الاستراتيجية العسكرية لحرب أكتوبر

ابابيل

عضو
إنضم
17 أكتوبر 2009
المشاركات
559
التفاعل
16 0 0
الحقيقة أن هذه الحرب، رغم كثرة ما كتب عنها من مقالات ودراسات مازالت تتطلب المزيد، لما أحدثه من متغيرات استراتيجية في هذه المنطقة والعالم، ولما استندت عليه من أسس ونظريات علمية تدعو إلى التأمل والتركيز ولما أبرزته من دروس وأساليب عسكرية جديدة تستحق البحث والتقييم.
لقد تحدت هذه الحرب الكثير من العقائد والنظريات، وتغلبت على الكثير من العقبات والمشاكل، فعلى المستوى الاستراتيجي هزت العقائد والنظريات التي اعتنقتها إسرائيل فحطمت نظرية الأمن الإسرائيلي واهدرت النظرية الوقائية.

وعلى المستوى التعبوي والتكتيكي تغلبت على أعقد الموانع المائية، وأقوى الدفاعات المحصنة ودارت فيها معارك عنيفة اشتركت فيها قوات بحجم ونوع وتسليح لم يسبق حدوثه في المنطقة وعلى المستوى الاستراتيجي والتعبوي والتكتيكي حققت المفاجأة بعد أن خدعت أحدث وسائل المخابرات المعادية، وعلى المستوى المعنوي عبرنا من خلالها هزيمة يونيو 1967، بكل أبعادها المريرة ، وسوف أقسم حديثي إلى ثلاثة أقسام وهي:
1- الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية.
ب- الاستراتيجية العسكرية المصرية لحرب اكتوبر 1973.
ج- النتائج والدروس الاستراتيجية عن الحرب
القسم الأول:
الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية
إن الدراسة المتعمقة للاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية توضح لنا أن الصهيونية العالمية حددت لنفسها هدفا أساسيا، أنشأت إسرائيل لتحقيقه من خلال وجود دولة يهودية في منطقة الشرق الأوسط، تجمع يهود العالم داخل أقصى حدود يمكن التوسع فيها للسيطرة على المنطقة العربية وتحتل مكانا بارزا في المجال الدولي.
ولتنفيذ هذا الهدف، أرست الصهيونية الخطوط الرئيسية الثابتة لسياسة إسرائيل وهي:
أ- التوسع الجغرافي التدريجي على حساب الأرض العربية.
ب- الاحتفاظ بقوة مسلحة متفوقة تكون هدفا ووسيلة.
ج- الارتباط بقوى دولية كبرى كحليف مضمون يعاونها في تحقيق أهدافها المرحلية.
د- إضعاف وتبديد الطاقات العربية.
وأدارت إسرائيل صراعها مع العرب- منذ نشأتها- لتحقيق هذا الهدف النهائي بوضع أهداف مرحلية. طبقا لما يمكن أن يتحقق في كل مرحلة بموازنة الاعتبارات الداخلية فيها والموقف في المنطقة العربية والموقف الدولي.
واهتدت العقلية الصهيونية إلى صياغة نظرية عسكرية أطلقت عليها اسم "نظرية الأمن الإسرائيلي" لتكون ستاراً لتحقيق أهداف إسرائيل التوسعية ووسيلة لخداع الرأي العام العالمي، وخلق اقتناع لدى الإسرائيليين لتقبل مغامراتها العسكرية المتتالية. وهنا أود أن أوضح أن استخدام القوة العسكرية هو حجر الزاوية في هذه النظرية، ووضعت إسرائيل استراتيجية استخدامها على أساس ثلاثة مبادئ رئيسية هي:
العمل الهجومي، والحرب الخاطفة، ونقل القتال إلى أرض العدو تحت ستار ما سمته بالحرب الوقائية، الأمر الذي يحقق لها مطامعها التوسعية ولذلك نظم الجيش الإسرائيلي على أساس قوة ضاربة تعتمد أساسا على القوات البرية والقوات المدرعة.
