مقدمة الترجمة
ربما يكون مشهد إخراج الرئيس الصينى السابق "هو جينتاو" من قاعة المؤتمر الوطني العامّ العشرين للحزب الشيوعي، بطريقة بدت قاسية وعنيفة، هي إحدى أغرب وقائع السياسة الصينية التي ظهرت للعلن منذ سنوات. في هذا المقال المنشور في مجلة "ذا أتلانتيك"، يحاول "روري ترويكس" -أستاذ مساعد في العلوم السياسية والشؤون الأمنية بجامعة برنستون الأميركية- فهم واستكشاف أسرار هذا المشهد، وما يخبرنا به حول السياسة الصينية.
نص الترجمة
يُعَد الحزب الشيوعي الحاكم في الصين واحدا من أكثر التنظيمات السياسية سرية في العالم، ولذا لطالما انتظر متابعو الشأن الصيني بحرارة أي معلومة جديدة عن الصين لمعرفة اتجاهاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. منذ أيام قليلة، صار في جعبتنا واقعة بسيطة وغير متوقعة حدثت على هامش المؤتمر الوطني العام العشرين للحزب، حين تمت مرافقة "هو جينتاو"، الرئيس السابق للصين والأمين العام السابق للحزب، خارج مقر انعقاد المؤتمر دون سابق إنذار. وقد ظهر الرجل وكأنه يقاوم إبعاده عن كرسيه في بادئ الأمر، بينما أخذ رجلان يشدّانه بقسوة إلى حدٍّ ما حتى وقف في الأخير. وكان الرئيس الصيني الحالي "شي جينبينغ" جالسا بجانبه ولم تَبدُ عليه علامات الاندهاش، وتبادل الرجلان بضع كلمات قبل أن يخرج "هو جينتاو" من القاعة.
سرعان ما ضجَّت وسائل التواصل الاجتماعي
بالشائعاتالتي تمحورت حول "
لغةِ جسدِ" الرجلين كما ظهرت في تسجيل الواقعة. لا يسع الناس في الصين سوى معرفة القليل عن تفاعل قادتهم السياسيين مع بعضهم بعضا، وعن مواقفهم المتباينة حيال السياسات المختلفة، وعن الكيفية التي تُتَّخذ بها القرارات المصيرية. وبدورهم، لا يعرف المتابعون خارج الصين ما جرى بالفعل لـ"هو جينتاو" في تلك اللحظة، وعلى الأرجح أنهم لن يعرفوا أبدا.
لا يؤكد هذا الفصل الدرامي والغامض من المشهد سوى على الموضوع العام للمؤتمر الوطني: تعزيز "شي" المُطلق لسلطته. وما خروج "هو" الضعيف من المسرح سوى علامة على المسار الحالي للسياسة الصينية. إن "هو" وحلفاءه ومحسوبيه يمثّلون حلفا أكثر تكنوقراطية واعتدالا في الحزب من جناح "شي"، وحلف "هو" بلا ريب أكثر انفتاحا على العالم الخارجي وأقل عدوانية من الأخير. أما "شي" وجوقته فقد اكتسبوا زخما لعقد كامل، لكنهم احتاجوا إلى تقاسم السلطة مع فصيل "هو" طيلة ذلك الوقت. والآن كُتِبَت نهاية هذا التوافق بين الفريقين، وبات هناك زعيم واحد يهَيمن على الصين، وهو زعيم يحيط به الآن أشخاص يُمكّنونه من سلطته ولن يقيِّدوه، على عكس فترتيه الأوليَيْن.
تفسيران
والحال أن التفسير الأكثر اعتدالا لما حصل مع "هو" هو ما قاله الحزب بنفسه ليُفسِّر ما جرى، إذ أشار إلى أن "هو" مريض واحتاج إلى مد يد العون إليه ليخرج من المؤتمر. ويبلغ "هو" من العمر 74 عاما، وقد بقي بمنأى عن الأنظار لمدة طويلة جدا، وبدت عليه أمارات الشيخوخة حين ظهر في المؤتمر، حيث بدت حركاته بطيئة، ويبدو أنه احتاج إلى شيء من المساعدة في المشي في وقت سابق من المؤتمر. بيد أن شيئا ما بدا خارجا عن المألوف حين حدث واقعة شدِّه من جانب أتباع "شي"، إذ بدا "هو" مستاء بشكل واضح، ومترددا في مغادرة القاعة. ولم يُبْدِ قادة الحزب الآخرون سوى قليل اهتمام به، متجنبين أي تواصل بصري مع الرجل، وهو سلوك لا نتوقعه من أي شخص حينما يُلِمّ المرض بأحد رفقائه.
أما التفسير الأكثر تعقيدا فهو أن "شي" دبَّر الحادثة بشكل أو بآخر لإحراج سلفه على مرأى ومسمع من الجميع، إذ إن مؤتمر الحزب حدث يُخطَّط له بدقة، وحتى هذه اللحظة المحرجة لا بد أن "شي" قد وافق عليها سلفا. ولذا، سرعان ما نصَّب "شي" في الفترة المتبقية من المؤتمر المُوالين له في المناصب العليا بالحزب، وطلب تمديد رئاسته لفترة ثالثة بوصفه أمينا عامّا للحزب. والحال أن تحرُّكات "شي" هذه أتت على حساب شبكة "هو"، ولربما يكون انسحاب "هو" حرفيا سبيلا لـ"شي" كي يرسل رسالة مفادها سيطرته على مقاليد الأمور، ورسالة أيضا إلى النخب الأخرى في الحزب ومن ورائهم عموم الشعب الصيني. إن هذا شيء يصنعه أي ديكتاتور في نهاية المطاف.
لقد قال "جيمس بالمر" في مقاله بموقع "فورين بوليسي" الأميركي، إن "هو" في الأخير ليس سوى تهديد بسيط بالنسبة إلى "شي" في هذه المرحلة، نظرا إلى سنِّه الطاعنة ومكانته المتآكلة في النظام. بيد أن هناك تفسيرات وتأويلات تقول إن "هو" في تلك اللحظة التي سُحِب فيها من قاعة المؤتمر، بدأت فعليا عملية إقصائه، وإن تُهَما بالفساد ستُوجَّه إليه عمَّا قريب، وسيخضع للتحقيق رسميا بواسطة الحزب. قد يكون هذا التفسير دراميا، ولكن إن صحَّ، فإن البدء في عملية الإقصاء هذه بالمشهد الصريح الذي رأيناه في المؤتمر أمر قاس وغير ضروري أبدا. هذا ولا يتفق خطاب الحزب بشأن مرض "هو" مع هذه النظرية.
سيطرة شي
في نهاية المطاف، تعتمد كيفية تأويلنا لهذه الحادثة على رؤيتنا للنظام السياسي الصيني، فحينما نحلل السياسة الصينية بصفتنا متابعين غير صينيين، يتوجَّب علينا ألا نُسقِط تحيُّزاتنا وألا نتكلم بثقة زائدة. ومع الأسف، إن التكهنات وصنع الشائعات حول "هو" هي نتاج سرية الحزب نفسه، كما أن الحادثة الأخيرة تُذكّرنا بغرابة الطريقة التي تختار الصين قادتها بها.
إن المعلومة الأهم التي استُخلصت من المؤتمر تتعلَّق بأعضاء الحزب، وتبدُّل مواقع قادة الحزب في اللجان العليا لصنع القرار، مثل اللجنة المركزية للحزب والمكتب السياسي واللجنة الدائمة للمكتب السياسي. وقد اتضحت القصة ههنا أكثر وأكثر؛ إذ إن "شي" يملأ هذه اللجان بالموالين له هذه الأيام. أما القادة الأساسيون الأقرب إلى "هو" -أي أعضاء اللجنة الدائمة للمكتب السياسي مثل "لي كه تشيانغ" و"وانغ يانغ"- فاستُبعدوا من اللجنة المركزية؛ ما يعني أنهم في طريقهم إلى التقاعد. تدل كل الإشارات إذن حتى اللحظة على أن "شي" سيهيمن على القيادة الحزبية هيمنة تامة على نحو لم يكن موجودا في السنوات العشر الأولى من حكمه.
لقد وُصفت سابقا السنوات العشر لحكم "هو" في أوساط المتابعين بالغرب على أنها "عقد ضائع" بالنسبة إلى الصين، أي إنها حقبة تَعطّل فيها الإصلاح الاقتصادي والسياسي على نحو كبير من وجهة نظرهم. والحال أن كثيرين الآن ينظرون إلى فترة حكم "هو" بشيء من التقدير، باعتبارها فترة كان التنبُّؤ فيها بسلوك الحكومة الصينية أيسر وأبسط، وكانت بكين أكثر قابلية للتعاون مع غيرها، وكانت قبضتها تجاه شعبها أخف مما هي عليه الآن. ولذا، مع التهميش الذي يلقاه "هو" الآن بكل قسوة، فإن صوت "شي" سيصير أعلى وأعلى في قادم الأيام.
The most surprising moment at the Communist Party Congress only reinforced its larger theme.
www.theatlantic.com