خبراء يرسمون خارطة طريق للأمن المائي العربي

إنضم
2 أغسطس 2009
المشاركات
700
التفاعل
40 0 0
خبراء يرسمون خارطة طريق للأمن المائي العربي


"الاعتماد على زراعة المحاصيل التي لا تحتاج مياها كثيرة".. "إعادة معالجة مياه الصرف الصحي واستخدامها في الزراعة".. "ترشيد الاستهلاك المنزلي من المياه".. "تأمين حصص الدول العربية من المياه بالتنسيق مع الدول التي تنبع منها الأنهار العربية"..
تلك حلول أكد خبراء بالمياه في تصريحات خاصة لـ"إسلام أون لاين.نت" أن التعاطي معها بفاعلية يعد بمثابة "خارطة طريق" للتغلب على مشكلة ندرة المياه التي تعاني منها البلدان العربية، وذلك في ضوء الإحصاءات الرسمية وتقديرات الخبراء التي تظهر أن العالم العربي لا يستفيد إلا بنحو 50% من موارده المائية البالغة نحو 340 مليار متر مكعب، ويهدر الباقي في الصرف الصحي، والاستخدام غير الرشيد.
الدكتور ضياء القوصي، الخبير الدولي في المياه والري، شدد على أن "العرب اليوم لم يعد بوسعهم تحمل ترف هدر ثرواتهم المائية؛ لأنه بالرغم من تزايد تعداد السكان في البلدان العربية، والتضييق الذي تمارسه دول المنابع عليها، فإن الدول العربية تتعامل بنفس طريقة بدايات القرن العشرين مع مواردها المائية".

دعوة للثورة
وأوضح أن الحفاظ على موارد المياه "يحتاج ثورة في طريقة تعاطي العرب مع المياه المحدودة لديهم، والتي لا تتعدى 1% فقط من كل الجريان السطحي للمياه على كوكب الأرض، وحوالي 2% من إجمالي الأمطار في العالم، وهذه الثورة في التفكير يجب أن تكون في الزراعة التي تستهلك 80% من إجمالي المياه، وذلك يتأتي أولا من خلال اعتماد طرق حديثة في الري، وانتقاء نوعية المحاصيل الزراعية".
وفي هذا السياق اعتبر الدكتور القوصي أن "تركيز الدول العربية على زراعة القمح والحبوب التي تستهلك كميات كبيرة من المياه لم يعد خيارا فعالا في ظل ندرة المياه.. وبالتالي ﻻبد أن تكون لنا رؤية إستراتيجية تعتمد على وجود حد أدنى في الأمن الغذائي، ولكن في الوقت نفسه يجب توجيه الكميات المتبقية من المياه إلى زراعة المحاصيل التصديرية التي نستطيع أن نحصل من خلالها على النقد الأجنبي الذي من خلاله نشتري بقية احتياجاتنا من الحبوب التي تبيعها دول عديدة في العالم، وليس صحيحا أن أمريكا وحدها هي المتحكمة فيها".
وانعكس الفقر المائي بالوطن العربي على التأمين المائي للفرد والذي يجب أن لا يقل عن ألف متر مكعب سنويا وفقا للمعدل العالمي؛ حيث يصل متوسط حصة الإنسان العربي في كل البلاد العربية إلى ما يقارب خمسمائة متر مكعب في العام، بحسب إحصاءات رسمية حديثة صادرة عن الجامعة العربية.
وقد بلغت أعداد الدول العربية الواقعة تحت خط الفقر المائي (أقل من ألف متر مكعب للفرد سنويا) 19 دولة منها 14 دولة تعاني شحا حقيقيا في المياه؛ إذ لا تكفي المياه لسد الاحتياجات الأساسية لمواطنيها، ولأن المنطقة العربية تقع جغرافيا ضمن المناطق الجافة وشبه الجافة فإن 30% من أراضيها الصالحة للزراعة معرضة للتصحر بسبب نقص المياه، وفقا لتلك الإحصاءات.
التعاون العربي
وعلى ذلك الصعيد، شدد الدكتور القوصي على أن التعاون بين الدول العربية المشتركة في أنهار على صعيد الاستخدام الأمثل للموارد المائية هو "الكنز" الحقيقي الذي يجب أن تركز عليه الدول العربية في الفترة المقبلة.
وضرب مثالا على هذا التعاون الذي يمكن أن يحدث بمصر والسودان في منطقة بحر الغزال (جنوب السودان) التي يفقد فيها نهر النيل كثيرا من موارده المائية في المستنقعات التي تصل مساحتها لنحو !!!40 ‬ألف كيلومتر مربع من مساحة حوض بحر الغزال البالغة !!!٦٢٥ ‬ألف كيلومتر مربع، وتستقبل أمطارا تتراوح!!! ‬كمياتها بين 500 و550 ‬مليار متر مكعب سنويا تفقد في هذه المستنقعات، ولا يصل لمصر منها سوى نصف مليار متر مكعب فقط!!!.‬
وتبلغ حصة السودان من مياه النيل 18.5 مليار متر مكعب سنويا، فيما تبلغ حصة مصر 55 مليار متر مكعب.
ولفت الدكتور القوصي إلى أن عددا من الدول العربية تستخدم بكفاءة تقنية تحلية مياه البحر خاصة الكويت وليبيا، وهذه الدول -خاصة الكويت، التي تراكمت لديها خبرات ضخمة في هدا المجال عبر نصف قرن- باتت مطالبة بنقل هذه الخبرة لبقية البلدان العربية.
واستغرب تصرفات الدول العربية التي تجري فيها الأنهار مثل مصر والعراق وسوريا ولبنان، وفي نفس الوقت تسرف في استخدام المياه الجوفية، معتبرا أن هذا "يمثل قمة الهدر في الموارد المائية المتاحة".
وشدد على أهمية المحافظة على المياه الجوفية كمخزون إستراتيجي، ستعود إليه هذه البلدان في أي طوارئ في المستقبل، ففي ظل التغيرات المناخية التي يشهدها العالم لم يعد أحد يستطيع التنبؤ بشيء بشأن زيادة أو نقصان الموارد المائية الدائمة الممثلة في الأنهار.
معالجة مياه الصرف
ومن بين الحلول الأخرى المطروحة لتحسين الأمن المائي العربي، يرى الدكتور خالد عيد، الباحث في "معهد بحوث المياه" في مصر، أن معالجة مياه الصرف الصحي والزراعي وإعادة استخدامها وفق الضوابط والمعايير العالمية المتعارف عليها بات مطلبا ملحا على الدول العربية للحفاظ على مواردها المائية.
واعتبر أن دولة مثل مصر وحدها تفقد سنويا 12 مليار متر مكعب من المياه في الصرف الصحي، أي ما يوازي 22% من إجمالي حصتها من مياه النيل.
وكشف تقرير صدر مؤخرا عن البرنامج العالمي لتقييم المياه بالتنسيق مع المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو" أن مصر تستخدم 16% من مياه الصرف المعالجة في الزراعة.
وسجل التقرير تميز قطاع غزة في مجال استخدام المياه المعالجة في الزراعة؛ حيث يتم الاستفادة من 40% من مياه الصرف الصحي في الزراعة بعد معالجتها، فيما تستخدم إسرائيل 15% فقط.
الاستهلاك المنزلي
وتؤكد الإحصاءات أن الأجهزة المنزلية الموجودة داخل الحمامات والمطابخ سبب مهم أيضا في الفاقد المائي، والذي يقدر بحوالي 3 أمتار مكعبة داخل كل منزل في مصر -باعتبارها الدولة الوحيدة التي تملك إحصاءات في هذا الشأن- مما يصل إجمالا إلى كمية هدر تقدر بـ500 مليون متر مكعب سنويا.
وفي هذا السياق شدد الدكتور القوصي على أن التوعية ضرورية حتى يعلم المواطنون العرب حجم مشكلة نقص المياه المقبلين عليها، وأن يتكاتفوا مع الأجهزة الرسمية في الحفاظ على الثروة المائية تجنبا لحدوث الأزمات المستقبلية.
لكنه نوه إلى أن "الصدق مع النفس يؤكد صعوبة الوصول إلى الترشيد الأمثل بدرجة 100% فالدولة الوحيدة التي ترتفع فيها الكفاءة لنسبة 95% هي اليابان.. لكن كل لتر يتم توفيره سيعود بالنفع على المجموع".
الاتفاقات الدولية
ويجمع أيضا خبراء المياه والري في الوطن العربي على أهمية تحرك الدول العربية لتحقيق الأمن المائي لشعوبها، من خلال عقد أو تحديث الاتفاقيات الدولية التي تنظم العلاقة بين دول المنابع غير العربية المجاورة ودول المصب العربية.
يذكر أن أهم مصادر المياه العربية المتمثلة في الأنهار الكبيرة تنبع في دول غير عربية، كما هو الحال في نهر النيل بمنابعه الإثيوبية والأوغندية، وفي نهر دجلة بمنابعه التركية والإيرانية، وفي الفرات بمنابعه التركية، ونهر الأردن بمنابعه الخاضعة لسيطرة إسرائيل.
كما يجمع الخبراء على أن الالتزام "بخارطة الطريق" التي وضعوها، من شأنه تجنب وصول أزمة المياه في الوطن العربي إلى طريق مسدود، خاصة أن هناك تقارير متشائمة ترى أن المنطقة العربية قد تصل إلى حالة من النقص الحاد في المياه والجفاف بحلول 2025 إذا لم يتم التعاطي بفاعلية مع تلك الأزمة.
يشار في هذا الصدد إلى أن تقريرا صدر العام الماضي في اليابان حذر من أن ما يعرف باسم "الهلال الخصيب" (العراق) سوف يفقد أي آثار للخصوبة قبل نهاية هذا القرن، مع تدهور إمدادات المياه من نهر الفرات ودجلة، بحسب ما نشرته صحيفة المستقبل اللبنانية قبل أيام.
ويرى خبراء أن الأرقام المتعلقة بالمياه العذبة في العالم تدعو للقلق؛ فهي لا تمثل -بحسب إحصاءات رسمية- أكثر من 3% فقط من مجمل المياه الموجودة على كوكب الأرض، 77.6% من هذه النسبة على هيئة جليد، و21.8% مياه جوفية، والكمية المتبقية بعد ذلك والتي لا تتجاوز 0.6% هي المسئولة عن تلبية احتياجات أكثر من ستة مليارات من البشر في كل ما يتعلق بالنشاط الزراعي والصناعي وسائر الاحتياجات اليومية.

المصدر
 
عودة
أعلى