المقال الذي نشر في جريدة النهار الجديد.
بسم الله الرحمن الرحيم
منهجُ السّلف الصالح بريء من أعمال دعاة الإرهاب والدمار وإن تسموا باسمه تدلسا على الخلق.
بقلم الشيخ: أبي عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي الجزائري.
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
منهجُ السّلف الصالح بريء من أعمال دعاة الإرهاب والدمار وإن تسموا باسمه تدلسا على الخلق.
بقلم الشيخ: أبي عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي الجزائري.
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن مصطلح أهل السنة والجماعة مركب من لفظين؛ لفظ السنة، ولفظ الجماعة، أما بخصوص السنة: فمعناه في اللغة الطريق والسيرة، وفي الشرع إذا أطلقت فالمراد منها ما صحّ عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من أقوال، وأفعال، وتقريرات، وصفات شريفة له، وكان يقول الإمام أحمد رحمه الله: السنة عندنا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والسنة تشمل جميع كليات الإسلام من عقائد وأحكام، وهو الهدي الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأنها أصل أصيل لإقامة الإسلام وتقوية دولته، فلا يمكن لهذا الجيل أن ينصر الإسلام ويدافع عن خضرائه في خضم الهجمات المتتالية عليه وهو جاهل بسنة محمد صلى الله عليه وسلم.
والنصوص من القرآن الكريم، وأقوال النبي صلى الله عليه وسلم في وجوب اتباع سنته كثيرة جدا، أكتفي بهذين الدليلين؛ قوله تعالى في سورة الحشر [وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم من حديث العرباض بن سارية الذي أخرجه الإمام أبو داود: (...فإنّه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وعضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محمدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة).
وأما الجماعة: فهي ضد الفُرقة، وهم القوم الذين اجتمعوا على أمر من الأمور، وقد عرّف العلماءُ لفظ الجماعة بعدة تعريفات كلها تصب في قالب واحد، فقد عُرفت بالسواد الأعظم، وعرفت بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وعرفها الإمام الترمذي في جامعه بقوله: وتفسير الجماعة عند أهل العلم هم: أهل الفقه والعلم والحديث.
والمقصود من مصطلح أهل السنة والجماعة: هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والتابعون لهم بإحسان، ومن سلك سبيلهم، وسار على نهجهم من أئمة الهدى، ومن اقتدى بهم من سائر الأمة أجمعين في جميع أمور الدين، فيخرج بارك الله فيك بهذا المعنى كل الطوائف المبتدعة، وأهل الأهواء.
وقبل أن نواصل الحديث أقول: إنّ الذي أعتقده أن الخوارج الأشرار (أو بمصطلح العصر الإرهابيين) الذين استوطنوا الجبال وشقوا عصا المسلمين، وهم الآن يسعون في تدمير أوطانهم بالظنون الكاذبة، ويزعمون بهوسهم أنهم يطمحون إلى إقامة دولة الإسلام في دولة إسلامية قائمة وإن كان فيها نقص منذ 5 جويلية 1962 ميلادية!، أقول: ليسوا من أهل السنة والجماعة، بل هم طوائف ضالة عن الهدى، متنكبة لسبيل أهل الحقّ، ولا ينفعهم أن يلقبوا أنفسهم بالسلفية القتالية، أو غيرها من الأسماء الجوفاء، فاختباءهم وراء باب من أبواب الشريعة في حدّ ذاته بدعة، ولا نعلم من تاريخنا الإسلامي الطويل والعريض أن المجاهدين المدافعين عن حياض دولة الإسلام، أو لتوسيع رقعتها كانوا يتسمون بباب من أبواب الشريعة، ويهملون جميع الأبواب.
إن لقب السلفية القتالية مبتدع ولا يجوز أن يروّج له عبر وسائل الإعلام وقد بينا هذا بوضوح في كتابنا (الأمن وحاجة البشرية إليه) وهو مطبوع ومتداول في الأسواق، ولا بأس أن نبيّن في هذا الحديث أن هذه الألقاب المحدثة هي من قبيل الحزبية الضيقة التي تتعارض وسماحة الإسلام، يقول تعالى: آمرا الخلق بالتقرب إليه بجميع ما شرع، وليس بالقتال فقط فقال:
[يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ].
