السعودية واسرائيل وعمان الأكثر انفاقاً
طموحات طهران أشعلت سباق التسلح
سباق التسلح لم يتراجع بعد عشرين سنة على سقوط جدار برلين وارقام العام 2008 قياسية وكأن الحرب الباردة لم تنته بعد. وارقام الميزانيات العسكرية التي انخفضت نسبياً عادت تنشط صعوداً رغم ان حربا عالمية ثالثة لا تلوح في الافق. والسؤال: ماذا عن الشرق الاوسط؟
في المعلومات الصادرة عن معهد ستوكهولم الدولي لابحاث السلام (SIPRI)، وصل حجم الانفاق الحربي، او العسكري، في العالم، السنة الماضية، الى 1.46 تريليون دولار اي ما يساوي 2.4% من مجموع الدخل الكوني للعام 2008، او ما نسبته 45% زيادة عن العام 1999 لماذا؟
فكرة الحرب على الارهاب شجعت العديد من الدول على النظر الى مشاكلها عبر عدسات عسكرية مكبرة، واستخدام ذلك من اجل تبرير الزيادة في انفاقها العسكري، ثم ان حربي العراق وافغانستان كلفتا الولايات المتحدة وحدها اكثر من 903 مليارات دولار، حتى الآن. بشهادة سام بيرلو- فريمان رئيس مشروع الانفاق العسكري لدى معهد SIPRI، وهكذا تبقى الولايات المتحدة، في رأس هرم الانفاق العسكري.
وميزانية الدفاع الوطني ارتفعت في الولايات المتحدة الى 516 مليار دولار، اي ما يشكل 42% من ميزانيات الانفاق العسكري في العالم كله هذا من دون احتساب مبلغ 194 مليار دولار للعام الحالي. وخلال العقد الماضي ارتفع الانفاق الاميركي 219 مليار دولار اي ما يوازي 58% من الزيادة العالمية. وقد اقترح روبرت غيتس وزير الدفاع الاميركي تخصيص مبلغ 534 مليار دولار لميزانية الدفاع للعام 2010، مع تخصيص مبلغ 117 مليار دولار اضافي للحرب في العراق وافغانستان.
وتأتي الصين في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة، لكنها مسافة بعيدة نسبياً إذ تبلغ نسبة انفاقها العسكري 8.2% من الانفاق العالمي في العالم، تليها روسيا بنسبة 4.75%، ثم بريطانيا بنسبة 3.75% ثم فرنسا بنسبة 3.67%. والبارز هنا هو ان الصين وروسيا قد زادتا انفاقهما العسكري، خلال العقد الماضي بقيمة 42 مليار دولار للصين، و42 مليار دولار لروسيا. وهناك زيادات تسلحية اخرى طرأت في اماكن اخرى مثل الهند وكوريا الجنوبية والبرازيل، وعدد من دول الشرق الاوسط، بما فيها اسرائيل وايران والمملكة العربية السعودية، والامارات العربية المتحدة والجزائر وعُمان.
غير ان المملكة العربية السعودية لا تزال الاكثر انفاقاً بين دول المنطقة، حيث زادت ميزانيتها العسكرية للعام 1998، بنسبة 61% ليصل حجمها الاجمالي الى 33 مليار دولار في العام 2008. وتأتي اسرائيل في المرتبة الثانية بعد السعودية مع (13 مليار دولار) ثم ايران مع 6.1 مليار دولار، وعمان (4 مليارات)، والكويت (3.6 مليار) ومصر (2.6 مليار) والامارات العربية المتحدة (2.5 مليار دولار)، وبما ان معظم الدول في الشرق الاوسط لا تملك صناعات عسكرية متطورة، فان حصتها في التجارة العالمية للاسلحة مرتفعة نسبياً.
