أثار مؤرخ عراقي، خلال مؤتمر دولي عقد بالرباط في الأسبوع الماضي، قضية قديمة تتعلق بالوجود العثماني في المغرب، الذي استقر بالجزائر في القرن السادس عشر في إطار مواجهة الحروب الصليبية التي كانت الكنيسة تشنها على البلدان الإسلامية، ولم يتمكن من تجاوز الحدود نحو المغرب، وفق ما تقوله الكتابات التاريخية. ودحض المؤرخ العراقي فاضل بيات، خلال مؤتمر حول البحر الأبيض المتوسط في العهد العثماني نظمه المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب ومركز الأبحاث في التاريخ والفنون والثقافة الإسلامية باسطنبول، الأطروحة التي تقول إن العثمانيين لم يحكموا المغرب في تاريخهم، وإنهم توقفوا عند الحدود الجزائرية المغربية. وأكد بيات، من خلال وثائق تاريخية، أن الأمر على العكس من ذلك، وأن المغرب خضع لحكم الإمبراطورية العثمانية، وقال إن الخلاف قام بين الأشقاء الثلاثة السعديين، عبد الله الحاكم وعبد المومن وعبد الملك هو الذي مهد الطريق أمام التدخل العثماني في المغرب. فقد لجأ الأخوان عبد المومن وعبد الملك إلى اسطنبول وطلبا من السلطان سليمان القانوني دعمهما، مقابل السماح لبلاده بالدخول إلى المغرب، لكن السلطان العثماني رفض ذلك ودعاهما إلى المصالحة، ولما علم الملك عبد الله الحاكم بذلك قام بقتل أخيه عبد المؤمن، فانزعجت اسطنبول من ذلك، خاصة بعد تحالف الحاكم الجديد محمد المتوكل مع إسبانيا، الأمر الذي دفع اسطنبول إلى أن تطلب من والي الجزائر العثماني رمضان باشا تجهيز حملة عسكرية إلى مدينة فاس لدعم الأمير عبد الملك المطالب بالحكم، وهو ما تم بالفعل في عام 1575. وبالاستناد إلى ما لديه من وثائق وصل فاضل بيات إلى القول إنه ابتداء من حكم عبد الله الغالب كانت «الدولة العثمانية تتصرف وكأن المغرب تابع لها»، إذ بين أن الدولة العثمانية كانت تتعامل مع السعديين كما تتعامل مع الحفصيين في تونس والأشراف في مكة،
التابعين لها.
وقد أثارت ورقة المؤرخ العراقي جدلا خلال المؤتمر، إذ رد عليه البعض متهما ما تقدم به من أدلة بأنها «نظرة عوراء»، أو قراءة للتاريخ من مصدر واحد، دون الإلمام بالمصادر الأخرى الانجليزية والبرتغالية والإسبانية، فيما قال مؤرخون آخرون إنهم لم يسمعوا من قبل بموضوع خضوع المغرب لسيطرة الإمبراطورية العثمانية، مؤكدين بأن ما هو معروف هو أن المغرب، وفي إطار الصراع مع القوى الدولية العظمى آنذاك، كان يحاول التحالف والتقارب مع العثمانيين من دون أن يكون خاضعا لسلطتهم. وقد استدعى ذلك الجدل تدخل المؤرخ المغربي محمد القبلي، مدير المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، لتهدئة الأجواء، وطلب من المشاركين عدم التشنج في معالجة مثل تلك الأمور، وتدخل الباحث المغربي جعفر السلمي مميزا بين الهدايا التي كان يرسلها حكام المغرب للسلطان العثماني، وبين الإتاوات، رافضا وجود ارتباط مغربي بالدولة العثمانية حيث إنه «لم يكن يوجد بالمغرب لا راية عثمانية
ولا عملة عثمانية».