يقول العلامة ابن كثير في تفسير هذه الآية: (يقول الله تعالى آمرا عباده المؤمنين المصدقين برسوله؛ أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه، والعمل بجميع أوامره، وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك).
وقال العلاّمة ابن قيّم الجوزية رحمه الله شارحا لعبارات الهروي رحمه الله في أوصاف أهل المنهج السّوي من كتابه مدارج السالكين: (العلامة الثانية: قوله: «ولم يُنْسَبُوا إلى اسم»؛ أي لم يشتهروا باسم يُعرفون به دون النّاس من الأسماء التي صارت أعلاما لأهل الطريق، وأيضا: فإنّهم لم يتقيدوا بعمل واحد، يجري عليهم اسمه، فيعرفون به دون غيره من الأعمال، فإنّ هذا آفة في العبودية، وهي عبودية مقيدة. وأما العبودية المطلقة: فلا يُعرف صاحبُها باسم معيّن من معاني أسمائها، فإنّه مجيب لداعيها على اختلاف أنواعها، فله مع كلّ أهل عبودية نصيبٌ يضرب معهم بسهم، فلا تقيد برسم ولا إشارة، ولا اسم ولا بزي، ولا طريق وضعي اصطلاحي، بل إن سئل عن شيخه؟ قال: الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن طريقه؟ قال: الإتباع، وعن خِرقته؟ قال: لباس التقوى، وعن مذهبه؟ قال: تحكيم السنة، وعن مقصوده ومطلبه؟ قال: [يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ]، وعن رباطه وعن خانكاه؟ قال: [فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ]، وعن نسبه؟ قال:
أبي الإسلام ولا أب لي سواه**إذا افتخروا بقيس أو تميم.
وعن مأكله ومشربه؟ قال: (مالك ولها؟ معها حذائها وسقاؤها، ترد الماء وترعى الشجر حتى تلقى ربها)اهـ.وقال كذلك رحمه الله في نفس الكتاب: (وقد سئل بعض الأئمة عن السنّة؟ فقال: ما لا اسم له سوى السنّة. يعني: أن أهل السنة ليس لهم اسم ينتسبون إليه سواها؛ فمن الناس: من يتقيد بلباس لا يلبس غيره، أو بجلوس في مكان لا يجلس في غيره، أو مشية لا يمشي غيرها، أو بزي وهيئة لا يخرج عنها، أو عبادة معينة لا يتعبد بغيرها، وإن كانت أعلى منها، أو شيخ معين لا يلتفت إلى غيره، وإن كان أقرب إلى الله ورسوله منه، فهؤلاء كلهم محجوبون عن الظفر بالمطلوب الأعلى، مصدودون عنه، قد قيدتهم العوائد والرسوم، والأوضاع والاصطلاحات عن تجريد المتابعة، فأضحوا عنها بمعزل، ومنزلتهم عنها أبعد منزل، فترى أحدهم يتعبد بالرياضة والخلوة، وتفريغ القلب، ويعد العلم قاطعا له عن الطريق، فإذا ذُكر له الموالاة في الله، والمعاداة فيه، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر: عدّ ذلك فضولا وشرّا، وإذا رأوا بينهم من يقوم بذلك: أخرجوه من بينهم، وعدوه غَيراً عليهم، فهؤلاء أبعد النّاس عن الله، وإن كانوا أكثر إشارة والله أعلم)اهـ.
وعن عبد الرحمن بن مهدي العنبري قال: سُئل مالك بن أنس عن السنّة، قال: (ما لا اسم له غير السنة، وتلا: [وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ]
وسأل رجلٌ الإمامَ مالك رحمه الله: من أهل السنة يا أبا عبد الله؟ قال: (الذين ليس لهم لقب يعرفون به؛ لا جهمي، ولا رافضي، ولا قدري).
وأقول: إنّ أهل السنة والجماعة في الجزائر الغراء لا ينتمون لا إلا السلفية القتالية، ولا إلى القاعدة، ولا إلى الواقفة، ولا إلى الزاحفة!، ولا يجوز لبعض دعاة الفتن أن يزايد على وطنيتهم وولائهم لوطنهم المسلم من أجل كلمة التوحيد.
إنّ الناظر في التكتلات الإسلامية المعاصرة، يجد أنّ كلّ حزب من الأحزاب الإسلامية أخذ بجزء من أجزاء الشريعة وعني به على قصور جلي في معرفة فصوله، فبعضهم اعتنى بالسياسة وجعلها أمَّ الأصول وضيّع التوحيد وباقي علوم الشريعة، والصنف الآخر اعتنى بالفضائل وضيّع علم المسائل، وطبقة أخرى رفعت راية الجهاد بجهل مطبق وجعلتها أصل الأصول، لا تعرف من الشريعة إلا آيات القتال وتقسيم المغانم والفيء، مع أن الشريعة كما قال العلامة الشاطبي في الاعتصام (2 / 245): (فشأن الراسخين تصور الشريعة صورة واحدة يخدم بعضُها بعضًا).
فالراسخون في العلم يا أبناء الجزائر يرون أن الجهاد السني والشريف يخدم الاقتصاد، وأن الاقتصاد يخدم الأمن العام، وأن الأمن العام يخدم الصلاة والزكاة والحج وحلق العلم...وهكذا، ومن خلال هذه التصديرة ندرك الخلط الذي يقع فيه بعض الإعلاميين حين يجزئون منهج السلف الصالح إلى منهج قتالي يقولون عنه: السلفية القتالية، ومنهج علمي يقولون عنه: السلفية العلمية، انطلاقا من الواقع المرير، هذا غلط واضح، يُمتِّن الشبه في أذهان دعاة الخروج على الحاكم المسلم، ويعطيهم الشرعية من خلال الاسم في مزاولة أعمالهم الإجرامية، ولقد حيرتني متحدثة اسمها أظن (نادين بيكوتو) وهي تعلق على فلم وثائقي يتحدث عن الجهاد في أفغانستان إبان الاجتياح الروسي أذاعته (قناة مدي 1 سات المغربية) حين ركزت بشدة لخبثها على تجزئة منهج السّلف الصالح إلى قسمين؛ منهج قتالي وهو الذي يتبناه أسامة بن لادن وجماعته، كأنصار الإسلام في العراق، وشرفاء الأردن في المملكة الهاشمية الأردنية، والهجرة والجهاد في مصر، والسلفية القتالية أو القاعدة في المغرب الإسلامي في الجزائر، وإلى سلفية ردكالية جامدة قد تكون أرضا خصبة للصنف الأول، وهذا الخلط في المفاهيم غيّر الحقائق أولا، وخدم الفرق الضالة الخارجة عن الجماعة ثانيا، وضرب الإسلام من أساسه ثالثا.
إنّ الذي يجب أن يفهمه المواطن الجزائري بعيدا عن خبط أبواق الغرب، وتلويسات بعض وسائل الإعلام المغرضة التفريق بين دُعَاةِ الحقِّ أولا: الذين هم صِدقا على منهج السّلف الصّالح في الأقوال والأعمال؛ ويسعون إلى بناء أوطانهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ويقتفون خُطى الأنبياء في السيّر إلى الله، وإصلاح ما أفسد النّاس، ويدعون الخلق إلى الحق بأمر الله تعالى، ويطيعون حاكم البلاد المسلم بالمعروف في طاعة الله ورسوله، ويتناصرون ويتعاونون مع جميع مؤسسات الدولة؛ المدنية أو العسكرية لازدهار أبناء الوطن، وتنوير عقولهم، ولا يرون بحال الخروج على حاكم البلاد المسلم، ويردُّون كل فتنة وبلية تهدد أمن البلد، وتضر بثوابته، ومستعدون أن يبذلوا النفس والنفيس من أجل أن يبقى وطنهم المسلم سالما من الفتن والإحن، ويجاهدون مع حكامهم لا ضدهم كلّ عدوّ صائل، وهؤلاء هم الذين يصدق فيهم قولُ الله تعالى في سورة الأنبياء: [وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ]، هؤلاء هم أهل السنة والجماعة، وقل إن شئت: أهل الحديث والأثر، وقل إن شئت: السلفيين حقيقة لا زورا، وهؤلاء هم الذين يجب على الدولة أن تعتني بهم، وأن تقدمهم، لأنهم صدقا كَنْزُ أمنِها وعافيتها، وأس وقايتها من الأفكار الهدّامة، وإذا غابوا عن أرض أيّ دولة إسلامية ظهر فيها الفساد والعلل.
