القيادة العربية الموحدة و يوميات التدهور للموقف السياسي والعسكري قبل حرب 1967

يحي الشاعر

كبير المؤرخين العسكريين
عضو مميز
إنضم
2 فبراير 2008
المشاركات
1,560
التفاعل
98 0 0
القيادة العربية الموحدة و يوميات التدهور للموقف السياسي والعسكري قبل حرب 1967




توالت التطورات خلال أيام قليلة ( يوم الاثنين 15 مايو 1967 و يوم الجمعة ـ 19 مايو 1967 ) ، وأدت فى النهاية الى إتهدار الموقف بشكل سريع يستدعى تدويتهم حسب التسلسل التاريخى


الموقف السياسي والعسكري:

كانت المعلومات من المصادر المختلفة تشير إلى أن إسرائيل قد بدأت في حشد قواتها أمام الجبهة السورية.

نوايا إسرائيل العدوانية تكشف في تصريحات "أشكـول" رئيس الـوزراء الإسرائيلي، "وإسحاق رابين" رئيس الأركان الإسرائيلي .. بغزو سورية.

تتمشى نوايا إسرائيل، وإجراءات حشد قواتها مع مخططاتها التوسعية في المنطقة العربية اعتماداً على أوضاع وسياسات الحكومات الرجعية بضرب سورية وإسقاطها وهي دولة عربية متحررة – كمرحلة من مراحل المخطط الصهيوني الاستعماري في المنطقة، فإذا نجحت تتبعها بضربات أخرى لباقي الدول العربية المتحررة.

إن ج.ع.م يحتم عليها دورها أن تتدخل أيضاً ضد أي عمليات عسكرية إسرائيلية تستهدف احتلال الضفة الغربية لنهر الأردن أو أي بقعة في الوطن العربي.

أن اعتبارات الأمن القومي للجمهورية العربية المتحدة يحتم عدم السماح للمخططات الصهيونية بأي توسع على حساب أي دولة عربية.

إن تكاتف القوى العربية التقدمية في تنسيق دفاعها المشترك ضد أي عدوان إسرائيلي كما جاء في اتفاقية الدفاع المشترك بين الجمهورية العربية المتحدة وسورية لهو ضمان لأمن وسلامة واستقلال الدول التقدمية.

إن قوة الجمهورية العربية المتحدة تزداد بزيادة قوة معسكر الكتلة التقدمية داخل الدول العربية والعكس صحيح، وهو يعني عزلنا ثم تكتل القوى الرجعية ضدنا، لذلك ينبغي أن يكون واضحاً أن دور ج.ع.م الرئيسي في مسـاندة المعارك المصيرية في العالم العربي، إنما ينبع أصلاً مـن مصالحها القومية وأمنها الذي يتأثر ويؤثر في كل المحيط العربي، وهذه المساندة هي خط الدفاع الأول عن أمننا القومي.

إن ج.ع.م لحريصة كل الحرص، ويقظة لكافة تطورات الأحداث السياسية العسكرية لتحديد الزمـان والمكـان المناسبين للعمليات العسكرية الناجحة .. أي أنها لن تسمح لنفسها بالقيام بعمليات عسكرية إلا على أساس التقدير الكامل لكافة الاحتمالات محافظة على أمنها وسلامتها.

إذا حاولت القوى الاستعمارية التي تحرك إسرائيل وترسم لها دورها العدواني في العالم العربي. أن تتخذ من إسرائيل مخلباً للقط في توسيع وتعميق العمليات الحربية، كما حدث في عدوان 1956 فإن المعسكر الشرقي لن يقف بمعزل عن الأحداث وتطوراتها ويترك القوى الغربية الاستعمارية للتصرف بحرية في المنطقة العربية.


القيادة العربية الموحدة:.

ومما يلفت النظر أن رئيس شعبة الاستخبارات بالقيادة العربية الموحدة وهو سوري الجنسية صرح بأن الحكومة السورية تقوم بحركة سياسية تستهدف تدعيم مركزها داخلياً وأنه يستبعد حدوث أي اشتباكات بين سورية وإسرائيل.

ورغم خطورة هذا التصريح وأنه صادر ممن يفهم العقلية السورية والجو السوري السائد في ذلك الوقت. إلا أن المسؤولين لم يعولوا كثيراً على هذا
.