وفي أعقاب حرب يونيو 1967 التي وصلت فيها إلى قناة السويس ونهر الأردن والجولان تضاعفت المساحات التي يجب عليها تأمينها وامتدت خطوط المواجهة وطالت خطوط المواصلات وأصبح الوضع الاستراتيجي عبئا عسكريا على إسرائيل، ولكنها في سبيل الاحتفاظ بالأرض العربية اعتبرت أن خطوط 1967 وهي قناة السويس في الجبهة المصرية تمثل أفضل الأوضاع لتحقيق امن إسرائيل وكان اتخاذها لأوضاع دفاعية ثابتة بداية لسلسلة من الأخطاء الاستراتيجية العسكرية. فعندما لم تهدأ الجبهة المصرية عسكريا بعد حرب يونيو كما كانت تتوقع ودخلت مصر ضدها في حرب استنزاف استمرت حوالي عامين وبرزت قوة النيران المصرية تكبد إسرائيل خسائر كبيرة في الأرواح كان رد الفعل هو إقامة الحصينات والدفاعات والموانع والسواتر الترابية العالية وإنشاء نظام دفاعي أطلقت عليه اسم خط بارليف وآمنت بمناعته وزاد من الأخطاء العسكرية لإسرائيل. ما عكسه الانتصار الذي أحرزته عام 1967 وهو انتصار حققته نتيجة لأخطائنا وليس لقدرة إسرائيل غير العادية فقد رسخ ذلك في فكر ونفسية القادة، وللقيادات معتقدات آمنوا بها، أذكر منها:
أ- عدم قدرة مصر وهي الجبهة الرئيسية على القيام بأي هجوم شامل وإن أي محاولة مصرية حتى للحصول على موطئ قدم على الضفة الشرقية للقناة سوف يقضى عليها فورا، وكان هذا خطأ في تقييم القدرات العسكرية المصرية وليس أدل على ذلك من الفشل الإسرائيلي الكامل أمام القوات المصرية يوم 6 أكتوبر 1973.
ب- اعتقادها في عدم إمكان تنسيق أي هجوم على أكثر من جبهة وكان ذلك هو الآخر خطأ استراتيجيا كانت نتيجته أن فقدت إسرائيل الاتزان الاستراتيجي وتعرضت لخسائر فادحة.
ج- الغرور القاتل الذي أصاب قادة إسرائيل لأنهم يملكون التفوق المطلق وليس أمام مصر سوى الاستسلام لشروط إسرائيل تحت وقع الهزيمة العسكرية.
الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية على الجبهة المصرية قبل أكتوبر 73
أ- وهكذا أصبحت الاستراتيجية العسكرية ت الإسرائيلية على الجبهة المصرية تعتمد على الأسس التالية قبل أكتوبر 1973:
*التفوق العسكري الإسرائيلي الذي يمنع مصر من التفكير في شن الحرب وخلق إحساس لديها بالعجز من مواجهة القوات الإسرائيلية.
*إن خط قناة السويس هو أنسب "الحدود الآمنة" باعتبار قناة السويس مانعا فريدا في نوعه يسهل الدفاع عنه بينما يتعذر على المصريين اقتحامه.
*إحباط تحضيراتنا للهجوم وذلك بالسبق في توجيه الضربة الأولى عند ظهور أي نوايا هجومية مصرية بالاعتماد أساسا على قوات جوية متفوقة تمثل أداة الردع والذراع الطويلة.
*كما تعتمد على قواتها المدرعة وقوات الاقتحام الجوي لتدمير أي قوات مصرية تحاول اقتحام القناة أو تنجح في عبورها.
*وتمشيا مع نظرية الحدود الآمنة، فقد ركزت جهودها للسيطرة على المضايق البحرية بمنطقة شرم الشيخ لتأمين خطوط مواصلاتها البحرية إلى البحر الأحمر.
*يخدم كل ماسبق نظام ممتاز للمخابرات قادر على اكتشاف أي نوايا هجومية قبل وقوعها بوقت كاف يسمح للقوات بالاستعداد للقتال والحشد وتنفيذ التعبئة بنظام جيد وضع للتعبئة الشاملة.