وعلى المواطن الجزائري الحرّ أن يعرف ثانيا: دعاة الإجرام والفساد والإفساد باسم الدين ومنهج السّلف؛ التائهين في يمّ الشبهات، والغارقين في مستنقعات أهل الضلال، الذين مِن عَمَاهم تراهم يُغَيِّرون أسماء تنظيماتهم في كلّ عام مرة أو مرتين أو ثلاثة؛ فمن الجيش الإسلامي، إلى السّلفية القتالية، إلى القاعدة في المغرب العربي، إلى...إلى.. والذين أخبر الله عن نظرائهم في سورة القصص فقال: [وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ].
وهذا الصنف الثاني الغادر والخوان إذا انتسب إلى منهج السلف، وأعلن انتماءه إليه عبر وسائل الإعلام زورا، وحصر الإسلام العظيم في مربع القتال، وقال عن تنظيمه أنه يحمل اسم (السلفية الجهادية، أو القتالية) تدليسا وتزويرا، فقد زاد إلى جرمه من تكفير للمسلمين، وقتل للأبرياء، وتدمير لأملاك المسلمين، واعتداء على المستأمنين في ديار الإسلام جرما آخر أبشع وأشنع، وأوضع وأفضع، لا أشنع منه دينا وعقلا وعرفا، يبكي له الإسلام بملء جفونه، والله المستعان؛ وهو تشويهه لدين الله المنان بالكذب، والدعاوى الباطلة والبهتان، واعتدائه على منهج السلف الصالح بتشويه سمعته، والزجّ به في قفص الاتهام، والتعريض لأتباعه الأبرياء والمخلصين لدينهم ثم لوطنهم من العلماء وطلبة العلم وعامة المسلمين للمساءلة والإذلال، فهذا الفيلق المدلس والمزوِّر يجب أن تغلظ في حقه العقوبة زجرا له ولأمثاله من سفهاء الأحلام.
وصدق ابن قيم الجوزية حين قال في كتابه (الداء والدواء) ناقلاً عن شيخه الفهامة ابن تيمية رحمه الله: (كما أن خير الناس الأنبياء، فشر الناس من تشبّه بهم من الكذابين وادعى أنه منهم وهو ليس منهم. فخير الناس بعدهم: العلماء، والشهداء، والصديقون، والمخلصون، وشرُّ النّاس من تشبّه بهم يُوهم أنّه منهم وليس منهم).
لا يجوز أن نسب هذه الجماعات المختبئة في الكهوف والمغارات إلى منهج السّلف الصالح، ولا يليق بوسائل الإعلام أن تنعش هذه الجماعات حين تجارها على إطلاق اسم السلف عليها.
بل أقول كلمة: إنّ من وسائل دفع عدوان الإرهابيين عن أبناء الأمة تجريدهم من اسم السلفية، وأن الاسم الصحيح الذي ينطبق على أعمالهم هو اسم (الخوارج)، وهي فرقة من الفرق الضالة عن الحق، وبهذا التميز يدرك الشباب المغرر بهم أنهم إذا انظموا إلى هذه الجماعات الهماجية، وصعدوا إلى الجبال لا يجدون أصول منهج السلف، ولا يجدون السلفية التي يعرفها الإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد... والعلامة الطيب العقبي الجزائري، والعلامة مبارك الميلي، والعلامة عبد الحميد بن باديس، والعلامة البشير الإبراهمي، والعلامة الألباني، والعلامة ابن باز، والعلامة ابن عثيمين...، بل يجدون أباطيل أبي محمد المقدسي التكفيري، وأصول أيمن الظواهري المصري، وخزعبلات أبي قتادة الفلسطيني، وتناقضات شكري مصطفى المصري، وباقي المجموعة التي تحمل أسماء عدة منها: ماهر بكري، وعبد الجواد ياسين.
وإذا جردنا الفرق الضالة المختبئة في الجبال وعريناها من اللقب الذي تصطاد به الشباب وهو (السلفية)، وأظهرنها للناس على حقيقتها، وأنها فرقة منحرفة انطلقت من فكر نبت في مصر في بداية الخمسينات، وترعرع في أفغانستان في مراكز الأنصار، وتغذى من أموال الأمريكان، فرقة لا تفقه من الإسلام إلا بعض آيات سورة التوبة والأنفال، حينها يزهد فيها الناس، ويدركون أنها ليست الطائفة التي تحمل الحل للمستضعفين من النساء والولدان، ولا أنها المخولة لتطبيق الشريعة في المغرب العربي لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وبهذه المنهجية العلمية نحاصر هذا الفكر ونقطع جذوره.
