قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن منظومة الدفاع الجوي “باتريوت” التي كانت متمركزة سابقًا في إسرائيل قد دخلت الخدمة داخل أوكرانيا منذ شهر تقريبًا، مؤكداً أن هذه الخطوة عززت قدرات بلاده في مواجهة الهجمات الجوية الروسية التي تعتمد بشكل متزايد على الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة الانتحارية. وأوضح أن أوكرانيا ستتسلم خلال الخريف المقبل منظومتين إضافيتين من طراز باتريوت، في إطار خطة أوسع لتوسيع شبكة الدفاع الجوي متعددة الطبقات التي تسعى كييف إلى بنائها بدعم من حلفائها.
ويُنظر إلى هذه الخطوة باعتبارها مؤشراً على مستوى غير مسبوق من التعاون الأمني بين إسرائيل وأوكرانيا، ولو بشكل غير مباشر، خاصة وأن إسرائيل لطالما تجنبت الانخراط العلني في الحرب بسبب حساسياتها مع موسكو وتوازناتها في الشرق الأوسط. غير أن نقل بطارية باتريوت من الأراضي الإسرائيلية إلى أوكرانيا بعد خضوعها لعمليات تحديث ودمج مطلع العام الجاري يؤكد أن هناك قراراً استراتيجياً لدى الحلفاء الغربيين بضرورة سد الثغرات الدفاعية في سماء كييف. صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية كانت قد كشفت في مايو الماضي أن هذه المنظومة هي جزء من خطة أوسع لتوزيع أصول دفاعية متقدمة في أوروبا الشرقية لمواجهة التحديات الروسية المتصاعدة.
وفي السياق ذاته، أعلن السفير الإسرائيلي لدى أوكرانيا ميخائيل برودسكي في يونيو المنصرم أن المنظومات التي كانت تُستخدم سابقاً للدفاع عن أجواء إسرائيل أصبحت متمركزة الآن على الأراضي الأوكرانية، وهو تصريح يعكس تحولاً لافتاً في الموقف الإسرائيلي الرسمي تجاه الحرب، ولو أن تل أبيب ما تزال تتجنب تأطير ذلك ضمن إطار "مساعدة مباشرة" لئلا تثير غضب موسكو.
منظومة “باتريوت” التي طورتها شركة "رايثيون" الأمريكية تُعد واحدة من أكثر الأنظمة الدفاعية تطوراً في العالم، حيث صُممت لاعتراض وتدمير الطائرات، والصواريخ الباليستية، وصواريخ الكروز، بل وحتى التهديدات الجوية منخفضة الارتفاع. وتعمل هذه البطاريات على توفير غطاء جوي محكم ضد الهجمات بعيدة المدى، ما يمنح أوكرانيا أداة استراتيجية لحماية مراكزها الحضرية الكبرى ومنشآتها الحيوية مثل محطات الطاقة والمطارات، فضلاً عن تعزيز حماية الوحدات العسكرية المنتشرة على خطوط القتال الأمامية.
وتأتي هذه الخطوة في ظل تصاعد الهجمات الروسية باستخدام صواريخ "كينجال" الفرط صوتية والطائرات المسيّرة الإيرانية الصنع "شاهد"، وهي هجمات أرهقت الدفاعات التقليدية الأوكرانية ودفعت كييف إلى إلحاح متكرر على حلفائها لتوفير المزيد من بطاريات باتريوت. فمنذ دخولها الخدمة لأول مرة في أوكرانيا عام 2023، لعبت هذه المنظومة دوراً محورياً في اعتراض صواريخ باليستية متقدمة، الأمر الذي جعلها محط أنظار العالم، خصوصاً بعد أن أكدت تقارير استخباراتية أن باتريوت نجح في إسقاط صواريخ روسية يفترض أنها "لا تُقهر".
ويرى خبراء أن وجود بطارية إسرائيلية سابقة في أوكرانيا لا يمثل مجرد تعزيز تكتيكي للدفاعات الجوية، بل يشير أيضاً إلى بُعد سياسي يتجاوز ميدان المعركة. إذ أن السماح بنقل هذه المنظومة من إسرائيل إلى أوكرانيا يضع تل أبيب في موقع شريك ضمنياً في الجهود الغربية ضد موسكو، وهو ما قد ينعكس لاحقاً على مواقف روسيا من ملفات حساسة في الشرق الأوسط مثل سوريا وإيران.
من هنا، فإن وصول البطارية الإسرائيلية السابقة إلى كييف يكتسب أهمية مزدوجة: فمن جهة هو دعم عملي لقدرات أوكرانيا الدفاعية في مواجهة هجمات متواصلة وواسعة النطاق، ومن جهة أخرى هو إشارة سياسية قوية بأن الحرب في أوكرانيا باتت ساحة يتقاطع فيها نفوذ الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية بشكل أوضح من أي وقت مضى. ويبدو أن كييف تراهن على هذا البعد السياسي بقدر ما تراهن على القوة النارية والتكنولوجية لمنظومة باتريوت.