ب- تلك كانت أسس الاستراتيجية الإسرائيلية وأسلوبها التطبيقي بعد عام 1967، وطوال الفترة من 1967 حتى 1973 رفضت إسرائيل جميع الحلول السلمية لأنها انتشت بنصرها في عام 1967 واعتمدت على قواتها العسكرية وأخذت تعتدي على جيرانها العرب تارة باستخدام القوة المسلحة كوسيلة للردع المادي وتارة أخرى بالتلويح بها تحقيقا للردع المعنوي والسياسي وأطلقت في العالم دعايات ذكية أن العرب جثة هامدة وأن العرب وفي مقدمتهم مصر لن تقوم لهم قائمة وبذلك سدت كل الأبواب أمام أي حل سلمي عاجل. ففرضت الحرب حتميتها ولم يبق أمامنا إلا الصراع المسلح.
القسم الثاني:
الاستراتيجية العسكرية المصرية لحرب أكتوبر
*طبيعة وشكل الحرب
ورغم أن حربنا مع إسرائيل هي حرب عادلة، لأنها قامت لاسترداد الحق، إلا انه لم يكن غائبا عن الذهن قيود وحدود الصراع المسلح في ظروف العصر، فهي حرب تدور في موقف عالمي بالغ التعقيد، قائم على ضوابط التوازن النووي، وسياسة الوفاق بين القوتين الأعظم اللتين فرضتا الاسترخاء العسكري في المنطقة، مع تناقض اهتماماتهما السياسية والاستراتيجية في منطقة الصراع من خلال هذا المفهوم، كان لا بد من وضع استراتيجية عليا تحسب الخطوات وتحدد مسارها وآثارها وردود فعلها في المنطقة العربية وفي العالم بعد أن فرض الموقف الدولي أسلوبا خاصاً في إدارة الصراع المسلح في المنطقة، قيد شكله ومداه.
وبناء على ذلك تم التخطيط لحرب اكتوبر سنة 1973 على أنها محلية شاملة تستخدم فيها الأسلحة التقليدية فقط ويكون لها أهداف استراتيجية حاسمة بحيث تقلب الموازين في المنطقة لتهدم نظريات إسرائيل ودعائم استراتيجيتها وتمتد زمنيا لفترة تتيح تدخل الطاقات العربية الأخرى لتفرض ثقلها على نتائج الحرب.
وتحقيقا لذلك كان من ضمن أهداف الاستراتيجية العليا للدولة تحدي نظرية الأمن الإسرائيلي وذلك عن طريق عمل عسكري يكون هدفه إلحاق أكبر قدر من الخسائر بالعدو وإقناعه أن مواصلة احتلاله لأرضنا يفرض عليه ثمنا لا يستطيع دفعه وبالتالي فإن نظريته في الأمن القائمة على أساس التخويف النفسي والسياسي والعسكري ليست درعا من الفولاذ تحمية الآن أو في المستقبل.
الاعتبارات الرئيسية
التي بنيت عليها استراتيجة الحرب
بعد أن استعرضنا طبيعة مشاكل الحرب المحلية في عصرنا الحاضر سأوضح الاعتبارات الرئيسية التي بنيت عليها الاستراتيجية المصرية لحرب أكتوبر والذي أريد أن أؤكده منذ البداية أنها استراتيجية مصرية صميمة لم تستورد من الشرق أو الغرب، صنعت من واقع مرير عاشته مصر والأمة العربية بعد هزيمة 1967، ثم غذتها وأغنتها بمتابعة التقدم العلمي والتكنولوجي العسكري العالمي وصاغتها من العرق والدم من دروس الحروب السابقة وسأكتفي بأربعة فقط من الأسس التي بنيت عليها العسكرية المصرية:

الأساس الأول: دروس نكسة يونيو 1967


في تلك الحرب لم تكن لدينا استراتيجية شاملة من الدولة تحقق التوازن والتنسيق بين الهدف السياسي للدولة وقدرتها العسكرية، بل إن القوات المسلحة فوجئت بقرارات سياسية لم تكن على علم بها لتستعد لتنفيذها، ولما بدأت تنفيذها كانت في صورة مظاهرة عسكرية لدعم القرار السياسي وكان على القوات المسلحة أن تحشد في سيناء دون أن تعلم الهدف الاستراتيجي العسكري المطلوب تحقيقه وبالتالي فقدت القوات المسلحة اتزانها قبل أن تبدأ الحرب كما فقدنا الرأي العام العالمي الذي أصبح ضدنا وعندما نشبت الحرب كانت تصرفات القيادة العسكرية منفصلة عن القرارات السياسية ولاتتماشى مع الظروف العسكرية ولذلك أصبحت القوات المسلحة ضحية من ضحايا نكسة 1967 وليست سببا من أسبابها.
وقد أمكن تدارك ذلك قبل حرب 1973 حيث وضعت استراتيجية شاملة للدولة- لأول مرة- تلعب فيها القوات المسلحة الدور الرئيسي تؤيدها مصادر القوى الأخرى ولعل أبرز سماتها أن الجهد السياسي المخطط هيأ أنسب الظروف الداخلية والعربية والعالمية لبدء العمل العسكري، وفي نفس الوقت وضعت القيادة العسكرية أمام القيادة السياسية ثلاثة توقيتات خلال عام 1973 لتبدأ فيها الحرب وبنفس المهارة أديرت السياسة خلال الحرب وتدعيم العمل العسكري واستغلال نتائجه بعد الحرب.

الأساس الثاني: هدم نظرية الأمن الإسرائيلي


أ- وكان الأساس الثاني في الاستراتيجية المصرية هو هدم نظرية الأمن الإسرائيلي التي تعتمد على الردع النفسي والمادي والاحتفاظ بالحدود الآمنة على خط القناة، لذلك كان علينا:
اتخاذ قرار المبادرة لاستخدام القوة المسلحة لأن إطلاق الرصاصة الأولى يعني تحديا عمليا لأسلوب الردع النفسي كما كان الهجوم الشامل وليس مجرد حرب استنزاف يعني هدم أسلوب الردع المادي.
أما بالنسبة لاحتفاظ العدو بالحدود الآمنة في منطقة القناة فقد كان علينا اختراق وتدمير الخطوط الدفاعية الحصينة التي أقامها مهما استندت على مواقع طبيعية أو صناعية، ومهما كلفنا ذلك من تضحيات.
ب- واعتمدت النظرية الإسرائيلية في تطبيقها على عدة عناصر قوة كان علينا أن نحيدها أو نبطل تأثيرها كما كانت هناك عناصر ضعف يجب أن نستغلها، وتطلب ذلك:
- أن نعمل على حرمان العدو من مزايا توجيه الضربة الأولى، وأن نبدأ بتوجيه الضربة الأولى ضده لنستفيد نحن بمزاياها.
- وأن نعمل على شل فاعلية قواته الجوية المتفوقة وإضعافها بواسطة نظام دفاع جوي قوي بالتعاون مع القوات الجوية.
- إن شل فاعلية قواته المدرعة القوية التي أعدها لتدمير قواتنا التي تنجح في اقتحام قناة السويس بالمشاة المسلحة بأكبر عدد من الأسلحة المضادة للدبابات تعاونها قوة نيران كثيفة من المدفعية في المراحل الأولى الحرجة، على أن يكون القتال معارك أسلحة مشتركة طوال مدة الحرب.
- وأن نعرقل وصول احتياطياته من العمق وتشتيت جهوده وبث الذعر على خطوط مواصلاته وفي اتجاهات مختلفة بواسطة قوات الصاعقة.
- وأن ننسق العمل العسكري بين مصر وسوريا لتشتيت جهوده بين الجبهتين وحتى يضطر إلى بعثرة قواته على الجبهة المصرية فقد كان الهجوم المصري على أوسع مواجهة.
- وحيث أن النظرية الإسرائيلية يعتمد نجاحها على توفير المعلومات المبكرة عن نوايانا الهجومية فقد كان لزاما علينا أن نبذل كل جهد ممكن لتضليل وخداع مخابراته وتحقيق المفاجأة وكان علينا إهدار قيمة الوجود العسكري الإسرائيلي في شرم الشيخ بعرقلة خطوط مواصلاته البحرية في منطقة باب المندب.
- وبالإضافة إلى ذلك فقد ركزت الاستراتيجية المصرية على الاستفادة بنقط القوة المصرية وهي كثيرة واستغلال نقط الضعف الإسرائيلية وهي كثيرة ولعل من أبرزها مواردها البشرية المحدودة التي نوقع بها أكبر خسائر ممكنة وكذلك الغرور الإسرائيلي الذي ساعدنا في مواقف كثيرة.
الأساس الثالث من الاستراتيجية المصرية:
إعداد الدولة للحرب
وكان العامل المتحكم في هذا الموضوع هو إعداد القوات المسلحة للحرب وكانت مشكلتنا الرئيسية والوحيدة هي التسليح ولنا مصدر واحد للإمداد بالسلاح وهو الاتحاد السوفيتي وهو له سياسته واستراتيجيته في المنطقة وبالتالي له ما يبرره في إمدادنا بالسلاح سواء من ناحية الكمية أو النوع أو التوقيت وأدت الدراسة إلى أنه لا مجال أمامنا سوى الحرب بما هو متيسر لدينا من أسلحة وذخيرة ومعدات وأن التخطيط السليم والتنفيذ الشجاع والاستخدام الصحيح للسلاح والروح المعنوية العالية هي التي تعوض مانحتاج إليه وهنا يجب أن أذكر أن العدو أساء التقدير بالنسبة لهذا الموضوع فقد قدر خطأ أن الاستغناء عن الخبراء السوفييت عام 1973يعني عدم إمكان القدرة المصرية على الحرب وقدر خطأ أن مصر لن تبدأ بالحرب قبل حصولها على الطائرات المتطورة لتتعادل مع القوات الإسرائيلية المتفوقة وكنا نغذي هذا المفهوم الخاطئ لدى المخابرات الإسرائيلية كجزء من خطة تضليلها.
الأساس الرابع للاستراتيجية المصرية:
دور الطاقات العربية
بنيت الاستراتيجية العسكرية المصرية على أساس إدارة الصراع المسلح بالإمكانيات الذاتية لمصر بالتنسيق مع سوريا وان القتال نفسه سيتيح الفرصة لاستغلال الطاقات العربية.
وعلى ضوء الأسس الأربعة بالإضافة إلى غيرها من الأسس والاعتبارات والمبادئ، وضعت الفكرة الاستراتيجية للحرب على الجبهة المصرية بالتنسيق مع الجبهة السورية وبدأت الحرب بمبادرة يوم 6 أكتوبر 1973 واشتملت على العديد من المعارك مما يصعب عرضها في هذا المجال.
ولكني أريد أن أضع بعض الحقائق:
أ- إن التخطيط للحرب وتنفيذها كان مصريا خالصا.
ب- ودخلنا الحرب ونحن نعلم أن العدو لديه التفوق الجوي من حيث أنواع الطائرات.
ج- ودخلنا الحرب ونحن نعلم أن اقتحام قناة السويس كمانع مائي فريد في مواصفاته الفنية يعتبر من أعقد العمليات وإشعال النيران في القناة يعتبر مانعا ثانيا والساتر الترابي يعتبر مانعا ثالثا والمواقع الحصينة لخط بارليف يعتبر مانعا رابعا ورغم ذلك فقد كان نجاح الاقتحام أمرا حتميا، وإن كان قد بدا للكثيرين أنه أمر مستبعد..
د- ودارت المعارك فاتسمت بكفاءة التنفيذ والاستخدام الجيد للأسلحة المعقدة وشجاعة المقاتلين.. والقدوة الحسنة من القادة، وروح المبادأة والمرونة التي كانت لديهم.

القسم الثالث: النتائج والدروس الاستراتيجية لحرب أكتوبر


وأنتقل إلى الجزء الأخير عن أبرز النتائج والدروس الاستراتيجية لحرب أكتوبر 1973.

أولاً: النتائج الاستراتيجية


1- لقد كان هدف إسرائيل خلال هذه الحرب هو منع القوات المصرية من اقتحام قناة السويس وتدمير القوات التي تنجح في عبورها وإيقاع هزيمة بالقوات المسلحة المصرية تكون لنتيجتها استسلام مصر لشروط إسرائيل السياسية ولم يكن هناك شخص في إسرائيل يشك في ذلك، كما كانت دول كثيرة تعتنق نفس المفهوم .
2- وكان هدفنا هو هدم نظرية الأمن الإسرائيلي وهزيمة التجمع الرئيسي لقوات العدو في سيناء وتكبيده أكبر قدر من الخسائر لإقناعه بأن مواصلة احتلاله لأراضينا يكلفه ثمنا باهظا. وهنا نتساءل: هل حققت إسرائيل أهدافها الاستراتيجية العسكرية من الحرب أم لا؟ وهل حققت مصر أهدافها الاستراتيجية أم لا؟
3- لقد اقتحمت قواتنا قناة السويس وحطمت دفاعات خط بارليف وأوقعت الهزيمة العسكرية بالتجمع الرئيسي للعدو وكبدته خسائر فادحة وأجبرته على الانسحاب لأول مرة في تاريخه تحت ضغط القوة العسكرية وتغيرت الموازين الاستراتيجية في المنطقة نتيجة لهذه الحرب.
4- وتحطمت نظرية الأمن الإسرائيلي وثبت أن فكرتها عن الحدود الآمنة خاطئة وتعتبر مصدرا دائما للتوتر في المنطقة، فقد انتصرت إسرائيل عام 1967 من حدود اعتبرتها آمنة ولا شك أن هذه النظرية تذكرنا بنظرية المجال الحيوي التي اعتنقها ونادى بها هتلر والتي كانت مصيرها الفشل في الحرب العالمية الثانية وانتهت بألمانيا النازية إلى الدمار.
5- ولقد صدمت هذه الحرب المجتمع الإسرائيلي وهزته هزا عنيفا من الداخل ففقد ثقته في قادته وجيشه وسياسة حكومته التي رسخت لديه أهداف التوسع والقوة وفرض الأمر الواقع على العرب. لقد فقد المجتمع الإسرائيلي في حرب أكتوبر 1973 من الخسائر في القوة البشرية أكثر مما تحمله في الحروب الثلاث الماضية السابقة، وآن لإسرائيل أن تعيد صياغة مبادئها ونظريتها على أسس جديدة على ضوء نتائج هذه الحرب.
6- ونتيجة لهذه الحرب استعادت مصر والأمة العربية شرفها وكرامتها وعبر المجتمع المصري والعربي فترة الظلام إلى فجر العزة والقوة، وخرجت مصر من هذه الحرب بعد أن استعادت ثقتها في نفسها وفي حاضرها ومستقبلها، كما استعاد الإنسان العربي في كل مكان في العالم العربي احترامه لنفسه واحترام العالم له.
7- وعلى المستوى الدولي بدأ العالم منذ 6 أكتوبر 1973 يعيد حساباته ومواقفه بالنسبة للمنطقة على أساس الحقائق الاستراتيجية التي فرضتها نتائج هذه الحرب لصالح الحق العربي المشروع.
ثانياً: الدروس الاستراتيجية المستفادة
لقد كانت هذه الحرب أكبر حرب محلية شاملة تتم تحت ظروف الوفاق الدولي واستخدم فيها أكبر حشد من القوات والأسلحة والمعدات الحديثة المتطورة لم يشهده تاريخ الحروب في هذه المنطقة.. وقد تميزت باستخدام الصواريخ كعلامة بارزة في عمليات القوات البرية والبحرية والجوية والدفاع الجوي إلى جانب استخدام الحرب الالكترونية والالكترونية المضادة.
وقد شملت حرب أكتوبر 1973 دروساً مستفادة عسكرية كثيرة سأركز على أهميتها وهي:
1- لقد سجل التاريخ العسكري الحديث إمكان تحقيق المفاجأة في الأراضي الصحراوية المكشوفة فقد تحققت في الحرب العالمية الأولى، وتحققت في الحرب العالمية الثانية رغم وسائل الاستطلاع والمخابرات المحدودة ، وقد حققناها في حرب أكتوبر 1973 رغم التطور الهائل في وسائل الاستطلاع والمخابرات الحديثة، الأمر الذي يثبت إمكانية تحقيق المفاجأة في الحرب الحديثة.
2- إن المعركة الحديثة ستبقى معركة أسلحة مشتركة تتعاون فيها جميع الأسلحة لتحقيق مهمة واحدة أو هدف واحد. وقد كان واضحا أن اعتماد إسرائيل على دباباتها فقط في معارك كثيرة سبب فشلها في هذه المعارك. وفي الجانب المصري حققت معركة الأسلحة المشتركة نجاحاً بارزا على المستوى التكتيكي. كما أن تعاون جميع أفرع القوات المسلحة حقق نجاحا على المستوى التعبوي والاستراتيجي.
3- عدم إمكانية تحقيق السيادة الجوية حتى لو كانت القوات الجوية لأحد الطرفين متفوقة نوعا وعددا على الطرف الآخر ما دام أن هناك نظام دفاع جويا قويا والقوات الجوية ستظل تلعب دورا رئيسيا في الصراع المسلح وسيظهر صراع أكبر بين نظم ووسائل الدفاع الجوي لملاحقة التطور الهائل في القوات الجوية والحرب الالكترونية.
4- أثبتت الصواريخ المضادة للدبابات كفاءتها في القتال البري ضد الدبابات ودمرت العديد منها بمعدلات عالية الأمر الذي جعل التساؤل يدور حول الدبابة في المعركة الحديثة، ولا شك أن الدبابات ستظل تلعب دورا رئيسياً في القوات البرية، وسيستمر الصراع بينها وبين الأسلحة المضادة للدبابات في المستقبل كما حدث في الماضي.
5- إن الحرب المحلية في العصر الحديث أصبحت باهظة التكاليف وفادحة الخسائر في الأفراد والمعدات كما تطلبت نتائج هذ الحرب إعادة النظر في معدلات الاستهلاك لتعويض الذخائر والمعدات والأفراد فلولا الجسر الجوي الأمريكي لإسرائيل خلال الحرب الذي بلغ حجمه أكثر من 27000 طن من المعدات العسكرية لتغير الموقف بالنسبة لإسرائيل، ونظرا للقيود التي فرضت علينا في التسليح من مصدر واحد، ولم يكن لدينا مصادر أخرى مفتوحة أمامنا، فقد خرجنا بدرس مستفاد من هذه الحرب هو ضرورة تنويع مصادر التسليح وتوفير قدرة وطنية أكبر على التصنيع الحربي.
6- لقد أثبتت حرب أكتوبر أن النصر أولا وأخيرا يرجع إلى الفرد المؤمن بهدفه وعدالة قضيته، المتقن لعمله، هكذا كان شأن المقاتل المصري في حرب أكتوبر 1973، إيمان راسخ وكفاءة عالية كشفا الهالة التي أحاطت بالمقاتل الإسرائيلي والتي ثبت أنها دعاية أكثر منها حقيقة.
@@ وأختتم حديثي بالقول إن حرب أكتوبر تعدّ تحوُّلاً في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي لصالح الحق العربي. ففي خلال ربع القرن الماضي دارت أربع حروب في المنطقة بدأت إسرائيل ثلاثا منها بغرض العدوان والتوسع، وبدأنا نحن العرب الحرب الرابعة لتحرير أرضنا وإعادة حقوقنا وتحقيق السلام العادل.
فنحن نريد تحرير أرضنا وهذا حق ونريد إعادة حق شعب فلسطين وهذا عدل، وتحقيق الحق والعدل هو السبيل إلى السلام في هذه المنطقة.
 
عودة
أعلى