الغابات والصراعات المسلحة

night fury

عضو
إنضم
23 مارس 2008
المشاركات
4,508
التفاعل
1,268 1 0
الدولة
Jordan


الغابات والصراعات المسلحة بين التدهور البيئي والتنمية المستدامة

الدكتور- عدنان هزاع البياتي
204537_121114s.JPG


حرائق الغابات

ُتعدُّ الغابات من الثروات المتجددة التي وهبها الخالق سبحانه وتعالى للإنسان، ويكتسب الغطاء الغابيّ أهمية كبرى من الناحية الأيكولوجية، فهو يحمي ويثبت التربة والمناخ المحلي، فضلا عن هيدرولوجية التربة، وهي موئل للبشر وللعديد من أنواع النباتات والحيوانات. وتمثل الغابات البكر، وخصوصاً في الأقاليم الاستوائية، مخزوناً لا يعوض من التراث الجيني للحياة النباتية والحيوانية. ومن الناحية الاقتصادية لا توفر الغابات الخشب للصناعة والوقود فقط، بل إنها توفر النباتات الطبية ذات الفائدة للجنس البشري، كما تعمل كمرشحات للحد من ارتفاع معدلات ثاني أكسيد الكربون، وبالتالي تساهم في الحفاظ على مناخ الكرة الأرضية من ارتفاع معدلات الحرارة.

سنحاول في هذه المقالة إلقاء الضوء على الصراعات المسلحة وأثرها في تدهور الغابات، وذلك من خلال المحاور التالية:


أهمية الغابات


للغابات فوائد اقتصادية وبيئية كبيرة، فهي تعد ملاذاً للإنسان، حيث إنها توفر له شعورًا بالراحة والطمأنينة، وتزوده بالهواء النقي وبمكاسب ترفيهية لا يمكن أن توفرها له أية منشأة صناعية.
وتعد الغابات مصدرًا للخشب، حيث يقدر مخزون أخشاب العالم بنحو 315 مليار متر مكعب، يولد نمواً يصل بمعدل 6مليارات متر مكعب سنويا، ومصدرًا رئيسًا لإنتاج خشب الوقود والفحم النباتي، والذي يعتمد عليه كوقود للتدفئة والطهي حوالي ملياري نسمة، حيث إن الاستهلاك العالمي منه بلغ حوالي 1800مليون متر مكعب، ويستهلك منه العالم النامي قرابة 90% كما تعتبر الغابات مصدراً للخشب الذي يُستخدم للأغراض الصناعية، فإنتاج طن من الورق يتطلب قطع 7 شجرات من أشجار الغابات.


وتُعدُّ الغابات مصدرًا رئيسًا لإنتاج الأكسجين أثناء قيامها بعمليات التركيب الضوئي، ونحن نعلم أن عمليات تنفس الإنسان والحيوان والنبات وتحلل كل الكائنات تتطلب توفر كميات من الأكسجين، وهذه الكميات توفرها - تقريبًا - الأشجار سنويًا.

كما تلعب الغابات دورًا كبيرًا في المحافظة على المناخ، وتُعدُّ إزالة الغابات مسؤولة عن ربع ثاني أكسيد الكربون المضاف إلى الجو، مما يهدد ارتفاع معدلات الحرارة في العالم.
وتسهم الغابات في التقليل من الفيضانات والجفاف، إذ إن الأمطار عند تساقطها على المناطق الغابية لا تصل إلى التربة مباشرة؛ حيث تظل قرابة 60% من هذه التساقطات عالقة بالأوراق، وبالتالي تقلل من حدة الفيضانات، وتقلل من جرف التربة - وبخاصة في المنحدرات الجبلية - فعندما كانت الغابات تغطي جبال الهملايا، كان معدل الفيضانات التي تحدث في بنجلاديش يصل إلى مرتين في القرن، أما الآن فإنها تعاني من فيضان ضخم مدمر كل أربع سنوات.

وينطوي على إزالة الغطاء الغابيّ العديد من الآثار السلبية، منها: انخفاض التنوع البيولوجي، وخسارة الكثير من الأنواع المهددة الانقراض، ويؤثر تأثيرًا كبيرًا على تغير المناخ من خلال زيادة نسبة غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وتعرية التربة والتصحر وتدهور إنتاجية الأرض، وتشريد مجتمعات بأكملها، فقد تجبر الناس على الفرار والتماس العيش في مناطق أخرى، وهو ما يسمَّيا اصطلاحا بظاهرة "لاجئي البيئة ".

