أعلن جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" الأسبوع الماضي أنه أحبط مخططًا لخلية تابعة لحركة حماس تتمركز في تركيا، كانت تهدف إلى اغتيال وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير. وسارعت أنقرة إلى نفي أي صلة لها بالأمر. لكن هذا الكشف أثار سؤالًا متفجرًا: هل يمكن أن تكون تركيا قد ساعدت حماس في محاولة اغتيال وزير إسرائيلي؟
لو نجح المخطط، لكانت إسرائيل قد فسرت ذلك كعمل من أعمال الحرب. حتى وقت قريب، كان احتمال اندلاع صراع مسلح بين تركيا وإسرائيل – وهما شريكان استراتيجيان لكل من الولايات المتحدة وأوروبا – أمرًا لا يمكن تصوره.
بذور المواجهة كانت تنمو منذ سنوات. دعم أنقرة العلني لحماس، إلى جانب تعزيزها العسكري في سوريا، يمكن النظر إليهما كجزء من سياسة خارجية ذات طابع عثماني جديد تهدف إلى إزاحة الخصوم وإبراز الهيمنة التركية في الشرق الأوسط.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان واضحًا في مواقفه. فمنذ هجمات حماس في 7 أكتوبر، رفض إدانة الحركة، بل صعّد من خطابه ضد إسرائيل، متهمًا إياها بارتكاب إبادة جماعية تفوق في فداحتها المحرقة.
حكومته حاولت أيضًا فرض عقوبات اقتصادية. وزير الخارجية هاكان فيدان أعلن فرض قيود على المجالين الجوي والبحري أمام الحركة المتجهة إلى إسرائيل. لكن التطبيق كان متذبذبًا. وعلى الرغم من إعلان أنقرة خفض نحو 7 مليارات دولار من حجم التجارة الثنائية في عام 2024، فإن النفط الأذري واصل التدفق عبر تركيا إلى إسرائيل.
قد تبدو هذه الإجراءات شكلية، لكن في القانون الدولي تُعتبر الحصارات أعمال حرب. ويُضاف إليها محاولة اغتيال مسؤول حكومي إسرائيلي انطلاقًا من الأراضي التركية.
أما من جانب إسرائيل، فقد كان الرد بالحدة نفسها. إذ بادر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في خطوة غير مسبوقة، إلى الاعتراف علنًا بـ الإبادة الجماعية للأرمن على يد العثمانيين خلال الحرب العالمية الأولى. هذا التصعيد الخطابي يتجاوز مجرد الاستعراض السياسي.
وعلى عكس إسرائيل، حيث للرأي العام تأثير على السياسات، فإن العداء لليهود في تركيا أصبح سياسة حكومية راسخة، مدفوعة بأجندة أردوغان الشخصية والنخبة الحاكمة ذات التوجهات الإسلامية، التي تنظر بإيجابية إلى حماس وقضيتها.
لسنوات طويلة، استضافت أنقرة قادة حماس، وسمحت بإقامة مهرجانات علنية تكريمية لهم، وأتاحت للحركة جمع التبرعات والتجنيد على أراضيها. كبار قادة حماس يحتفظون بمكاتب في إسطنبول ويمارسون نشاطهم بحرية نسبية.
أردوغان لا ينظر إلى حماس كمنظمة إرهابية، بل يصفها بـ "حركة مقاومة شرعية". هذا الدعم يميز تركيا عن غيرها من الدول المنتقدة لإسرائيل؛ فبينما تقول قطر إنها تستضيف حماس لأغراض دبلوماسية، توفر أنقرة للحركة غطاءً سياسيًا وبنية تحتية عملية لعملياتها. وبينما أدانت جامعة الدول العربية بقوة أفعال حماس، فإن تركيا، وهي عضو في الناتو، تدعم الحركة علنًا.
الهجوم الإسرائيلي المفاجئ الذي استهدف كبار قادة حماس في قطر كان بمثابة جرس إنذار لأنقرة: إذا تمكنت إسرائيل من استهداف حماس في الدوحة، فما الذي يمنعها من فعل الشيء نفسه في تركيا؟ لذا تخشى أنقرة بحق أن تكون الهدف التالي على قائمة إسرائيل.
لكن الخطر الأكبر لاندلاع حرب بين إسرائيل وتركيا لا يكمن حاليًا في الاغتيالات أو التصريحات النارية، بل في التنافس على السيطرة في سوريا.
أنقرة تتهم إسرائيل بالسعي إلى زعزعة استقرار نظام الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، على أمل أن يؤدي ذلك إلى تفتيت سوريا إلى كانتونات طائفية وفوضى تستغلها إسرائيل لترسيخ وجود دائم في جنوب سوريا بذريعة حماية الأقلية الدرزية. أما إسرائيل، فلا تثق بقدرة الشرع على توفير استقرار حقيقي، وهدفها الأساسي هو ضمان أن الحاكم السوري الجديد، وهو جهادي سابق، لن يمتلك قدرات عسكرية تشكل تهديدًا لها.
إسرائيل من جانبها ترى أن التوسع العسكري التركي في سوريا جزء من حملة لفرض هيمنة إقليمية، مستخدمة الشرع كأداة ووكيلًا لها، على غرار ما فعلته إيران مع حزب الله وحماس والحوثيين. أنقرة سلحت ودربت الجيش السوري الجديد، رغم استمرار صلاته بالجماعات الجهادية واستهدافه المستمر للأقليات.
كلا الطرفين يملكان بالفعل وجودًا عسكريًا كبيرًا داخل سوريا: القوات التركية متمركزة في الشمال، بينما القوات الإسرائيلية تسيطر على الجنوب. وساطة أذربيجان نجحت في أبريل بإرساء آلية لتفادي الاشتباك العرضي، لكن باستثناء هذا الترتيب الضيق، لا توجد قنوات رسمية لمنع التصعيد.
وقد شهدت الفترة الأخيرة احتكاكات مباشرة بين الطرفين داخل سوريا. بعد اشتباكات بين الدروز والقبائل البدوية السنية في يوليو، أعلنت تركيا استعدادها لتقديم دعم عسكري إضافي ضد إسرائيل التي تحركت لحماية المجتمعات الدرزية. وقبل أسبوعين فقط، نفذت إسرائيل ضربة دمّرت خلالها معدات مراقبة تركية في سوريا.
على الورق، تمتلك إسرائيل تفوقًا تكنولوجيًا واضحًا: أسطول مقاتلات F-35، منظومة القبة الحديدية، وأنظمة الحرب الإلكترونية المتقدمة تمنحها السيادة الجوية.
لكن تركيا تتمتع بميزة الحجم. إذ خلصت دراسة حديثة إلى أن "الجيش التركي واحد من أكبر جيوش الحلف، حيث يحتل المرتبة الثانية من حيث العدد بعد الولايات المتحدة بين أعضاء الناتو".
إسرائيل تملك ترسانة نووية غير معلنة لكنها معروفة على نطاق واسع، وهو ما يشكل رادعًا هائلًا. تركيا لا تستطيع مجاراة هذا التوازن، لكنها تستمد قوتها من عضويتها في الناتو وقدرتها على تعقيد استراتيجيات الولايات المتحدة وأوروبا. اندلاع حرب بين البلدين من شأنه أن ينسف منظومة الأمن الغربية في الشرق الأوسط ويهز الأسواق العالمية.
وإذا اندلعت الحرب، فلن تقتصر الخسائر على الدمار في سوريا، بل قد تمتد المواجهات إلى البحر المتوسط حيث تتقاطع القوة البحرية التركية مع البنية التحتية الإسرائيلية للطاقة البحرية. وسترافق القتال المفتوح هجمات إلكترونية وإرهاب وحروب بالوكالة. كما ستُجبر قوى إقليمية مثل مصر واليونان ودول الخليج على الانحياز إلى أحد الطرفين، بينما قد تجد قوى كبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين نفسها منخرطة في الصراع.
النتيجة حينها لن تكون مجرد نزاع جديد في الشرق الأوسط، بل زلزال استراتيجي يعصف بحلف الناتو، ويفكك التحالفات، ويعيد رسم ميزان القوى العالمي.
في الواقع، كشف الشاباك عن محاولة الاغتيال يسلط الضوء على حقيقة صارخة: خطر الحرب بين إسرائيل وتركيا لم يعد مجرد احتمال نظري.
يبقى السؤال: هل يرغب أي من الطرفين حقًا في مواجهة من هذا النوع؟ قوة الردع الإسرائيلية تستند إلى تفوق نوعي وغموض نووي، فيما تكمن قوة تركيا في عدد قواتها ورغبة أردوغان في خوض سياسة حافة الهاوية.
حتى الآن، ما زالت آليات تجنب التصعيد والردع متماسكة. لكن مسار الخطاب السياسي والتحالفات والانتشار العسكري يشير إلى اتجاه بالغ الخطورة.
وإذا اندلع صراع مفتوح، فستكون النتائج كارثية – ليس فقط على البلدين، بل على الشرق الأوسط بأكمله والنظام الأمني الغربي.
لو نجح المخطط، لكانت إسرائيل قد فسرت ذلك كعمل من أعمال الحرب. حتى وقت قريب، كان احتمال اندلاع صراع مسلح بين تركيا وإسرائيل – وهما شريكان استراتيجيان لكل من الولايات المتحدة وأوروبا – أمرًا لا يمكن تصوره.
بذور المواجهة كانت تنمو منذ سنوات. دعم أنقرة العلني لحماس، إلى جانب تعزيزها العسكري في سوريا، يمكن النظر إليهما كجزء من سياسة خارجية ذات طابع عثماني جديد تهدف إلى إزاحة الخصوم وإبراز الهيمنة التركية في الشرق الأوسط.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان واضحًا في مواقفه. فمنذ هجمات حماس في 7 أكتوبر، رفض إدانة الحركة، بل صعّد من خطابه ضد إسرائيل، متهمًا إياها بارتكاب إبادة جماعية تفوق في فداحتها المحرقة.
حكومته حاولت أيضًا فرض عقوبات اقتصادية. وزير الخارجية هاكان فيدان أعلن فرض قيود على المجالين الجوي والبحري أمام الحركة المتجهة إلى إسرائيل. لكن التطبيق كان متذبذبًا. وعلى الرغم من إعلان أنقرة خفض نحو 7 مليارات دولار من حجم التجارة الثنائية في عام 2024، فإن النفط الأذري واصل التدفق عبر تركيا إلى إسرائيل.
قد تبدو هذه الإجراءات شكلية، لكن في القانون الدولي تُعتبر الحصارات أعمال حرب. ويُضاف إليها محاولة اغتيال مسؤول حكومي إسرائيلي انطلاقًا من الأراضي التركية.
أما من جانب إسرائيل، فقد كان الرد بالحدة نفسها. إذ بادر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في خطوة غير مسبوقة، إلى الاعتراف علنًا بـ الإبادة الجماعية للأرمن على يد العثمانيين خلال الحرب العالمية الأولى. هذا التصعيد الخطابي يتجاوز مجرد الاستعراض السياسي.
وعلى عكس إسرائيل، حيث للرأي العام تأثير على السياسات، فإن العداء لليهود في تركيا أصبح سياسة حكومية راسخة، مدفوعة بأجندة أردوغان الشخصية والنخبة الحاكمة ذات التوجهات الإسلامية، التي تنظر بإيجابية إلى حماس وقضيتها.
لسنوات طويلة، استضافت أنقرة قادة حماس، وسمحت بإقامة مهرجانات علنية تكريمية لهم، وأتاحت للحركة جمع التبرعات والتجنيد على أراضيها. كبار قادة حماس يحتفظون بمكاتب في إسطنبول ويمارسون نشاطهم بحرية نسبية.
أردوغان لا ينظر إلى حماس كمنظمة إرهابية، بل يصفها بـ "حركة مقاومة شرعية". هذا الدعم يميز تركيا عن غيرها من الدول المنتقدة لإسرائيل؛ فبينما تقول قطر إنها تستضيف حماس لأغراض دبلوماسية، توفر أنقرة للحركة غطاءً سياسيًا وبنية تحتية عملية لعملياتها. وبينما أدانت جامعة الدول العربية بقوة أفعال حماس، فإن تركيا، وهي عضو في الناتو، تدعم الحركة علنًا.
الهجوم الإسرائيلي المفاجئ الذي استهدف كبار قادة حماس في قطر كان بمثابة جرس إنذار لأنقرة: إذا تمكنت إسرائيل من استهداف حماس في الدوحة، فما الذي يمنعها من فعل الشيء نفسه في تركيا؟ لذا تخشى أنقرة بحق أن تكون الهدف التالي على قائمة إسرائيل.
لكن الخطر الأكبر لاندلاع حرب بين إسرائيل وتركيا لا يكمن حاليًا في الاغتيالات أو التصريحات النارية، بل في التنافس على السيطرة في سوريا.
أنقرة تتهم إسرائيل بالسعي إلى زعزعة استقرار نظام الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، على أمل أن يؤدي ذلك إلى تفتيت سوريا إلى كانتونات طائفية وفوضى تستغلها إسرائيل لترسيخ وجود دائم في جنوب سوريا بذريعة حماية الأقلية الدرزية. أما إسرائيل، فلا تثق بقدرة الشرع على توفير استقرار حقيقي، وهدفها الأساسي هو ضمان أن الحاكم السوري الجديد، وهو جهادي سابق، لن يمتلك قدرات عسكرية تشكل تهديدًا لها.
إسرائيل من جانبها ترى أن التوسع العسكري التركي في سوريا جزء من حملة لفرض هيمنة إقليمية، مستخدمة الشرع كأداة ووكيلًا لها، على غرار ما فعلته إيران مع حزب الله وحماس والحوثيين. أنقرة سلحت ودربت الجيش السوري الجديد، رغم استمرار صلاته بالجماعات الجهادية واستهدافه المستمر للأقليات.
كلا الطرفين يملكان بالفعل وجودًا عسكريًا كبيرًا داخل سوريا: القوات التركية متمركزة في الشمال، بينما القوات الإسرائيلية تسيطر على الجنوب. وساطة أذربيجان نجحت في أبريل بإرساء آلية لتفادي الاشتباك العرضي، لكن باستثناء هذا الترتيب الضيق، لا توجد قنوات رسمية لمنع التصعيد.
وقد شهدت الفترة الأخيرة احتكاكات مباشرة بين الطرفين داخل سوريا. بعد اشتباكات بين الدروز والقبائل البدوية السنية في يوليو، أعلنت تركيا استعدادها لتقديم دعم عسكري إضافي ضد إسرائيل التي تحركت لحماية المجتمعات الدرزية. وقبل أسبوعين فقط، نفذت إسرائيل ضربة دمّرت خلالها معدات مراقبة تركية في سوريا.
على الورق، تمتلك إسرائيل تفوقًا تكنولوجيًا واضحًا: أسطول مقاتلات F-35، منظومة القبة الحديدية، وأنظمة الحرب الإلكترونية المتقدمة تمنحها السيادة الجوية.
لكن تركيا تتمتع بميزة الحجم. إذ خلصت دراسة حديثة إلى أن "الجيش التركي واحد من أكبر جيوش الحلف، حيث يحتل المرتبة الثانية من حيث العدد بعد الولايات المتحدة بين أعضاء الناتو".
إسرائيل تملك ترسانة نووية غير معلنة لكنها معروفة على نطاق واسع، وهو ما يشكل رادعًا هائلًا. تركيا لا تستطيع مجاراة هذا التوازن، لكنها تستمد قوتها من عضويتها في الناتو وقدرتها على تعقيد استراتيجيات الولايات المتحدة وأوروبا. اندلاع حرب بين البلدين من شأنه أن ينسف منظومة الأمن الغربية في الشرق الأوسط ويهز الأسواق العالمية.
وإذا اندلعت الحرب، فلن تقتصر الخسائر على الدمار في سوريا، بل قد تمتد المواجهات إلى البحر المتوسط حيث تتقاطع القوة البحرية التركية مع البنية التحتية الإسرائيلية للطاقة البحرية. وسترافق القتال المفتوح هجمات إلكترونية وإرهاب وحروب بالوكالة. كما ستُجبر قوى إقليمية مثل مصر واليونان ودول الخليج على الانحياز إلى أحد الطرفين، بينما قد تجد قوى كبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين نفسها منخرطة في الصراع.
النتيجة حينها لن تكون مجرد نزاع جديد في الشرق الأوسط، بل زلزال استراتيجي يعصف بحلف الناتو، ويفكك التحالفات، ويعيد رسم ميزان القوى العالمي.
في الواقع، كشف الشاباك عن محاولة الاغتيال يسلط الضوء على حقيقة صارخة: خطر الحرب بين إسرائيل وتركيا لم يعد مجرد احتمال نظري.
يبقى السؤال: هل يرغب أي من الطرفين حقًا في مواجهة من هذا النوع؟ قوة الردع الإسرائيلية تستند إلى تفوق نوعي وغموض نووي، فيما تكمن قوة تركيا في عدد قواتها ورغبة أردوغان في خوض سياسة حافة الهاوية.
حتى الآن، ما زالت آليات تجنب التصعيد والردع متماسكة. لكن مسار الخطاب السياسي والتحالفات والانتشار العسكري يشير إلى اتجاه بالغ الخطورة.
وإذا اندلع صراع مفتوح، فستكون النتائج كارثية – ليس فقط على البلدين، بل على الشرق الأوسط بأكمله والنظام الأمني الغربي.