العقيدة العسكرية بقلم اللواء الركن محمد الخضيري

محمد الجميلي

عضو جديد
إنضم
5 مارس 2025
المشاركات
97
التفاعل
103 3 0
الدولة
Egypt
العقيدة العسكرية
١. المقدمة

تُعَدّ العقيدة العسكرية الركيزة الأساسية التي تُبنى عليها الجيوش الحديثة، إذ تحدد رؤيتها للحرب، وتنظم فكرها القتالي، وتوجّه استخدام القوة في سبيل تحقيق أهداف الدولة. فهي ليست مجرد أفكار نظرية، بل منظومة فكرية وميدانية تُترجم إلى تدريبٍ، وتسليحٍ، وتنظيمٍ، وتخطيطٍ، وتنفيذٍ على أرض الواقع.

٢. تعريف العقيدة العسكرية

العقيدة العسكرية هي مجموعة المبادئ والمفاهيم الأساسية التي تُوجّه إعداد القوات المسلحة واستخدامها في العمليات العسكرية.

وهي تعبّر عن فلسفة الدولة في خوض الحروب، وتُحدّد أسلوبها في القتال، وطبيعة العلاقة بين القائد والمقاتل، وبين الجيش والمجتمع.

٣. عناصر العقيدة العسكرية

أ. المرتكز الفكري: الفلسفة التي تنبع من تاريخ الأمة وثقافتها وتجاربها القتالية.

ب. الهدف الوطني: الدفاع عن السيادة، وصون الأمن القومي، وتحقيق مصالح الدولة العليا.

ج. أسلوب القتال: يحدد شكل الحرب (هجومية، دفاعية، غير نظامية، حرب شاملة…).

د. بناء القوة: يشمل التنظيم والتسليح والتدريب وفقاً لمتطلبات العقيدة.

هـ. القيادة والسيطرة: أسلوب اتخاذ القرار، ومستوى المركزية أو اللامركزية في القيادة.


٤. أنواع العقائد العسكرية

أ. العقيدة الدفاعية: ترتكز على حماية الأرض وردع العدو، مثل العقيدة السويسرية أو اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية.

ب. العقيدة الهجومية: تقوم على المبادأة وتوجيه الضربة الأولى، مثل العقيدة الإسرائيلية التي تقوم على الحرب الوقائية.

ج. العقيدة الردعية: تعتمد على امتلاك القدرة النووية أو التكنولوجية لردع أي عدوان، كما في العقيدة الأمريكية.

د. العقيدة العقائدية أو الأيديولوجية: تُبنى على فكر سياسي أو ديني، مثل العقيدة السوفيتية سابقاً.


٥. نماذج من العقائد في جيوش العالم



أولاً – العقيدة العسكرية الأمريكية

• تقوم على القوة الشاملة واستخدام التفوق التكنولوجي والمعلوماتي لتحقيق السيطرة في جميع ميادين القتال (البر، البحر، الجو، الفضاء، الفضاء السيبراني).

• تُركّز على مفهوم “العمليات المشتركة” وتكامل الأذرع.

• تنطلق من فلسفة “الحرب السريعة الحاسمة” بهدف شلّ إرادة الخصم مبكراً.

• من مبادئها: المرونة، الحسم، الاقتصاد في القوة، وحدة الجهد.



ثانياً – العقيدة العسكرية الروسية

• مستمدة من المدرسة السوفيتية، وتُركّز على العمليات الواسعة النطاق واستخدام القوة النارية الكثيفة.

• تؤمن بمبدأ العمق العملياتي الذي يعني خوض المعركة على أكثر من مستوى (تكتيكي – عملياتي – استراتيجي).

• تعتمد على الحشد الكبير للقوات، واستخدام وسائل الردع النووي كضمان لأمن الدولة.

• تميل إلى المركزية في القيادة والاعتماد على الصلابة الانضباطية.



ثالثاً – العقيدة العسكرية الصينية

• تُعرف باسم “حرب الشعب” وتمزج بين الفكر العسكري التقليدي (سون تزو) والتكنولوجيا الحديثة.

• ترتكز على الحرب طويلة الأمد، واستنزاف العدو، وتوظيف القدرات الاقتصادية والتكنولوجية لخدمة المجهود الحربي.

• في العقود الأخيرة تطورت نحو مفهوم “الحرب الذكية” القائمة على الذكاء الصناعي والمعلوماتية.



رابعاً – العقيدة العسكرية البريطانية

• تقوم على المرونة والقدرة على الانتشار السريع، اعتماداً على وحدات محترفة صغيرة ذات تدريب عالٍ.

• تؤمن بفلسفة “القيادة بالمهمة” (Mission Command) أي منح القادة الميدانيين حرية اتخاذ القرار ضمن نية القائد الأعلى.

• تركز على التحالفات الدولية والعمل المشترك ضمن إطار الناتو.



خامساً – العقيدة العسكرية الإسرائيلية

• تقوم على مبدأ نقل المعركة إلى أرض العدو، وعدم السماح بخوض الحرب داخل أراضيها.

• تعتمد على الحرب الوقائية والضربات الاستباقية، وسرعة الحسم قبل تدخل الأطراف الأخرى.

• تركز على “المرونة والتعبئة العامة السريعة” ودمج القدرات الجوية والمدرعة والاستخباراتية في وقت واحد.

٦. أثر العقيدة العسكرية في بناء الجيوش

أ. تحدد طبيعة التدريب ومناهجه.

ب. توجه عملية التسليح ونوع الأسلحة المطلوبة.

ج. تحدد أسلوب القيادة والسيطرة في الحرب.

د. تُسهم في بناء روح المقاتل وثقته بنفسه وبمؤسسته.

هـ. تُسهم في صياغة الخطط التعبوية والاستراتيجية.


٧. الخاتمة

العقيدة العسكرية ليست وثيقة جامدة، بل فكر متجدد يتطور مع تطور الحروب والتقنيات والتهديدات.

والجيش الذي لا يُراجع عقيدته باستمرار يفقد بوصلته في ساحة المعركة.

فالقوة ليست في السلاح وحده، بل في الفكر الذي يوجّه السلاح، والعقيدة التي تمنح المقاتل الإيمان بهدفه والوضوح في طريقه
 

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى