السطور التالية ، تكمل ما هو معروف عن حرب أكتوبر العظيمة ...
بداية وتوثيق قصةلقصة ثغرة الدفرسوار !!!!
إنها توثيق للتاريخ ، وليس تقليلا من أهمية العمل البطولى الذى قامت به قواتنا المسلحة ...
ألشجاعة المعنوية ، تتطلب قبول ... "سماع الحقائق" ... ويطبق ذلك على كل شيىء فى الحياة ... فبذلك ، سوف نتعلم ... وعندما نتعلم ، فسوف نتفادى الأخطاء ... "فى المستقبل"
لذلك " أنقل الموضوع التالى دون أى تعليق خاص .. فالهدف هو معرفة الآراء ... وليس النقد
يحى الشاعر
أيام الحقيقة فى أكتوبر 73 - السلاح والسياسة
قصة ثغرة الدفرسوار
مبارك: البعض يحاول تكبير المسألة لكى يبيعوا!
هيكل: السادات لجأ إلى التهوين من شأن الثغرة الإسرائيلية
الشاذلى: الرئيس ثار وفقد أعصابه مهددا بمحاكمتي
حافظ الأسد: من الممكن تدمير القوات المعادية التى عبرت القناة
تعددت الروايات حول الثغرة وتقدم قوات شارون إلى الضفة الغربية من القناة بعد سلسلة الانتصارات التى حققها الجيش المصرى منذ السادس من أكتوبر 1973، ووضحت الخلافات بين القادة خاصة بين المشير أحمد اسماعيل والفريق سعد الدين الشاذلى، لأسباب بدت لا علاقة لها بميدان الحرب، مثلما لم يتحمل الرئيس السادات كلمات الشاذلى حول كيفية تجاوز الثغرة، أو الانصات لما جاء فى رسالة حافظ الأسد إليه التى أشار فيها إلى امكانية تدمير القوات الإسرائيلية، ولأن السادات كانت له حسابات أخرى وانشغل بقناته السرية مع كيسنجر، تعقدت الأمور ولم تصل إلى بر الأمان، والقصة فى مجملها تستحق أن تروى خاصة وأن الحرب والثغرة احتلتا معظم مشاهد فيلم الرئيس مبارك.
يقول الرئيس: وقت الثغرة كانت القوات ستنسحب لكن الرئيس السادات قال نستمر فى القتال، وقد كان رأيى مع استمرار القتال.
وأجاب الرئيس على سؤال: ألم تفلت أعصابه السادات كما قيل فى بعض الكتب؟ بالنفى لا.. البعض حاول تكبير المسألة لكى يبيعوا، وزاد من يعرف السادات جيدا يدرك أنه لا ينهار.. السادات لم يكن سهلا.
فى حرب الثلاثين سنة أكتوبر 73 السلاح والسياسة يصحبنا الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل فى جولة ممتدة نستعرض خلالها أجواء الحرب ومواقف كافة الأطراف، يسبح بنا فى بحر من المعلومات والوثائق التى تتناول جميع ظروف وملابسات وأحداث أكتوبر 1973كان يوم 15 أكتوبر واحدا من تلك الأيام التى يصدق عليها الوصف المشهور ضباب الحرب والمقصود به هو تلك الأيام التى تلى أو تسبق المعارك الكبرى التى ينشغل فيها الأطراف بإعادة حساباتهم وبتأمل خططهم، وفى التفكير فيما يجب أو يمكن أو يحتمل، وكان الرئيس السادات صباح ذلك اليوم قد استوعب الصدمة العسكرية التى تلقاها فى الأمس، وكان الموقف على الجبهة العسكرية مشوشا هو الآخر، فالهجوم المصرى بالأمس لم ينجح، والهجوم الإسرائيلى لم يكن قد بدأ بعد، وفى تل أبيب اجتمع مجلس الوزراء الإسرائيلى المصغر فى الساعة السابعة من صباح هذا اليوم 15 أكتوبر وكان أمام المجتمعين تقرير من الجنرال بارليف يقول فيه ان القوات جاهزة، وان الموعد الذى تقرر لبدء الهجوم الاسرائيلى المضاد هو السابعة مساء، وأن اختراق المفصل ما بين الجيشين الثانى والثالث لفتح ثغرة بينهما إلى الغرب سوف يجرى فى منطقة الدفرسوار.