إن سبب ظهور هذه الفرقة وتمكنها من قلوب أبناء الأمة يعود إلى سببين:
أولا: -الجهل بمنهج الإسلام في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي باب إقامة دولة الإسلام، وصدق رسول الله × حين قال: من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (ما كان الخرقُ في شيء إلا شانه).
والخرق: هو الجهل، وهو داء عظيم، أهلك المغرر بهم، وأفسد حياتهم. وقد بينت هذا في كتابي (دعوة إلى الحكمة والتعقل) وهو مطبوع.
ثانيا: -وضع الأمة المؤلم من ظلم، وفقر، وحياة كئيبة ولدتها الإدارة على مختلف مستوياتها في أنفس المواطن، أضف إلى ذلك الهيمنة الدولية الأحادية، والهجمة الصليبية الشرسة على الإسلام وأهله، هذا الوضع إذا غذي بالجهل ولد لنا جيلا لا يرحم، ولا يبالي مع أي جماعة يكون، وفي أي منعطف يفجر نفسه.
هذا بصيغة الإجمال، أما عند التفصيل فأقول: إنّ منهج الخوارج والثائرين على حكوماتهم قديم جدا، بدأت بوادره من مقتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وفي خضم هذه الفتنة العمياء طلت طلائع الأهواء الأولى بقرنها على ساحة الإسلامية، وحينها ظهرت فرقة الخوارج، وفارقت المسلمين وإمامهم، إما بالاعتقاد والسيف والقتال، وإما بالتحريض على الخروج على السلطان، وهذه الأخيرة لقبها أهل السنة والجماعة بالقعدية، وهي جماعة تشجع على الخروج وتخطب في الناس وتهيجهم على مقاتلة السلطان إلا أنهم لا يخرجون، كما هو حال كثير من خطباء هذا الزمان، وأول تاريخ معلن لخروج هذه الطائفة على جماعة المسلمين وإمامهم كان في 10/10/سنة 37 من هجرته، وذلك حين بايع الخوارج عبد الله بن وهب الراسبي لمقاتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
إن فرقة الخوارج تعود بذورها إلى السبئية نسبة إلى عبد الله بن سبأ اليهودي، ولهذا يرى علماء الملة لا دعاة فكر أفلاطون أن ما يقوم به الإرهابيون في أوطانهم يخدم اليهود، ويقوي دولتهم، ويمتن لعقيدة الهرمجدون عند النصارى، وإن اليهود يأملون أن تظهر في كل دولة إسلامية طائفة خارجة على المسلمين وإمامهم حتى يسهل لهم التسلل إلى حصون هذه الدول من خلال الثقب الذي يحدثه الخوارج، وأنا لا أستبعد أن الدعم المالي والمادي يأتي هذه الجماعات من خزينة الحاخامات، وما العراق عنا ببعيد.
وقد قال نبينا محمد أكثر من عشرين مرة: (كُلَّما خَرَجَ قرنٌ قُطِع) ، وفي رواية أخرى عند الإمام أحمد: (كلّما طلع منهم قرنٌ قطعَه اللهُ عز وجل).
وأقول: كلما طغى الجهل في ساحة الأمة كثرت عوامل ظهور الخوارج كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: (فهم جهال فارقوا السنة والجماعة عن جهل).
اعلم أن أحفاد الخوارج من العقلانيين، والمعتزلة، ورجال السياسة المعارضين لحاكم البلاد المسلم باسم الإسلام حين توالت على المسلمين النكبات والنكسات، وأخطرها سقوط القدس في يد الصهاينة، قاموا وظفوا غربة الإسلام في ديار بعض المسلمين، واستغلوا الأسلوب الخاطئ من بعض الأنظمة الإسلامية؛ من تعذيبٍ، وسجنٍ، وقتلٍ، وتشريدٍ، واعتقال عشوائي في علاج اعوجاج الفرق المنحرفة.
