لم يكن أمام إسرائيل إلا أن تتصرف وقفاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تعترف: "بحق كل دولة عضو من أعضاء الأمم المتحدة في الدفاع الشرعي عن النفس".
التعبئة الإسرائيلية لمجابهة الموقف قبل حرب 1967
كان هناك تعبئة عسكرية محدودة في إسرائيل قبل منتصف مايو 1967، بهدف الاحتفال بعيد استقلال الدولة ( كهدف معلن ).. والضغط السياسي في اتجاه سورية ( كهدف غير معلن ). وقد قامت القوات المسلحة الإسرائيلية بإجراء العرض العسكري في يوم الاستقلال لأول مرة في مدينة القدس الجديدة ( القدس الغربية ).. واستمرت تلك التعبئة مع تصاعد حدة الأزمات السياسية ـ العسكرية.. ويمكن القول، أن خطة التعبئة الإسرائيلية، وتوجيه الحشود إلى أماكن عملها المنتظر، تمت من خلال ثلاث مراحل رئيسية :
المرحلة الأولى:
واستغرقت الفترة من "15 ـ 22 مايو 67" وكانت بهدف تأمين الجبهة الجنوبية الإسرائيلية، من أي تهديد مصري.. وقد شملت العديد من لواءات المشاة / الآلية وكتائب الناحال، وكتائب المدرعات المستقلة، وحرس الحدود.
المرحلة الثانية:
واستمرت في الفترة من "23 ـ 31 مايو 67" وكانت تهدف إلى تكوين حشد رئيسي في مواجهة الجبهة المصرية، والاستعداد لشن عمليات تعرضية محدودة ضد قطاع غزة، للمساومة به في حل مشكلة خليج العقبة، مع الاستعداد لصد الهجوم المصري "المتوقع" في النقب، قبل توغله في عمق الدولة.
المرحلة الثالثة:
( 1 ـ 5 يونيه 1967 ): بدأت تلك المرحلة بتحول التصميم الإستراتيجي لإسرائيل، إلى العمل التعرضي الشامل على جميع الجبهات المحيطة بها، وتميزت بأنها تمت تحت سيطرة الجهاز العسكري الذي فرض إرادته على السلطة السياسية في إسرائيل .
التخطيط الإسرائيلي للحرب
مع تصاعد الأزمة، وإحساس "موشي ديان"، أنه قد يكون له دوراً رئيسياً فيها، فقد حرص على طلب الاستئذان في زيارة وحدات الجبهة الجنوبية، والاطلاع على الخطط حيث تمت تلك الجولة في الفترة من 23 ـ 30 مايو 1967. استعاد خلالها ديان نشاطاته العسكرية، والتي كانت قد توقفت منذ عدة سنوات عقب خروجه من الخدمة العسكرية في عام 1960 وسلك الطريق السياسي بتعيينه كوزير للزراعة، ثم عضو في الكنيست. وقد خرج ديان باعتبارين رئيسيين خلال تلك الزيارة، وهي أن الخطة العسكرية الموجودة وقتها، والتي كان مقدراً لها أن تبدأ يوم 26 مايو طبقاً ( لتبليغ عيزرا وايزمان ) رئيس العمليات له، ولم يتم ذلك لأسباب سياسية.. تتحدد في الاستيلاء على غزة، في مقابل المقايضة على فتح مضيق تيران لعبور السفن الإسرائيلية، والآخر هو أن كل تأخير في توقيت بدء الهجوم، يمثل خسارة لإسرائيل، وقد يحرمها من توجيه الضربة الأولى، بل قد يعرضها إلى أن تواجه الضربة الأولى التي تشنها مصر والعرب، والتي من الممكن أن تحدث خسائر كبيرة في إسرائيل مادياً ومعنوياً.
وقد كان هناك العديد من الإجراءات التنظيمية، التي صاحبت وضع الخطة الجديدة، والتي تعرضت لتعديلات كثيرة، بعد تعيين الجنرال "موشي ديان" وزيراً للدفاع. ومن تلك الإجراءات: تنظيم علاقة وزير الدفاع برئيس الوزراء، وقد تولى تنظيم تلك العلاقة الجنرال الاحتياط "إيجال يادين"، وهو رئيس أركان سابق للجيش الإسرائيلي، وكان يعمل أستاذاً للآثار في الجامعة العبرية خلال عام 1967. حيث كانت هذه هي المرحلة الثالثة في تاريخ إسرائيل القصير، التي يتم فيها فصل منصب وزير الدفاع عن رئاسة الوزارة.