ويشمل الانفاق العسكري كل شيء بدءاً من مرتبات العسكريين مروراً بصيانة المباني، وصولاً الى فاتورة الاسلحة. ويقول بيرلو – فريمان: هناك العديد من الدول ذات الشفافية المنخفضة، لا تشمل وارداتها الاسلحة ضمن ارقام ميزانيتها للانفاق العسكري، وهذا يشمل العديد من الدول الشرق اوسطية. وفي معظم الحالات، تكون المعلومة الوحيدة المتوافرة عن الميزانية الدفاعية مجرد رقم واحد لا غير، الامر الذي يؤدي الى الخلط بين التقديرات والحسابات الدقيقة. وايران مثلاً لا تحتسب ميزانية قوات حراس الثورة، من ضمن الانفاق العسكري، كما ان ميزانية دولة الامارات العربية المتحدة، لا تتضمن الانفاق الفردي لكل إمارة على حدة، والذي يعتقد انه مرتفع الى حد كبير.
والشيء الوحيد المؤكد هو ان الانفاق العسكري الاقليمي لن ينخفض في وقت قريب. ففي شهر آب (اغسطس) الماضي، رأت شركة «سوليفان إند فروست» الاميركية للابحاث، ان الميزانيات العسكرية في دول الشرق الاوسط تسير صعداً في اتجاه خرق سقف مبلغ 100 مليار دولار مع حلول العام 2014، اي ما يوازي 11% من حجم الانفاق الكوني، بالمقارنة مع 7% في الوقت الراهن.
واذا كانت معظم دول الشرق الاوسط ليست من ضمن الدول الاكثر انفاقاً، بالارقام المجردة، فانها تتصدر اللوائح عندما يتم احتساب الانفاق العسكري كنسبة مئوية من الدخل القومي. فالمعدل العام في هذه المنطقة يساوي ضعفي المعدل العام العالمي، البالغ 2.4%. كما ان الشرق الاوسط يسجل معدلاً مرتفعاً على صعيد الانفاق العسكري بالنسبة الى الشخص الواحد. وهنا تتصدر اسرائيل اللائحة بحوالي 2300 دولار لكل مواطن، تليها الولايات المتحدة 1950 دولار ثم عُمان بـ1650، وسنغافورة مع 1625 دولار، والكويت بـ1600 دولار والمملكة العربية السعودية بـ1500 دولار للسعودي الواحد.
وقد يشعر المراقب بالمفاجأة عندما يجد عُمان بين الدول الاكثر انفاقاً في العالم. ذلك ان السلطنة رفعت ميزانيتها العسكرية من 1.7 مليار دولار في العام 1999 الى4 مليارات دولار في العام 2008. اما الاسباب فهي عينها، كما في امكنة اخرى من المنطقة. فهذه الدولة ذات الموقع الاستراتيجي، عند مضيق هرمز تتخوف من طموحات ايران النووية وفي المنطقة ايضاً، بالاضافة الى خشيتها من تداعيات اي هجوم اميركي محتمل على ايران.
ومقاتلات «نايفون» البريطانية للسعودية، وغواصات «دولفين» الالمانية لاسرائيل، وصواريخ «باتريوت» الدفاعية الاميركية لاسرائيل والامارات العربية المتحدة، ومقاتلات «إف – 16» الاميركية لتركيا والسعودية والامارات العربية المتحدة. وطائرات «إف – 35» الاميركية لاسرائيل، هي بعض النماذج من المعدات العسكرية التي تشكل عملية سباق التسلح في الشرق الاوسط، الذي كان دائماً يعتبر نقطةجذب لمصنعي الاسلحة في العالم، ويتوقع ان يبقى كذلك لسنين عديدة مقبلة.
ويقول بيتر فيتشمان أحد كبار الباحثين في معهد (SIPRI). بشأن التجارة الدولية للاسلحة: «ان التكهنات بشأن الحجم المستقبلي لتحويلات الاسلحة، صعبة نظراً لصعوبة الحصول على المعلومات الجيدة والدقيقة. غير ان المعلومات المتوفرة عن الطلبات الراهنة، والطلبات قيد التفاوض، تشير الى ان عدداً من الدول سوف يحافظ على المستوى الراهن من الاسلحة المستوردة للسنين المقبلة.
