البحر ليس تجارة فقط… بل "سلطة على العالم"
من منظور سياسي استراتيجي معاصر
البحر... الميدان الذي لا ينام
منذ أن عرف الإنسان الخرائط لم تكن الأرض هي التي تحكم بل البحر
الأرض تُقسَّم وتُحتل أما البحر فهو ( فضاء النفوذ ) الذي لا يخضع لحدود
كل دولة تريد أن تكون عظمى تدرك أن الهيمنة لا تُصنع في البر بل في البحر
فمن يملك البحر … يملك طريق الحرب والسلم والطاقة والتجارة وحتى السياسة
من التجارة إلى التسلّط :
نعم البحر في ظاهره طريقٌ للتجارة لكنه في عمقه ( أداة تحكم بالنظام الدولي )
الولايات المتحدة ليست بحاجة لأن تُرسل بضائعها عبر البحار لتدرك هذه الحقيقة
هي تعرف أن كل سفينة تحمل نفطًا أو غازًا أو بضائع تمرّ تحت عيونها
تُسعَّر بالدولار الذي تطبعه ( هي ) وتُؤمَّن بسفنها
فحين تُسيطر واشنطن على البحار فهي لا تحمي نفسها فقط
بل تُحكم قبضتها على شرايين الاقتصاد العالمي
من مضيق هرمز إلى باب المندب ومن ملقا إلى قناة السويس
- البحر كأداة سياسية :
في عالم السياسة حاملات الطائرات ليست مجرد سفن
بل ( بيانات سياسية عائمة )
حين ترسل أمريكا حاملة طائرات إلى بحر الصين الجنوبي
فهي لا تقول: " سوف نحارب "
بل تقول: " نستطيع أن نحارب متى نشاء "
إنها لغة الردع من دون إعلان الحرب
سياسة الضغط من دون إطلاق رصاصة
ودبلوماسية الحديد والنار
التي تجعل القوى الصاعدة ( كالصين )
تحسب خطواتها ألف مرة قبل أي تحرّك بحري
البحر هو خريطة القوة لا خريطة الجغرافيا
في السياسة الكبرى
الهيمنة لا تُقاس بعدد الجنود أو حجم البر
بل بقدرتك على إغلاق البحر أو فتحه
من مضيق ملقا تمرّ 60% من تجارة الصين
من مضيق هرمز يمرّ أكثر من 20% من نفط العالم
من قناة السويس يمرّ أكثر من 12% من التجارة العالمية
وأمريكا تملك القدرة ( سياسيًا وعسكريًا )
على خنق أي خصم بإغلاق أحد هذه الممرات
لهذا لا نراها تهتم بالحدود بقدر اهتمامها بالمحيطات
إنها تفهم القاعدة القديمة التي صاغها الأدميرال البريطاني "ماهان":
" من يملك البحر يملك العالم "
من القوة إلى النفوذ
القوة البحرية ليست فقط مدافع وصواريخ
بل شبكة سياسية معقّدة من التحالفات والاتفاقيات والقواعد
كل قاعدة أمريكية في اي مكان من العالم : اليابان - البحرين - جيبوتي - أو إسبانيا
هي ( ختم على خريطة النظام الدولي )
وجودها يعني أن أمريكا لا تحتاج أن تُقاتل لتنتصر
بل يكفي أن تُطلّ من البحر لتُخضع
في المقابل: الصين وتحدي البحر
الصين التي بُنيت على التجارة
تخشى البحر أكثر مما تملكه
كل ممر بحري حيوي يمرّ عبر رقابة أمريكية
لذلك تُنشئ ما يُعرف بـ" استراتيجية خيط اللؤلؤ "
قواعد بحرية تمتد من بحر الصين إلى إفريقيا
في محاولة لفكّ الطوق الأمريكي
لكنها لا تزال بعيدة عن أن تكون "قوة بحرية هجومية"
فهي تُحاول النجاة لا السيطرة
الخلاصة السياسية
البحر هو ( الفضاء السياسي غير المُعلن )
فيه تُدار التحالفات . وتُرسم التوازنات . وتُصنع الهيمنة
البر يمنحك دولة
أما البحر فيمنحك إمبراطورية
لهذا السبب :
أمريكا تُنفق على بحريتها أكثر من مجمل إنفاق الدول العشر التالية لها
لأنها لا تريد أن تبيع عبر البحر
بل تريد أن تكون من يملك البحر نفسه
ختامًا :
من يفكر بالبحر كطريقٍ للتجارة فقط
يفكر بعقل تاجر
أما من يراه كأداة للهيمنة والسيطرة
فهو يفكر بعقل إمبراطورية
يُقال: “ من يملك البحر يملك مفاتيح الحياة والموت للدول التجارية ”
السؤال:
هل يمكن إسقاط دول أو تدمير اقتصادها وتجويع شعبها من دون إطلاق رصاصة واحدة - بمجرد إغلاق البحر عليها فقط ؟