كشف الغطاء عن عيني من جعل بينه وبين الله واسطة في الدعاء/القسم الخامس و الأخير

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,779
التفاعل
17,897 114 0

كشف الغطاء عن عيني من جعل بينه وبين الله واسطة في الدعاء


(بيان لبطلان اتخاذ العبد واسطة بينه وبين الله تعالى من عشرين وجها)


ماجد بن سليمان الرسي

القسم الخامس والأخير



الوجه الثامن عشر:


ومن وجوه بطلان اتخاذ العبد شفعاء ووسطاء بينه وبين الله تصريح القرآن بأن أولئك الشفعاء لن يشفعون لهم يوم القيامة ، بل ستتقطع بينهم الوصائل والعلائق ويتبرؤون منهم ، قال تعالى : { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون }[الأنعام ـ 94 ].

الوجه التاسع عشر:

ومن وجوه بطلان اتخاذ العبد واسطة بينه وبين ربه في الدعاء أن أولئك المدعوين من الأنبـياء والصالحين هم أنفسهم محتاجون لدعاء الأحياء واستغفارهم لهم ، لأن الميت قد انقطع عمله ، كما قال عليه الصلاة والسلام : إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له [رواه مسلم (1631)عن أبـي هريرة رضي الله عنه ] .

فهذا محمد صلى الله عليه وسلم - أفضل البشر وأقربهم عند الله منـزلة - طلب منا أن نصلي عليه ، حيا وميتا ، والصلاة عليه هي الدعاء له بالرحمة ، قال صلى الله عليه وسلم : إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي ، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منـزلة في الجنة لا تـنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة .[ رواه مسلم (384) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه ].

وكذلك علمنا النبـي صلى الله عليه وسلم بأن ندعو له ولكل عبد صالح في السماء والأرض ، كما في دعاء التشهد في التحيات : السلام عليك أيها النبـي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين … الحديث.
ومن ذلك أيضا أن النبـي صلى الله عليه وسلم علم أمته أن يدعوا للميت بالرحمة والمغفرة في عموم الأحوال ، وفي صلاة الجنازة ، وبعد الدفن خصوصا ، فعن أبـي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى على جنازة يقول : اللهم اغفر لحينا وميتـنا ، وشاهدنا وغائبنا ، وصغيرنا وكبـيرنا ، وذكرنا وأنثانا ، اللهم من أحيـيته منا فأحيه على الإسلام ، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان ، اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تضلنا بعده .[ رواه ابن ماجه (1498) ، وأبو داود (3201) ، وصححه الألباني . ورواه أحمد (2/368) ، والترمذي (1024) بدون زيادة : اللهم لا تحرمنا أجره . . . الحديث ].
وعن عثمان رضي الله عنه : كان النبـي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال : استغفروا لأخيكم ، وسلوا له التثبـيت ، فإنه الآن يُسأل .[ رواه أبو داود (3221) عن عثمان رضي الله عنه ، وصححه الألباني في «صحيح أبـي داود» (3221) ].
فإذا تقرر أن الميت بحاجة للحي ؛ فلا يصح إذن أن نطلب من الموتى شيئا من المصالح الدينية أو الدنيوية .


الوجه العشرون والأخير:

أن الاعتماد على مبدأ القياس لتسويغ اتخاذ واسطة بين العبد وبين ربه خطأ من خمسة وجوه:

الأول:


أن عقول البشر قاصرة ، أما الشرع فإنه من حكيم خبـير يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ، وما مثل العقل والوحي إلا كمثل العينين والنور ، فإذا كان عند الإنسان عينان ولكنه في مكان مظلم فانه لا يستفيد من عينيه شيئا ، بل هو كالأعمى تماما ، وكذلك العقل لا يستطيع أن يحكُم بنفسه إلا بنور الشريعة .

الثاني :


أن معارضة نصوص الكتاب والسنة بالأدلة العقلية والأقيسة الذهنية باطل من جهة أنه لو كان بمقدور الإنسان أن يهتدي إلى الحق اعتمادا على العقل لاهتدى إلى ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأن عقله أكمل العقول ، ومع هذا فلم يهتد الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بالوحي كما قال تعالى:
{ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان } [ الشورى ـ 52 ] ، وقال تعالى :
{ ووجدك ضالا فهدى } [ الضحى ـ 7 ]، وقال تعالى:
{ قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربـي } [سبأ ـ 50 ]، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد تجرد من حولِه وقوته الحسية والعقلية وردَّ نعمة الهداية إلى الوحي ؛ فكيف تحصل الهداية لمن هو دون النبـي صلى الله عليه وسلم بمجرد الاعتماد على العقل ، أو التشبه بالكفار الذين نص القرآن على أنهم ليس لديهم عقول ؟!

الثالث :

أن معارضة نصوص الكتاب والسنة بالأدلة العقلية والأقيسة الذهنية باطل من جهة أن مبدأ القياس لا يلجأ إليه العلماء دائما ، بل عند الضرورةً ، وذلك عند عدم وجود النص الشرعي المبـيِّن لحكم مسألة ما ، فعندئذ يلجأ العلماء إلى القياس ، أما مع وجود النص فلا ، وإلا فما فائدة النصوص الشرعية إذا كان القياس العقلي مقدما عليها ؟
وهنا النصوص الشرعية واضحة في النهي عن اتخاذ الوسائط ، بل إن إفراد الله بالعبادة هو أصل الدين وأساس الملة .

الرابع :

إن معارضة نصوص الكتاب والسنة بالأدلة العقلية والأقيسة الذهنية باطل من جهة أن كل قياس يخالف كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم في نصهما أو ظاهرهما ، أو يخالف إجماع ما كان عليه سلف الأمة وأئمتها ؛ فهو قياس فاسد الاعتبار لا يعول عليه عند جميع علماء المسلمين وفي جميع المذاهب الفقهية ، وقياس الله على ملوك الدنيا من الأقيسة الفاسدة قطعا ، لأن الله أبطله صراحة في القرآن في قوله { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } [ الشورى ـ 11 ] ، وقال { فلا تضربوا لله الأمثال } [ النحل ـ 74 ] .

وقد شبَّّـه بعض العارفين حال من يعترض على الشرع بالشبه العقلية بحال من أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له : (إن الوحي الذي تلقيناه منك ، والسنة التي تدلنا عليها ؛ فيها ما توافق عليه عقولنا وفيها ما لا توافق ، فسنأخذ منك ما وافق عقولنا ونترك الباقي) ، فهل هذا مؤمن ؟ قطعا لا .

وهذا إبليس - أعاذنا الله منه - عارض أمر الله له بالسجود لآدم لما اتبع رأيه الفاسد ، وقدم العقل على الأمر الشرعي ، فقال : لم أكن لأسجد لبشر {خلقتني من نار وخلقته من طين} [الأعراف 12 ] ، [ ص ـ 76] ، فهلك وأهلك عياذا بالله .

الخامس :

أن معارضة نصوص الكتاب والسنة بالأدلة العقلية والأقيسة الذهنية باطل من جهة أن اتباع العقل والأعراض عن النقل هو أساس الضلال والكفر ، أما اتباع الوحيين فهو أساس الهدى والرشاد الذي دل عليه الكتاب والسنة .

قال ابن القيم رحمـه الله : وأصل كل فتـنة إنما هو من تقديم الرأي على الشرع ، والهوى على العقل .[ « إغاثة اللهفان » (2/167) ، تحقيق الفقي ]

الحاصل أن تقديم العقل على النقل [النقل هو الدليل الشرعي من الكتاب أو السنة ، وسمي نقلا لأن الصحابة نقلوه وحفظوه للأمة ] من أسباب الهلاك ، والواجب أنه إذا صح النقل شهد العقل وسلَّم وأذعن ، فإن الشرع قائم بنفسه ، سواء علمناه بعقولنا أم لم نعلمه ، كما أن الشرع مستغنٍ في نفسه عن علمنا وعقلنا ، أما نحن فمحتاجون إليه وإلى أن نعلمه بعقولنا . فمن كان له عقل كامل فليتبع الشرع ، ولهذا وصف الله المعرضين عن شرعه وحكموا عقولهم أنهم لا يعقلون ولا يتفكرون ولا يتعظون ، وكل هذه مرتبطة بالعقل . فالواجب هو التسليم والاستسلام لله ، واتباع أوامره ، وعدم الاعتراض عليها بشيء من الأقيسة العقلية ، قال تعالى :
{ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بـينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } [ النساء ـ 65 ] ، وقال تعالى :
{ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبـينا } [الأحزاب ـ 36 ]، وقال تعالى :
{ وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون } [ القصص ـ 68 ]، ففي هذه الآية نـزه الله نفسه عما اختارته عقول البشر ، وسماه شركا ، ووجه ذلك أن الذي يجعل عقله عمدة فيما يختار ؛ فهذا قد جعل له مرجعا آخر غير الشريعة ، وهو عقله ، الذي جعله شريكا لله فيما يأمر وينهى ، فالواجب الحذر .

قال ابن تيمية رحمـه الله تعالى : فعلى العبد أن يسلم للشريعة المحمدية الكاملة البـيضاء الواضحة ، ويسلم أنها جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها ، وإذا رأى من العبادات والتقشفات وغيرها التي يظنها حسنة ونافعة ما ليس بمشروع ؛ عَـَلِِِم أن ضررها راجح على نفعها ، ومفسدتها راجحة على مصلحتها ، إذ الشارع حكيم لا يهمل المصالح .[ « تلخيص كتاب الاستغاثة في الرد على البكري » (1/167)].

فصل

ومما ينبغي أن يعلم أن غالب الذين يدعون أصحاب القبور أو غيرها أن حجتهم أنها تقربهم وتشفع لهم عند الله ، والحق أن تلك المعبودات لن تقربهم وتشفع لهم عند الله ، بل ستتبرأ منهم يوم القيامة ، قال تعالى :
{ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون * ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بعبادتهم كافرين} [الروم ـ 13] ، قال ابن كثير رحمه الله: أي ما شفعت فيهم الآلهة التي كانوا يعبدونها من دون الله تعالى ، وكفروا بهم ، وخانوهم أحوج ما كانوا إليهم . وقال تعالى : { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون} [الأنعام ـ 94 ].

خلاصة:

وخلاصة القول أن اتخاذ العبد واسطة بينه وبين ربه ، يزعم أنها تقربه إليه ، وتشفع له عنده ؛ أمر باطل ، وهو من أنواع الشرك بالله العظيم ، ومستلزم لسوء الظن به ، والمشروع أن يدعو العبد ربه مباشرة ، كما قال تعالى : { وقال ربكم ادعوني استجب لكم } [غافر ـ 60 ] ، وهكذا باقي العبادات ، يتقرب بها العبد إلى ربه مباشرة ،

قال ابن تيمية رحمه الله في الرد على من اتخذ واسطة بينه وبين الله :

وهذا جهل بدين الحنفاء ، فإن الحنفاء ليس بينهم وبين الله تعالى واسطة في العبادة والدعاء والاستعانة ، بل يناجون ربهم ويدعونه ويعبدونه بلا واسطة ، وكل مصل يعبد ربه منه إليه بلا واسطة [ « الاستغاثة في الرد على البكري » ، (2/477-478) باختصار] .

وقد جاء التصريح القرآني بأن دعاء غير الله باطل ، وفي هذا كفاية وشفاء لمن أراد الحق وآمن بالقرآن ، وذلك في قولـه تعالى :
{ ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل } [الحج ـ 62]، وقوله تعالى : { ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل } [ لقمان ـ 30 ] أما دعاء الله فإنه حق ، كما قال تعالى :{ له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال } [ الرعد ـ 14] .

ثبت لبعض المراجع

* الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار ، عبد الله بن أبي شيبة ، الناشر مكتبة دار الباز ، مكة

* الاستغاثة في الرد على البكري ، ابن تيمية ، تحقيق عبد الله السهلي ، ط 1 ، مدار الوطن

* تأسيس التقديس في كشف تلبيس داود بن جرجيس ، عبد الله أبا بطين ، الناشر مؤسسة الرسالة
* السيف المسلول على عابد الرسول ، الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم
* المنتخب من مسند عبد بن حميد ، تحقيق مصطفى العدوي ، الناشر دار بلنسية
* تجريد التوحيد المفيد ، أحمد بن علي المقريزي المصري الشافعي ، تحقيق علي بن محمد العمران ، الناشر دار عالم الفوائد
* الداء والدواء ، ابن القيم ، تحقيق علي حسن عبد الحميد ، الناشر دار ابن الجوزي
* تلخيص كتاب الاستغاثة في الرد على البكري ، الحافظ ابن كثير ، تحقيق محمد علي عجال ، الناشر مكتبة الغرباء الأثرية

تم بعون الله


عن موقع صيد الفوائد
 
التعديل الأخير:
رد: كشف الغطاء عن عيني من جعل بينه وبين الله واسطة في الدعاء/القسم الخامس و الأخير

بارك الله فيك و جزاك خيرا عن مجهودك
 
رد: كشف الغطاء عن عيني من جعل بينه وبين الله واسطة في الدعاء/القسم الخامس و الأخير

جزاك الله كل خير اخى نبيل , وجعله الله فى ميزان حسناتك
 
عودة
أعلى