وفى لحظة من اللحظات كان احتمال فشل العبور ماثلا أمام مجلس الوزراء الإسرائيلى، وقد وصلت إليه توصية من الجنرال ديان يقترح وقف العملية وصرف النظر عنها. ولكن الجنرال بارليف أبدى معارضة شديدة لوقف العملية، وعمد إلى زميله الجنرال آرييل شارون بالتقدم بمدرعاته مهما كانت المقاومة أمامه بحيث يتحقق تأمين رأس جسر يمد عليه ولو كوبرى متحركا حتى تمكن المدرعات من العبور، وعند الضجر انفض اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلى بعد أن تأكد أن عملية شارون تمضى فى طريقها.
كان الرئيس السادات حتى 16 أكتوبر يستعد لإلقاء خطابه فى مجلس الشعب، وفى نفس التوقيت كانت جولدا مائير تعلن فى الكنيست الإسرائيلى أن القوات الإسرائيلية تحارب شرق وغرب قناة السويس، وفى المساء التقى الرئيس السادات ورئيس الوزراء السوفيتى كوسيجين، ولم يتعرض كلاهما إلى عملية الاختراق الإسرائيلى، وتم الاتفاق على تأجيل الاجتماع إلى صباح غد والرئيس السادات يعتقد فى سريرة نفسه أنه سوف يجيء فى الغد ومعه موقف عسكرى أفضل يتحقق به طرد قوات الثغرة، وبعد المقابلة مع كوسيجين أبلغ السادات باتصال تليفونى من الفريق أحمد اسماعيل أثناء اللقاء مع كوسيجين وترك له رسالة أن يتصل به فى المركز رقم 10، ورأى الرئيس اختصار الاجراءات والتوجه إلى المركز، وكان وصوله فى وقته تماماً، فقد كانت الخلافات متفجرة بين وزير الحربية والقائد العام وبين رئيس الأركان وكانت نقطة التفجير هى تصادم الآراء حول الطريقة التى يمكن بها التعامل مع ثغرة الاختراق الذى قامت به القوات الإسرائيلية، فالفريق أحمد اسماعيل من ناحية يرى من الأفضل ضرب الثغرة من الشرق بمعنى سد الفتحة التى تتدفق منها المدرعات الإسرائيلية إلى غرب القناة، والفريق سعد الشاذلى، من ناحية أخرى يرى أن قطع الثغرة عن سيناء من الغرب أكثر فاعلية. ولكن ذلك يقتضى سحب الفرقة المدرعة الرابعة من سيناء إلى غرب القناة لتقوم بهذه المهمة، وبلغ الخلاف بين الاثنين مبلغا خطيرا، وخصوصا أن الفريق الشاذلى كان قد اقترح فى اليوم السابق على الثغرة عملية من هذا النوع لاعادة التوازن إلى الجبهة بعد فشل تطوير الهجوم المصرى إلى المضايق.
وأدت حدة الخلاف بين الرجلين إلى موقف شديد الحرج لبقية القادة من هيئة أركان الحرب: وكان الأمر يحتاج إلى حكم أعلى منهما. وهكذا كان وصول الرئيس السادات فى اللحظة المناسبة تماما. وبدأ كلاهما يعرض وجهة نظره أمام الرئيس. وكان الفريق أحمد اسماعيل هو الأكثر رجاحة فى هذه اللحظة لأى مراقب ينظر للموقف نظرة شاملة: فالقائد العام لم يكن ينظر للموضوع من وجهة نظر العمليات فقط، وإنما كانت نظرته أشمل، وقد قال بوضوح إنه إذا بدأ سحب قوات الفرقة المدرعة إلى غرب القناة فى هذه الساعات، فإن القوات كلها فى الشرق سوف تشعر بحركتها، وقد تتصور خصوصا مع انتشار أخبار الثغرة أن تلك مقدمة لانسحاب عام يقوم به الجيش المصرى من الشرق. وبالتالى فإن هذه القوات سوف تبدأ راضية أو كارهة - فى التأثر بعقلية الانسحاب، وهذا قد يعيد إليها أجواء سنة 1967 يستطرد محمد حسنين هيكل كان الفريق أحمد اسماعيل على حق ففى تلك اللحظات، وبصرف النظر عن أية آراء سابقة، فإن الاعتبارات النفسية للقوات كان لابد أن يكون لها الغلبة فى أى حساب تخطيط لطريقة مواجهة الثغرة، لكن المشكلة الكامنة أن الاختلاف الذى احتدم بين الرجلين وتفجر، أخرج ما كان مكتوما فى صدر كل منهما تجاه الآخر من تأثيرات علاقتها السابقة، وكان منطقيا أن ينحاز الرئيس السادات إلى صف الفريق أحمد اسماعيل، لكنه من تأثير الضغوط الواقعة عليه ترك انحيازه يتحول إلى إهانة لرئيس الأركان، فقد ثار ثورة عارمة، وفقد أعصابه وأخذ يصرخ بعصبية قائلا: إنه لا يريد أن يسمع من الشاذلى هذه الاقتراحات مرة ثانية، وإذا سمعها فسوف يقدمه إلى مجلس عسكرى لمحاكمته وهى واقعة ذكرها الفريق سعد الدين الشاذلى فى مذكراته.
وفى 17 أكتوبر تلقى الرئيس السادات من مكتبه للشئون العسكرية تقارير أولية عما يجرى فى ميدان القتال، كان أثرها المبدئى عليه هو أن طلب اخطار كوسيجين برجائه فى تأجيل الاجتماع المتفق عليه صباح اليوم إلى بعد الظهر فلم يكن فى مقدوره من وجهة نظره أن يجلس مع كوسيجين ويتفاوض بأعصاب هادئة. وذهب السادات بعد الظهر إلى موعده مع كوسيجين، ولم يكن فى أحسن أحواله، فالثغرة التى استطاعت بها القوات الإسرائيلية اختراق الجبهة المصرية فى الدفرسوار لم تغلق، والعمليات فى المنطقة يتسع نطاقها، والطيران الإسرائيلى يركز كل نشاطه على القوات المصرية التى تتصدى لعملية حصر ومحاولة تطويق جيب الاختراق الإسرائيلى، وقد أحس الرئيس السادات أن هذه الحالة تضعف موقفه أمام كوسيجين، ولم يكن واثقا من حجم الحقائق التى توافرت لدى ضيفه من اجتماعاته واتصالاته فى الصباح، وهكذا فإنه دخل إلى اجتماعه مع رئيس الوزراء السوفيتى.
وفى 18 أكتوبر جاء عدد من الضباط الشبان العاملين فى القيادة العامة إلى قصر الظاهرة لمقابلة السادات الذى كان نائما، وأمام اصرار الضباط أيقظت السكرتارية الرئيس الذى استجمع اعصابه وتوجه إلى الصالون، وقال له الضباط انهم جميعا من ضباط القيادة، وقد لجأوا إليه باعتباره القائد الأعلى عندما شعروا طوال الليل أن القيادة العامة للقوات المسلحة فى حالة انقسام تجاه ما يمكن عمله لوقف الثغرة، وفى حالة عجز عن مواجهتها، ومصير البلد فى خطر ومصير قواتها المسلحة معرض لكارثة، وانتهى اللقاء وتوجه السادات إلى لقائه الأخير مع رئيس الوزراء السوفيتى ولم يطل اجتماعها أكثر من ساعة تم الاتفاق خلالها على نقطتين هما استعداد مصر لقبول قرار وقف اطلاق النار، فى مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضى المحتلة طبقا لقرار 242، وغادر السادات قصر الطاهرة قاصدا المركز رقم 10 وقد استمع إلى تقرير من الفريق أحمد اسماعيل، ثم طلب من الفريق سعد الدين الشاذلى أن يتحرك فورا إلى الجبهة وأن يتولى بنفسه وضع خريطة على الطبيعة لمواجهة تطورات الموقف فى الثغرة.
