، بإنشاء حقل راداري يحقق مطالب جديدة، ويكون قادراً على رسم صورة للموقف الجوي، على جميع الارتفاعات، بدءاً من المنخفضة، والمنخفضة جداً، إلى الارتفاعات العالية، والعالية جداً "المدارية"، والتي تطير عليها الصواريخ الباليستية، وأن يكون محصناً ضد الأعمال الإلكترونية بأنواعها ،وهذا يحتم استخدام مزيد من الأنظمة البصرية والكهروبصرية، كذلك يجب الاعتماد على معلومات الأقمار الصناعية، وطائرات الإنذار المبكر، وغيرها من الوسائل.

ب. زيادة الإمكانيات للاشتباك بالصواريخ الباليستية والطوافة، وكذا الأهداف، التي تطير على ارتفاعات منخفضة جداً، بزيادة إمكانيات الصاروخ، من حيث المدى، والقدرة على المناورة.

ج. تطوير طابات ذات درجة حساسية عالية جداً ،والاعتماد على تطوير نظم التوجيه السلبية.
د. التوسع في استخدام حاسبات خاصة؛ للتعامل مع الكم الهائل من البيانات والمعلومات، في جميع مراحل عمل النظام.

هـ. زيادة القدرة على مواجهة أساليب الحرب الإلكترونية المختلفة.

و. تطوير أنظمة مزدوجة المهام، لها القدرة على الاشتباك مع الصواريخ الباليستية، والأهداف الجوية الأخرى
ز. ومن أبرز أنواع الصواريخ الموجهة أرض/ جو بعيدة المدى، الصاروخ الأمريكي باتريوت PATRIOT، ويجري تطوير أنظمة جديدة مثل: ثاد THAAD، وإيريز ERIS، وهيدز HEDZ، وإرينت ERINT، والصاروخ الإسرائيلي ـ الأمريكي أرو ARROW، والروسي S-300.
(1) الصاروخ الإسرائيلي ـ الأمريكي ARROW
يتقدم برنامج الصاروخ أرو غيره، من برامج النظم المتخصصة المضادة للصواريخ الباليستية، وقد حالت معاهدة 1972 للحد من الأسلحة الإستراتيجية، التي وقعت عليها كل من روسيا والولايات المتحدة الدولتين العظميين، من تطوير برامجها في هذا الصدد، وإن كانت الأخيرة قد بدأت في تنفيذ برنامج جديد للدفاع الإستراتيجي، اشتركت فيه إسرائيل. وتم إجراء عدد من التجارب، وهناك، حالياً، إنتاج أولي من الصاروخ بمعدلات متواضعة، كما أنه قد تم تخصيص الاعتمادات اللازمة لتطوير النظام حتى عام 2005.

وسيكون أول صاروخ متخصص في الدفاع، ضد المقذوفات الباليستية، يدخل الخدمة. ويتكون الصاروخ من مرحلتين؛ لزيادة مدى الاعتراض، ويمكن للصاروخ مطاردة الهدف بواسطة نظام رصد إلكتروني متقدم. وتتكون البطارية من ثلاثة قواذف متحركة. أما جهاز الرادار فهو من النوع طويل المدى، طرازGreen-Pines ، من إنتاج شركة إيلتا الإسرائيلية لصناعة الإلكترونيات في أشدود.

يقوم هذا الرادار بتحديد موقع الهدف، ونقطة، وتوقيت اعتراضه، بواسطة الصاروخ أرو في الجو، كما تتم الاستفادة من معلومات الهدف، في توجيه المقاتلات القاذفة، نحو مواقع إطلاق الصواريخ المعادية. وقد زادت فعالية الصاروخ أرو، بتحسن نظام الإنذار المبكر الإسرائيلي، بعد ربط مركز الإنذار الرئيسي في تل أبيب، مع مركز الإنذار الأمريكي في ولاية كولورادو لمعالجة معلومات أقمار الإنذار الأمريكية.

(2) الصاروخ الأمريكي باتريوت PAC - 3

zdxchibq.jpg



صاروخ أرض/ جو، مضاد للطائرات، تم تطويره في إحدى القواعد الأمريكية في ألمانيا، في الثمانينيات؛ ليتحول إلى صاروخ مضاد للصواريخ. وهو عبارة عن نظام متحرك يتكون من ثمانية قواذف، كل منها مركب عليه أربعة صواريخ، إضافة إلى مركز مراقبة وتشغيل، وجهاز استقبال للمعلومات، ورادار AN/MPQ-53 يستخدم هوائي المصفوفة الطورية، ويقوم هذا الرادار بالتفتيش، والكشف، والالتقاط، والتتبع، والتعارف، ثم توجيه الصاروخ نحو الهدف، وتبلغ سرعة الصاروخ 5 ماخ "1800متر/ ثانية".

وتم تطوير الصاروخ عدة مرات، وآخر هذه التطويرات، النموذج "باتريت-3" PAC-3 ، بزيادة إمكانيات الكشف على الارتفاعات العالية، وتطوير الطابة، وزيادة حساسيتها، وزيادة قدرة الصاروخ على المناورة، ليمكنه التصدي للصواريخ الطوافة كروز، والصواريخ ذات الانقضاض الحاد، ومعدل الاقتراب بسرعات من 6-8 ماخ، وتحريك القواذف، بعيداً عن الرادار؛ لزيادة الأمان، ويزن هذا النموذج نحو 16 طناً، بدلاً من 36 طناً للنماذج السابقة، وهذا ما يمكن نقل بطارية الباتريت بواسطة طائرات النقل العسكرية C-130 لأول مرة.

(3) الصاروخ الأمريكي هوك المعدل

z7hm25jf.jpg


مر هذا الصاروخ بثلاث مراحل للتطوير؛ ليتحول من نظام صاروخي مضاد للطائرات، إلى نظام له قدرات ضد الصواريخ الباليستية، وقد تمت تجارب ناجحة؛ لربط هذا النظام بنظام باتريت؛ لرفع كفاءة عمل كلا النظامين، وقد شملت المرحلة الثالثة، من تطوير الصواريخ الهوك، استبدال الصمامات بالدوائر الرقمية، والتوسع في استخدام الحاسبات الرقمية والدوائر المتطورة لتحسين إمكانيات النظام؛ لمجابهة الإعاقة الإلكترونية، وتطوير رادارات الكشف والتتبع، ورادار إدارة النيران؛ لتحسين إمكانية الصاروخ في التعامل مع الأهداف المنخفضة.
(4) النظام الروسي ANTEY-2500
ويعد النظام Antey- 2500 أحدث تطوير لسلسلة الصواريخ الروسية S - 300، وقد تم تطوير رادار التتبع للنظام، وهو من نوعية رادارات المسح القطاعي؛ لتوفير إمكانية التعامل مع الأهداف عالية السرعة، حتى 4500 متر/ ثانية، بدلاً من 3000 متر/ ثانية للطراز السابق.
كذلك، تمت زيادة قدرات النظام لتتبع الأهداف المخفاة، وذات المقطع الراداري الصغير حتى 2.,. متر مربع، وتم تطوير وحدة المعالجة لتوفير سرعة تدفق المعلومات، وزيادة الحساسية. وأهم المواصفات الفنية للنظام الجديد، زيادة مدى الاشتباك للأهداف الجوية التقليدية، إلى نحو 200 كم، ومدى اعتراض الصواريخ الباليستية، إلى أكثر من 40 كم، والسرعة حتى 4500 متر/ ثانية، وارتفاع العمل يصل حتى 30 كم، ويمكن للنظام مواجهة 24 هدفا.