ومن الاسواق التي يتوقع ان تشهد نموا ملحوظاً سوق العراق، الذي يتوقع ان يزيد من انفاقه العسكري، بما في ذلك استيراد الاسلحة، بالتزامن مع تراجع مهمات القوات الاميركية. غير ان العراق سيستغرق عدة سنوات قبل ان يصل الى مصاف الدول الكبرى على صعيد الانفاق العسكري كالسعودية واسرائيل وايران، بالاضافة الى الامارات ومصر.
ويقول فيتشمان: ان السعودية تشتري كل شيء تقريباً، من الرشاشات الالمانية الجديدة، حتى المقاتلات البريطانية، وربما مقاتلات جديدة من الولايات المتحدة. وبعض الاسلحة اصبحت قديمة، والدولة على استعداد لاستبدالها بأسلحة جديدة. وفي حالات اخرى يتم شراء اسلحة فقط لزيادة القدرات العسكرية. والحصول على مقاتلات متطورة ومزودة بصواريخ «كروز»، من شأنه ان يمنح المملكة القدرة على ضرب اهداف بعيدة، الامر الذي يخلق توازناً في قوة الردع مع صواريخ ايران البالستية. ومن اجل خلق مثل هذا التوازن مع الصواريخ الايرانية قامت السعودية في العام 2007 بشراء 72 طائرة «يوروفايتر – تايفون» من بريطانيا بمبلغ 9 مليارات دولار.
كذلك اشارت صحيفة «فايننشال تايمز» في ايلول (سبتمبر) الماضي الى انجاز صفقة سعودية اخرى كبيرة لشراء اسلحة روسية بقيمة ملياري دولار. واضافت ان قيمة هذه الصفقة قد ترتفع الى 7 مليارات دولار، لتشمل المئات من مروحيات «إم آي – 35» الهجومية و»إم آي – 17» للنقل، ودبابات من طراز «تي – 90» ومدافع وآليات وخصوصاً صواريخ «إس – 400» المتطورة للدفاع الجوي، القادرة على اكتشاف ستة اهداف والتعامل معها، في آن واحد، من على مسافة 400 كيلومتر.
الى جانب السعودية، يبدو ان الامارات قد أنفقت مبالغ طائلة في مجال انظمة الدفاع الصاروخية والطائرات المقاتلة، والسفن الحربية. وتشير المعلومات الصادرة عن معهد التحليلات العسكرية للشرق الاوسط والخليج، الى ان الارتفاع الملحوظ في الانفاق العسكري في عدد من دول الخليج، وبنوع خاص في الامارات، يرتبط بنشوب حرب محتملة في المنطقة بين ايران من جهة والولايات المتحدة واسرائيل من جهة اخرى، والتي يمكن ان تخرج عن السيطرة لتشمل عدداً من الدول العربية.
الى ذلك، فان دولة الامارات وغيرها من دول الخليج، يمكن ان تصبح اهدافاً لهجمات ارهابية من قبل متشددين يتسللون الى اراضيها عبر البحر او البر، وهذا ما دفع بالامارات في العام 2008 الى عقد صفقات بمليارات الدولارات،والى تنفيذ مشاريع ذات تقنية متطورة، لتوفير الامن على حدودها، بواسطة عدسات واجهزة تحسس، بالاضافة الى طائرات استطلاع، وقوارب سريعة لمراقبة الشواطئ. كما طلبت ابو ظبي من وزارة الدفاع الاميركية، اخيراً، الموافقة على بيعها اكثر من 360 صاروخاً من طراز «هيلفاير» وكل مستلزماتها.