وكانت المرة الأولى في الفترة من 1953 إلى 1955، أثناء اعتزال "بن جوريون" المؤقت وتولي "موشي شاديت" رئاسة الوزارة، وتعيين "بنحاس سابير" وزيرا للدفاع. والثانية من فبراير إلى نوفمبر 1955، عندما عاد "بن جوريون" كوزير للدفاع في حكومة "شاريت". على أنه لم يحدد ولم يعلن أو حتى يناقش مطلقاً أي تقسيم واضح للسلطات بين رئيس الوزراء ووزير الدفاع. وكان هذا التحديد مطلوباً بصفة الخاصة هذه المرة لسببين:
أن فصل المنصبين يحدث عشية الحرب.
أن "موشي ديان" تعين وزيرا للدفاع على غير رغبة رئيس الوزراء.
وكانت النقاط الرئيسية في فصل السلطات هي: "ألا يتصرف وزير الدفاع بدون موافقة رئيس الوزراء، عند شن الحرب ضد أي دولة أو مهاجمة أي دولة لم تشترك حتى تلك اللحظة في الحرب. وينفرد وزير الدفاع بإصدار أمر قصف أية دولة معادية، ما لم تكن تلك الدولة، قد قصفت أولاً المدن الإسرائيلية".
الاعتبارات الرئيسية في وضع الخطة
حدد "موشي ديان"، بصفته وزيراً للدفاع، ثلاثة مبادئ رئيسية لبلورة الخطة الجديدة بحيث أخذها في الاعتبار، وهي تتعلق بالوقت وبخطط العمليات نفسها، وهي:
أنه إذا كنا سنخوض الحرب، فلن يكون الانتظار في صالحنا، لأن المصريين يقومون بتحصين دفاعاتهم في ذلك الوقت.
أن مدة الحملة ـ إذا انتصرنا ـ ستكون محددة، نظراً لحتمية صدور قرار من مجلس الأمن، وفرض ضغط من جانب الدول الكبرى لوقف الحرب. وإذا اضطررنا إلى التوقف في منتصف الحملة، قبل القضاء على الجيش المصري في سيناء، فإن انسحابنا بعد ذلك، تحت الضغط السياسي، سوف ينظر إليه أنه فشل.
ينبغي أن تسير الحملة على مرحلتين: الأولى، تشمل الاستيلاء على شمال سيناء والثانية، الاستيلاء على المضيق وشرم الشيخ. فإذا انتهت المرحلة الأولى بانتصارنا، فيمكننا أن نمضي لتنفيذ المرحلة الثانية، وإذا لم ننتصر، فلن نتمكن من شن قتال في جنوب سيناء.
تضارب الآراء في تحديد هدف الخطة
في اجتماع مصغر ضم رئيس الوزراء ـ وذلك تحضيراً للجنة الدفاع التي ستنعقد في اليوم التالي ـ مع "موشي ديان، و"اسحق رابين"، و"إيجال آلون"، تعارضت أفكار "موشي ديان" وزير الدفاع، مع "إيجال آلون" وكانت وجهة نظر "ديان" التي عرضها هي: "أنه ينبغي أن نشن هجوماً عسكرياً دون إبطاء، وإذا اتخذ مجلس الوزراء هذا القرار في جلسته التالية "يوم4 يونيه".. فيجب أن نبدأ الهجوم في صباح اليوم التالي، ويجب أن يكون الهدف من عملنا هذا هو تدمير القوات المصرية المحتشدة في وسط سيناء، ويجب ألا يكون لنا هدف جغرافي، مهما كان نوعه. وينبغي عدم إدراج قطاع غزة في خططنا الخاصة بالقتال إلا إذا دخلت القوات العراقية، واحتلته طبقاً لما سبق من تهديد وتستمر الحملة ما بين ثلاثة إلى خمسة أيام" .
وتلخصت آراء "إيجال آلون" "التي تضاربت مع فكر موشي ديان" في الآتي: "الموافقة على فكر "موشي ديان" من حيث المبدأ، على أنه يجب أن نقترب من قناة السويس، لكي تشكل تهديداً لها، وسوف يتضح حينذاك أن في استطاعتنا إغلاقها لو قام المصريون ثانية، بإغلاق مضيق تيران.. في نفس الوقت ينبغي الاستيلاء على قطاع غزة، ووضع خطة لنقل اللاجئين الفلسطينيين الموجودين هناك، إلى مصر..".
ولقد اعترض "موشي ديان" على تلك الفكرة، بناء على وجهة نظره تتحد في الآتي :
أن الاقتراب من قناة السويس وتهديدنا لها سيكون خطأً جسيماً. فسوف يؤثر ذلك على مصالح دول قوية في العالم. ويجعل بعض أصدقاء هنا ينقلبون علينا، ولذلك يجب أن نتجنب الاقتراب كثيراً من القناة، وألا نتخذ التهديد بإغلاقها، أداة سياسية.
أن نقل اللاجئين إلى مصر، فهو من الأمور الصعبة، ويتطلب موافقة مصر أولاً، وألا سيكون عملاً همجياً وغير إنساني. بل العكس هو المطلوب بأن نضمن استمرار اضطلاع منظمة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بمسؤولية إدارة شؤون الفلسطينيين. وربما يكون ذلك ليس من السهل إجراءه، إذ من المحتمل أن تؤدي عملياتنا في سيناء إلى عزل القطاع عن مصر، وسوف يتعين عندئذ على منظمة غوث اللاجئين أن تتلقى إمداداتها عن طريق إسرائيل وقد لا توافق المنظمة على هذا الترتيب.
أما الخطة الخاصة بسيناء، والتي تبلورت وعرضت في مساء نفس اليوم، فكانت محددة في الآتي:
التغلغل على طول أربعة محاور، منها محوران متوازيان في منطقة رفح، في الطرف الجنوبي من قطاع غزة، واثنان في وسط سيناء.
ألا نقترب من قناة السويس، وألا نستولي على قطاع غزة، وألا نقترب ( في الوقت الحاضر ) من مضيق تيران، نظراً لأن الولايات المتحدة كانت تعالج مسألة حرية الملاحة.
العوامل المؤثرة على اتخاذ قرار الخطة الإستراتيجية الإسرائيلية
مع تبلور التخطيط الذي تنازعته آراء سياسية مختلفة في إسرائيل، فإن هيئة الأركان كانت تخضع الخطوة، طبقاً لمعايير عسكرية/سياسية، وبحيث تضمن النجاح عند التنفيذ وكانت أهم العوامل التي تم تقدير الموقف بناء عليها هي:
1. توقيت بدء الجولة
ومع التسليم، بأن كل وقت يمر كان في غير صالح إسرائيل إلا أن العوامل الآتية وضعت في الاعتبار عند اتخاذ القرار بسرعة شن الهجوم وهي:
أ. بدء الجبهات العربية المجاورة في تنسيق الأعمال العسكرية المشتركة بينهما ضد إسرائيل وفتح مركز القيادة المتقدم للقيادة المصرية الأردنية المتحالفة في عمان.
ب. وصول طلائع القوات العراقية البرية إلى جبهة الأردن اعتباراً من صباح يوم 5 يونيه.
ج. زيادة فعالية التساند العربي، ببدء وصول عناصر كويتية وجزائرية وسودانية وليبية إلى أراضي الجمهورية العربية المتحدة.
د. بدء نقل القوات المصرية من مسرح اليمن إلى مسرح سيناء.
هـ. الرغبة في إحباط فاعلية الصفقة المصرية ـ الروسية المعقودة يوم 26 مايو، ومنعها من تغيير حالة المقارنة العامة السائدة وقتئذ.
2. تحديد المجهود الرئيسي للعمل التعرضي الإسرائيلي، وأسبقية الضربات
فرض حجم القوات المصرية على رئاسة الأركان الإسرائيلية، أن تبدأ الجولة ضد جبهة سيناء. كما فرضت احتمالات سرعة رد الفعل المصري، عن ردي الفعل الأردني والسوري، أن تكون مصر، هي الهدف الأول للجولة، يليها الأردن ثم سورية.
3. أسلوب شن الحرب
كان هناك العديد من العوامل التي يجب أن تطبق، حتى تضمن إسرائيل النصر في تلك الجولة، ومن هذه العوامل:
أ. تحقيق المفاجأة الإستراتيجية
وقد حققت إسرائيل ذلك من خلال إخفاء نية وتوقيت واتجاه الهجوم وقوة الضربات وأسبقيات شنها على الجبهات المختلفة، كما توقف النجاح أيضاً على خطة خداع على المستوى السياسي والعسكري، تنفذ بدقة على مختلف الجبهات.
ب. العمل من خطوط داخلية
ويتيح هذا الأسلوب للقوات البرية الإسرائيلية، فرص القيام بمناورات استراتيجية وتكتيكية حاسمة، يمكن أن يتحقق ـ من خلالها ـ النصر الرخيص، بالعمل على طرد القوات المعادية بسرعة، خلف مانع أو عائق كبير. خاصة وأن الأوضاع النسبية للقوات المتضادة في المسرح تجعل القوات المعادية لإسرائيل متباعدين عن بعض، وليس بينهم أي تعاون يتم من خلال تحريك قوات، وهذا يعطي القوة الإسرائيلية ميزة الانفراد بكل طرف على حدة. وتوجيه الضربات المتتالية ضد الخصوم واحد تلو الآخر بما يشل القدرة القتالية لكل واحد منهم قبل الانتقال إلى الخصم التالي له.