رواية أخرى للفريق سعد الدين الشاذلى يقول فيها وقد ادعى السادات فى مذكراته بأننى عدت من الجبهة منهارا يوم 19 أكتوبر وأننى طالبت بسحب قواتنا من شرق القناة لأن الغرب مهدد، ويؤسفنى بأن أقول إن هذا ........... لقد كنا تسعة أشخاص مات واحد ومازال الثمانية الآخرون أحياء يستطيع أن يشهد بصدق ما يدعيه السادات، لقد طالبت حقا بسحب جزء من قواتنا من الشرق إلى الغرب، وكانت مطالبتى بهذه العملية يوم 19 أكتوبر هى خامس محاولة جادة لانقاذ الموقف. تطورات الأحداث وكانت التحركات متسارعة من بقية الأطراف فى تل أبيب وواشنطن وموسكو، وفى 21 أكتوبر بدأت السادات يومه فى حالة من العصبية الشديدة، فقد أحس أن الأمور على الجبهة مهددة بالتدهور، وخصوصا أن القوات المقاتلة فى ميادين القتال بدأ يساورها شعور بأن قيادتها فى القاهرة غير ممسكة تماما بزمام الموقف، وكانت القرارات العسكرية تصل إلى الجبهة مترددة فى بعض الأحيان ومتضاربة. بدأ السادات التحرك ودعا السفير السوفيتى وأبلغه أنه رغبة فى تسهيل التفاوض بين بريجيف وكيسنجر فى موسكو فإنه قرر أن يفصل بين وقف اطلاق النار وبين مطلب العودة إلى خطوط 1967، كانت أيضا بوادر الخلاف بين السادات والرئيس السورى حافظ الأسد تطفو إلى السطح عبر الرسائل المتبادلة بينهما، فالسادات الذى تجاهل الشريك السورى ولم يخطره بما يجريه من حوارات مع الأطراف الدولية، تلقى رسالة غاضبة من حافظ الأسد جاء فيها!
أود أن أعيد النظر مرة أخرى فى الموقف العسكرى على الجبهة الشمالية وعلى ضفتى القناة، وخرجت باستنتاج وهو أن الوضع لا يدعو إلى التشاؤم وأنه بالإمكان أن يستمر الصراع مع القوات المعادية سواء منها تلك التى اجتازت القناة إلى الضفة الغربية أم تلك الموجودة أمام قواتنا فى الضفة الشرقية. يمكن أن يؤدى استمرار القتال وتطويره إلى تدمير القوات المعادية التى عبرت القنال
** نقلا عن جريدة العربى
.........."
إنتهى النقل
د. يحى االشاعر
بداية وتوثيق قصةلقصة ثغرة الدفرسوار !!!!
إنها توثيق للتاريخ ، وليس تقليلا من أهمية العمل البطولى الذى قامت به قواتنا المسلحة ...
ألشجاعة المعنوية ، تتطلب قبول ... "سماع الحقائق" ... ويطبق ذلك على كل شيىء فى الحياة ... فبذلك ، سوف نتعلم ... وعندما نتعلم ، فسوف نتفادى الأخطاء ... "فى المستقبل"
لذلك " أنقل الموضوع التالى دون أى تعليق خاص .. فالهدف هو معرفة الآراء ... وليس النقد
يحى الشاعر
أيام الحقيقة فى أكتوبر 73 - السلاح والسياسة
قصة ثغرة الدفرسوار
مبارك: البعض يحاول تكبير المسألة لكى يبيعوا!
هيكل: السادات لجأ إلى التهوين من شأن الثغرة الإسرائيلية
الشاذلى: الرئيس ثار وفقد أعصابه مهددا بمحاكمتي
حافظ الأسد: من الممكن تدمير القوات المعادية التى عبرت القناة
تعددت الروايات حول الثغرة وتقدم قوات شارون إلى الضفة الغربية من القناة بعد سلسلة الانتصارات التى حققها الجيش المصرى منذ السادس من أكتوبر 1973، ووضحت الخلافات بين القادة خاصة بين المشير أحمد اسماعيل والفريق سعد الدين الشاذلى، لأسباب بدت لا علاقة لها بميدان الحرب، مثلما لم يتحمل الرئيس السادات كلمات الشاذلى حول كيفية تجاوز الثغرة، أو الانصات لما جاء فى رسالة حافظ الأسد إليه التى أشار فيها إلى امكانية تدمير القوات الإسرائيلية، ولأن السادات كانت له حسابات أخرى وانشغل بقناته السرية مع كيسنجر، تعقدت الأمور ولم تصل إلى بر الأمان، والقصة فى مجملها تستحق أن تروى خاصة وأن الحرب والثغرة احتلتا معظم مشاهد فيلم الرئيس مبارك.