وفي اوائل العام الحالي اصبحت الامارات اول دولة اجنبية تشتري نظام «الدفاع الجوي على ارتفاعات عالية» (THAAD) مع صواريخ باتريوت (باك – 3) المتطورة، واجهزة رادار حديثة. كذلك واصلت الامارات استلامها ما تبقى من المقاتلات الـ80 من طراز «إف – 16»، التي ستنضم الى اسطولها الحالي المؤلف من 60 طائرة «ميراج» فرنسية بالاضافة الى مجموعة طائرات «هيركيوليس» و»بوونغ» كانت طلبتها من شركة «لوكهيد مارتين» بمبلغ 3 مليارات دولار.
واخيراً طلبت الامارات لسلاحها البحري شراء فرقاطة مضادة للغواصات، من ايطاليا بمبلغ 117 مليون دولار. ومن شركة ابو ظبي لبناء السفن، تصنيع 12 سفينة قتالية سريعة جديدة وتحسين 12 سفينة موجودة.
ومن اجل تبرير انفاق مليارات الدولارات على الشؤون العسكرية بشكل خاص، يعمد السياسيون في المنطقة، ووسائل الاعلام التابعة لهم، الى الاشارة الى ايران، بصورة منتظمة، مع الزعم انها تهدف لانتاج قنبلة نووية، بالاضافة الى اطماعها الاقليمية في العراق، وافغانستان وغيرهما. وقد عبّر الرئيس المصري حسني مبارك عن ذلك بصراحة في العام 2008 إذ قال «ان الفرس يحاولون افتراس (التهام) الدول العربية».
والواقع هو ان ايران قد رفعت حجم انفاقها العسكري من 3.2 مليار دولار في العام 1999، الى اكثر من 6 مليارات دولار في العام 2008، ما عدا الميزانية الخاصة بقوات الحرس الثوري.
ومهما يكن من امر، فان معظم الخبراء يقولون ان التهديد العسكري الايراني، امر مبالغ فيه كثيراً. ويقول المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن (IISS)، ان ايران البالغ عدد سكانها 66.5 مليون نسمة، تنفق 25 مرة اقل بالنسبة للشخص الواحد، مما تنفق اسرائيل ومعظم الدول العربية المجاورة لها.
وفي هذا الصدد، يقول فيتشمان: مهما كانت نيات الحكومة الايرانية فان قدراتها العسكرية تبقى محدودة، ومبالغا فيها. فعلى صعيد الاسلحة التقليدية، لا تزال قدرات ايران في تهديد اي دولة محدودة للغاية. هذا البلد لم يستطع شراء اسلحة متطورة كالمقاتلات، وانظمة الدفاع الجوي البعيدة المدى، فيما جميع خصوم ايران لديهم حالياً ترسانات ضخمة من هذه الاسلحة المتطورة، كذلك لا تمتلك طهران القدرة المالية التي تمكنها من شراء مثل هذه الاسلحة بكميات كبيرة.
ونتيجة لذلك فان القوى المسلحة الايرانية مجهزة باسلحة قديمة خصوصاً سلاح الجو الذي لا يمتلك سوى عدد ضئيل من طائرات ميراج الفرنسية القديمة تعود للعام 1991، وعدد آخر من طائرات «ميغ» الروسية والصينية، بالاضافة الى عدد من طائرات «إف – 4» فانتوم الاميركية العائدة للعام 1968.
ان قدرة ايران على استخدام القوة تكمن، بالدرجة الاولى، في ترسانتها من الصواريخ البالستية، وفي نفوذها وتاثيرها على مجموعات مسلحة في دول مثل العراق ولبنان. لكن الصواريخ الايرانية محدودة من حيث العدد، ومن حيث الدقة في الاصابة. لكن اذا حصلت ايران على رؤوس نووية، فان الاوضاع ستنقلب راساً على عقب.