التوزيع الجغرافي للغابات


تبلغ مساحة اليابسة الخالية من الجليد 13000مليون هكتار، تغطي الغابات 29.55 % منها حالياً، بمساحة تصل إلى نحو 3866 مليون هكتار، يقع نصفها في المناطق الحارة، والباقي في المنطقتين المعتدلة والقطبية. وغالبية هذه الغابات طبيعية، ولا تشكل الغابات المزروعة سوى ما نسبته 5% من إجمالي مساحة الغابات، وتشكل الأراضي المغطاة بالغابات نحو 8،74% من مساحة قارة أمريكا الجنوبية، في حين لا تشكل سوى 19% من مساحة قارة آسيا.

لقد خسر العالم 80% من الغابات التي كانت تغطي سطح الأرض يومًا ما، ويثير تدمير الغطاء الغابي قلقاً عالمياً، إذ يخسر العالم سنويا منذ التسعينيات من القرن الماضي نحو 38% من الغطاء الغابيّ، في حين أعيدت مساحات أخرى للغابات عن طريق إعادة زراعتها، لتكون الخسارة السنوية 0.22% سنويًا من أراضي الغابات، لذا انحسرت الغابات في مناطق قليلة، حيث تتركز بشكل خاص في حوض نهر الأمازون، وكندا، وجنوب شرق آسيا، وروسيا الاتحادية.

أهم العوامل المؤثرة في تدهور الغابات


يتسبب عددُ من العوامل الطبيعية والبشرية في تدهور الغابات، أهمها: قطع الغابات وتحويلها إلى أراض زراعية، ففي التسعينيات من القرن الماضي تم تحويل 70% من الأراضي التي أزيلت منها الغابات إلى أراضٍ زراعية دائمة أو متنقلة. ويعدُّ قطع الغابات من أجل زراعة الموز وقصب السكر من الأمور الشائعة في دول الكاريبي، كما تساهم حرائق الغابات المتعلقة بالجفاف الشديد أو بالجفاف المرتبط بظاهرة (النينو) بتدهور الغطاء الغابيّ، بالإضافة إلى قطع الأخشاب لأغراض الصناعات الخشبية، وقطع الأشجار لغرض التدفئة والطهي، إذ يعتمد حالياً أكثر من 1300مليون نسمة - غالبيتهم من سكان المناطق الريفية في الدول النامية - على الحطب للتدفئة والطهي، حيث يقضي الأطفال والنساء في المناطق الريفية ما يقارب العشر ساعات للتحطيب، كما تساهم حرائق الغابات المتعمدة والصراعات المسلحة في تدهور مساحات كبيرة من الغابات سنويًا.


الصراعات المسلحة والغابات


غالبا ما ترتبط المناطق الغابيّة في دول العالم الثالث بالصراعات المسلحة، لأنها تكون مناطق نائية يصعب الوصول إليها، وتتوافر فيها موارد طبيعية كثيرة كالأخشاب، والنفط، والعاج، والماس، والذهب... وغيرها من المواد التي يمكن أن تستغل من قبل الجماعات الانفصالية أو المتمردة لتمويل عملياتهم العسكرية، إما بواسطة استغلال هذه الموارد بشكل مباشر أو بفرض ضرائب على الشركات التي تعمل في هذه المناطق.

وتعدّ الحكومات هذه المناطق هامشية، يسكنها عدد محدود من السكان، قليلة الأهمية من الناحية الجيوسياسية، وقليلة الأهمية من الناحية الاقتصادية، وتتعامل معها على أنها مناطق منجمية، لذا تكون فيها الخدمات الاجتماعية ضعيفة، وغالبًا ما يعاني سكانها الأصليون من التهميش، وتكون فيها فرص العمل محدودة، لذا فإن حمل السلاح يعد من الطرق السهلة والمغرية لكسب لقمة العيش.
لقد شهدت المناطق الغابيّة خلال العشرين سنة الماضية صراعات مسلحة في العديد من دول العالم الثالث، مثل: أنغولا، والبوسنة والهرسك، وكمبوديا، وأفريقيا الوسطى، والكونغو، والكونغو الديمقراطية، والسنغال (منطقة كاسامناس )، وكولومبيا، وكوت ديفوار، وغواتيمالا ( في منطقتي كيشيه وألتا فيراباز )، وأندونيسيا ( في منطقتي غرب كالمينتان وغرب بابوا ) وليبريا، والمكسيك (منطقة تشياباس )، وموزمبيق، والنبيبال، والهند (في منطقتي آسام وناجالاند )، وباكستان، وبنغلاديش ( منطقة تلال شيتا جونج )، وبيرو، والفلبين ( مقاطعة مينداناو )، وراوندا، وسيراليون، وجزر سليمان، وسريلانكا، والسودان، وسورينام، وأوغندا، والصومال.
وغالباً ما تلجأ الجيوش لحرق الغابات بالمواد الكيميائية دون الأخذ بعين الاعتبار الآثار البيئية لهذه المواد، وتقوم بإخلاء سكانها، ليسهل عليها تحديد مناطق تواجد قوات المعارضة. وتعزز حالة الحرب سطوة رجال الجيش، الأمر الذي يجعل من الصعب على السلطات المدنية إخضاعهم للمسألة.

وتشجّع الحكومات القوات المسلحة على قطع الأخشاب وممارسة بعض الأنشطة الاقتصادية المضرة بالبيئة لتسديد فاتورة العمليات العسكرية، الأمر الذي يؤدي إلى الاستغلال الجائر للثروة الغابيّة وتدهور حالتها. وقد يترتب على سلوك هذه القوات هجرة السكان الأصليين لهذه المناطق وظهور مشكلة اللاجئين البيئيين، الأمر الذي يؤدي إلى استنزاف الموارد المحلية. كما تؤدي حالة الحرب إلى تدهور القطاع الغابيّ بسبب انخفاض الموارد المالية التي تستثمر في هذا القطاع.

الأوضاع في الغابات بعد الصراعات المسلحة


بعد أن يتوقف القتال غالبًا ما يبقى كثير من العوامل التي تسببت في الصراعات المسلحة دون معالجات حقيقية لجوهر هذه الصراعات، الأمر الذي يعطل النمو الاقتصادي في هذه المناطق ويؤدي إلى خلق المزيد من البطالة بين الشباب، وخصوصاً مع عدم وجود خطط متكاملة لدمج المحاربين القدماء في الحياة المدنية، فتتسع أنشطة حصاد الغابات وصيد الحيوانات البرية بدون ضوابط بيئية، الأمر الذي يؤدي إلى تدهور الغطاء الغابي ويؤثر على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لسكان هذه المناطق. وفي بعض الأحيان تلجأ الأطراف المتحاربة عند عقد معاهدة الصلح إلى إدراج الاهتمامات البيئية في معاهدات السلام، ففي راوندا - مثلاً - تم الاتفاق بين الحكومة والمتمردين على تجنب الإضرار بحيوانات الغوريلا لأهميتها في صناعة السياحة.


المحافظة على الغطاء الغابي


على مدى الثمانية آلاف سنة الماضية جرى تحويل ما يقارب نصف الغابات التي تغطي سطح الكرة الأرضية إلى حقول ومزارع ومراع واستخدامات حضرية وغيرها، كما دمرت الحروب والصراعات المسلحة مساحات شاسعة من الغابات، الأمر الذي يؤدي إلى تدهور التربة ويؤثر على التنوع البيولوجي ويساهم في تغير المناخ العالمي، وهذا يتطلب تعاوناً محلياً وإقليمياً ودولياً للمحافظة على الغطاء الغابيّ من خلال: تشجيع التنمية المستدامة للغابات - حيث لا تشكل الغابات المحمية في العالم سوى نحو 10% من إجمالي مساحة الغابات في العالم -؛ وقيام المنظمات غير الحكومية بشراء الديون الخارجية لبعض الدول الفقيرة مقابل تحويلها إلى اعتمادات مالية لتأسيس غابات محمية؛ وإصدار قوانين محلية تحرِّم تصدير الأخشاب من الغابات التي تتعرض للتدهور، حيث يقدر بأن قطع الأشجار بطريقة غير مشروعة يؤدي إلى خسارة سنوية بين 10-15 مليار دولار؛ وتخفيض استهلاك الخشب كوقود من خلال ابتكار مواقد محسنة أو بدائل للخشب تستخدم كوقود، مثل فضلات بذور الزيتون بعد عصرها؛ وإعادة تشجير المناطق التي تدهور فيها الغطاء الغابيّ وحمايتها من القطع الجائر والحرائق؛ بالإضافة إلى حماية الغابات في أوقات الحروب والصراعات الدولية والمحلية من خلال إصدار تشريع دولي يحرم استخدام هذه المناطق كساحات للحروب، ويلزم الدول التي تضررت الغابات فيها بسبب الصراعات المسلحة إلى صيانتها وتنميتها.


خاتمة


نخلص مما تقدم إلى أن الغابات في بعض دول العالم الثالث تؤمن الدوافع على الدخول في الحروب، كما تؤمن القدرة على تمويلها واستمراريتها لفترة طويلة من الزمن، وينجم عن ذلك أضرار بيئية واقتصادية واجتماعية كبيرة، وخصوصاً على السكان الأصليين لهذه المناطق، الأمر الذي يتطلب من المجتمع الدولي أن يبذل الجهود لتلافي نشوب الصراعات في هذه المناطق، وأن تستخدم التدابير المتصلة بالغابات في تسوية المنازعات في حالة وقوعها، والعمل على تقليل الأثر البيئي للصراعات المسلحة في دعم ركائز الأمن السلمي في فترة ما بعد الصراعات المسلحة، ويتطلب هذا الاستثمار في التنمية المستدامة للغابات





 
عودة
أعلى