3. اتجاهات التطور في الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى

ما زالت الطائرات المقاتلة الحديثة، والتي طورت إمكانياتها للطيران المنخفض جداً، تشكل تهديداً للدول، التي لا تمتلك إمكانيات للاستطلاع الفضائي أو الطائر، وكذا تشكل الطائرة العمودية المسلحة، تهديداً آخر للقوات البرية، لذا كان من الضروري أن يشمل التطور نظم الدفاع الجوي متوسطة وقصيرة المدى، وأهم اتجاهات التطوير كانت كالآتي:

أ. تطوير وتحسين نظم التوجيه الحديثة، مثل التوجيه بالليزر، والأشعة تحت الحمراء، وكذا النظم البصرية.
ب. التحول إلى الميكنة الكاملة؛ لتحقيق خفة الحركة، والقدرة على المناورة، مع زيادة الإمكانيات القتالية، للاشتباك بأكثر من هدف في وقت واحد.
ج. تحقيق أقصى استقلالية للمعدة، مما يجعلها قادرة على القيام بتنفيذ جميع المهام، "كشف، وتتبع، وتوجيه، وإطلاق" منفردة.
د. التقاط وتتبع الأهداف الجوية ذات السرعات العالية والمقطع الراداري الصغير، مع الدقة العالية في الاشتباك، في زمن رد فعل سريع.
من أمثلة الأنظمة الحديثة في هذا المجال، الآتي:

أ. النظام الروسي سام -6 المعدل BUK-M1-2

eb64taey.jpg

وهو التطوير الثالث للصاروخ سام-6، ويتكون من مركز قيادة نيران آلي، ورادار بمدى كشف 160 كم، وستة قواذف يحمل القاذف أربعة صواريخ، ويستطيع الاشتباك بستة أهداف في وقت واحد . جميع معدات النظام محملة على جنزير،ويمكن الاشتباك بأهداف حتى سرعات 1200متر/ ثانية مقترب، و400 متر/ ثانية مبتعد، ومدى الاشتباك يصل إلى 50 كم، وأقصي ارتفاع 25كم، والنظام مزود بكاميرا تليفزيونية لتتبع الأهداف.

ب. النظام الفرنسي كروتال CROTALE-NG

26lpgdse.jpg


من أنظمة الدفاع الجوي قصيرة المدى، ومحمل، بالكامل، على عربات، ومزود برادار استطلاع وتتبع، بمدى كشف 20 كم، وبمستشعر أشعة تحت الحمراء، مداه 10 كم، إضافة إلى كاميرا تلفزيونية، ويمكنه تتبع 20 هدفاً، وتحديد أخطر ثمانية أهداف، ويمكن للنظام تتبع هدف، رادارياً، وهدف آخر بصرياً، في الوقت نفسه، ومدى الاشتباك حتى 10 كم، وهو ذو قدرة عالية على مقاومة الإجراءات الإلكترونية المضادة.

4. اتجاهات التطور في أنظمة الدفاع الجوي المختلطة "صواريخ/ مدفعية"
تطبيقاً لمبدأ التكامل في نظم الدفاع الجوي، اتجهت الجهود لنظام واحد، يجمع الصواريخ والمدفعية المضادة للطائرات، للاستفادة القصوى من إمكانيات كلا النوعين، ومن أمثلة تلك النظم:
النظام الإيطالي السويسري الأمريكي سكاي جارد SKY GUARD:
وهو نظام دفاع جوي قصير المدى، مختلط من الصواريخ سبارو، والمدفعية المضادة للطائرات عيار 35 مم، ويتميز بزمن رد فعل قصير جداً، ويعمل رادارياً وبصرياً، ويبلغ مدى الصاروخ نحو 12 كم، والمدفعية حتى 4 كم.

5. اتجاهات التطور في الصواريخ الفردية قصيرة المدى

يجرى تطوير الصواريخ الفردية، التي تطلق من على الكتف؛ للتعامل مع الأهداف المنخفضة جداً، وأهم نقاط التطوير هي زيادة المدى والسرعة، إضافة إلى استحداث مستشعرات أكثر حساسية، وتتعامل مع البصمة الرادارية والحرارية للطائرة؛ لتجنب الإعاقة الحرارية، وأهم هذه الصواريخ:
أ. الصاروخ الأمريكي ستينجر STINGER.

svct6vi7.jpg

ب. الصاروخ الروسي إيجلا IGLA .

2o3z8azq.jpg

ج. الصاروخ الفرنسي ميسترال MISTRAL.

woc7hf8i.jpg


6. اتجاهات التطور في المدفعية المضادة للطائرات
أدى التطور في العدائيات الجوية، إلى إلغاء الأعيرة الثقيلة والمتوسطة، وزاد الاهتمام بالأعيرة الخفيفة، مع زيادة معدل النيران، باستخدام مدافع متعددة المواسير، وتزويد المدافع بوسائل إدارة نيران حديثة باستخدام الرادار، والأنظمة الكهروبصرية، ومن أمثلتها:
المدفع 23مم الرباعي الروسي المعروف باسم "شيلكا " ZSU-23-4
ويعتبر هذا المدفع نوعاً متطوراً من المدفعية ذاتية الحركة،وهو مخصص للتعامل مع الأهداف المنخفضة، والتي تطير على ارتفاعات من 100 م إلى 1500 م، ويصل المرمى المؤثر إلى 2500 م، ويستخدم في الدفاع المباشر عن التشكيلات البرية، ويعطي معدلاً عالياً من النيران، يصل إلى أربعة آلاف طلقة/ دقيقة.
ثالثاً: التطور في وسائل الخداع والإخفاء
حصل تقدم هائل في وسائل الاستطلاع الحديثة، من أقمار صناعية، ومحطات إنذار محمولة، تحلق حول وفوق مسارح العمليات، وترصد التحركات وتستشعر أي بث لمعدات الدفاع الجوي، فيحدد مواقعها أولاً بأول، وبدقة متناهية، مما يسهل مهاجمتها أو، على الأقل، إعاقتها.
وتحقيقاً لمقولة أنه لا يوجد نظام دفاع جوي، لا يمكن اختراقه، فإنه لا يوجد نظام استطلاع، لا يمكن خداعه، أو طائرة لا يمكن تدميرها.

ويلعب خداع القوات الجوية ووسائل استطلاعها دوراً متنامياً، في رفع كفاءة منظومة الدفاع الجوي، لتصبح قادرة على التصدي للطائرات المعادية وتدميرها، وذلك بتحقيق عنصر المفاجأة للطيران المعادي، وإرباك الطيارين ومخططي العمليات، ولو لثوان معدودة، كافية لإفشال المهمة، وتعريض الطائرات المهاجمة، لنيران منظومة الدفاع الجوي.

أهم أنواع الإخفاء والخداع
أ. خداع وسائل الاستطلاع البصري
ويتمثل في خداع وسائل التصوير الفوتوغرافي والتليفزيوني، والذي يمكن تحقيقه بإتقان الإخفاء والتمويه للمواقع، والمعدات، والأهداف الحيوية، باستخدام شباك التمويه، خاصة الأنواع الحديثة منها، والتي تخفي الطاقة الحرارية للمعدات Infra Red Camouflage، وتقلل منها، بحيث لا تظهر في أفلام الأشعة تحت الحمراء، كما تعمل بعض أنواع الشباك الحديثة، على تشتيت الموجات الرادارية، التي تصدرها محطات وأجهزة الاستطلاع الراداري، فلا تنعكس من المعدات المخفاة أي انعكاسات رادارية، ويعرف هذا النوع بشباك التشتت الراداري Radar Scattering Principles. كما تعتبر أنواع الطلاء الحديثة، من الأنواع، التي تستخدم في تكنولوجيا الإخفاء، من الوسائل الحديثة في الإخفاء الراداري.