طموحات طهران أشعلت سباق التسلح
سباق التسلح لم يتراجع بعد عشرين سنة على سقوط جدار برلين وارقام العام 2008 قياسية وكأن الحرب الباردة لم تنته بعد. وارقام الميزانيات العسكرية التي انخفضت نسبياً عادت تنشط صعوداً رغم ان حربا عالمية ثالثة لا تلوح في الافق. والسؤال: ماذا عن الشرق الاوسط؟
في المعلومات الصادرة عن معهد ستوكهولم الدولي لابحاث السلام (SIPRI)، وصل حجم الانفاق الحربي، او العسكري، في العالم، السنة الماضية، الى 1.46 تريليون دولار اي ما يساوي 2.4% من مجموع الدخل الكوني للعام 2008، او ما نسبته 45% زيادة عن العام 1999 لماذا؟
فكرة الحرب على الارهاب شجعت العديد من الدول على النظر الى مشاكلها عبر عدسات عسكرية مكبرة، واستخدام ذلك من اجل تبرير الزيادة في انفاقها العسكري، ثم ان حربي العراق وافغانستان كلفتا الولايات المتحدة وحدها اكثر من 903 مليارات دولار، حتى الآن. بشهادة سام بيرلو- فريمان رئيس مشروع الانفاق العسكري لدى معهد SIPRI، وهكذا تبقى الولايات المتحدة، في رأس هرم الانفاق العسكري.
وميزانية الدفاع الوطني ارتفعت في الولايات المتحدة الى 516 مليار دولار، اي ما يشكل 42% من ميزانيات الانفاق العسكري في العالم كله هذا من دون احتساب مبلغ 194 مليار دولار للعام الحالي. وخلال العقد الماضي ارتفع الانفاق الاميركي 219 مليار دولار اي ما يوازي 58% من الزيادة العالمية. وقد اقترح روبرت غيتس وزير الدفاع الاميركي تخصيص مبلغ 534 مليار دولار لميزانية الدفاع للعام 2010، مع تخصيص مبلغ 117 مليار دولار اضافي للحرب في العراق وافغانستان.
وتأتي الصين في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة، لكنها مسافة بعيدة نسبياً إذ تبلغ نسبة انفاقها العسكري 8.2% من الانفاق العالمي في العالم، تليها روسيا بنسبة 4.75%، ثم بريطانيا بنسبة 3.75% ثم فرنسا بنسبة 3.67%. والبارز هنا هو ان الصين وروسيا قد زادتا انفاقهما العسكري، خلال العقد الماضي بقيمة 42 مليار دولار للصين، و42 مليار دولار لروسيا. وهناك زيادات تسلحية اخرى طرأت في اماكن اخرى مثل الهند وكوريا الجنوبية والبرازيل، وعدد من دول الشرق الاوسط، بما فيها اسرائيل وايران والمملكة العربية السعودية، والامارات العربية المتحدة والجزائر وعُمان.
غير ان المملكة العربية السعودية لا تزال الاكثر انفاقاً بين دول المنطقة، حيث زادت ميزانيتها العسكرية للعام 1998، بنسبة 61% ليصل حجمها الاجمالي الى 33 مليار دولار في العام 2008. وتأتي اسرائيل في المرتبة الثانية بعد السعودية مع (13 مليار دولار) ثم ايران مع 6.1 مليار دولار، وعمان (4 مليارات)، والكويت (3.6 مليار) ومصر (2.6 مليار) والامارات العربية المتحدة (2.5 مليار دولار)، وبما ان معظم الدول في الشرق الاوسط لا تملك صناعات عسكرية متطورة، فان حصتها في التجارة العالمية للاسلحة مرتفعة نسبياً.
