رادارات ما وراء الأفق (Over-the-Horizon Radar – OTH)
مقدمة
مقدمة
تخيل أن هناك نظامًا راداريًا قادر على رصد الأهداف على آلاف الكيلومترات قبل أن تظهر على الأفق أو تدخل المجال الجوي لدولتك نظام يمنح القادة العسكريين القدرة على رؤية ما وراء الحدود المباشرة وكشف التهديدات قبل أن تقترب من السواحل أو الأجواء. هذا بالضبط ما توفره رادارات ما وراء الأفق (Over-the-Horizon Radar – OTH) التي تمثل قمة التطور التكنولوجي في مجال المراقبة الاستراتيجية. تعتمد هذه الأنظمة على خصائص فريدة مثل انعكاس الموجات الراديوية عن طبقة الأيونوسفير أو انتشار الموجة الأرضية على سطح البحر لتجاوز القيود التقليدية للرادارات قصيرة المدى. عبر هذه التقنية يمكن رصد السفن في أعالي المحيطات وتتبع الطائرات على ارتفاعات مختلفة وحتى اكتشاف الصواريخ الباليستية في مراحلها الأولى مما يمنح القيادة ميزة زمنية حاسمة لاتخاذ القرار. رادارات OTH ليست مجرد رصد بل هي أداة استخباراتية استراتيجية قادرة على ربط البيانات مع الأقمار الصناعية والطائرات المراقبة ونظم الرادارات التقليدية لتقديم صورة متكاملة عن أي تهديد محتمل. رغم حجمها الكبير وتعقيد تصميمها فإن التطورات الحديثة في معالجة الإشارات والذكاء الاصطناعي جعلتها أكثر دقة وفعالية وقادرة على التعامل مع الإشارات المعقدة والضوضاء الطبيعية وتكمن قوتها في أنها تمنح الدولة القدرة على مراقبة مساحات شاسعة تمتد لآلاف الكيلومترات سواء لمواجهة تهديدات جوية أو بحرية أو صاروخية قبل اقترابها من الأجواء. في عالم اليوم حيث السرعة والدقة في كشف التهديدات تحدد ميزان القوى أصبحت رادارات ما وراء الأفق حجر الزاوية لأي منظومة دفاعية متقدمة، توفر إنذارًا مبكرًا، مراقبة استراتيجية، وتفوقًا استخباراتيًا يضاعف من قدرة الدولة على حماية مصالحها الحيوية ومواطنيها.
آلية العمل
رادارات ما وراء الأفق تختلف عن الرادارات التقليدية لأنها لا تعتمد على خط الرؤية المباشر بل تستطيع رصد الأهداف على مسافات بعيدة جدًا.ولآلية عملها هناك نمطان رئيسيان: نمط الموجة الأرضية (Surface-Wave) ونمط الموجة السماوية (Sky-Wave)
أ- نمط الموجة الأرضية (Surface-Wave OTH Radar)
رادارات ما وراء الأفق تختلف عن الرادارات التقليدية لأنها لا تعتمد على خط الرؤية المباشر بل تستطيع رصد الأهداف على مسافات بعيدة جدًا.ولآلية عملها هناك نمطان رئيسيان: نمط الموجة الأرضية (Surface-Wave) ونمط الموجة السماوية (Sky-Wave)
أ- نمط الموجة الأرضية (Surface-Wave OTH Radar)
في هذا النمط تعتمد الرادارات على قدرة الموجات منخفضة التردد على الانزلاق فوق سطح الأرض أو البحر دون أن تفقد مسارها بسرعة، إذ تتبع الموجة شكل سطح الأرض وكأنها “تلتصق” به. هذه الخاصية لا تتوفر إلا في نطاق ترددات HF ولهذا يمكن للموجة أن تتجاوز الانحناء الطبيعي للأرض وتصل لمسافات تتراوح بين 200 و 450 كيلومتر تقريبًا. ويُعد البحر السطح المثالي لانتشار هذا النوع من الموجات، لأن ملوحته العالية وتوصيله الجيدة تساعد على انتقال الموجة لمسافة أكبر وبفقد أقل.
عندما تتحرك الموجة فوق البحر وتصل إلى هدف مثل سفينة أو طائرة تحلق بارتفاع منخفض تنعكس الموجات وتعود إلى الرادار عبر المسار نفسه. هذا النمط يتميز بأنه ثابت نسبيًا وغير متأثر كثيرًا بتقلبات الغلاف الجوي مما يجعله مثاليًا لمراقبة السواحل، تتبع السفن، وكشف الطائرات التي تحاول الطيران بمحاذاة سطح البحر لتجنب الرادارات التقليدية. وعلى الرغم من أنه لا يغطي مسافات بعيدة جدًا مثل النمط الآخر (السماوي) إلا أنه يتمتع بدقة جيدة في تحديد الاتجاه والمسافة ضمن نطاقه المحدود، ولذلك يعتبر مناسبًا جدًا للدول ذات السواحل الطويلة أو المناطق البحرية الحساسة.
عندما تتحرك الموجة فوق البحر وتصل إلى هدف مثل سفينة أو طائرة تحلق بارتفاع منخفض تنعكس الموجات وتعود إلى الرادار عبر المسار نفسه. هذا النمط يتميز بأنه ثابت نسبيًا وغير متأثر كثيرًا بتقلبات الغلاف الجوي مما يجعله مثاليًا لمراقبة السواحل، تتبع السفن، وكشف الطائرات التي تحاول الطيران بمحاذاة سطح البحر لتجنب الرادارات التقليدية. وعلى الرغم من أنه لا يغطي مسافات بعيدة جدًا مثل النمط الآخر (السماوي) إلا أنه يتمتع بدقة جيدة في تحديد الاتجاه والمسافة ضمن نطاقه المحدود، ولذلك يعتبر مناسبًا جدًا للدول ذات السواحل الطويلة أو المناطق البحرية الحساسة.
(اللون الأخضر يوضح مسار إنزلاق موجات الرادار المنخفضة على السطح)
ب- نمط الموجة السماوية أو الانعكاس الأيونوسيفيري (Sky-Wave OTH Radar)
يُعد هذا النمط هو الأساس الحقيقي لميزة “ما وراء الأفق” وهو الذي يمنح الرادار القدرة على الرصد لمسافات تمتد إلى آلاف الكيلومترات. في هذا النمط تُرسل الموجة الراديوية إلى الأعلى بزاوية مدروسة باتجاه طبقة الأيونوسفير وهي طبقة غنية بالجسيمات المشحونة وتقع على ارتفاع يتراوح بين 200 و400 كيلومتر تقريبًا. عندما تصل الموجة إلى هذه الطبقة فإنها لا تمر عبرها بل تنكسر وتنحرف ثم تنعكس عائدة نحو الأرض كما لو كانت تصطدم بمرآة موجودة في السماء.
تسقط الموجة بعد انعكاسها على منطقة بعيدة جدًا عن موقع الرادار وقد تصل المسافة إلى ثلاثة أو أربعة آلاف كيلومتر وأحيانًا أكثر عند توفر ظروف أيونوسفيرية مناسبة وعندما تصل هذه الموجة إلى منطقة الهدف وتصطدم بطائرة أو سفينة أو صاروخ باليستي في بداية مساره فإن جزءًا من الطاقة يرتد نحو طبقة الأيونوسفير مرة أخرى ومنها يعود إلى الرادار.
هذا النمط حساس جدًا للتغييرات في الغلاف الأيوني، إذ يمكن أن تختلف كفاءة الانعكاس تبعًا للوقت (ليلًا أو نهارًا) وطبيعة النشاط الشمسي ووجود العواصف الجيومغناطيسية. ولهذا غالبًا ما يُغيّر الرادار تردد التشغيل عدة مرات خلال اليوم ليحصل على أفضل انعكاس ممكن.
ورغم أن الإشارة العائدة تكون ضعيفة جدًا وتحتاج إلى معالجة معقدة لإزالة الضوضاء إلا أن هذا النمط يوفر تغطية استراتيجية هائلة مما يجعله وسيلة مثالية للإنذار المبكر ضد الطائرات البعيدة والإطلاقات الصاروخية متعددة المراحل، ومراقبة مناطق واسعة من البحار والمحيطات والمجالات الجوية للدول الأخرى.
تسقط الموجة بعد انعكاسها على منطقة بعيدة جدًا عن موقع الرادار وقد تصل المسافة إلى ثلاثة أو أربعة آلاف كيلومتر وأحيانًا أكثر عند توفر ظروف أيونوسفيرية مناسبة وعندما تصل هذه الموجة إلى منطقة الهدف وتصطدم بطائرة أو سفينة أو صاروخ باليستي في بداية مساره فإن جزءًا من الطاقة يرتد نحو طبقة الأيونوسفير مرة أخرى ومنها يعود إلى الرادار.
هذا النمط حساس جدًا للتغييرات في الغلاف الأيوني، إذ يمكن أن تختلف كفاءة الانعكاس تبعًا للوقت (ليلًا أو نهارًا) وطبيعة النشاط الشمسي ووجود العواصف الجيومغناطيسية. ولهذا غالبًا ما يُغيّر الرادار تردد التشغيل عدة مرات خلال اليوم ليحصل على أفضل انعكاس ممكن.
ورغم أن الإشارة العائدة تكون ضعيفة جدًا وتحتاج إلى معالجة معقدة لإزالة الضوضاء إلا أن هذا النمط يوفر تغطية استراتيجية هائلة مما يجعله وسيلة مثالية للإنذار المبكر ضد الطائرات البعيدة والإطلاقات الصاروخية متعددة المراحل، ومراقبة مناطق واسعة من البحار والمحيطات والمجالات الجوية للدول الأخرى.
(صورة تشير إلى شكل إنكسار وإنحراف الموجات من طبقة الأيونوسفير)
الدقه و التحديات
رادارات ما وراء الأفق تمتاز بقدرتها على رصد أهداف على مسافات بعيدة لكنها في المقابل ليست دقيقة بنفس مستوى الرادارات التقليدية قصيرة المدى. دقة تحديد موقع الهدف تعتمد على نوع النمط المستخدم والمسافة إلى الهدف ففي نمط الموجة الأرضية (Surface-Wave) عادةً ما تصل دقة تحديد الإحداثيات الأفقية إلى حوالي 100–500 متر ضمن نطاق المراقبة، بينما يكون تحديد ارتفاع الهدف ضعيفًا جدًا وغالبًا ما يُقدر بدقة ±50–100 متر فقط عند دمج البيانات مع رادارات أو أجهزة قياس أخرى. أما نمط الموجة السماوية (Sky-Wave)، الذي يمتد لألفي كيلومتر وأكثر فإن الدقة الأفقية تقل إلى نحو 1–5 كيلومترات حسب المسافة والظروف الأيونوسفيرية، بينما لا يمكن تحديد ارتفاع الهدف بدقة مباشرة ويعتمد الرادار في هذه الحالة على دمج البيانات مع مصادر أخرى مثل الأقمار الصناعية أو الرادارات التقليدية للحصول على تقدير تقريبي.
تواجه هذه الأنظمة تحديات كبيرة تؤثر على دقتها فالإشارات التي تعود من الأهداف تكون ضعيفة جدًا بعد قطع آلاف الكيلومترات وتختلط بالضوضاء الناتجة عن سطح الأرض أو البحر والظروف الجوية والنشاط الشمسي الذي يؤثر على طبقة الأيونوسفير مما يؤدي أحيانًا إلى تشويش مؤقت أو انحراف في تحديد الموقع. كما أن حركة الهدف بسرعة عالية أو ارتفاع منخفض فوق سطح الأرض أو البحر يزيد من صعوبة تحديده بدقة لذلك تحتاج هذه الرادارات إلى معالجة إشارات متقدمة وتقنيات تصحيح مستمرة لضمان أن تكون المعلومات عن موقع الهدف واتجاهه دقيقة بما يكفي لدعم عمليات الإنذار المبكر والمراقبة الاستراتيجية.
تواجه هذه الأنظمة تحديات كبيرة تؤثر على دقتها فالإشارات التي تعود من الأهداف تكون ضعيفة جدًا بعد قطع آلاف الكيلومترات وتختلط بالضوضاء الناتجة عن سطح الأرض أو البحر والظروف الجوية والنشاط الشمسي الذي يؤثر على طبقة الأيونوسفير مما يؤدي أحيانًا إلى تشويش مؤقت أو انحراف في تحديد الموقع. كما أن حركة الهدف بسرعة عالية أو ارتفاع منخفض فوق سطح الأرض أو البحر يزيد من صعوبة تحديده بدقة لذلك تحتاج هذه الرادارات إلى معالجة إشارات متقدمة وتقنيات تصحيح مستمرة لضمان أن تكون المعلومات عن موقع الهدف واتجاهه دقيقة بما يكفي لدعم عمليات الإنذار المبكر والمراقبة الاستراتيجية.
أمثله لمثل هذه الأنظمة
نظام Jindalee Over-The-Horizon Radar Network (JORN) الإسترالي
نظام Container (29B6) radar الروسي
نظام NOSTRADAMUS الفرنسي (تم إعادة تفعيله بعد إخراجه من الخدمة)
خاتمة
نظام Jindalee Over-The-Horizon Radar Network (JORN) الإسترالي
نظام Container (29B6) radar الروسي
نظام NOSTRADAMUS الفرنسي (تم إعادة تفعيله بعد إخراجه من الخدمة)
خاتمة
في الختام، تبقى رادارات ما وراء الأفق من أكثر أدوات المراقبة الاستراتيجية أهمية، حيث تمكّن الدول من رصد الأهداف على مسافات بعيدة تمنحها وقتًا حيويًا لاتخاذ القرار والرد على التهديدات ومع ذلك فإن هذه الأنظمة تواجه تحديات تتعلق بالدقة، تأثيرات الأيونوسفير، وقوة الإشارة، مما يجعل التكامل مع أنظمة أخرى أمرًا ضروريًا لتعزيز الأداء. وفي هذا الإطار، تعمل Lockheed Martin على تطوير الجيل الجديد من رادارات OTH مشروع (Next generation -Project Coorong) والذي يتميز بقدرته على كشف الأهداف الصغيرة والسريعة حتى في الليل أو في ظروف بيئية معقدة مع تحسين الحساسية والدقة مقارنة بالأنظمة التقليدية مما يعكس التوجه المستقبلي لتقنيات الإنذار المبكر ومراقبة الأجواء والبحار بشكل أكثر فعالية وموثوقية.