ج. التفوق النوعي والكمي
توفرت للقوات الإسرائيلية إمكانيات تفوق نوعي من خلال الحصول على صفقات أسلحة عديدة من الولايات المتحدة، ومن مختلف الدول الأوروبية. وكانت إسرائيل تعلم جيداً مدى تفوق الأسلحة الغربية، والأمريكية بالذات، على مثيلاتها السوفيتية، وخصوصاً في مجال الطيران والمدرعات. وكانت أيضاً تشعر بميزة التفوق الكمي، نتيجة لوجود حوالي 40% من القوات المصرية في مسرح عمليات اليمن، مما يفقد القوات المصرية تفوقها الطبيعي التي كانت تحافظ عليه باستمرار ضد إسرائيل.
وقد استغلت إسرائيل تلك الميزتين كركائز أساسية في خطة العمل من خطوط داخلية.
د. توفر المعلومات التفصيلية الدقيقة
والتي حرصت إسرائيل على تجميعها بمختلف الطرق عن القوات المسلحة في الجبهات الثلاث المحيطة بإسرائيل، وكذا عن متابعة الحشود على الجبهات المختلفة، والنمط اليومي السائد فيها، وخاصة في القوات الجوية العربية ( التي ستوجه إليها الضربة الأولى ). وقد استغلت إسرائيل الإمكانيات الأمريكية في هذا المجال، علاوة على إمكانياتها الخاصة بها.
هـ. الوثوق في فاعلية الدعم العسكري
وخصوصاً من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، والتي قدمت لإسرائيل، أكثر مما أرادت بحيث لم تلتفت إلى الخطر الذي فرضه الجنرال "ديجول" على الأسلحة الفرنسية لإسرائيل. وقد وفر الدعم الأمريكي لإسرائيل، فرصة المخاطرة المحسوبة ضد العرب، والتصدي لأي تدخل سوفيتي على أي مستوى، ضد إسرائيل.
و. استغلال نقاط الضعف العربي
وكان من أبرز تلك النقاط، كما وردت في مذكرات القادة الإسرائيليين :
( 1 ) ضعف إمكانيات التقنية التي تستخدمها الجيوش العربية، مقارنة بما يستخدمه الجيش الإسرائيلي.
( 2 ) تشتت القدرات العسكرية المصرية، وهبوط كفاءتها القتالية، نتيجة الخدمة الطويلة بمسرح عمليات اليمن.
( 3 ) عدم اكتمـال مفهـوم معركة الأسلحة المشتركة، وانفصال أفرع القوات المسلحة في الجيش المصري ـ بصفة عامة ـ وباعتباره أكبر الجيوش العربية.
( 4 ) ضعف القدرة العسكرية بكل من سورية والأردن، نتيجة التمزقات الداخلية، وكثرة حركات التغيير في كوادر الضباط والرتب الأخرى.
الخطة الإستراتيجية الإسرائيلية ضد الجبهات العربية الثلاث
هدفت الخطة الهجومية الإسرائيلية، إلى بدء العمليات بتحطيم الغطاء الجوي العربي، وشن ثلاث ضربات متتالية ضد مصر ثم الأردن ثم سورية بالتتالي مع تركيز الهجوم على الجبهة المصرية "وتوقف القرار الأخير ( سياسياً ) بالهجوم على الأردن طبقاً للموقف الذي سيتخذه بمجرد بدء القتال.. ولكن كانت النية العسكرية مبيتة على شن الهجوم".
ولم تشمل الخطة مهاماً حاسمة للقوات البحرية الإسرائيلية، بل اقتصر التخطيط لها على القيام ببعض الإغارات والأعمال التعرضية المحدودة، ضد القواعد البحرية المصرية الرئيسية، علاوة على أعمال النقل في مسرح العمليات.
وركز التصميم في الخطة، على أهمية السرعة والحسم في تنفيذ أعمال القتال، بما يضمن تحقيق المهام المحددة في أقصر وقت ممكن لزيادة حدة النكسة العسكرية بالقوات العربية، وبهر أنظار العالم بالإضافة إلى عدم إعطاء القوى الأجنبية والهيئات العالمية الفرصة للتدخل في سير الأمور أو إيقاف الحرب. بالإضافة إلى العوامل الاقتصادية التي توجب التقليل من زمن الحرب، حتى لا يضار الاقتصاد الإسرائيلي بشدة.
يحى الشاعر
تم تحرير المشاركة بواسطة يحى الشاعر: Dec 19 2006, 02:56 PM
التعبئة الإسرائيلية لمجابهة الموقف قبل حرب 1967
كان هناك تعبئة عسكرية محدودة في إسرائيل قبل منتصف مايو 1967، بهدف الاحتفال بعيد استقلال الدولة ( كهدف معلن ).. والضغط السياسي في اتجاه سورية ( كهدف غير معلن ). وقد قامت القوات المسلحة الإسرائيلية بإجراء العرض العسكري في يوم الاستقلال لأول مرة في مدينة القدس الجديدة ( القدس الغربية ).. واستمرت تلك التعبئة مع تصاعد حدة الأزمات السياسية ـ العسكرية.. ويمكن القول، أن خطة التعبئة الإسرائيلية، وتوجيه الحشود إلى أماكن عملها المنتظر، تمت من خلال ثلاث مراحل رئيسية :
المرحلة الأولى:
واستغرقت الفترة من "15 ـ 22 مايو 67" وكانت بهدف تأمين الجبهة الجنوبية الإسرائيلية، من أي تهديد مصري.. وقد شملت العديد من لواءات المشاة / الآلية وكتائب الناحال، وكتائب المدرعات المستقلة، وحرس الحدود.
المرحلة الثانية:
واستمرت في الفترة من "23 ـ 31 مايو 67" وكانت تهدف إلى تكوين حشد رئيسي في مواجهة الجبهة المصرية، والاستعداد لشن عمليات تعرضية محدودة ضد قطاع غزة، للمساومة به في حل مشكلة خليج العقبة، مع الاستعداد لصد الهجوم المصري "المتوقع" في النقب، قبل توغله في عمق الدولة.
المرحلة الثالثة:
( 1 ـ 5 يونيه 1967 ): بدأت تلك المرحلة بتحول التصميم الإستراتيجي لإسرائيل، إلى العمل التعرضي الشامل على جميع الجبهات المحيطة بها، وتميزت بأنها تمت تحت سيطرة الجهاز العسكري الذي فرض إرادته على السلطة السياسية في إسرائيل .
التخطيط الإسرائيلي للحرب
مع تصاعد الأزمة، وإحساس "موشي ديان"، أنه قد يكون له دوراً رئيسياً فيها، فقد حرص على طلب الاستئذان في زيارة وحدات الجبهة الجنوبية، والاطلاع على الخطط حيث تمت تلك الجولة في الفترة من 23 ـ 30 مايو 1967. استعاد خلالها ديان نشاطاته العسكرية، والتي كانت قد توقفت منذ عدة سنوات عقب خروجه من الخدمة العسكرية في عام 1960 وسلك الطريق السياسي بتعيينه كوزير للزراعة، ثم عضو في الكنيست. وقد خرج ديان باعتبارين رئيسيين خلال تلك الزيارة، وهي أن الخطة العسكرية الموجودة وقتها، والتي كان مقدراً لها أن تبدأ يوم 26 مايو طبقاً ( لتبليغ عيزرا وايزمان ) رئيس العمليات له، ولم يتم ذلك لأسباب سياسية.. تتحدد في الاستيلاء على غزة، في مقابل المقايضة على فتح مضيق تيران لعبور السفن الإسرائيلية، والآخر هو أن كل تأخير في توقيت بدء الهجوم، يمثل خسارة لإسرائيل، وقد يحرمها من توجيه الضربة الأولى، بل قد يعرضها إلى أن تواجه الضربة الأولى التي تشنها مصر والعرب، والتي من الممكن أن تحدث خسائر كبيرة في إسرائيل مادياً ومعنوياً.
وقد كان هناك العديد من الإجراءات التنظيمية، التي صاحبت وضع الخطة الجديدة، والتي تعرضت لتعديلات كثيرة، بعد تعيين الجنرال "موشي ديان" وزيراً للدفاع. ومن تلك الإجراءات: تنظيم علاقة وزير الدفاع برئيس الوزراء، وقد تولى تنظيم تلك العلاقة الجنرال الاحتياط "إيجال يادين"، وهو رئيس أركان سابق للجيش الإسرائيلي، وكان يعمل أستاذاً للآثار في الجامعة العبرية خلال عام 1967. حيث كانت هذه هي المرحلة الثالثة في تاريخ إسرائيل القصير، التي يتم فيها فصل منصب وزير الدفاع عن رئاسة الوزارة.
وكانت المرة الأولى في الفترة من 1953 إلى 1955، أثناء اعتزال "بن جوريون" المؤقت وتولي "موشي شاديت" رئاسة الوزارة، وتعيين "بنحاس سابير" وزيرا للدفاع. والثانية من فبراير إلى نوفمبر 1955، عندما عاد "بن جوريون" كوزير للدفاع في حكومة "شاريت". على أنه لم يحدد ولم يعلن أو حتى يناقش مطلقاً أي تقسيم واضح للسلطات بين رئيس الوزراء ووزير الدفاع. وكان هذا التحديد مطلوباً بصفة الخاصة هذه المرة لسببين:
أن فصل المنصبين يحدث عشية الحرب.
أن "موشي ديان" تعين وزيرا للدفاع على غير رغبة رئيس الوزراء.
وكانت النقاط الرئيسية في فصل السلطات هي: "ألا يتصرف وزير الدفاع بدون موافقة رئيس الوزراء، عند شن الحرب ضد أي دولة أو مهاجمة أي دولة لم تشترك حتى تلك اللحظة في الحرب. وينفرد وزير الدفاع بإصدار أمر قصف أية دولة معادية، ما لم تكن تلك الدولة، قد قصفت أولاً المدن الإسرائيلية".
الاعتبارات الرئيسية في وضع الخطة
حدد "موشي ديان"، بصفته وزيراً للدفاع، ثلاثة مبادئ رئيسية لبلورة الخطة الجديدة بحيث أخذها في الاعتبار، وهي تتعلق بالوقت وبخطط العمليات نفسها، وهي:
أنه إذا كنا سنخوض الحرب، فلن يكون الانتظار في صالحنا، لأن المصريين يقومون بتحصين دفاعاتهم في ذلك الوقت.
أن مدة الحملة ـ إذا انتصرنا ـ ستكون محددة، نظراً لحتمية صدور قرار من مجلس الأمن، وفرض ضغط من جانب الدول الكبرى لوقف الحرب. وإذا اضطررنا إلى التوقف في منتصف الحملة، قبل القضاء على الجيش المصري في سيناء، فإن انسحابنا بعد ذلك، تحت الضغط السياسي، سوف ينظر إليه أنه فشل.
ينبغي أن تسير الحملة على مرحلتين: الأولى، تشمل الاستيلاء على شمال سيناء والثانية، الاستيلاء على المضيق وشرم الشيخ. فإذا انتهت المرحلة الأولى بانتصارنا، فيمكننا أن نمضي لتنفيذ المرحلة الثانية، وإذا لم ننتصر، فلن نتمكن من شن قتال في جنوب سيناء.
تضارب الآراء في تحديد هدف الخطة
في اجتماع مصغر ضم رئيس الوزراء ـ وذلك تحضيراً للجنة الدفاع التي ستنعقد في اليوم التالي ـ مع "موشي ديان، و"اسحق رابين"، و"إيجال آلون"، تعارضت أفكار "موشي ديان" وزير الدفاع، مع "إيجال آلون" وكانت وجهة نظر "ديان" التي عرضها هي: "أنه ينبغي أن نشن هجوماً عسكرياً دون إبطاء، وإذا اتخذ مجلس الوزراء هذا القرار في جلسته التالية "يوم4 يونيه".. فيجب أن نبدأ الهجوم في صباح اليوم التالي، ويجب أن يكون الهدف من عملنا هذا هو تدمير القوات المصرية المحتشدة في وسط سيناء، ويجب ألا يكون لنا هدف جغرافي، مهما كان نوعه. وينبغي عدم إدراج قطاع غزة في خططنا الخاصة بالقتال إلا إذا دخلت القوات العراقية، واحتلته طبقاً لما سبق من تهديد وتستمر الحملة ما بين ثلاثة إلى خمسة أيام" .
وتلخصت آراء "إيجال آلون" "التي تضاربت مع فكر موشي ديان" في الآتي: "الموافقة على فكر "موشي ديان" من حيث المبدأ، على أنه يجب أن نقترب من قناة السويس، لكي تشكل تهديداً لها، وسوف يتضح حينذاك أن في استطاعتنا إغلاقها لو قام المصريون ثانية، بإغلاق مضيق تيران.. في نفس الوقت ينبغي الاستيلاء على قطاع غزة، ووضع خطة لنقل اللاجئين الفلسطينيين الموجودين هناك، إلى مصر..".
ولقد اعترض "موشي ديان" على تلك الفكرة، بناء على وجهة نظره تتحد في الآتي :
أن الاقتراب من قناة السويس وتهديدنا لها سيكون خطأً جسيماً. فسوف يؤثر ذلك على مصالح دول قوية في العالم. ويجعل بعض أصدقاء هنا ينقلبون علينا، ولذلك يجب أن نتجنب الاقتراب كثيراً من القناة، وألا نتخذ التهديد بإغلاقها، أداة سياسية.
أن نقل اللاجئين إلى مصر، فهو من الأمور الصعبة، ويتطلب موافقة مصر أولاً، وألا سيكون عملاً همجياً وغير إنساني. بل العكس هو المطلوب بأن نضمن استمرار اضطلاع منظمة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بمسؤولية إدارة شؤون الفلسطينيين. وربما يكون ذلك ليس من السهل إجراءه، إذ من المحتمل أن تؤدي عملياتنا في سيناء إلى عزل القطاع عن مصر، وسوف يتعين عندئذ على منظمة غوث اللاجئين أن تتلقى إمداداتها عن طريق إسرائيل وقد لا توافق المنظمة على هذا الترتيب.
أما الخطة الخاصة بسيناء، والتي تبلورت وعرضت في مساء نفس اليوم، فكانت محددة في الآتي:
التغلغل على طول أربعة محاور، منها محوران متوازيان في منطقة رفح، في الطرف الجنوبي من قطاع غزة، واثنان في وسط سيناء.
ألا نقترب من قناة السويس، وألا نستولي على قطاع غزة، وألا نقترب ( في الوقت الحاضر ) من مضيق تيران، نظراً لأن الولايات المتحدة كانت تعالج مسألة حرية الملاحة.
العوامل المؤثرة على اتخاذ قرار الخطة الإستراتيجية الإسرائيلية
مع تبلور التخطيط الذي تنازعته آراء سياسية مختلفة في إسرائيل، فإن هيئة الأركان كانت تخضع الخطوة، طبقاً لمعايير عسكرية/سياسية، وبحيث تضمن النجاح عند التنفيذ وكانت أهم العوامل التي تم تقدير الموقف بناء عليها هي:
1. توقيت بدء الجولة
ومع التسليم، بأن كل وقت يمر كان في غير صالح إسرائيل إلا أن العوامل الآتية وضعت في الاعتبار عند اتخاذ القرار بسرعة شن الهجوم وهي:
أ. بدء الجبهات العربية المجاورة في تنسيق الأعمال العسكرية المشتركة بينهما ضد إسرائيل وفتح مركز القيادة المتقدم للقيادة المصرية الأردنية المتحالفة في عمان.
ب. وصول طلائع القوات العراقية البرية إلى جبهة الأردن اعتباراً من صباح يوم 5 يونيه.
ج. زيادة فعالية التساند العربي، ببدء وصول عناصر كويتية وجزائرية وسودانية وليبية إلى أراضي الجمهورية العربية المتحدة.
د. بدء نقل القوات المصرية من مسرح اليمن إلى مسرح سيناء.
هـ. الرغبة في إحباط فاعلية الصفقة المصرية ـ الروسية المعقودة يوم 26 مايو، ومنعها من تغيير حالة المقارنة العامة السائدة وقتئذ.
2. تحديد المجهود الرئيسي للعمل التعرضي الإسرائيلي، وأسبقية الضربات
فرض حجم القوات المصرية على رئاسة الأركان الإسرائيلية، أن تبدأ الجولة ضد جبهة سيناء. كما فرضت احتمالات سرعة رد الفعل المصري، عن ردي الفعل الأردني والسوري، أن تكون مصر، هي الهدف الأول للجولة، يليها الأردن ثم سورية.
3. أسلوب شن الحرب
كان هناك العديد من العوامل التي يجب أن تطبق، حتى تضمن إسرائيل النصر في تلك الجولة، ومن هذه العوامل:
أ. تحقيق المفاجأة الإستراتيجية
وقد حققت إسرائيل ذلك من خلال إخفاء نية وتوقيت واتجاه الهجوم وقوة الضربات وأسبقيات شنها على الجبهات المختلفة، كما توقف النجاح أيضاً على خطة خداع على المستوى السياسي والعسكري، تنفذ بدقة على مختلف الجبهات.
ب. العمل من خطوط داخلية
ويتيح هذا الأسلوب للقوات البرية الإسرائيلية، فرص القيام بمناورات استراتيجية وتكتيكية حاسمة، يمكن أن يتحقق ـ من خلالها ـ النصر الرخيص، بالعمل على طرد القوات المعادية بسرعة، خلف مانع أو عائق كبير. خاصة وأن الأوضاع النسبية للقوات المتضادة في المسرح تجعل القوات المعادية لإسرائيل متباعدين عن بعض، وليس بينهم أي تعاون يتم من خلال تحريك قوات، وهذا يعطي القوة الإسرائيلية ميزة الانفراد بكل طرف على حدة. وتوجيه الضربات المتتالية ضد الخصوم واحد تلو الآخر بما يشل القدرة القتالية لكل واحد منهم قبل الانتقال إلى الخصم التالي له.