ويشمل الانفاق العسكري كل شيء بدءاً من مرتبات العسكريين مروراً بصيانة المباني، وصولاً الى فاتورة الاسلحة. ويقول بيرلو – فريمان: هناك العديد من الدول ذات الشفافية المنخفضة، لا تشمل وارداتها الاسلحة ضمن ارقام ميزانيتها للانفاق العسكري، وهذا يشمل العديد من الدول الشرق اوسطية. وفي معظم الحالات، تكون المعلومة الوحيدة المتوافرة عن الميزانية الدفاعية مجرد رقم واحد لا غير، الامر الذي يؤدي الى الخلط بين التقديرات والحسابات الدقيقة. وايران مثلاً لا تحتسب ميزانية قوات حراس الثورة، من ضمن الانفاق العسكري، كما ان ميزانية دولة الامارات العربية المتحدة، لا تتضمن الانفاق الفردي لكل إمارة على حدة، والذي يعتقد انه مرتفع الى حد كبير.
والشيء الوحيد المؤكد هو ان الانفاق العسكري الاقليمي لن ينخفض في وقت قريب. ففي شهر آب (اغسطس) الماضي، رأت شركة «سوليفان إند فروست» الاميركية للابحاث، ان الميزانيات العسكرية في دول الشرق الاوسط تسير صعداً في اتجاه خرق سقف مبلغ 100 مليار دولار مع حلول العام 2014، اي ما يوازي 11% من حجم الانفاق الكوني، بالمقارنة مع 7% في الوقت الراهن.
واذا كانت معظم دول الشرق الاوسط ليست من ضمن الدول الاكثر انفاقاً، بالارقام المجردة، فانها تتصدر اللوائح عندما يتم احتساب الانفاق العسكري كنسبة مئوية من الدخل القومي. فالمعدل العام في هذه المنطقة يساوي ضعفي المعدل العام العالمي، البالغ 2.4%. كما ان الشرق الاوسط يسجل معدلاً مرتفعاً على صعيد الانفاق العسكري بالنسبة الى الشخص الواحد. وهنا تتصدر اسرائيل اللائحة بحوالي 2300 دولار لكل مواطن، تليها الولايات المتحدة 1950 دولار ثم عُمان بـ1650، وسنغافورة مع 1625 دولار، والكويت بـ1600 دولار والمملكة العربية السعودية بـ1500 دولار للسعودي الواحد.
وقد يشعر المراقب بالمفاجأة عندما يجد عُمان بين الدول الاكثر انفاقاً في العالم. ذلك ان السلطنة رفعت ميزانيتها العسكرية من 1.7 مليار دولار في العام 1999 الى4 مليارات دولار في العام 2008. اما الاسباب فهي عينها، كما في امكنة اخرى من المنطقة. فهذه الدولة ذات الموقع الاستراتيجي، عند مضيق هرمز تتخوف من طموحات ايران النووية وفي المنطقة ايضاً، بالاضافة الى خشيتها من تداعيات اي هجوم اميركي محتمل على ايران.
ومقاتلات «نايفون» البريطانية للسعودية، وغواصات «دولفين» الالمانية لاسرائيل، وصواريخ «باتريوت» الدفاعية الاميركية لاسرائيل والامارات العربية المتحدة، ومقاتلات «إف – 16» الاميركية لتركيا والسعودية والامارات العربية المتحدة. وطائرات «إف – 35» الاميركية لاسرائيل، هي بعض النماذج من المعدات العسكرية التي تشكل عملية سباق التسلح في الشرق الاوسط، الذي كان دائماً يعتبر نقطةجذب لمصنعي الاسلحة في العالم، ويتوقع ان يبقى كذلك لسنين عديدة مقبلة.
ويقول بيتر فيتشمان أحد كبار الباحثين في معهد (SIPRI). بشأن التجارة الدولية للاسلحة: «ان التكهنات بشأن الحجم المستقبلي لتحويلات الاسلحة، صعبة نظراً لصعوبة الحصول على المعلومات الجيدة والدقيقة. غير ان المعلومات المتوفرة عن الطلبات الراهنة، والطلبات قيد التفاوض، تشير الى ان عدداً من الدول سوف يحافظ على المستوى الراهن من الاسلحة المستوردة للسنين المقبلة.
ومن الاسواق التي يتوقع ان تشهد نموا ملحوظاً سوق العراق، الذي يتوقع ان يزيد من انفاقه العسكري، بما في ذلك استيراد الاسلحة، بالتزامن مع تراجع مهمات القوات الاميركية. غير ان العراق سيستغرق عدة سنوات قبل ان يصل الى مصاف الدول الكبرى على صعيد الانفاق العسكري كالسعودية واسرائيل وايران، بالاضافة الى الامارات ومصر.
ويقول فيتشمان: ان السعودية تشتري كل شيء تقريباً، من الرشاشات الالمانية الجديدة، حتى المقاتلات البريطانية، وربما مقاتلات جديدة من الولايات المتحدة. وبعض الاسلحة اصبحت قديمة، والدولة على استعداد لاستبدالها بأسلحة جديدة. وفي حالات اخرى يتم شراء اسلحة فقط لزيادة القدرات العسكرية. والحصول على مقاتلات متطورة ومزودة بصواريخ «كروز»، من شأنه ان يمنح المملكة القدرة على ضرب اهداف بعيدة، الامر الذي يخلق توازناً في قوة الردع مع صواريخ ايران البالستية. ومن اجل خلق مثل هذا التوازن مع الصواريخ الايرانية قامت السعودية في العام 2007 بشراء 72 طائرة «يوروفايتر – تايفون» من بريطانيا بمبلغ 9 مليارات دولار.
كذلك اشارت صحيفة «فايننشال تايمز» في ايلول (سبتمبر) الماضي الى انجاز صفقة سعودية اخرى كبيرة لشراء اسلحة روسية بقيمة ملياري دولار. واضافت ان قيمة هذه الصفقة قد ترتفع الى 7 مليارات دولار، لتشمل المئات من مروحيات «إم آي – 35» الهجومية و»إم آي – 17» للنقل، ودبابات من طراز «تي – 90» ومدافع وآليات وخصوصاً صواريخ «إس – 400» المتطورة للدفاع الجوي، القادرة على اكتشاف ستة اهداف والتعامل معها، في آن واحد، من على مسافة 400 كيلومتر.
الى جانب السعودية، يبدو ان الامارات قد أنفقت مبالغ طائلة في مجال انظمة الدفاع الصاروخية والطائرات المقاتلة، والسفن الحربية. وتشير المعلومات الصادرة عن معهد التحليلات العسكرية للشرق الاوسط والخليج، الى ان الارتفاع الملحوظ في الانفاق العسكري في عدد من دول الخليج، وبنوع خاص في الامارات، يرتبط بنشوب حرب محتملة في المنطقة بين ايران من جهة والولايات المتحدة واسرائيل من جهة اخرى، والتي يمكن ان تخرج عن السيطرة لتشمل عدداً من الدول العربية.
الى ذلك، فان دولة الامارات وغيرها من دول الخليج، يمكن ان تصبح اهدافاً لهجمات ارهابية من قبل متشددين يتسللون الى اراضيها عبر البحر او البر، وهذا ما دفع بالامارات في العام 2008 الى عقد صفقات بمليارات الدولارات،والى تنفيذ مشاريع ذات تقنية متطورة، لتوفير الامن على حدودها، بواسطة عدسات واجهزة تحسس، بالاضافة الى طائرات استطلاع، وقوارب سريعة لمراقبة الشواطئ. كما طلبت ابو ظبي من وزارة الدفاع الاميركية، اخيراً، الموافقة على بيعها اكثر من 360 صاروخاً من طراز «هيلفاير» وكل مستلزماتها.
وفي اوائل العام الحالي اصبحت الامارات اول دولة اجنبية تشتري نظام «الدفاع الجوي على ارتفاعات عالية» (THAAD) مع صواريخ باتريوت (باك – 3) المتطورة، واجهزة رادار حديثة. كذلك واصلت الامارات استلامها ما تبقى من المقاتلات الـ80 من طراز «إف – 16»، التي ستنضم الى اسطولها الحالي المؤلف من 60 طائرة «ميراج» فرنسية بالاضافة الى مجموعة طائرات «هيركيوليس» و»بوونغ» كانت طلبتها من شركة «لوكهيد مارتين» بمبلغ 3 مليارات دولار.
واخيراً طلبت الامارات لسلاحها البحري شراء فرقاطة مضادة للغواصات، من ايطاليا بمبلغ 117 مليون دولار. ومن شركة ابو ظبي لبناء السفن، تصنيع 12 سفينة قتالية سريعة جديدة وتحسين 12 سفينة موجودة.
ومن اجل تبرير انفاق مليارات الدولارات على الشؤون العسكرية بشكل خاص، يعمد السياسيون في المنطقة، ووسائل الاعلام التابعة لهم، الى الاشارة الى ايران، بصورة منتظمة، مع الزعم انها تهدف لانتاج قنبلة نووية، بالاضافة الى اطماعها الاقليمية في العراق، وافغانستان وغيرهما. وقد عبّر الرئيس المصري حسني مبارك عن ذلك بصراحة في العام 2008 إذ قال «ان الفرس يحاولون افتراس (التهام) الدول العربية».
والواقع هو ان ايران قد رفعت حجم انفاقها العسكري من 3.2 مليار دولار في العام 1999، الى اكثر من 6 مليارات دولار في العام 2008، ما عدا الميزانية الخاصة بقوات الحرس الثوري.
ومهما يكن من امر، فان معظم الخبراء يقولون ان التهديد العسكري الايراني، امر مبالغ فيه كثيراً. ويقول المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن (IISS)، ان ايران البالغ عدد سكانها 66.5 مليون نسمة، تنفق 25 مرة اقل بالنسبة للشخص الواحد، مما تنفق اسرائيل ومعظم الدول العربية المجاورة لها.
وفي هذا الصدد، يقول فيتشمان: مهما كانت نيات الحكومة الايرانية فان قدراتها العسكرية تبقى محدودة، ومبالغا فيها. فعلى صعيد الاسلحة التقليدية، لا تزال قدرات ايران في تهديد اي دولة محدودة للغاية. هذا البلد لم يستطع شراء اسلحة متطورة كالمقاتلات، وانظمة الدفاع الجوي البعيدة المدى، فيما جميع خصوم ايران لديهم حالياً ترسانات ضخمة من هذه الاسلحة المتطورة، كذلك لا تمتلك طهران القدرة المالية التي تمكنها من شراء مثل هذه الاسلحة بكميات كبيرة.
ونتيجة لذلك فان القوى المسلحة الايرانية مجهزة باسلحة قديمة خصوصاً سلاح الجو الذي لا يمتلك سوى عدد ضئيل من طائرات ميراج الفرنسية القديمة تعود للعام 1991، وعدد آخر من طائرات «ميغ» الروسية والصينية، بالاضافة الى عدد من طائرات «إف – 4» فانتوم الاميركية العائدة للعام 1968.
ان قدرة ايران على استخدام القوة تكمن، بالدرجة الاولى، في ترسانتها من الصواريخ البالستية، وفي نفوذها وتاثيرها على مجموعات مسلحة في دول مثل العراق ولبنان. لكن الصواريخ الايرانية محدودة من حيث العدد، ومن حيث الدقة في الاصابة. لكن اذا حصلت ايران على رؤوس نووية، فان الاوضاع ستنقلب راساً على عقب.
http://www.kifaharabi.com/ArticleDisplay.aspx?ArticleId=18837&ChannelId=3&EditionId=337
التعديل الأخير: