الى كل من شكك في دعم السوفيت الى مصر
على قدر إشادة السادات بعبد الناصر، كانت إشادته بدور الاتحاد السوفيتي. لقد قمنا بمراجعة وفحص جميع خطب السادات وتصريحاته وأحاديثه الصحفية طوال الفترة من 7/10/1970 إلى انقلاب مايو 15 /5/1971، في هذه الفترة لم يكف السادات عن الإشادة المستمرة بدور الاتحاد السوفيتي ودوره في دعم مصر والقضايا العربية.
ثلاث مناسبات فقط أغفل فيها السادات الإشادة بالاتحاد السوفيتي، كانت المرة الأولى في ذكرى مرور 40 يوما على وفاة عبد الناصر وكان حديث السادات مخصصا للإشادة بناصر. والمرة الثانية في رسالته إلى مؤتمر الدعوة الإسلامية. أما المرة الثالثة كانت بمناسبة انعقاد المؤتمر السادس لمجمع البحوث الإسلامية، وكان إقحام ذكر الاتحاد السوفيتي في مناسبات دينة تصرف يسئ إلى الاثنين معا، السادات والاتحاد السوفيتي.
وكان من الطبيعي، أن تكون الإشادة بدور السوفيت قائما على أرضية المقارنة بدور أمريكا المعادى لمصر وللأمة العربية، والمؤيد على طول الخط لإسرائيل. ففي أحد الجلسات المغلقة للمؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي العربي أجاب السادات على سؤال :هل يتوازن الدعم السوفيتي مع ما تعطيه أمريكا لإسرائيل؟
كان جواب السادات:" لابد أن ندرك أولا طبيعة العلاقة بيننا وبين الاتحاد السوفيتي، هي غير طبيعة العلاقة بين أمريكا وإسرائيل، فإسرائيل عميلة لأمريكا وهى تعلن ذلك وتفتخر به…وأمريكا تعلن أن إسرائيل خط الدفاع الأول عن مصالحها في المنطقة…لكن الأمر بالنسبة لنا يختلف، لسنا عملاء الاتحاد السوفيتي، ونحن لا نحارب معركة لمصلحته، المعركة هي معركتنا ونحن الذين نحاربها ونموت من أجلها." ([21])
كما نفي السادات الشائعات التي تقول بأن هناك معاهدة سرية بين مصر والاتحاد السوفيتي، وحذر من الانسياق وراء الشائعات التي تروجها أمريكا وإسرائيل من أجل الوقيعة بيننا وبين الاتحاد السوفيتي، وأعتبر السادات أن الأفراد والقوى السياسية التي تعادى الاتحاد السوفيتي يرتكبون بسلوكهم هذا جرم الخيانة الوطنية:" لازم أقرر أن الاتحاد السوفيتي بكل شرف وأمانة يعطينا كل شئ، مش زي الأمريكان ما بي يقولوا الوجود السوفيتي جى يحتل البلد...أنا بقول الكلام للأمريكان...كل محاولة للتشكيك ضد الاتحاد السوفيتي تعتبر خيانة، وكل هدف أمريكا هو محاولة التوقيع بيننا وبين الاتحاد السوفيتي، ويجب أن لا نستجيب لذلك." ([22])
وأخذ السادات يعدد مجالات الدعم السوفيتي لمصر:" أستمر يعطينا كل ما نريد بدون ثمن تقريبا لأننا نسدد على أقساط طويلة الأجل...أعطانا كل إمكانيات بناء السد العالي...أعطانا معدات بناء السد العالي الثاني، وأقصد به مشروع مصنع شرائط الحديد والصلب، أعطانا خام الحديد بسعر الخام في السوق العالمية، ودفع لنا فرق السعر لشرائط الصلب المصنعة لصالحنا...بعد عدة سنوات سنجد لدينا خبراء في صنع السفن على أعلى مستوى عالمي، كل هذا بمعاونة الاتحاد السوفيتي في الوقت الذي يرفض الغرب إعطاءنا بندقية واحدة." ([23])
أما في مجال التسليح فأكد على أن الاتحاد السوفيتي:"أعطانا كل ما طلبناه من أسلحة، وأرسل الخبراء لتدريب قواتنا المسلحة...وفاءه بكل الاتفاقيات الخاصة بالأسلحة معانا، وفى الفترة التي فجع فيها شعبنا في فقد القائد جمال عبد الناصر، وقف الاتحاد السوفيتي...ودعمنا بكل ما طلبناه من أسلحة قبل الموعد المتفق عليه...في الوقت الذي كانت فيه أمريكا تضغط علينا منتهزة فجيعة شعبنا بفقد قائده لكي نخضع أو نستسلم." ([24])
أما في مجال الدعم السياسي وصف السادات العلاقات المصرية_السوفيتية بقوله:"...صداقتنا مع الاتحاد السوفيتي هي في نفس الوقت وقفة تضامن من تجميع كل القوى المعادية للاستعمار، كما أن نفور الاتحاد السوفيتي من إسرائيل، ومطامعها التوسعية والعدوانية ودورها الإرهابي في المنطقة." ([25])
ثم أضاف السادات:" لقد أثبتت الأزمة أن لنا أصدقاء في المقدمة فيهم وفى موقع الاعتزاز لدينا شعوب الاتحاد السوفيتي، التي لم تكتفي بأن تتفهم، ولكنها سارعت بأن تقدم لنا ما كان صعبا علينا أن نواصل القتال بقوة وفعالية. إن الاتحاد السوفيتي بمواقفه منا في هذه الأزمة وثق صداقة من صداقات التاريخ الكبرى، وجعل منها نموذجا وميزانا للإخاء الدولي ولوحدة القوى المناهضة للاستعمار والإرهاب والعدوان." ([26])
لم يكتفي السادات بكل ذلك، وإنما راح يبسط في اختياره لمفردات خطابه السياسي بغرض شرح طبيعة العلاقات القائمة بين مصر والاتحاد السوفيتي، فنراه يختار كلمات بسيطة يسهل على الغالبية العظمى من الشعب المصري والعربي استيعابها، فأخذ يضفي على العلاقات العربية_السوفيتية صفات تحمل الطابع الأخلاقي المرتبط بالمودة والتكاتف السائدة في علاقات الأسرة الواحدة، وهو نمط من العلاقات سائد في الريف المصري، حيث تختبر صلابتها في وقت الموت والأزمات.
أكثر من هذا، فقد حرص السادات أن يبلغ الاتحاد السوفيتي بالقرارات الهامة قبل أن يبلغ بها القيادات المصرية، كإبلاغه بقراره المتعلق بتطبيق ميثاق طرابلس الذي طرحه جمال عبد الناصر للوصول إلي قيام الوحدة بين مصر وسوريا وليبيا. وعندما قرر إقالة نائبه علي صبري كان السوفيت أول من علم بقراره فتولي بنفسه إبلاغه للقيادات السوفيتية.