القاهرة يوم الاثنين 15 مايو 1967 "بداية الحشد والتعبئة"

(1)
وعلى ذلك صدرت القرارات التالية من "المشير عبدالحكيم عامر" نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة لتوضيح الموقف السياسي والعسكري يوم الاثنين 15 مايو 1967 "بداية الحشد والتعبئة "وتنص على الآتي:

1 - ترفع درجة الاستعداد للقوات المسلحة إلى درجة الاستعداد الكامل للقتال اعتباراً من الساعة 2.30 يوم 14 مايو 1967.

2 - تتحرك التشكيلات والوحدات المقررة في خطط العمليات من أماكن إيوائها الحالية إلى مناطق تمركزها المحددة.

3 - تكون القوات المسلحة مستعدة استعداداً كاملاً لتنفيذ جميع مهام القتال على جبهة إسرائيل في ضوء تطورات الموقف.


إن تحرك قواتنا إلى سيناء استعداداً للمعركة يجعل إسرائيل تفكر مرتين قبل أن تقدم على غزو سورية ..

بتحليل هذا التوجيه نجد الآتي:.

(1) اختلاف توقيت درجة الاستعداد عن تعليمات العمليات الحربية الصادرة من رئيس الأركان (في اليوم) والحقيقة أنها فعلاً وقعت في الساعة الثانية والنصف كما جاء في قرارات نائب القائد الأعلى.

(2) أن القرارات (الموقف السياسي والعسكري) منها .. جاء في صورة بيانات حماسية أكثر منها توجيه سياسي استراتيجي، وليس المفروض أن يصدر في ذلك الوقت. (عموماً فإن الأسلوب الذي كتب به .. يتمشى مع الأسلوب الدارج خلال تلك الفترة.

(3) تعدد ذكر "القوى التقدمية العربية" على أنها ضمان لأمن مصر والوطن العربي، ولكن الحقيقة كانت أنه لا يوجد تنسيق عملي على أرض الواقع مع هذه القوى .. ويأتي لفظ "القوى التقدمية" من نبت الاصطلاحات الشيوعية ا لتي كانت تغزو الوطن العربي في هذا الوقت.

(4) جاء في البند الثامن "أن مصر لا تسمح لنفسها في القيام بعمليات عسكرية على أساس التقدير الكامل لكافة الاحتمالات" .. وهذا أسلوب يحقق مسؤولية القيادة على أمن وسلامة مصر ولكن الواقع أن هذه القيادة لم تضع خطوطاً خضراء أو حمراء لمستوى الاندفاع أو حجم المعاونة للآخرين .. أو وضعت حدوداً لتصاعد الموقف .. بل أنها اندفعت بأسلوب غير محسوب من ناحيتها، بل أن العدو هو الذي استدرجها، وورطها في جميع القرارات بعد ذلك.

(5) سمح التوجيه لنفسه أن يتكم باسم دولة كبرى (الاتحاد السوفيتي) في مواجهتها للولايات المتحـدة الأمريكية وهذا خطأ كبير في الحسابات والتقديرات .. لأن ا لقوى الكبرى لها حساباتها ومواقفها الخاصة.

(6) كان تقدير القائد العام أن مجرد تحرك قواتنا إلى سيناء سيجعل إسرائيل تفكر مرتين قبل أن تغزو سورية … وهذا يمثل في حد ذاته عدة أخطاء منها … أن القيادة لم تقدر نوايا العدو الحقيقية .. ولا أخذت في اعتبارها أن تكون مصر هي المستهدفة، ولم تقدر قدرة العدو الحقيقية .. وأخذت الخط القومي قبل أن تحقق التأمين الوطني … ألخ.

(7) ومن كل ما تقدم فإن هذه القرارات كانت بداية الإعلان عن "الخلل" الذي ستخوض به مصر .. والعرب .. المعركة القادمة.


"مظاهرة عسكرية" ... خطة التحرك التي وضعتها هيئة عمليات القوات المسلحة

طبقاً لخطة التحرك التي وضعتها هيئة عمليات القوات المسلحة، فقد بدأت القوات تتحرك لتأخذ أوضاع الخطـة "قاهر" في سيناء، وبدأت خطة التعبئة بكل التزاماتها، وقد خططت هيئة العمليات طرق سير بعض القوات المتمركزة غرب القاهرة، بحيث تمر أمام بعض الشوارع الرئيسية في القاهرة لتشعل مشاعر الجماهير .. وكانت القوات المتمركزة في منطقة القناة قد سبقت قوات القاهرة في عبورها إلى سيناء لاحتلال أوضاع الخطة.

وقد صاحبت هذه "المظاهرة العسكرية" خطة إعلامية ضخمة بدأت اعتباراً من يوم 15 مايو بحيث غزت قلوب الجماهير في مصر، والتي كانت تفهم أن قواتها المسلحة هي "أقوى قوات مسلحة في الشرق الأوسط" كما غزت قلوب الشعوب العربية التي كانت تفهم "أن تحرير فلسطين سيكون على يد الجيش المصري" .. كما انتشرت هذه الأنباء في جميع أنحاء العالم، وأصبحت هي الشغل الشاغل للدراسة والتدقيق في الإدارات السياسية المهتمة بالأوضاع في الشرق الأوسط.


تحديد اختصاصات للقادة:.

وقد أصدر المشير "عامر" أمر قيادة بتعيين الفريق أول "عبدالمحسن مرتجى" قائداً عاماً للجبهة في حالة بدء العمليات مع إسرائيل – (علماً بأن الفريق "صلاح محسن" كان هو قائد القيادة الشرقية .. وصدر أمر بأن تتحول القيادة إلى جيش ميداني) .. وهـذه التعيينات كانت تعني تفتيت وحدة القيادة المشتركة، التي كان يجب أن يعين لهـا قائد واحد ولكن كانت حجة المشير عامر بأنه هو الذي سيقوم بمهمة التنسيق بين القادة جميعاً.


إسرائيل:.

توالت المعلومات لإدارة الاستخبارات العسكرية الإسرائيليـة عن تدفق القوات المصرية إلى سيناء .. حيث قام الجنرال "أهارون ياريف" مدير الاستخبارات العسكرية بتبليغ الجنرال "إسحاق رابين" عن تحليله للموقف، وقد قام إسحاق بدوره بتبليغ رئيس الوزراء (الذي يعتبر رئيساً لمجلس الحرب في حالة وجود أي تهديد لإسرائيل) .. وعقد مجلس الحرب فعلاً صباح هذا اليوم في مركز العمليات الرئيسي للقيادة الإسرائيلية .. لشرح الأحداث وإعلان تقدير القادة للموقف، والإجراءات التي يجب أن تتخذ ..

وقد اجتمعت آراء العسكريين على أن هذه هي الفرصة الكبرى التي كانوا ينتظرونها منذ زمن .. وهي التي كان يخطط لها منذ عام (1964) طبقاً للاتفاق الضمني بين الولايات المتحدة وإسرائيل على انتهاز الفرصة للتخلص من "ناصر" .. ومن هنا ضعفت مقاومة "ليفي أشكول" رئيس الوزراء .. وأصبح القرار للعسكريين بالدرجة الأولى … وتم إعلان التعبئة الجزئية لمواجهة المواقف … واتفق على إجراء التنسيق النهائي للخطة داخل إسرائيل مع الولايات المتحدة، وبريطانيا إلى جانب البدء في تنفيذ الخداع الإستراتيجي بما فيه تحييد الاتحاد السوفيتي.

وعندما وصلت المعلومات لــ "بن جوريون" .. كان طلبه الرئيسي من رئيس الوزراء ومن القادة العسكريين هو أن يتم تدقيق الموقف مع الولايات المتحدة، وتؤخذ موافقتها قبل البدء في تصعيد الموقف.

وفـي هذا اليوم جرى احتفال بالذكرى التاسعة عشر للاستقلال، وسط مشاعر الطمأنينة التي أشاعتها تكهنات رئيس الأركان.


موسكو:.

في هذا اليوم دار حديث بين "إيجال آلون" وزير العمل الإسرائيلي آنذاك – الذي كان في زيارة لموسكو – وبين مستر "سيمونوف" نائب وزير خارجية الاتحاد السوفيتي وقد سأل "إيجال آلون" لماذا تطلقون المزاعم عن حشود إسرائيلية ضد سورية خلافاً للواقع؟ ولماذا تتجاهلون الاستفزازات السورية المتكررة على حدود إسرائيل؟.ويعقب "إيجال آلون" "إن السلام لا يتجزأ" فلا يجيب عليه "سيمونوف"


واشنطن:.