ج. التفوق النوعي والكمي
توفرت للقوات الإسرائيلية إمكانيات تفوق نوعي من خلال الحصول على صفقات أسلحة عديدة من الولايات المتحدة، ومن مختلف الدول الأوروبية. وكانت إسرائيل تعلم جيداً مدى تفوق الأسلحة الغربية، والأمريكية بالذات، على مثيلاتها السوفيتية، وخصوصاً في مجال الطيران والمدرعات. وكانت أيضاً تشعر بميزة التفوق الكمي، نتيجة لوجود حوالي 40% من القوات المصرية في مسرح عمليات اليمن، مما يفقد القوات المصرية تفوقها الطبيعي التي كانت تحافظ عليه باستمرار ضد إسرائيل.
وقد استغلت إسرائيل تلك الميزتين كركائز أساسية في خطة العمل من خطوط داخلية.
د. توفر المعلومات التفصيلية الدقيقة
والتي حرصت إسرائيل على تجميعها بمختلف الطرق عن القوات المسلحة في الجبهات الثلاث المحيطة بإسرائيل، وكذا عن متابعة الحشود على الجبهات المختلفة، والنمط اليومي السائد فيها، وخاصة في القوات الجوية العربية ( التي ستوجه إليها الضربة الأولى ). وقد استغلت إسرائيل الإمكانيات الأمريكية في هذا المجال، علاوة على إمكانياتها الخاصة بها.
هـ. الوثوق في فاعلية الدعم العسكري
وخصوصاً من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، والتي قدمت لإسرائيل، أكثر مما أرادت بحيث لم تلتفت إلى الخطر الذي فرضه الجنرال "ديجول" على الأسلحة الفرنسية لإسرائيل. وقد وفر الدعم الأمريكي لإسرائيل، فرصة المخاطرة المحسوبة ضد العرب، والتصدي لأي تدخل سوفيتي على أي مستوى، ضد إسرائيل.
و. استغلال نقاط الضعف العربي
وكان من أبرز تلك النقاط، كما وردت في مذكرات القادة الإسرائيليين :
( 1 ) ضعف إمكانيات التقنية التي تستخدمها الجيوش العربية، مقارنة بما يستخدمه الجيش الإسرائيلي.
( 2 ) تشتت القدرات العسكرية المصرية، وهبوط كفاءتها القتالية، نتيجة الخدمة الطويلة بمسرح عمليات اليمن.
( 3 ) عدم اكتمـال مفهـوم معركة الأسلحة المشتركة، وانفصال أفرع القوات المسلحة في الجيش المصري ـ بصفة عامة ـ وباعتباره أكبر الجيوش العربية.
( 4 ) ضعف القدرة العسكرية بكل من سورية والأردن، نتيجة التمزقات الداخلية، وكثرة حركات التغيير في كوادر الضباط والرتب الأخرى.
الخطة الإستراتيجية الإسرائيلية ضد الجبهات العربية الثلاث
هدفت الخطة الهجومية الإسرائيلية، إلى بدء العمليات بتحطيم الغطاء الجوي العربي، وشن ثلاث ضربات متتالية ضد مصر ثم الأردن ثم سورية بالتتالي مع تركيز الهجوم على الجبهة المصرية "وتوقف القرار الأخير ( سياسياً ) بالهجوم على الأردن طبقاً للموقف الذي سيتخذه بمجرد بدء القتال.. ولكن كانت النية العسكرية مبيتة على شن الهجوم".
ولم تشمل الخطة مهاماً حاسمة للقوات البحرية الإسرائيلية، بل اقتصر التخطيط لها على القيام ببعض الإغارات والأعمال التعرضية المحدودة، ضد القواعد البحرية المصرية الرئيسية، علاوة على أعمال النقل في مسرح العمليات.
وركز التصميم في الخطة، على أهمية السرعة والحسم في تنفيذ أعمال القتال، بما يضمن تحقيق المهام المحددة في أقصر وقت ممكن لزيادة حدة النكسة العسكرية بالقوات العربية، وبهر أنظار العالم بالإضافة إلى عدم إعطاء القوى الأجنبية والهيئات العالمية الفرصة للتدخل في سير الأمور أو إيقاف الحرب. بالإضافة إلى العوامل الاقتصادية التي توجب التقليل من زمن الحرب، حتى لا يضار الاقتصاد الإسرائيلي بشدة.
يحى الشاعر
تم تحرير المشاركة بواسطة يحى الشاعر: Dec 19 2006, 02:56 PM