حرب الاستنزاف من وجهة النظر المصرية

يحي الشاعر

كبير المؤرخين العسكريين
عضو مميز
إنضم
2 فبراير 2008
المشاركات
1,560
التفاعل
98 0 0

حرب الاستنزاف من وجهة النظر المصرية "الاستنزاف"

وقبل الخوض في غمار حرب الاستنزاف، يجب توضيح مفهوم تلك الحرب التي تُدار سياسياً وعسكرياً، لتغطية الفترة بين السلم والحرب الشاملة، إما بهدف الوصول في النهاية إلى سلم أفضل أو إلى وضع إستراتيجي أكثر مناسبة لخوض الحرب. وتتلخص المبادئ الرئيسية لحرب الاستنزاف في الآتي:


أن تسير ضمن مخطط عام يشمل التصعيد والتهدئة.
أن تشمل نقاط القوة لدى الجانب المصري، وتوجه بتركيز حاسم ضد نقاط الضعف والمراكز الحساسة لدى العدو، لتغيير ميزان القوى.
أن تتناسب مكاسب الاستنزاف مع تكاليف وردود فعل العدو.
أن يحقق تشتيت انتباه العدو ومجهوده إلى أكثر من اتجاه.
أن يصاحب بخطة إعلامية واقعية مدروسة، من دون تقليل أو تهويل.

وتعتمد خطة الاستنزاف على قاعدة داخلية ثابتة (إعداد الشعب من الداخل)، علماً أن حرب الاستنزاف لم تستحدث فقط في تلك الفترة الحساسة لإدارة الصراع في الشرق الأوسط، ولكنها تكررت كثيرا قبلها وأديرت في عديد من مسارح الحرب بعدها، لأنها تمثل أحد صور الصراع العسكري، التي تدار لتحقيق فوائدها في مجال محدد. ففي مسارح الحرب العالمية الثانية، كان لهذه الحرب شأنها في مسرح أوروبا الشرقية، كذلك استمرت طويلا عبر المانش بين ألمانيا وإنجلترا. كماً كان لها تأثير في مسرح شمال أفريقيا، وحصد منها المارشال مونتجمري عديداً من الخبرات في إدارة صراعه مع المارشال رومل. وفي الثمانينات من هذا القرن، اشتعلت هذه الحرب لعدة سنوات كاملة على الجبهة العراقية ـ الإيرانية حتى تمكن العراق من حسم الحرب لمصلحته.

وهناك تعريف آخر لحرب الاستنزاف في المعاجم العسكرية الأجنبية، وهو "السعي المستمر من القائد لإيقاع الخسائر في أفراد الخصم ومعداته وأسلحته ومؤسساته الإدارية والفنية وجبهته الداخلية ومعنوياته، بهدف كسب التفوق، الكمي والمعنوي، عليه، توطئة لدحره في معركة حاسمة تالية.

وهناك نوعان من حروب الاستنزاف، النوع الأول، ويضع أحد الأطراف خططه، ثم يدير أعمال القتال لتحقيق هدف سياسي عسكري محدد. بينما ينشب النوع الثاني نتيجة تداعي الأحداث بالمسرح بفعل مؤثرات تكتيكية وعملياتية تراكمية، تؤدي في النهاية إلى تبادل الطرفين لأسلوب الاستنزاف والاستنزاف المضاد بحذر وذكاء شديدين، حتى لا ينقلب الاستنزاف إلى حرب سافرة، وهو ما شهدته جبهة قناة السويس على امتداد الأشهر الثمانية عشر فيما بين مارس 1969 وأغسطس 1970، عندما تبارت العقول لإلحاق أشدّ الضرر بالخصم.

إلا أن الخبراء العسكريين اختلفوا في تقييم تلك المرحلة، ومن كان يستنزف من؟ بل تضاربت آراؤهم في جدواها ونتائجها، على الرغم من أنها كانت تمثل البوتقة التي انصهرت فيها القوات المتحاربة واكتسبت خبرات واسعة في صيغة الحرب، ولم يكن التدريب مهما اتسم بالواقعية يستطيع أن يحققها.

والواقع أن حرب الاستنزاف، بمراحلها المختلفة، اقتصرت على جبهة قناة السويس وعمق مصر، بينما ظلت جبهتي الضفة الغربية وهضبة الجولان هادئتين.


لماذا حرب الاستنزاف؟
لقد كان إصرار مصر على تسخين الجبهة عقب توقف القتال مباشرة تجسيدا حيا لرفض الهزيمة، وتعبيرا عمليا عن عقد العزم على إزالة آثار العدوان، ولما لم تكن قواتها المسلحة قد استعدت بعد لخوض حرب جديدة، فلم يكن أمامها إلا أن تمارس الاستنزاف.

وقد عبر عن ذلك كلا من العميد "يهوشع رفيف" السكرتير العسكري لوزير الدفاع، والعميد "شلومو جازيت" المشرف على الأراضي المحتلة عن ذلك بقولهما: من الواضح أن الغاية من إدارة مصر لحرب الاستنزاف، هو توريط إسرائيل في قتال نشط طويل المدى يتضمن أشكالا مختلفة من الصراع المسلح، يعلو على مستوى الحرب الكاذبة، ويهبط عن مستوى الحرب الكاملة، وتتدرج في الشدة واللين تبعاً للفرص السانحة والظروف المحيطة بالمسرح."

ولوزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، موشي ديان، قول مشهور في هذا الشأن "بأنه لا يميل إلى استخدام وسائل تمثيل الواقعية في تدريب قواته على المعارك، فالقوات العربية الني تخوض معها القتال بين الآونة والأخرى تعتبر أفضل أنواع الواقعية في التطعيم للمعركة.


تطور مراحل حرب الاستنزاف من وجهة النظر المصرية

في الوقت الذي كان يتم فيه إعادة بناء القوات المسلحة، كان التخطيط لأعمال القتال يسير بخطى ثابتة، تتماشى مع نمو قدرات القوات التي بدأت تتغلب على المصاعب التي تواجهها واحدة بعد الأخرى، وتعمل بجهد مستميت للدفاع عن منطقة القناة. وفي الوقت نفسه، كان لا بد من القتال ضد القوات الإسرائيلية حتى تدفع ثمنا غاليا لاستمرارها في احتلال سيناء حتى يأتي اليوم الذي يتم فيه تحريرها بالقوة.
كان من الضروري أن يبدأ الصراع المسلح ضد إسرائيل بمرحلة أطلق عليها مرحلة "الصمود"، انتقلت بعدها القوات إلى مرحلة أخرى سميت "الدفاع النشط"، ثم تطور القتال إلى مرحلة جديدة تصاعدت فيها حرب الاستنزاف لتصل إلى قمتها.

ومرحلة الصمود، كان الهدف منها هو سرعة إعادة البناء، ووضع الهيكل الدفاعي عن الضفة الغربية لقناة السويس، وكان ذلك يتطلب هدوء الجبهة حتى توضع خطة الدفاع موضع التنفيذ بما تتطلبه من أعمال كثيرة وبصفة خاصة أعمال التجهيز الهندسي واستكمال القوات وتدريبها.

أما مرحلة الدفاع النشط، فكان الغرض منها ـ على ضوء تطوير التسليح وبناء الدفاع ـ هو تنشيط الجبهة والاشتباك بالنيران مع العدو بغرض تقييد حركة قواته في الخطوط الأمامية على الضفة الشرقية للقناة، وتكبيد العدو قدرا من الخسائر في أفراده ومعداته.

ثم جاءت المرحلة الأخيرة بتصعيد القتال للقمة من خلال عبور بعض القوات والإغارة على الدفاعات الإسرائيلية، من أجل تدمير تحصيناته وتكبيده أكبر قدر من الخسائر في الأفراد والمعدات وإقناعه بأنه لا بد من دفع الثمن غاليا للبقاء في سيناء، وانتهت هذه المرحلة في أغسطس عام 1970 عندما توقف إطلاق النار بناء على مبادرة أمريكية والمعروفة باسم "مبادرة روجرز".

وأثبتت حرب الاستنزاف أن قوة صمود مصر وتحملها وقوة إرادتها وتمسكها بهدفها الأسمى، كانت هي العناصر الأساسية، التي أعادت الثقة بعد أن كادت نكسة يونيه 67 تقضي عليه.


أهداف حرب الاستنزاف

جاءت الأهداف التي حددتها القيادة المصرية عندما خططت لحرب الاستنزاف، متمشية مع ما وصلت إليه القوات من الثقة بالنفس، ما جعلها قادرة على الدفاع عن نفسها وعن الوطن، مع إنزال أكبر الضربات وأوسعها مدى بالعدو، والقدرة على استيعاب الضربات التي يمكن أن يوجهها العدو إليها.

كانت هذه الحرب تهدف، بصفة عامة، إلى استنزاف العدو مادياً وعسكرياً ومعنوياً، بتدمير قواته وإلحاق أكبر قدر من الخسائر البشرية، وبالتالي دفع الثمن الذي سيتحمله طالما بقى محتلاً للأرض. وفي الوقت نفسه، عدم ترك الفرصة لكي يثبت مواقعه ويدعم تحصيناته، خاصة بعد أن بدأ في إقامة ما يسمى "بخط بارليف". كذلك، كانت تهدف بصفة أسـاسية إلى التدريب العملي والواقعي للقوات المسلحة في ساحة القتال الفعلية، وتنفيذ عمليات عبور متنوعة استعداداً لتحرير الأرض، مع إقناع المجتمع الدولي والعدو أن مصر لا تنوي، تحت أي ظرف من الظروف، التخلي عن حقها في استرداد سيناء، وحقها في تحرير أرضها.

أمّا عن الأهداف التفصيلية فيمكن بلورتها في الآتي:


على المستوى السياسي:

أن ممارسة حرب الاستنزاف كان هدفاً يخدم مصالح العرب، السياسية والعسكرية، بينما يضر بمصالح إسرائيل، التي كانت حالة اللاسلم واللاحرب تحقق لها هدف ترسيخ الأمر الواقع في المسرح، وتنعش آمالها برضوخ العرب في آخر المطاف.

تحريك القضية وإيقاظ ذاكرة العالم بأن منطقة الشرق الأوسط لا تزال ساخنة، وأن الشعب المصري يرفض الأمر الواقع، وأنه يصر على تحرير أرضه، وأن الخط الذي وصلت إليه القوات الإسرائيلية لن يكون أبداً خط هدنة جديد.

منع الولايات المتحدة وإسرائيل من فرض الأمر الواقع، من خلال احتلال الأراضي العربية، وإحباط همم الشعوب في استعادة هذه الأراضي.

تحفيز الاتحاد السوفيتي لسرعة إمداد مصر بأسلحة متقدمة، تحقق القدرة على تحرير الأرض، وإحداث توازن مع العدو.

القدرة على تعبئة الشعور الوطني والجبهة الداخلية خلف القوات المسلحة.

تعبئة الطاقات والموارد العربية، كل بقدر طاقته واستعداده.

يمكن أن تحقق الحرب عدة مزايا سياسية ودبلوماسية من خلال ممارسة القوات المسلحة للاستنزاف الناجح. لأنه لم يكن ليتحقق شيء، إذا ظلت الجبهة راكدة وقواتها في حالة استرخاء. كما أن هذه الحرب يمكن أن تدفـع القوى الكبرى والمحافل الدولية إلى بذل الجهود العريضة للوصول إلى صيغة تفاوضية، تقدم الحل الوسط، الذي ترضى عنه الأطراف المتحاربة.


على المستوى العسكري

كانت المهام التي حددتها القيادة العامة المصرية لقواتها في حرب الاستنزاف هي:

منع العدو من القيام بالاستطلاع بمختلف أنواعه، البري والبحري والجوي.
منع تحركات العدو على الضفة الشرقية للقناة وتدمير أي أرتال يمكن رصدها هناك.

منع العدو من إقامة منشآت هندسية أو تحصينات ميدانية، وتدمير ما ينجح في إقامته منها أولاً بأول.
إسكات بطاريات مدفعية العدو ومصادر نيرانه البرية.

إرهاق العدو وإيقاع أشد الخسائر بجنوده وأسلحته ومعداته، والسعي إلى القبض على الأسرى، والحصول على الوثائق والأسلحة والمعدات.

تطعيم القوات المسلحة المصرية للمعركة المقبلة، من واقع الخبرات المكتسبة من الاستنزاف القتالي العنيف.


وكانت الأهداف، كما يلي:

كان من الضروري إزالة الآثار الناجمة عن معاناة المقاتلين من جرّاء الهزيمة برفع المعنويات واستعادة الثقة بالنفس والقادة والسلاح وتطويره، مع تسليح الفرد بالعزم والإصرار وقوة الإيمان وبعدالة القضية، وذلك بهدف رفع الكفاءة القتالية والتي ستتيح له حتما أفضل أداء لتحقيق النصر كهدف نهائي.

كان لا بدّ من الحصول على نصر عسكري، ولو جزئي، وإظهار تصميم وقدرة الجيش المصري في تحرير الأرض، وأن القوات المصرية قد تطورت. ولهذا، كان قرار القيادة أن يمر كل فرد من أفراد القوات المسلحة خلال ممر معنوي، يحقق عقيدة تحرير الأرض. فأصبح واجب كل فرد، هو العبور شرقاً وقتال العدو في سيناء، حتى تتحقق الأهداف، مهما بلغت الخسائر، ومهما كان رد العدو الجوي ضد القوات المصرية.

التركيز على الفرد المقاتل الإسرائيلي، وتنفيذ عمليات اقتناصه. لذا، كُلّفت كل كتيبة في الجبهة بالحصول على أسير إسرائيلي شهريا على الأقل، وأن تكون هي المبادرة في كل شيء، وأن يعطى للقادة على كافة المستويات حرية اتخاذ القرار.

إنهاك الجانب المعادي، بشرياً ومعنوياً واقتصادياً، كغاية أولى، واكتساب الخبرة الميدانية ومواصلة الاستعداد لحرب جديدة تحت ظروف أفضل، كغاية ثانية.

توفير المناخ المثالي لخلق المقاتل العربي الكفء، الذي يستطيع أن ينفض ركام الهزيمة ليعبر أعتى الموانع ويقتحم الحصون، وإتاحة الفرصة المتكافئة لقتال العدو وجها لوجه وقتله وأسره.

اختبار كفاءة الأسلحة، وكذا أساليب القتال واختبار الأنسب منها من أجل تطوير هذه الأسلحة والخروج بعقيدة قتالية مصرية خالصة.

إمكانية اختيار القادة الأصلح للتخطيط وإدارة القتال، وذلك خلال حرب فعلية ضد الجانب الإسرائيلي.
إن شن هذه الحرب من شأنه أن يبرز نقاط ضعف تسليح القوات المصرية، ومن ثَمّ سيكون هناك دافعاً نحو طلب المزيد من الأسلحة المتطورة والحديثة من الاتحاد السوفيتي.

مواجهة الحرب النفسية التي شنتها إسرائيل والدعاية التي أعلنتها، بأن الجيوش العربية بصفة عامة، والجيش المصري بصفة خاصة، لن تقوم لها قائمة بعد الآن.

تحسين القدرة القتالية للفرد المقاتل ورفع مستوى أدائه الميداني، وتطعيم القوات للمعركة وبث الروح الهجومية فيها وتدريبها عمليا على عبور القناة وقتال العدو وقهره.


على المستوى الاقتصادي


فرض حالة من الاستنزاف الاقتصادي على إسرائيل، من خلال الاحتفاظ بنسبة عالية من قواتها في حالة تعبئة واستعداد دائم، والتأثير السلبي على معنويات أفرادها وشعبها.

خفض معدل النمو الاقتصادي، وزيادة العبء الذي يتحمله المواطن الإسرائيلي.

زيادة النفقات التي يتكبدها الاقتصاد الإسرائيلي، من خلال بناء الخط الدفاعي الذي يتم تدميره من آن لآخر، وكذا خسائره التي تتحملها القوات، وتدمير الأسلحة، وكذا نفقات طلعات الطيران، إذ "تتكلف الطلعة الواحدة نحو 3700 دولار في المتوسط، وتحتاج الطائرة إلى صيانة كاملة كل مائتي ساعة طيران بتكلفة 3 مليون دولار".

استدعاء الاحتياط للخدمة العسكرية، والتي يساوي 750 ألف رجل/ يوم من العمالة بشتى أنواعها، وهو أمر يؤثر على القوى العاملة والإنتاج.

ومن ثَمّ، كانت حرب الاستنزاف ضرورة تتطلبها الظروف، ودافعاً تحتمه المتغيرات الجديدة على الساحتين الدولية والإقليمية، وكان مطلباً جماهيرياً من أجل مواجهة الغرور الإسرائيلي بعد حرب يونيه 1967.







عــرض خـــرائط عمليات عسكرية لبطولات القوات المسلحة المصرية والبحرية المصرية
وعملية من المخابرات العامة خلال حرب الأستنزاف







يحى الشاعر


 
مشكوووووووووووووووووووووووووووووووووور
 
رد: حرب الاستنزاف من وجهة النظر المصرية

مشششكوووور فحرب الاستنزاف كلفت اسرائيل ثمنا باهظا لوجودها في سيناء
 
عودة
أعلى