ب. خداع التحركات

ويتم عن طريق خطة متكاملة، لتبادل احتلال المواقع بالمعدات الحقيقية والهيكلية، مع الأخذ في الاعتبار، إتقان إخفاء المعدات الحقيقية، وإظهار الزائف بصورة الحقيقي. ومن أبرز الأمثلة خداع التحركات، الذي نفذته القوات المصرية، في حرب الاستنزاف، وما قبل العبور عام 1973، فلم يعرف الإسرائيليون، أين ومتي سيكون العبور، بالرغم من ظهور معدات وكباري العبور بالقرب من القناة.
ج. الخداع الإلكتروني

ويعتبر من أهم أنواع الخداع إيجابية، وتداخلاً مع باقي الأنواع، ويمثل عنصراً رئيسياً من عناصر الحرب الإلكترونية، لا يتسع المجال للخوض في تفصيلاته، وأهم أنواع الخداع الإلكتروني هي:

(1) إعاقة وسائل استطلاع العدو
ويكون بخداع الموجات الرادارية لوسائل استطلاع العدو، وذلك عن طريق تغيير اتجاهها أو امتصاصها، وانعكاسها بصورة مختلفة، لا تعبر عن واقع الأهداف المنعكسة منها.
ويمكن الدخول إلى شبكات الإنذار المعادية، وبث أهداف كاذبة، وبيانات وهمية، مما يؤثر على
قرارات واستنتاجات العدو.

(2) الإعاقة المضادة للإعاقة
ويتم ذلك، عن طريق حماية المحطات الرادارية، ووسائل الاستطلاع من إعاقة العدو لها، بتغيير الترددات، بسرعة كبيرة، حتى لا يتمكن العدو من ملاحقتها، وباستخدام تكنولوجيا انتخاب الهدف المتحرك، وكذا تقليل الفصوص الجانبية.

(3) خداع الصواريخ الموجهة والقنابل الذكية
فعلى سبيل المثال، يمكن تضليل الصواريخ الراكبة للشعاع، عن طريق قفل الإشعاع الراداري، واستخدام وسائل التتبع غير الرادارية، مثل التليسكوبات، والكاميرات التليفزيونية، والحرارية، كذلك يمكن استخدام المرسلات الخداعية، التي تحاكي المرسلات الحقيقية وتجتذب الصواريخ المهاجمة، ويتم استخدام مصادر بث حراري؛ لخداع مستشعرات الصواريخ المضادة للأشعة تحت الحمراء، أما الصواريخ الموجهة بصرياً أو تليفزيونياً، فيمكن تضليلها بعمل ستائر من الدخان.



المبحث الثامن
تطور وتكامل منظومة الدفاع الجوي

انتهت المعارك، في أواخر شهر أكتوبر1973، بتثبيت لخطوط وقف إطلاق النار،وكانت كل الشواهد تنبئ بمرحلة جديدة من الصراع، واستمرت الجهود في استكمال وتطوير منظومة الدفاع الجوي، على أسس ومبادئ ثابتة، من أولوياتها أن يبنى النظام، على قادة وضباط وأفراد، على أعلى مستوى من التعليم والثقافة، حيث إنه لا قيمة للمعدة، من دون مستخدم جيد.

وخلصت القيادة إلى أن أي خطة لبناء أو تطوير منظومة الدفاع الجوي المصري، لا بد أن تقوم على مبادئ أساسية، أهمها:

1. الحجم والنوعية، التي تجابه التطور في حجم ونوعية العدو الجوي، وما يمتلك من إمكانيات.
2. التخطيط للتطور والنمو، بما يتلاءم مع الزيادة المنتظرة، في قوة العدو، وفي عدد الأهداف الحيوية المطلوب الدفاع عنها.

3. مراعاة البعد الاقتصادي، بسبب التكلفة الباهظة لنوعية أسلحة الدفاع الجوي المتطورة، وذلك عن طريق الاستفادة، من الموجود من الأسلحة الشرقية، وتطويرها، ورفع كفاءتها باستمرار.
4. مراعاة أن تكون الدروس المستفادة، والخبرات القتالية الميدانية، من حرب أكتوبر 1973، هي الأساس، عند وضع خطط التطوير.

وانطلاقاً من هذه المبادئ الأساسية، أصبحت خطة تطوير منظومة الدفاع الجوي المصري، ترتكز على ركائز أساسية، خلال تنفيذها هذا التطوير، كالآتي:

أولاً: التكامل في منظومة الدفاع الجوي
أصبحت المهام، الملقاة على عاتق قوات الدفاع الجوي، كثيرة ومعقدة، نظراً للتطور السريع في نظم التسليح خاصة في أسلحة الجو. فعلى هذه القوات، أن تكون لديها القدرة على اكتشاف أهداف، تطير على جميع الارتفاعات، وتمتلك الكثير من الأساليب والإمكانيات، التي تجعل من الصعب، اكتشافها بوسائل الاستطلاع، وفى حالة اكتشافها فإن لديها من الإمكانيات الإلكترونية الكثير، الذي يعقد من مهام أجهزة قيادة النيران الأرضية للاشتباك معها..

ولا يقف الأمر عند ذلك، لأن هذه الطائرات باتت تحمل بداخلها، وأسفل أجنحتها، العديد من الصواريخ والقذائف الحديثة، والموجهة بطرق التوجيه المتطورة، وتطلقها من مسافات بعيدة بأسلوب اضرب وانس Fire and Forget، أي أن هذه الأسلحة لا تحتاج إلى متابعة من الطائرة الأم، وهناك الكثير من الإمكانيات، التي يتحتم على منظومة الدفاع الجوى مجابهتها، في أزمنة قد تعد بالثواني.

وبالإضافة إلى هذه الترسانات الحربية الطائرة، ظهرت، في الآونة الأخيرة، في سماوات المعارك، الصواريخ الباليستية، تنطلق في مسارات فضائية، ثم تنقض على أهدافها، بسرعات فائقة، تجاوزت، في بعضها، 6 كم/ ثانية، ومصاحبة لهذه الصواريخ، كذلك حلقت على مقربة من سطح الأرض والبحار، الصواريخ الطوافة، المعروفة باسم كروز CRUIES، تطير على ارتفاعات منخفضة، تصل إلى نحو 20 متراً من سطح الأرض، مستشعرة أهدافها برأس ذكي، مزود بأدق المستشعرات الحرارية والتلفزيونية والليزرية.

وتتحكم، في هذه الصواريخ، منظومة متكاملة، من الأقمار الصناعية، وطائرات القيادة، والسيطرة، والإنذار، تحدد لها أهدافها بدقة بالغة، وتوجهها نحوها، محددة مساراتها، لحظة بلحظة. كل هذا الكم الهائل، من العدائيات الجوية، يحتاج، حتماً، إلى منظومة متكاملة من وسائل الدفاع الجوي، متكاملة مع باقي أفرع وعناصر القوات المسلحة، ومتكاملة مع بعضها، ويصل التكامل ليشمل الوحدات داخل العنصر الواحد، وفيما يلي لمحة عن التكامل المنشود لعناصر الدفاع الجوى الرئيسية.

ثانياً: التخطيط لبناء منظومة دفاع جوي

على ضوء المتغيرات المتلاحقة، والتطور السريع، في عناصر الحرب الجوية، وأسلحة الدفاع الجوي، يجب الأخذ في الاعتبار، مجموعة من العوامل، عند التخطيط لبناء منظومة الدفاع الجوي، بما يمكنها من تأدية مهامها، وأهم هذه العوامل:

1. التوازن في المجال الخارجي
ويعرف هذا التوازن بتعادل القدرات القتالية للمنظومة، مع القدرات القتالية للعدائيات الجوية المحتملة رياضياً.

ونجاح منظومة الدفاع الجوي، في صد الضربات الجوية ،لحرمان العدو من الحصول على السيطرة الجوية، وانتزاع المبادأة منه؛ لذا فإن كفاءة منظومة الدفاع الجوي، تقاس بمدى قدرتها على صد الضربة الجوية .

2. التوازن في المجال الداخلي لمنظومة الدفاع الجوي


يجب مراعاة هذا التوازن الداخلي، بين نظم القتال الإيجابية، على أساس دور كل نظام، في صد الضربة الجوية الشاملة المعادية، طبقاً لخصائصه الفنية، وإمكانياته القتالية، وأهم هذه النظم:
أ. نظام المقاتلات.

ب. نظام الصواريخ الموجهة أرض / جو، والمدفعية المضادة للطائرات.
ثالثاً: التطور في عناصر منظومة الدفاع الجوي المصري
1. وسائل الاستطلاع والإنذار الجوي

يتوقف التقدير السليم للموقف، واتخاذ القرار، وإصدار الأوامر إلى نظم القتال الإيجابية، على كفاءة وسائل الاستطلاع والإنذار، وأن تنتظم في أوضاع استعداد قتالي مناسبة، وقد اتجه التطوير على النحو الآتي:
أ. التنظيم والإعداد الجيد لوسائل استطلاع العدو الجوي، بتجديد أجهزة الرادار الشرقية، وإطالة أعمارها، مع إدخال العديد من التعديلات؛ لرفع كفاءتها الفنية، وزيادة إمكانياتها في اكتشاف الأهداف المنخفضة، والقائمة بالتداخل. كذلك تم إدخال العديد من الأجهزة الغربية الحديثة، مثل الرادار ثنائي الأبعادT PS-63 ، والرادار ثلاثي الأبعاد TPS-59، بالإضافة إلى أجهزة أخرى إنجليزية وفرنسية الصنع. وتم إحلال العديد من الأجهزة الروسية المتقادمة، بأجهزة صينية الصنع مناظرة لها.

ب. انتظام، وسرعة، ودقة وصول المعلومات عن العدو الجوي، من هذه الوسائل، من خلال شبكة اتصالات خطية ولاسلكية متطورة، مع تحديث إجراءات التأمين، ضد وسائل العدو الإلكترونية.
ج. إعادة حساب الحجم المناسب، وأنواع الأجهزة من وسائل الاستطلاع والإنذار، اللازمة لإنشاء الحقل الراداري المناسب، بناءً على مساحة المناطق المطلوب تغطيتها، والارتفاعات المطلوب تغطيتها، طبقاً للعدو المنتظر، وطبيعة الأهداف المدافع عنها، والتحصينات الإلكترونية المطلوبة لهذا الحقل.

د. بتطوير الهيكل العام لقوات الدفاع الجوي، تم دخول وحدات المراقبة بالنظر، ضمن تنظيمها العضوي، مع إنشاء رئاسة لها داخل قيادة القوات، مع تحديد الحجم المناسب، من نقط المراقبة الجوية بالنظر، لدعم الحقل الراداري، لاكتشاف الأهداف المنخفضة، والمنخفضة جداً.

هـ. دخول طائرات الإنذار المبكر E2-C Hawkeye إلى الخدمة، وهي تستطيع كشف وتتبع 300 هدف جوي، وحتى 20 هدفاً آلياً، ومدى كشف الأهداف على ارتفاع 100م، "ومقطع 1 م2"، يبلغ نحو 250 كم، كما يمكن للطائرة إدارة أكثر من عملية اعتراض، في وقت واحد.

وتتم الاستفادة من إمكانياتها، في توفير الإنذار المبكر عن الأهداف المنخفضة والمنخفضة جداً، ويتم تحديد الحجم المناسب من هذه الطائرات، ويراعى في استخدامها الآتي:

(1) مناطق واتجاهات العمل في أثناء العملية القتالية، وأسلوب تأمينها في الجو.
(2) عدد الطائرات اللازمة لمنطقة عمل واحدة.
(3) الاحتفاظ باحتياطي مناسب.
(4) الصلاحية الفنية لطائرات الإنذار المبكر.

2. التطور في مقاتلات الدفاع الجوي

خرجت قوات الدفاع الجوي، من حرب 1973، وقد ثبتت، وبقوة، مفهوم تنظيم التعاون الوثيق مع المقاتلات، باعتبارها العنصر الإيجابي الأول، بعد العناصر الأرضية، ويتكون التجميع القتالي للمقاتلات من:
أ. تشكيلات جوية.
ب. مطارات التمركز الرئيسية.
ج. مطارات المناورة.
د. شبكة مراكز القيادة.
هـ. مراكز ونقط التوجيه.
ويتوقف بناء التجميع القتالي للمقاتلات على:
أ. شبكة المطارات المتوافرة.

ب. الاتجاهات الرئيسية المحتملة لاقتراب الطائرات المعادية.
ج. تجميع قتال الصواريخ أرض/ جو، والمدفعية المضادة للطائرات.
هذا، وقد اتجه التطوير إلى العمل على استمرار المقاتلات الشرقية، في الخدمة، وذلك برفع كفاءتها وتحديث تسليحها وأجهزتها الملاحية والإلكترونية. وتم الاتجاه، إلى تنويع مصادر السلاح، التي مكنت القوة الجوية المصرية من الحصول على ما يعرف بتكنولوجيا الخط الأول في مجال المقاتلات، تمثلت في نحو 160 مقاتلة F – 16 ،
20 مقاتلة ميراج 2000.
3. التطور في الصواريخ الموجهة أرض/ جو
أ. اتجه التطوير إلى الاحتفاظ بالصواريخ الشرقية، في الخدمة، من أنواع سام 2، وسام3 ، وسام 6، مع إجراء العمرات اللازمة لها،وخروج الأنواع المتقادمة منها، من الخدمة ،ولأول مرة تم إجراء عمرات خاصة، ورئيسية متكاملة، للصواريخ الشرقية، استهدفت القيام بتعديلات جوهرية لمواكبة التطور الكبير في أسلحة الجو الحديثة، وأساليب الحرب الإلكترونية، بما يمكنها من الاشتباك في ظروف الإعاقة الإلكترونية، بأنواعها المختلفة.

ب. نظام الهوك الأمريكي: دخل إلى الخدمة، مع استمرار برامج التطوير، التي شملت مرحلتين:
(1) المرحلة الأولي: أطلق عليها الطور الثالث PHASE III، والذي تم، من خلاله، تطوير مراكز القيادة، وشمل التعديل، كذلك، رادار الإضاءة والتتبع، ورادار الكشف المنخفض.

(2) والمرحلة الثانية: ويطلق عليها خفة الحركة MOBILITY. والمستهدف من هذه التعديلات هو التخطيط لاستمرار الهوك، حتى عام2010، والاستفادة من التطور في مجال الحاسبات والتكنولوجيا الحديثة بإضافة دوائر إلكترونية؛ لتحسين إمكانية مقاومة الإعاقة الإلكترونية.

ج. النظام آمون AMOON: وهو نظام مختلط، يجمع بين الصواريخ والمدفعية، ويستخدم الصاروخ الأمريكي سبارو، الذي يبلغ مداه من 1 كم : 12 كم، كما يستخدم المدافع من عيار 35مم، والموجهة رادارياً، وإلكتروبصرياً، وتستطيع الاشتباك من 300 م حتى مدى 4 كم.

د. الصاروخ كروتال: وهو صاروخ فرنسي قصير المدى، يتعامل مع الأهداف من مسافة500 م إلى 10 كم، والتي تطير على ارتفاعات من 100 م إلى 3 كم، وبسرعة حتى 750 م/ ثانية، ويتميز بالمرونة، وخفة الحركة، مما يزيد الاعتماد عليه في الدفاع الجوي عن التشكيلات البرية.

هـ. الصاروخ الشابرال SHAPRAL: وهو قصير المدى، من 500 م إلى 8 كم، أمريكي الصنع متحرك، باحث عن الحرارة، يعمل مع التشكيلات البرية، يتعامل مع الأهداف، التي تطير على ارتفاعات من 50 م وحتى 6 كم، وسرعة حتى 420 م/ ثانية.
و. الصواريخ الفردية قصيرة المدى، سام-7 SAM-7 المعدل: وهو صاروخ قصير المدى باحث عن الحرارة، يطلق من على الكتف، ويعتبر السلاح الأساسي والفعال ضد الطائرات، التي تطير على ارتفاعات منخفضة، ومنخفضة جداً، وقد لعب دوراً حيوياً خلال حرب الاستنزاف، وحرب 1973، ويبلغ مداه نحو 4500 م، للارتفاعات حتى 2 كم، للأهداف ذات السرعات حتى 250 م/ ثانية. وتم تصنيع هذا الصاروخ في مصر، تحت اسم عين الصقر، وأُدخل عليه العديد من التعديلات، أهمها زيادة حساسية الرأس الباحث، ليعمل بنظام البصمة الحرارية.

4. التطور في المدفعية المضادة للطائرات

تم خروج المدافع ذات الأعيرة الثقيلة والمتوسطة، من الخدمة، وتم الاهتمام بالمدفعية الخفيفة والرشاشات المضادة للطائرات، فاستمرت، بالخدمة الرشاشات 14.5 مم، الروسية الصنع، ثنائية ورباعية المواسير الثابتة، إضافة إلى المدافع الرباعية، ذاتية الحركة، الموجهة رادارياً، من نوع "شيلكا"ZSU-23-4، ذات المرمى المؤثر، من 2500م إلى 3 آلاف م، بالإضافة إلى المدافع عيار 23 مم الثنائي المواسير، التي تم إنتاجها بالتعاون مع روسيا، تحت اسم "سينا" SINA، والمدفع 23 مم، الثنائي، وذاتي الحركة، ومن إنتاج مصري فرنسي. يتم تحديد حجم الصواريخ والمدفعية بناءً على الأهداف الحيوية، المطلوب الدفاع عنها. ويعتمد تحديد الأهداف على العوامل الآتية:

أ. أهمية وطبيعة وشكل وحجم الهدف الحيوي.
ب. الهدف الحيوي.
ج. موقع الهدف الحيوي، وطبيعة الأرض المحيطة.
د. طبيعة أعمال العدو الجوي المحتملة.
هـ. مدى حصانة الهدف، ومدى تأثره بالقصف الجوي المتوقع.
5. التطور في نظام القيادة والسيطرة
تعتبر القيادة والسيطرة هي العصب، الذي، من خلاله، تتم السيطرة على أعمال قتال منظومة الدفاع الجوي، وهذا العنصر يحتاج، دائماً، إلى تطوير وتجديد، حتى يمكنه مواكبة التطور السريع في باقي العناصر.
وتتميز أعمال قتال منظومة الدفاع الجوي بالفاعلية، والحسم، وسرعة رد الفعل، مع اشتراك أكثر من وسيلة في أعمال القتال، بالإضافة إلى التغيرات الحادة والمفاجئة، التي تحدث في الموقف الجوي، مما يتطلب الآتي:

أ. تنظيم مراكز قيادة قادرة على الأداء بكفاءة في أقل وقت ممكن.
ب. سرعة تجميع معلومات الموقف الجوي، وتصنيفها، وتمييزها، وتحليلها، وإرسالها لحظياً إلى نظم القتال الإيجابية، حتى يمكن اتخاذ رد الفعل المناسب، قبل تغير الموقف الجوي.
ج. نظراً لأن معظم أنظمة القتال الإيجابية الحديثة، يعتمد في أدائها على آلية التشغيل، لذا يجب أن تتم إدارة أعمال قتالها بوسائل مماثلة وإلا فقدت منظومة الدفاع الجوي الحديثة، الكثير من قدراتها القتالية؛ ولذا يتم أخذ معامل القيادة والسيطرة، في الاعتبار، عند حساب إمكانيات التدمير لكل نظم القتال الإيجابية.

إن نجاح أنظمة الدفاع الجوي تتمثل، في صد الضربات الجوية، وحرمان العدو من الحصول على السيطرة الجوية، وانتزاع المبادأة منه، ولذلك تقاس كفاءة الدفاع الجوي، بمدى قدرته على تحقيق هذا الهدف. ولذلك كان الحرص على بناء نظام متقدم للقيادة الآلية، أو نظام الدفاع الجوي الآلي، الذي يحقق الدمج العلمي المدروس، لعناصر الدفاع الجوي الأساسية "مصادر المعلومات بأنواعها، وأسلحة الدفاع الجوي الإيجابية، ومراكز القيادة على كل المستويات"؛ لتحقيق الأهداف الآتية:
أ. تكوين صورة موقف جوي متكامل من كل مصادر المعلومات، بصفة فورية، وعرضها في مراكز القيادة
ب. تقدير فوري لدرجة خطورة الأهداف المعادية .
ج. تحديد لحظي، لأنسب وسائل التعامل مع كل هدف، وتخصيص المهمة لها .
د. عرض نشاط القتال، أولًا بأول، أمام القادة في مراكز القيادة، ومتغيراته، بما يحقق أفضل تنظيم للتعاون .
هـ. تنظيم إدارة أعمال القتال، بأسلوب أسرع وأفضل من النظام اليدوي .
وقد تم التعاقد مع شركة هيوز، لدراسة كيف يمكن إجراء أحسن دمج لنظم الهوك المعدلة، وطائرات E-2C، وطائرات ف-16، وطائرات الميراج 2000، وباقي نظم الدفاع الجوي؛ وأطلق على هذا العقد، "مشروع 776". وواكب، تنفيذ نظام القيادة الآلية، توفير نظم اتصالات حديثة ومرنة، ومؤمنة ضد الأعمال العدائية، وتعتمد أساساً على أجهزة لاسلكية، ذات تردد عالٍ، وعالٍ جداً، وأجهزة متعددة القنوات، وأجهزة ذات موجات متناهية الصغر، تحقق استمرار الاتصالات، في ظل استخدام العدو لأعمال الإعاقة الإلكترونية المضادة، وأسلحة التدمير الشامل.
وقد أثبتت خبرات القتال، في معارك القرن العشرين، أن التطور في أساليب القتال، تعتمد على نجاح معركة الأسلحة المشتركة، والتكامل فيما بينها، طبقاً لشكل الحرب القادمة.
6. الحرب الإلكترونية
يجب أن يتوازن حجم عناصر الحرب الإلكترونية، مع حجم الأهداف الحيوية، المطلوبة حمايتها، من أعمال العدو الجوي، لما لها من دور فعال ومؤثر، في إرباك أعمال العدو الجوي، ضد الأهداف الحيوية، وإرباك سيطرته على طائرات قتاله، مما يسهل مهمة أنظمة الدفاع الجوي الإيجابية.
رابعاً: التأمين الفني والتصنيع الحربي
مما لاشك فيه، أن منظومة الدفاع الجوي المصري، ترتكز على قاعدة فنية قوية، ومتنوعة، ومتدرجة، بدءاً من المهنيين، والفنيين، والصناع المهرة، إلى المهندسين المتخصصين في كل التخصصات العاملين بالورش الصغيرة والميدانية المتحركة، انتهاءً بالورش الرئيسية، التي لعبت دوراً جوهرياً، في عمليات الصيانة، والإصلاح، واستعادة الموقف الفني للمعدات، في أثناء حرب الاستنزاف، وحرب أكتوبر 1973.
كما تقوم مصانع الإنتاج الحربي، بدور هام في تصنيع العديد من معدات، وأسلحة الدفاع الجوي بتصميمات مصرية، أو على شكل إنتاج مشترك، مع الدول المنتجة، مثل إنتاج النظام عين الصقر، المطور عن نظلم سام -7 الروسي، وإنتاج المدفع سينا 23 مم الثنائي، بترخيص روسي، والنظام رمضان 23مم، ذاتي الحركة، بالتعاون مع شركة طومسون الفرنسية، كما تم تصنيع أجهزة الرادار ثنائي الأبعاد TPS - 63، والرادار ثلاثي الأبعاد TPS - 59، بالتعاون مع الشركة الأمريكية المنتجة.

خامساً: التطور في مجال التعليم والتدريب

1. معهد الدفاع الجوي
في البداية، أنشئ جناح المدفعية المضادة للطائرات، بمدرسة المدفعية الملكية المصرية بالقاهرة، ثم أنشئت مدرسة المدفعية المضادة للطائرات، وانتقلت في عام 1953 إلى الإسكندرية، إلى أن تحولت إلى معهد الدفاع الجوي، في عام 1967، ويضم أفرعاً لجميع أسلحة الدفاع الجوي.
ويتم، في هذا المعهد، عقد جميع الفرق الحتمية والتخصصية المختلفة للضباط، من جميع الرتب والتخصصات "رادار ـ صواريخ ـ قيادة وسيطرة آلية ـ استطلاع ـ مراكز عمليات مشتركة"، وكذا عقد دورات قادة الألوية، ودورات أركان حرب التخصصية، للضباط المصريين، والضباط من الدول العربية الشقيقة، والدول الصديقة، كما يقوم المعهد بالعديد من البحوث الفنية والتكتيكية لصالح قوات الدفاع الجوي.
ويضم المعهد مجموعة كبيرة من الفصول التعليمية، لجميع تخصصات الدفاع الجوي، وكذلك قبة تسديد خاصة لتدريب أطقم المدفعية، ورماة الصواريخ قصيرة المدى، سام 7، كما يوجد العديد من مقلدات أنظمة الصواريخ الغربية.
2. كلية الدفاع الجوي
افتتحت كلية الدفاع الجوي، في 2 يوليه 1974، ومنذ ذلك التاريخ، لا يتوقف البناء والتطوير، مروراً بالمراحل الرئيسية التالية:
أ. بدأت الدراسة بالكلية في أبريل 1974، بفترة دراسية، بلغت 27 شهراً.
ب. في أول إبريل 1978، تقرر تعديل مدة الدراسة، لتكون أربع سنوات دراسية للعلوم العسكرية والتخصصية لمعدات الدفاع الجوي، إضافة إلى المواد الهندسية الجامعية، يتخرج بعدها الطالب برتبة ملازم ثانٍ، ويحصل على درجة البكالوريوس في علوم الدفاع الجوي.
ج. يستكمل الخريج السنة الدراسية الخامسة في العلوم الهندسية، ويجتاز امتحاناً، بالتعاون مع كلية الهندسة، جامعة الإسكندرية، يحصل بموجبه على بكالوريوس في الهندسة تخصص إلكترونيات واتصالات. وقد تخرج، من الكلية، العديد من الطلبة، الوافدين من الدول العربية والصديقة منذ إنشائها.
3. مراكز التدريب التخصصية
يشمل تنظيم الدفاع الجوي مركزين للتدريب، وتم تطوير مراكز التدريب التخصصي؛ لتقوم بالعديد من المهام التدريبية، حيث يتم رفع مستوي ضباط الاحتياط، في العديد من التخصصات، وتأهيل وتدريب ضباط الصف والجنود المصريين، والوافدين، في جميع تخصصات الدفاع الجوي.
4. مركز رماية الدفاع الجوي
تم تطوير مركز رماية الدفاع الجوي؛ ليواكب التطور السريع في أسلحة ومعدات الدفاع الجوي الحديثة، ولتمثيل ظروف المعركة الحقيقية، من خلال منظومة متكاملة، تضم أنواعاً متطورة من الطائرات، الموجهة من دون طيار، ومركزاً للقيادة والسيطرة الآلية، للسيطرة على الوحدات الفرعية القائمة بالرمي، وتحليل نتائج رماية الصواريخ، باستخدام الحاسبات وشبكات الاتصال، والوسائط المتعددة، وربطها بمواقع أنظمة الصواريخ بخط الرمي، ومحطات توجيه الأهداف.
وقد اعتمد على الكوادر المصرية، في تصميم وبناء مكونات هذه المنظومة، من برامج ودوائر إلكترونية، في مركز تطوير البرامج لقوات الدفاع الجوي، بالتعاون مع باقي الأفرع والشعب المختصة.
5. التدريبات المشتركة
منذ النشأة، كانت قوات الدفاع الجوي المصري تخوض المعركة تلو الأخرى، وقد حتمت عليها تلك الظروف أن تطور أسلحتها، وأساليب قتالها، من خلال تلك المعارك، ومع التطور السريع في نظم وأساليب قتال قوات الدفاع الجوي، وخلال فترات السلم، لم يكن بد أن تسعى للحصول على كل ما هو جديد، في مجال العلم والتكنولوجيا والمعدات الحديثة، ولذا فإنها تسعي إلى تطوير أساليب وطرق تدريبها، من خلال التدريبات المشتركة، مع العديد من الدول الشقيقة والصديقة، أبرزها المملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة الأمريكية، وإنجلترا.

ومن خلال التعاون بين قوات الدفاع الجوي، وباقي الأفرع الرئيسية "القوات الجوية والقوات البحرية"، وإدارة الحرب الإلكترونية، يتم تحقيق الكثير، في مجال التدريب على تنسيق التعاون، في مجالات اكتشاف الأهداف الجوية بوسائل الإنذار، ووسائل الحرب الإلكترونية. كما تتيح مثل هذه التدريبات، الفرصة، لأطقم مراكز القيادة المشتركة الآلية واليدوية، للتعرف على كيفية السيطرة على أعمال قتال قوات الدفاع الجوي ،و صد الهجمات الجوية، الممثلة بأهداف حقيقية، وتمييز وتخصيص الأهداف الجوية، للعناصر المشتركة في صد هذه الهجمات.

وتساعد هذه التدريبات، على الاختبار العملي لعناصر منظومة الدفاع الجوي المختلفة، الموجودة في الخدمة، أو العناصر، التي تم تعديلها، أو التي أدخلت إلى الخدمة حديثاً، وتقويم أداء وقدرة وفاعلية هذه المعدات، في ظروف قريبة من ظروف العمليات الحقيقية.
سادساً: رؤية مستقبلية لشكل الحرب القادمة
إن معارك الدفاع الجوي، خلال حرب أكتوبر 1973، والتي أظهرت صمود وتحدي وسائل الدفاع الجوي للقوة الجوية الإسرائيلية، بما لديها من إمكانيات عالية التقنية، واستطاعت أن توقع بها خسائر كبيرة، كانت آخر معارك القرن العشرين، التي دار، خلالها، قتال حقيقي متكافئ.
ومنذ ذلك التاريخ، تحول توازن التطوير لصالح أسلحة الجو الحديثة، وخلال المواجهات، التي تمت بين أسلحة الجو ووسائل الدفاع الجوي، خلال العقدين الأخيرين، لم تحقق أي منظومة دفاع جوي، الصمود في وجه التكنولوجيات الحديثة.