ولتوضيح هذا الموضوع، اتصلت «المساء» بالمؤرخ المغربي عبد الكريم الفيلالي، الذي فند أطروحة المؤرخ العراقي، نافيا أن تكون هناك أدلة علمية حقيقية تثبت أن العثمانيين حكموا المغرب بالفعل. وقال الفيلالي إن ما تقدم به المؤرخ العراقي غير صحيح، لأن العثمانيين كانوا يرون في المغاربة سليلي الأشراف وكان المغاربة يرون بأنهم أحق بالخلافة، وهو ما جعلهم يطلقون على الحاكم تسمية السلطان، التي كان العثمانيون يطلقونها أيضا على حكامهم، الأمر الذي جعل العثمانيين يتحاشون الدخول إلى المغرب. ويضيف الفيلالي أن هناك عنصرا آخر يتعلق بقوة الأسطول البحري للمغاربة، وتفوقهم في مجال التسلح والحروب، بحيث إنهم في تلك الفترة كانوا يملكون أقوى أسطول حربي في البحر الأبيض المتوسط، كما أن صلاح الدين الأيوبي سبق أن لجأ إليهم لمساعدته في رد الصليبيين. وأوضح المؤرخ المغربي أن العثمانيين توقفوا في مكان يسمى «جبوجت مولاي إسماعيل» على الحدود الجزائرية المغربية ولم يتجاوزوها. وبخصوص ما قدمه المؤرخ العراقي حول لجوء عبد المؤمن وعبد المالك إلى اسطنبول لطلب المساعدة والدعم قال الفيلالي إن الإثنين سافرا بالفعل إلى تركيا عن طريق الجزائر، التي أقاما فيها مدة قصيرة كلاجئين إثر الخلاف الذي نشب مع شقيقهما، وإن السلطان العثماني قدم مساعدة لهما حيث أمدهما بفرقة عسكرية ظلت رهن إشارة الحاكم الجديد للمغرب، بعد مقتل عبد الملك في معركة وادي المخازن. أما المؤرخ عبد الهادي التازي، صاحب «التاريخ الديبلوماسي للمغرب»، فقد رد بدوره أطروحة المؤرخ العراقي، وقال إن العثمانيين كانوا دائما يتطلعون إلى أن يجدوا لهم منفذا على المحيط الأطلسي من الجزائر، وهو الحلم الذي لم يساعدهم المغرب في تحقيقه، إذ ظل متشبثا بسيادته ووحدة ترابه. وأكد التازي أنه بالرجوع إلى الصفحات التي كتبت عن المغرب في جميع الموسوعات العالمية نجد العبارة التي تقول بأن الإمبراطورية العثمانية بسطت نفوذها على جميع الإيالات الإفريقية، مثل مصر وتونس والجزائر وليبيا باستثناء المغرب. وأرجع التازي ما أسماه بالاستثناء المغربي إلى عنصرين أساسيين: الأول يخص القوة التي كانت الدولة المغربية تتمتع بها طيلة مراحل التاريخ، والثاني يتعلق بشيء أهم يشكل مقومات أية دولة مستقلة، وهو العملة النقدية، إذ أن المغرب ظل منذ ما قبل الإسلام إلى ما بعده محافظا على عملته الوطنية التي تحمل أسماء الملوك الذين حكموا البلاد، بل وحتى الشعارات التي كانت الدولة تكتبها على وجه عملاتها النقدية. وقال التازي إن العثمانيين لم يمكثوا في المغرب، وتحديدا في مدينة فاس، سوى أربعة أيام فقط أو أقل، قبل أن يخرجوا منها يجرون وراءهم ذيول الخيبة والهزيمة، مضيفا أن الاطلاع على الوثائق المتعلقة بالحبوس يؤكد بأن العثمانيين دفعوا إلى أحد عملائهم في المغرب تعويضا نقديا من أموال جامع القرويين
التابعين لها.
وقد أثارت ورقة المؤرخ العراقي جدلا خلال المؤتمر، إذ رد عليه البعض متهما ما تقدم به من أدلة بأنها «نظرة عوراء»، أو قراءة للتاريخ من مصدر واحد، دون الإلمام بالمصادر الأخرى الانجليزية والبرتغالية والإسبانية، فيما قال مؤرخون آخرون إنهم لم يسمعوا من قبل بموضوع خضوع المغرب لسيطرة الإمبراطورية العثمانية، مؤكدين بأن ما هو معروف هو أن المغرب، وفي إطار الصراع مع القوى الدولية العظمى آنذاك، كان يحاول التحالف والتقارب مع العثمانيين من دون أن يكون خاضعا لسلطتهم. وقد استدعى ذلك الجدل تدخل المؤرخ المغربي محمد القبلي، مدير المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، لتهدئة الأجواء، وطلب من المشاركين عدم التشنج في معالجة مثل تلك الأمور، وتدخل الباحث المغربي جعفر السلمي مميزا بين الهدايا التي كان يرسلها حكام المغرب للسلطان العثماني، وبين الإتاوات، رافضا وجود ارتباط مغربي بالدولة العثمانية حيث إنه «لم يكن يوجد بالمغرب لا راية عثمانية
ولا عملة عثمانية».
ولتوضيح هذا الموضوع، اتصلت «المساء» بالمؤرخ المغربي عبد الكريم الفيلالي، الذي فند أطروحة المؤرخ العراقي، نافيا أن تكون هناك أدلة علمية حقيقية تثبت أن العثمانيين حكموا المغرب بالفعل. وقال الفيلالي إن ما تقدم به المؤرخ العراقي غير صحيح، لأن العثمانيين كانوا يرون في المغاربة سليلي الأشراف وكان المغاربة يرون بأنهم أحق بالخلافة، وهو ما جعلهم يطلقون على الحاكم تسمية السلطان، التي كان العثمانيون يطلقونها أيضا على حكامهم، الأمر الذي جعل العثمانيين يتحاشون الدخول إلى المغرب. ويضيف الفيلالي أن هناك عنصرا آخر يتعلق بقوة الأسطول البحري للمغاربة، وتفوقهم في مجال التسلح والحروب، بحيث إنهم في تلك الفترة كانوا يملكون أقوى أسطول حربي في البحر الأبيض المتوسط، كما أن صلاح الدين الأيوبي سبق أن لجأ إليهم لمساعدته في رد الصليبيين. وأوضح المؤرخ المغربي أن العثمانيين توقفوا في مكان يسمى «جبوجت مولاي إسماعيل» على الحدود الجزائرية المغربية ولم يتجاوزوها. وبخصوص ما قدمه المؤرخ العراقي حول لجوء عبد المؤمن وعبد المالك إلى اسطنبول لطلب المساعدة والدعم قال الفيلالي إن الإثنين سافرا بالفعل إلى تركيا عن طريق الجزائر، التي أقاما فيها مدة قصيرة كلاجئين إثر الخلاف الذي نشب مع شقيقهما، وإن السلطان العثماني قدم مساعدة لهما حيث أمدهما بفرقة عسكرية ظلت رهن إشارة الحاكم الجديد للمغرب، بعد مقتل عبد الملك في معركة وادي المخازن. أما المؤرخ عبد الهادي التازي، صاحب «التاريخ الديبلوماسي للمغرب»، فقد رد بدوره أطروحة المؤرخ العراقي، وقال إن العثمانيين كانوا دائما يتطلعون إلى أن يجدوا لهم منفذا على المحيط الأطلسي من الجزائر، وهو الحلم الذي لم يساعدهم المغرب في تحقيقه، إذ ظل متشبثا بسيادته ووحدة ترابه. وأكد التازي أنه بالرجوع إلى الصفحات التي كتبت عن المغرب في جميع الموسوعات العالمية نجد العبارة التي تقول بأن الإمبراطورية العثمانية بسطت نفوذها على جميع الإيالات الإفريقية، مثل مصر وتونس والجزائر وليبيا باستثناء المغرب. وأرجع التازي ما أسماه بالاستثناء المغربي إلى عنصرين أساسيين: الأول يخص القوة التي كانت الدولة المغربية تتمتع بها طيلة مراحل التاريخ، والثاني يتعلق بشيء أهم يشكل مقومات أية دولة مستقلة، وهو العملة النقدية، إذ أن المغرب ظل منذ ما قبل الإسلام إلى ما بعده محافظا على عملته الوطنية التي تحمل أسماء الملوك الذين حكموا البلاد، بل وحتى الشعارات التي كانت الدولة تكتبها على وجه عملاتها النقدية. وقال التازي إن العثمانيين لم يمكثوا في المغرب، وتحديدا في مدينة فاس، سوى أربعة أيام فقط أو أقل، قبل أن يخرجوا منها يجرون وراءهم ذيول الخيبة والهزيمة، مضيفا أن الاطلاع على الوثائق المتعلقة بالحبوس يؤكد بأن العثمانيين دفعوا إلى أحد عملائهم في المغرب تعويضا نقديا من أموال جامع القرويين