في نفس اليوم في واشنطن، كان السفير الإسرائيلي يقيم حفلاً اقتصر على الإسرائيليين وخلال خطبته القصيرة اتصل "لوشيوس بانل" وكيل الخارجية الأمريكية لشئون الشرق الأوسط والذي كان من قبل سفير لبلاده في القاهرة، نبأ تحرك القوات المسلحة المصرية نحو سيناء، ويعلق وكيل الخارجية الأمريكية على ذلك "إن هذا ليس أكثر من استعراض للقوة، ولا يتجاوز الأمر أن يكون رداً على تصرفاتكم، أنتم تحركون قواتكم في عرض عسكري، وهم أيضاً يحركون قواتهم"


القاهرة وقرار سحب قوات الطوارئ الدولية يوم الثلاثاء – 16 مايو 1967 –(الخريطة الرقم 2)

كانت الخطوة التالية – بعد حشد القوات المصرية في سيناء – هي سحب قوات الطوارئ واستقر الرأي أن يصدر خطاب من رئيس أركان حرب القـوات المسلحة إلى الجنرال "ريكي" قائد قوات الطوارئ يخطره بقرار مصر سحب هذه القوات .. وقد عرضت صورة الخطاب على الرئيس جمال "عبدالناصر" صباح يوم 16 مايو ، بينما حمل مندوب القيادة العامة "العميد عز الدين مختار" النسخة الأصلية من الخطاب بتسليمها إلى الجنرال "ريكي" في غزة .. وكانت ملاحظة الرئيس على الخطاب هو استبدال كلمة "Withdrawal" أي الانسحاب بكلمة "Redeployment" أي إعادة الانتشار .. وعموماً فقد سلم الكتاب إلى الجنرال "ريكي" حاملاً الكلمة الأولى حيث لم يمكن الاتصال بمندوب القيـادة العامة قبل أن يصل الساعة العاشرة مساءاً إلى غزة ويسلم الخطاب إلى الجنرال "ريكي" .. وقد اتفقت القيادة على تصحيح المفهوم بين الانسحاب وإعادة الانتشار خلال الاتصالات التي ستتم – حتما – عقب تسليم الخطاب.

كان نص الرسالة الآتي: الجنرال "أ. ح. ريكي" – قائد قوة الطوارئ الدولية – غزة.

"أحيطكم علماً بأنني أصدرت تعليمات إلى جميع القوات المسلحة للجمهورية العربية المتحدة لتكون مستعدة للعمل ضد إسرائيل فور قيامها بعمل عدواني ضد أي دولة عربية.

وتنفيذ لهذه التعليمات تجمعت قواتنا في سيناء على حدودنا الشرقية. ولضمان أمن القوات الدولية المتمركزة في نقط المراقبة على حدودنا أطلب إصدار أوامركم بسحب هذه القوات فوراً .. وقد أصدرت تعليماتي لقائد المنطقة العسكرية الشرقية فيما يتعلق بهذا الشأن .. "أفاد بتنفيذ الطلب" "التوقيع فريق أول "محمد فوزي" – رئيس أركان حرب القوات المسلحة بجمهورية مصر العربية".


كان على الجنرال "ريكي" إبلاغ رئاسته في الأمم المتحدة بمطلب جمهورية مصر العربية، ويتلقى منها التعليمات … ومن لحظة وصول مضمون هذا الخطاب في الأمم المتحدة، فقد طغى على كل القضايا الأخرى، وأصبح هو مثار البحث والمناقشات .. ومن خلالها تم استيضاح قرار مصر بأن المطلوب هو إعادة الانتشار بسحب القوات على الحدود، وليس كل القوات … ومع ذلك فإن مساعد السكرتير العام "رالف يانسن" تبنى نظرية أن "عمل قوة الطوارئ وحدة لا تتجزأ بمهمة منع وقوع اشتباك مسلح بين مصر وإسرائيل، وهي تؤدي الدور من مجرد تواجدها وليس بقوة السلاح".


صرح المشير عامر في مؤتمر صباح يوم الثلاثاء – 16 مايو 1967 بأن سحب هذه القوات سيقلل من السياسة الدعائية للدول العربية المعارضة لهذه القوات، علاوة على أنه وجه أنظار القادة إلى عزل ايلات، وخصص حجم القوات المطلوبة لذلك رغم أن هذه القوات لها دور أساسي في الخطة "قاهر" وإذا دل على شيء دل على الإرباك السياسي العسكري.


نيويورك:.

استدعى "رالف يانسن" المندوب المصري في الأمم المتحدة "السفير محمد عوض القوني" للاجتماع بالسكرتير العام للأمم المتحدة .. وكان ملخص رأي السكرتير العام هو "أن حكومة جمهورية مصر العربية هي السلطة التي تخاطب السكرتير العام للأمم المتحدة في مثل هذه الأمور .. وبالتالي فإن الجنرال "ريكي" لا يمكنه الاستجابة لخطاب الفريق فوزي .. كما أن انسحاب القوات من أي جزء من خطوط الهدنة يجعل وجودها كله غير ذي موضوع.

على جانب آخر بدأت اتصالات أمريكية – بريطانية مع فرنسا، وبعض الدول الأخرى في محاولة لتكوين جبهة موحدة ضد مسار القرار المصري .. ولكن مندوب فرنسا لم يستجب للأمر.


إسرائيل:.

طبقاً للأسلـوب الإسرائيلي في صنع القرار فقد عقد رئيس الأركان الإسرائيلي "إسحاق رابين" اجتماعاً في إحدى القواعد الجوية في النقب .. حضرها رئيس الوزراء "ليفي أشكول" لدراسة الموقف واحتمالات العمل في المرحلة القادمة .. وكان من بين رؤساء الأركان السابقين الذين حضروا الاجتمـاع الجنرال "موشي ديان" الذي تنبأ بأن الخطوة التالية لمصر هي سحب قوات الطوارئ الدولية .. وبالتالي فإن الجيش الإسرائيلـي يجب أن يكون مستعداً للعمل في أي وقت اعتبار من هذه اللحظة.



هل كان سحب قوات الطوارئ الدولية ضرورة يتطلبها الموقف...؟؟؟:.

كان الهدف الأساسي للحشد في سيناء هو مساندة سورية ضد أي أعمال إسرائيلية معادية. ومفهوم المساندة لا يأتي من طرف واحد بقوته المجردة وهي مصر، ولكن الأمر يتطلب حشد رأي عام ومساندة إقليمية ودولية .. وكان قرار سحب قوة الطوارئ يؤدي إلى عكس الهدف تماماً، لأن القوى العالمية بدلاً من الوقوف إلى جوار "عدالة القضية" سيقفوا ضد قرار سحب القوات الدولية الذي يعني في المفهوم الدولي "الاستعداد للحرب".

وكـانت القيادة السياسية تعلم أن مثل هذا القرار سيثير إسرائيل، وسيثير الولايات المتحدة وبرغم ذلك تم اتخاذه .. حيث استغلت إسرائيل الفرصة بتحويل اتجاه جهودها الرئيسية في اتجاه مصر وخلقت من قضية "حرية الملاحة في خليج العقبة" الذريعة لحرية عملها العسكري .. وهنا نشأ موقف سياسي – عسكري جديد وأصبح الصراع مركزاً بين مصر وإسرائيل التي تساندها الولايات المتحدة، وبريطانيا وكندا – بعد أقل من 48 ساعة من رفع درجة الاستعداد – والحقائق تحدد في أن قرار سحب قوات الطوارئ، كان قراراً عاطفياً إعلامياً أرادت منه القيادة السياسية المصرية إزالة آثار الهجمات الإعلامية المضادة لها .. ولم يكن هو القرار السياسي الاستراتيجي الذي يمكن اتخاذه في مثل هذا الوقت، وتلك الظروف التي يتحتم فيها على الجيش المصري أن يحارب في جبهتين والذي كانت الولايات المتحدة أثناءها تضمر لمصر أشد العداء، وكان العالم العربي منقسماً على نفسه في عدة جبهات.

والملاحظ من قراءة الوثائق .. أن القيادة السياسية العسكرية لم تعطي قدراً مناسباً لتقدير ردود الفعل التي تترتب على اتخاذ هذا القرار .. ربما يكون نتيجة ضعف المعلومات المتاحة عن قدرة إسرائيل في هذا الوقت، وربما يكون من جراء إعطاء حجم أكبر لدور الاتحاد السوفيتي في مواجهة الولايات المتحدة، وربما مـن تصور خاطئ لقدرات مصر لتعبئة 2 مليون مقاتل "طبقاً لتصور "المشير عامر" في تلك المرحلة".

وقد لازم سوء التقدير .. عدم وجود هدف سياسي عسكري .. منظم بأسلوب علمي إلى جانب مركزية القيادة، وعدم وجود أي نوع من الديموقراطية في أسلوب اتخاذ القرار حيث كان يحتشد في القيادة العامة العديد من الضباط ذوي الكفاءة العلمية، ولكن "لا يعلو صوتهم على صوت المشير" الذي يصدر قراراته عشوائياً دون مناقشة مما يزيد الأمر تعقيداً أن "القرار السياسي" دائماً يفرض نفسه دون أي اعتبارات أخرى.

ومن كل ما سبق، فإن قرار سحب قوات الطوارئ الدولية يعتبر قرار غير مدروس، وكان من نتيجته تغيير مسار المعركة لصالح إسرائيل عسكرياً وسياسياً، وهذا ما كانت تسعى إليه إسرائيل منذ فترة طويلة.


القاهرة تطلب يوم الأربعاء ـ 17 مايو 1967 ـ سحب قوات الطوارئ رسمياً:.

بناء على تبليغ السفير القوني، بأن طلب سحب القوات يجب أن يكون من الحكومة المصرية، فقد عقد الرئيس "عبدالناصر" اجتماعاً للهيئة السياسية .. وكان رأي الرئيس جمال "عبدالناصر" أن العجلة قد دارت، وليس من المستطاع حالياً التراجع فيما اتخذناه من الإجراءات، وعلى ذلك أصدر أوامره إلى وزير الخارجية "السيد محمود رياض" بطلب سحب قوات الطوارئ الدولية بالكامل .. وكان نص الرسالة التي أرسلها "محمود رياض" إلى أوثانت هي: "إن حكومة الجمهورية العربية المتحدة تتشرف بإخطار سعادتكم أنها قد قررت إنهاء وجود قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة على أراضي الجمهورية العربية المتحدة وقطاع غزة، وعلى هذا الأساس فإنني أطلب اتخاذ الإجراءات اللازمة لسحب هذه القوات في أسرع وقت ممكن. وأنتهز هذه الفرصة لأعبر لسعادتكم عن عرفاني وأصدق تحياتي …".

في نفس الوقت جرت اتصالات بالهند ويوغسلافيا التي تشكل قواتها الغالبية العظمى من قوة الطوارئ للتنسيق معها وحتى تقوما من جانبها بالإعلان عن سحب قواتهما مما يزيد من قوة موقف مصر .. وكذلك تمت اتصالات مع باقي الدول التي لها قوات ضمن قوة الطوارئ لنفس الغرض. يوضح الرئيس "السادات" بعض تفاصيل الاجتماع الذي اتخذ فيه قرار إرسال خطاب وزير الخارجية إلى "أوثـانت" في الجزئية الآتية: "قال لنا الرئيس في الاجتماع أن وجودنا في سيناء تجعل الحرب محتملة بنسبة 50 %، أما إذا قفلنا المضايق فالحرب مؤكدة 100 % ثم التفت إلى المشير عامر وقال له: هل القوات المسلحة جاهزة يا عبدالحكيم؟ فوضع المشير يده على رقبته وقال: برقبتي ياريس، كل شيء على أتم استعداد".


وفي يوم الأربعاء ـ 17 مايو 1967 أفادت الاستخبارات أن الجيش الإسرائيلي حشد 5 – 7 ألوية أمام الجبهة السورية، وحوالي 6 ألوية وبعض الكتائب المستقلة أمام الجبهة المصرية.


إسرائيل:.

بدأت الخطط تتبلور، وتناقش عـلى أعلى مستوى .. وتم يوم 17 اجتماعين لمجلس الحرب في رئاسة الوزراء، حضرها أعضاء المجلس برئاسة رئيس الوزراء وبعض الوزراء المحدودين، وبعض القادة الإسرائيليين في رئاسة الأركان .. وتم استعراض الخطط وعرض مطالب القادة العسكريين لإنجاح الخطة .. ومطالب التنسيق .. وقد استغرق الاجتماع الثاني بعد الظهر "7 ساعات متصلة".


الولايات المتحدة:.

كان تقدير واشنطن لما يحدث في الشرق الأوسط هو أن الرئيس "عبدالناصر" انخدع وراء التقارير الغير صحيحة الواردة من سورية "والتي تحرص سورية على تغذيتها باستمرار" وقد ساعد على ذلك البيانات التي تخرج على لسان قادة إسرائيل ..

وأن الإجراءات التي تمت حتى الآن في الجمهورية العربية المتحدة "تتسم بالزهو واستعراض القوة" .. وقد حركت مصر قواتها فعلاً إلى سيناء .. وأن الرئيس "عبدالناصر" سيشعر بأن هيبته ستتأثر بشدة لو تخلى عن مساعدة دولة عربية هاجمتها إسرائيل. وخصوصاً أن الملك "حسين" قد انتقض مصر بشدة عندما لم تهرع لنجدة الأردن عندما هاجمت إسرائيل قرية "السموع" في شهر نوفمبر 1966.

وتحليلاً لكل الأمور في الشرق الأوسط، فإن إسرائيل لا يمكنها الآن أن توجه ضربة محـدودة ضد سورية للانتقام من أعمال الفدائيين .. لأن الوضع اختلف عن ذي قبل. وقد أشارت وزارة الخارجية التي أعدت هذا التقرير بأن يرسل الرئيس "جونسون" رسالة إلى "ليفي أشكول" بملخص هذا التقدير ورأي واشنطن، وفعلاً أرسلت هذه الرسالة يوم 19 مايو 1967. (الوثيقة الرقم 3)


قوة الطوارئ الدولية:. (الجدول الرقم 3)

كانت تضم وقتئذ 978 جندياً هندياً، و795 كندياً، و579 يوغسلافياً، و530 سويدياً، و431 برازيلياً، و58 نرويجياً، و3 دنماركيين.



قرار القاهرة يوم – 18 مايو 1967 " تمركز قوات مصرية في شرم الشيخ"

كانت القاهرة على اتصال دائم بالأمم المتحدة، وقياس ردود الفعل، واستجابة مطالبها حيث قرر "أوثانت" إصـدار تعليماته بسحب القوات، كما طلب زيارة القاهرة التي وافقت فوراً على الطلب، وتحدد يوم الاثنين 22 مايو موعداً للزيارة.

وكان على القيادة المصرية أن تقرر خطة لتأمين شرم الشيخ وإغلاق مضيق العقبة في وجه الملاحة الإسرائيلية بمجرد انسحاب قوات الطوارئ الدولية .. وكانت الخطة "قاهر" تحدد لواء مشاة ليحتل هذه المنطقة، ولكن رأت القيادة العامة أن استعدادات وتحرك لواء مشاة قد يستغرق وقتاً طويلاً، وقررت أن يتم احتلال شرم الشيخ بواسطة قوات مظلات تنقل جواً، على أن تدعم بأسلحة ثقيلة تنضم عليها بعد ذلك، وتخصيص قوات مناسبة من البحرية لإغلاق الممر البحري ..


تل أبيب:.

استمرت اجتماعات القيادة العامة، ومجلس الحرب لتنسيق الخطط .. ومتابعة الموقف على الجبهات المختلفة، وخصوصاً الجبهة المصرية.



بدء تمركز قوات في شرم الشيخ يوم الجمعة ـ 19 مايو 1967 – ""

الأمم المتحدة:.

أصدر "أوثانت" أوامره إلى قوات الطوارئ الدولية في الجمهورية العربية المتحدة بالانسحاب وشهدت أروقة الأمم المتحدة تباين شديد بين المواقف المختلفة للدول.

وصرحت أغلب دول الغرب باستيائها من أن يتخذ هذا القرار قبل استشارة جميع الدول المعنية.

[b]القاهرة:. [/b]

1 - تعين العميـد أركان حرب "عبدالمنعم محمد خليل" قائداً لقوات شرم الشيخ،
2 - وضع تحت قيادته لواء مظلات وكتيبة مدرعات، وكتيبة حدود، وكتيبة مدفعية ميدان، وسرية مدفعية ساحلية ذات مدفعين 130 مم، 4 قطع بحري (مدمرة – فرقاطة – 2 ناقلة) ويعاونه سرب طائرات ميج – 19 من مطار الغردقـة ..

يصف العميد "عبدالمنعم خليـل" ظروف تكليفه بالمهمة": في مساء يوم 19 مايو 1967
- استدعيت بصفتي قائد لقوات المظلات إلى القيـادة العامة للقوات المسلحة،
- وقابلت الفريق "أنور القاضي" رئيس هيئة العمليات، واللواء "بهي الدين نوفل" نائبه،
- كلفت بناء على تعليمات المشير "عامر" بمهمة لم تكن في الحسبان، ولم تكن في الخطة العامة للقوات المسلحة سواء الخطة الدفاعية أو الهجـومية بالنسبة لقوات المظلات،
- كانت المهمة تأمين منطقة شرم الشيخ بغرض حرمان العدو من الاستيلاء عليها،
- أما الملاحة فهي ليست مسؤوليتي" ..
- على القوات أن تكون في مواقعها قبل أول ضوء يوم 20 مايو 67.

وقابلت الفريق أول "محمد فوزي" رئيس هيئة أركان حـرب القوات المسلحة، لتأكيد المهمة. وطلب مني المرور على الفـريق أول "صدقي محمود" قائد القوات الجوية لتنسيق خطة التحرك الجوي إلى منطقة شرم الشيخ هذه الليلة …

والحمد لله تم التحرك ووصلت إلى شرم الشيخ قبل أول ضوء يوم 20 مايو .. ووجدت قوات الطوارئ لا زالت في المنطقة، ولم تخلي مواقعها إلا بعد 24 ساعة من وصولي …

وفي خلال الأيام التالية بدأت القوات البرية والمدرعات والمدفعية يتوالى وصولها إلى شرم الشيخ، حيث كنت قد انتهيت من وضع الخطة الدفاعية".


إسرائيل:.

اعتباراً من يوم 19 مايو بدأ الموقف يتصاعد في إسرائيل، وضغط الجنرالات "إسحاق رابين" رئيس الأركان و"أهارون ياريف" مدير الاستخبارات على رئيس الوزراء "لـيفي أشكول" لاتخاذ إجراءات التعبئة العامة … وكانت الأسباب التي استندوا عليها .. "أن الطيران المصري بدأ يستطلع منطقة النقب، ووصل تعداد القوات المصرية في سيناء إلى أربعين ألف جندي، 500 دبابة – وأن لواء مشاة وكتيبتي دبابات من العاملين في اليمن، وصلت إلى السويس وتوجهت فوراً إلى الجبهة، وهذا معناه أن مصر بدأت تدعم الجبهة بقوات اليمن مما يغير حسابات القيادة الإسرائيلية" . . في نفس الوقت اشتد ضغطهمـا، ليتدخل بنفسه بسرعة وصول معدات كانت من المفروض أن تصل من القواعد الأمريكية في ألمانيا إلى إسرائيل.

وألقت إسرائيل تبعة التوتر في منطقة الشرق الأوسط – على حشد القوات المصرية في سيناء، ونشاط الأعمال الفدائية العربية داخل إسرائيل.







وتمهـــيدا للدخـــول فى "عمليات وتفاصيل معارك نكسة حرب 1967 .... أنشر عــرض خـــرائطى لتطور عمليات الهجوم الأسرائيلى وطيرانه وتاكتيكية عملياته ضد كافة القوات والمدن المصــرية ... خلال نكسة حرب 1967 ، وأوجه النظر الى خريطة الهجوم الأسرائيلى على سيناء خلال العدوان الثلاثى "المؤامرة الأنجلوظفرنسيةظإسرائيلية" فى أكتوبر 1956 ... لكى نتفهم فى النشابه فى الهجوم .. وهو ما لم تتعلم من دروسه القيادة العليا للقوات المسلحة عام 1967 ، ولابد من تتبع وتسلسل الحوادث على الجبهة المصرية ... وسوف أنشر فيما بعد ، عرض خرائطى مشابه لتطور القتال على "الجبهة السورية

عــرض خـــرائطى لعمليات الهجوم الأسرائيلى وطيرانه ضد كافة القوات المصــرية ... نكسة حرب 1967











يحى الشاعر





تم تحرير المشاركة بواسطة يحى الشاعر: Dec 23 2006, 08:08 PM
 
عودة
أعلى