فنجد سيادة واضحة للقوة الجوية، في مواجهات سهل البقاع، التي وقعت بين سورية وإسرائيل، في بداية الثمانينيات، والعملية الأمريكية ضد ليبيا في خليج سرت، واكتساحاً واضحاً لحلف شمال الأطلسي في حملته ضد يوغسلافيا، على الرغم من حيازة الأخيرة لأحدث ما في الترسانة الروسية من أسلحة الدفاع الجوي، والنتائج الحاسمة للحملة الجوية لقوات التحالف على العراق، أثناء حرب تحرير الكويت، والهجمات الأنجلو أمريكية المتكررة، بعد حرب تحرير الكويت ضد العراق، وفشل جميع محاولاته في إسقاط طائرة واحدة .

ومن أحداث الحروب، التي جرت خلال العقود الماضية، حدث تغير كبير في مفهوم الهدف الإستراتيجي للحروب، حيث تراجعت أهمية احتلال الأرض، والاحتفاظ بها، وأصبح تدمير آلة الحرب وتخريب البنية الأساسية للعدو، هو الهدف الإستراتيجي، الذي تسعى الحرب القادمة لتحقيقه، باستخدام الأسلحة المتطورة، في قوة النيران، والقدرة على الدمار.

وقد طبق هذا الهدف، في حرب الخليج، حيث عمدت قوات التحالف إلى تدمير القدرات العسكرية وإتلاف البنية الأساسية للعراق، من دون أي مقاومة، تذكر من جانب الدفاع الجوي العراقي، وذلك باستخدام أسلحة أكثر تطوراً، مثل الطائرات الحديثة المخفية، والصواريخ الذكية، بمعاونة أنظمة الحرب الإلكترونية المتقدمة، ونفس السيناريو تكرر في حرب البلقان، بواسطة قوات حلف شمال الأطلسي، ضد القوات الصربية ومنشآت البنية الأساسية.

وتتبنى إسرائيل نفس العقيدة الإستراتيجية، وقد طبقتها في لبنان "عملية سهل البقاع"، التي أسقطت فيها أكثر من 50 مقاتلة سورية، فيما أطلقت عليه "ضربة جوية في الجو"، أي استدراج أكبر عدد من طائرات الجانب الآخر، بعيداً عن مكامنها المحصنة؛ لتهجم عليها، من بعد، مستخدمة تسليحها من الصواريخ جو/ جو، بعيدة المدى، ومستغلة ما لديها من أنظمة القيادة والسيطرة الآلية C³I، في معارك غير متكافئة، وهو ما تسميه قوة الردع بجانبها التقليدي وغير التقليدي، وأصبحت فكرة الردع الجسيم هي المهيمنة على الفكر الإستراتيجي الإسرائيلي، ولذلك جمعت كل عناصر الردع، التي تمتلكها بدعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية، وأنشأت لها "قيادة خاصة للقوات الإستراتيجية"، شأنها في ذلك شأن الدول العظمى.

سابعاً: المهام الأساسية لقيادة القوات الإستراتيجية
وتضم هذه القيادة الجديدة كل فاعليات الردع الهجومية والدفاعية، وخصصت لها ثلاث مهام أساسية هي:
1. التعامل الهجومي والدفاعي، مع التهديدات الإستراتيجية، خاصة أسلحة التدمير الشامل.
2. قيادة قوة الردع الإستراتيجي الهجومية، المكونة من صواريخ باليستية أرض/ أرض، والقاذفات بعيدة المدى، والغواصات، وكل منها له قدرة أسلحة دمار شامل.
3. إدارة النظام الدفاعي الإستراتيجي المضاد للصواريخ الباليستية، والذي، من المنتظر، بعد استكماله، أن ينضم إلى منظومة دفاعية إقليمية، تسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية.
هذا يؤكد اهتمام إسرائيل بعنصر الردع، فالعمق الضحل لإسرائيل يمثل بالنسبة إليها عاملاً شديد السلبية، تعتبره مصدر تهديد شديد الخطورة على كيانها ووجودها، خاصة إذا ما قورن بالعمق الكبير، الذي يمتد من الخليج إلى المحيط، ويمثل ميزة إيجابية جوهرية للعرب، خاصة إذا أحسن العرب استخدامه في إطار إستراتيجية قومية موحدة.

لذلك، فإن التهديدات المحتملة لمصر، في خلال العقد القادم، تتمثل في أسلحة بعيدة المدى، يمكنها الوصول إلى أي هدف، يقع في نطاق مجالها الحيوي، من طائرات، وصواريخ، وغواصات، جميعها قادرة على حمل رؤوس نووية، والوصول إلى أهداف بعيدة، وقد زادت قدرات الردع بدخول الغواصات المسلحة بأسلحة التدمير الشامل، حيث توفر هذه الغواصات لإسرائيل، إمكانية توجيه الضربة الثانية، من قواعد متحركة، على مسافات بعيدة، عبر البحار والمحيطات.

ثامناً: تطور أشكال التهديد الجوي والدور المنتظر للدفاع الجوي
مما سبق، نجد أن التهديدات المحتملة تتمثل في طائرات حديثة، وصواريخ باليستية، وصواريخ طوافة، إضافة إلى أنظمة قيادة وسيطرة، واستطلاع، وإنذار، وحرب إلكترونية حديثة، تدار بطائرات متقدمة للإنذار والقيادة والسيطرة، بالاستعانة، على نطاق واسع، بالأقمار الصناعية.

وهذا يحدد الدور الرئيسي لمنظومة الدفاع الجوي، في المستقبل، للتصدي لهذا الحشد من أنظمة الحرب الجوية والفضائية. وأن يكون التطور مبنياً على ركائز رئيسية، أهمها:
1. أن العالم يشهد، اليوم، ثورات من نوعيات جديدة، لعل أبرزها ثورة المعلومات والاتصالات، وأن هذا التطور سوف يعطي شكلاً جديداً للصراع المسلح، وسوف تتراجع أمامه، كثير من أشكال وأساليب ووسائل الحرب التقليدية، ونظم القيادة والسيطرة، وإدارة واستخدام لآليات الحرب، ومن ثم تغيير وتطوير شامل لتنظيم وتسليح منظومة الدفاع الجوي.

2. أن إحراز التقدم، في ميادين القتال، لا يتحقق بمدى تقدم التكنولوجيا العسكرية فقط ، ولكن يتحقق بابتكار أساليب وتكتيكات جديدة، للاستفادة من المجالات المختلفة المتاحة والمتوقعة.

3. إن طبيعة القتال المستقبلي امتداد واستمرار لمعركة الأسلحة المشتركة الحديثة، التي تحتم التعاون الوثيق والموقوت، بين كل الأسلحة، والإمكانيات والوسائل المتاحة، ومع ظهور أسلحة ذات مدى أبعد، ومعدلات نيران، وخفة حركة أكبر، ازدادت احتياجات ومطالب القادة، من نظم القيادة والسيطرة سواء للاستفادة من إمكانيات الأسلحة الحديثة، أو لمواجهتها، في الوقت والمكان المناسبين. وهذا الاحتياج أدى، وما زال يؤدي، إلى تطور هائل في وسائل تحليل المعلومات المختلفة، وإلى تدفق حجم هائل من المعلومات شديدة التنوع والاختلاف، إلى مراكز القيادة والسيطرة، على مختلف المستويات.
4. معظم الأسلحة ومعدات القتال تتطور إلى الأصغر حجماً، والأخف وزنا،ً والأقوى تأثيراً، والأبعد مدى، والأسرع حركة، والأكثر مرونة، والمتعددة المهام، والأقل ظهوراً، والأكثر مقاومة، والأكثر أمان،َ والأقل اعتماداً، على العنصر البشري، والأسهل استخداماً، والأيسر صيانة وإصلاحاً، والأقل أعباءً إدارية.
5. أن المادة الرئيسية، التي تتعامل معها جميع وسائل ونظم الدفاع الجوي، هي المعلومات، والإنذار، وأعمال الحرب الإلكترونية، ومن هذا نجد أن مراكز القيادة والسيطرة والتحكم، ستكون النموذج الأوضح للاستفادة من الأساليب الرقمية، في معدات القتال فائقة السرعة.

ومثال ذلك تكامل وسائل الإنذار المختلفة "راداري، وبصري، وحراري"، بالإضافة إلى الوسائل السلبية غير المشعة، والتي تعتمد على التقاط الإشعاع الكهرومغناطيسي، المنبعث من الوسائل الإلكترونية، التي تحملها الطائرات أو الموجودة في رؤوس الصواريخ المهاجمة .وسترتبط تلك الوسائل، من خلال شبكة الحاسبات والاتصالات، بوسائل الإنذار الموجودة في الفضاء، أو على متن طائرات الإنذار المبكر، بغرض تكامل الإنذار عن الهجمات الجوية والصاروخية، في وقت مبكر، يسمح بالاعتراض والتدمير، خارج الأجواء الصديقة.

6. ستكون سرعة أجيال صواريخ الدفاع الجوي، في معظمها، تفوق من 6 إلى 10 أضعاف سرعة الصوت، وتتميز بوجود أكثر من نوع من أنواع مستشعرات البحث والتتبع، في رأس الصاروخ، قادرة على تنفيذ المناورات الحادة، في أثناء تتبعها لأهدافها، كما سيتم استخدام المواد المركبة في بناء جسم الصاروخ لتقليل مقطعه الراداري، مع تطوير تكنولوجيا الوقود الصاروخي؛ لتقليل وزنه مع زيادة قوة الدفع والمدى.

خلاصة

1. يجب الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إلى أقصي درجة، على أن يؤخذ، في الاعتبار، أن تكون هناك إمكانية ذاتية لإنتاج هذه التكنولوجيا أو، على الأقل، إنتاج برامج تشغيلها.
2. الاعتماد على الذات، إلى أقصى درجة، وتفعيل التعاون العربي الإسلامي، خاصة في مجال الاستطلاع والمعلومات، لأنه مهما كان الحليف الأجنبي متعاونا،ً فإن تجارب الماضي شابها كثير من الشكوك.
3. عدم الاعتماد الكامل على أنظمة القيادة الآلية، لاحتمال وقوعها في أخطاء، أو تعطلها، أو الدخول عليها، مما يسبب وقوع القادة فريسة لعمليات خداع إلكتروني.
4. لما كانت الدول النامية لا تستطيع بناء منظومات كاملة للدفاع الجوي، بسبب الصعوبات المالية، وندرة الكفاءات العلمية، إضافة إلى السبق الهائل، الذي أحرز تحتم عليها ألا تغفل مبدأ الدفاع بالردع، وأن تخطط له، طبقاً لإمكانياتها وطبيعة الخصم.
5. وأخيراً، يلفت النظر رأى المحلل العسكري "دانيل جوريه"، في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطون، حيث أفاد أن من مساوئ نظم القيادة والسيطرة الحديثة، أنه إذا تعطلت شبكة الاتصالات، فإن الوضع سيكون أسوأ مما لم تكن موجودة أصلاً.
هذا إلى جانب مخاوف من خصم، يستطيع التغلب على التكنولوجيا بأساليب بدائية، أو باستعداد أفراد جيشه للتضحية بحياتهم، مما حدا المخططين على تحديث الجيوش، بضرورة تدريب نسبة كبيرة من وحدات الجيش، على أساليب الحرب التقليدية.

بحمد الله تم الانتهاء من الموضوع وارجو ان ينال اعجابكم من يريد ان يستفيد فل يقراء الموضوع
:shiny01[1]::shiny01[1]::shiny01[1]::shiny01[1]::shiny01[1]::shiny01[1]:




 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
رد: تاريخ الدفاع الجوى المصرى موضوع كامل

شكرا لك
موضوع أكثر من الرائع وكم كنت أتمني ان تدعمة بالصور
وان يشارك البعض بصور للمعدات المذكورة في الموضوع من مدافع مضادة للطائرات
والطائرات والصورايخ
مرة أخرة لك كل الشكر والأمتنان والتحية​
 
رد: تاريخ الدفاع الجوى المصرى موضوع كامل

شكرا اخي على الموضوع المميز واتمنا ان اجد الاس 400 في الاراضي المصرية فهو سيطير النوم من اعين الصهاينة
 
رد: تاريخ الدفاع الجوى المصرى موضوع كامل

موضوع ممتاز حقيقة نتمنى المزيد الاخ العزيز وياريت الصور فهي اضافة جيدة للموضوع
 
رد: تاريخ الدفاع الجوى المصرى موضوع كامل

مبدع يا اخي حسام مبدع موضوع في القمة في انتضار بعض الصور ان امكن بارك الله فيك
 
رد: تاريخ الدفاع الجوى المصرى موضوع كامل

بارك الله فيك علي اظهار هذه المعلومات القيمة
 
رد: تاريخ الدفاع الجوى المصرى موضوع كامل



قمت بدمج موضوع الصور مع الموضوع الأصلى , حتى لا يتشتت القارئ ما بين الموضوع الرئيسى وموضوع الصور ,

لكن واصل أخى وضع الصور كاملة .


 
رد: تاريخ الدفاع الجوى المصرى موضوع كامل

مو ضــــوع أكثر من راااائع .. عن الدفاع الجوى المصرى العملاق .. (النشأة-التاريخ-التحديات ..)
بارك الله فيك .. وتستاهل أحلى تقييم ..
أتمنى من مشرفى المنتدى تعديل الموضوع بإضافة صور عن كل سلاح ومنظومة (صواريخ-رادار-مقاتلات-قذائف .... ) .. حيبقى موضوع جبار ..
 
رد: تاريخ الدفاع الجوى المصرى موضوع كامل

شكرا لك يا اخي العزيز علي هذا الموضوع الرائع بل والاكثر من رائع موضوع شامل -شيق-مدعوم
فالشكر كل الشكر لك يا اخي علي هذا الموضوع ونرجوا منك المزيد باذن الله
 
رد: تاريخ الدفاع الجوى المصرى موضوع كامل

يعنى اقول ايه انا مش عارف اقول ايه على الموضوع الجامد ده
والله من احلى الموضوعات اللى قراتها
تسلم ايدك يا رب
ومستنين منك المزيد
 
رد: تاريخ الدفاع الجوى المصرى موضوع كامل

موضوع اكثر من رائع وهدية منى نشيد الجيش المصرى/الدفاع الجوى

رسمنا علي القلب وجه الوطن --- نخيلا ونيلا وشعبا اصيلا
وصناك يامصر طول الزمن --- ليبقي شبابك جيلا فجيلا

علي كل ارض تركنا علامة --- قلاعا من النور تحمي الكرامة
عروبتنا تفتديك القلوب --- ويحميك بالدم جيش الكنانة

وتنساب يا نيل حرا طليقا --- لتحكي ضفافك معني النضال
وتبقي مدي الدهر حصنا عريقا --- بصدق القلوب وعزم الرجال

رسمنا علي القلب وجه الوطن --- نخيلا ونيلا وشعبا اصيلا
وصناك يامصر طول الزمن --- ليبقي شبابك جيلا فجيلا

يد الله يا مصر ترعي سماك --- وفي ساحة الحق يعلو نداك
ومادام جيشك يحمي حماك --- ستمضي الي النصر دوما خطاك

سلام عليك اذا ما دعانا --- رسول الجهاد ليوم الفداء
وسالت مع النيل يوما دمانا --- لنبني لمصر العلا والرخاء

رسمنا علي القلب وجه الوطن --- نخيلا ونيلا وشعبا اصيلا
وصناك يامصر طول الزمن --- ليبقي شبابك جيلا فجيلا
 
عودة
أعلى