وأوقفوا الناس عبر خطبهم النارية، وأشرطتهم الملتهبة، وكتبهم على تضييق بعض الأنظمة الإسلامية على علماء الأمة وطلابها، وفي الوقت نفسه بينوا لهم أن المجال قد فُتح لكل الاتجاهات المنحرفة إلا لهم، وأن العنان قد أُطلق لهذه النحل المنحرفة في شتى مؤسسات الأمة؛ من جامعاتٍ، ومراكز ثقافية، وأنظمة شبابية، ومعلوم أن وضعا كهذا يدفع بكثير من الشباب المتحمس، والجاهل بمنهج السّلف الصّالح في التعامل مع جور السلطان إلى العنف والسرية في مواجهة الخطر الذي تصوَّره، أو شعر به.
أضف إلى ما ذكرت الانهيار الاقتصادي الذي تشهده بعض الدول الإسلامية، والظلم في توزيع ثروات الأمة، والبطالة التي خيم شبحُها على كثير من البيوت، وظهورَ الطبقية، والتمييز بين أفراد الأمة في المعاملة، فالشاب الملتحي والمثقف يرى نفسه منبوذا بالأبواب، لا يسمح له باستخراج جواز سفر بصورة تظهر فيها لحيته، والمرأة المتحجبة تجد نفسها تتنفس من ثقب إبرة، وفي المقابل يرون شبابا واضعين القراط والشُّنوف في آذانهم، ويرتدون ألبسة الهنود الحمر، ونساء تسعون بالمائة من أجسادهن عارٍ، يُقدَّمون ويبجَّلون ويوصفون برواد الحضارة والتقدم.
إنّ العوامل كالتي ذكرت، وأخرى لم أذكرها قد استغلها رؤوس الضلال من دعاة الخروج والعصيان المدني، وهيّجوا بها أبناء الأمة العاطفيين على حكّامهم، ودفعوهم إلى الانتقام واسترجاع الحقوق الضائعة، وغرّروا بهم، وأشعروهم أنهم من المجاهدين، وأنهم ظاهرون على الطواغيت وأعوانهم لا محالة، ولقّنُوا الشّباب المتحمس أنّ عليهم واجبا لا بد أن يقوموا به وفاء لعقيدتهم، وهو إقامة دولة الإسلام التي طمس معالمها مصطفى أتاترك، وفي الوقت نفسه يحسّسونهم أنهم ممنوعون من إظهار هذا الواجب، فيُوقِعُون الشبابَ في صراع دائم، وتمزق قائم، بين دافع العقيدة، ومانع الواقع، وحينها يشعرُ الشّبابُ المغرر بهم أنهم عاجزون عن تلبية نداء العقيدة، وأنهم في دوامة ضغطٍ ما تفتأ تُفقدهم صوابهم، صرخوا صرخةً طاشت بعقولهم، وصيَّرت حالهم إلى وحوش ضارية؛ حالة آلت بهم إلى انفصام بين الإرادة والعلم والواقع، وآنذاك أضحى أبناء الأمة مسلوبي التفكير، وعجينة في أيدي دعاة الدمار والشُّبه وشراء الذمم، يقذفونهم شمالا ويمينا، ويتلاعبون بمصيرهم على الصورة التي تحلوا لهم.
إنّ وضع الأمة المؤلم ساعد على نمو هذا الفكر، وأعطاه الحجج ليمشي قدما نحو تدمير ممتلكات الأمة على القاعدة المصرية عليّ وعلى أعدائي، وإذا قرأنا السيرة والتاريخ نجد أن رأس الخوارج ذا الخويصرة الخاسر، انطلق في معارضة النبي من صورة تصورها جورا وظلما، وعلى إثرها قال لسيد البشر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (اعدل فإنّك لم تعدل).
وصدق عمر بن عبد العزيز حين قال لأحد عماله لما طلب منه الإذن في تحصين مدينته: (حصنها بالعدل، ونقِّ طرقها من الظلم).
وقال العلاّمة الشوكاني لخليفة عصره حين طُلِب منه ومن بعض العلماء المشورة حين استولت جيوش ابن سعود على بعض الأقطار اليمانية: (فأشرت على الخليفة بأن أعظم ما يتوصل به إلى دفع هذه النازلة؛ هو العدل في الرعية، والاقتصار في المأخوذ منهم على ما ورد في الشرع، وعدم مجاوزته في شيء، وإخلاص النية...).
وللحديث بقية
والحمد لله ربّ العالمين
وكتبه/ أبو عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي الجزائري.
[/size]وكتبه/ أبو عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي الجزائري.
التعديل الأخير بواسطة المشرف: