
في مشهد بدا وكأنه عرض سلامٍ بإخراج أمريكي وتمويل دولي، تحوّلت شرم الشيخ إلى منصة جديدة لصفقة القرن — بنسخة 2025.
دونالد ترامب يعود إلى المسرح من بوابة الشرق الأوسط، ممسكًا بميكروفون «الوسيط»، فيما اكتفى نتنياهو بالغياب «التكتيكي» عن الصورة.
33 دولة ومنظمة حضرت، تصافحت، التقطت الصور، ووقّعت على ما سُمّي بـاتفاق الهدنة الشاملة في غزة.
لكن خلف الكواليس، كانت الصفقة أبعد بكثير من «وقف النار»… إنها صفقة إعادة رسم النفوذ.

انسحاب إسرائيلي تدريجي خلال 60 يومًا.
تبادل رهائن (47 مقابل 1966 أسيرًا).
بدء الإعمار بإشراف مصري–أمريكي وتمويل دولي.
إنشاء “مجلس سلام” لإدارة غزة وتدريب قوة أمنية.
تعهّد حماس بوقف الهجمات لـ6 أشهر..

1. نزع السلاح — الوهم المُدار
الوثيقة تتحدث عن «غزة منزوعة السلاح»، لكن لا آليات تنفيذ واضحة، ولا جدول زمني، ولا قوة مراقبة مستقلة على الأرض.
النتيجة المحتملة: يبقى سلاح حماس عنصر موازنة في الظل، بينما يظهر الإعلام أن النزع قد حصل. اتفاق يُدار بالتصريحات أكثر منه بالإجراءات.
2.

«مجلس السلام» ليس منتخبًا ولا يملك تفويضًا شعبيًا؛ إنه إطار إداري يُدار بتفاهمات القاهرة–واشنطن.
السلطة الفلسطينية مُهمّشة عمليًا، وحماس مراقبة سياسيًا وأمنيًا — ما قد يفضي إلى ولادة كيان إداري جديد داخل غزة لا يعبر بالضرورة عن الشرعية الفلسطينية التقليدية.
3.

غياب رئيس الوزراء الإسرائيلي عن القمة لم يكن تفصيلاً بروتوكوليًا؛ بل رسالة سياسية.
نتنياهو يريد هامش تحرّك داخليًا وخارجيًا، ويرفض أن يُحمل تبعات اتفاق يُعدّه غير متوازن أمنيًا بالنسبة لإسرائيل.
النتيجة: اتفاق قد يُطبّق ميدانيًا مع استمرار مخاطر الانفجار السياسي داخل إسرائيل.
4.

القوة المزمع تشكيلها ستُدرَّب في مصر وتموَّل جزئيًا من الخارج وتُراقَب تقنيًا.
إذا لم تُبنى هذه القوة على شرعية وطنية وقبول شعبي، فاحتمال احتكاكها بالفصائل المحلية كبير، ما يجعلها مصدر توتر بدلاً من ضمان استقرار.
5.

الإعمار قد يتحول من مشروع إنساني إلى وسيلة لإعادة هندسة المصالح:
مصر دورها إشرافي ولوجستي ووجودها ضروري لتدفق المساعدات وإدارة المعابر.
أوروبا تقدّم التمويل والدعم الفني.
الولايات المتحدة تعرض «مظلة استثمارية» تربط المصالح الاقتصادية بالأمن السياسي.

الخطاب الأمريكي يركّز على «الاستثمار مقابل الاستقرار»: حزم استثمارية تُقودها شركات كبرى تعمل في سيناء والعريش وممر إعادة الإعمار. الهدف ليس بناء سلام دائم بقدر ما هو خلق شبكة مصالح تجعل الاضطراب الاقتصادي والسياسي مكلفًا للفاعلين الخارجيين، وبالتالي تحفّزهم على المحافظة على الهدوء.

رغم الزخم الإعلامي للتوقيع، فإن الاتفاق يرتكز على توازن ثلاثي حساس: القاهرة (العبء الميداني واللوجستي)، واشنطن (الغطاء السياسي والاقتصادي)، وتل أبيب (الاهتمام الأمني).
هشاشة هذا التوازن تنبع من اعتماده على مواقف سياسية وشخصيات أكثر مما تعتمد على مؤسسات ثابتة: تغيّر إداري في واشنطن، أو تدهور سياسي في إسرائيل، أو تصعيد داخلي فلسطيني قد يقضي على زخم الاتفاق سريعًا.
بكلمات أدق: اتفاق شرم الشيخ ليس سلامًا نهائيًا، بل هدنة مُدارة تعتمد على استمرار التنسيق واستقرار الأطراف، لا على نصوص الاتفاق وحدها.

إشكالية الشركاء والضمانات
الرفض الإسرائيلي غير المباشر: إعلان مكتب نتنياهو عدم المشاركة (بحجة ضيق الوقت للعطلة الدينية) كان مظهرًا لإرباك داخلي وضغوط إقليمية حالت دون حضوره فعليًا.
التمثيل الفلسطيني المجزأ: الاتفاق وُقّع في ظل انقسام فلسطيني لا يملك قيادة موحدة قابلة للتنفيذ على الأرض.


السيناريو المرجّح أن يسير الاتفاق على نهج «سلام بارد»؛ أي تهدئة رسمية بلا دفء شعبي أو توافق مجتمعي، وهو ما يعيد إلى الأذهان تجارب هدنة مدعومة لكنها هشّة.

الاتفاق لا يمثل نصرًا حاسمًا لأي طرف؛ إنه محاولة لإدارة الخسائر بأقل تكلفة ممكنة:
إسرائيل: لم تُنهِ حماس عسكريًا، واضطرت لقبول هدنة وتبادل أسرى بشروط نسبية.
حماس: حصلت على تهدئة وفتح مساحة للبقاء السياسي، لكن بشروط تُقيّد قدراتها.
مصر: لعبت دور الضامن الإقليمي وتحمّلت عبئًا بشريًا وإداريًا كبيرًا في إدارة الملف.
الولايات المتحدة: سجلت إنجازًا دبلوماسيًا هشًا قائمًا على استمرار الدعم السياسي والاقتصادي.
الاتفاق محفوف بالمخاطر؛ وقدرته على الصمود تعتمد على استمرار التوافق الإقليمي والدولي وقدرة مصر على إدارة التعقيدات الأمنية والسياسية، فضلاً عن تجنّب أي مواجهة مباشرة بين الفاعلين الفلسطينيين أو إعادة تصعيد ميداني.

ما جرى في شرم الشيخ لم يُنقذ سلامًا حقيقيًا، لكنه أعاد ترتيب أدوات السلطة والنفوذ في المنطقة.
كل طرف خرج بـ«مَكسبٍ محدود»؛ لكن لا أحد خرج بـ«نصر نهائي».
ما وُقّع هناك لم يُنهِ الحرب… بل أعاد تنظيمها تحت اسم «السلام».

منقول