يقول الرئيس: وقت الثغرة كانت القوات ستنسحب لكن الرئيس السادات قال نستمر فى القتال، وقد كان رأيى مع استمرار القتال.
وأجاب الرئيس على سؤال: ألم تفلت أعصابه السادات كما قيل فى بعض الكتب؟ بالنفى لا.. البعض حاول تكبير المسألة لكى يبيعوا، وزاد من يعرف السادات جيدا يدرك أنه لا ينهار.. السادات لم يكن سهلا.
فى حرب الثلاثين سنة أكتوبر 73 السلاح والسياسة يصحبنا الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل فى جولة ممتدة نستعرض خلالها أجواء الحرب ومواقف كافة الأطراف، يسبح بنا فى بحر من المعلومات والوثائق التى تتناول جميع ظروف وملابسات وأحداث أكتوبر 1973كان يوم 15 أكتوبر واحدا من تلك الأيام التى يصدق عليها الوصف المشهور ضباب الحرب والمقصود به هو تلك الأيام التى تلى أو تسبق المعارك الكبرى التى ينشغل فيها الأطراف بإعادة حساباتهم وبتأمل خططهم، وفى التفكير فيما يجب أو يمكن أو يحتمل، وكان الرئيس السادات صباح ذلك اليوم قد استوعب الصدمة العسكرية التى تلقاها فى الأمس، وكان الموقف على الجبهة العسكرية مشوشا هو الآخر، فالهجوم المصرى بالأمس لم ينجح، والهجوم الإسرائيلى لم يكن قد بدأ بعد، وفى تل أبيب اجتمع مجلس الوزراء الإسرائيلى المصغر فى الساعة السابعة من صباح هذا اليوم 15 أكتوبر وكان أمام المجتمعين تقرير من الجنرال بارليف يقول فيه ان القوات جاهزة، وان الموعد الذى تقرر لبدء الهجوم الاسرائيلى المضاد هو السابعة مساء، وأن اختراق المفصل ما بين الجيشين الثانى والثالث لفتح ثغرة بينهما إلى الغرب سوف يجرى فى منطقة الدفرسوار.
وفى لحظة من اللحظات كان احتمال فشل العبور ماثلا أمام مجلس الوزراء الإسرائيلى، وقد وصلت إليه توصية من الجنرال ديان يقترح وقف العملية وصرف النظر عنها. ولكن الجنرال بارليف أبدى معارضة شديدة لوقف العملية، وعمد إلى زميله الجنرال آرييل شارون بالتقدم بمدرعاته مهما كانت المقاومة أمامه بحيث يتحقق تأمين رأس جسر يمد عليه ولو كوبرى متحركا حتى تمكن المدرعات من العبور، وعند الضجر انفض اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلى بعد أن تأكد أن عملية شارون تمضى فى طريقها.
كان الرئيس السادات حتى 16 أكتوبر يستعد لإلقاء خطابه فى مجلس الشعب، وفى نفس التوقيت كانت جولدا مائير تعلن فى الكنيست الإسرائيلى أن القوات الإسرائيلية تحارب شرق وغرب قناة السويس، وفى المساء التقى الرئيس السادات ورئيس الوزراء السوفيتى كوسيجين، ولم يتعرض كلاهما إلى عملية الاختراق الإسرائيلى، وتم الاتفاق على تأجيل الاجتماع إلى صباح غد والرئيس السادات يعتقد فى سريرة نفسه أنه سوف يجيء فى الغد ومعه موقف عسكرى أفضل يتحقق به طرد قوات الثغرة، وبعد المقابلة مع كوسيجين أبلغ السادات باتصال تليفونى من الفريق أحمد اسماعيل أثناء اللقاء مع كوسيجين وترك له رسالة أن يتصل به فى المركز رقم 10، ورأى الرئيس اختصار الاجراءات والتوجه إلى المركز، وكان وصوله فى وقته تماماً، فقد كانت الخلافات متفجرة بين وزير الحربية والقائد العام وبين رئيس الأركان وكانت نقطة التفجير هى تصادم الآراء حول الطريقة التى يمكن بها التعامل مع ثغرة الاختراق الذى قامت به القوات الإسرائيلية، فالفريق أحمد اسماعيل من ناحية يرى من الأفضل ضرب الثغرة من الشرق بمعنى سد الفتحة التى تتدفق منها المدرعات الإسرائيلية إلى غرب القناة، والفريق سعد الشاذلى، من ناحية أخرى يرى أن قطع الثغرة عن سيناء من الغرب أكثر فاعلية. ولكن ذلك يقتضى سحب الفرقة المدرعة الرابعة من سيناء إلى غرب القناة لتقوم بهذه المهمة، وبلغ الخلاف بين الاثنين مبلغا خطيرا، وخصوصا أن الفريق الشاذلى كان قد اقترح فى اليوم السابق على الثغرة عملية من هذا النوع لاعادة التوازن إلى الجبهة بعد فشل تطوير الهجوم المصرى إلى المضايق.
وأدت حدة الخلاف بين الرجلين إلى موقف شديد الحرج لبقية القادة من هيئة أركان الحرب: وكان الأمر يحتاج إلى حكم أعلى منهما. وهكذا كان وصول الرئيس السادات فى اللحظة المناسبة تماما. وبدأ كلاهما يعرض وجهة نظره أمام الرئيس. وكان الفريق أحمد اسماعيل هو الأكثر رجاحة فى هذه اللحظة لأى مراقب ينظر للموقف نظرة شاملة: فالقائد العام لم يكن ينظر للموضوع من وجهة نظر العمليات فقط، وإنما كانت نظرته أشمل، وقد قال بوضوح إنه إذا بدأ سحب قوات الفرقة المدرعة إلى غرب القناة فى هذه الساعات، فإن القوات كلها فى الشرق سوف تشعر بحركتها، وقد تتصور خصوصا مع انتشار أخبار الثغرة أن تلك مقدمة لانسحاب عام يقوم به الجيش المصرى من الشرق. وبالتالى فإن هذه القوات سوف تبدأ راضية أو كارهة - فى التأثر بعقلية الانسحاب، وهذا قد يعيد إليها أجواء سنة 1967 يستطرد محمد حسنين هيكل كان الفريق أحمد اسماعيل على حق ففى تلك اللحظات، وبصرف النظر عن أية آراء سابقة، فإن الاعتبارات النفسية للقوات كان لابد أن يكون لها الغلبة فى أى حساب تخطيط لطريقة مواجهة الثغرة، لكن المشكلة الكامنة أن الاختلاف الذى احتدم بين الرجلين وتفجر، أخرج ما كان مكتوما فى صدر كل منهما تجاه الآخر من تأثيرات علاقتها السابقة، وكان منطقيا أن ينحاز الرئيس السادات إلى صف الفريق أحمد اسماعيل، لكنه من تأثير الضغوط الواقعة عليه ترك انحيازه يتحول إلى إهانة لرئيس الأركان، فقد ثار ثورة عارمة، وفقد أعصابه وأخذ يصرخ بعصبية قائلا: إنه لا يريد أن يسمع من الشاذلى هذه الاقتراحات مرة ثانية، وإذا سمعها فسوف يقدمه إلى مجلس عسكرى لمحاكمته وهى واقعة ذكرها الفريق سعد الدين الشاذلى فى مذكراته.
وفى 17 أكتوبر تلقى الرئيس السادات من مكتبه للشئون العسكرية تقارير أولية عما يجرى فى ميدان القتال، كان أثرها المبدئى عليه هو أن طلب اخطار كوسيجين برجائه فى تأجيل الاجتماع المتفق عليه صباح اليوم إلى بعد الظهر فلم يكن فى مقدوره من وجهة نظره أن يجلس مع كوسيجين ويتفاوض بأعصاب هادئة. وذهب السادات بعد الظهر إلى موعده مع كوسيجين، ولم يكن فى أحسن أحواله، فالثغرة التى استطاعت بها القوات الإسرائيلية اختراق الجبهة المصرية فى الدفرسوار لم تغلق، والعمليات فى المنطقة يتسع نطاقها، والطيران الإسرائيلى يركز كل نشاطه على القوات المصرية التى تتصدى لعملية حصر ومحاولة تطويق جيب الاختراق الإسرائيلى، وقد أحس الرئيس السادات أن هذه الحالة تضعف موقفه أمام كوسيجين، ولم يكن واثقا من حجم الحقائق التى توافرت لدى ضيفه من اجتماعاته واتصالاته فى الصباح، وهكذا فإنه دخل إلى اجتماعه مع رئيس الوزراء السوفيتى.
وفى 18 أكتوبر جاء عدد من الضباط الشبان العاملين فى القيادة العامة إلى قصر الظاهرة لمقابلة السادات الذى كان نائما، وأمام اصرار الضباط أيقظت السكرتارية الرئيس الذى استجمع اعصابه وتوجه إلى الصالون، وقال له الضباط انهم جميعا من ضباط القيادة، وقد لجأوا إليه باعتباره القائد الأعلى عندما شعروا طوال الليل أن القيادة العامة للقوات المسلحة فى حالة انقسام تجاه ما يمكن عمله لوقف الثغرة، وفى حالة عجز عن مواجهتها، ومصير البلد فى خطر ومصير قواتها المسلحة معرض لكارثة، وانتهى اللقاء وتوجه السادات إلى لقائه الأخير مع رئيس الوزراء السوفيتى ولم يطل اجتماعها أكثر من ساعة تم الاتفاق خلالها على نقطتين هما استعداد مصر لقبول قرار وقف اطلاق النار، فى مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضى المحتلة طبقا لقرار 242، وغادر السادات قصر الطاهرة قاصدا المركز رقم 10 وقد استمع إلى تقرير من الفريق أحمد اسماعيل، ثم طلب من الفريق سعد الدين الشاذلى أن يتحرك فورا إلى الجبهة وأن يتولى بنفسه وضع خريطة على الطبيعة لمواجهة تطورات الموقف فى الثغرة.
رواية أخرى للفريق سعد الدين الشاذلى يقول فيها وقد ادعى السادات فى مذكراته بأننى عدت من الجبهة منهارا يوم 19 أكتوبر وأننى طالبت بسحب قواتنا من شرق القناة لأن الغرب مهدد، ويؤسفنى بأن أقول إن هذا ........... لقد كنا تسعة أشخاص مات واحد ومازال الثمانية الآخرون أحياء يستطيع أن يشهد بصدق ما يدعيه السادات، لقد طالبت حقا بسحب جزء من قواتنا من الشرق إلى الغرب، وكانت مطالبتى بهذه العملية يوم 19 أكتوبر هى خامس محاولة جادة لانقاذ الموقف. تطورات الأحداث وكانت التحركات متسارعة من بقية الأطراف فى تل أبيب وواشنطن وموسكو، وفى 21 أكتوبر بدأت السادات يومه فى حالة من العصبية الشديدة، فقد أحس أن الأمور على الجبهة مهددة بالتدهور، وخصوصا أن القوات المقاتلة فى ميادين القتال بدأ يساورها شعور بأن قيادتها فى القاهرة غير ممسكة تماما بزمام الموقف، وكانت القرارات العسكرية تصل إلى الجبهة مترددة فى بعض الأحيان ومتضاربة. بدأ السادات التحرك ودعا السفير السوفيتى وأبلغه أنه رغبة فى تسهيل التفاوض بين بريجيف وكيسنجر فى موسكو فإنه قرر أن يفصل بين وقف اطلاق النار وبين مطلب العودة إلى خطوط 1967، كانت أيضا بوادر الخلاف بين السادات والرئيس السورى حافظ الأسد تطفو إلى السطح عبر الرسائل المتبادلة بينهما، فالسادات الذى تجاهل الشريك السورى ولم يخطره بما يجريه من حوارات مع الأطراف الدولية، تلقى رسالة غاضبة من حافظ الأسد جاء فيها!
أود أن أعيد النظر مرة أخرى فى الموقف العسكرى على الجبهة الشمالية وعلى ضفتى القناة، وخرجت باستنتاج وهو أن الوضع لا يدعو إلى التشاؤم وأنه بالإمكان أن يستمر الصراع مع القوات المعادية سواء منها تلك التى اجتازت القناة إلى الضفة الغربية أم تلك الموجودة أمام قواتنا فى الضفة الشرقية. يمكن أن يؤدى استمرار القتال وتطويره إلى تدمير القوات المعادية التى عبرت القنال
** نقلا عن جريدة العربى
.........."
إنتهى النقل
د. يحى االشاعر