الجزء الرابع من كتاب صدام مر من هنا

alus

صقور الدفاع
إنضم
30 نوفمبر 2008
المشاركات
2,466
التفاعل
3,419 1 0
232480.jpg



* بعد توليكم السلطة في 1968 بفترة تحدثتم عن كشف جواسيس ونفذتم عمليات إعدام أثناء وجودك في مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية، ما هي القصة؟

في الحقيقة إنها قصة معقدة. قبل وصولنا إلى السلطة حدثت واقعة مع شاب عراقي يعمل طياراً في "الخطوط الجوية العراقية" من عائلة الربيعي، وهي قبيلة كبيرة.

كان يعمل على خط بغداد - لندن. وكانت الطائرة متوجهة إلى لندن ومكث طاقمها هناك 42 ساعة قبل العودة إلى بغداد. يبدو أن هذا الشاب كان مولعاً بالعيش، أي أنه كان يشرب ويرتاد الكازينوهات في العاصمة البريطانية. أخذ الربيعي يتردد على كازينو معين. يربح ويخسر. ذات يوم مُني بخسارة كبيرة ولم يبق معه أي فلس. بسبب تردده صار يعرف بعض الزبائن. احتار كيف يغطي نفقاته إلى يوم غد. رآه رجل إنجليزي فسأله هل تمانع في أن أساعدك بمبلغ ما دمت خسرت كل شيء؟ فأجاب أنه سيكون مسروراً جداً. المساعدة أدت إلى صداقة بين الرجلين وصارا يترددان على المطاعم.

بعد فترة تبين أن البريطاني إسرائيلي وفاتح الطيار العراقي باقتراح العمل مع الموساد. لم يعط الربيعي جواباً قاطعاً، وقال لصديقه إن الأمر يحتاج إلى تفكير ودرس وطلب مهلة للرد. عاد إلى بغداد وعن طريق أحد أقاربه أبلغ دائرة الاستخبارات العراقية بما حصل معه. هنا طلبت الاستخبارات العراقية منه أن يتجاوب مع طلب صديقه وأن يفتح علاقة مع الموساد.

عاد الربيعي إلى لندن وأبلغ الرجل بموافقته فراح الأخير يعده بأموال وحياة مرفهة. اعتقد الطيار بأن الأمر فرصة له. الاستخبارات العراقية على اطلاع، وبالتالي فهو يقدم خدمة لوطنه، ثم إن الأمر يوفر له بعض الأموال من دائرة الاستخبارات. راح الإسرائيلي يكلفه بمهمات. طلب منه مثلاً أن يحضر له آخر خريطة لمدينة بغداد. ذهب الربيعي إلى دائرة الاستخبارات فأعطوه خريطة لبغداد، لكنها ليست الأخيرة. حملها إلى لندن وسلّمها.

في اللقاء التالي قال البريطاني - الإسرائيلي للطيار العراقي: "نحن اتفقنا أن نكون صادقين مع بعضنا، وأنا تحدثت معك بصراحة. هذه الخريطة ليست الأخيرة". تذرع الربيعي بأن هذه هي الخريطة التي استطاع الحصول عليها. كلفه ضابط الموساد بمهمات أخرى وكان الربيعي ينقل الأجوبة التي تزوده بها الاستخبارات العسكرية.

في أحد اللقاءات قال رجل الموساد للربيعي: "أحب أن أقول لك وبحكم الصداقة. اتفقنا على شيء ولم تلتزم به، سأعطيك فرصة لمراجعة حساباتك. عليك أولاً أن تقطع صلتك بالدائرة التي تعطيك هذه المعلومات، وأن يتصف تعاونك معنا بالأمانة". أصيب الطيار العراقي بالرعب. فالأمر يعني أن دائرة الاستخبارات العراقية مخترقة من قبل الموساد.

عاد إلى العراق ووجد نفسه في ورطة. راح يفكر وانتهى به الأمر إلى قرار بترك الوظيفة والتخلي عن السفر إلى لندن والاختفاء. والواقع أنه اختفى في بغداد لكن الموضوع ظل يطارده. ذات يوم تعرض لحادثة غريبة جداً. ما نزال قبل 1968. في أحد أيام تموز (يوليو) وعند الظهر حيث يمكن أن تصل الحرارة إلى 50 درجة، خرج من البيت لشراء سجائر. لدى خروجه إلى المخزن القريب من البيت شاهد فتاة أجنبية شقراء تتلفت كأنها ضائعة. اقتربت منه وقالت: "أرجوك يمكن أن أسألك؟". فقال: "تفضلي". قالت: "أريد أن أذهب إلى منطقة الباب الشرقي في بغداد، هل يمكن أن ترشدني كيف أذهب؟". شرح لها، فتظاهرت بعدم الفهم. راودته رغبة في مساعدتها، فأوقف سيارة تاكسي وقرر أن يوصلها إلى الباب الشرقي.

في سيارة التاكسي، حدقت الفتاة الشقراء بالرجل وقالت له يا فلان، وأوردت اسمه. استغرب لكنها تابعت. قالت له: "أنا لست ضائعة، أنا جئت للبحث عنك ومكلفة بإبلاغك الآتي: إذا لم تعد إلى اتصالك السابق معنا فسنقتلك مهما تخفيت. أنا مكلفة أن أنقل إليك الرسالة". صعق الرجل وانتابته مشاعر غريبة. هل يعقل أن تأتي امرأة يهودية وتهددني في عاصمة بلدي؟ هل أقتلها أم أصمت؟ طبعاً دخلت اليهودية بجواز سفر آخر.

أوصلها إلى الباب الشرقي، وعاد إلى منزله، وأمضى أياماً وهو يقلّب الأمر قلقاً. في النهاية قرر أن يكتب ما حصل معه في رسالة سلّمها إلى قريب له بعثي على أمل في أن يرفعها القريب إلى قيادة الحزب الذي كان ما يزال خارج السلطة. وصلتنا الرسالة في القيادة فطلبنا من قريبه أن ينصحه بالاختفاء والابتعاد عن المشاكل. لم نكن نريد إثارة فضيحة، خصوصاً أننا نخطط للاستيلاء على السلطة. هذه الحادثة كانت المدخل إلى كشف أسرار خطيرة جداً تتعلق باختراقات الموساد في الأجهزة العراقية وكشف أسماء العراقيين المتورطين في شبكات لها علاقة بالمخابرات الإسرائيلية والغربية.

عندما تسلمنا السلطة وباتت دوائر الأمن تحت سلطتنا أحضرنا الرجل وبدأنا البحث. وجدنا في الاستخبارات العسكرية معلومات عن شبكات تجسس وضلوع شخصيات في اتصالات بدوائر أجنبية. والأمر نفسه في أجهزة الأمن. ومن خلال هذا الشخص توصلنا إلى العناصر التي تعمل في دائرة الاستخبارات ولها ارتباطات أجنبية، مع إسرائيل وأجهزة أوروبية، خصوصاً البريطانية.

طبعاً قيل لاحقاً إن بين من أعدموا أبرياء وغير متورطين. لا أستطيع أن أنفي أو أؤكد. ربما لحق الظلم ببعض الأشخاص في عمليات الإعدام التي حصلت في 1969 لكن أستطيع التأكيد أن وجود الجواسيس كان فعلياً، واستمعنا في مجلس قيادة الثورة إلى تقارير عن ذلك.

في موازاة هذا الحوار مع صلاح عمر العلي، العضو السابق في مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية لحزب البعث، التقيت سياسياً عراقياً كان إلى جانب أحمد حسن البكر وصدام حسين على مدى سنوات طويلة.

قال السياسي العراقي: "كنت جالساً في مكتب السيد النائب صدام حسين حين أبلغوه أن الرجل الثاني في دولة عربية يريد التحدث إليه. هممت بالخروج لكن إشارة منه أرغمتني على البقاء. تبادلا حديثاً ودياً. ولدى انتهاء المكالمة نظر صدام إلي بابتسامة مغموسة بالخبث وقال: نحن رجال الصف الثاني نحرص على تبادل وجهات النظر".

سألته هل كان صدام يقيم فعلاً في الصف الثاني فأجاب: "دعني أروي لك واقعة ولك أن تستنتج ما تريد. في 1974 دخلت مكتب الرئيس أحمد حسن البكر وكانت علاقتي به وثيقة. شرحت له ظروفي وقلت إنني جئت لتقديم استقالتي. نهض البكر فجأة ووقف وراء الكرسي واختلطت مشاعر الغضب والألم في عينيه. قال البكر (...) على هذا الكرسي. ما هذه الرئاسة؟ أخ ما أغباك يا أبو هيثم (عن نفسه) كيف قبلت معهم أن تتولى هذا المنصب. كم كان أفضل لو لم تفعل".

ويضيف السياسي: "انتابتني حال من الذهول الكامل، فالمتحدث هو أحمد حسن البكر الرجل الذي يرفق اسمه كلما ورد بأرفع الألقاب الرسمية والحزبية والعسكرية. وهو رجل معروف وصاحب تاريخ ويفترض الآن أنه صاحب الكلمة الأخيرة. أدرك البكر ذهولي فسارع إلى القول: جئت لتقديم استقالتك؟ لا أنت تستطيع الاستقالة ولا أنا أستطيع. إننا أسرى".

وأضاف السياسي: "في السنوات الأخيرة كان البكر يعرف تماماً أنه صار محاصراً من كل الجهات. كان يعرف أن ولاء حراسه صار للسيد النائب. لم يعد يجرؤ على التحدث عن صدام بشكل سلبي لا في مكتبه ولا في منزله خوفاً من أن تكون للجدران آذان".

لا غرابة في أن يغدر الرجل الثاني بالرجل الأول، لكن ما فعله صدام مع الرجل الذي رعاه واتكأ عليه يفوق الوصف فعلاً. كان صدام يأمر وسائل الإعلام بتبجيل "الأب القائد" لكنه كان يعمل لنزع ما تبقى من أنياب لديه. وكان البكر يتألم صامتاً فقد صار رئيساً للجمهورية في عهد نائب الرئيس.

بعد ساعات كان لي موعد جديد مع صلاح عمر العلي الذي اعتبر لفترة من أقرب الناس إلى البكر واحتفظ لسنوات بعلاقات مع الرجل وعائلته. سألته فكشف أن محمد النجل الثاني للبكر أدرك مبكراً خطورة الرجل الثاني، وكان يردد باستمرار: "لن يقتله أحد غيري، سأخلص الشعب العراقي منه". ونقل عن مصادر وثيقة جداً أن مشادة وقعت في القصر بين محمد وصدام أشهر خلالها الأول مسدسه وأطلق النار. لكن حظ محمد سيئ كحظ كل من عارضوا واعترضوا. ذات يوم اعترضت شاحنة سيارته فقتل مع عائلته. قصم "الحادث المؤسف" ظهر "الأب القائد" الذي توجع بصمت.

لا رحمة في لعبة السلطة في بلاد الدوي العميق والتاريخ المضطرب. ترتدي عباءة القاتل أو ترتدي ثياب القتيل.

لم يرحم أحداً، أزاحهم تباعاً. سقط البكر كالثمرة الناضجة وجاء إلى الاجتماع مقترحاً تسليم كل المفاتيح للسيد النائب. ارتكب بعض أعضاء القيادة إثم محاولة إقناع البكر بالبقاء فجاء العقاب شديداً ومريراً. سقطوا بوليمة غير عادية وبرصاص رفاقهم في الحزب.

سألت صلاح عمر العلي: ألم تعلنوا بعد تسلمكم السلطة عن مؤامرات لتصفية معارضي النظام؟

نعم تم الإعلان عن اكتشاف مؤامرات. وكثيرون ينفون وجودها ويعتبرونها مفتعلة من قبل البكر أو صدام أو قيادة الحزب، وأن الغرض منها كان تصفية العناصر التي يخشى من تحركها مستقبلاً ضد النظام. هنا سأكشف قصة عن واحدة من هذه المؤامرات الكبرى والتي سميت مؤامرة اللواء عبدالغني الراوي والتي تبعت الإعلان عنها إعدامات. الراوي لواء ركن في الجيش العراقي، شجاع جداً ومعروف. وهو ما يزال حياً ويعيش في السعودية.

قيل إن تلك المؤامرة مجرد أكاذيب ومفتعلة. قصة المؤامرة حصلت في 1969. أحياناً تدعوك بعض الوقائع والكتابات إلى التشكيك. خدمة للحقيقة سأقول الآتي. في 1992 ذهبت إلى السعودية لتأدية مناسك العمرة. بالصدفة التقيت عبدالغني الراوي الذي كان خارج الجيش لدى تسلمنا السلطة. جلسنا وإذ به يحكي لي القصة كاملة من باب الأمانة للتاريخ.

روى لي تفاصيل المؤامرة بالساعات والأسماء، وهي مؤامرة كان يقودها ضد الحزب مع مجموعة من الضباط والمدنيين بدعم من الاستخبارات الأميركية. قال لي الراوي إن إيران كانت طرفاً في تلك المؤامرة التي استهدفت إطاحة النظام. عندما أعلن عن المؤامرة كان الراوي خارج العراق. طبعاً الراوي معروف، تولى منصب نائب رئيس الوزراء في عهد عبدالسلام عارف، ووزير زراعة ثم تقاعد.
 
رد: الجزء الرابع من كتاب صدام مر من هنا

ماذا خططوا؟

أعدّوا لعملية عسكرية ضد النظام. اكتشفت الخطة فأعدم عدد وسجن عدد آخر. هذه العملية كتب عنها الكثير باعتبارها محاولة من البعثيين لتصفية بعض الناس. أنا شخصياً كدت أقتنع بهذا الكلام وقلت إننا ربما استغفلنا يومها وصدقنا الرواية. إنها الصدفة جمعتني بالراوي. قال لي إنه كان يتردد مع آخرين، أورد أسماءهم، على منزل شاه إيران وكان يطلب منهم أن يتصلوا بزعماء عشائر وشخصيات كردية لتحضير الجو للعملية.

قصة انكشاف المؤامرة نفسها غريبة. كان عبدالغني الراوي يتصل باثنين من العسكريين ويكلفهما مهمات في إطار هذه المؤامرة. لم يخطر بباله أن الاثنين ينتميان إلى الحزب وأطلعاه عليها. طبعاً لم يعد ثمة مجال للتشكيك. أي مصلحة للراوي أن ينسب هذه المسألة إلى نفسه إن لم تكن صحيحة. قال الرجل إنه كشف الأمر لي أمانة للتاريخ. إن نفي وجود مؤامرات بالمطلق غير صحيح تماماً كنفي وجود جواسيس. أما أن يكون هناك من ظلم فإنني لا أستطيع أن أؤكد أو أنفي. أسوق رواية ما يزال بطلها حياً.

* بعد 30 تموز (يوليو) 1968 وسع الحزب سيطرته على مواقع القرار؟

نعم بعد التخلص من رئيس الوزراء عبدالرزاق النايف ومجموعته تغيرت تركيبة مجلس قيادة الثورة. رفض النايف تولي منصب سفير وذهب إلى بريطانيا. أما وزير الدفاع عبدالرحمن داوود فعُين سفيراً في إسبانيا لفترة ثم غادر إلى السعودية حيث ما يزال يعيش حتى الآن. بعد فترة قُتل عبدالرزاق النايف في لندن. من خلال ما سمعته فهمت أن المخابرات العراقية قتلته. اعتقلت السلطات البريطانية أشخاصاً وأبعدت عدداً من العاملين في السفارة العراقية في لندن. وهناك شخص أمضى فترة طويلة في السجون البريطانية ولا أعرف إن كان أفرج عنه أم لا.

* من هم أبرز الذين قتلوا من رفاق الطريق؟

على مدى 43 عاماً قتل كثيرون. عشرات من قياديي وكوادر حزب البعث قتلوا. وقتل أشخاص عدة ممن شاركوا مع الحزب في السلطة. أما إذا أردنا الحديث عن القتل عموماً، فيمكن الحديث عن عشرات الآلاف.

* من هم أبرز البعثيين الذين قتلوا في هذه المرحلة؟

أبرز الذين قتلوا على يد النظام عبدالكريم الشيخلي الذي كان عضو قيادة قومية وقيادة قطرية وعضو مجلس قيادة الثورة وتولى بعد 30 تموز (يوليو) 1968 حقيبة الخارجية.

* ما هي ملابسات مقتله؟

أدخل الشيخلي إلى السجن ثم أفرج عنه. بعدها بفترة قصيرة كان متوجهاً مع زوجته وأطفاله إلى دائرة الكهرباء لتسديد فواتير. أوقف السيارة وحين غادرها اقترب منه ملثمون وأردوه.​
 
رد: الجزء الرابع من كتاب صدام مر من هنا

* كان الشيخلي صديقاً حميماً لصدام؟

إنه من الأصدقاء التاريخيين لصدام. نحن نعرف هذه العلاقة. كان الشيخلي بمثابة الأب الروحي لصدام. رجل مثقف وبنى نفسه بالجهد. واسع الاطلاع على أمور كثيرة. ذات يوم وخلال إحدى الرحلات كان معنا قائد القوة الجوية العراقية نعمة الدليمي، وهو ضابط مشهود له بالخبرة، وحصل نقاش بينه وبين الشيخلي حول الطائرات العسكرية ومزاياها. أذكر أن الدليمي قال للشيخلي في آخر الحديث: "أدهشتني دقة معلوماتك وإنني أتساءل لماذا عينت أنا ولدى القيادة من هو أفضل مني".

كان الشيخلي صاحب ثقافة واسعة. في الأوقات الصعبة وحين كنا نحتاج إلى إعداد تقرير مهم ورفيع المستوى كانت المهمة توكل إلى الشيخلي. ونظراً لما كان يكنه لصدام كان الشيخلي يساعده ويوسع آفاقه.

* لماذا خرج الشيخلي من السلطة؟

لفهم هذه المسألة لا بد من العودة إلى المشكلة الأم، وهي اتفاق البكر وصدام استناداً إلى صلات القربى، على استبعاد أي شخص قوي يمكن أن يشكل بديلاً أو يطالب بأن يكون شريكاً. اتفقا على الإمساك بالسلطة من دون أي شريك.

عبدالكريم الشيخلي من عائلة معروفة في بغداد. رجل ذكي وشجاع ومطلع. شارك في محاولة اغتيال عبدالكريم قاسم مع صدام وهربا معاً إلى دمشق. علاقتهما كانت قوية وحميمة. والشيخلي نفسه كان يقول نحن شخص واحد في جسدين، أي روح واحدة في جسدين. كان يستخدم هذه العبارة لكن كل ذلك لم يشفع له لاحقاً.

* واغتيال حردان التكريتي؟

موضوع حردان مختلف. شخص شجاع وعسكري قديم وقدير. لم تكن لحردان صلة رسمية بالحزب. كان صديقاً. الواقع أن حردان شارك في أكثر من خطة لتغيير الأنظمة في العراق منذ 1958. عسكري شجاع ومتمرس. كان صدام ينظر إلى هؤلاء عكس نظرتنا إليهم. كنا نقدرهم أما هو فلديه مقياس واحد: من يمكن أن يشكل بديلاً أو خطراً أو قوة اعتراض لا بد من إلغائه. كان حردان بين أول من قتلوا. طبعاً أعفي من منصبه وأبعد إلى خارج العراق. طلبوا منه أن يعمل سفيراً في ألمانيا ولم يقبل. غادر ألمانيا إلى الكويت فقتلته المخابرات العراقية هناك.

* من هو ناظم كزار؟

إنه مهندس عراقي يمتاز بذكائه الحاد. بعثي منح لاحقاً رتبة لواء في إطار سياسة توزيع الألقاب التي اعتمدها صدام. استهتر بقواعد المؤسسة العسكرية إلى حد فظيع. أخل بكل الأصول والمراحل والرتب والشروط. أطاح بكل شيء. تصور أن علي حسن المجيد كان برتبة نائب ضابط وإذ به يمنحه ذات يوم رتبة فريق ركن ويعينه وزيراً للدفاع. ولك أن تتخيل مشاعر الضباط في الجيش. وهناك حسين كامل الذي كان شرطياً. أعطاه رتبة فريق ركن وعينه وزيراً للدفاع ووزيراً للتصنيع العسكري. أي أنه أعطاه أخطر وزارتين على رغم كونه شبه أمي ويعجز تقريباً عن الكتابة.

* وعزة إبراهيم؟

إنه شخص مدني وحزبي. لم يصل إلى الجامعة. أعرفه معرفة دقيقة فقد كنت مسؤوله الحزبي لأربع سنوات.

* هل صحيح أنه كان بائع ثلج؟

لا أعرف هذه المسألة، وهي ليست نقصاً خصوصاً في الأحزاب والثورات. عزة إبراهيم من مدينة اسمها الدور تقع بين سامراء وتكريت. منذ البداية انحاز عزة إبراهيم وطه ياسين رمضان إلى صدام
 
رد: الجزء الرابع من كتاب صدام مر من هنا

* وطه ياسين رمضان؟

كان ضابط صف.

* وطارق عزيز؟

عندما تسلّمنا السلطة في 1968 لم تكن لطارق عزيز أي علاقة بالحزب على رغم أنه حزبي قديم. وكان طارق في لقاءاته مع بعض رفاقنا يوجه اتهامات وشتائم إلى الحزب. بعد تسلمنا السلطة كان طموح طارق عزيز أن يدعمه أصدقاؤه لإقناع القيادة بتعيينه ملحقاً صحافياً في موسكو. وهناك طلب قدمه طارق إلى وزير الإعلام عبدالله سلوم، وموجود في ملفات الوزارة، لتعيينه في هذا المنصب، وقد رفض طلبه.

أنا أعرفه منذ 1959. يومها كنا أعضاء في الحلقة الحزبية نفسها. عندما تسلمنا السلطة برزت حاجات الدولة. طارق عزيز صحافي ناجح ومتمرس. صدام عيّنه رئيساً لتحرير جريدة "الثورة". أذكر أن الرئيس البكر طلب أن يراني وحدثني على انفراد. قال لي: "أنا لا أثق بطارق عزيز ولا بسياسته ولا بأفكاره وسأطرح غداً في الاجتماع إخراجه من منصبه، وسأطرح اسمك كبديل له إضافة إلى مهامك". هذا في 1970. حاولت أن أعتذر فأصر. وفي اليوم التالي أخرج طارق من جريدة "الثورة" وتوليت شؤونها.

أعاده صدام لاحقاً وعينه في وزارة الإعلام ثم وزيراً للخارجية. شعر طارق بامتنان شديد لصدام الذي أعطاه فرصة الصعود في المواقع الحزبية والرسمية فقد صار عضواً للقيادة القطرية ونائباً لرئيس الوزراء. إنسانياً من الطبيعي أن يكون طارق إلى جانب من منحه الفرص.

* ولطيف نصيف جاسم.

حزبي قديم وصديق لصدام.

* ربطتك علاقة قوية بالرئيس البكر؟

نعم، وكنت في البداية من أقرب الناس إليه.

* والتقيت أفراد عائلته لاحقاً، ما قصة مقتل نجله محمد، وهل كان حادث السير مدبراً؟

محمد هو النجل الثاني للبكر. أولاد البكر امتازوا بأخلاق عالية جداً وابتعدوا عن أي تدخل أو استغلال موقع والدهم للحصول على المال أو النفوذ. أدرك محمد باكراً أن إعطاء صدام حسين فرصة التصرف كما يشاء في الحزب والدولة سيقود البلد إلى كارثة. بدأ محمد بتوجيه انتقادات إلى صدام وراح الجو يتوتر بين الاثنين. ثم تحول الخلاف إلى عداء. لا أريد ذكر أسماء، لكن شخصاً من القريبين والمطلعين روى لي أن محمد سحب مسدسه في القصر الجمهوري وأطلق النار وكاد يقتل صدام بعد مشادة بينهما.

ومحمد كان رياضياً وشجاعاً وكان يكرر أمام أفراد العائلة أن صدام لن يقتل إلا على يده و"يجب أن أخلص الشعب العراقي من صدام". ذات يوم كان محمد مع زوجته وطفليه في السيارة على طريق في شمال بغداد، وفجأة ظهرت شاحنة وضربت سيارته فقتل مع أفراد عائلته.

* تجزم أن الحادث مدبر؟

لا يختلف اثنان في ذلك.​
 
رد: الجزء الرابع من كتاب صدام مر من هنا

* وماذا فعل البكر؟

حطمته الحادثة وكسرت ظهره. لم يفعل شيئاً ربما لتفادي الأسوأ، فصدام قد كان سيطر على الماكينة الأمنية.

* وماذا عن برزان التكريتي؟

شاب بسيط من عائلة فقيرة. إنه أخ غير شقيق لصدام. لم يكمل دراسته. عيّن لاحقاً رئيساً لدائرة المخابرات، وبحكم علاقته بصدام كانت صلاحياته مطلقة. فرض هيمنة المخابرات على دوائر الدولة والحزب في صورة تدريجية إلى أن سيطرت دائرة المخابرات على كل شيء.

لم يعد يسمح لوزير أن يعين سائق سيارة من دون موافقة المخابرات، والأمر نفسه بالنسبة إلى المناقلات. هيمنت المخابرات على الحزب والدولة والشعب. قامت دولة المخابرات والخوف والرعب. دمروا العلاقات الإنسانية. صار الأخ يشك في أخيه والزوج في زوجته. حصلت وشايات داخل الأسر وتسببت بإعدامات. صار كل شخص يعتقد بأن الآخر عميل للمخابرات. أشاعوا الشك والرعب. وهذه الحالة مستمرة في العراق.

* لنعد إلى ناظم كزار؟

كزار ذكي إلى درجة غير عادية وشجاع جداً ودموي لا يعرف الخوف ولا التردد. عندما تسلمنا السلطة لم تكن لدينا أي رغبة في إعطاء فرصة لعدد من الحزبيين الذين ارتبطت أسماؤهم بالجرائم التي ارتكبت في 1963 وفي طليعتهم كزار. في تلك المرحلة كان كزار في لجنة للتحقيق مع الشيوعيين. فوجئنا بتعيين الرجل مديراً للأمن العام، فحصل استياء في صفوف الحزبيين. اضطر صدام لعقد ندوة للكادر الحزبي كنت مشاركاً فيها.

اعترض الحزبيون على التعيين. استمع صدام ثم أجاب: أنا أتفق مع اعتراضاتهم ولكن سأعطيكم وجهة نظري. نحن لدينا دولة اليوم وبعض دوائرها يقتضي وجود مختصين. هذه تحتاج مهندساً وتلك اقتصادياً. وعندنا دوائر أمن تحتاج إلى متخصصين. ليس هناك في المجتمع العراقي من هو مختص بمسائل الأمن أكثر من ناظم كزار. ذاكرته قوية ويعمل بلا عاطفة. لديه مؤهلات لا يملكها أحد ونحن مضطرون إلى الإفادة منها.

عين ناظم كزار ووسع دائرة الأمن العام وشكل مكتباً للإشراف على الأمن والمخابرات معاً يديره صدام حسين. طبعاً كان كزار حزبياً ملتزماً إلى أبعد الحدود.

راح كزار يراقب الأحداث ووجد أن تجربة الحزب بدأت تلتوي لمصلحة البكر وصدام وبدأ يخطط للتخلص من الاثنين.
 
رد: الجزء الرابع من كتاب صدام مر من هنا

السلام عليكم فعلا تاريخ دموي كلف العراق كثيرا .فك الله اسر دار السلام و ردها الى اهل الحق
 
عودة
أعلى