الموقف العالمي قبل شن حرب 1967 مباشرة
تباين الموقف العالمي على الساحة، بين مؤيد لهذا ومؤيد لذاك، وكان الغرب في معظمه من مؤيدي إسرائيل، بينما كان الاتحاد السوفيتي مؤيدا للعرب، وكان العرب أنفسهم بين قاب قوسين أو أدنى في اتجاه الحرب.. ولكنهم لا يدرون أنها قادمة لهم بشراسة.
موقف الولايات المتحدة
تباين موقف الولايات المتحدة الرسمي، عن موقفها غير المعلن، والذي كان يعطي الضوء الأخضر لإسرائيل بشن حرب في التوقيت الذي تختاره، على ألا تعلن أي علاقة بهذه الحرب من قبل الولايات المتحدة، وهو ما أشرنا إليه في السابق.
الاتحاد السوفيتي
قبل يومين من الحرب.. استدعى وزير الخارجية السوفيتي، سفير إسرائيل في موسكو وسلمه بياناً رسمياً لينقله إلى الحكومة الإسرائيلية، وقال البيان في فقرته الأخيرة، "تود الحكومة السوفيتية أن تكرر وتوضح أنها سوف تبذل كل ما في وسعها من أجل نشوب الصراع العسكري المسلح. وهي تركز جهودها الآن على تحقيق هذا الهدف، ولكن إذا قررت إسرائيل تحمل مسؤولية نشوب الحرب، فسوف تدفع ثمن نتائج هذه الحرب بأكملها".
الموقف الفرنسي
تعارضت ردود الفعل الفرنسية، بين الموقف الرسمي، والموقف الشعبي الذي تسيطر عليه المصالح اليهودية في فرنسا. وقد سارت مظاهرات ضخمة تؤيد إسرائيل، ولكنها لم تؤثر على ديجول. ففي الثاني من يونيه قرر مجلس الوزراء الفرنسي أن فرنسا لا تعتبر نفسها ملتزمة إزاء أي طرف من الأطراف في الشرق الأوسط. وتعترف فرنسا بحق الوجود لجميع الدول في المنطقة. ويجب على هذه الدول جميعاً أن تمتنع عن جميع أشكال العنف، والدولة التي تبدأ باستخدام القوة المسلحة، سوف تخسر تأييد فرنسا لها. والمشكلات المتعلقة بالملاحة في خليج العقبة، وكذلك مشكلات اللاجئين العرب، والعلاقات بين دول المنطقة ينبغي أن تحلها الدول الكبرى فقط وهي الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وفرنسا وبريطانيا.
وفي الثالث من يونيه، صدر إعلان بأن فرنسا قد قررت مؤقتاً وقف تزويد إسرائيل بالأسلحة. وأكد "ديجول" في حديثه له مع السفير الإسرائيلي في فرنسا، "أنه يؤيد وجود إسرائيل، ولكنه قال أن عام 1967 ليس شبيها بعام 1957. ولم أكن أتولى السلطة وقتئذ. وفي الوقت نفسه، فإن فرنسا جددت علاقاتها مع العرب، وهي ترغب بشدة في تدعيم هذه العلاقة، وأصر "ديجول" على أن فرنسا أوقفت إمدادات السلاح إلى إسرائيل، لأن تريد منعها من شن الحرب".
الموقف البريطاني
كانت بريطانيا تقوم بتنسيق سياستها مع الولايات المتحدة، وكان "هارولد ويلسون" رئيس الوزراء البريطاني موجوداً في واشنطن في ذلك الوقت، ومستعداً على ما يبدو للاشتراك في الإجراءات التي اقترحها الرئيس "جونسون". أي توقيع إعلان ملائم والانضمام للقوة البحرية.
الموقف العربي
أعلن "عبدالناصر" مراراً أن هدفه في هذا الوقت هو تدمير إسرائيل، ووصل من الأقطار العربية مثل الكويت والجزائر مفارز من القوات لتدعيم مصر. وسرعان ما أحيطت إسرائيل بقوات عربية حتى مائتين وخمسون ألف جندي وأكثر من 2000 دبابة وحوالي 700 طائرة مقاتلة ومقاتلة قاذفة وذلك في الخط الأمامي وقد توقع الكثيرون من العالم أن إسرائيل على وشك التدمير ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراء دولي وقد كان مندوب الاتحاد السوفيتي والدول العربية في الأمم المتحدة يواصلون جهودهم لإعاقة أي مجهود يمكن أن يقود به فتح النيران للتدخل واعتراض الخطط العربية. وابتكروا طرق لتقليل خطورة الموقف والسماح للخطط العربية بالتقدم في طريقها.
بالنسبة لإسرائيل
أما الحكومة الإسرائيلية بقيادة ليفي "أشكول" قد بذلت جهوداً كبيرة لحل الأزمة بالطرق الدبلوماسية بإرسال وزير الخارجية "آبا إيبان" إلى رؤساء الحكومات إلى الدول الغربية ولكن كل ذلك لم يسفر عن شيء.
وقد تورطت إسرائيل في الأزمة وكانت قواتها وما تزال معبأة بما فيها الاحتياطي وبذلك تجردت البلد من قواتها البشرية. وتم دفن الشكوك القائمة من حيث قدرة حكومة "أشكول" في إقرار وشن الحرب. وقد ظهر التردد وفقد الشجاعة في بعض الأحيان على الجنرال "رابين" وقد تظاهر بتسممه بالنيكوتين وقد أصابه الخمول التام لمدة 48 ساعة وقد أخذ مكانه الجنرال "عيزرا وايزمان" والذي كان وقتئذ رئيساً لفرع العمليات في هيئة الأركان العامة ( كتب "عيزرا وايزمان" مقالاً صحفياً عقب ترشيح "رابين" لرئاسة الوزارة بعد استقالة "جولدا مائير" يقول فيه أن سلوك "رابين" عام 67 يجعله غير جدير بمنصب رئيس الوزراء ). وتصاعدت الضغوط السياسية في إسرائيل، في الوقت الذي كانت فيه الجيوش العربية تتحرك لدعم الجبهات، وانضمت لقوات "عبدالناصر" فرق إضافية من الدول العربية وطارت كتيبة فدائية مصرية إلى الأردن ومن هناك تحركت إلى منطقة اللطـرون لكي تقوم بعمليات ضد الطريق الرئيسي وشريان إسرائيل وهو طريق القدس ـ تل أبيب.
وبينما يسود الاضطراب العالم العربي كان "الملك حسين" يتوجه إلى الرئيس "عبدالناصر" في القاهرة بعد أن وصفه "عبدالناصر" قبلها بأسابيع بأنه عميل الإمبريالية، وكان ذهابه للقاهرة لتحقيق الوفاق معه وقد وضح في وقت لاحق للدبلوماسيين الغربيين أن ما فعله كان للحصول على التأمين لما كان يسود العالم العربي من اضطراب. وبعد أن وقع معاهدة دفاع مع "عبدالناصر" ووافق على ترشيح واحد من المصريين هو الفريق "عبدالمنعم رياض" كقائد للقوات العربية المشتركة التي تعمل على جبهة الأردن. وكان "الملك حسين" قد عاد إلى الأردن يوم 30 مايو وفي صحبته هذه المرة خصم عنيد لإسرائيل وهو "أحمد الشقيري" رئيس منظمة التحرير الفلسطينية. وبعد ثلاثة أيام وصل إلى الأردن الفريق "عبدالمنعم رياض" ليباشر عمله القيادي الجديد.
أما بالنسبة لإسرائيل فقد كانت من الناحية الإستراتيجية تواجه حشود من التحالف العسكري المتحفز بها وعلى الأقل من جبهتين هما الأردن ومصر وإزاء ما كان سائد، بأن الحرب أمر حتمي وسوف يتكرر واحد من العوامل التي حددت القرار في عام 1956. حيث أن قرار "بن جوريون" بالحرب لم يكن فقط بسبب سلوك "عبدالناصر" ولكن أيضاً بسبب تطور وازدياد التحالف العسكري ضد إسرائيل والذي كان يضم سورية ومصر، وقبل أسبوع من اتخاذ قرار الحرب شمل أيضاً الأردن. أما في عام 1967 فقد حدث تطور مفاجئ ومشابه بانضمام الأردن إلى التحالف الذي تم تشكيله من قبل كل من سورية ومصر، وهذا الموقف وضع قادة إسرائيل أمام مجال قليل من الخيارات. وفوق ذلك كانت الحكومة الإسرائيلية تعلن باستمرار وبوضوح من أن إغلاق مضايق تيران سيتم تفسيره من قبل إسرائيل على أنه إعلان بالحرب من جانب البلاد العربية.
وفي استرجاع الأحداث أصبح ممكناً الآن تقييم دور "عبدالناصر" للموقف وخطته للتحرك للمواجهة. وفي الواقع أنه كان من الممكن الحصول على رؤية واضحة لتفكير "عبدالناصر" وذلك بتحليل مقالات "محمد حسنين هيكل" محرر الأهرام والذي كان أقرب المقربين وأكثر ثقة لدى "عبدالناصر"، هذا وقد اتضح تفكير عبدالناصر في مقال لهيكل نشر في يوم 26 مايو وبات واضحاً من هذا المقال ومن تحليلات أخرى ظهرت في مصر، أنه عندما أمر "عبدالناصر" قوات الطوارئ الدولية بمغادرة البلاد يوم 17 مايو استند قراره على ثلاثة افتراضات :
أنه بعد انسحاب قوات الأمم المتحدة بناء على طلبه فسوف يغلق مضايق تيران أمام البحرية الإسرائيلية.
وأنه من المحتمل أن يلي هذا الإجراء محاولة إسرائيل فتح المضايق بالقوة وكسر الحصار وهذا سيؤدي للحرب.
أنه في حالة حدوث حرب فإن نسبة القوات وحالة الاستعداد للحرب في قواته سيحقق لمصر النجاح العسكري. وكان "عبدالناصر" مقتنعاً، بأنه في حالة جمع كل من الصراع العسكري والسياسي فستكون له اليد العليا.
آراء بعض قادة إسرائيل في قرار الحرب
يذكر "عيزرا وايزمان" ( رئيس إسرائيل الحالي ) في مذكراته: "أنه عندما دخل "موشي ديان" الوزارة، كان يعرف أن هناك احتمال في أن يصدر قراراً بدخول الحرب".. وأضاف: "أن حكومة "أشكول" كانت خائفة للغاية من اتخاذ قرار الحرب دون أن يكون "موشي ديان" مشتركاً في الحكومة.. فقد كانت الحكومة تريد اشتراك "موشي ديان" حتى إذا انتهت الحرب بكارثة، لا يتحملون هم وحدهم تبعاتها".
كما يستعيد "آبا إيبان"، وزير الخارجية، و"إيجال آلون"، وزير العمل، الأحداث بصورة مختلفة. فآبا إيبان يقول أن حكومة إسرائيل قررت الدخول في الحرب يوم أول يونيه، وقد فرض التحالف الذي تم بين القاهرة وعمان هذا القرار. ويوافق إيجال آلون على ذلك، ويضيف، أنه كان هناك خلاف في الحكومة وكانت الغالبية تأمل حل دبلوماسي، ولكن بعد 30 مايو، كانت الحرب أمراً ضرورياً لا مفر منها. ويضيف "شيمون بيريز": "أن السبب الرئيسي في الحرب كان الحلف العسكري الذي عقد بين الرئيس "عبدالناصر" و"الملك حسين". فقد شعرنا بأننا محاطون بشبكة من الأسلحة الروسية."
ويقول بن جوريون في كتابه
"إسرائيل تاريخ شخصي" ومما لا شك فيه أن الثقة الزائفة بالنصر لدى الدول العربية الأربع إنما نبعت من الموقف الذي اتخذه الاتحاد السوفيتي خلال الاثنى عشر عاماً الماضية، أي منذ صفقة الأسلحة السوفيتية الأولى لمصر ( عن طريق تشيكوسلوفاكيا ) في أكتوبر سنة 1955. فقد زودت موسكو مصر وسورية والعراق بألفي دبابة، 700 طائرة مقاتلة وقاذفة، وآلاف من مدفعية الميدان. وأنفقت مصر وحدها، في تلك الفترة، أربعة بلايين دولار على تعزيز قواتها المسلحة، كما حصلت من الاتحاد السوفيتي على أكثر من خمسمائة طائرة، 1300 دبابة، 540 مدفع ميدان، 130 مدفع متوسط المدى، 200 هاون عيار120 مم، 600 مدفعاً مضاداً للطائرات، 650 مدفعاً مضاداً للدبابات، 12 غواصة أو أكثر. كما كان بمصر، قبل حرب الأيام الستة، أكثر من خمسمائة من الضباط والمعلمين السوفييت .
"لقد ضاعفت أجهزة الدعاية السوفيتية نشاطها منذ وقوع الهجوم السوري على المستعمرات الإسرائيلية في الجليل الأعلى في 7 إبريل سنة 1967 عندما اضطرت القوات الجوية الإسرائيلية إلى الاشتباك وأسقطت ست طائرات ميج سورية. فقد قالت تلك الدعاية أن "إسرائيل تعمل لصالح الإمبريالية الأمريكية وشركات البترول الغربية". وردد الروس بصفة متواصلة القول بأن قوات إسرائيلية كبيرة تحتشد على الحدود السورية. وربما قصد السوفييت، بتركيز دعايتهم على وجود حشود عسكرية إسرائيلية مزعومة في الشمال، إلى تحويل أنظار الحكومة الإسرائيلية والعالم عن الاستعدادات المصرية في الجنوب، في شبه جزيرة سيناء".
واندلعت الحرب في هذه المرة من الجنوب وليس من الشمال، ذلك أن "عبدالناصر" منذ هزيمته في معارك سيناء 1956 ( ما بين أواخر أكتوبر وأوائل نوفمبر من عام 1956 )، كرس كل جهوده نحو تحويل المنطقة الشمالية الغربية من سيناء إلى قاعدة عسكرية حصينة من أجل شن هجوم واسع النطاق ضد إسرائيل. فأدخلت تحسينات على الطرق التي كانت موجودة قبل معارك سيناء وأعيد رصفها، كما أقيمت طرق جديدة. وأنشئت شبكات كبيرة من التحصينات على مقربة من الحدود الإسرائيلية وعلى خط يبدأ من غزة إلى رفح والعريش، ومن العريش إلى أبي عجيلة والقسيمة، وخلف ذلك امتدت شبكة من الدفاعات، والمعسكرات الحصينة والمطارات إلى عمق سيناء" .
"وتحول قطاع غزة، خلال تلك الحقبة، إلى معسكر مسلح حفرت فيه الخنادق، وزود بالمدرعات والمدفعية وبأنواع أخرى من الأسلحة. وعندما بدأت القوات المصرية الدخول إلى سيناء على نطاق واسع في 15 من مايو 1967، وجدت أمامها شبكات تموين مجهزة بالفعل بالذخيرة والوقود والإمدادات التموينية. وعندما بدأت الحرب في 5 يونيه بلغ عدد القوات المصرية التي احتشدت في سيناء وقطاع غزة سبع فرق، أي عدة مئات الألوف من الرجال. وكانت هناك، تحت تصرفهم، 1000 دبابة ومئات من مدفعية الميدان، كما كان رابضاً بمطارات سيناء طائرات اعتراضية وأخرى قاذفة مقاتلة".
"وكان قد تم توزيع فرق المشاة عبر المحاور شرقي سيناء، مع تركز القوات المدرعة في العمق بالأجزاء الوسطى والجنوبية لسيناء. وأقامت فرقة مشاة "فلسطين" رقم 20 بمعسكرات مؤقتة في قطاع غزة، ووضعت الفرقة 7 بين رفح والعريش وأخذت الفرقة الثانية مواقعها على المحور الأوسط في أبو عجيلة والقسيمة، ووضعت الفرقة 31 إلى غرب وجنوب العريش وأبو عجيلة، وفي جبل لبنى، وبير حسنة، أما الفرقة السادسة فقد أخذت مواقعها في الجناح الجنوبي بين نخل والكونتيلا. وكانت كل فرقة مشاة تضم أعداداً كبيرة من الدبابات. ووضعت فرقتان مدرعتان في وسط سيناء: الفرقة الرابعة المدرعة ـ وهي أفضل التشكيلات المصرية امتيازاً ـ وأخذت مواقعها بين بير جفجافة وبير تمادا، أما الفرقة الأولى المدرعة والتي كانت جنوب الكونتيلا على مسافة ليست بعيدة عن إيلات، فكانت مستعدة لاختراق صحراء النقب الإسرائيلية لشطر إيلات ومنطقة الخليج عن إسرائيل" .
وكان في مواجهة تلك القوة المصرية قوة مشاة إسرائيلية وقوى أخرى مدرعة يزيد عددها على ثلاثة فرق قادها على التوالي الجنرالات: "إسرائيل تال"، "آريل ( اريك ) شارون"، "إبراهام يوفي"، في ظل الرئاسة العامة لقائد الجبهة الجنوبية: "بيشا ياهو جافيش". وكانت كل فرقة تتألف من ألوية مشاة مدرعة وألوية مظليين، وكتائب مدفعية، وكتائب سلاح مهندسين، ووحدات لسلاح الإشارة ووحدات طبية.
الساعات الأخيرة قبل شن الهجوم
ربما يكون الشعور الشخصي الذي جال بخاطر وزير الدفاع والذي عين ليكون مسؤولاً عن إدارة الحرب هو أقرب الخواطر، للتعرف على المنهج التحليلي للسيكولوجية الإسرائيلية في مواجهة العدوان، التي تشنه على الدول العربية من آن لآخر .. يقول "موشي ديان" في خواطره: "بعد اجتماع مجلس الوزراء ( الذي عقد يوم 4 يونيه، واتخذ فيه قرار الحرب ).. عدت إلى تل أبيب، واجتمعت مع رئيس الأركان، ومع نائب رئيس العمليات، لاستعراض الخطط المقترحة في الجنوب. ثم سافرت إلى الشمال بالطائرة، لعقد اجتماع مع دادو "ديفيد اليعازر" قائد القيادة الشمالية وقتها.. وسمعت تقريره عن الموقف، وكذلك اقتراحاته. وقد أكدت ـ إزاء إلحاحه ـ على ضرورة عدم تسخين الجبهة السورية، وعدم القيام بأي عمل للاستيلاء على ثلاثة مواقع على الحدود السورية، حسبما كان يرغب، وإنني أعتقد أنه يجب عليه أن يدعم إجراءاتنا الدفاعية، ويوسع نطاق حقول الألغام، ويزيد من التحصينات. وأن المنطقة الوحيدة التي أرى أنه يمكن أن نتقدم فيها، هي المنطقة المنزوعة السلاح، على أن نتقدم حتى خط الحدود الدولية السابق، ولا نتخطاه. وسوف نفعل نفس الشيء في منطقة الحمة، التي قد نتقدم فيها شرقاً على طول نهر اليرموك، حتى نتمكن من تحويل نصيبنا من مياه هذا النهر إلى بحر الجليل ـ وفقا لما حدده مشروع جونسون لاستغلال مياه نهر الأردن. وكان من حقنا بموجب هذا المشروع الذي وضعه في الفترة بين عامي 1953-1956، "إيريك جونسون"، مبعوث الرئيس أيزنهاور وقتها، أن نشارك في مياه نهر اليرموك مع سورية والأردن. ولكن سورية قررت في آخر لحظة، بتحريض من مصر، ألا توقع الاتفاق لأسباب سياسية، وحرمت إسرائيل من نصيبها من المياه.
ولم يحدث شيء يذكر أثناء الليل، وكانت جميع قواتنا متأهبة للقتال حتى الفجر. وقد كانت تلك هي المرة الثالثة في حياتي التي توليت فيها منصباً هاماً في شؤون الدولة. ولكن في منصبي الحالي، كان اهتمامي الكامل منصباً على الحرب، ومسؤوليتي عنها. وكنت أشعر طوال الوقت بعبء المسؤولية التي أصبحت ملقاة على عاتقي. ولم أستطع أن أتجاهل ببساطة كلمات "بن جوريون" الذي حذر من دخول الحرب، كما لم أستطع أن أتجاهل موقف "ديجول"، ونصيحة "دين راسك" المحذرة، وخاصة تهديدات الروس، ولم يكن في استطاعتي أن أنسى الحرب السابقة، حملة سيناء، التي رفعت الروح المعنوية بالنصر، ولكنها خلقت في نفسي آثار جرح الانسحاب.
يضاف إلى ذلك، أن هذه كانت هي أول مرة أتصرف فيها على مسؤوليتي الخاصة، وبدون الخضوع لسلطة أعلى. حقاً أنني كنت تحت رئاسة رئيس الوزراء "ليفي أشكول". ولكن الواقع، ومن الناحية النفسية، كان هناك فرق كبير بين وضعي الحالي، ووضعي إبان حرب 1956. عندما كنت رئيساً للأركان، تحت قيادة "بن جوريون"، ولكني كنت أقدر من "بن جوريون"، وحتى عندما كنت أختلف معه، وأعتقد أنه كان مخطئاً، كنت أنفذ أوامره بقلب مفتوح، وأنا أعرف أنه قد يكون على حق في نهاية الأمر. أما في هذه المرة فكان الأمر مختلفا. فبصفتي وزيراً في حكومة "أشكول"، شعرت بأنني في حاجة إلى وزن الأمور، وكأني لا أخضع لأي رئاسة. وكان "بن جوريون" الذي كنت أحترم دائماً حكمته السياسية يقيم قريباً من مكتبي، ولكنني امتنعت عن الأخذ بمشورته. وكنت أعتقد أن نظرته إلى وضعنا غير سليمة، وأؤمن بأنه يعيش في عالم الماضي، فقد كان لا يزال يعجب "بديجول"، ويقدر نفوذ "عبدالناصر" بشكل مبالغ فيه، ويقلل من شأن قوات الدفاع الإسرائيلية المنضبطة. ومهما كانت النتيجة، فإن العجلة كانت قد دارت بالفعل. وكان علي أن أتصرف على مسؤوليتي
د. يحى الشاعر
تم تحرير المشاركة بواسطة يحى الشاعر: Feb 25 2007, 11:54 AM
تباين الموقف العالمي على الساحة، بين مؤيد لهذا ومؤيد لذاك، وكان الغرب في معظمه من مؤيدي إسرائيل، بينما كان الاتحاد السوفيتي مؤيدا للعرب، وكان العرب أنفسهم بين قاب قوسين أو أدنى في اتجاه الحرب.. ولكنهم لا يدرون أنها قادمة لهم بشراسة.
موقف الولايات المتحدة
تباين موقف الولايات المتحدة الرسمي، عن موقفها غير المعلن، والذي كان يعطي الضوء الأخضر لإسرائيل بشن حرب في التوقيت الذي تختاره، على ألا تعلن أي علاقة بهذه الحرب من قبل الولايات المتحدة، وهو ما أشرنا إليه في السابق.
الاتحاد السوفيتي
قبل يومين من الحرب.. استدعى وزير الخارجية السوفيتي، سفير إسرائيل في موسكو وسلمه بياناً رسمياً لينقله إلى الحكومة الإسرائيلية، وقال البيان في فقرته الأخيرة، "تود الحكومة السوفيتية أن تكرر وتوضح أنها سوف تبذل كل ما في وسعها من أجل نشوب الصراع العسكري المسلح. وهي تركز جهودها الآن على تحقيق هذا الهدف، ولكن إذا قررت إسرائيل تحمل مسؤولية نشوب الحرب، فسوف تدفع ثمن نتائج هذه الحرب بأكملها".
الموقف الفرنسي
تعارضت ردود الفعل الفرنسية، بين الموقف الرسمي، والموقف الشعبي الذي تسيطر عليه المصالح اليهودية في فرنسا. وقد سارت مظاهرات ضخمة تؤيد إسرائيل، ولكنها لم تؤثر على ديجول. ففي الثاني من يونيه قرر مجلس الوزراء الفرنسي أن فرنسا لا تعتبر نفسها ملتزمة إزاء أي طرف من الأطراف في الشرق الأوسط. وتعترف فرنسا بحق الوجود لجميع الدول في المنطقة. ويجب على هذه الدول جميعاً أن تمتنع عن جميع أشكال العنف، والدولة التي تبدأ باستخدام القوة المسلحة، سوف تخسر تأييد فرنسا لها. والمشكلات المتعلقة بالملاحة في خليج العقبة، وكذلك مشكلات اللاجئين العرب، والعلاقات بين دول المنطقة ينبغي أن تحلها الدول الكبرى فقط وهي الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وفرنسا وبريطانيا.
وفي الثالث من يونيه، صدر إعلان بأن فرنسا قد قررت مؤقتاً وقف تزويد إسرائيل بالأسلحة. وأكد "ديجول" في حديثه له مع السفير الإسرائيلي في فرنسا، "أنه يؤيد وجود إسرائيل، ولكنه قال أن عام 1967 ليس شبيها بعام 1957. ولم أكن أتولى السلطة وقتئذ. وفي الوقت نفسه، فإن فرنسا جددت علاقاتها مع العرب، وهي ترغب بشدة في تدعيم هذه العلاقة، وأصر "ديجول" على أن فرنسا أوقفت إمدادات السلاح إلى إسرائيل، لأن تريد منعها من شن الحرب".
الموقف البريطاني
كانت بريطانيا تقوم بتنسيق سياستها مع الولايات المتحدة، وكان "هارولد ويلسون" رئيس الوزراء البريطاني موجوداً في واشنطن في ذلك الوقت، ومستعداً على ما يبدو للاشتراك في الإجراءات التي اقترحها الرئيس "جونسون". أي توقيع إعلان ملائم والانضمام للقوة البحرية.
الموقف العربي
أعلن "عبدالناصر" مراراً أن هدفه في هذا الوقت هو تدمير إسرائيل، ووصل من الأقطار العربية مثل الكويت والجزائر مفارز من القوات لتدعيم مصر. وسرعان ما أحيطت إسرائيل بقوات عربية حتى مائتين وخمسون ألف جندي وأكثر من 2000 دبابة وحوالي 700 طائرة مقاتلة ومقاتلة قاذفة وذلك في الخط الأمامي وقد توقع الكثيرون من العالم أن إسرائيل على وشك التدمير ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراء دولي وقد كان مندوب الاتحاد السوفيتي والدول العربية في الأمم المتحدة يواصلون جهودهم لإعاقة أي مجهود يمكن أن يقود به فتح النيران للتدخل واعتراض الخطط العربية. وابتكروا طرق لتقليل خطورة الموقف والسماح للخطط العربية بالتقدم في طريقها.
بالنسبة لإسرائيل
أما الحكومة الإسرائيلية بقيادة ليفي "أشكول" قد بذلت جهوداً كبيرة لحل الأزمة بالطرق الدبلوماسية بإرسال وزير الخارجية "آبا إيبان" إلى رؤساء الحكومات إلى الدول الغربية ولكن كل ذلك لم يسفر عن شيء.
وقد تورطت إسرائيل في الأزمة وكانت قواتها وما تزال معبأة بما فيها الاحتياطي وبذلك تجردت البلد من قواتها البشرية. وتم دفن الشكوك القائمة من حيث قدرة حكومة "أشكول" في إقرار وشن الحرب. وقد ظهر التردد وفقد الشجاعة في بعض الأحيان على الجنرال "رابين" وقد تظاهر بتسممه بالنيكوتين وقد أصابه الخمول التام لمدة 48 ساعة وقد أخذ مكانه الجنرال "عيزرا وايزمان" والذي كان وقتئذ رئيساً لفرع العمليات في هيئة الأركان العامة ( كتب "عيزرا وايزمان" مقالاً صحفياً عقب ترشيح "رابين" لرئاسة الوزارة بعد استقالة "جولدا مائير" يقول فيه أن سلوك "رابين" عام 67 يجعله غير جدير بمنصب رئيس الوزراء ). وتصاعدت الضغوط السياسية في إسرائيل، في الوقت الذي كانت فيه الجيوش العربية تتحرك لدعم الجبهات، وانضمت لقوات "عبدالناصر" فرق إضافية من الدول العربية وطارت كتيبة فدائية مصرية إلى الأردن ومن هناك تحركت إلى منطقة اللطـرون لكي تقوم بعمليات ضد الطريق الرئيسي وشريان إسرائيل وهو طريق القدس ـ تل أبيب.
وبينما يسود الاضطراب العالم العربي كان "الملك حسين" يتوجه إلى الرئيس "عبدالناصر" في القاهرة بعد أن وصفه "عبدالناصر" قبلها بأسابيع بأنه عميل الإمبريالية، وكان ذهابه للقاهرة لتحقيق الوفاق معه وقد وضح في وقت لاحق للدبلوماسيين الغربيين أن ما فعله كان للحصول على التأمين لما كان يسود العالم العربي من اضطراب. وبعد أن وقع معاهدة دفاع مع "عبدالناصر" ووافق على ترشيح واحد من المصريين هو الفريق "عبدالمنعم رياض" كقائد للقوات العربية المشتركة التي تعمل على جبهة الأردن. وكان "الملك حسين" قد عاد إلى الأردن يوم 30 مايو وفي صحبته هذه المرة خصم عنيد لإسرائيل وهو "أحمد الشقيري" رئيس منظمة التحرير الفلسطينية. وبعد ثلاثة أيام وصل إلى الأردن الفريق "عبدالمنعم رياض" ليباشر عمله القيادي الجديد.
أما بالنسبة لإسرائيل فقد كانت من الناحية الإستراتيجية تواجه حشود من التحالف العسكري المتحفز بها وعلى الأقل من جبهتين هما الأردن ومصر وإزاء ما كان سائد، بأن الحرب أمر حتمي وسوف يتكرر واحد من العوامل التي حددت القرار في عام 1956. حيث أن قرار "بن جوريون" بالحرب لم يكن فقط بسبب سلوك "عبدالناصر" ولكن أيضاً بسبب تطور وازدياد التحالف العسكري ضد إسرائيل والذي كان يضم سورية ومصر، وقبل أسبوع من اتخاذ قرار الحرب شمل أيضاً الأردن. أما في عام 1967 فقد حدث تطور مفاجئ ومشابه بانضمام الأردن إلى التحالف الذي تم تشكيله من قبل كل من سورية ومصر، وهذا الموقف وضع قادة إسرائيل أمام مجال قليل من الخيارات. وفوق ذلك كانت الحكومة الإسرائيلية تعلن باستمرار وبوضوح من أن إغلاق مضايق تيران سيتم تفسيره من قبل إسرائيل على أنه إعلان بالحرب من جانب البلاد العربية.
وفي استرجاع الأحداث أصبح ممكناً الآن تقييم دور "عبدالناصر" للموقف وخطته للتحرك للمواجهة. وفي الواقع أنه كان من الممكن الحصول على رؤية واضحة لتفكير "عبدالناصر" وذلك بتحليل مقالات "محمد حسنين هيكل" محرر الأهرام والذي كان أقرب المقربين وأكثر ثقة لدى "عبدالناصر"، هذا وقد اتضح تفكير عبدالناصر في مقال لهيكل نشر في يوم 26 مايو وبات واضحاً من هذا المقال ومن تحليلات أخرى ظهرت في مصر، أنه عندما أمر "عبدالناصر" قوات الطوارئ الدولية بمغادرة البلاد يوم 17 مايو استند قراره على ثلاثة افتراضات :
أنه بعد انسحاب قوات الأمم المتحدة بناء على طلبه فسوف يغلق مضايق تيران أمام البحرية الإسرائيلية.
وأنه من المحتمل أن يلي هذا الإجراء محاولة إسرائيل فتح المضايق بالقوة وكسر الحصار وهذا سيؤدي للحرب.
أنه في حالة حدوث حرب فإن نسبة القوات وحالة الاستعداد للحرب في قواته سيحقق لمصر النجاح العسكري. وكان "عبدالناصر" مقتنعاً، بأنه في حالة جمع كل من الصراع العسكري والسياسي فستكون له اليد العليا.
آراء بعض قادة إسرائيل في قرار الحرب
يذكر "عيزرا وايزمان" ( رئيس إسرائيل الحالي ) في مذكراته: "أنه عندما دخل "موشي ديان" الوزارة، كان يعرف أن هناك احتمال في أن يصدر قراراً بدخول الحرب".. وأضاف: "أن حكومة "أشكول" كانت خائفة للغاية من اتخاذ قرار الحرب دون أن يكون "موشي ديان" مشتركاً في الحكومة.. فقد كانت الحكومة تريد اشتراك "موشي ديان" حتى إذا انتهت الحرب بكارثة، لا يتحملون هم وحدهم تبعاتها".
كما يستعيد "آبا إيبان"، وزير الخارجية، و"إيجال آلون"، وزير العمل، الأحداث بصورة مختلفة. فآبا إيبان يقول أن حكومة إسرائيل قررت الدخول في الحرب يوم أول يونيه، وقد فرض التحالف الذي تم بين القاهرة وعمان هذا القرار. ويوافق إيجال آلون على ذلك، ويضيف، أنه كان هناك خلاف في الحكومة وكانت الغالبية تأمل حل دبلوماسي، ولكن بعد 30 مايو، كانت الحرب أمراً ضرورياً لا مفر منها. ويضيف "شيمون بيريز": "أن السبب الرئيسي في الحرب كان الحلف العسكري الذي عقد بين الرئيس "عبدالناصر" و"الملك حسين". فقد شعرنا بأننا محاطون بشبكة من الأسلحة الروسية."
ويقول بن جوريون في كتابه
"إسرائيل تاريخ شخصي" ومما لا شك فيه أن الثقة الزائفة بالنصر لدى الدول العربية الأربع إنما نبعت من الموقف الذي اتخذه الاتحاد السوفيتي خلال الاثنى عشر عاماً الماضية، أي منذ صفقة الأسلحة السوفيتية الأولى لمصر ( عن طريق تشيكوسلوفاكيا ) في أكتوبر سنة 1955. فقد زودت موسكو مصر وسورية والعراق بألفي دبابة، 700 طائرة مقاتلة وقاذفة، وآلاف من مدفعية الميدان. وأنفقت مصر وحدها، في تلك الفترة، أربعة بلايين دولار على تعزيز قواتها المسلحة، كما حصلت من الاتحاد السوفيتي على أكثر من خمسمائة طائرة، 1300 دبابة، 540 مدفع ميدان، 130 مدفع متوسط المدى، 200 هاون عيار120 مم، 600 مدفعاً مضاداً للطائرات، 650 مدفعاً مضاداً للدبابات، 12 غواصة أو أكثر. كما كان بمصر، قبل حرب الأيام الستة، أكثر من خمسمائة من الضباط والمعلمين السوفييت .
"لقد ضاعفت أجهزة الدعاية السوفيتية نشاطها منذ وقوع الهجوم السوري على المستعمرات الإسرائيلية في الجليل الأعلى في 7 إبريل سنة 1967 عندما اضطرت القوات الجوية الإسرائيلية إلى الاشتباك وأسقطت ست طائرات ميج سورية. فقد قالت تلك الدعاية أن "إسرائيل تعمل لصالح الإمبريالية الأمريكية وشركات البترول الغربية". وردد الروس بصفة متواصلة القول بأن قوات إسرائيلية كبيرة تحتشد على الحدود السورية. وربما قصد السوفييت، بتركيز دعايتهم على وجود حشود عسكرية إسرائيلية مزعومة في الشمال، إلى تحويل أنظار الحكومة الإسرائيلية والعالم عن الاستعدادات المصرية في الجنوب، في شبه جزيرة سيناء".
واندلعت الحرب في هذه المرة من الجنوب وليس من الشمال، ذلك أن "عبدالناصر" منذ هزيمته في معارك سيناء 1956 ( ما بين أواخر أكتوبر وأوائل نوفمبر من عام 1956 )، كرس كل جهوده نحو تحويل المنطقة الشمالية الغربية من سيناء إلى قاعدة عسكرية حصينة من أجل شن هجوم واسع النطاق ضد إسرائيل. فأدخلت تحسينات على الطرق التي كانت موجودة قبل معارك سيناء وأعيد رصفها، كما أقيمت طرق جديدة. وأنشئت شبكات كبيرة من التحصينات على مقربة من الحدود الإسرائيلية وعلى خط يبدأ من غزة إلى رفح والعريش، ومن العريش إلى أبي عجيلة والقسيمة، وخلف ذلك امتدت شبكة من الدفاعات، والمعسكرات الحصينة والمطارات إلى عمق سيناء" .
"وتحول قطاع غزة، خلال تلك الحقبة، إلى معسكر مسلح حفرت فيه الخنادق، وزود بالمدرعات والمدفعية وبأنواع أخرى من الأسلحة. وعندما بدأت القوات المصرية الدخول إلى سيناء على نطاق واسع في 15 من مايو 1967، وجدت أمامها شبكات تموين مجهزة بالفعل بالذخيرة والوقود والإمدادات التموينية. وعندما بدأت الحرب في 5 يونيه بلغ عدد القوات المصرية التي احتشدت في سيناء وقطاع غزة سبع فرق، أي عدة مئات الألوف من الرجال. وكانت هناك، تحت تصرفهم، 1000 دبابة ومئات من مدفعية الميدان، كما كان رابضاً بمطارات سيناء طائرات اعتراضية وأخرى قاذفة مقاتلة".
"وكان قد تم توزيع فرق المشاة عبر المحاور شرقي سيناء، مع تركز القوات المدرعة في العمق بالأجزاء الوسطى والجنوبية لسيناء. وأقامت فرقة مشاة "فلسطين" رقم 20 بمعسكرات مؤقتة في قطاع غزة، ووضعت الفرقة 7 بين رفح والعريش وأخذت الفرقة الثانية مواقعها على المحور الأوسط في أبو عجيلة والقسيمة، ووضعت الفرقة 31 إلى غرب وجنوب العريش وأبو عجيلة، وفي جبل لبنى، وبير حسنة، أما الفرقة السادسة فقد أخذت مواقعها في الجناح الجنوبي بين نخل والكونتيلا. وكانت كل فرقة مشاة تضم أعداداً كبيرة من الدبابات. ووضعت فرقتان مدرعتان في وسط سيناء: الفرقة الرابعة المدرعة ـ وهي أفضل التشكيلات المصرية امتيازاً ـ وأخذت مواقعها بين بير جفجافة وبير تمادا، أما الفرقة الأولى المدرعة والتي كانت جنوب الكونتيلا على مسافة ليست بعيدة عن إيلات، فكانت مستعدة لاختراق صحراء النقب الإسرائيلية لشطر إيلات ومنطقة الخليج عن إسرائيل" .
وكان في مواجهة تلك القوة المصرية قوة مشاة إسرائيلية وقوى أخرى مدرعة يزيد عددها على ثلاثة فرق قادها على التوالي الجنرالات: "إسرائيل تال"، "آريل ( اريك ) شارون"، "إبراهام يوفي"، في ظل الرئاسة العامة لقائد الجبهة الجنوبية: "بيشا ياهو جافيش". وكانت كل فرقة تتألف من ألوية مشاة مدرعة وألوية مظليين، وكتائب مدفعية، وكتائب سلاح مهندسين، ووحدات لسلاح الإشارة ووحدات طبية.
الساعات الأخيرة قبل شن الهجوم
ربما يكون الشعور الشخصي الذي جال بخاطر وزير الدفاع والذي عين ليكون مسؤولاً عن إدارة الحرب هو أقرب الخواطر، للتعرف على المنهج التحليلي للسيكولوجية الإسرائيلية في مواجهة العدوان، التي تشنه على الدول العربية من آن لآخر .. يقول "موشي ديان" في خواطره: "بعد اجتماع مجلس الوزراء ( الذي عقد يوم 4 يونيه، واتخذ فيه قرار الحرب ).. عدت إلى تل أبيب، واجتمعت مع رئيس الأركان، ومع نائب رئيس العمليات، لاستعراض الخطط المقترحة في الجنوب. ثم سافرت إلى الشمال بالطائرة، لعقد اجتماع مع دادو "ديفيد اليعازر" قائد القيادة الشمالية وقتها.. وسمعت تقريره عن الموقف، وكذلك اقتراحاته. وقد أكدت ـ إزاء إلحاحه ـ على ضرورة عدم تسخين الجبهة السورية، وعدم القيام بأي عمل للاستيلاء على ثلاثة مواقع على الحدود السورية، حسبما كان يرغب، وإنني أعتقد أنه يجب عليه أن يدعم إجراءاتنا الدفاعية، ويوسع نطاق حقول الألغام، ويزيد من التحصينات. وأن المنطقة الوحيدة التي أرى أنه يمكن أن نتقدم فيها، هي المنطقة المنزوعة السلاح، على أن نتقدم حتى خط الحدود الدولية السابق، ولا نتخطاه. وسوف نفعل نفس الشيء في منطقة الحمة، التي قد نتقدم فيها شرقاً على طول نهر اليرموك، حتى نتمكن من تحويل نصيبنا من مياه هذا النهر إلى بحر الجليل ـ وفقا لما حدده مشروع جونسون لاستغلال مياه نهر الأردن. وكان من حقنا بموجب هذا المشروع الذي وضعه في الفترة بين عامي 1953-1956، "إيريك جونسون"، مبعوث الرئيس أيزنهاور وقتها، أن نشارك في مياه نهر اليرموك مع سورية والأردن. ولكن سورية قررت في آخر لحظة، بتحريض من مصر، ألا توقع الاتفاق لأسباب سياسية، وحرمت إسرائيل من نصيبها من المياه.
ولم يحدث شيء يذكر أثناء الليل، وكانت جميع قواتنا متأهبة للقتال حتى الفجر. وقد كانت تلك هي المرة الثالثة في حياتي التي توليت فيها منصباً هاماً في شؤون الدولة. ولكن في منصبي الحالي، كان اهتمامي الكامل منصباً على الحرب، ومسؤوليتي عنها. وكنت أشعر طوال الوقت بعبء المسؤولية التي أصبحت ملقاة على عاتقي. ولم أستطع أن أتجاهل ببساطة كلمات "بن جوريون" الذي حذر من دخول الحرب، كما لم أستطع أن أتجاهل موقف "ديجول"، ونصيحة "دين راسك" المحذرة، وخاصة تهديدات الروس، ولم يكن في استطاعتي أن أنسى الحرب السابقة، حملة سيناء، التي رفعت الروح المعنوية بالنصر، ولكنها خلقت في نفسي آثار جرح الانسحاب.
يضاف إلى ذلك، أن هذه كانت هي أول مرة أتصرف فيها على مسؤوليتي الخاصة، وبدون الخضوع لسلطة أعلى. حقاً أنني كنت تحت رئاسة رئيس الوزراء "ليفي أشكول". ولكن الواقع، ومن الناحية النفسية، كان هناك فرق كبير بين وضعي الحالي، ووضعي إبان حرب 1956. عندما كنت رئيساً للأركان، تحت قيادة "بن جوريون"، ولكني كنت أقدر من "بن جوريون"، وحتى عندما كنت أختلف معه، وأعتقد أنه كان مخطئاً، كنت أنفذ أوامره بقلب مفتوح، وأنا أعرف أنه قد يكون على حق في نهاية الأمر. أما في هذه المرة فكان الأمر مختلفا. فبصفتي وزيراً في حكومة "أشكول"، شعرت بأنني في حاجة إلى وزن الأمور، وكأني لا أخضع لأي رئاسة. وكان "بن جوريون" الذي كنت أحترم دائماً حكمته السياسية يقيم قريباً من مكتبي، ولكنني امتنعت عن الأخذ بمشورته. وكنت أعتقد أن نظرته إلى وضعنا غير سليمة، وأؤمن بأنه يعيش في عالم الماضي، فقد كان لا يزال يعجب "بديجول"، ويقدر نفوذ "عبدالناصر" بشكل مبالغ فيه، ويقلل من شأن قوات الدفاع الإسرائيلية المنضبطة. ومهما كانت النتيجة، فإن العجلة كانت قد دارت بالفعل. وكان علي أن أتصرف على مسؤوليتي
د. يحى الشاعر
تم تحرير المشاركة بواسطة يحى الشاعر: Feb 25 2007, 11:54 AM
التعديل الأخير: