قام السلاح الجوي المصري في الساعة الثانية وخمس دقائق من بعد ظهر السبت 6 أكتوبر 1973 بتنفيذ الضربة الجوية الأولى إيذاناً ببدء القتال. ولقد كان نجاح هذه الضربة إعلاناً عن نجاح خطة المفاجأة المصرية كما أنها أسفرت عن فقدان العدو لتوازنه ، وتخبط وارتباك قيادته في إصدار القرارات. وقد اشترك في هذه الضربة أكثر من 220 طائرة، ما بين قاذفة وقاذفة متوسطة ومقاتله ، وقد طارت تشكيلات الطائرات في هذه الضربة على ارتفاعات منخفضة جداً فكانت تبدو كأنها ستلامس الساتر الترابي على جانبي القناة .
وقد بدأ التمهيد النيراني للمدفعية بعد بدء الضربة الجوية بخمس دقائق ولذلك كانت عودة الطائرات بعد قصف الأهداف مهمة صعبة تم التنسيق لها مع قيادة الدفاع الجوي ، ذلك أن الوقت بين دور كل طائرة وأخرى عبر ممرات محددة لم يكن يتجاوز بضع ثوان .
والنتيجة العامة للضربة الجوية هي أنها نجحت بنسبة 98%، وليس بنسبة 25% كما توقع الخبراء السوفييت، ولم يفقد السلاح الجوي المصري في هذه الضربة التي قام بها سوى طائرة واحدة فقط وليس 35% من مجموعة الطائرات التي قامت بهذه الضربة، وكان الخبراء السوفييت قد توقعوا ذلك .
وقد حققت الضربة النتائج المحددة التالية:
1- شل 3 ممرات في مطارات العدو الرئيسية في سيناء ( مجموع زنة القنابل التي ألقيت على مطار المليز مثلاً 60 طناً ) .
2 - شل 3 ممرات فرعية .
3 - إسكات 12 موقع مدفعية صواريخ هوك.
4- إسكات موقعي مدفعية ميدان .
5- تدمير مركزي قيادة رئيسي، أحدهما مركز (أم مرجم) .
6- إسكات مركز إرسال .
7- تدمير موقعي رادار .
8- تدمير مركز الإعاقة والشوشرة الرئيسي ( مركز أم خشيب ) وكان يحوي أحدث الأجهزة الإلكترونية في العالم ويشكل خطراً على الاتصالات بين القوات المصرية .
ومن الناحية المعنوية فالمؤكد أن الضربة الجوية الأولى أحدثت شرخاً في الروح المعنوية للجنود الإسرائيليين حينما رأوا فجأة السماء وقد غطتها الطائرات المصرية المندفعة من الغرب لتنقض على مواقعهم في سيناء ، كما أن تدمير مراكز القيادة ومركز الإعاقة والشوشرة قد أحدثت ارتباكاً بالغاً في صفوف القيادة .
ومن جهة أخرى فإن الروح المعنوية للمقاتلين المصريين قد ارتفعت تماماً حينما رأوا طائرات سلاحهم الجوي مندفعة نحو الشرق لتوجيه الضربة الأولى وقد زاد من حماس المقاتلين أن الطيارين في طريق عودتهم بعد تنفيذ مهمتهم، أخذوا يهزون أجنحة الطائرات تحية لهم وتعبيراً عن نجاحهم في ضرب الأهداف الإسرائيلية .
وقد واصل السلاح الجوي تنفيذ مهامه التي تلت الضربة الجوية الأولى الناجحة تماماً ، فقام بمساندة القوات البرية وحماية عملية العبور ، وإبرار قوات الصاعقة خلف خطوط العدو ، والتصدي مع الدفاع الجوي لطائرات العدو التي حاولت الإغارة على المطارات والحشود المصرية .. ثم قامت الطائرات المصرية بدور آخر لا يقل خطورة عن الضربة الجوية الأولى ، وهو ضرب القوات الإسرائيلية في الثغرة والتصدي للطائرات الفانتوم والميراج، خاصة بعد أن أسكتت بعض مواقع الدفاع الجوي في منطقة الثغرة .
وقبل أن نستعرض بعض صور البطولات للطيارين المصريين يجب أن نتوقف أمام بعض الحقائق التي سجلها التاريخ باسم الطيران المصري،كما حددها الفريق حسني مبارك (قائد القوات الجوية أثناء الحرب ) .
1- ثمة فارق شاسع بين الضربة الجوية الإسرائيلية في يونيو 1967 ، والضربة الجوية المصرية في أكتوبر 1973 ، حيث كانت ضربتهم في يونيو 67 لأهداف سهلة ومكشوفة لا تحميها أجهزة رادار حديثة أو وسائل دفاع جوي متقدمة .أما الضربة الجوية المصرية في أكتوبر 1973 فتختلف تماماً ، فقد كانت عند الإسرائيليين شبكات من الرادار تغطي سيناء والمطارات الإسرائيلية في العمق ، وكانت هناك مظلة من الفانتوم والميراج تعمل ليلاً ونهاراً، وكان لديهم حائط من الصواريخ المتطورة على طول خط بارليف ، بالإضافة إلى القمر الصناعي الأمريكي الذي كان يمدهم بكل المعلومات نتيجة رصده لحركة الطيران والقوات المصرية المختلفة .
2- كان الوقت المحدد لإعادة التموين بالوقود ( 14 ) دقيقة ، ولكن أثناء المعركة تم اختصار هذا الوقت إلى ( 6 ) دقائق فقط، وقد كان الإسرائيليون يتباهون بأنهم ينفذونها في ( 8 ) دقائق .
3 - ضرب رجال الخدمة الأرضية والصيانة أرقاماً قياسية في أعمالهم المختلفة مثل إعادة تموين الطائرات وملئها بالذخيرة .
4 - في مساندتها للقوات البرية قامت الطائرات المصرية بضرب تجمعات وطوابير المدرعات الإسرائيلية ، وكانت من أجل ذلك تنخفض إلى مستوى قريب حتى لتكاد تلامس الأرض ، وكانت الحصيلة النهائية أن مجموع ما دمرته الطائرات من المدرعات والدبابات الإسرائيلية يصل إلى 430 دبابة ، ومدرعة .
5- في معركة كبيرة بين الطائرات المصرية والطائرات الإسرائيلية فوق الدلتا استمرت 40 دقيقة أسقط للعدو 18 طائرة ولم يسقط لنا سوى طائرة واحدة .
6- وقعت معركة جوية أخرى فوق شمال الدلتا اشترك فيها حوالي 70 طائرة مصرية ضد عدد مشابه من طائرات العدو الفانتوم والميراج وقد استغرقت المعركة 50 دقيقة تم فيها إسقاط عدد كبير من الطائرات الإسرائيلية . وقد أسقط طيار مصري واحد خمس طائرات فانتوم في هذه المعركة .
7- لم يتعطل مطار مصري واحد طوال الحرب ( أكثر من 6 ساعات ) برغم محاولات الطيران الإسرائيلي المستميتة لتحقيق ذلك .
8 - تمكن الطيار المصري ( قائد الميج 17) من إسقاط الطائرة الفانتوم برغم الفارق الرهيب بين إمكانية الطائرة المصرية والطائرة الإسرائيلية المتقدمة جداً .
9- لأول مرة في التاريخ تُسقط طائرة هليوكوبتر طائرة مقاتلة، من طراز فانتوم.
10- نجح بعض الطيارين في إسقاط أربع وخمس طائرات معادية في طلعة واحدة .
11- في الأيام الثلاثة الأولى للثغرة قامت الطائرات المصرية بثلاثة آلاف طلعة قتال فوق منطقة الدفرسوار وقد اشتركت في هذه الطلعات جميع أنواع الطائرات حتى طائرة التدريب .
12 - كرر كثير من الطيارين المصريين الطلعات في اليوم الواحد حتى قام بعضهم بست وسبع طلعات يومياً ( والمعروف أن الرقم القياسي العالمي لا يزيد عن 4 طلعات يومياً ) .
13 - قام الفنيون المصريون بتطوير الطائرة المقاتلة الاعتراضية الميج 21 وجعلوها مقاتلة قاذفة ، لتعويض النقص في القاذفات ولمواجهة السيل المتدفق على إسرائيل من الفانتوم والسكاي هوك .
14- حقق مهندسو المطارات سرعة عالية في إصلاح الممرات وردم الحفر وتطهيرها من القنابل بكفاءة مذهلة .
15 - واصل مهندسو وفنيو المطارات الليل بالنهار في حماس مذهل لإصلاح الطائرات ورفع كفاءتها بحيث لم تتعطل العمليات في أي وقت بسبب عدم صلاحية الطائرات .
16 - انخفض زمن إقلاع طائرات في حالة الاستعداد الأولي إلى دقيقتين فقط .
17 - كان تدمير الهدف المعادي لا يستلزم من الطيار غير هجمة واحدة أو اثنتين لا أكثر.
وقائع وصور
من ملفات الطيارين المصريين
بعد سنة 1967 أنشأ الإسرائيليون في سيناء مركزاً استطلاعياً على جبل أم خشيب وكانت آلاته الإلكترونية دقيقة ، وكان المركز على درجة كبيرة من الأهمية والخطورة. ولذلك كان لابد أن تعمل القيادة المصرية حساب هذا المركز في الضربة الجوية الأولى ، وكانت المهمة الخطيرة من نصيب الطيار المقاتل شريف الذي قال :
" بوصول تشكيلنا إلى الموقع في الثانية وبضع دقائق من ظهر السبت 6 - 10 - 1973 فوجئت بأن عدد الهوائيات المنتشرة في المركز يفوق الحصر مما أكد لنا خطورة هذا المركز، وقد قمت أنا وتشكيلي على الفور بالانقضاض و إلقاء جميع حمولات طائراتنا الميج 17 ، وكانت الدفاعات الجوية الكثيفة حول الموقع قد بدأت تقاومنا في ارتباك شديد، كان علينا أن نتفادى قذائف المدفعية المضادة للطائرات والصواريخ هوك وأيضاً الطائرات الفانتوم والميراج .. وقد أدى إصرارنا على تدمير المركز إلى مزيد من الارتباك في صفوف العدو خاصة عندما اشتبكت مع إحدى طائراته الفانتوم التي حاولت منعنا من تدميره وأسقطتها فوق تحصيناته ، ولعل أكبر دليل على ارتباك الإسرائيليين واستماتتهم في حماية هذا المركز أنهم أطلقوا صواريخهم دون تفرقة بين طائراتنا وطائراتهم ، وقد انتهت الغارة بعد أن وفقنا الله إلى تحقيق النتائج التالية :
*تدمير مركز أم خشيب وتعطيله تماماً (لم يعمل إطلاقاً أيام الحرب وقد نقلوا نشاطهم إلى مركز آخر بعيد في العريش لم يستطع تعويض مركز أم خشيب ).
*إسقاط عدد من الطائرات الفانتوم والميراج .
*تدمير قواعد الصواريخ المحيطة بالمركز".
ضرب طائرات إسرائيلية على الأرض
برغم الفوارق الهائلة بين ظروف الضربة الجوية الأولى التي قامت بها الطائرات المصرية في أكتوبر 1973 ، والضربة الجوية الإسرائيلية في يونيو 1967 ، فإن الطيار المصري تمكن في 1973 من ضرب عدد من الطائرات الإسرائيلية على الأرض وكأنه كان بذلك يرد على ما فعلته الطائرات الإسرائيلية في يونيو 1967 .
والقصة بطلها الطيار الشهيد صبحي الشيخ الذي كان قائداً لسرب ميج 21 وكان مكلفاً بضرب مطار (رأس نصراني) وقد اندفع التشكيل إلى مهمته في ساعة الصفر للضربة الجوية الأولى ، وتم تحقيق المهمة لكن طائرته أصيبت في نفس اللحظة ، وكان يستطيع القفز بالمظلة والنجاة بنفسه ، لكنه لمح ثلاث طائرات فانتوم إسرائيلية تخرج من دشمتها الثلاثية لتستعد لاعتراض أو بالتحديد لمطاردة الطائرات المصرية التي هاجمت المطار .
وهنا قرر الطيار صبحي الشيخ أن يحول طائرته إلى قنبلة " بشرية " يضرب بها الطائرات الفانتوم الثلاث وهي مازالت على الأرض ، فصاح في اللاسلكي رداً على زملائه الذين أخذوا ينادون عليه محذرين إياه من أن طائرته ستنفجر ، صاح قائلاً : " الله أكبر .. تحيا مصر ".
ثم انقض بالطائرة وسط الطائرات الثلاث فانفجرت طائرته وتوالى معها انفجار الطائرات الفانتوم التي كان لانفجار قنابلها وذخيرتها دوي رهيب ، وقد أضاف هذا الانفجار تدميرا جديدا للمطار هو الآخر ، وبذلك استشهد الطيار صبحي الشيخ بعد أن حقق التالي :
*ضرب وتدمير المطار الإسرائيلي ( رأس نصراني ) .
*تدمير ثلاث طائرات فانتوم ( قبل أن تقلع بثوان معدودات ) .
*قتل الطيارين الستة الذين كانوا في هذه الطائرات .
*قتل وإصابة عدد غير محدد من جنود وضباط المطار .
الميج 17 تُسقط الميراج
إلى جنب الفانتوم
ليس هناك مجال للمقارنة على الإطلاق بين إمكانيات الميج 17 والفانتوم .. فالأولى تعتبر بالنسبة للثانية نوعاً بدائياً من الطائرات، ومع ذلك فقد استطاع الطيارون المصريون (بالميج 17 ) أن يحققوا إنجازات كبيرة ، ثم كانت قمة تفوقهم حين اشتبكوا مع الطائرات الفانتوم الإسرائيلية ، وتمكن بعضهم من إسقاط هذه الطائرات .
ويحكي لنا الطيار المصري الشاب (نقولا) الذي استعاد بعض ذكرياته عن المعارك الجوية التي خاضها والأهداف التي حققها هو وزملاؤه وقال :
"في الساعة 05,2 يوم السبت 6 أكتوبر 1973 كنا فوق موقع صواريخ هوك في ( أبو سمارة ) شمال سيناء .
"بعد وصولنا " المنطقة الميتة للموقع " أطلق الإسرائيليون صواريخهم علينا ، وقد ساعدنا ذلك في تحديد مكان الموقع الحقيقي بين المواقع الهيكلية .
"وكنت قد تأخرت قليلا وراء التشكيل الذي أعمل معه نظراً لأنني بعد إقلاعي ، وعندما بدأت أرفع العجل ، فوجئت بأنه لم يرتفع، وكان الحل الطبيعي أن أعود إلى قاعدتي أو أبلغ قاعدتي في اللاسلكي، ولكن نظراً للأوامر بعدم التحدث في اللاسلكي (ضماناً للسرية والمفاجأة)، ولما كنت مصمماً على عدم العودة قبل مشاركة زملائي في الضربة الأولى، فقد واصلت الطيران خلف التشكيل الذي سبقني بحوالي 3 أو 4 كم ، وبمجرد أن رأيت زملائي ينقضون على الهدف اشتعل حماسي أكثر واندفعت نحو الموقع وقد أتاح لي تأخري تلك الثواني أن أرى نتائج ضرب زملائي للموقع الذي تم إسكاته تماماً .
"والطريف أنني عندما عدت إلى قاعدتي فوجئت بزملائي وقد انفعلوا عندما رأوني لأنهم توقعوا أنني قد سقطت بعد أن شاهدوني وأنا أطير على ارتفاع أقل من 5 أمتار تقريباً نتيجة للعطل الذي حدث في الطائرة .
"هذا وقد اشتركت بعد ذلك في ضرب المستودع الرئيسي للبترول في شمال رمانة ، كما قام تشكيلنا بضرب مدرعات العدو على الساحل الشمالي ، وما زلت أذكر منظر الجنود الإسرائيليين وقد تركوا دبابتهم المشتعلة وأخذوا يركضون هنا وهناك في ذعر تام .
"وقد هبطت أنا وزميلي بطائرتينا إلى ارتفاع منخفض فوقهم تماماً مما أثار رعبهم فأخذوا يلقون بأنفسهم على الأرض ويدفنون وجوههم في الرمال .
"أما المعركة التي قمت فيها بإسقاط طائرة ميراج ..فقد حدثت يوم 16-10-1973 حينما كان تشكيلنا مكلفاً بضرب مدرعات العدو المتقدمة على الطريق الأوسط " لعمل الثغرة " وقد بدأت الطلعة في الساعة 45,10 صباحاً ، وكنا 8 طائرات فقط وتصدى لنا 24 طائرة معادية ، وقد ابلغنا قائد التشكيل بأن نوجه حمولاتنا فوق أرتال العدو المدرعة ، ثم نشتبك مع طائراته ، وبالرغم من عدم التكافؤ بين طائرتنا وهذه الطائرات المعادية بالإضافة إلى التفوق العددي الذي كان في صالحهم فإننا استطعنا القيام بمناورات سريعة ، وأسقطت زميلي " إيهاب " أول طائرة لهم ، وأسقط أنا طائرة قائد تشكيلهم ، وتخلصنا من المعركة دون أن تسقط لنا طائرة واحدة ، ولم تحاول الطائرات المعادية الدخول وراءنا إلى غرب القناة لأن الطيارين كانوا من جنوب أفريقيا كما أظهرت علامة السلاح الخاصة بدولتهم" .
هو يقود هليوكبتر وهما يقودان الفانتوم
أي الطرفين يضرب الآخر؟!
لو وضعت هذه المعادلة البسيطة أمام أي طفل لقال بغير تردد :" مسكين طيار الهليوكوبتر..إن طياري الفانتوم سيلعبان به كما تلعب القطة بالفأر الصغير ثم تلتهمه " .
ولو أضيفت إلى طرفي المعادلة معلومات أخرى تمثل الثقة الهائلة التي يشعر بها الطيارون الإسرائيليون في أنفسهم وفي طائرتهم ثم السمعة الدولية التي يحظون بها منذ يونيو 1967 في مقابل الصورة المهزوزة للطيار المصري - أيضاً منذ يونيو 1967- حيث كان الطيارون المصريون ضحايا النكسة فلحقت بهم كل الإساءات وسوء التقدير...
لو أضيفت هذه المعلومات إلى طرفي المعادلة من جديد أمام ذلك الطفل ليستنتج أي الطرفين في هذه المعركة يدمر الآخر ، فإن أغلب الظن سوف يبتسم ويرفض الإجابة لأن السؤال في هذه الحالة يعد استهانة بعقله فحين ينعدم التكافؤ بهذا الشكل يصبح الاستنتاج تحصيل حاصل ، ومع ذلك حدث ما لا يتوقعه أحد ..
وقام الطيار المصري بما لم يسبقه إليه طيار آخر في العالم
ونقرأ القصة المثيرة من أولها :
"كان ذلك في أول أيام الحرب (6-10-1973 ) حين اجتاز تشكيل من طائرات الهليوكوبتر المصرية قناة السويس ليقوم بإبرار مجموعات من رجال الصاعقة في عمق سيناء وخلف خطوط العدو ، وظهرت على الفور طائرات الفانتوم الإسرائيلية التي كانت تبحث كالمسعورة عن أي طائرة هليوكوبتر مصرية ، لأن معنى وجودها هو إبرار وحدات من رجال الصاعقة الذين ينتشرون على الفور ويوجهون ضرباتهم الخاطفة المدمرة لخطوط العدو ومواقعه في العمق .
"كان عدد الطائرات الفانتوم 8 طائرات ، وكان تشكيل الهليوكوبتر مكوناً من أربع طائرات فقط .
"استطاع الطيارون المصريون أن يقوموا بعدة مناورات أفلتوا بعدها من حصار الطائرات الفانتوم ، وتمكنوا من إبرار رجال الصاعقة ومعداتهم في أماكن قريبة من المناطق المحددة. وبدأت رحلة العودة ... لكن الطائرات الإسرائيلية ( وقد أشعل الغضب حماس طياريها ) سارعت بمطاردة الهليوكوبتر قبل أن تعود إلى مواقعها غرب القناة .
"وكان التفوق الساحق في الإمكانيات والتجهيزات يؤكد أن المعركة لن تستغرق أكثر من دقيقتين .
"عمد الطيارون المصريون إلى استغلال ما لدى الهليوكوبتر من إمكانيات محدودة مثل (الطيران العمودي ، والهبوط الرأسي ، والوقوف في الجو ، وتغيير السرعة والاتجاه فجأة ثم الطيران المنخفض جواً...)، وقد استطاعوا بمناوراتهم البارعة الهروب من الصواريخ التي أخذت تطلقها طائرات الفانتوم المسعورة .
"ثم حدثت المفاجأة المذهلة ..... لقد شاهد الطيار المصري - قائد الهليوكوبتر الثانية في التشكيل - أمامه مباشرة وفي مواجهته إحدى الطائرات الفانتوم التي قرر طيارها إرباك الهليوكوبتر بحدة الاندفاع نحوها، لكن الطيار لم يشغل نفسه بإمكانية تفادي هذه المناورة، وبسرعة خاطفة وذكاء متقد، قرر أن يقبل المواجهة غير المتكافئة وضغط بإصبعه لكي تنطلق صواريخه " المضادة للدبابات " نحو الطائرة الفانتوم التي كانت قد اقتربت تماماً باندفاعها الحاد ، وفي أقل من ثانية انفجرت هذه الطائرة ولم يستطع طياراها أن يتمكنا من القفز منها واحترقا بداخلها".
تلك هي القصة التي قلبت كل الموازين.
لكن الدهشة تتضاءل حين يعرف الإنسان المحايد أن الصورة التي رسمتها الدعاية الإسرائيلية للطيار المصري منذ يونيو 1967 كانت كاذبة تماماً، وقد دفع الإسرائيليون أنفسهم ثمن هذا الكذب حين أثبتت معارك أكتوبر 1973 أنه طيار كفء وذكي وجريء إلى أقصى حد، وأن لديه من الدوافع الوطنية القومية ما يجعله يقتحم أعتى المخاطر ويقبل أصعب التحديات حتى لو كانت مثل تلك المواجهة بينه في طائرته الهليوكوبتر وبين طيارين إسرائيليين في الفانتوم المقاتلة القاذفة الحديثة جداً
من أوراق المقاتل الطيار جلال
"في يوم 14 أكتوبر 1973 ظهر تشكيل إسرائيلي قادماً في اتجاه أحد مطاراتنا، وصدرت الأوامر باعتراض هذا التشكيل قبل الوصول إلى الهدف ، وكانت مهمتي حماية قائد تشكيلنا الذي بدأ يصوب مدافعه على إحدى الطائرات المعادية ، شاهدت طائرتَيْ فانتوم تحاولان الهجوم على طائرتي من الخلف .. فقمت بعمل مناورة حادة ووضعت إحداهما في مجال مدفعي فأصبتها ،وهربت الثانية ، وفي أثناء قيامي بحماية المطار تعطلت طائرتي ووقف المحرك تماماً ، كان المفروض أن أقفز بالمظلة لكنني مع تكرار المحاولة وفقني الله إلى إدارة المحرك مرة أخرى ودارت الطائرة في الوقت الذي كانت قد هبطت فيه إلى ارتفاع أمتار قليلة من الأرض وراقبت كمية الوقود فوجدتها كافية وبالتالي توجهت على الفور لتعزيز زملائي وقمت في نفس الاشتباك بإسقاط طائرة فانتوم أخرى .
"وفي يوم 21 أكتوبر كلفت بمهمة حماية طائراتنا القادمة بعد ضربها لقوات العدو في الثغرة وشاهدت تشكيلاً من الميراج المقاتلة وراء قاذفاتنا ، فقمت بعمل مناورة جادة وفجأة أصيب قائد تشكيلنا، ولمحت الطائرة التي أصابته فقمت بعمل مناورة أخرى ودخلت خلفها وأصبتها بنيران مدفعي وأخذت بثأر زميلي الذي أصيبت طائرته .
"وبذلك يكون مجموع الطائرات التي أسقطتها للعدو ثلاثاً ... واحدة ميراج واثنتان فانتوم ، هذا بالرغم من أنني لم اشترك في المعارك إلا ابتداء من 14 أكتوبر".
وحارب الطيار المصري بطائرات التدريب
أمام إلحاح بعض مدرسي الكلية الجوية المصرية وافق الفريق حسني مبارك على اشتراكهم بطائرات التدريب في ضرب قوات الثغرة الإسرائيلية، وقد لبى قائد القوات الجوية هذه الرغبة وفي ذهنه أن هذا النوع من الطائرات البطيئة ( بالنسبة لطائرات القتال ) يستطيع أن يقوم بدور خاص في هذه العمليات، وبالفعل فوجئ الإسرائيليون بأعداد غزيرة من هذه الطائرات التي حقق بها طياروها نتائج باهرة، منها: إصابة المعبر الرئيسي للتسلل الإسرائيلي وضرب المدرعات والأفراد.وكانت بطولات فنيي الطيران بلا حصر
ويكفي أن نذكر ما فعله المساعد الميكانيكي بإحدى القواعد الجوية حين التقط قنبلة زمنية ألقتها طائرة إسرائيلية ، فأخذت تتدحرج فوق منزل يؤدي إلى دشمة طائرة ، التقطها المساعد الفني على الفور وهو يعلم أنها قد تنفجر في أية لحظة ثم جرى بها خارج القاعدة الجوية وألقاها بعيداً ، وما كاد يلتفت عائداً حتى انفجرت وأحدث انفجارها تدميراً كبيراً في الأرض الفضاء التي ألقاها فيها .
صورة عامة يرويها القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية
"كنت في غرفة العمليات أتابع سير المعارك، وأصبت بالدهشة عندما عرض قائد الطيران على قائدي الجيوش البرية تقديم المزيد من المساعدات الجوية قائلاً لهما: إن لديه احتياطياً من الطلعات وإنه مستعد وجاهز ، وكان القادة في الجيشين الأول والثاني يقولون له : شكراً.. إن الطلعات الموجودة الآن كافية تماماً .
"وكانت دهشتي لأن المعروف أن قادة الجيوش " البرية " دائماً يصرخون طالبين النجدة من القوات الجوية ، ودائماً لا تتوافر هذه النجدة بالكمية المطلوبة أو في الوقت المحدد .
"أما الآن " في حرب أكتوبر " فقد تغيرت الموازين ، وقائد الطيران هو الذي يعرض على قادة الجيوش أن لديه احتياطياً إضافياً وهم يقولون له: " شكراً .. لسنا في حاجة للمزيد".
"وقد قال لي قائد الجيش الثاني: "بعد الحرب " إنه بعد أن حرر القنطرة دفع العدو بلواء مدرع من الشمال لاستعادتها ، فطلب هو مساعدة جوية ، ووصلت إليه الطائرات بأقصى سرعة وبدأت معركتها مع المدرعات الإسرائيلية .. وأخذ هو يتابعها مبهوراً وهو يرى الطيارين المصريين ينزلون على الدبابات دبابة دبابة بكل ثقة وهدوء أعصاب (واخدين راحتهم خالص والواحد منهم يأخذ اللفة بتاعة الدوران مضبوطة وييجي ويضرب ويطلع اللي وراه ..وهكذا .. كل هجمة بعمود نار ..كنت واقف أتفرج فعلاً .. عمود نار بيطلع بعد كل قصفة من طيار من طيارينا)".
الرئيس محمد أنور السادات
في حديث داخل إحدى القواعد الجوية
حقائق أخرى عن الطيران المصري
*أنشئ في أغلب المطارات أكثر من ممر واحد ، بعضها متواز ليسهل الإقلاع والهبوط في مختلف الظروف الجوية لعدد كبير من الطائرات وليكون كل منهم بديلاً للآخر .
*تم تمويه الدشم ببراعة فائقة وذلك باستغلال البيئة المحيطة بها ، كما موهت بعض الممرات مما يجعل رؤيتها من الجو أمراً صعباً للغاية .
*ابتكر استخدام البالونات كوسيلة دفاع سلبية عن المطارات ضد الطيران المنخفض ، برغم أن فكرة البالونات قد ألغيت تماماً منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية .
*استحدث أسلوب استخدام طائرات إعادة الإذاعة لنقل المعلومات إلى الطائرات أثناء الطيران المنخفض حيث يصعب بلوغ الموجات ذات الترددات العالية جداً الإ للطائرات التي تكون على ارتفاعات عالية .
*توصل مهندسو المطارات بالتنسيق مع أجهزة القطاع العام إلى تركيب خلطة ساخنة يستطيعون بها سد الحفر التي تحدثها القنابل في الممرات ، ويتم ذلك خلال ساعات معدودة ( بعد أن كان يحتاج إلى وقت طويل ) .
*اتخذت تدابير فنية تحقق الاستقلال الذاتي لكل مجموعة طائرات في إعادة الملء للتزود بالوقود والتحميل بالقنابل والصواريخ في زمن قصير جداً حتى أن الطلعات كانت تتوالى وكأنها لا تتوقف لحظة .شهادات تاريخية للطيران المصري
*قال الجنرال " ستيج لوفجرين " وهو أحد قادة القوات المسلحة السويدية: ( لقد استطاع الطيارون المصريون ، بواسطة الطائرات الميج 21، سد الثغرات بين سدود وأحزمة نيران وحدات الدفاع الجوي المصري ، وصنعوا بذلك أسلوبا متكاملاً لأحدث خطط الدفاع الجوي القائمة على الطائرات جواً ووحدات الصواريخ والمدفعيات أرضاً ، كما عمل الطيران المصري إلى جانب الدفاع الجوي من خلال شبكات إنذار جيدة ، وقيادة واعية).
*أما الكاتب الخبير الأمريكي روبرت هونز فقد قال " بشكل تفصيلي أكثر (في دراسة طويلة له بمجلة " أفيشن ويك " نشرها في يونيو ويوليو 1975):
"كانت 1967 بالنسبة للأمة المصرية العربية كارثة ، وقد استطاعت هذه الأمة أن تنهض بعد ذلك ، وتقوم بإنجازات الحرب في 1973 ، وأن يدخل طياروها بعد هزيمة مدمرة لقواتهم في 1967 ، أشرس المعارك الجوية ضد الطيران الإسرائيلي ويقاتلوا بندية له حرمته تفوقه الذي اعتاد عليه ، بل ينتزع الطيار المصري السيطرة على الجو بعد أن كانت للطيران الإسرائيلي دوماً هذه السيطرة، لقد استخدمت القوات الجوية المصرية أسلوبا جديداً في الاستطلاع والقيادة والسيطرة في تعاون تام مع قوات الدفاع الجوي ، وكانت النتيجة أن السلاح الجوي الإسرائيلي تعرض لخسائر فادحة في الطيارين والطائرات ، حتى إن إسرائيل لم تعاود الهجوم بعد الأيام الثلاثة الأولى من الحرب بطائراتها (ماكدونالد دوجلاس) و(سكاي هوك ) ولقد قام المصريون بتدعيم كافة مطاراتهم ومراكز القيادة ومواقع الرادار.
*كما قاموا ببناء الدشم من الأسمنت المسلح كحظائر للطائرات ، كذلك مخازن الوقود ومعدات التسليح والأسلحة ، كما طورت ممرات الطائرات لتكون مجهزة لانتشار الطيارين ، واستخدامات الطوارئ للعودة السريعة إلى ميدان المعارك الجوية .
*كما تلقت مجاميع كبيرة من وحدات الإصلاح الميداني تدريباً خاصاً يتفاوت بين الإصلاح السريع لممرات الطائرات ، والإصلاح الفوري للأعطال الميدانية التي تصيب الطائرات والصواريخ والرادارات والمركبات .
*وقامت القوات الجوية المصرية وقوات الدفاع الجوي ببناء شبكات محكمة من المواقع البديلة والمجهزة بأجهزة الإنذار والطائرات والصواريخ الهيكلية ، وكذلك شبكات اتصال خداعية ، وقاموا بتحريك قواتهم المقاتلة الحقيقية في إطار هذا التركيب لإرباك العدو وتضليله .
ويعد هذا العمل من الإنجازات الهائلة التي تتطلب جهداً عصبياً مضاعفاً ، ولذلك كان عدد الهجمات الجوية التي شنتها القوات الجوية الإسرائيلية على تلك المواقع الهيكلية عدداً كبيراً .
ومن جهة أخرى فإن المهندسين المصريين استحدثوا إضافات إلى المعدات الروسية الجوية والأرضية لتحسين أدائها في أثناء القتال ، تبعا للظروف الخاصة التي يواجهونها في الشرق الأوسط ،فلقد استطاعوا تعديل الطائرة الميج 21 لتكون قادرة على حمل حمولة أكبر من القنابل ، كما زادوا من مداها ، وحسنوا أجهزة الاتصال ،ودوائر الإطلاق بها ، كما قاموا بتعديل طائرة الهليوكوبتر " مي 8 " لتقوم بدور هجومي ، وذلك بتزويدها بقواذف للصواريخ والقنابل خارج جسم الطائرة ، كذلك بتجهيزين ثابتين لرشاشين ثقيلين ، و " ستة مواقع للبنادق الآلية الخفيفة بهدف توفير الحماية المكثفة في أرض الهبوط " .
وقد بدأ التمهيد النيراني للمدفعية بعد بدء الضربة الجوية بخمس دقائق ولذلك كانت عودة الطائرات بعد قصف الأهداف مهمة صعبة تم التنسيق لها مع قيادة الدفاع الجوي ، ذلك أن الوقت بين دور كل طائرة وأخرى عبر ممرات محددة لم يكن يتجاوز بضع ثوان .
والنتيجة العامة للضربة الجوية هي أنها نجحت بنسبة 98%، وليس بنسبة 25% كما توقع الخبراء السوفييت، ولم يفقد السلاح الجوي المصري في هذه الضربة التي قام بها سوى طائرة واحدة فقط وليس 35% من مجموعة الطائرات التي قامت بهذه الضربة، وكان الخبراء السوفييت قد توقعوا ذلك .
وقد حققت الضربة النتائج المحددة التالية:
1- شل 3 ممرات في مطارات العدو الرئيسية في سيناء ( مجموع زنة القنابل التي ألقيت على مطار المليز مثلاً 60 طناً ) .
2 - شل 3 ممرات فرعية .
3 - إسكات 12 موقع مدفعية صواريخ هوك.
4- إسكات موقعي مدفعية ميدان .
5- تدمير مركزي قيادة رئيسي، أحدهما مركز (أم مرجم) .
6- إسكات مركز إرسال .
7- تدمير موقعي رادار .
8- تدمير مركز الإعاقة والشوشرة الرئيسي ( مركز أم خشيب ) وكان يحوي أحدث الأجهزة الإلكترونية في العالم ويشكل خطراً على الاتصالات بين القوات المصرية .
ومن الناحية المعنوية فالمؤكد أن الضربة الجوية الأولى أحدثت شرخاً في الروح المعنوية للجنود الإسرائيليين حينما رأوا فجأة السماء وقد غطتها الطائرات المصرية المندفعة من الغرب لتنقض على مواقعهم في سيناء ، كما أن تدمير مراكز القيادة ومركز الإعاقة والشوشرة قد أحدثت ارتباكاً بالغاً في صفوف القيادة .
ومن جهة أخرى فإن الروح المعنوية للمقاتلين المصريين قد ارتفعت تماماً حينما رأوا طائرات سلاحهم الجوي مندفعة نحو الشرق لتوجيه الضربة الأولى وقد زاد من حماس المقاتلين أن الطيارين في طريق عودتهم بعد تنفيذ مهمتهم، أخذوا يهزون أجنحة الطائرات تحية لهم وتعبيراً عن نجاحهم في ضرب الأهداف الإسرائيلية .
وقد واصل السلاح الجوي تنفيذ مهامه التي تلت الضربة الجوية الأولى الناجحة تماماً ، فقام بمساندة القوات البرية وحماية عملية العبور ، وإبرار قوات الصاعقة خلف خطوط العدو ، والتصدي مع الدفاع الجوي لطائرات العدو التي حاولت الإغارة على المطارات والحشود المصرية .. ثم قامت الطائرات المصرية بدور آخر لا يقل خطورة عن الضربة الجوية الأولى ، وهو ضرب القوات الإسرائيلية في الثغرة والتصدي للطائرات الفانتوم والميراج، خاصة بعد أن أسكتت بعض مواقع الدفاع الجوي في منطقة الثغرة .
وقبل أن نستعرض بعض صور البطولات للطيارين المصريين يجب أن نتوقف أمام بعض الحقائق التي سجلها التاريخ باسم الطيران المصري،كما حددها الفريق حسني مبارك (قائد القوات الجوية أثناء الحرب ) .
1- ثمة فارق شاسع بين الضربة الجوية الإسرائيلية في يونيو 1967 ، والضربة الجوية المصرية في أكتوبر 1973 ، حيث كانت ضربتهم في يونيو 67 لأهداف سهلة ومكشوفة لا تحميها أجهزة رادار حديثة أو وسائل دفاع جوي متقدمة .أما الضربة الجوية المصرية في أكتوبر 1973 فتختلف تماماً ، فقد كانت عند الإسرائيليين شبكات من الرادار تغطي سيناء والمطارات الإسرائيلية في العمق ، وكانت هناك مظلة من الفانتوم والميراج تعمل ليلاً ونهاراً، وكان لديهم حائط من الصواريخ المتطورة على طول خط بارليف ، بالإضافة إلى القمر الصناعي الأمريكي الذي كان يمدهم بكل المعلومات نتيجة رصده لحركة الطيران والقوات المصرية المختلفة .
2- كان الوقت المحدد لإعادة التموين بالوقود ( 14 ) دقيقة ، ولكن أثناء المعركة تم اختصار هذا الوقت إلى ( 6 ) دقائق فقط، وقد كان الإسرائيليون يتباهون بأنهم ينفذونها في ( 8 ) دقائق .
3 - ضرب رجال الخدمة الأرضية والصيانة أرقاماً قياسية في أعمالهم المختلفة مثل إعادة تموين الطائرات وملئها بالذخيرة .
4 - في مساندتها للقوات البرية قامت الطائرات المصرية بضرب تجمعات وطوابير المدرعات الإسرائيلية ، وكانت من أجل ذلك تنخفض إلى مستوى قريب حتى لتكاد تلامس الأرض ، وكانت الحصيلة النهائية أن مجموع ما دمرته الطائرات من المدرعات والدبابات الإسرائيلية يصل إلى 430 دبابة ، ومدرعة .
5- في معركة كبيرة بين الطائرات المصرية والطائرات الإسرائيلية فوق الدلتا استمرت 40 دقيقة أسقط للعدو 18 طائرة ولم يسقط لنا سوى طائرة واحدة .
6- وقعت معركة جوية أخرى فوق شمال الدلتا اشترك فيها حوالي 70 طائرة مصرية ضد عدد مشابه من طائرات العدو الفانتوم والميراج وقد استغرقت المعركة 50 دقيقة تم فيها إسقاط عدد كبير من الطائرات الإسرائيلية . وقد أسقط طيار مصري واحد خمس طائرات فانتوم في هذه المعركة .
7- لم يتعطل مطار مصري واحد طوال الحرب ( أكثر من 6 ساعات ) برغم محاولات الطيران الإسرائيلي المستميتة لتحقيق ذلك .
8 - تمكن الطيار المصري ( قائد الميج 17) من إسقاط الطائرة الفانتوم برغم الفارق الرهيب بين إمكانية الطائرة المصرية والطائرة الإسرائيلية المتقدمة جداً .
9- لأول مرة في التاريخ تُسقط طائرة هليوكوبتر طائرة مقاتلة، من طراز فانتوم.
10- نجح بعض الطيارين في إسقاط أربع وخمس طائرات معادية في طلعة واحدة .
11- في الأيام الثلاثة الأولى للثغرة قامت الطائرات المصرية بثلاثة آلاف طلعة قتال فوق منطقة الدفرسوار وقد اشتركت في هذه الطلعات جميع أنواع الطائرات حتى طائرة التدريب .
12 - كرر كثير من الطيارين المصريين الطلعات في اليوم الواحد حتى قام بعضهم بست وسبع طلعات يومياً ( والمعروف أن الرقم القياسي العالمي لا يزيد عن 4 طلعات يومياً ) .
13 - قام الفنيون المصريون بتطوير الطائرة المقاتلة الاعتراضية الميج 21 وجعلوها مقاتلة قاذفة ، لتعويض النقص في القاذفات ولمواجهة السيل المتدفق على إسرائيل من الفانتوم والسكاي هوك .
14- حقق مهندسو المطارات سرعة عالية في إصلاح الممرات وردم الحفر وتطهيرها من القنابل بكفاءة مذهلة .
15 - واصل مهندسو وفنيو المطارات الليل بالنهار في حماس مذهل لإصلاح الطائرات ورفع كفاءتها بحيث لم تتعطل العمليات في أي وقت بسبب عدم صلاحية الطائرات .
16 - انخفض زمن إقلاع طائرات في حالة الاستعداد الأولي إلى دقيقتين فقط .
17 - كان تدمير الهدف المعادي لا يستلزم من الطيار غير هجمة واحدة أو اثنتين لا أكثر.
وقائع وصور
من ملفات الطيارين المصريين
بعد سنة 1967 أنشأ الإسرائيليون في سيناء مركزاً استطلاعياً على جبل أم خشيب وكانت آلاته الإلكترونية دقيقة ، وكان المركز على درجة كبيرة من الأهمية والخطورة. ولذلك كان لابد أن تعمل القيادة المصرية حساب هذا المركز في الضربة الجوية الأولى ، وكانت المهمة الخطيرة من نصيب الطيار المقاتل شريف الذي قال :
" بوصول تشكيلنا إلى الموقع في الثانية وبضع دقائق من ظهر السبت 6 - 10 - 1973 فوجئت بأن عدد الهوائيات المنتشرة في المركز يفوق الحصر مما أكد لنا خطورة هذا المركز، وقد قمت أنا وتشكيلي على الفور بالانقضاض و إلقاء جميع حمولات طائراتنا الميج 17 ، وكانت الدفاعات الجوية الكثيفة حول الموقع قد بدأت تقاومنا في ارتباك شديد، كان علينا أن نتفادى قذائف المدفعية المضادة للطائرات والصواريخ هوك وأيضاً الطائرات الفانتوم والميراج .. وقد أدى إصرارنا على تدمير المركز إلى مزيد من الارتباك في صفوف العدو خاصة عندما اشتبكت مع إحدى طائراته الفانتوم التي حاولت منعنا من تدميره وأسقطتها فوق تحصيناته ، ولعل أكبر دليل على ارتباك الإسرائيليين واستماتتهم في حماية هذا المركز أنهم أطلقوا صواريخهم دون تفرقة بين طائراتنا وطائراتهم ، وقد انتهت الغارة بعد أن وفقنا الله إلى تحقيق النتائج التالية :
*تدمير مركز أم خشيب وتعطيله تماماً (لم يعمل إطلاقاً أيام الحرب وقد نقلوا نشاطهم إلى مركز آخر بعيد في العريش لم يستطع تعويض مركز أم خشيب ).
*إسقاط عدد من الطائرات الفانتوم والميراج .
*تدمير قواعد الصواريخ المحيطة بالمركز".
ضرب طائرات إسرائيلية على الأرض
برغم الفوارق الهائلة بين ظروف الضربة الجوية الأولى التي قامت بها الطائرات المصرية في أكتوبر 1973 ، والضربة الجوية الإسرائيلية في يونيو 1967 ، فإن الطيار المصري تمكن في 1973 من ضرب عدد من الطائرات الإسرائيلية على الأرض وكأنه كان بذلك يرد على ما فعلته الطائرات الإسرائيلية في يونيو 1967 .
والقصة بطلها الطيار الشهيد صبحي الشيخ الذي كان قائداً لسرب ميج 21 وكان مكلفاً بضرب مطار (رأس نصراني) وقد اندفع التشكيل إلى مهمته في ساعة الصفر للضربة الجوية الأولى ، وتم تحقيق المهمة لكن طائرته أصيبت في نفس اللحظة ، وكان يستطيع القفز بالمظلة والنجاة بنفسه ، لكنه لمح ثلاث طائرات فانتوم إسرائيلية تخرج من دشمتها الثلاثية لتستعد لاعتراض أو بالتحديد لمطاردة الطائرات المصرية التي هاجمت المطار .
وهنا قرر الطيار صبحي الشيخ أن يحول طائرته إلى قنبلة " بشرية " يضرب بها الطائرات الفانتوم الثلاث وهي مازالت على الأرض ، فصاح في اللاسلكي رداً على زملائه الذين أخذوا ينادون عليه محذرين إياه من أن طائرته ستنفجر ، صاح قائلاً : " الله أكبر .. تحيا مصر ".
ثم انقض بالطائرة وسط الطائرات الثلاث فانفجرت طائرته وتوالى معها انفجار الطائرات الفانتوم التي كان لانفجار قنابلها وذخيرتها دوي رهيب ، وقد أضاف هذا الانفجار تدميرا جديدا للمطار هو الآخر ، وبذلك استشهد الطيار صبحي الشيخ بعد أن حقق التالي :
*ضرب وتدمير المطار الإسرائيلي ( رأس نصراني ) .
*تدمير ثلاث طائرات فانتوم ( قبل أن تقلع بثوان معدودات ) .
*قتل الطيارين الستة الذين كانوا في هذه الطائرات .
*قتل وإصابة عدد غير محدد من جنود وضباط المطار .
الميج 17 تُسقط الميراج
إلى جنب الفانتوم
ليس هناك مجال للمقارنة على الإطلاق بين إمكانيات الميج 17 والفانتوم .. فالأولى تعتبر بالنسبة للثانية نوعاً بدائياً من الطائرات، ومع ذلك فقد استطاع الطيارون المصريون (بالميج 17 ) أن يحققوا إنجازات كبيرة ، ثم كانت قمة تفوقهم حين اشتبكوا مع الطائرات الفانتوم الإسرائيلية ، وتمكن بعضهم من إسقاط هذه الطائرات .
ويحكي لنا الطيار المصري الشاب (نقولا) الذي استعاد بعض ذكرياته عن المعارك الجوية التي خاضها والأهداف التي حققها هو وزملاؤه وقال :
"في الساعة 05,2 يوم السبت 6 أكتوبر 1973 كنا فوق موقع صواريخ هوك في ( أبو سمارة ) شمال سيناء .
"بعد وصولنا " المنطقة الميتة للموقع " أطلق الإسرائيليون صواريخهم علينا ، وقد ساعدنا ذلك في تحديد مكان الموقع الحقيقي بين المواقع الهيكلية .
"وكنت قد تأخرت قليلا وراء التشكيل الذي أعمل معه نظراً لأنني بعد إقلاعي ، وعندما بدأت أرفع العجل ، فوجئت بأنه لم يرتفع، وكان الحل الطبيعي أن أعود إلى قاعدتي أو أبلغ قاعدتي في اللاسلكي، ولكن نظراً للأوامر بعدم التحدث في اللاسلكي (ضماناً للسرية والمفاجأة)، ولما كنت مصمماً على عدم العودة قبل مشاركة زملائي في الضربة الأولى، فقد واصلت الطيران خلف التشكيل الذي سبقني بحوالي 3 أو 4 كم ، وبمجرد أن رأيت زملائي ينقضون على الهدف اشتعل حماسي أكثر واندفعت نحو الموقع وقد أتاح لي تأخري تلك الثواني أن أرى نتائج ضرب زملائي للموقع الذي تم إسكاته تماماً .
"والطريف أنني عندما عدت إلى قاعدتي فوجئت بزملائي وقد انفعلوا عندما رأوني لأنهم توقعوا أنني قد سقطت بعد أن شاهدوني وأنا أطير على ارتفاع أقل من 5 أمتار تقريباً نتيجة للعطل الذي حدث في الطائرة .
"هذا وقد اشتركت بعد ذلك في ضرب المستودع الرئيسي للبترول في شمال رمانة ، كما قام تشكيلنا بضرب مدرعات العدو على الساحل الشمالي ، وما زلت أذكر منظر الجنود الإسرائيليين وقد تركوا دبابتهم المشتعلة وأخذوا يركضون هنا وهناك في ذعر تام .
"وقد هبطت أنا وزميلي بطائرتينا إلى ارتفاع منخفض فوقهم تماماً مما أثار رعبهم فأخذوا يلقون بأنفسهم على الأرض ويدفنون وجوههم في الرمال .
"أما المعركة التي قمت فيها بإسقاط طائرة ميراج ..فقد حدثت يوم 16-10-1973 حينما كان تشكيلنا مكلفاً بضرب مدرعات العدو المتقدمة على الطريق الأوسط " لعمل الثغرة " وقد بدأت الطلعة في الساعة 45,10 صباحاً ، وكنا 8 طائرات فقط وتصدى لنا 24 طائرة معادية ، وقد ابلغنا قائد التشكيل بأن نوجه حمولاتنا فوق أرتال العدو المدرعة ، ثم نشتبك مع طائراته ، وبالرغم من عدم التكافؤ بين طائرتنا وهذه الطائرات المعادية بالإضافة إلى التفوق العددي الذي كان في صالحهم فإننا استطعنا القيام بمناورات سريعة ، وأسقطت زميلي " إيهاب " أول طائرة لهم ، وأسقط أنا طائرة قائد تشكيلهم ، وتخلصنا من المعركة دون أن تسقط لنا طائرة واحدة ، ولم تحاول الطائرات المعادية الدخول وراءنا إلى غرب القناة لأن الطيارين كانوا من جنوب أفريقيا كما أظهرت علامة السلاح الخاصة بدولتهم" .
هو يقود هليوكبتر وهما يقودان الفانتوم
أي الطرفين يضرب الآخر؟!
لو وضعت هذه المعادلة البسيطة أمام أي طفل لقال بغير تردد :" مسكين طيار الهليوكوبتر..إن طياري الفانتوم سيلعبان به كما تلعب القطة بالفأر الصغير ثم تلتهمه " .
ولو أضيفت إلى طرفي المعادلة معلومات أخرى تمثل الثقة الهائلة التي يشعر بها الطيارون الإسرائيليون في أنفسهم وفي طائرتهم ثم السمعة الدولية التي يحظون بها منذ يونيو 1967 في مقابل الصورة المهزوزة للطيار المصري - أيضاً منذ يونيو 1967- حيث كان الطيارون المصريون ضحايا النكسة فلحقت بهم كل الإساءات وسوء التقدير...
لو أضيفت هذه المعلومات إلى طرفي المعادلة من جديد أمام ذلك الطفل ليستنتج أي الطرفين في هذه المعركة يدمر الآخر ، فإن أغلب الظن سوف يبتسم ويرفض الإجابة لأن السؤال في هذه الحالة يعد استهانة بعقله فحين ينعدم التكافؤ بهذا الشكل يصبح الاستنتاج تحصيل حاصل ، ومع ذلك حدث ما لا يتوقعه أحد ..
وقام الطيار المصري بما لم يسبقه إليه طيار آخر في العالم
ونقرأ القصة المثيرة من أولها :
"كان ذلك في أول أيام الحرب (6-10-1973 ) حين اجتاز تشكيل من طائرات الهليوكوبتر المصرية قناة السويس ليقوم بإبرار مجموعات من رجال الصاعقة في عمق سيناء وخلف خطوط العدو ، وظهرت على الفور طائرات الفانتوم الإسرائيلية التي كانت تبحث كالمسعورة عن أي طائرة هليوكوبتر مصرية ، لأن معنى وجودها هو إبرار وحدات من رجال الصاعقة الذين ينتشرون على الفور ويوجهون ضرباتهم الخاطفة المدمرة لخطوط العدو ومواقعه في العمق .
"كان عدد الطائرات الفانتوم 8 طائرات ، وكان تشكيل الهليوكوبتر مكوناً من أربع طائرات فقط .
"استطاع الطيارون المصريون أن يقوموا بعدة مناورات أفلتوا بعدها من حصار الطائرات الفانتوم ، وتمكنوا من إبرار رجال الصاعقة ومعداتهم في أماكن قريبة من المناطق المحددة. وبدأت رحلة العودة ... لكن الطائرات الإسرائيلية ( وقد أشعل الغضب حماس طياريها ) سارعت بمطاردة الهليوكوبتر قبل أن تعود إلى مواقعها غرب القناة .
"وكان التفوق الساحق في الإمكانيات والتجهيزات يؤكد أن المعركة لن تستغرق أكثر من دقيقتين .
"عمد الطيارون المصريون إلى استغلال ما لدى الهليوكوبتر من إمكانيات محدودة مثل (الطيران العمودي ، والهبوط الرأسي ، والوقوف في الجو ، وتغيير السرعة والاتجاه فجأة ثم الطيران المنخفض جواً...)، وقد استطاعوا بمناوراتهم البارعة الهروب من الصواريخ التي أخذت تطلقها طائرات الفانتوم المسعورة .
"ثم حدثت المفاجأة المذهلة ..... لقد شاهد الطيار المصري - قائد الهليوكوبتر الثانية في التشكيل - أمامه مباشرة وفي مواجهته إحدى الطائرات الفانتوم التي قرر طيارها إرباك الهليوكوبتر بحدة الاندفاع نحوها، لكن الطيار لم يشغل نفسه بإمكانية تفادي هذه المناورة، وبسرعة خاطفة وذكاء متقد، قرر أن يقبل المواجهة غير المتكافئة وضغط بإصبعه لكي تنطلق صواريخه " المضادة للدبابات " نحو الطائرة الفانتوم التي كانت قد اقتربت تماماً باندفاعها الحاد ، وفي أقل من ثانية انفجرت هذه الطائرة ولم يستطع طياراها أن يتمكنا من القفز منها واحترقا بداخلها".
تلك هي القصة التي قلبت كل الموازين.
لكن الدهشة تتضاءل حين يعرف الإنسان المحايد أن الصورة التي رسمتها الدعاية الإسرائيلية للطيار المصري منذ يونيو 1967 كانت كاذبة تماماً، وقد دفع الإسرائيليون أنفسهم ثمن هذا الكذب حين أثبتت معارك أكتوبر 1973 أنه طيار كفء وذكي وجريء إلى أقصى حد، وأن لديه من الدوافع الوطنية القومية ما يجعله يقتحم أعتى المخاطر ويقبل أصعب التحديات حتى لو كانت مثل تلك المواجهة بينه في طائرته الهليوكوبتر وبين طيارين إسرائيليين في الفانتوم المقاتلة القاذفة الحديثة جداً
من أوراق المقاتل الطيار جلال
"في يوم 14 أكتوبر 1973 ظهر تشكيل إسرائيلي قادماً في اتجاه أحد مطاراتنا، وصدرت الأوامر باعتراض هذا التشكيل قبل الوصول إلى الهدف ، وكانت مهمتي حماية قائد تشكيلنا الذي بدأ يصوب مدافعه على إحدى الطائرات المعادية ، شاهدت طائرتَيْ فانتوم تحاولان الهجوم على طائرتي من الخلف .. فقمت بعمل مناورة حادة ووضعت إحداهما في مجال مدفعي فأصبتها ،وهربت الثانية ، وفي أثناء قيامي بحماية المطار تعطلت طائرتي ووقف المحرك تماماً ، كان المفروض أن أقفز بالمظلة لكنني مع تكرار المحاولة وفقني الله إلى إدارة المحرك مرة أخرى ودارت الطائرة في الوقت الذي كانت قد هبطت فيه إلى ارتفاع أمتار قليلة من الأرض وراقبت كمية الوقود فوجدتها كافية وبالتالي توجهت على الفور لتعزيز زملائي وقمت في نفس الاشتباك بإسقاط طائرة فانتوم أخرى .
"وفي يوم 21 أكتوبر كلفت بمهمة حماية طائراتنا القادمة بعد ضربها لقوات العدو في الثغرة وشاهدت تشكيلاً من الميراج المقاتلة وراء قاذفاتنا ، فقمت بعمل مناورة جادة وفجأة أصيب قائد تشكيلنا، ولمحت الطائرة التي أصابته فقمت بعمل مناورة أخرى ودخلت خلفها وأصبتها بنيران مدفعي وأخذت بثأر زميلي الذي أصيبت طائرته .
"وبذلك يكون مجموع الطائرات التي أسقطتها للعدو ثلاثاً ... واحدة ميراج واثنتان فانتوم ، هذا بالرغم من أنني لم اشترك في المعارك إلا ابتداء من 14 أكتوبر".
وحارب الطيار المصري بطائرات التدريب
أمام إلحاح بعض مدرسي الكلية الجوية المصرية وافق الفريق حسني مبارك على اشتراكهم بطائرات التدريب في ضرب قوات الثغرة الإسرائيلية، وقد لبى قائد القوات الجوية هذه الرغبة وفي ذهنه أن هذا النوع من الطائرات البطيئة ( بالنسبة لطائرات القتال ) يستطيع أن يقوم بدور خاص في هذه العمليات، وبالفعل فوجئ الإسرائيليون بأعداد غزيرة من هذه الطائرات التي حقق بها طياروها نتائج باهرة، منها: إصابة المعبر الرئيسي للتسلل الإسرائيلي وضرب المدرعات والأفراد.وكانت بطولات فنيي الطيران بلا حصر
ويكفي أن نذكر ما فعله المساعد الميكانيكي بإحدى القواعد الجوية حين التقط قنبلة زمنية ألقتها طائرة إسرائيلية ، فأخذت تتدحرج فوق منزل يؤدي إلى دشمة طائرة ، التقطها المساعد الفني على الفور وهو يعلم أنها قد تنفجر في أية لحظة ثم جرى بها خارج القاعدة الجوية وألقاها بعيداً ، وما كاد يلتفت عائداً حتى انفجرت وأحدث انفجارها تدميراً كبيراً في الأرض الفضاء التي ألقاها فيها .
صورة عامة يرويها القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية
"كنت في غرفة العمليات أتابع سير المعارك، وأصبت بالدهشة عندما عرض قائد الطيران على قائدي الجيوش البرية تقديم المزيد من المساعدات الجوية قائلاً لهما: إن لديه احتياطياً من الطلعات وإنه مستعد وجاهز ، وكان القادة في الجيشين الأول والثاني يقولون له : شكراً.. إن الطلعات الموجودة الآن كافية تماماً .
"وكانت دهشتي لأن المعروف أن قادة الجيوش " البرية " دائماً يصرخون طالبين النجدة من القوات الجوية ، ودائماً لا تتوافر هذه النجدة بالكمية المطلوبة أو في الوقت المحدد .
"أما الآن " في حرب أكتوبر " فقد تغيرت الموازين ، وقائد الطيران هو الذي يعرض على قادة الجيوش أن لديه احتياطياً إضافياً وهم يقولون له: " شكراً .. لسنا في حاجة للمزيد".
"وقد قال لي قائد الجيش الثاني: "بعد الحرب " إنه بعد أن حرر القنطرة دفع العدو بلواء مدرع من الشمال لاستعادتها ، فطلب هو مساعدة جوية ، ووصلت إليه الطائرات بأقصى سرعة وبدأت معركتها مع المدرعات الإسرائيلية .. وأخذ هو يتابعها مبهوراً وهو يرى الطيارين المصريين ينزلون على الدبابات دبابة دبابة بكل ثقة وهدوء أعصاب (واخدين راحتهم خالص والواحد منهم يأخذ اللفة بتاعة الدوران مضبوطة وييجي ويضرب ويطلع اللي وراه ..وهكذا .. كل هجمة بعمود نار ..كنت واقف أتفرج فعلاً .. عمود نار بيطلع بعد كل قصفة من طيار من طيارينا)".
الرئيس محمد أنور السادات
في حديث داخل إحدى القواعد الجوية
حقائق أخرى عن الطيران المصري
*أنشئ في أغلب المطارات أكثر من ممر واحد ، بعضها متواز ليسهل الإقلاع والهبوط في مختلف الظروف الجوية لعدد كبير من الطائرات وليكون كل منهم بديلاً للآخر .
*تم تمويه الدشم ببراعة فائقة وذلك باستغلال البيئة المحيطة بها ، كما موهت بعض الممرات مما يجعل رؤيتها من الجو أمراً صعباً للغاية .
*ابتكر استخدام البالونات كوسيلة دفاع سلبية عن المطارات ضد الطيران المنخفض ، برغم أن فكرة البالونات قد ألغيت تماماً منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية .
*استحدث أسلوب استخدام طائرات إعادة الإذاعة لنقل المعلومات إلى الطائرات أثناء الطيران المنخفض حيث يصعب بلوغ الموجات ذات الترددات العالية جداً الإ للطائرات التي تكون على ارتفاعات عالية .
*توصل مهندسو المطارات بالتنسيق مع أجهزة القطاع العام إلى تركيب خلطة ساخنة يستطيعون بها سد الحفر التي تحدثها القنابل في الممرات ، ويتم ذلك خلال ساعات معدودة ( بعد أن كان يحتاج إلى وقت طويل ) .
*اتخذت تدابير فنية تحقق الاستقلال الذاتي لكل مجموعة طائرات في إعادة الملء للتزود بالوقود والتحميل بالقنابل والصواريخ في زمن قصير جداً حتى أن الطلعات كانت تتوالى وكأنها لا تتوقف لحظة .شهادات تاريخية للطيران المصري
*قال الجنرال " ستيج لوفجرين " وهو أحد قادة القوات المسلحة السويدية: ( لقد استطاع الطيارون المصريون ، بواسطة الطائرات الميج 21، سد الثغرات بين سدود وأحزمة نيران وحدات الدفاع الجوي المصري ، وصنعوا بذلك أسلوبا متكاملاً لأحدث خطط الدفاع الجوي القائمة على الطائرات جواً ووحدات الصواريخ والمدفعيات أرضاً ، كما عمل الطيران المصري إلى جانب الدفاع الجوي من خلال شبكات إنذار جيدة ، وقيادة واعية).
*أما الكاتب الخبير الأمريكي روبرت هونز فقد قال " بشكل تفصيلي أكثر (في دراسة طويلة له بمجلة " أفيشن ويك " نشرها في يونيو ويوليو 1975):
"كانت 1967 بالنسبة للأمة المصرية العربية كارثة ، وقد استطاعت هذه الأمة أن تنهض بعد ذلك ، وتقوم بإنجازات الحرب في 1973 ، وأن يدخل طياروها بعد هزيمة مدمرة لقواتهم في 1967 ، أشرس المعارك الجوية ضد الطيران الإسرائيلي ويقاتلوا بندية له حرمته تفوقه الذي اعتاد عليه ، بل ينتزع الطيار المصري السيطرة على الجو بعد أن كانت للطيران الإسرائيلي دوماً هذه السيطرة، لقد استخدمت القوات الجوية المصرية أسلوبا جديداً في الاستطلاع والقيادة والسيطرة في تعاون تام مع قوات الدفاع الجوي ، وكانت النتيجة أن السلاح الجوي الإسرائيلي تعرض لخسائر فادحة في الطيارين والطائرات ، حتى إن إسرائيل لم تعاود الهجوم بعد الأيام الثلاثة الأولى من الحرب بطائراتها (ماكدونالد دوجلاس) و(سكاي هوك ) ولقد قام المصريون بتدعيم كافة مطاراتهم ومراكز القيادة ومواقع الرادار.
*كما قاموا ببناء الدشم من الأسمنت المسلح كحظائر للطائرات ، كذلك مخازن الوقود ومعدات التسليح والأسلحة ، كما طورت ممرات الطائرات لتكون مجهزة لانتشار الطيارين ، واستخدامات الطوارئ للعودة السريعة إلى ميدان المعارك الجوية .
*كما تلقت مجاميع كبيرة من وحدات الإصلاح الميداني تدريباً خاصاً يتفاوت بين الإصلاح السريع لممرات الطائرات ، والإصلاح الفوري للأعطال الميدانية التي تصيب الطائرات والصواريخ والرادارات والمركبات .
*وقامت القوات الجوية المصرية وقوات الدفاع الجوي ببناء شبكات محكمة من المواقع البديلة والمجهزة بأجهزة الإنذار والطائرات والصواريخ الهيكلية ، وكذلك شبكات اتصال خداعية ، وقاموا بتحريك قواتهم المقاتلة الحقيقية في إطار هذا التركيب لإرباك العدو وتضليله .
ويعد هذا العمل من الإنجازات الهائلة التي تتطلب جهداً عصبياً مضاعفاً ، ولذلك كان عدد الهجمات الجوية التي شنتها القوات الجوية الإسرائيلية على تلك المواقع الهيكلية عدداً كبيراً .
ومن جهة أخرى فإن المهندسين المصريين استحدثوا إضافات إلى المعدات الروسية الجوية والأرضية لتحسين أدائها في أثناء القتال ، تبعا للظروف الخاصة التي يواجهونها في الشرق الأوسط ،فلقد استطاعوا تعديل الطائرة الميج 21 لتكون قادرة على حمل حمولة أكبر من القنابل ، كما زادوا من مداها ، وحسنوا أجهزة الاتصال ،ودوائر الإطلاق بها ، كما قاموا بتعديل طائرة الهليوكوبتر " مي 8 " لتقوم بدور هجومي ، وذلك بتزويدها بقواذف للصواريخ والقنابل خارج جسم الطائرة ، كذلك بتجهيزين ثابتين لرشاشين ثقيلين ، و " ستة مواقع للبنادق الآلية الخفيفة بهدف توفير الحماية المكثفة في أرض الهبوط " .